الوحدة

العيد مهرجان للوحدة والمعنوية

المناسبة: عيد الفطر السعيد

الزمان والمكان: 1 شوال 1421هـ ـ طهران

الحضور: كبار مسؤولي الدولة وعدد من سفراء الدول الإسلامية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أبارك حلول عيد الفطر السعيد لجميع أبناء الأمة الإسلامية وأبناء شعبنا العظيم ولكم أيها الحاضرون الكرام من كبار المسؤولين في البلاد وضيوف وسفراء الدول الإسلامية، سائلاً المولى جل وعلا أن يمنّ عليكم بقبول الأعمال والصيام وما خضتم من جهاد للنفس خلال شهر رمضان المبارك، ويجعله ذخراً لكم ولأبناء شعبنا وللأمة الإسلامية الكبرى.

العيد عامل لتحقيق الوحدة وتعزيز المعنوية

لعل أبرز ما يتميز به عيد الفطر أنه مهرجان معنوي وعالمي، فعلى العكس من الأعياد العالمية التي تتميز ببعدها السياسي المحض، فإن لهذا العيد بعده المعنوي الجليّ البارز، فإننا ندعو في قنوت صلاة العيد: «أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً ولمحمد صلّى الله عليه وآله ذخراً وشرفاً وكرامة ومزيداً».

إنه عيد للمسلمين قاطبة، ومدعاة شرف للإسلام ونبيّه (ص)، ومبعث عزة للمسلمين وذخر للفقراء؛ وعلى المسلمين استثمار هذه الذخيرة لتحقيق أمرين: أحدهما الوحدة والتلاحم بين المسلمين، والآخر هو تعزيز الجانب المعنوي على امتداد العالم الإسلامي. ولقد تعرض كلا البعدين الذين يعدان من عناصر التكامل والرقي في العالم الإسلامي إلى التشويه؛ إذ تصدعت وحدة المسلمين في وقتنا الراهن بسبب إثارة النعـرات الطائفية والفئوية والعنصـرية والقومية ورفع الشعـارات الهدامـة.

على المسلمين أن يضعوا شعار الوحدة والتضامن بينهم على رأس مهامّهم، إذ إنه يمثل ـ اليوم ـ أنجع شعار بالنسبة لهم.

كلنا يعلم بالمساعي الحثيثة التي دأبت عليها قوى الاستعمار والاستكبار وأذنابهم لزعزعة هذه الوحدة عن طريق التشبث بشتى ضروب التحليل وأصنافه، ومن أكثرها خبثاً مؤامرة احتلال فلسطين وزرع الشجرة الصهيونية الخبيثة في أرض فلسطين الإسلامية؛ أي في قلب الشعوب والبلدان الإسلامية.

أما الأمر الآخر فهو الجانب المعنوي؛ فالمستعمرون حينما جاؤوا وبادروا إلى نهب ثرواتنا ونفطنا وسلبوا منّا الاستقلال والعزة والوحدة، قاموا أيضاً بالسطو على ما لدينا من معنويات وبسطوا مادّيتهم على امتداد العالم الإسلامي وجعلوا منها ثقافة اتخذت صوراً وأبعاداً شتي.

فاليوم لابد أن تتحول العودة إلى معنويات الإسلام وحقيقته والبعد المعنوي الذي يستبطنه الدين، إلى شعار يرفعه المسلمون؛ فهم بحاجة إلى ذلك.

التمسك بوحدة الكلمة في قضية فلسطين من أهم الفرائض

لو كنّا متوحّدين ومتمسكين بالمعنويات الإسلامية لما تجرأ العدو بمثل هذه الوقاحة على اضطهاد أبناء الشعب الفلسطيني وقمعهم وممارسة الضغوط عليهم وهم في ديارهم. إن الحوادث الجارية في فلسطين تقرح فؤاد كل غيور ولو لم يكن متعمقاً في تدينه، وتسلب منه السكينة والراحة؛ فمن ذا الذي يشاهد منظراً مروعاً يصور مصرع طفل في الثانية من عمره ثم يخلد إلى النوم وهو مرتاح البال؟ ومَن ذا الذي لا يعتصره الألم وهو يرى شعباً محاصراً في دياره وأزقته وشوارع المدن التي هي ملك له وقد دفن فيها أجداده منذ قرون؟

إنهم يحاصرون اليوم أبناء القدس والخليل وغزة وسائر مناطق الوطن السليب، ويقتلونهم في ديارهم، ويفجعون الآباء والأمهات بأبنائهم؛ إنهم يجوعونهم ويمارسون بحقهم حصاراً اقتصادياً.

هل كان ممكناً وقوع مثل ذلك لو كانت الأمة الإسلامية متحدة؟! إن من أهم الواجبات المفروضة علينا اليوم ـ نحن الشعوب والحكومات الإسلامية ـ أن نتمسك بوحدة الكلمة فيما يخص هذه القضية.

إن آلام الشعب الفلسطيني وهمومه هي آلامنا وهمومنا، ولقد ارتفعت صرخته منادياً: يا للمسلمين! والواجب يفرض على زعماء الدول الإسلامية جميعاً تلبية هذا النداء، فإن الله سبحانه وتعالى سيحاسبهم إن هم قصروا.

إننا جميعاً ملزمون بهذا الواجب الذي يسمو بنفسه على الحسابات السياسية، وإن كانت الحسابات السياسية نفسها تستدعي أن يتكاتف العالم الإسلامي بأجمعه ويضع أبناؤه يداً بيد للوقوف بوجه الصهيونية الغاصبة المعتدية، إذ إن خطرها يتهدد العالم الإسلامي برمّته حتى تلك الدول التي تراودها أوهام جني المصالح بإقامة العلاقات مع الدويلة الصهيونية الغاصبة؛ فوجود الصهاينة يستبطن المزيد من الخسائر لهذه الدول.

إن هذه الغدة السرطانية وهذه الشجرة الخبيثة التي غرست هنا تمثل اليوم خطراً يداهم كيان وهوية كافة الدول والحكومات الإسلامية، ولابد من تقديم العون لفلسطين، ولا مندوحة من ذلك، وإن لم نفعل فلاشك أن هناك قوماً سينبرون للنهوض بهذه المهمة {فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه}. فتلك سنة إلهية.

ها هو الشعب الفلسطيني قد انتفض اليوم بعد أن كان قُدّر له أن يغط بغفلته فيما سلف من الأيام وهو أمر قد وقع، أما اليوم فقد استيقظ الشعب الفلسطيني، وإن النصر سيكون حليفه لا محالة.

ربما يطول هذا الجهاد، غير أن النصر حقيقة لا يعتريها الريبة، وإذا ما تقاعسنا نحن فإن الله سينجز ذلك على أيدي عباد غيرنا؛ إنه تكليفنا في الوقت الحاضر على أمل أن نفلح في تأديته، ويتمثل الواجب المفروض على الحكومات الإسلامية في مد يد العون مالياً وسياسياً وإعلامياً للشعب الفلسطيني. ولقد كشف يوم القدس العالمي في هذا العام ـ والحمد لله ـ عن التزام الشعوب الإسلامية بهذا الواجب ما وسعها.

نسأل الله جل وعلا أن يمنحنا الجد والاجتهاد، ويمن علينا بالتوفيق لأداء تكاليفنا، وينير أمامنا الدرب ويمنحنا العزم والإرادة لسلوكه.

نسأله تعالى أن يحشر شهداء فلسطين وكافة الشهداء الذين قضوا في سبيل تحقيق الاستقلال وبلوغ عزة الإسلام مع أوليائهم.

نسأل الله تعالى أن يحشر إمامنا العظيم ـ أول مَن أطلق نداء تحرير فلسطين في العالم الإسلامي ـ مع أوليائه، وأن يشملنا بعنايات مولانا بقية الله الأعظم (عج) ويستجيب دعاءه فينا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته