الإصلاح والتغيير في نهضة الإمام الحسين عليه السلام

محاضرة لسماحة آية الله الشيخ محسن الأراكي في يوم الثلاثاء الثالث من محرم الحرام 1433هـ الموافق 29 نوفمبر 2011

لا بد أن نشرح بعض المفاهيم التي ترددت كثيرا في نظرية التغيير الاجتماعي كمصطلح الثورة والإصلاح والتغيير والعنف والسلم والحرب والأمر والنهي وهذه المصطلحات على نوعين: النوع الأول مصطلحات مضمونية

والنوع الثاني مصطلحات منهجية أو شكلية.

المصطلحات المضمونية هي التي تدل على مضمون عملية التغيير، بينما المصطلحات المنهجية لا تمس عملية التغيير. حينما نقول إصلاح أو ثورة أو تغيير فهي تمس العملية التغييرية. وإذا قلنا عنف أو حوار أو كلمة أو سلم فهذا النوع يمس شكل التغيير أو أسلوب التغيير.

هنالك مصطلحات أساسية للمضمونية فمصطلح التغيير ورد في القرآن الكريم كثيرا وفي كلمات الأئمة وخصوصا في كلمات الإمام الحسين عليه السلام.

الله سبحانه وتعالى قال: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم)، (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم).

هناك مصطلح يقرب من التغيير وهو التبديل (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا). وكذلك مصطلح التحويل (ولا تجد لسنة الله تحويلا).

التبديل والتحويل والتغيير هي متقاربة ولكتها تشير إلى انتقال من حالة إلى حالة أخرى.

التحويل تعني سنة الله لا تتغير وكلمة التحويل معناها الحول أي الحركة التحويلية الكاملة فالانتقال من حول إلى حول هو تغيير سنة ما إلى سنة أخرى.

والميثاق هو بين العبد وربه فميثاق الفطرة هو ميثاق عام وهو الصلة بين الخالق والمخلوق. مضمون هذا الميثاق أن نتكيف بما كيفه الله لنا. فكل من يخلق يكون قد اخذ على نفسه هذا الميثاق (وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير).

يوجد لدينا ميثاق بالإسلام وميثاق الإيمان وهو الطاعة والخضوع، حينما نشهد أن محمدا رسول الله معناها أننا أخضعنا أمرنا للنبي محمد صلى الله عليه واله وسلم. أما ميثاق الإمامة وهو ميثاق النصرة (من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله) الميثاق هو أن الإنسان يطيع الإمام وميثاق النصرة أن ينصر الإمام. وميثاق النصرة جاء في نص القرآن الكريم (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به)، (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).

وهذه هي النصرة التي طلبها الإمام الحسين في عاشوراء عندما قال (هل من ناصر ينصرنا).

في زيارة الإمام الحسين عليه السلام (إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم). إننا ملتزمون بهذا الميثاق والطاعة والوفاء (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق). الفارق الأساس بين المنافق والمؤمن هو الالتزام بهذا الميثاق.

مصطلح التغيير يأتي في سياق آخر (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم)، (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله). هذه الآيات تخص وضع المسلمين في المدينة المنورة والنعمة التي من الله عليها هي نعمة القيادة الإلهية (الرسالة والإمامة) التي كفروا بها وأشار إليها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). وان هذه النعمة تعبر عن نعمة القيادة الإلهية وان لا تتم النعمة إلا بعد أن يجمعهم تحت قيادة إلهية والتي تم تعيينها في يوم الغدير الذين اجتمعوا على ولاية وبيعة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام. وأشار الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم إلى الطاعة والنصرة إلى الإمام علي عليه السلام (والي من والاه... وانصر من نصره).

الرسول ابتعثه الله وخضع إلى ميثاق النصرة والطاعة لله تعالى. وحين تتم النعمة على القيادة الإلهية تصبح نعمة تامة إلى البشرية وإذا دخلت البشرية إلى نصرة هذه القيادة فان الله يفضل هذه الأمة (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).  والنبي يوسف عليه السلام أثناء تواجده في السجن قال (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ).

القرآن يعبر عن حالة القيادة بالفضل (إن فضل الله كان عليك كبيرا)، وهذا الفضل هو ميزة عظيمة وهي ميزة القيادة.

الأمة التي تدخل في ميثاق لهذه النصرة تكون مفضلة وأمة رائدة وعلى الأمم الأخرى أن تتبعها (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين)، (يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ). عندما اتبعتم القيادة الإلهية فإن الله أتم النعمة عليكم ولكن الله انتزع هذه النعمة منهم لأنهم نكثوا ميثاقهم (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ)، (والقينا عليهم العداوة والبغضاء)، فانتزع منهم ذلك الشرف والتفضيل.

 (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء)، (وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله).

فعصيان القيادة الإلهية يخلف الذل لكن الله وعد نبي الله إبراهيم عليه السلام بان يجعل القيادة في ذريته (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). وان تستمر الذرية إلى يوم القيامة وعندما نقض بنو إسرائيل الميثاق فان الله جعل القيادة في صلب إسماعيل عليه السلام.

في يوم عاشوراء قال الإمام الحسين (ألا إن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذل وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون).

الإمام علي عليه السلام حين ضرب من قبل ابن ملجم قال (فزت ورب الكعبة) هذه ليست كلمات صدفة خرجت من الإمام علي بل كلمات لها حسابها القرآني. هذا الفوز هو الفوز بهذا الميثاق. الرواية المشهورة عن الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم (علي وشيعته هم الفائزون) علي هو ذلك المطيع والناصر لله ورسوله ولم ينقض عهده إلى أن استشهد، فكان مصداق الآية (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).

وكذلك مصطلح التحويل (ولا تجد لسنة الله تحويلا). الشيعة هم الذين يثبتون على الطاعة والنصرة للرسول والأئمة عليه السلام. هناك من بدل وغير الميثاق وهناك من لم يتغير ولم يتبدل.

بعض الأحيان التغيير يستعمل في تغيير المسار والقرآن يقول أن الإيمان والطاعة والميثاق هو في الحقيقة نوع من الاتجاه في الحياة. كل اختيار يختاره الإنسان لنفسه فهو يبين لنفسه اتجاه ووجهة معينة. قال الله تعالى (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها) يعني تعطي اختيارك لله سبحانه وتعالى وبالتالي رضوان الله وجنته البهية (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

لعل أسمى اللذائذ في الجنة هي النظرة إلى الله (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) هذه المعرفة بالله سبحانه ليست معرفة ذهنية بل معرفة الذوق. إذا غير الإنسان في اتجاهه إلى الشيطان فسوف يفقد الدنيا والآخرة.

ولنا في حدث كربلاء مصاديق عملية من كلا النوعين فهناك من تحول من السلب إلى الموجب وبالعكس.