محمد ص

عيد العزة الإسلامية

 

المناسبة: عيد الفطر السعيد

الزمان: 1 شوال 1418 هـ ـ طهران

الحضور: مسؤولو الدولة وسفراء الدول الإسلامية وجمع من أبناء الشعب

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أهنّئ بمناسبة هذا العيد الكبير جميع مسلمي العالم والشعوب الإسلامية والشعب الإيراني العظيم، وأهنّئ الحضور الكرام في هذا المجلس. وأدعو الله تعالى أن يجعل هذا اليوم يوم عيد وفرح وتوفيق حقّاً للشعب الإيراني وللأمّة الإسلامية، وان تنعكس آثار ما قام به أبناء شعبنا من عبادة في شهر رمضان، على نفوسهم وسلوكهم وعملهم من هذا اليوم فلاحقاً.

من جملة خصائص هذا العيد وبعض الأعياد الإسلامية الأخرى انه لا يختص بفئة معيّنة من مجموع الأمة الإسلامية الكبرى. ونحن المسلمين يجب علينا اليوم التركيز على النقاط المشتركة التي تجمع بين كافة المسلمين في شرق العالم الإسلامي وغربه، ومن أي بلد ومن أي قوم كانوا ومن مختلف اللغات والثقافات، حول محور التوحيد وكلمة الإسلام العُليا. وعيد الفطر السعيد من جملة تلك النقاط المشتركة. ومن الطبيعي أن بعض الأعياد الأخرى تحمل هذه الخاصّية أيضاً. ولهذا يستحب عند القنوت في صلاة هذا العيد ـ حسب ما ورد في الروايات ـ ان نقرأ «الذي جعلته للمسلمين عيداً».

العيد معناه ما يعود في كل سنة ويكون سبباً للفرح ومدعاة للسرور. ولكن ما هي الأمور التي تكون سبباً في بهجة الأمّة الإسلامية؟ هي بلاشك الاقتراب من تحقيق الأهداف الإسلامية. فالإسلام قد جعل للمجتمع الإسلامي وللأمة الإسلامية ـ مثلما جعل للفرد المسلم ـ أهدافاً وغايات. ولابدّ من الاعتراف أن الأمة الإسلامية وللأسف بعيدة اليوم عن تلك الأهداف. ونحن كمسلمين، وكأمّة إسلامية لازلنا بعيدين كثيراً عما أراده لنا الإسلام.

يجب أن تكون الأمة الإسلامية اليوم في العالم ـ بفضل الإسلام ـ كالمشعل الوضّاء الذي ينير طريق البشرية، ويشع عليها كنور الشمس بالعطاء والخير، ويبث فيها الدفء والحركة والنشاط، ويبعث فيها الحياة، حتى يبلغ المسلمون {ليكونوا شهداء على الناس}، و {يدعون إلى الخير} ولتكون الأمة الإسلامية رائدة للبشرية على طريق فعل الخيرات. يجب أن يكون للامة الإسلامية قبس من {ان العزّة للّه ولرسوله وللمؤمنين}. إلا انها في وضعها الحالي بعيدة عن هذا.

لقد بدأ التطلع إلى هذه الأهداف ينبثق ـ والحمد للّه ـ في قلوب المسلمين، ونهضت الشعوب الإسلامية بحركات تبشر بالخير. وبدأت القيم الإسلامية تتخذ طابعاً جديداً في كل آفاق العالم الإسلامي، على العكس مما كان أعداء الإسلام يطمحون إلى تحقيقه في محو هذه القيم من الحياة الإنسانية. حينما ننظر اليوم إلى شرق العالم الإسلامي وغربه نجد ان جميع المسلمين أصبحوا أكثر ميلاً لأحكام القرآن النيّرة وللقيم الإسلامية. ولكن يجب بذل جهود أكبر.

لقد حققت ايران الإسلامية بفضل الإسلام عزّتها، وخرجت بفضل الإسلام من تحت نير التسلط الأجنبي، وأصبحت قلوب أبنائها بفضل الإسلام أكثر تلاحماً، ونالت بفضل الإسلام الكثير من الخيرات التي يريدها الإسلام للمسلمين. ان ما نريده نحن في إيران الإسلامية باعتبارنا جزءاً من هذه الأمة، لاخواننا المسلمين في جميع أنحاء العالم هو ان تنظر الحكومات والشعوب إلى الإسلام كمنقذ، وان يعتبروه مصدر عزتهم وفخرهم وكرامتهم.

كان أعداء الإسلام يحاولون الايحاء لكثير من المسلمين ان الإسلام هو سبب تخلّفهم وانحطاطهم! وهذه الايحاءات الشيطانية انما يشيعها من يستهدفون عزل الأمة الإسلامية عن أصلها ليتسنى لهم التحكم بها كما يحلو لهم.

القرآن مصدر عزّة المسلمين. والقرآن لا يقتصر معناه على تلاوته والاعتقاد به فحسب، وانما هو نظام متكامل للحياة الاجتماعية، وفيه تعاليم تضمن توفير حياة سعيدة ومقرونة بالعزّة. وهذه الحقيقة غير خافية ولا مستعصية اليوم على المفكّرين المسلمين. كما وان أبناء الشعوب الإسلامية يعرفون الكثير من الحقائق.

يجب على الشعوب الإسلامية والحكومات الإسلامية والمفكرين والساسة المسلمين، وشبّان البلدان الإسلامية العمل جهد استطاعتهم لتهيئة أذهان شعوبهم، وتوفير الأرضية العملية لتلك الشعوب للعودة إلى الحياة القرآنية، ولتتمكن من السير على طريق العزّة والعظمة.

إنّ التمسك بالماضي وبالتقاليد الجاهلية البالية هو سبب الجمود والانحطاط. أما التمسك بالقرآن فيبعث على التحرر والتنور الفكري، ويقود إلى استخدام العلم والعقل والجهد والابداع. لقد أحيا الإسلام ما مات من الجوانب الاجتماعية والسياسية {إذا دعاكم لما يحييكم}.

لقد نفخ الإسلام روح الحياة في شعوب ميتة ولم تكن تعلم شيئاً عن الحياة الحقيقية والكريمة للمجتمع الإنساني، وجعلها سيّدة نفسها ومنحها راية الإنسانية والدفاع عن بني الإنسان. وهذا لا يقتصر على الأمس. بل هو هكذا اليوم أيضاً بحمد الله، والمثال على ذلك هو بلدنا هذا. فهذا الشعب بقي على مدى قرون متمادية يعيش تحت ضغط الاستبداد لسلاطين الظلم والجور، حتى انه فقد هويته وقدرته على اتخاذ أي قرار أو القيام بأي عمل، وفقد على مدى القرن الأخير، ونتيجة للضغوط المضاعفة من قبل الاستعمار والاستكبار والتدخل الأجنبي، ثقته بنفسه كلياً، إلا ان الإسلام حوّل هذا الشعب إلى شعب سبّاق في ميادين العلم والعمل، وفي ميادين السياسة والفكر، وفي ميادين التعقّل والتأمل، وفي شتى جوانب الابداع في الحياة.

وهذا هو علاج الشعوب الإسلامية. وهذا على وجه الدقة هو الدواء الذي نهى أعداء الإسلام عنه، وهو ما يخشونه تماماً. وتحذيراتهم تلك ليست جديدة، إذ لو اننا القينا نظرة على تاريخ الاستعمار لوجدناه يحذّر من الإسلام الحق منذ بداية تغلغله في البلدان الإسلامية، وظل يكرر تلك التحذيرات أملاً في عزل الإسلام واقصائه عن ساحة حياة الإنسان.

أدعو الله ان يوقظنا جميعاً، وأسأله ان ينقذ الشعوب الإسلامية، والشعب الفلسطيني المظلوم، والشعوب المضطهدة في البلدان الإسلامية التي تعاني الآلام والمآسي وان يبعث الإسلام كملاك لانقاذ جميع الشعوب الإسلامية، وان يحشر الروح الطاهرة لامامنا الخميني الذي فتح لنا هذا الطريق، مع أوليائه، وان يمن بالرحمة على الأرواح الطيبة لجميع الشهداء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته