كيفية التمسك بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)
التأسف لفقدان حملة علوم الائمة عليهم السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
أتقدم لجميع السادة.. والشعب الإيراني بأسره والمسلمين كافة والمظلومين في أرجاء العالم، بأحر التهاني في هذا العيد الكبير.
ما أجمل هذا الاجتماع الذي يضم في مثل هذا العيد أصحاب الثورة الأساسيين الذين هم من أبناء هذا الوطن من فلاحين وعمال ومجاهدين، الذين حضروا إلى هنا لنستلهم منهم الدروس المعنوية. ومما يؤسف له حقاً، هو عدم فسح المجال أمام أمير المؤمنين سلام الله عليه لإقامة حكومة الله في العالم بالشكل الذي أراده عليه السلام ليفهم العالم كله ماذا جلب لهم الإسلام ويتعرف على الشخصيات التي يمتلكها الإسلام. ففي السنوات الأولى لم يكن على رأس الحكومة، لعدم إتاحة الفرصة له، كما أنهم لم يعطوه الفرصة حتى عندما آلت إدارة أمور الدولة إليه؛ فأججوا نيران ثلاثة حروب في عهده مما سدّ الباب أمامه لإقامة الحكومة التي كان ينشدها، وهذا الأمر ينبغي أن نتحسر له للأبد. فلو كانت مثل هذه الفرصة أتيحت له، لكانت حكومته حكومة مثالية ونموذجاً يحتذى لكل الذين يتطلعون إلى إقامة العدل وتطبيق إرادة السماء. لكن ذلك لم يحدث للأسف، لكن النـزر اليسير الذي تحقق منه مازال نوره يستطع في الأرض. وفي عصرنا الحاضر صار معلوماً لنا من خلال ذلك الأثر القليل المتبقي من أمير المؤمنين في مجال الحكم.
كيف يجب أن يكون عليه الحاكم. والشيء الثاني الذي يبعث على الأسف هو أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يجد مجالاً لنقل العلوم والمعارف التي كان يختزنها في صدره «انّ ههنا عِلماً جمّاً» إلى أشخاص يحملونه من بعده. ومما لا شك فيه أن العلم الذي لم يجد له أشخاصاً جديرين بحمله، هو علم أسرار الولاية، وأسرار التوحيد.، لابد أن يتأسف العلماء والعارفون لعدم توفر الفرصة والمجال لأمير المؤمنين للبوح بتلك الأسرار التي كان لابد له من الكشف عنها. لكن المجال لم يتح له وهذا الأمر هو من الحسرات التي ينبغي على الجميع وبالأخص العارفين والفلاسفة والعلماء والمفكرين أن يقضوا حياتهم بالتأسف عليها.
معنى التمسك بولاية أمير المؤمنين عليه السلام
ونحن في هذا اليوم المبارك الذي هو من أعياد الإسلام الكبرى، وأكبرها بحسب اعتقادنا، علينا التأكيد على نقطة واحدة وهي أن هذا اليوم يمثل استمرار النبوة، وامتداداً لمعنوية رسول الله، وامتداداً للحكومة الإلهية المنشودة ولهذا فهو يعتبر أعظم واكبر من كل أعياد المسلمين. ومن الأذكار الواردة التي يجب علينا تكرارها في هذا اليوم السعيد، تلاوة القول التالي: {الحَمدُ للهِ الذي جَعَلَنا من المُتَمسِّكين بِوَلايةِ امير المؤمنين وأهلِ بَيتِهِ}.
فما هو التمسك بولاية أمير المؤمنين؟ هل يعني أن نقرأ هذا الذكر وكفى؟ انه تمسك بولاية أمير المؤمنين في اليوم الذي تجلت فيه ولايته بمعناها الحقيقي، وليس التمسك بحب أمير المؤمنين فذلك أساساً لا معنى له، بل هو التمسك بمقام ولاية الرجل العظيم الذي لا يمكننا نحن ولا جميع البشر تطبيقه بمعناه التام وبتلك العدالة الاجتماعية والعدالة الحقيقية التي كان أمير المؤمنين يمتلك القدرة على تطبيقها، ونفقد نحن وجميع البشر القدرة على إقامتها، لكن بعد تحقق ذلك النموذج علينا التمسك بذلك القدر القليل بكل ما أوتينا من قوة. فالتمسك بمقام الولاية معناه، أو احد معانيه، أن نكون نحن ظلاً لمقام الولاية الذي يمثل مقام التصدي لأمور المسلمين. ومنصب الحاكم عليهم، هو انه إذا تم تشكيل حكومة ينبغي أن تكون حكومة متمسكة بولاية أمير المؤمنين وتطبق العدالة التي طبقها أمير المؤمنين، وذلك بحسب استطاعتها. فمجرد الادعاء بأننا متمسكون بولاية أمير المؤمنين لا يكفي، لان ذلك لا يعد تمسك أصلاً. فعندما تتخذ أي حكومة من أمير المؤمنين قدوة ونموذجاً لها في تنفيذ الحكم، يجب عليها أن تطبق كل الأحكام والقوانين التي طبقها بحذافيرها، كي يمكن تسميتها حكومة متمسكة بولاية أمير المؤمنين. وفي حالة عدم اتخاذه نموذجاً للحكم، أو حصول بعض المخالفات عن ذلك النموذج العظيم، فانه حتى لو ادعى هذا الحاكم ونطق ألف مرة يومياً (جعلنا الله من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين) فهذا القول لا يعدو الكذب. وان المجلس الذي يضم كبار الشخصيات في البلاد، إذا طبق كل الأمور التي أرادها أمير المؤمنين، واتخذ من العدالة التي أراد أمير المؤمنين تطبيقها خلال الفترة التي أتيح له ـ والتي كانت قصيرة جداً ـ نموذجاً لتنفيذ الأحكام والأمور المناطة به بنفس الصورة التي كانت على عهد أمير المؤمنين، وصادق عليها وراعاها بنفس الدقة، عندها فقط يمكن تسمية مجلسنا من المتمسكين بأمير المؤمنين عليه السلام. وإذا لم يتمكن مجلس الشورى من القيام بذلك، أو لا يريد، لا سمح الله، أن يفعل ذلك، أو لا يسمح البعض بتنفيذ هذه الأعمال، عندها لا يمكننا أن ندعي أننا نمتلك مجلساً متمسكاً بولاية أمير المؤمنين. والشيء نفسه يصدق على السلطة القضائية، فإذا لم تحذو السلطة القضائية حذو أمير المؤمنين في القضاء عملاً بالقول المأثور «أقضاكم علي»، ولم تطبق الأحكام القضائية الإسلامية، ولم تكن متمسكة بالقضاء الإسلامي، رغم كل ما تدعيه من إنها متمسكة به، فإنها ستكون سلطة تظهر خلاف واقعها. فالتمسك الواقعي يكون عندما تمارس السلطة القضائية أعمالاً مستوحاة من النموذج العلوي الذي هو النموذج الإسلامي ذاته. وينبغي لكل من يقرأ هذا الدعاء أن يلتفت إلى أن التمسك بولاية أمير المؤمنين يعني أتباع أهدافه والعمل على تحقيقها.
عدم تحمل الظلم حتى لغير المسلمين
إن ما يقال عنا بأننا شيعة علي وأننا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين عليه السلام، لا يكفي ولا يمكن قبوله. فهذه الأمور لا تحصل بمجرد النطق بها ولا يمكن تحققها بالتلفظ بها أو باستخدام عبارات معينة؛ إنما هي أمور عملية. يجب على الذين يدعون بأنهم من شيعة أمير المؤمنين وأتباعه، أن يتبعوه بكل شيء في القول والفعل والكتابة والكلام. فإذا لم يكن هذا الأتباع موجوداً وندعي بأننا من شيعة علي، نكون قد قلنا جزافاً وكلاماً لا طائل منه.
لنتأمل أمير المؤمنين خلال فترة حكمه ـ التي كانت قصيرة جداً وواجهت مشاكل وعقبات عديدة ـ سنرى انه عندما كتب عهده الهام إلى مالك الأشتر، ذكر كل هذه القضايا المهمة، سواء السياسية منها والاجتماعية، حيث أورد فيه كل شيء رغم انه كان بمثابة وصايا لشخص واحد. فقد كانت رسالة إلى شخص واحد، ويقال حسبما روي أن أمير المؤمنين قال في عهده لو أن خلخالاً سرق وانتزع من قدم ذمية أثناء حكومته، فإذا مات المرء أسفاً لذلك لا لوم عليه. هؤلاء هم الشيعة وهكذا يكونون، ليس مثلنا نحن، فالشيعة هم الذين عندما يقع ظلم وان كان بحق ذمي يعيش في ظل الدولة الإسلامية، وان كان هامشياً ممثلاً بانتزاع خلخال من قدم امرأة ذمية، تقول انه لو مات المرء غصة لذلك لا يجب لومه، فهذا الأمر له هذه الدرجة من الأهمية عند الشيعة.
صحيفة الإمام: ج18، ص131.
تعليقات الزوار