الكعبة

المرتكزات الأساسية للوحدة بين المسلمين

مدخل:

أود في البداية أن أذكر بنقطتين حول شخصية الإمام الخميني (قده) بشكل عام يفيد تذكرهما أمام بحثنا حول الوحدة بين المسلمين.

الأولى: يجب على أي باحث حول فكر الإمام الخميني (قده) - كما هو مقتضى البحث الموضوعي بشكل عام - أن لا يضع المرء مرتكزاته الفكرية كمحدد لفهم الموضوع مورد البحث بل البحث المجرد للوصول إلى معرفة دقيقة حول ماذا يريد الإمام هنا وكيف ينظر إلى المسألة الفلانية أو الكذائية.

الثانية: أن الإمام كان سباقاً إلى العمل في كل مسألة دعا الناس إليها وحيث نجد نصوصاً وكلاماً كثيراً للإمام حول قضية معينة كموضوعنا فعلينا أن نكون متأكدين مسبقاً أن الإمام قد بذل جهداً عملياً مضنياً في هذا السبيل.

مقدمة:

بسبب التركيز الكثيف على ضرورة وأهمية الوحدة بين المسلمين عند الإمام الخميني (قده) وحثه الدؤوب على ذلك والذي لم ينقطع مطلقاً طيلة مسيرة الإمام منذ بدايات القيام والثورة مروراً بتأسيس الدولة والمجتمع وصولاً إلى هذا اليوم ومن خلال تبني الإمام الخامنئي (دام ظله) السير الكامل على خط الإمام في كافة تفاصيل الخط ومن ضمنها العمل على وحدة المسلمين فإنه وبسبب ذلك قد تنشأ لدى البعض شبهة مفادها بأن الأصل هو الاختلاف والفرقة بين مذاهب المسلمين وطوائفهم وأن تلك الطوائف أو بعضها ليست في الواقع جزأً من الإسلام لذلك احتاج الإمام إلى كل هذا الجهد والعمل ليوحدها ويجعل منها شيئاً واحداً بعد أن كانت كيانات متغايرة وهذه شبهة يجب أن لا يقع البعض ضحيتها، فالإمام إنما بذل كل سعيه ليعيد لجماعة المسلمين أُخوتهم ووحدتهم الضرورية بعد أن استفحل منها على مدى العصور عوامل عديدة منها وجود الحكام المنحرفين وأيدي الاستعمار والجهل المتفشي بين المسلمين بسبب هذين العاملين.

فضرورة الوحدة عند الإمام هي من أجل حفظ وحدة المسلمين أو تقويتها، وليس بمعنى أن الضرورة تلجئ إليها. حتى إذا زالت تلك الضرورة زالت الحاجة إلى الوحدة وعاد المسلمون إلى التفرق أيدي سبأ

والنصوص المأثورة عن الإمام حول أصالة الوحدة بين المسلمين كثيرة جداً ويمكن عرض ملخص وجيز عنها:

- إن جميع المسلمين إخوة متساوون ولا ينفصل أحد عن غيره وعليهم الانضواء جميعاً تحت لواء الإسلام وراية التوحيد.

- إن الإسلام أساسه على المساواة والأخوة والوحدة.

- إن القرآن الكريم يحكم بأن جميع المؤمنين في العالم أخوة، والأخوة متكافئون، إن الأخوة الإسلامية منشأ لكل الخيرات.

- لقد ذكرت مراراً أن لا أهمية للعنصر واللغة والقومية والإقليم في الإسلام فجميع المسلمين سنة وشيعة هم أخوة متكافئون متساوون في المزايا والحقوق الإسلامية وانه ليس في الإسلام سني وشيعي فالكل أخوة.

المرتكزات الأساسية:

و هي عديدة اخترت منها أربعة مرتكزات يمكن أن يندرج تحت بعضها العديد من المرتكزات الأخرى والأساسية أيضا:

1- المرتكز الديني:

فالإسلام هو الدين الجامع ويتحقق ذلك الجمع بالإنضواء تحت شعار (لا اله إلا الله، محمد رسول الله ) والقرآن الكريم هو الكتاب الواحد لجميع المسلمين وهو مبرأ من الزيادة والنقيصة والتحريف. وعقائد هذا الكتاب الإلهي وأحكامه وتعاليمه هي نفسها لجميع المسلمين. والقرآن الكريم حكم بالأخوة بين المؤمنين وساوى بين عربيهم وعجميهم وأبيضهم وأسودهم وفقيرهم وغنيهم ولم يفاضل بينهم إلا بالتقوى وأمرهم جميعاً بالإعتصام بحبل الله وعدم التفرق (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا. إن أكرمكم عند الله اتقاكم) صدق الله العلي العظيم

وقد انعكست هذه التعاليم الوحدوية في كلام الإمام حين يقول:

- لا يوجد في الإسلام تمييز بين الأغنياء وغير الأغنياء ولا بين البيض والسود ولا يوجد امتياز أبداً بين السنة والشيعة... لقد جعل القرآن الكريم العدالة والتقوى ميزاناً، فالإمتياز لمن يملك التقوى.

وإشارة إلى توحد المسلمين في صدر الإسلام في بوتقة الدين الإسلامي يقول(قده) :

«ماذا دهاكم يا مسلمي العالم أنتم الذين استطعتم أن تحطموا القوى العظمى في صدر الإسلام مع قلة عددكم وأوجدتم الأمة الإسلامية الكبيرة واليوم ما يقارب من مليار نسمة وامتلاككم للثروات الكبيرة التي هي أكبر حربة في وجه الأعداء أصبحتم هكذا أذلاء».

ويقول أيضاً: «لقد نزل الإسلام ليوحد جميع شعوب العالم من عرب وعجم وترك وفرس وليقيم في هذا العالم أمة عظيمة هي الأمة الإسلامية».

فإذا كان الله تعالى قد احتاط وتحسب لكل شيء من مصنوعاته فجعل من الماء كل شيء حي وجعل فيه خاصية أن ينقي نفسه بنفسه من الأعراض المضرة الداخلة فيه بسبب طغيان البشرية، أفلا يكون في هذا الدين الآليات الذاتية والمرونة والقدرة على استيعاب الخلافات والانحرافات وتصحيح المسارات رغم كل الانحرافات والأخطاء بقصد الحفاظ على وحدة أتباع هذا الدين وصولاً إلى غاياته وعلى رأسها إقامة الأمة العظيمة والواحدة.

ويمكن أن يندرج تحت هذا المرتكز الأساسي مرتكز آخر نسميه المرتكز العقائدي وخلاصته القول بقبول المسلم الآخر رغم الاختلافات في بعض العقائد، حيث أن العقائد الأساسية والضرورية متفق عليها وعدم المسارعة إلى ثقافة التكفير وإخراج الآخر من الإسلام لمجرد وجود عقائد تغاير عقائدها التفصيلية وفي أكثر الأحيان لا يوجد حتى مثل هذا التغاير بل التطابق وتكون المشكلة في التعبير هنا أو الفهم هناك ويمكن أن يعد الإمام من أوائل المحاربين لفكرة المسارعة إلى تكفير الآخر.

2- المرتكز السياسي والجهادي أو الدفاعي:

يقوم هذا المرتكز الأساسي على فلسفة مفادها أن الإسلام لا يمكنه أن يشق طريقه نحو أهدافه السامية بجناح الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة بعيداً عن جناح الردع المتكئ إلى القوة وذلك لمواجهة أعداء الإسلام والإنسانية المتربصين بالإسلام شراً والذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم وأيديهم وهنا عند الحديث عن تحصيل القدرة والقوة في مواجهة أولئك الجبابرة فإن الإمام يعتبر أن أول وأعظم قدرة يمتلكها المسلمون في مواجهة أعداء الحق هي الإيمان ووحدة الكلمة وبالمقابل فإن أشد الأخطار فتكاً بالمسلمين هو الفرقة والتناحر.

قال الإمام الخميني أمام وفد ديني يمثل علماء المسلمين في المملكة العربية السعودية بعيد انتصار الثورة.

«إذا كانت هناك وحدة إسلامية فلا يعود من معنى لوجود ما يقارب المليار مسلم تحت ضغط القوى الاستعمارية، إن الخلافات في المنطقة هي التي جعلت إسرائيل بقلة عدد أفرادها تقف أمام العرب مع كثرة عددهم وعدتهم... إن سر انتصار الإسلام في البداية أيضاً كان وحدة الكلمة وقوة الإيمان وهذين العاملين أديا إلى انتصار ثلاثين مسلم بقيادة خالد بن الوليد على ستين ألفاً من طلائع جنود الروم، هذا النصر كان من الإسلام ويجب أن نمضي لهذا السبيل».

3- المرتكز الفقهي:

ويمكن ضمن هذا المرتكز الأساسي أن نلمح النقاط التالية:

أ - عدم اعتبار التعدد في المذاهب الفقهية حائلاً أو عائقاً أمام وحدة الكلمة بل هو تعدد طبيعي يمكن أن يدرج في خانة الإختلاف في الإجتهاد لذا لم يأخذ الإمام التوحيد بين المذاهب كشرط مسبق للوحدة كما انه لم يدعوا إلى ذلك بإعتباره هدفاً للوحدة وللتقارب بين المذاهب فلكل مذهب الحرية في الإنفراد في الكثير من تفاصيل الشريعة أو حتى تفاصيل العقيدة من دون أن يعيق ذلك التنوع والإختلاف الوحدة بين المسلمين مطلقاً.

ب- عند ملاحظة فتاوى الإمام الفقهية لاسيما في رسالته العملية وخاصة في الأمور الأساسية نجد أن الإمام لا يتحدث بلغة مذهبية بل يتناول الإسلام بشكل عام وكذلك الشعوب والدول الإسلامية بعامة فمثلاً في كتاب تحرير الوسيلة – فصل الدفاع - يتحدث عن وجوب تصدي المسلمين جميعاً مقابل أي اعتداء يصيب أي شعب أو دولة مسلمة من غير أن يحصر ذلك بشعب أو دولة خاصة بطائفة أو مذهب.

مسألة 1. لو غشي بلاد المسلمين أو ثغورها عدو يخشى منه على بيضة الإسلام ومجتمعهم يجب عليهم الدفاع عنها بأية وسيلة ممكنة من بذل الأموال والنفوس.

ولا أدل على هذه السياسة الفقهية الجامعة من التعامل العملي لحكومات الجمهورية الإسلامية مع جميع الطوائف الإسلامية وبدون أدنى تمييز سياسي أو إنمائي مع حفظ حق كل مذهب في ممارسة كامل شعائره وخصوصياته المذهبية بشكل كامل.

ج- نلحظ انه ومع وجود فتاوى عدة للإمام تتحدث عن شروط فقهية مذهبية في بعض المسائل ذات الطابع العبادي الخاص في الغالب غير أن تلك الشروط إنما تحتفظ بقيمتها طالما كانت تلك المسائل تطبق في إطار أبناء المذهب الواحد غير أنها تسقط جميعها عندما تخرج تلك العبادات إلى فضاء الإطار الإسلامي الشامل ويحصل الإحتكاك بباقي المسلمين من المذاهب الأخرى وهذا كله ليس من باب التقية عند الإمام الذي قال لا تقية بعد اليوم بل من باب ضرورات ومتطلبات الوحدة الإسلامية الحاكمة على جميع الضرورات والأولويات الأخرى بحسب تعبير وريث الإمام الأمين السيد الإمام الخامنئي (دام ظله) .

و يلحظ المتتبع وجود عشرات الموارد في هذا السياق منها:

- مسألة السجود على ما لا يصح السجود عليه.

- إمامة غير الشيعي للشيعي.

- عدم جواز إقامة الصلاة جماعة في البيوت في مكة.

- عدم جواز مغادرة الحرم عند وقت صلاة الجمعة والجماعة.

- مسائل الحج الكثيرة في الطواف وأمكنة الذبح والحلاقة.... الخ.

و جميع هذه العبادات يعمل بها من باب التقارب والتوحد مع باقي المسلمين وليست من باب التقية كما أسلفت لذا لا يجب إعادتها لاحقاً بل قد لا يجوز في بعض الأحيان ذلك كما إذا كان من باب نية الوجوب والفرض.

4ـ المرتكز الثقافي

 بمعنى العمل على إيجاد ثقافة الوحدة والأخوة بين المسلمين جميعاً وتوعية الرأي العام على هذا الأمر المهم والإستفادة من شتى الوسائل في سبيل تحقيق هذه الثقافة سواء كانت هذه الوسائل موجودة في أصل الشريعة الإسلامية والسنة النبوية وسيرة أهل البيت الكرام والصحابة المنتجبين كموسم الحج ومراسم عاشوراء أم لم تكن موجودة وينبغي ابتكارها فمقدمة الواجب واجب كل ذلك كي تصبح الوحدة ثقافة مقبولة وبديهية لدى المسلمين علماؤهم وعوامهم للحيلولة دون ضخ سموم الفرقة من قبل الأعداء.

مواسم الحج: لقد استفاض الإمام بالحديث حول الإستفادة من موسم الحج لدعوة الشعوب الإسلامية إلى وحدة الكلمة ونبذ الخلافات معتبراً عبر العديد من بياناته للحجاج وكلماته في المناسبة أن الحج موسم الهي عظيم لتحقيق الكثير من الأهداف الإجتماعية والسياسية والدينية للإسلام ومن أهمها جمع كلمة المسلمين ومما قاله: « ومن جملة واجبات المسلمين في هذا الإجتماع العظيم، دعوة الشعوب والمجتمعات الإسلامية إلى وحدة الكلمة ونبذ الخلافات بين طبقات المسلمين ويجب على الخطباء والكتاب السعي والجد في هذا الأمر الحيوي وفي إيجاد جبهة المستضعفين ويتخلصوا تحت شعار (لا اله إلا الله ) ومع وحدة الكلمة من اسر القوى الشيطانية للأجانب والإستغلالين ».

و يقول « من الواضح للجميع انه ليس بمقدور أي إنسان وأي دولة عقد مثل هذا المؤتمر الكبير وانه لأمر الله تعالى الذي صنع هذا الإجتماع العظيم إلا انه مع الأسف لم يستطع المسلمون على مرّ التاريخ أن يستفيدوا من هذه القوة السماوية وهذا المؤتمر الإسلامي من أجل مصلحة الإسلام والمسلمين كما يلزم ».

عاشوراء ومراسمها:

يعتبر الإمام رضوان الله تعالى عليه أن ثورة الإمام الحسين (ع) هي التي أنقذت الإسلام وحفظت هوية المسلمين وبالتالي هي أساس ومرتكز وحدتهم لأن الوحدة تدور مدار الهوية والإنتماء، وفي العديد من كلماته يؤكد (رض) أن مراسم عاشوراء هي مدعاة للوحدة بين جميع المسلمين عكس ما هو مظنون ونقتصر على كلمات من وصيته الخالدة:

« ومن جملة ذلك أن لا يغفلوا أبداً عن مراسم عزاء الأئمة الأطهار وخصوصاً سيد المظلومين ورائد الشهداء أبا عبد الله الحسين (ع) وليعلموا أن كل أوامر الأئمة عليهم السلام في مجال إحياء ملحمة الإسلام التاريخية هذه وأن كل اللعن لظالمي أهل البيت والتنديد بهم ليس الا صرخة الشعوب في وجه الحكام الظالمين عبر التاريخ إلى الأبد »

و يجب أن نعلم جميعاً أن ما يوجب الوحدة بين المسلمين هو هذه المراسم السياسية التي تحفظ هوية المسلمين وخصوصاً شيعة الأئمة الأثني عشر عليهم صلوات الله.

وإضافة إلى يوم القدس العالمي وأسبوع الوحدة الإسلامية فإن من وسائل تعزيز ثقافة الوحدة هو المؤتمرات واللقاءات المتواصلة بين المسلمين والخطب والتركيز الإعلامي الدائم ووضع البرامج والأهم السعي العملي.

يقول الإمام (فضلاً عن عمله وهو الأهم عبر عقود من الزمن) « إن الخطب المدروسة البناءة إذا ألقيت في أجواء هادئة وغير متوترة، دعت إلى الوحدة والتفاهم ونبذ الإختلاف والتشنج، كانت خطباً مفيدة واستوجبت رضا الله تعالى »

« إني أمد يدي - وبمنتهى التواضع – نحو جميع التجمعات العاملة لخدمة الإسلام طالباً إليهم السعي لتحقيق الوحدة فيما بينهم في جميع المجالات.

«لا تكثروا من الدعوة إلى الوحدة قولاً ثم تتركوا السعي في تحقيقها عملاً، اتحدوا عملياً فأنتم إخوة»

فلنسعى في الختام وعلى خط الإمام إلى تحصين فهمنا للوحدة الإسلامية مقدمة للعمل الدؤوب لهذه الوحدة لا سيما في هذه الأيام الأخيرة التي يشن أعداء الإسلام لاسيما أميركا وإسرائيل حرباً بلا هوادة على الإسلام والمسلمين جميعاً متسلحين بالدرجة الأولى بسلاح التفرقة وإيجاد التناحر والفتن بين المسلمين فإلى الوحدة الوحدة الوحدة.