الإمام الخميني.. مقاربة أولية في معالم شخصيته ونهجه

2007-08-21

أولاً: معالم الشخصية

ولي أمر المسلمين السيد القائد الخامنئي (دام ظله)

بدأت ارهاصات النهضة الإسلامية بعد سنة ونصف السنة من وفاة السيد البروجردي. وفي النصف الثاني من عام 1962م تجلى بعد من أبعاد شخصية الإمام الخميني في وعيه وذكائه وشدة اهتمامه بقضايا غفل عنها الآخرون، اضافة إلى غيرته المتميزة على الدين. وقد تجسدت تلك الغيرة عندما اسقطت الحكومة شرط الإسلام والقسم بالقرآن عن النواب المنتخبين لعضوية المجلس الوطني. ولم يلتفت أحد إلى خطورة هذا القرار.

لم يجرؤ النظام على طرح القرارات المتعلقة بالنقابات وقرار اسقاط شرط الإسلام عندما كان المجلس مجلساً صورياً خاضعاً لإرادة السلطة، ولم يدخله أحد إلا من حظي بتأييدها، فالعملية كانت تنصيباً قبل أن تكون انتخاباً حراً، لأنه يخشى ردة فعل المجلس نفسه، فاضطر إلى حله ثم اتخذ قراراته خلف الكواليس، وهذا يكشف عن وجود غايات أخرى لم يعلن عنها، فلم يلتفت لها أحد، إلا أن الإمام الخميني أدرك مخاطر القرار فتصدى له ودفعته غيرته الدينية إلى مواجهة المشاريع المناهضة للإسلام مهما كانت اهميتها.

لم يحرص الإمام الخميني على استباق الآخرين في ميدان الجهاد، بل ينقل انه كان يتحدث ذات مرة مع أحد مراجع الدين المعروفين في دار آية الله الحائري، وهو زميله في الدراسة عن قيادة التحرك، فقال له: تحرك ونحن من ورائك. المهم لدى الإمام هو أداء التكليف وانجاز المسؤولية الملقاة على عاتقه، أما قضية التصدي وقيادة التحرك فلم تشغله كثيراً.

لم يتجرأ الآخرون على دخول المعترك، كما فعل الإمام، لهذا أخذ بزمام الأمور بشكل تلقائي وجابه النظام اعتماداً على الجماهير.

شكك كبار الحوزة ومراجع الدين بقدرة التحرك على استقطاب الجماهير في ظل الاضطهاد والارهاب، إلا أن الإمام صرح منذ اليوم الأول بأنه سيتحرك بمساندة الشعب، وانه سيدعوه إذا ما اقتضت الضرورة إلى التحشد في البراري القريبة من مدينة قم، وانه كان واثقاً من استجابة الجماهير في جميع انحاء إيران.

وهنا تجسد بعد آخر في شخصية هذا الرجل على الصعيد العملي، تمثل في قدرته القيادية وشجاعته السياسية وخبرته بأساليب العدو وأهدافه.

لقد أشرق الإمام الخميني في عام 1963م كالشمس في آمال الشعب الإيراني، وهو العام الثاني من أعوام النهضة الذي اتسم بالبطش والاضطهاد والمذابح. فكان بركاناً من الفداء، وقد اجتمعت فيه خصال الرجل الوطني، الإسلامي العالمي. وكان يتحلى بشجاعة وصراحة وقدرة على تعبئة الجماهير، وخاصة في بداية عام 1963م، حينما هاجمت القوات الخاصة المدرسة الفيضية والحوزة العلمية في مدينة قم، في 5 حزيران عام 1963.

حينما تجسدت عظمة الإمام شعر الشعب الإيراني بوجود من يلوذون به، واشرأبت اعناقهم إلى قمة شامخة من الأمل، وبهذا ظهر الإمام على الساحة السياسية في 5 حزيران.

تعد تلك الأحداث سبباً لتفاقم الوضع، وصدرت أحكام بالسجن والنفي على عدد كبير من الناس، ولم يكن دخول السجن معضلة آنذاك بالنسبة للشباب من أمثالنا، إلا انه كان صعباً بالنسبة لرجل مثل الإمام، قد بلغ من العمر ثلاثاً وستين سنة، إلا أنه تحدى المخاطر وتجلت فيه معالم للإيثار والفداء، ولم يحل السجن بينه وبين أهدافه.

انتهت احداث 1963 ـ 1964م بنفي الإمام إلى تركيا، ومن ثم إلى العراق، أربعة عشرة سنة، وفي فترة النفي تجلت أبعاد أخرى في شخصية هذا الرجل الفريد، الذي قل نظيره في عصرنا، وهي:

أولاً: نظّر الإمام الخميني لحكومة جديدة وأرسى كيانها مع عدم وجود نموذج سابق يخطط في ضوئه. فالتخطيط لبناء نموذج إسلامي يراعي متطلبات الحياة العصرية والقضايا الراهنة في عالم اليوم يعد بنفسه تنظيراً لنظام جديد.

ثانياً: على الرغم من عدم وجود الإمام في إيران خلال اربع عشرة سنة عاشها في المنفى، إلا أنه قاد الثورة الإسلامية ووجه احداثها عن بعد، فطوال هذه الفترة اشتد الاضطهاد والتعسف ولا سيما في السنوات الأخيرة، من عام 1970 ـ 1971م إلى 1975 ـ 1976م، حتى كانت تظهر أحزاب وجماعات سياسية إلا أنها سرعان ما تنحل وتتلاشى أو تصبح عديمة الأثر تحت وطأة الضغوط التي يمارسها النظام، لكن بعضاً آخر من الأحزاب كان يحظى بدعم سياسي دولي لارتباطه بالشرق أو الغرب.

أما نهضة الإمام الخميني فلم تعتمد على وجود تشكيلات حزبية داخل البلاد، بل كان للإمام تلاميذ وأنصار يحملون أفكاره إلى الجماهير، وليس لأولئك الأنصار والتلاميذ. واستطاع خلال 14 عاماً أن يزرع في الأذهان بذور النهضة الإسلامية أولاً، ثم تمكن أن يتوغل إلى عمق الشعب ثانياً، حيث استقطب قلوب الشباب، وهيّأ أرضية مناسبة لقيام تلك الثورة الكبرى، ولولا مركزية الإمام لما اثمرت الجهود والتضحيات الجسام التي قدمها الآخرون، ولأصيبت النفوس بالاحباط واليأس. والشخص الوحيد الذي لم يستسلم لليأس هو الإمام الخميني الذي كان قدوة تلهم الآخرين القوة والعزم.

وبفضل هذا القائد استطاعت الحركة الثورية للنهضة الإسلامية ان تجتاز جميع التحديات التي واجهتها خلال 14 عاماً، حتى تراجع الفكر المعادي للإسلام، وأثبت الفكر الإسلامي تفوقه، وفي كل الأحداث كان وجود الإمام واضحاً فيها.

في عام 1968م طرح الإمام في مدينة النجف فكرة ولاية الفقيه اعتماداً على ثوابت فقهية راسخة، ومن الطبيعي أن (ولاية الفقيه) من مسلمات الفقه الشيعي، وليست من ابتكارات الإمام الخميني. أو انها لم تقر من قبل العلماء، كما يدعي انصاف المتعلمين، بل من يطلع على آراء الفقهاء يدرك أن ولاية الفقيه من الواضحات في الفقه الشيعي، وما فعله الإمام هو اعادة صياغة هذه الفكرة وفق أسس رصينة وأدلة متقنة، وقدمها بشكل واضح ومفهوم لكل خبير بالمذاهب السياسية في عصرنا الراهن.

الإمام والعظمة الروحية

لم يشعر المجاهدون في إيران بالوحدة خلال 14 سنة، ولا سيما السنوات الأخيرة منها، بل كانوا يشعرون بأنهم على صلة دائمة بالإمام. وقد تجلى في حادثة وفاة نجله بعد آخر من أبعاد شخصيته، فهذا الرجل الذي شارف على الثمانين من عمره في ذلك الوقت، نقل عنه انه قال عند وفاة نجله الفاضل، حيث كان رجلاً عالماً، بارعاً وأملاً للمستقبل: "إن وفاة مصطفى من الألطاف الإلهية"، معتبراً وفاته رحمة إلهية خفية، فقدرته على تحمل ما نزل به من مصائب في عهد الثورة، وقد تحملها كالطود الشامخ، تعود إلى عظمته الروحية، التي جعلته ينظر إلى وفاة نجله بهذا المنظار.  

لقد هاجر الإمام بعد ذلك من العراق إلى الكويت ومن ثم إلى فرنسا وقال حينها: "إذا لم يسمحوا لي بالإقامة في بلد سأنتقل من مطار إلى آخر وسأوصل صوتي إلى أسماع العالم كله". وهناك تجلت شجاعته وثباته وسعة صدره وقدرته الإلهية، التي قلما تجد لها نظيراً في التاريخ، ثم عاد إلى إيران ليتابع الأحداث، وأسس حكومة إسلامية.

إن ما تجلى من أبعاد شخصية الإمام بعد تأسيس الحكومة الإسلامية أهم وأعظم مما شوهد قبلها، حيث انعكست شخصيته الفذة على مستويين، الأول: مستوى القائد المتصدي لزمام الأمور. والثاني مستوى الزاهد، العارف.

إن امتزاج هاتين الصفتين في رجل لا يتسنى عادة إلا للأنبياء، مثل داوود وسليمان (ع)، وخاتم الأنبياء (ص). وهذه حقيقة لمسها الشعب الإيراني طوال سنوات، وشاهدناه عن قرب.

هذه هي التربية الإسلامية القرآنية التي دعا لها الإمام، والتي سعى من خلالها إلى قيام نظام إسلامي يتعهد بتربية الناس، كما كان هو مظهراً بارزاً لها.

ثم ان شخصية الإمام الخميني تجلت أيضاً في مقام القيادة والحكم كرجل واع، مدير، شهم وبارع وجريء، لم يتأثر بالعواطف العاتية، ولم ينهزم أمام أي حادثة، ولم يرغم على الاحناء لها، بل كان أكبر من الأحداث العصيبة التي وقعت على مدى سنوات من زعامته، ولم تفت من عضده وقائع الحرب، والهجوم الأميركي، ومؤامرات الانقلاب العسكري، والاغتيالات الرهيبة، والحصار الاقتصادي والممارسات العدوانية المختلفة، ولم يشعر بالوهن والضعف بل خرج من تلك الأحداث أصلب عوداً وأشد شكيمة، لأنه كان يؤمن بالشعب ويحبه من أعماق قلبه.

لقد اجتمعت في شخص الإمام أغلب مزايا ومواصفات القادة العالميين، على حد ما تقصيت وتوصلت إليه. لقد كان عاقلاً بعيد النظر، ونبيهاً عارفاً بطبيعة الأعداء، واثقاً بأصدقائه، وكان شديداً على أعدائه. وقد توافر على جميع الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الإنسان القائد.

  الإمام والشعب

كان الإمام الخميني شديد الثقة بالشعب، إذ كان بمقدوره أن يعلن بعد انتصار الثورة عن نظام الجمهورية الإسلامية من دون الرجوع إلى رأي الشعب، ومن دون أن يعترض عليه أحد، إلا أنه لم يفعل، وإنما اجرى استفتاءً لاختيار نوع النظام. وقد أدلى الشعب بصوته لمصلحة النظام الجمهوري الإسلامي. كما كان بإمكان الإمام أن يقدم دستوراً للبلاد، غير أنه أمر بتأسيس مجلس خبراء الدستور، وأكد ضرورة اجراء انتخابات لاختيار اعضائه بأسرع وقت ممكن.

لقد اعتاد قادة الثورات التي وقعت في العالم، وأغلبها من نمط الانقلابات العسكرية، ان يعطوا لأنفسهم فرصة سنة أو سنتين حتى تحين الفرصة المناسبة لإجراء الانتخابات، وغالباً ما تؤجل الانتخابات إلى موعد آخر، في حين بادر الإمام إلى اجراء استفتاء عام على دستور الجمهورية الإسلامية، بعد مضي شهرين من انتصار الثورة، وبعد ذلك بشهرين جرت انتخابات خبراء الدستور، ومن ثم انتخابات رئاسة الجمهورية، وبعدها انتخابات مجلس الشورى. أي ان الإمام اعتمد رأي الشعب في قضايا البلد أربع مرات في عام واحد وهو عام 1979م، وهي: اختيار نوع النظام، انتخابات الدستور التي جرت مرتين، الأولى لانتخاب خبراء تدوين الدستور، والثانية للتصويت على أصل الدستور، ثم انتخابات رئاسة الجمهورية، وتلتها انتخابات مجلس الشورى.

كان الإمام يثق ويؤمن برأي الشعب، ولم يفوض زمام الأمور في هذه القضايا إلى أصحاب الألاعيب السياسية، فالشعب غير هؤلاء، وغير أدعياء السياسة، وغير مدعي نصرة الشعب. فلم يعول الإمام على أي حزب من الأحزاب الكثيرة التي كانت موجودة آنذاك، ولم يسمح لهم بالتحدث باسم الشعب، مع احترامه الشديد لآراء الشعب.

بعد اندلاع الحرب ظهر الإمام كقائد عام للقوات المسلحة، وحينما فرض الحصار الاقتصادي كان الإمام سنداً روحياً لأجهزة الدولة، وفي بداية الثورة أصدر الإمام قرارات كثيرة لمصلحة المستضعفين والمحرومين، وقد تم تشكيل مؤسسات في هذا الشأن كمؤسسة جهاد البناء، الإسكان، الاغاثة، المستضغفين، المعوقين ومؤسسة الخامس عشر من خرداد.

هذه هي القضايا التي حظيت باهتمام الإمام، وقد تجسد بعده القيادي فيها باعتباره إنساناً حازماً قادراً على اتخاذ القرارات الصائبة في الحرب والسلم، وكذلك كان قادراً على إدارة شؤون البلاد ومجابهة الأعداء.

الإمام والأخلاق

وحين ننظر إلى هذا الإنسان في حياته الخاصة نراه شخصاً زاهداً عارفاً منقطعاً عن الدنيا، التي وصفها بالقبيحة التي تكمن في ذات الإنسان، ولا نقصد من الدنيا، نِعَم الله المنبثة في الطبيعة والارض، وإنما المشاعر الأنانية والطمع والأهواء هي الدنيا القبيحة.

لم يطلب الإمام شيئاً لذاته، فلم ينتق داراً وهو على رأس السلطة، ولم يشتر دار لولده الوحيد السيد أحمد، الذي كان أعز الناس إلى قلبه، حيث كان يؤكد ـ كما سمعناه عدة مرات ـ إن أعز الناس له هو السيد أحمد، وقد ذهبنا عدة مرات ورأينا أعز الناس على قلب الإمام يعيش في غرفتين أو ثلاث في الحديقة الواقعة خلف دار الإمام.  

لم يرغب الإمام في زخارف الدنيا وزبارجها وأطماعها، لقد كانت تصله هدايا كثيرة إلا أنه كان يقدمها في سبيل الله، فكان يدفع أمواله الخاصة على بيت المال، وهذا الشخص الذي لم يقدم على شراء دار لنجله ولو بقيمة منخفضة، كان ينفق أموالاً طائلة على شؤون الاعمار واعانة الفقراء ومساعدة ضحايا السيول في نقاط مختلفة من البلاد. وكانت تلك الأموال ـ كما نعلم ـ هدايا تصله من محبيه وانصاره.

كان الإمام من أهل الخلوة والعبادة والتضرع والدعاء والبكاء ليلاً. وكان من أهل الشعر والقيم والعرفان والتعلق بالله. وهذا الإنسان، أرعب أعداء الشعب، وكان سداً منيعاً وجبلاً شامخاً، وحين يتعرض إلى مواقف عاطفية وإنسانية نراه إنساناً رقيقاً رؤوفاً. نقلت له موقفاً عرض لي في احدى جولاتي، وهو ان امرأة قالت لي بلّغ الإمام نيابة عني أن ابني أسير في الحرب وقد وصلني أخيراً خبر مقتله، إلا أن مقتل ابني ليس مهماً عندي وإنما المهم هو سلامتكم. لقد تحدثت مع تلك المرأة بمشاعر جياشة، وعندما عدت اخبرت الإمام بذلك، وكان واقفاً عندما دخلت عليه، فرأيت ذلك الجبل العملاق قد انحنى بغتة، كشجرة هوت بها الريح، ثم استغرق في ذاته متأثراً روحياً وجسدياً بما نقلته له، وقد اغرورقت عيناه بالدموع.

وفي احد اللقاءات الخاصة كنا جالسين ليلاً مع بعض الأصدقاء في دار السيد أحمد الخميني وكان الإمام موجوداً، فطلب إليه أحد الجالسين أن يقدم لنا بعض النصائح والارشادات وقال له: سيدنا، ان لكم مكانة معنوية وعرفانية رفيعة، فتأثر الإمام لهذا الاطراء وقد استحى وظهر التواضع على محياه وسلوكه.

شعرنا بالاحراج من كلام التلميذ ـ حيث كنا جميعاً نتصرف ازاءه كتلاميذ ـ الذي سبب الحرج للإمام. لقد كان هذا الرجل الشجاع متواضعاً في مثل هذه المواقف العاطفية رغم طاقته الهائلة.

لقد اكتسب الإمام كل هذه الصفات بتقواه وتمسكه بالدين والامتثال لأمر الله، وقد أشار إلى هذا المعنى في طيات كلامه، مقراً ان كل ما لديه هو من الله، فكان ذائباً في الإرادة الإلهية، وكان يعتقد أن الله هو الذي نصر الثورة، وهو الذي حرر مدينة (خرم شهر) وهو الذي ألف بين قلوب الشعوب، فكان ينظر إلى كل شيء من وجهة نظر إلهية، ففتح الله أمامه أبواب الرحمة.

معالم نهج الإمام الخميني

لقد قررنا بعد وفاة الإمام أن نسير على نهجه، ولم يكن باعثنا في ذلك هو التقليد، وإنما انطلقنا عن وعي وتجربة، لأن نهج الإمام هو النهج الأمثل لانقاذ البلاد، سواء في بداية الثورة أو بعدها، وكذلك الحال في الوقت الحاضر، فما هو نهج الإمام الذي نتكلم عنه؟ نستعرض في ما يلي المعالم الرئيسية من نهج الإمام الخميني:

أولاً: حاكمية الإسلام

هناك عدة أمور لها الأولوية في رأي الإمام، منها الإسلام كدين. فلا يوجد في فكر الإمام مثل أسمى أو أعلى من الإسلام، ولم يقصد بثورته ونهضته إلا تحكيم الإسلام. كما ان غاية الشعب، عندما فجر الثورة واختار هذا النظام وارتضى بهذا الإمام، كانت غايته الإسلام. ويكمن سر نجاح الإمام في حمل الإسلام على يده، وقد اعلن بصراحة انه يريد العمل من أجل الإسلام، وقد نظر إلى الأشياء برؤية إسلامية.

كانت في بلادنا وفي بلدان أخرى شخصيات كثيرة تؤمن بالإسلام حقيقة، إلا أنها لم تتجرأ على طرح الإسلام صراحة، وإنما كانت تدخل الميدان تحت عناوين ومسميات أخرى، لذلك كان مصيرها الفشل، لكن الإمام انتصر لأنه تبنى مشروع حاكمية الإسلام بشكل صحيح.

لقد طرح الإمام الإسلام على صعيدين هما:

أ ـ الإسلام إطاراً عاماً للنظام، إذ كان الإمام متشدداً، ويرفض اضافة أي شيء للإسلام ولا يتساهل بشأنه، لا في المجال الاقتصادي ولا غيره. فالإسلام الخالص ـ في نظره ـ لابد أن يسود كل مكان. وطالب جميع اركان النظام (مجلس الشورى الإسلامي، الحكومة، القضاء، والأجهزة الأخرى) بالسير وفق مصالح الإسلام، وفي ظل سيادته، وكان الإمام حريصاً على ذلك ويسعى من أجله.

ب ـ الإسلام على صعيد الفرد، وهنا لم يكن الإمام على جانب كبير من الصلابة والحزم، وإنما كان يكتفي بالنصح والموعظة واللين، ويأمر بالمعروف، لأنه كان يعتقد بجدوى هذا الأسلوب.

إذاً، فالأولوية في نهج الإمام الخميني هي تحقيق حاكمية الإسلام على صعيد الإيمان والعمل.

  ثانياً: الاستناد إلى الشعب

لا يمكن لأحد التنكر للجماهير أو رفض إرادة الشعب. فهناك من يعتبر رأي الشعب أساساً للشرعية، أو على الأقل يعتبره أساساً للممارسة الشرعية، لأن خيمة النظام الإسلامي لا تقوم إلا بالاستناد إلى رأي الشعب ومشاركته.

لقد أسس الإمام الخميني مجمع تشخيص مصلحة النظام للبت في القضايا التي يقع فيها الخلاف بين آراء الشعب، المتمثل بمجلس الشورى الإسلامي، والضوابط الشرعية التي يرمز لها مجلس صيانة الدستور.

لقد انطلقت الحرية من هذه الحركة الكبرى ومن النهج البارز الذي اختطه الإمام، والإمام هو الذي اختط لحركة النظام الإسلامي هذا المسار، وما زال مسؤولو الدولة الإسلامية ماضين على نهج الإمام، فأغلب المسؤولين من طلاب الإمام ومريديه، هم يؤمنون بهذه الأفكار ايماناً راسخاً.

الإمام والعدالة الاجتماعية

العدالة الاجتماعية ومساعدة الطبقات المحرومة التي وصفها الإمام بأنها صاحبة الحق في الثورة، هي من المعالم البارزة لنهج الإمام، لأنه يعتقد أن الحفاة هم العنصر الأساس في انتصارات الشعب. وقد بادر في أول الثورة إلى تأسيس جهاد البناء، لجنة الاغاثة، مؤسسة 15 خرداد، مؤسسة الاسكان، وقد طالب الحكومة بتبني هذه المؤسسات.

فالعدالة الاجتماعية ـ إذاً ـ هي من جملة الأهداف الأساسية في نهج الإمام الخميني وليست ثانوية في نهجه.

يقول البعض إن الإمام الخميني قال: "إن ثورتنا ليست ثورة خبز"، فالثورة الروسية في عام 1917م كانت ثورة خبز، لأنها كانت احتجاجاً على فقدان الخبز في المدن الرئيسية آنذاك كموسكو، فالثورة ثورة خبز. أما ثورتنا فليست من هذا القبيل، وإنما انطلقت على أساس الإيمان. لكن هذا لا يعني انها تهمل الشعب ولا تهتم حياته واقتصاده، ولا توفر له الطعام والرفاه. الإمام نفسه كان يهتم بهذه القضايا ويؤكدها، وكان أكثر ما يسترعي اهتمامه هو الطبقات المحرومة والمستضعفة.

هناك إلى جوار ساكني الأكواخ، من يصف الدواء وهو جالس في زاويته من دون أن يشعر بالمسؤولية، ولم يدرك الحقيقة والواقع الموجود، فهؤلاء يزعمون أن العدالة الاجتماعية لم تطبق.

من الطبيعي أن العدالة الاجتماعية لم تطبق بشكل كامل، وهي ما زالت بحاجة إلى مزيد من السعي، لكن النظام الإسلامي غير الأسلوب الخاطئ الذي كان سائداً في هذا البلد، الذي كان لا يعترف بأي حق للقرى والمدن النائية أو الطبقات المحرومة، أما النظام الإسلامي فقد اهتم بهذا الجانب اهتماماً كبيراً.

رصد الأعداء

يجب رصد العدو وعدم الوقوع في حبائله. فأول عمل يقوم به العدو هو اشاعة فكرة عدم وجود اعداء. لكن كيف لا يوجد للنظام الإسلامي أعداء؟ إن ناهبي ثروات الشعوب، الذين حرموا خيرات هذه المائدة سنوات طويلة، لابد أن يكيدوا لنا العداء، وممارساتهم العدائية مشهودة، سواء بواسطة الاعلام أو عن طريق الحصار الاقتصادي، بل انهم لا يتورعون عن دعم اعداء هذا النظام، ويصرحون علناً بذلك.

إن الشيء الذي يزعج أميركا والاستكبار والقراصنة العالميين، هو استقلال البلد واستقلال وعيه. ويغيظهم رفض الشعب لهم. لذلك فهم يناصبون الإسلام العداء لأنه السبب وراء وعي الشعب. لقد كان الإمام الراحل على اطلاع تام بالعدو وأساليبه الإعلامية والسياسية، وقد وقف بوجهه بكل صلابة.

الإمام والمسلمون

البعد الآخر في شخصية الإمام هو الاهتمام والحرص على مصير مسلمي العالم. فمسلمو العالم هم الحجر الأساس في استراتيجية النظام الإسلامي. وهناك شعوب في آسيا وأفريقيا تناصر النظام الإسلامي. وهي تعبر، بشكل غير مسبوق، عن اعتزازها وولائها للإمام والثورة. وهذه الحقيقة ليس لها مثيل في أي بلد من بلدان العالم، وكل هذا من أجل الإسلام.