الإمام الخميني والغرب

2007-08-21

د. رفعت سيد أحمد

مقال قدمه الكاتب في الذكرى المئوية لولادة الإمام الخميني (ره)

بعد أيام تمر الذكرى المئوية لميلاد الإمام الراحل آية الله الخميني (رحمة الله عليه) وهي ذكرى عزيزة على قلب كل من قدر له أن يعيش في عصر هذا الرجل، مرتبطاً بقضاياه، مهموماً بقضايا أمته، وهي بالمقابل، غير ذلك تماماً، لأولئك الذين اتخذوا من الدين، والإسلام في القلب منه، عدواً لهم لمجرد أنه دين، أو لأنه تجسد في حركات تدعو إلى التغيير، أو المقاومة، وبالتبعية، كان الإمام بسيرته، وأدواره، ومواقفه خير معبر عن هذا الإسلام النقي، الثائر، طيلة الربع الأخير من هذا القرن، استلزم من المسكونين بكراهية الإسلام: الدين، والحضارة، أو الدور، كراهية مضاعفة.

مع اقتراب ذكرى الميلاد المئوي (ولد يوم 20 جمادى الآخرة 1320هـ)، تتجدد أمام الباحث، المحب لهذا الإمام، العديد من المعاني، والقيم التي قل أن تتمثل في شخص، مثلما تجسدت في (آية الله الخميني)، من العناد اللافت في الحق ضد الطغيان والفرعونية السياسية، إلى التواضع الجم مع الفقراء والبسطاء، ومع الاشتقاق الجميل للمصطلح الإسلامي والسياسي (مثل الإسلام المحمدي ـ الإسلام الرسالي ـ ثورة المستضعفين في مواجهة بطش المستكبرين واستبدادهم ـ الشيطان الأكبر: الولايات المتحدة ـ الغدة السرطانية في جسد الأمة: "إسرائيل"، وغيرها)، إلى التطبيق العملي لهذه المصطلحات على أرض الواقع، ومن البناء الواعي لقوة دولة إسلامية جديدة، إلى التجرد الشخصي الشديد النقاء، من متع الحياة الدنيا، ولهو قادة هذه المتع.

إن الإمام الخميني ـ الذي نحتفل هذه الأيام بذكرى ميلاده المئوي ـ قاد واحدة من أهم الثورات المؤثرة في هذا القرن، وثورة إيران (1978 ـ 1979)، لا نجد أبلغ من كلمات العلامة

اللبناني ـ المغيب ـ الإمام موسى الصدر في التعبير عنها حين قال وهي لا تزال بعد حدثاً جنيناً غير واضح المعالم، وهنا نسجل بعد النظر لدى الصدر وعمق إيمانه بنموذج الإمام الخميني وثورته: "والحق أقول.. إن هذه الحركة وازعها الإيمان وأهدافها هي أهداف إنسانية مفتوحة وأخلاقية وثورية، وهذه الموجة التي تهب على إيران اليوم تذكرنا بنداء الأنبياء (ع) قبل أن يحيد عن نمط هذه النداء أصحاب المال والبخل والمستفيدون، وهي حركة حدد زعيم المعارضة الإمام الأكبر الخميني (قده) أهدافها بوضوح. عندما شهد أصالة هذه الحركة، وأكد على أبعادها القومية والثقافية والتحررية".. صحيفة السفير (15/9/1979ـ نداء الأنبياء).

الإمام والغرب  

إن الغرب لدى الإمام، وفي القلب منه الولايات المتحدة، هو "الشيطان الأكبر"، وهو "أصل المصائب"، وهو يتسم لديه بثلاث سمات:

الأولى: أنه استعماري بطبعه: إن الغرب استعماري بطبعه، ومعاد للإسلام ولحركة الاحياء الإسلامي منذ قرون مضت. وفي هذا المعنى يقول الخميني مخاطباً الحجاج بمكة المكرمة عام 1399هـ: "قفوا في وجه أعدائكم المتمثلين في أميركا والصهيونية العالمية، والقوى الكبرى سواء الشرقية منها أو الغربية دون خوف أو وجل".

ثم يرى الإمام الخميني أن "الهدف الأصلي للدول الاستعمارية هو القضاء على القرآن ومحوه، والقضاء على الإسلام وعلماء الإسلام، ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف فهم يعزفون على كل نغمة يستطيعونها وهم يبدون وجههم المعادي للإسلام أكثر فأكثر". و"عداؤهم من وجهة نظره قديم، "فمنذ ثلاثمئة عام، حين وجد المستعمرون طريقهم إلى العالم الإسلامي وهم يهيئون الظروف للقضاء على الإسلام، وهم لا يهدفون إلى هذا كي تسيطر المسيحية، فهم لا يؤمنون بالنصرانية، كما لا يؤمنون بالإسلام، ولكنهم منذ الحروب الصليبية أحسوا أن ما يقف حائلاً دون منافعهم المادية، وأن الخطر الوحيد على هذه المنافع هو الإسلام، وتعاليم الإسلام"، وبناءً على ذلك، فإن المستعمر وضع في رأي الخميني "خطة محو الإسلام وأحكام القرآن المقدسة"، وجهازه الجبار هو الأداة لتنفيذ هذه الخطة المشؤومة، والخطة هي أن يتركوا الوطن متأخراً، وباسم تشجيع العلم "وكتائب التعليم" يقمعون المدارس الدينية، والجامعات، وباسم الإسلام تهان أحكامه المقدسة.

إن الاستعمار عند الإمام الخميني واحد، سواء كان يساراً أو يميناً، فكلاهما اتفقا معاً على القضاء على الإسلام، وهما يسعيان للقضاء على الدول الإسلامية، واقتسامها، واستعباد أهلها ونهب خيراتها وثرواتها الطبيعية، وهما متفقان تماماً على ذلك.

الثانية: الغرب الاستعماري هو الذي بث الفرقة بين المسلمين: ولدى الإمام الخميني أن الغرب لا يبث الفرقة فقط، بل يوظف لمصلحته كل شيء حتى الصحافة والتلفزيون والمدارس. ولقد أثبتت أحداث الثورة تلك الحقيقة. وفي هذا المعنى يرى الخميني أن الأيدي التي تبث الفرقة بين المسلمين هي أيدي قذرة "إن الأيدي القذرة التي تبث الفرقة بين الشيعي والسني في العالم الإسلامي لا هي من الشيعة ولا هي من السنة، إنها أيدي الاستعمار التي تريد أن تستولي على البلاد الإسلامية من أيدينا، والدول الاستعمارية التي تريد نهب ثرواتنا بوسائل مختلفة وحيل متعددة هي التي توجد الفرقة باسم التشيع والتسنن".

الثانية: ارتباط مصير المسلمين بالنضال ضد الاستعمار الغربي: الخاصية الثالثة من خصائص رؤية الإمام الخميني للغرب، أن ماضي وحاضر المسلمين ارتبطا بالنضال ضد الاستعمار الغربي، بمعنى أن النضال مثل سمة أصيلة للإسلام في مواجهة المستعمر، حتى في أضعف لحظات العالم الإسلامي. إن اكتشاف هذه الخاصية تطلب من الإمام استيعاب كل الخبرة الإسلامية الأولى التي وجدت أيام الرسول (ص)، ثم الخروج بتصور متكامل لظرفيتها، والواقع الذي كانت عليه، وهنا نجد الخميني ملماً بكامل جوانب الجغرافيا الإسلامية تاريخياً باعتبارها جزءاً من الخبرة التاريخية، فالدولة العثمانية على سبيل المثال، كان ينقص رجالها الكفاءة والجدارة والأهلية، وبعضهم كان مليئاً بالفساد، وكثير منهم كانوا يحكمون الناس حكماً ملكياً مطلقاً، ومع ذلك كان المستعمرون يخشون أن يستلم بعض ذوي الصلاح والأهلية من الناس، ومن معونة الناس، قيادة الدولة العثمانية، على وحدتها وقدرتها وقوتها وثرواتها، وتبدلت كل آمال الاستعماريين وأحلامهم، لهذا السبب ما لبثت الحرب العالمية الأولى أن انتهت، حتى قسموا البلاد إلى دويلات كثيرة، وجعلوا على كل دويلة عميلاً لهم.

وبعد أن نجح الاستعمار في السيطرة على بلاد الإسلام، وفي تجزئتها، ركز جهوده ـ إلى جانب النهب الاقتصادي والسيطرة العسكرية ـ على "محور الطابع الحضاري المتميز وتزييف هويتنا الفكرية الخاصة، وهما الطابع والهوية النابعان من الإسلام" ـ وفقاً لقول الخميني ـ بهدف الاحتواء الحضاري للأمة، مستهدفاً تكريس سيطرته وتأييد نهبه واستغلاله.. وعلى هذا الدرب، وفي هذا الميدان كانت مدارسه ومراكز تبشيره، وألوان فكره وثقافته التي أخذت تثقف أبناء الأمة الإسلامية، وتتعهد عقولهم منذ الطفولة.