الوحدة 1

الاتحاد الإسلامي وآفات التفرقة في العالم الإسلامي

 

(أملي هو أن تكون حياتي في سبيل وحدة المسلمين، ومماتي في سبيل وحدة المسلمين).

الإمام الخامنئي دام ظله

مكانة الأمة الإسلامية وقدراتها

هذه الشعوب المتآخية المتعاطفة والتي هي من أعراق سوداء وبيضاء وصفراء وتتكلم بعشرات اللغات، تعتبر نفسها كلها أجزاء متساوية من الأمة الإسلامية، وتفخر بذلك، وتتوجه كلها كل يوم إلی قطب واحد، وتتضرع إلی الله بلغة واحدة، وتستلهم الدروس من كتاب سماوي واحد.

هذه المنظومة التي تسمی الأمة الإسلامية لها ثقافة غنية وتراث زاخر متألق مشرق إشراقاً استثنائيا،ً وهي تتمتع إلی جانب التنوع الواسع بوحدة وانسجام مذهل نابع من شمولية الإسلام وتغلغله وتوحيده الخاص والخالص في جميع أركان هذه الأمة وأجزائها ومناحيها.

لدی الأمة الإسلامية أدوات عديدة للدفاع عن حق وجودها. المسلمون جماعة كبيرة ولديهم ثروة هائلة ولهم شخصيات بارزة وأرصدة معنوية تمكّن الناس من الصمود أمام العتاة. وللمسلمين ثقافة وحضارة عريقة قل نظيرها في العالم. لديهم الكثير من الإمكانات، ولذلك فهم قادرون قدرة كامنة علی الدفاع. علی العالم الإسلامي اليوم أن يبذل جهوده من أجل عزته ومن أجل استقلاله ومن أجل تقدمه العلمي واقتداره المعنوي، أي التمسك بالدين والتوكل علی الله والتيقن من العون الإلهي. «وعداتك لعبادك منجزة»[1]. هذا وعد إلهي لا شك في إنجازه «ولينصرن الله من ينصره»[2]. علی المسلمين الخوض في غمار العمل والنشاط بالاعتماد علی هذا الوعد. ليس هذا العمل مجرد حمل للبنادق بل هو عمل فكري وعقلاني وعلمي واجتماعي وسياسي كله في سبيل الله ومن أجل اتحاد العالم الإسلامي. هذا ما تنتفع منه الشعوب والحكومات الإسلامية أيضاً.

مفهوم الوحدة والانسجام الإسلاميين

المراد بالوحدة أمر بسيط وواضح وهو تعاون الفرق الإسلامية مع بعضها وعدم نشوب التعارض والتضاد بينها. المراد باتحاد المسلمين هو أن لا يلغوا بعضهم ولا يسلطوا الأعداء علی بعضهم ولا يهيمن بعضهم علی بعض عن طريق الجور.

معنی الاتحاد بين الشعوب الإسلامية هو أن يتحركوا باتجاه واحد في القضايا المتعلقة بالعالم الإسلامي ويساعدوا بعضهم ولا يستخدموا أرصدتهم وإمكانياتهم ضد بعضهم.

ليس معنی الاتحاد بين المسلمين تخليهم عن معتقداتهم الكلامية والفقهية الخاصة، إنما اتحاد المسلمين له معنیان آخران يجب تأمينهما علی السواء: المعنی الأول هو أن تتميز الفرق الإسلامية المختلفة – ولكل منها فرقها الكلامية والفقهية المختلفة – بالتعاطف والتعاون والتعاضد والتشاور الحقيقي إزاء أعداء الإسلام. والمعنی الثاني هو أن تحاول الفرق الإسلامية علی تنوعها أن تقترب من بعضها وتخلق مناخ تفاهم فيما بينها، ومقارنة المذاهب الفقهية الإسلامية فيما بينها. ثمة الكثير من فتاوى الفقهاء والعلماء إذا أخضعت للبحث الفقهي العلمي لأمكن ربما بقليل من التغيير تقريب الفتاوى بين مذهبين.

محاور الوحدة والانسجام الإسلاميين

التوحيد

في المجتمع التوحيدي الذي يكون فيه المبدأ وصاحب الوجود وسلطان العالم والحي القيوم والقاهر الذي يسيطر بإرادته وقدرته علی كل الحركات والظواهر في العالم واحداً، يكون البشر – سواء كانوا سوداً أو بيضاً أو مهما كانت أعراقهم ودماؤهم وعناصرهم وأحوالهم الاجتماعية المختلفة – أقرباء وإخوة لأنهم مرتبطون بالله وبمحلّ واحد، ويستعينون بقطب وكيان واحد. هذه هي النتيجة الحتمية للإيمان بالتوحيد. في هذه الرؤية، ليس البشر فقط مرتبطين ببعضهم إنما أشياء العالم وأجزاؤه والحيوانات والجمادات والسماوات والأرضين وكل الأشياء متصلة ومترابطة ببعضها وكلها ذات صلة بالإنسان. إذن، كل ما يراه الإنسان ويشعر به ويدركه إنما هو أفق وعالم ومنظومة واحدة تتموضع في عالم سليم وبيئة آمنة.

الهوية الإسلامية

مسلمو العالم في كل الأنحاء والأرجاء – سواء في البلدان الإسلامية أوفي البلدان التي يشكلون فيها أقليات دينية – يشعرون اليوم بالميل للإسلام واستعادة هويتهم الإسلامية. مثقفو العالم الإسلامي اليوم أعرضوا عن الاشتراكية والمدارس الغربية وراحوا ينزعون إلی الإسلام ويطلبون منه العلاج لآلام الإنسانية. قلوب الأمة الإسلامية اليوم تهفو إلی الإسلام بشكل لا سابقة له في القرون الماضية. بعد الهيمنة السياسية والثقافية الشديدة والواسعة التي فرضها الغرب والشرق طوال عشرات الأعوام علی البلدان الإسلامية راحت أنظار الشباب في العالم الإسلامي تتجه نحو الإسلام. هذه حقيقة يعترف بها الغربيون والمستكبرون في العالم أنفسهم. ما يخيف زعماء الاستكبار هو الهوية الإسلامية وشعور المسلمين بأنهم مسلمون. هذا ما يمنح المسلمين الوحدة والتضامن.

الدين الإسلامي

الإسلام من شأنه أن تشعر الأمة الإسلامية بالترابط والوحدة وأن تشارك هذه الأعداد الهائلة التي تبلغ مليار ومئات الملايين من المسلمين في شتی قضايا العالم الإسلامي.

الوحدة مبدأ أساسي في الدين الإسلامي المقدس. أبدأوا من الذات المقدسة للباري تعالی – وهي أساس الوحدة ومظهرها ـ وإلی مظاهر وآثار هذه الوحدة التي توجِّه كل ما في عالم الوجود نحو ذلك القطب العظيم المتسامي. «كل إلينا راجعون»[3]. كل شيء يتحرك نحو الذات الإلهية المقدسة: «وإلی الله المصير»[4]. ينبغي أن تقوم الوحدة علی أساس الإسلام والاعتصام بحبل الله لا علی أساس الأوهام والقوميات الفارغة الخاوية. هذا هو قوام الأمة الإسلامية. ينبغي أن تصب الوحدة لصالح سيادة الإسلام وإلا كانت عبثية فارغة من المعنی.

القرآن الكريم

يوصي القرآن الكريم المسلمين بالوحدة، وهو يهددهم إن لم يتحدوا ويتضامنوا فسوف تذهب سمعتهم وهويتهم واقتدارهم أدراج الرياح. وللأسف تشاهد اليوم مثل هذه السلبيات في العالم الإسلامي. المؤامرة ضد العالم الإسلامي اليوم مؤامرة كبيرة. وإذا كانت تحاك ضد الإسلام في هذا العصر مؤامرات منظمة بشدة أكبر فلأن صحوة الأمة الإسلامية أفزعت المسلمين. الاستكبار العالمي والطامعون بالبلدان الإسلامية والمتدخلون في شؤون الحكومات والبلدان الإسلامية فزعون من وحدة الأمة الإسلامية.

الخطاب في الإسلام هو«يا أيها الذين آمنوا» وليس: يا أيها الذين تشيّعوا أويا أيها الذين تسننوا. الخطاب موجه للمؤمنين. المؤمنون بماذا؟ المؤمنون بالقرآن والمؤمنون بالإسلام والمؤمنون بالرسول. ولكل معتقداته المختلفة عن معتقدات الآخر. حينما يقول عزّ وجلّ: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا»[5] فإنما يخاطب بهذا المؤمنين ولا يخاطب جماعة معينة من المؤمنين. حين يقول: «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما»[6] إنما يخاطب كافة‌ المؤمنين وليس فئة خاصة من المؤمنين. بوسع الإسلام علی أساس هذه الركائز تجفيف أرضيات وجذور الصراعات والعصبيات الدينية التي تعاني منها البشرية كلها.

يقول القرآن الكريم: «واعتصموا بحبل الله جميعاً»[7] . الاعتصام بحبل الله واجب علی كل مسلم لكن القرآن لا يكتفي بأن يأمر المسلمين بالاعتصام بحبل الله بل يقول إن المسلمين يجب أن يعتصموا بحبل الله بشكل جماعي «جميعاً». الكل يعتصمون سوية. وهذا الاجتماع وهذا الاتحاد واجب آخر إلی جانب الاعتصام. إذن، علاوة علی أن المسلم يجب أن يعتصم بحبل الله فإن هذا الاعتصام يجب أن يكون بمعيّة سائر المسلمين وبالتعاضد معهم. ينبغي معرفة هذا الاعتصام بصورة صحيحة والقيام به بصورة صائبة. تقول الآية الشريفة في القرآن: «فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى»[8] . هذه آية تفسر الاعتصام بحبل الله. التمسك بحبل الله عبر الإيمان بالله والكفر بالطاغوت.

الرسول الأكرم (صلی الله عليه وآله)

الكيان المقدس للنبي المكرم ورسول الإسلام الأعظم (صلی الله عليه وآله وسلم) هو النقطة الأهم في إيجاد الوحدة. وسبق أن قلت إن العالم الإسلامي بوسعه الاجتماع حول هذا القطب. إنه قطب تتجمع فيه كل عواطف المسلمين. إنه قطب المحبة والعشق في العالم الإسلامي. ولاحظوا أن الأقلام المأجورة من قبل الصهاينة تهاجم هذا القطب وتوجه له الإهانات لكي تزول تدريجياً أهمية وخطر إهانة الأمة الإسلامية وامتهان العالم الإسلامي. هذه هي النقطة الرئيسية. علی ساستنا ونخبنا العلمية والثقافية وكتابنا وشعرائنا وفنانينا التركيز علی هذه النقطة ليجتمع المسلمون كلهم ويقتربوا من بعضهم بفضل هذا الشعار.. لا ينظروا إلی مواطن الاختلاف ولا يوجهوا الاتهامات لبعضهم ولا يكفروا بعضهم ولا يحكموا علی بعضهم بالخروج عن حيّز الدين. لتتعطر القلوب في كل الأمة الإسلامية بذكری الرسول وعلی حبه، فكلنا عشاق هائمون في ذلك الإنسان العظيم.

أهل بيت الرسول (عليهم السلام)

ومن العوامل الأخرى التي بوسعها أن تمثل محوراً لهذه الوحدة، ويمكن لكافة المسلمين الاتفاق عليها هو إتباع أهل بيت الرسول (ص)، فأهل بيت الرسول مقبولون محبوبون لدی جميع المسلمين.

 بمقدور العالم الإسلامي الاتفاق والاتحاد حول محورين يرتبطان بأهل البيت: الأول المحبة وهو أمر عاطفي وعقيدي وقد أمر المسلمون بمحبة أهل البيت (عليهم السلام) والجميع يوافقون هذا المعنی. بإمكان هذه النقطة أن تكون قطب عواطف المسلمين ومشاعرهم. والنقطة الثانية تعليم الدين والمعارف والأحكام الإلهية من قبل أهل البيت باعتبارهم عدِل القرآن الكريم بموجب حديث الثقلين الذي يرويه الشيعة والسنة والفرق الإسلامية المختلفة.

الرجل الكبير في التاريخ الإنساني

محبة أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) والإيمان بهذا الرجل الكبير في التاريخ الإنساني وتاريخ الإسلام ليس أمراً خاصاً بالشيعة ولا حتى بقاطبة المسلمين إنما هو شيء يشترك فيه مع المسلمين كل الأحرار في العالم. حتى الشخصيات غير المسلمة أبدت حبها وإعجابها بهذه الشخصية المتألقة والشمس المشرقة وكتبت الكتب ونظمت الأشعار حوله. من الخطأ جداً أن نجعل الإمام علي بن أبي طالب أداة اختلاف بين المسلمين. إنه شخصية يحبه ويحترمه جميع المسلمين من كافة الفرق الإسلامية من أعماق قلوبهم وأرواحهم. هذه المحبة والتميّز ناجم عن صفات وخصال يخضع لها أي إنسان منصف. هذا هو القاسم المشترك والقدر الجامع.

سنة المعصومين وسيرتهم (عليهم السلام)

اجتماع الكلمة وتصافي القلوب

المبدأ الثالث الذي يذكره الإمام علي (عليه السلام) في الجزء الثاني من وصيته لولديه الحسن والحسين هو«إصلاح ذات البين». أي كونوا إيجابيين متحابين مع بعضكم. لتكن القلوب متصافية مع بعضها. ولتكن كلمتكم واحدة دون أي اختلاف أو تفرقة. وحينما يذكر عليه السلام هذه العبارة يأتي بشاهد من كلام الرسول (ص) مما يدل علی اهتمامه بهذا المعنی وخوفه من مخاطره. لا أن إصلاح ذات البين أهم من نظم الأمر بل لأن إصلاح ذات البين أكثر عرضة للآفات والخلل. لذلك يروي هذه العبارة عن الرسول الأكرم فيقول سمعت جدكما يقول: «صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام» [9] . صلاح ذات البين وتصافي القلوب أفضل من أي صلاة أو صيام. لا يقول: أفضل من كل الصلوات والصيام، بل يقول أفضل من أي صلاة وصيام. إنكم تريدون أداء صلواتكم وصيامكم، لكن ثمة شيء أفضل من كلا هذين الأمرين. ما هو؟ إنه إصلاح ذات البين. إذا وجدتم خلافاً وشقاقاً بين أبناء الأمة الإسلامية فعليكم ردم هذا الفراغ والشقاق. وهذا أفضل من الصلاة والصيام.

الأخ الديني والشريك في الإنسانية

رسالة الإسلام رسالة الوحدة والأمن والأخوة. للإمام علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) جملة خالدة تشمل جميع البشر. يقول: الشخص الذي تراه أمامك إما أخ لك في الدين أو شريك لك في الخلق، أي إنه إنسان علی كل حال. وعلی البشر كلهم أن يكونوا متحدين متحابين فيما بينهم. وهذا لا يختص بجماعة أو فئة معينة. لذلك أمر المسلمون في الإسلام أن يحسنوا حتى للذين هم من دين وعقيدة أخری. «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» [10] . هذا هو منطق الإسلام. حتى الذي يختلف عنكم فكرياً وعقدياً فليس من اختصاصكم أن تحاسبوه وتعاقبوه علی عقيدته. «والحكم الله والمعود إليه القيامة»[11] . هذا أيضاً كلام الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام). إنكم أمام إنسان إما أنه أخوكم في العقيدة أو أنه ليس شريك لكم في العقيدة وإنما شريك لكم في الخلقة والإنسانية.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية

رغم كل الطرق المتنوعة التي جربها العدو لزرع الشقاق والفرقة في المجتمع الإسلامي إلا أنه يواجه اليوم ظاهرة غير مسبوقة تعد قطباً لوحدة جميع المسلمين، والظاهرة هذه هي الجمهورية‌ الإسلامية. هذه الراية العالية والصوت المرتفع ظاهرة جديدة دستورها وشعارها وسلوكها مطابق للإسلام، ومن الطبيعي أن تخفق لها قلوب المسلمين في أقطار العالم. ما من موطن آخر في هذا الزمان يروم تطبيق الأحكام الإسلامية بجد وحسم. ولا أقصد الشعوب، فالشعوب في كل مكان تعشق الإسلام ومستعدة للعمل بالإسلام، إنما المراد هو السياسات والنظم والحكومات التي حتى لو بدأت باسم الإسلام لكنها تراجعت بعد أن واجهت موجات الهجمات العالمية العاتية. بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وانتشار أفكارها في آفاق العالم الإسلامي كان من حيل الاستكبار لمواجهة هذه الموجة الإسلامية الشاملة أن يطرح الثورة الإسلامية بوصفها حركة شيعية بالمعنی الفئوي للكلمة – وليس الإسلامي بالمعنی العام – هذا من ناحية ومن ناحية أخری أن يبذل قصارى جهده لإشاعة النفاق والنقار والتفرقة بين الشيعة والسنة. إننا منذ البداية وبالنظر لهذا المكر الشيطاني، أصررنا دوماً علی الوحدة بين الفرق الإسلامية وسعينا لإحباط هذه الفتن وحققنا والحمد لله وبفضله الكثير من النجاح، كان من آخرها تأسيس المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية. دعت الجمهورية الإسلامية بلدان المسلمين للوحدة منذ مطلع الثورة وإلی الآن. إذا كانت إيران قد سعت دوماً للحفاظ علی أخوتها وصداقتها مع الدول الإسلامية لا لأن حكومة إيران وشعبها بحاجة خاصة لهذه المواكبة، لا، بل لأن العالم الإسلامي كله سينتفع من هذه العلاقة.

فوائد الاتحاد والانسجام الإسلاميين

انتصار المسلمين وعزتهم

علی المسلمين أن يعرفوا قدراتهم – ألا وهي قدرة الإيمان والتضامن بين البلدان المسلمة – ويتوكئوا عليها. إذا تعاضدت البلدان الإسلامية فيما بينها سيكونون قبضة وعندئذ لن يتجرأ العدو علی الوقوف بوجههم وفرض منطق القوة عليهم. إذا وضع المسلمون أيديهم في أيدي بعضهم وكانوا صميميين مع بعضهم - حتى لو كانت معتقداتهم مختلفة - لكنهم لن يتحولوا إلی أداة في أيدي الأعداء وسيرتفع رأس العالم الإسلامي شامخاً فخوراً.

أينما تواجدت الشعوب وواصلت تواجدها وحضورها وصبرت علی صعاب هذا التواجد فلن يمكن للقوی الدولية – أمريكا وأمثال أمريكا – القيام بما تريد في مقابلهم. الشعوب هي المنتصرة. هذه حقيقة وواقع. إذا أراد العالم الإسلامي مواصلة المسيرة بصورة صحيحة نحو النصر فعليه القبول ببعض المتطلبات واللوازم وأول هذه اللوازم هو الاتحاد.

التغلب علی المشكلات

إذا اتحد المسلمون واستيقظوا وتعرفوا علی قدراتهم وآمنوا بأن الواقع الحالي ممكن التغيير ويمكن الإمساك بزمام المصير الذاتي، وإذا شاهدوا كيف أن بعض الشعوب كالشعب الإيراني الكبير استطاع تقرير مصيره بنفسه والتخلص من الهيمنة للقوی الأخرى، فلا شك أن مصائب العالم الإسلامي سوف تنتهي. هذا هو أساس القضية اليوم.

لا التوسلات ولا الخضوع ولا الاستسلام ولا المفاوضات ولا أي من الطرق التي يقترحها البعض علی المسلمين بسذاجة لن تحل الأزمات ولن تخلص المسلمين. العلاج يكمن في شيء واحد فقط هو اتحاد المسلمين والإصرار علی الإسلام والقيم والمبادئ الإسلامية والمقاومة إزاء الضغوط والشدائد وسحب البساط من تحت أقدام الأعداء علی المدى البعيد.

الحل بالنسبة للعالم الإسلامي اليوم هو العودة إلی الإسلام والمعنوية والأحكام الإسلامية وثانياً الاتحاد بين المسلمين وهذا الاتحاد بحد ذاته من دساتير الإسلام وأحكامه، فقد شدد الإسلام علی الوحدة بين المسلمين والابتعاد عن البغضاء والأحقاد والكدر فيما بينهم.

تعزيز الاقتصاد والقدرات السياسية

ليس بين البلدان المسلمة صدام مصالح. المنظومة الإسلامية والكتلة الإسلامية حالة‌ إيجابية للجميع وليس لجماعة معينة دون غيرها. حتى البلدان الإسلامية الكبرى تنتفع من المنظومة الإسلامية كما تنتفع منها البلدان الضعيفة والصغيرة والفقيرة. هذا شيء لصالح الجميع. لا مراء أنه لولا دعم العالم الإسلامي للمسلمين في البوسنة لما بقي اليوم أي أثر للمسلمين البوسنيين في أوربا ولقضوا عليهم.

 من أقصی غرب العالم الإسلامي حالياً – أي من غرب أفريقيا – وإلی أقصی شرق العالم – أي شرق آسيا – حيث يقطن المسلمون، تمتد مجموعة من أكثر مناطق العالم حساسية. ومن هذه المناطق الخليج الفارسي الذي يصطف العالم كله ليملأ مخازنه من خيراته. العالم كله بحاجة إلی نفط هذه المنطقة. إذا اتحد المسلمون فسينتفع العالم الإسلامي نفعاً كبيراً.

السيادة

تبذل حالياً مساعٍ مضاعفة من أجل أن لا يتحد المسلمون ولا يتفقوا وأن يعملوا ضد بعضهم. وتتصاعد هذه المساعي خصوصاً حينما يحتاج المسلمون للوحدة أكثر. علی أساس تصور قريب من الواقع فإن دافع الأعداء هو الحؤول دون تحقق طموح سيادة الإسلام وحكومته.. الطموح الذي يقترب اليوم من أطواره العملية. من الطبيعي أنه إذا أراد الإسلام أن يسود وإذا أراد المسلمون في العالم الإسلامي الاعتصام بالإسلام فإن هذا غير متاح مع وجود هذه الخلافات. العقبة الأفجع في طريق سيادة الإسلام هي أن يشعلوا نار الاحتراب بين المسلمين داخل المجتمعات الإسلامية سواء في البلد الواحد أو بين بلدان إسلامية متعددة.

عوامل التفرقة

الشرك

الأفكار المشركة توزع البشر وتفرقهم. المجتمع القائم علی أساس الشرك يفرق طبقات البشر ويجعلها أجنبية علی بعضها. في المجتمع المشوب بالشرك، عندما تطرح علاقة الإنسان بمبدأ الوجود والقوة القاهرة والمتسلطة علی العالم فمن الطبيعي أن يتفرق البشر ويبتعدوا عن بعضهم فينحاز أحدهم إلی إله، ويركن الآخر إلی إله آخر، ويؤمن الثالث بإله ثالث. المجتمع المبني علی أساس الشرك يبني بين أبناء البشر والجماعات الإنسانية جدراناً مستعصية، ويحفر بينهم هاويات لا تقبل الردم.

الشيطان

أينما كان اختلاف بين المؤمنين وبين عباد الله الصالحين لا شك أن الشيطان عدو الله حاضر هناك. حيثما وجدتم اختلافاً فتشوا وستجدون من دون كثير عناء أن الشيطان هناك.. أو الشيطان الذي في داخل نفوسنا ويسمی النفس الأمارة بالسوء وهو أخطر الشياطين. إذن من وراء كل الاختلافات تقف إما أنانياتنا وحبنا للجاه والنفس أو الشياطين الخارجية أي أيادي الأعداء والاستكبار والقوی الظالمة الجائرة.

الجهل وسوء الفهم

إن كنتم ترون الأمة الإسلامية تعاني من التفرقة فذلك لأن المسلمين لا يعلمون علی وجه الدقة أن الوحدة هي من الدين. ينبغي أن تكون الأمة الإسلامية اليوم بنخبها السياسية والثقافية والدينية وبأبنائها كافة متيقظة أكثر من السابق وتتعرف علی أحابيل الأعداء وتواجهها. من أنجع حيلهم هي إذكاء نيران الخلافات. أنهم ينفقون المال والجهود بقلق واضطراب ليشغلوا المسلمين بالاختلاف فيما بينهم ويستغلوا غفلتهم وسوء فهمهم وعصبياتهم ليخلقوا منهم أعداء يجابهون بعضهم.

ثمة ضيق أفق لدی بعض المذاهب اليوم فهم يعتبرون العالم الإسلامي كله كافراً ما عداهم. هل من يعشق النبي الأكرم كافر؟! هل من يفرح في يوم مولد الرسول ويوزع الحلوى كافر؟! ما الداعي لمثل هذا الأفق الضيق؟! نحن مسرورون جداً أن استطعنا والحمد لله مدّ أيدينا من فوق هذه الاختلافات والإمساك بأيدي بعضنا.

العصبية العرقية

أحياناً تشتد بين الشعوب المسلمة النزعات القومية واللغوية ورابطة الدم وما شاكل.. بديهي أن هذه الحالة مؤشر بدء الانفصال والابتعاد بين أجزاء الأمة الإسلامية. لقد رأينا كيف سادت قضية النزعة الفارسية والإيرانية المتطرفة والعودة إلی التصورات وأساطير العرق والنسب والدم المغلوطة في عهد النظام السابق في إيران. لماذا؟ ما فائدة ذلك للشعب الإيراني؟ لم يكن له من أثر سوی الضرر. ضرره الأهم أنه أسبغ علی الشعب الإيراني منحی انفصالياً حيال سائر الشعوب المسلمة وأوجد حالة نقار ودعاوی وجدل بين هذا الشعب والشعوب الأخرى. وقد فعلوا الشيء نفسه مع الشعوب العربية. وفعلوه ويفعلونه أيضاً مع بعض القوميات الأخرى في هذه المنطقة.

أصحاب السلطة

الخلافات والتناقضات والمماحكات والصدامات والإساءات كانت موجودة بين الفرق والطوائف الإسلامية منذ قرون وإلی اليوم، وقد كانت دوماً في ضرر المسلمين. مردّ جميع أو غالبية هذه التناقضات والتعارضات في التاريخ الإسلامي إلی أجهزة السلطة المادية. من الخلافات الأولی – أي قضية خلق القرآن وما شاكل – وإلی باقي الخلافات التي ظهرت بين ا لفرق الإسلامية علی مرّ الزمن – خصوصاً بين الشيعة والسنة في بعض الأزمنة – كانت رؤوس الخيوط فيها كلها تقريباً بيد السلطات في جميع البلاد الإسلامية. طبعاً للجهل العام والعصبيات غير المستندة إلی المنطق وإثارة‌ المشاعر تأثيراتها، لكن هذه أرضيات ما كان لأي منها أن توجد تلك الأحداث الدامية الكبيرة في التاريخ. أنما المسؤول عن تلك الأحداث هي أجهزة أصحاب السلطة الذين كانوا يبحثون لهم عن منافع من هذه الخلافات. وحينما دخل الاستعمار إلی البلدان الإسلامية – استعمر بعض البلدان مباشرة واستعمر بعضها بشكل غير مباشر –  بات واضحاً أنه أيضاً يتابع نفس الهدف.

تيارات التفرقة في العالم الإسلامي

تنفق اليوم الأموال في العالم الإسلامي من أجل بناء مسجد ضرار. تنفق الأموال من أجل صناعة الأجهزة وإيجاد القواعد والمقرات بهدف توجيه الضربات للوحدة الإسلامية وزرع النزاعات والاختلاف بين الفرق الإسلامية. ثمة أشخاص هم كالشيطان الذي قال لرب العالمين «ولا غوينهم أجمعين» [12] ، ووقف نفسه لإغواء وإضلال عباد الله وهم أيضاً أوقفوا وجودهم لإيجاد الفرقة والخلافات.

ليس مظهر الصحوة الإسلامية اليوم أولئك الذين يتلبسون بوجه الإرهاب في العالم الإسلامي. الذين يرتكبون هذه الجرائم في العراق والذين ينشطون ضد المسلمين وباسم الإسلام في العالم الإسلامي والذين يجعلون أهم واجباتهم زرع الخلافات بين المسلمين – تحت عناوين الشيعة والسنة وتحت عناوين القومية – لا يمكنهم بحال من الأحوال أن يعرضوا ويرمزوا للصحوة الإسلامية. وهذا ما يعلمه المستكبرون أنفسهم.

الذين يحاولون عرض الإسلام في العالم الغربي عبر وجه الجماعات المتحجرة والإرهابية، يعلمون جيداً أن الواقع غير هذا.

ثمة في العالم الإسلامي اليوم أياد تحاول تشويه فكر ومذهب أهل البيت وعرضه بشكل بعيد عن حقيقته أشد البعد. الكثير من علماء البلاط العملاء للسلطات في البلدان المختلفة وصل بهم الأمر حتى إلی تكفير الشيعة. الخلاف بين الشيعة والسنة اليوم هدف أمريكي وهدف ينشده أرباب الهيمنة العالمية والحكومات العميلة لهم.

بعض الدول الإسلامية

توجد لدی البلدان والمجتمعات الإسلامية كل هذه المصادر الجوفية وكل هذه الثروات وكل هذا السلاح، فلماذا لا نستطيع الدفاع عن أنفسنا؟ لأننا غير متحدين؟ لأن الحكومات التي يجب أن تضمن الوحدة لها أهداف مختلفة: أهداف قومية ووطنية وأهداف مشوبة بالكفر وأهداف غير إسلامية. لكن الشعوب قلوبها مع بعض. أي شعبين يوجد بينهما حقد؟ الشعبان الإيراني والعراقي بعد ثمانية أعوام من الحرب يستقبلان بعضهما خير استقبال. الحرب لا شأن لها بالشعوب.. والخلافات لا صلة لها بالشعوب، أنما هي أمر يخص الحكومات ذات الدوافع غير الإسلامية. هذا ما ينبغي علاجه.

عدم اهتمام علماء الإسلام بمصالح المسلمين

الحقيقة أنهم جعلوا الشيعة والسنة يقفون بوجه بعضهم علی مدی ألف سنة. كتبوا الكتب ضد بعضهم وأهانوا مقدسات بعضهم وهناك أرضيات ذهنية للاختلاف بين شرائح المسلمين من سنة وشيعة وسوف يستغل العدو هذه الأرضيات الذهنية لبث الخلافات بين الفرقتين الإسلاميتين الكبريين. كما أنهم في بعض البلدان الإسلامية يحثون أحياناً عالماً من علماء الشيعة علی إطلاق كلام معين يستفز أهل السنة، أو يحرضون أحد علماء السنة علی التحدث بشيء يستفز عواطف الشيعة وهذا ما يمكن مشاهدته في بعض البلدان الإسلامية للأسف. إذا شعر العلماء بواجبهم في هذا المجال ولم يكتفوا بأن تكون الحقيقة واضحة بالنسبة لهم، ولم يكتفوا بأن تكون لهم هم أنفسهم علاقات حسنة بعلماء الشيعة، وإنما عملوا علی إشاعة هذه الأخوة الإسلامية بين عموم الناس وحذروهم من مؤامرات الأعداء، إذا حصل هذا سترتفع الأرضية لمؤامرات الأعداء بين شرائح الناس وعموم المجتمع.

العناصر العميلة والمندسّة

للأسف يوجد في العالم الإسلامي أشخاص مستعدون لممارسة أية مخالفة وخطيئة وبث الخلافات بين الشيعة والسنة من أجل التقرب إلی أمريكا ومراكز القوی الاستكبارية. إنني أری اليوم الأيادي التي تعمل في بعض البلدان الجارة لإيران عمداً وبشكل مدروس لإشاعة الخلافات بين الشيعة والسنة وفصل القوميات والمذاهب عن بعضها وإشعال نيران المماحكات والصراعات بين التيارات السياسية حتى تستطيع هي التصيد في الماء العكر وتأمين مصالحها غير المشروعة في البلدان الإسلامية. يجب أن نكون يقظين. علی الشعوب والحكومات وجميع المسلمين والتيارات السياسية والمثقفين والشخصيات البارزة أن يتحلوا باليقظة إزاء مخططات الأعداء هذه ولا يسمحوا للعدو بالنجاح في زرع الخلافات بهذه الذريعة أو تلك.

الفرق المختلقة والمزيفة

يجب أن يتخذ علماء الإسلام جانب الحذر، ويتوجسوا من هذه المذاهب المختلقة الزائفة الناقضة للوحدة. ليحذروا من هذه الدولارات النفطية التي تستخدم لبث التفرقة. وليحذروا من هذه الأيدي الملوثة العميلة التي تحاول تمزيق الوحدة – هذه العروة الوثقى [13] – بين المسلمين. جابهوا هؤلاء فهذا مقتضی الإيمان بالوحدة والسير في سبيل الوحدة الإسلامية. ومن دون ذلك لن تكون الوحدة ممكنة.

 دروب الخلافات والشقاق الطويلة الأمد والممتدة لمائة أو مائتين أو خمسمائة سنة تخلق مذهباً استعمارياً لتوجد جرحاً في جسد العالم الإسلامي ليس من السهل معالجته كالوهابية وبعض المذاهب والأديان المختلقة التي ظهرت بهدف بث الشقاق والتفرقة في العالم الإسلامي.

أوجدوا الوهابية منذ البداية لضرب وحدة المسلمين وبناء قاعدة – مثل إسرائيل – في المجتمع الإسلامي. كما أوجدوا إسرائيل لتكون قاعدة ومقراً ضد الإسلام، كذلك أوجدوا الحكومة الوهابية ورؤساء نجد لتكون لهم في داخل المجتمع الإسلامي مراكز آمنة تابعة لهم وترون أنها تابعة لهم.

إهانة المقدسات

الخط الأحمر من وجهة نظر النظام الإسلامي هو إهانة البعض مقدسات البعض الآخر. السنة والشيعة الذين تدفعهم الغفلة أحياناً أو العصبيات العمياء الفارغة لإهانة مقدسات بعضهم لا يفهمون ما الذي يفعلونه. فهذه أفضل وسيلة للأعداء.

لكل من السنة والشيعة مراسيمهم المذهبية وآدابهم وعاداتهم وتقاليدهم وهم يقومون بواجباتهم الدينية ويجب أن يقوموا بذلك، لكن الخط الأحمر هو أن لا تصدر عنهم إطلاقاً أية إهانة للمقدسات، سواء ما يصدر عن بعض الشيعة عن غفلة أو ما يصدر عن بعض السنة مثل السلفيين وغيرهم ممن يلغون الآخرين عن غفلة أيضاً. هذا هو ما يريده الأعداء. هنا أيضاً يجب أن يتحلی الجميع بالوعي واليقظة.

إثارة الخلافات القومية

الخلافات القومية والوطنية الناجمة عن النزعة القومية المتطرفة تثار غالباً من قبل المثقفين المرتبطين بالأجنبي.

 

ثمة بشكل طبيعي عوامل مضادة للوحدة – التباينات القومية والمذهبية والطائفية والسياسية – يجب مواجهتها. علی أرضية هذه الاختلافات القومية والطائفية والمذهبية يزرع أعداء الإسلام وفقاً لسياستهم الدائمة النزاعات بين المسلمين. يمكن ملاحظة أيدي العدو ومؤامراته وتدابيره وراء هذه الخلافات بكل وضوح. ينبغي معالجة هذه الحالة. من واجب عقلاء الأمة من جميع الفرق أن لا يسمحوا لأمواج الفتنة التي تطلق من قبل أعداء الإسلام بأن تفسد بشكل متصاعد أواصر الألفة والمحبة والاستقرار بين المسلمين.

أخطار التفرقة في الأمة الإسلامية

أطماع أعداء الإسلام

الخطر الأكبر الذي يهددنا في العالم الإسلامي اليوم هو التفرقة. إذا لم نكن مع بعض فسيطمع العدو فينا. اقتراحنا لكل الدول والحكومات في العالم الإسلامي ولجميع الشعوب المسلمة هو الوحدة والاتحاد والتقارب. ينبغي تجاوز الاختلافات وغض النظر عنها. بعض الاختلافات ممكنة الحل فيجب أن نحلها. وبعض الاختلافات قد لا يمكن حلها علی المدى القريب لذلك يجب تجاوزها وغض الطرف عنها. هذا هو بالضبط ما يضير الصهاينة والأمريكيين، وهم يبذلون قصارى جهدهم لنسفه التغلب عليه.

ظلم الأمة الإسلامية

إذا كان الشعب الفلسطيني يعاني اليوم من هذا المصير المرير، وإذا كان جسد الشعب الفلسطيني اليوم دامياً، ومصاب هذا الشعب وهمومه راسخة في أعماق روح الأشخاص أصحاب الهمّ والألم، فما هذا إلا بسبب اختلاف كلمة المسلمين. لو كانت ثمة وحدة كلمة لما كان هذا الواقع المرير. وإذا كان العراق الإسلامي تحت أحذية المستعمرين فبسبب اختلاف كلمة المسلمين، وإذا كانت بلدان الشرق الأوسط اليوم تُهدّد مباشرة بالصرخات المغرورة الغاشمة التي تطلقها أمريكا فما هذا إلا بسبب اختلاف كلمة المسلمين.

ضعضعة الإسلام وخيانة المسلمين

كل من يهاب القوی الدولية المهيمنة فلأنه يشعر بالتوحد وعدم وجود نصير وسند له. إذا كانت الحكومة أو الشعب خائفاً فهذا هو السبب. وإذا كان الأشخاص مرعوبين فزعين فهذا هو السبب. أما إذا كانت الشعوب والحكومات الإسلامية تشعر بإسناد بعضها للبعض، والحكومات تری أن شعوبها واقفة إلی جانبها، والشعوب تری أن الحكومات تريد إحقاق الحق، وحينما تری الشعوب أن أشقاءهم من الشعوب الأخرى متعاطفون ومتحدون معهم، عندئذ لن يبقی مكان للرعب والمهابة التي قذفها الاستكبار في قلوب بعض الشعوب ورؤساء الدول. الأثر الأول للاتحاد هو أن يشعر الإنسان بالاقتدار. والأثر الأول للتفرقة هو أنه ينزع الشجاعة‌ من قلب الإنسان «وتذهب ريحكم» [14] .. التفرقة تسلب حيوية الشعب والإنسان وفاعليته ونشاطه.

الغفلة عن العدو الحقيقي

اليوم هو يوم اتحاد العالم الإسلامي. كم من الأرصدة والتكاليف يرصدها العدو من أجل إفساد حتى هذا الاتحاد الضعيف الحالي؟ والعراق وغيره من المناطق الإسلامية تعاني بدرجات متفاوتة من هذه المؤامرات الرامية إلی إشاعة الشقاق والتفرقة بين الطوائف الإسلامية والفرق الإسلامية والقوميات والشعوب الإسلامية بذرائع شتی: هؤلاء يقتلون أولئك وأولئك يقتلون هؤلاء وهؤلاء تمتلئ قلوبهم حقداً علی أولئك وفي المقابل تمتلئ قلوب أولئك حقداً وضغينة علی هؤلاء، وتكون النتيجة غفلتهم عن العدو الأصلي للعالم الإسلامي والمخططين للهيمنة والسيطرة علی هذه المنطقة من العالم.

إذا كان أنصار القرآن والإسلام – من أية فرقة أو مذهب كانوا –  صادقين فيما يقولون ومخلصين حقاً ويريدون بقاء‌ القرآن عزيزاً عظيماً فليعلموا أن هذه الصرخات وهذه الأقلام المأجورة وهذه الأموال القذرة والخبيثة التي تنفق في بعض البلدان لزرع الخلافات عقبة في طريق شموخ الإسلام، وهذا من فعل الأعداء.

سبل إيجاد الوحدة وتعزيزها

للوحدة مرحلتان: المرحلة الأولی هي مرحلة اللفظ والكلام. وهي مرحلة سهلة وليس فيها صعوبة تذكر، رغم أن البعض غير مستعدين حتى للقيام بهذه العملية السهلة، والبعض يكفرون الفرق الإسلامية علانية، وهناك من هم غير مستعدين حتى لتلفظ كلمة واحدة من أجل وحدة المسلمين واتحاد الفرق الإسلامية. علی كل حال مع أن مرحلة الكلام ليس لها عمومية تذكر لكنها ليست بالمرحلة‌ الصعبة. المرحلة الثانية هي مرحلة العمل والتي تحتاج فعلاً إلی الجهد والمساعي. وهي عملية‌ صعبة لكنها واجبة. هناك عناصر تروم عن عمد المساس بالوحدة، ويجب القول بكل أسف أن هناك أموالاً هائلة تعضدهم في هذا الطريق، وهناك دولارات نفطية كبيرة تروج لهذه الأمور. علی كل حال لأن الوحدة واجبة ولازمة وضرورة حتمية في هذا الزمان ينبغي الصبر علی صعوباتها ومشاقها.

السبل الثقافية

رسم أبعاد شخصية النبي الأعظم (صلی الله عليه وآله)

باستطاعة المسلمين في العالم الاتحاد تحت اسم النبي الأكرم (صلی الله عليه وآله وسلم) أسهل وأيسر من أي شيء آخر. هذه هي خصوصية هذا الرجل العظيم. لقد قلت مراراً: «إن هذا الإنسان الكبير هو مجمع وملتقی عواطف المسلمين فالمسلم يعشق نبيه». اللهم اشهد أن قلوبنا طافحة بحب الرسول.. ينبغي الاستفادة من هذه المحبة.. إنها محبة حلالة للمشكلات.

علماء المسلمين ومثقفوهم وكتابهم وشعراؤهم وفنانوهم يقع علی عواتقهم اليوم بمقدار استطاعتهم واجب رسم شخصية النبي الأكرم وأبعاد عظمة هذا الكيان الكبير للمسلمين وغير المسلمين. هذه العملية ستساعد علی اتحاد الأمة الإسلامية، والنهضة التي تشاهد لدی الأجيال الشابة في الأمة الإسلامية نحو الإسلام. إذا كان علماء المسلمين يؤمنون بقول القرآن: «وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله» [15] فيجب أن يدركوا أن معنی ذلك هو أن الرسول لم يأت لمجرد أن ينصح ويتكلم ويفعل الناس ما يريدون ويحترمونه في الوقت نفسه، وإنما جاء النبي ليطاع وليهدي المجتمع والحياة ويشكل نظاماً، ويأخذ بيد الإنسان نحو أهداف الحياة الكريمة.

اليقظة أمام العدو

يوصي القرآن المسلمين ذوي القلوب اليقظة بأن لا ينسوا العدو أبداً، فلا تنسوا أن لديكم عدواً يترصدكم في كمائنه، ولا تنسوا أنكم إذا قصرتم وتقاعستم فسيضرب العدو ضربته. يريد العدو أن ينفذ من أي منفذ يستطيع لكي يوجه ضرباته: عن طريق الاقتصاد وعن طريق الثقافة وعن طريق السياسة وعن طريق القضايا الأمنية. علی الأمة الإسلامية أن تكون يقظة: «ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين» [16] . لا تستسلموا للعدو ولا تنسوه وتذكروا أنه موجود. ولكن حول هذا الشيطان نفسه يقول الله تعالی: «إن كيد الشيطان كان ضعيفاً » [17] . الشيطان نفسه الذي يجب أن تحذروا منه، وإن لم تحذروا فسوف تتلقون منه الضربات، إذا تيقظتم واتحدتم وتفطنتم وعملتم بواجباتكم سيكون كيده ومكره ضعيفاً جداً ولن يستطيع فعل شيء. «إنما سلطانه علی الذين يتولونه» [18] . قوة الشيطان نافذة فاعلة في الذين يخافون منه ويحسبون له حساباً، أما الذي يعتمد علی الله ويعبده فالشيطان هو الذي يخاف منه.

تشاور العلماء فيما بينهم

علی المستوی الفقهي أيضاً يمكن لتبادل وجهات النظر بين المذاهب المختلفة في الكثير من أبواب الفقه أن تؤدي إلی فتاوى متقاربة بل واحدة. لبعض الفرق الإسلامية في بعض أبواب الفقه بحوث وإنجازات ملحوظة، وبوسع الآخرين الاستفادة منهم. أحياناً قد تكون لدی بعض الفرق الإسلامية إبداعات في بعض الأحكام والاستنباطات الإسلامية من الكتاب والسنة، وبمقدور الآخرين الاستفادة منها ليصلوا إلی فتاوى متقاربة‌ أو مشتركة. نری أحياناً فتاوى تنقل من مذهب إلی مذهب آخر تكون غريبة عليه. قد يتحاشى أهل ذلك المذهب هذه الفتاوى أولا يصرون عليها، فلماذا لا نفتش عن فتاوى مشتركة؟

ممارسة العلماء لدورهم التنويري

ليجعل علماء الإسلام الوحدة الإسلامية أمراً عملياً، ويعدوا ميثاقاً يؤيده ويصدقه جميع العلماء والمثقفين في العالم الإسلامي وكل الشخصيات السياسية المخلصة في العالم الإسلامي، ويسعوا لتطبيقه عملياً حتى لا يتجرأ مسلم علی تكفير من يلهج بكلمة التوحيد لمجرد أنه من مذهب آخر أو تيار آخر.

الإخوة المسلمون سواء في إيران أو العراق أو باكستان أو لبنان أو فلسطين أوفي مناطق العالم الأخرى من أي مذهب كانوا يعلمون أن رأي علماء الإسلام الحقيقيين هو: «تلويث اليد بدم الأخ المسلم من الذنوب التي لا تغتفر». البعض يلوثون أيديهم بدماء إخوتهم المسلمين تحت طائلة العمل بالإسلام! وباسم الالتزام بالإسلام! هذا خروج عن الإسلام. ليعلم الجميع أن أخوّة الشعب الإيراني مع باقي الشعوب المسلمة أخوّة حقيقية. التباين المذهبي له محله، فالشيعي شيعي والسني سني، ثمة اختلافات فكرية ومذهبية بين الشيعة والسنة، ولكن يجب أن يكون هؤلاء جميعهم إخوة تحت راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وأن يستطيعوا الوقوف بوجه أعداء الإسلام وأعداء الأمة الإسلامية.

عدم التركيز علی الخلافات

شعار الإسلام الأصيل والإسلام الذي قام النظام الإسلامي علی أساسه هو أن المسلمين رغم اختلافاتهم في العقائد والمباني المذهبية يجب أن تتوفر لديهم وحدة كلمة، وأن يشددوا علی مواطن الاتفاق ويتجنبوا جرح مشاعر بعضهم. هذه الثقافة الدينية بهذا المعنی وبهذه النظرة المشتملة علی الحرية والعدالة والديمقراطية ونشر الوحدة في العالم الإسلامي وبين الأمة الإسلامية هي إحدى سوح جهادنا التي يجب أن نبذل فيها مساعينا.

ليترك الإخوة الشيعة والسنة مواطن الاختلاف لأنفسهم. لا يتظاهروا بالاختلاف لا في المجمع العالمي ولا أمام أنظار العامة. ليتمظهروا بالوحدة ويعرضوا وحدة الأمة الإسلامية. والذي يبلغون يجب بالتأكيد أن يكون تبليغهم بأحسن نحو وبلغة المنطق العلمي القوي ليمكنهم جذب القلوب إلی الحق والحقيقة.

أينما كنتم إذا وجدتم المتحدث أو الخطيب أو الصحيفة أو كاتب المقال يريد بكلامه أو كناياته أو تصريحاته بث القلق في نفوس الناس وإفساد وحدتهم اعلموا أنه مخطئ ويسير في الطريق الخطأ. يكفي أن تعلموا هذا وليس من الضروري أن تفعلوا شيئاً. اعلموا أن من يفعل هذا إنما هو مخطئ ويسير في الدرب المنحرف.

السبل السياسية

الاتحاد أمام العدو المشترك

وحدة الأمة الإسلامية أمل مقدس كبير ولا شك أن القلوب في كل مكان من العالم الإسلامي تخفق لتحقق هذا الهدف. لكن لهذا الهدف مقدماته لأنه مشروع كبير وقمة عالية مضافاً إلی أن عقبات الطريق كثيرة. في الوقت الراهن وفي هذه الأيام ثمة أجهزة في العالم تعمل بشكل دائم علی فصل المسلمين عن بعضهم. إذا استطاعوا أشعلوا نيران الحرب بين بلدين، وإن لم يستطيعوا أشعلوا نيران حرب سياسية أو عقيدية أو مذهبية أو تأجيج الأحقاد الطائفية. طبعاً الذين يفعلون ذلك ليسوا أفراداً عاديين في الشوارع والأسواق إنما هم مراكز القوی التي بأيديها الأموال والسياسة والأمن الدولي. من هنا كان السعي في سبيل وحدة المسلمين غير منفصل يقيناً عن السعي لمواجهة هذه الأمواج.

مؤتمر القمة الإسلامي مؤشر وحدة وتلاحم وإدارة قوية وتعاون صميمي بين مسؤولي البلاد والمسؤولين والشعب، وقد شاهد الساسة الأمريكان القدرة علی إنجاز المشاريع الكبيرة والمعقدة والمركبة.

لكن الإسلام والصحوة الإسلامية خطر علی الاستكبار. وهم يستهدفون هذا الخطر أينما وجدوه ويهاجمونه بشدة سواء كان من السنة أومن الشيعة. الاستكبار ينظر لحماس في فلسطين بنفس النظرة والسلوك الذي ينظر بها لحزب الله في لبنان، وذاك سني وهذا شيعي. نظرة الاستكبار للمسلمين المتعبدين الملتزمين في أي مكان من العالم كانوا نظرة واحدة، سواء كانوا سنة أو شيعة.

السبل الاقتصادية

أي عمل يقام به اليوم في سبيل تجميع القوی الإسلامية وتنظيم الأمة الإسلامية الكبرى في اتجاهات الحياة المختلفة هو خدمة للإسلام والبلدان الإسلامية والبشرية. العمل المصرفي لرؤساء البنوك المركزية في البلدان الإسلامية وبنك التنمية‌ الإسلامي وهيئة الخدمات المالية كله من هذا القبيل وفي هذا الصراط.

إذا كانت البلدان الإسلامية مع بعضها حقيقة، ولا أقول يقوم بينها اتحاد بالمعنی السياسي للكلمة بل تكون بينها علاقات صداقة، مثلاً تعمل بجد من أجل تأسيس السوق المشتركة التي يبحث موضوعها الآن وتتخذ قراراً لحل مشكلاتها مع بعضها والسعي لمعالجتها، فإن الكثير من محن العالم الإسلامي وأوجاعه سوف تقل. وبتعبير آخر فإن الكثير من المشكلات ستفقد حدتها وشدتها المؤذية.

رواد الوحدة

آية الله العظمی البروجردي والشيخ محمود شلتوت

شخصيتان ممتازتان بارزتان أحدهما فقيه عصره الكبير والمرجع الأعلى لكافة الشيعة في العالم في زمانه والشخصية العلمائية النادرة في الفترات الأخيرة‌ السيد آية الله العظمی البروجردي، والثاني فقيه أهل السنة ومفتيهم الكبير والرئيس الشجاع والمجدد للأزهر الشريف العلامة الشيخ محمود شلتوت؛ المرحوم آية الله البروجردي كان أحد مؤسسي دار التقريب بين المذاهب في مصر. والمرحوم الشيخ شلتوت كذلك كان من مؤسسي دار التقريب بين المذاهب. هذا التقريب هو واجب كل علماء الشيعة والسنة.

منذ سنوات طويلة – من زمن المرحوم آية الله البروجردي (رضوان الله تعالی عليه) وبعض الكبار من علماء أهل السنة في مصر – تكونت هذه الفكرة أن تعالوا نترك خلافاتنا جانباً ويبقی السني سنياً والشيعي شيعياً ونحتفظ بعقائدنا ونضع أيدينا بأيدي بعضنا. في ذلك اليوم كانت همّة المرجع الأعلى للشيعة وعزيمته وشجاعة المفتي الكبير في مصر وحريته خطوة واسعة ومناسبة‌ لحاجة الزمن. واليوم أيضاً يتحمل الكبار والمفكرون وعلماء الدين والمثقفون والمفتون والساسة، كل واحد منهم، يتحملون واجبات كبيرة في هذا السبيل.

أدرك هذان الرجلان العظيمان قبل نحو نصف قرن هذه الحقيقة الساطعة وسعوا سعيهما من أجلها. وإذا تابع رجال العلم والسياسة هذه الجهود بجد ربما لم يشهد العالم الإسلامي اليوم النتائج المحزنة لاختلافات المسلمين، ولربما لم تكن مصيبة فلسطين وسائر الأوضاع المؤسفة في العالم الإسلامي بهذه الدرجة من الهول والفجيعة.

السيد جمال الدين الأسد آبادي

السيد جمال الدين الأسد آبادي أكبر شخص دعا المسلمين في تاريخنا الماضي إلی الوحدة. كان السيد جمال الدين يعتقد أن العالم الإسلامي إذا أراد تجديد حياته المعنوية والسياسية فلا مفرّ أمامه من الاتحاد، وقد كانت أسفار السيد جمال الدين وكلماته ومفاوضاته تصب كلها في هذا السبيل ومن أجله. السنة يقولون إن السيد جمال الدين سني، والشيعة يقولون إنه شيعي. إذن فهو مقبول لدی الفريقين. كان السيد جمال الدين سيداً شيعياً إيرانياً تعاون مع الشيخ محمد عبده وهو عالم مفتنٍ سني شافعي، وضمّا صوتيهما إلی بعض فملأ هتافهما العالم كله. السيد جمال الدين شخص رفع راية إحياء الإسلام وبالتالي فراية إحياء الإسلام لا تعرف شيعة وسنة.

الإمام الخميني (رضوان الله عليه)

الأهداف والمثل الكبرى التي عبر عنها الإمام الخميني هي: مقارعة الاستكبار العالمي والحفاظ علی الاعتدال الحاسم علی خط «لا شرقية ولا غربية» والإصرار الشديد علی الاستقلال الحقيقي والشامل للأمة – الاكتفاء الذاتي بالمعنی التام – والإصرار الكبير واللامتناهي علی حفظ الأصول الدينية والشرع والفقه الإسلامي وإيجاد الوحدة والتضامن والاهتمام بالشعوب المسلمة والمظلومة في العالم وإعزاز الإسلام والشعوب المسلمة وعدم الفزع أمام القوی العالمية وتوفير القسط والعدل في المجتمع الإسلامي والدعم السخي والدائم للمستضعفين والمحرومين والطبقات الفقيرة في المجتمع وضرورة الاهتمام بهم. شهدنا جميعاً أن الإمام واصل سيره علی هذه الخطوط بإصرار ومن دون تردد. وعلينا مواصلة طريقه وأعماله الصالحة وحركته المستمرة.

 مظاهر الوحدة والانسجام الإسلاميين

عظمة الأمة الإسلامية

الحج مظهر وحدة المسلمين واتحادهم. أن يدعو الله تعالی كافة المسلمين وكل من استطاع منهم إلی مكان واحد معين وفي زمن واحد معين ويجمعهم إلی جوار بعضهم في إطار أعمال وحركات تجسد التعايش والنظام والتناسق طوال أيام وليال فإن الأثر البارز الأول لذلك هو بث الشعور بالوحدة والجماعة في كل واحد منهم، وعرض عظمة اجتماع المسلمين وشوكته لهم، وإرواء أذهانهم من هذا الشعور بالعظمة.

الحج مظهر وحدة الأمة الإسلامية وتلاحمها وارتفاع الجدران والحجب وردم التصدعات التي أوجدتها أيدي الأعداء أو أيدي العصبيات والأوهام، وكذلك قطع خطوة نحو الأمة الإسلامية الواحدة، ومن جهة أخری فهو مظهر البراءة من أعداء الله والمشركين وعملاء الشرك والكفر.

أسبوع الوحدة

قالت الجمهورية الإسلامية لمسلمي العالم تعالوا نختبر الوحدة من الثاني عشر وحتى السابع عشر من ربيع الأول. حسب رواية - وغالبية أهل السنة يؤيدون هذه الرواية وبعض الشيعة يقبلونها – فإن يوم الثاني عشر من ربيع الأول هو يوم ولادة الرسول الأكرم (صلی الله عليه وآله وسلم). وهناك رواية تقول إن يوم السابع عشر من ربيع الأول هو يوم الولادة، وهي رواية يقول بها غالبية الشيعة وبعض أهل السنة. علی كل حال، ما بين الثاني عشر والسابع عشر من ربيع الأول وهي أيام ولادة النبي الأكرم (صلی الله عليه وآله وسلم) ينبغي الاهتمام بالوحدة الإسلامية العالمية أكثر، فهي حصن وسور قوي إذا بني لن تستطيع أية قدرة التطاول علی البلدان والشعوب الإسلامية.

نحن لا نقول لينتقل السنة في العالم إلی المذهب الشيعي أو يتخلی شيعة العالم عن عقائدهم. طبعاً إذا حقق أي سني أو شخص آخر وبحث فلتكن عقيدته ما يشاء وليعمل بها. هو المسؤول أمام الله. إنما ما نقوله في أسبوع الوحدة كرسالة للوحدة هو أن يتحد المسلمون ولا يعادوا بعضهم، والمحور هو كتاب الله وسنة النبي الأكرم (صلی الله عليه وآله وسلم) والشريعة الإسلامية. هذا الكلام ليس كلاماً سيئاً. إنه كلام يوافقه أي عاقل منصف غير مغرض.

يوم القدس

يوم القدس من التجليات الحقيقية للاتحاد والانسجام في العالم الإسلامي فهو يوم تضامن الأمة الإسلامية تحت راية إنقاذ القدس الشريف، واليوم الذي يعبر فيه المسلمون من شرق العالم الإسلامي أي أندونيسيا وإلی غربه أي أفريقيا ونيجيريا إينما سُمح لهم، عن نواياهم وإرادتهم. العالم الإسلامي حالياً أكثر حساسية وتحفزاً واندفاعاً إزاء قضية فلسطين. والسبب هو أن العالم الإسلامي قد استيقظ. إذن لنحيي هذا اليوم ونوصل أصواتنا في الدفاع عن الشعب الفلسطيني المظلوم إلی أسماع العالم ونستلهم فيض شهر رمضان لنقوّي ونعزز قلوبنا وأرواحنا ونمتّن إيماننا بالوعد الإلهي.

الأعياد الإسلامية

العيد الإسلامي هو لإحياء الشعور بالوحدة بين المسلمين. العيد الإسلامي يعني اليوم الذي يحتفل به الناس في كل العالم الإسلامي.

للعيد الإسلامي وجهان: الوجه الأول هو التوجه إلی الله والمعنوية، والوجه الثاني هو اجتماع كافة المسلمين حول محور واحد. جميع الأعياد والمناسبات الإسلامية يجب أن تكون لها عندنا هذه الخصوصية وهي أن تقرب قلوبنا نحن المسلمين إلی بعضها. المسلمون اليوم بحاجة أكثر من الماضي إلی تقارب قلوبهم من بعضها.

دار التقريب

أری أن التقريب بين المذاهب أمر لازم وواجب وضروري ويصب باتجاه أهداف النظام الإسلامي، واعتقد أن المساس بالوحدة ضربة كبيرة لكل الأمة الإسلامية. ودار التقريب هذه التي طرحناها هي لهذه الغاية. دار التقريب التي كانت في مصر عزيزة ومحترمة عندنا جداً وهي محترمة إلی الآن. وللأسف لم يسمحوا ولا يسمحون لها بالعمل. في برهة زمنية فقط حينما صدرت مجلة «رسالة الإسلام» وكان المرحوم شلتوت والشيخ سليم ورؤساء الأزهر الشريف علی قيد الحياة عملت دار التقريب بشكل جيد. كان المرحوم آية الله البروجردي مرجع تقليدنا داعماً لدار التقريب في مصر. رئيس الأزهر كان أولاً الشيخ سليم وهو المؤسس، وفي الحقيقة، الممهِّد لدار التقريب، وبعد ذلك تولی الشيخ محمود شلتوت رئاسة الأزهر وكان مفتي الديار المصرية، وكان هو نفسه رئيس دار التقريب هذه. كان هؤلاء حماة التقريب. والعالم الإسلامي‌ اليوم بحاجة لهذا التقريب. الهدف من التقريب هو أن تقترب الفرق الإسلامية من بعضها علی مستوی الفكر والعقيدة. بعض تصورات الفرق عن بعضها الآخر قد تنتهي عبر الحوار والتداول إلی نتائج جيدة، وقد ترتفع بعض حالات سوء الفهم وتتعدل بعض العقائد وتتقارب بعض الأفكار بشكل حقيقي. طبعاً إذا حصل هذا لكان أفضل من أي شكل آخر، حيث سيتم التأكيد علی المشتركات في أقل تقدير. هذه أقل فائدة يمكن أن تنتج عن الحوارات والمباحثات. وإذن يجب تحاشي طرح القضايا المثيرة للتفرقة.

ـــــــــــــــــ

[1]  وسائل الشيعة، ج14، ص295 30- باب استحباب زيارة أمير المؤمنين.

[2]  سورة الحج، الآية 40.

[3]  «وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون» سورة الأنبياء، الآية 93.

[4]  سورة النور، الآية 42.

[5]  سورة آل عمران، الآية 103.

[6]  سورة الحجرات، الآية 9.

[7]  سورة آل عمران، الآية 103.

[8]  سورة البقرة، الآية 256.

[9]  الكافي، ج 7، ص 51.

[10]  سورة الممتحنة، الآية 8.

[11]  بحار الأنوار، ج29، ص 485.

[12]  سورة الحجر، الآية 39.

[13]  «فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم» سورة البقرة، الآية 256.

[14]  سورة الأنفال، الآية 46.

[15]  سورة النساء، الآية 64.

[16]  سورة يس، الآية 60.

[17]  سورة النساء، الآية 76.

[18]  سورة النحل، الآية 100.