عماد مغنية أسطورة الجهاد وبشارة النصر الحاسم 

لا يزال القائد الجهادي الكبير في حزب الله وعماد مقاومته (الحاج رضوان) أسطورة جهاد وبشارة النصر الحاسم، ولغزاً تحتار العقول في فهمه، رغم خروجه من ظل الحاج رضوان إلى شمس عماد مغنية منذ ست سنوات.

 عماد مغنية شخصية أسطورية تختزن كمًا هائلاً من الأسرار ويلفها الغموض من كل ناح، وعليه مهما كُتبت مقالات ومضت سنون فستبقى هذه الشخصية تفيض عامًا بعد عام بالمفاجآت المذهلة.

لا شك أن طابع السرية الذي اتسمت به شخصية عماد مغنية هي الميزة الرئيسية إلى جانب إيمانه وتوكله على الله هي أحد أسرار النجاحات والانجازات العظيمة التي حققها بعيدًا عن الأضواء.

قليل جداً من العاملين في حزب الله وحتى في الصفوف القيادية الذين هم يعرفون الشهيد مغنية، بل لعل هناك الكثير من المسؤولين كانوا لا يعرفون أن عماد مغنية هو نفسه «الحاج رضوان»، كما أن هناك كثيرين ممن تعاملوا معه من خارج صفوف حزب الله ولسنوات طويلة على اعتبار أنه «الحاج ربيع» ولم يعرفوا أنه هو نفسه «الحاج رضوان» إلا بعد استشهاده.

من الصعب جدًا الغوص في أغوار شخصية هذا القائد العظيم فحزب الله ضنين حتى بصوره فضلاً عن دوره وجهاده، كونه كان ولا يزال أحد أهم أسرار المقاومة وأسطورتها وصانع بطولاتها والانتصارات، إلا أننا نكتشف عامًا بعد عام بعضًا من جوانب شخصيته التي كانت تجمع بين التناقضات فهو قائد معروف (الحاج رضوان)، قوي، قاس، صلب، شجاع جريء، عنيد، عبوس، جدي، كتوم، وفي نفس الوقت جندي مجهول، أب عطوف، حنون، رحيم، متواضع، لطيف، لين، مرح، وضحوك.

ولعل أكثر العبارات التي تختصر تعريف عماد مغنية هي التي أطلقها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، في تأبينه يوم تشييعه، «صانع الانتصارين» وهو يقصد بهما الانتصارين اللذين حققتهما المقاومة الإسلامية بدحرها للاحتلال الصهيوني من جنوب لبنان في أيار العام ۲۰۰۰ وفي حرب تموز ۲۰۰۶، وربما هذه الصفة أي «صانع الانتصارين» تفيه بعضًا من حقه إذ أن الطابع السري لشخصية وعمل «الحاج رضوان» سيبقي يحجب عنا كثيرًا من الانجازات والأعمال الجهادية والأمنية التي نفذها وحققها لشعبه وأمته علي مستوي الصراع مع العدو الصهيوني طوال ۲۶ عامًا من الجهاد والمقاومة.

وعن تواضعه يروي أحد المجاهدين في المقاومة الإسلامية أن مجموعة من المقاومين زاروا موقعًا متقدمًا للمقاومة في الخطوط الأمامية بجنوب لبنان إبان الاحتلال الصهيوني وطلب أحدهم البقاء في الموقع المذكور إلى جانب المقاومين وحصل علي موافقة مسؤول الموقع، وعندما جاء وقت الغداء طلب أحد عناصر الموقع من الضيف الجديد القيام بتحضير الطعام فلبي سريعًا وبعد تناول الطعام توجه إليه أحدهم وسأله ممازحًا: «ملأت الكروشة؟» ويعني بذلك هل امتلأ بطنك وشبعت، فيرد الضيف: «الحمد لله»، يكمل المقاوم: «إذن قم إلى الجلي» (غسل الأواني) يسرع الضيف بحمل الأواني إلى المطبخ ويقوم بغسلها بكل مرح وسرور، وبعد أيام يتبين لمسؤول الموقع وعناصره أن ضيفهم الخدوم والمطيع للأوامر والمحب للمقاومين هو نفسه القائد «الحاج رضوان»، لكنهم بالطبع لا يعرفون أنه عماد مغنية.

عاش عماد مغنية بهويته المدنية، حياة طبيعية هادئة بعيدًا عن الأضواء، يرفض الإجراءات الأمنية المكثفة، يفضل قيادة سيارته بنفسه ويتنقل في كثير من الأحيان منفردًا حتى لا يلفت الأنظار، ويبقى في نظر جيرانه ومحيطه شخصًا عاديًا، يتولي بنفسه شراء حاجات ومستلزمات بيته، يجالس جيرانه وأهل الحي، يمازحهم ويشاركهم همومهم، يخدمهم ويلبي حاجاتهم دون أن يعرفوا حقيقته ومن يكون، وهذا كله يتطلب وعيًا ودقة وحنكة في التصرف من قائد عسكري وأمني تلاحقه مختلف أجهزة الاستخبارات العالمية وأكثرها فاعلية بما فيها الأميركية والصهيونية والغربية على اختلافها، وشغل بال الكيان الصهيوني وقادته لسنوات طويلة، علمًا أن التوفيق بين الحياتين المدنية والأمنية يتطلب جهدًا ومعاناة غير عاديتين ليس له فحسب وإنما لأفراد عائلته عمومًا ولعل أكثر الدلالات على حجم هذه المعاناة ما عبره عنه نجله «جهاد» في كلمته التي ألقاها في ذكرى أسبوع والده عندما قال: «لأول مرة أعلن على الملأ أسمي بكل فخر واعتزاز إني جهاد عماد مغنية».

ولد عماد فايز مغنية في العام ۱۹۶۲ في بلدة طيردبا الجنوبية، في أسرة متدينة مكونة من أب وأم وثلاثة أبناء وفتاة هو أكبرهم (عماد وجهاد وفؤاد وزينب).

انتقلت عائلته إلى الضاحية الجنوبية لبيروت حيث تلقي عماد علومه الابتدائية والثانوية في مدارسها. تعرف خلالها علي المقاومة الفلسطينية فانخرط فيها مناضلاً في صفوف حركة فتح، واثبت براعته في العمليات العسكرية والأمنية فتم ضمه إلى «القوة ۱۷» التي هي القوة العسكرية الخاصة في حركة «فتح»، التي كانت تتولى حماية الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، حيث قيل إنه كان أحد حراسه الشخصيين.

ساهم عماد مغنية في عملية نقل سلاح حركة «فتح» إلى المقاومة اللبنانية، بعد أن اضطرت الحركة لمغادرة الأراضي اللبنانية إثر الاجتياح الصهيوني للبنان عام ۱۹۸۲. وعمل على تنظيم صفوف المقاومين وتشكيلاتهم ضمن إطار جديد اسمه حزب الله مساهمًا في تأسيسه، لمقارعة الاحتلال الصهيوني للبنان، سافر إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية في أوائل الثمانينات حيث نسج علاقات وطيدة مع القيادة الإسلامية ومع كبار قادة الحرس الثوري وتلقى تشجيعهم ودعمهم.

بدأ حياته الجهادية مطلوبًا لأكبر الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، حيث اتهمته وكالة الاستخبارات الأميركية الـ C.I.A والاستخبارات الفرنسية بالوقوف وراء عملية تفجير مقري المارينز والمظليين الفرنسيين في بيروت في تشرين الأول/أكتوبر ۱۹۸۳ وأديا إلى مقتل ۲۴۱ ضابطًا وجنديًا أميركيًا و۵۸ ضابطًا وجنديًا فرنسيًا.

واتهمه الكيان الصهيوني بالتخطيط وتدبير العديد من عمليات التفجير التي استهدفت قوات الاحتلال الصهيوني ومراكزه القيادية في الأراضي اللبنانية المحتلة آنذاك وخارج لبنان وأبرزها العملية الاستشهادية التي نفذها الاستشهادي أحمد قصير ضد الحاكم العسكري الصهيوني في مدينة صور بجنوب لبنان في العام ۱۹۸۲، وأسفرت عن مقتل أكثر من ۱۲۰ ضابطًا وجنديًا صهيونيًا.

إلى جانب مهمته كرئيس لـ«المجلس الجهادي في حزب الله» حمل عماد مغنية العديد من الملفات وحقق انجازات كبيرة لا تزال طي الكتمان لم يكشف منها حزب الله إلا النذر القليل نظرًا لطبيعة وحساسية عمل هذا القائد الجهادي الكبير والذي وصف بـ «الثعلب» و«صانع البطولات الأسطورية» و«قائد الانتصارين» وبأنه «الشبح الذي أرهق استخبارات ۴۲ دولة».

بعد ۲۶ عامًا من عمره الوجيز (۴۶عامًا) أمضاها مجاهدًًا متخفيًا يقود المقاومة بوجه العدو الصهيوني وينقلها من انجاز إلى انجاز ومن نصر إلى آخر، ذهب عماد مغنية إلى الشهادة متواضعًا كما هو وحيدًا دون مرافقة، ونال وسامها الأحمر في الثاني عشر من شباط/فبراير عام ۲۰۰۸، بانفجار عبوة ناسفة زرعها جهاز الاستخبارات الصهيونية «الموساد» في أحد شوارع بلدة كفرسوسة بريف دمشق، ليصبح ثالث الشهداء في عائلة الحاج فايز مغنية، بعدما اطمأن عماد مغنية إلى أن المقاومة الإسلامية باتت تملك من الصلابة والقوة ما يمكنها من الوقوف بوجه أعتى الطغاة ومن القدرة ما يمكنها من تحقيق أعظم الانتصارات. وأنه خلف وراءه أجيالاً وكوادر تدربت على يديه لا تخاف، لا تهدأ، ولا تلين.

خرج عماد مغنية إلى الضوء في ۱۲/۲/۲۰۰۸، تاركًا الكيان الصهيوني تائهًا في ظلام دامس، مسكونًا بالرعب والخوف والقلق ينتظر عودته لينتقم من قاتليه، يخاف ظله ويتجنب ذكر اسمه، لذلك ومع دخول شهر شباط من كل عام يعلن العدو الصهيوني استنفارًا عامًا على الحدود مع لبنان وفي مختلف سفاراته وممثلياته في أي مكان من العالم يطلب من قادته تخفيف تحركاتهم وتجنب السفر إلى خارج فلسطين المحتلة .

لا يزال قادة العدو الصهيوني يرون عماد مغنية «خطرًا حقيقيًا علي إسرائيل»، وبعضهم أقر علنًا وعبر شاشات التلفزة أنهم كانوا يخشونه ولا يزالون، ومن هؤلاء رئيس الأركان السابق «آمنون شاحاك» الذي يقول: «عماد مغنية كان خطرًا حقيقيًا علي إسرائيل»، ومنهم أيضًا المسؤول السابق لوحدة الاستخبارات في الجيش الصهيوني «دود بركاي» الذي يقول: «عماد مغنية ليس مخربًا بل هو رجل استراتيجي.. أخافني كثيرًا ولا أزال أخافه».

۶ سنوات علي رحيل القائد الأسطوري، ولا يزال قادة العدو الصهيوني يوميًا ومع كل صباح يتحسسون رؤوسهم كما طلب منهم الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله الذي رأى في شهادة الحاج «رضوان» بشارة النصر الحاسم.

المصدر: وكالة الجمهورية الإسلامية ـ ايرنا