القيادة من منظور الإمام الخميني(قدس)

2007-08-22

خلفاء الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام)

بعد الرسول الأكرم، ليس ـ ولن يكون ـ هناك أحد أفضل منه(ص) بأي مفهوم كان. ولكن، وبما أن هذا الأمة كان لا بد من هدايتها في المراحل التالية،‌ فقد عيّن النبي الأكرم ـ عند رحيله من هذا العالم ـ الخليفة بل الخلفاء إلى عصر الغيبة، وهؤلاء الخلفاء قد عينوا إمام الأمة, فبشكل عام، لم يتركوا هذه الأمة هملاً لتبقى في حيرة من أمرها, فقد تم تعيين الإمام والقائد لهذه الأمة و طالما كان أئمة الهدى ـ سلام الله عليهم ـ متواجدين، فهم كانوا (الأئمة والقادة)، ثم الفقهاء الذين لا يكترثون بالزخارف الدنيوية، والذين هم مشفقون على الأمة، والذين يعتبرون آحاد الشعب كأبنائهم, هؤلاء تم تعيينهم لحماية هذه الأمة.

ولاية الفقيه تمنع قيام الدكتاتورية

مع الأسف، يظن الجاهلون بالسياسات الإسلامية،‌ بأن إدراج (مبدأ) ولاية الفقيه في الدستور يؤدي إلى دكتاتورية, بينما أن ولاية الفقيه هي التي تحول دون قيام الدكتاتورية, فإن الدكتاتورية تأتي عندما لا تكون هناك ولاية للفقيه, إن الفقيه هو الذي يمنع كلاً من رئيس الجمهورية أو قائد الجيش أو قائد الدرك أو قائد الشرطة أو رئيس الوزراء، من الدكتاتورية, ذلك الفقيه الذي تم تعيينه إماماً لهذه الأمة، فهو الذي يريد تحطيم هذه الدكتاتوريات وجعل الجميع تحت راية الإسلام وسلطة القانون, إن الإسلام يحكم بالقانون, بمعنى أن القانون الإلهي هو قانون القرآن والسنة، وأن الحكومة تخضع للقانون, حيث أن النبي(ص) بنفسه كان خاضعاً للقانون وأن أمير المؤمنين هو الآخر كان خاضعاً للقانون, فلم يكونا يخالفان القانون ولم يكن لهما ذلك.

إن الله تبارك وتعالى يقول (للنبي): ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين. فلا دكتاتورية في الإسلام, والإسلام كله (مبني) على القوانين, وأولئك الذين يتولون حماية الإسلام،‌ تسقط منهم هذه الصفة بحكم الإسلام، إذا أرادوا أن يميلوا إلى الدكتاتورية, فلا يخوفوا الناس من هذا الدستور الذين أقره عدد كبير من علماء الإسلام ورجال العلم. حذار أن يخدعوكم بالقول بأن هذا الدستور ليس ديمقراطيا! فهؤلاء في الأصل لا يعتبرون الإسلام ديمقراطيا! فلا يخدعنكم هؤلاء, إن هذا الدستور، سيعرض للاستفتاء الشعبي العام وذلك في غضون أسبوع، أو أسبوعين أو ثلاثة أسابيع . حذار أن يخمدوا حماسكم لأن لا تدلوا بأصواتكم. اذهبوا وأدلوا بأصواتكم! ثم، سيقرؤن عليكم الدستور وينشرونه, ولكم الحرية والخيار في التصويت, إن شئتم تقبلون به وإن شئتم ترفضونه, فإذا رفضتموه، سيعاد تدوينه مصححاً, وإذا وافقتم عليه، صوتوا له بالإيجاب. لا تقفوا موقف اللامبالاة مما يرتبط بمصيركم وإسلامكم وبلدكم, إن ما يجب طرحه اليوم، هو هذه القضايا الأولية، قضية الدستور وقضية رئيس الجمهورية وقضية الشورى ومجلس الشورى, عليكم أن تنتبهوا إلى هذه الأمور وأن لا تنحرفوا أبداً عن هذا (المسار).

الأخوّة، وليس القيادة

مرحباً بأعزائنا الطلاب الذين هم روّاد الثورة، وهم الذين سيكون مصير بلادنا فيما بعد بيدهم إن شاء الله، أعزائنا الطلاب الذين ساروا جنباً إلى جنب مع جميع الإخوة (السائرين في) طريق الإسلام. أعزائي! بالنسبة لي، لاتهمني القيادة وإنما تهمني الأخوّة,‌ الإسلام لا يطرح القيادة, المولى تبارك وتعالى قد سمّانا «أخوة» في القرآن الكريم: إنما المؤمنون إخوة. كما أن كبار الشخصيات الإسلامية ما كانوا يكترثون بهذه المفاهيم رغم أنهم كانوا قادة معنويين فعلاً. أن أكون خادماً لكم أفضل (عندي) من عنوان القيادة, وإنني لآمل أن أكون في خدمتكم خلال هذه الأيام التي أتواجد فيها بينكم. وآمل بأننا جميعاً نعمل مجتمعين من أجل المبادئ الإسلامية العليا، كإخوة وفي صف واحد ليس فيه (اعتبار ترتيبي لِـ ) التقدم والتأخر، ونمضي قدماً في صف واحد إخواناً في الإيمان وإخواناً في الإسلام. وإننا إن حافظنا على رابطة الأخوة بيننا وسرنا في صف واحد مع الحفاظ على وشائج الأخوة متكلين على الله تبارك وتعالى، فإن النصر سيكون حليفاً لنا.

حكم الإمام علي، حكم إسلامي مثاليّ

رجل كالإمام أمير المؤمنين- سلام الله عليه ـ كان الرجل الأول في الدولة الإسلامية. إنه كان الرجل الأول (في الدولة) ونطاق إمرته يضم (رقعة واسعة) من الحجاز إلى مصر،‌ وإلى إيران والعراق وسوريا وجميع هذه الأماكن الواقعة هنا، بالإضافة إلى أجزاء من أوروبا. ورغم هذا، فإنه كان يعيش بذلك الشكل (المعروف), أي بالشكل الذي لم يكن يطيقه غيره, وقد قال (عليه السلام) بأنكم لا تطيقون مثل هذا (العيش), لكن أعينوني بالتقوى. إن الحاكم الذي يحكم دولة بتلك المساحة، يقضي ليله بذلك النمط (المعروف)، بحثاً عن بيوت المعوزين. وفي رواية أنه شرّف بيتاً فيه عدد من الأطفال اليتامى قد فقدوا أباهم, دخل الإمام والأطفال يبكون فذهب إليهم ولاطفهم، وأعطاهم بعض الأشياء وظل يشملهم بالعناية والمراقبة، وفي النهاية عندما أراد أن يودّعهم أخذ يطلق نوعاً من الأصوات ليضحك أولئك الصغار، كما جاء في الرواية، فقال: دخلت وهؤلاء يبكون, فأحب أن أخرج وهم يضحكون (سروراً). هذا هو حاكم قد امتدت رقعة حكمه من الحجاز إلى مصر وتركيا (الحالية) وكل هذا الأقطار كانت خاضعة لأمره. وذلك هو وضعه المعيشي حيث كانت له قطعة من الجلد، يروى أنه هو والسيدة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ كانا يفترشانها ليلاً ليناما عليها، وفي الصباح يضع عليها العلف لَجَمَلِه. هكذا كان حال الحاكم. أمّا القادة الذين كانوا على رأس الجيش آنذاك. فمنهم مالك الأشتر الذي كان يمشي يوماً في السوق أو في الزقاق،‌ فاعترضه رجل بالشتم والإساءة دون أن يعرف بأنه الأشتر. فلما مضى، قال له قائل: هل عرفت هذا الرجل؟ قال: لا. قال له: إنه مالك. فركض الرجل وراء مالك خائفاً, فوجده في مسجد, فذهب إليه للاعتذار وأنني كيف لم أعرفك. فقال له مالك: إني جئت إلى هنا لأدعو لك بالخير. إن الإسلام هكذا يربي. فهؤلاء هم القادة وذاك هو الرئيس. وهكذا بالنسبة للجنود.

(فكيف) إذا عُرض (على الناس) مثل هذا الحكم العادل الذي ليس فيه فارق بين من هو الرجل الأول في الدولة، وبين من يأتي في الطرف الأقصى من هذه الدولة.

بل وإن رئيس الدولة مستواه المعيشي أدنى من هؤلاء (الرعايا) لقد كان الإمام (علي عليه السلام) يجوّع نفسه ويقول ربما يكون هناك شخص جائع في أقصى حدود البلاد.

يقال أنه في الليلة الأخيرة (من حياته، أي) عشية يوم استشهاده حل ضيفاً عند (ابنته) السيدة أم كلثوم . هناك جئ له بالحليب والملح ورغيف من الخبر. فقال لابنته متى رأيت نوعين من الإدام على مائدتي؟ فأرادت أن تأخذ الملح. لكنه أمرها بأن تأخذ الحليب (هذا هو) وضع حاكم، وضع رجل يبسط حكمه في هذه الرقعة (الواسعة من العالم). وهذا هو الحكم الإسلامي.

ومن جانب آخر، فابن ملجم ـ لعنة الله ـ الذي مسكوه بعد أن ضرب الإمام (بالسيف)، قد عامله الإمام بذلك اللطف،‌ أوصى به خيراً وأمر بأن يناولوه من نفس الغذاء الذي أحضروه له عليه السلام. ثم أوصى بأنه إذا تحسن حالي (ونجوت من الموت) فسأضربه أنا شخصياً. ـ ولابد أن تعلموا بأن الإمام (عندئذ) كان يسامحه بالتأكيد ـ وإذا لم أنجُ فعاملوه معاملة جيدة متسامحة. وإن أردتم القصاص، (فضربة بضربة).

ـ ولاية الفقيه المطلقة

إذا كان المقصود أن يكون دور لرجال الدين، نعم، لرجال الدين دور. لهم دور في الحكومة أيضاً. لا يريدون أن يحكموا. وإنما يريدون أن يكون لهم دور. في هذه القضية المتعلقة بـ (انتخاب) رئيس الجمهورية، كان بعض الأشخاص ـ حتى من الجامعة ـ يقترحون لنا (ويقولون) بأننا وبعد فترة طويلة قد اكتشفنا الآن بأن الآخرين لا يوثق بهم. فليكن (رئيس الجمهورية) من رجال الدين. وأنا كنت أقول لهم: لا. على رجل الدين أن يؤدي دوره دون أن يصبح رئيساً للجمهورية. لكن يجب أن يؤدي دوراً في (موضوع اختيار) رئيس الجمهورية. عليه أن يقوم بدور المراقبة التي هي على مستوى مراقبة شعب ودولة. ليس من المفروض أن يكون رجل الدين رئيساً. أي يكون ـ على سبيل الافتراض ـ رئيساً للحكومة. لكن (من المفروض أن) يكون له دور فيها. إذا تقرر أن يكون فلان رئيساً للحكومة، فالمطلوب أن يقف هذا (رجل الدين) بوجهه عندما ينحرف عن الطريق. إن ما جاء في هذا الدستور، وإن يبدو لي أنه ناقص بعض الشيء وأن صلاحيات رجال الدين في الإسلام أكثر من ذلك، لكن السادة قد تنازلوا وتساهلوا بعض الشيء حتى لا يعارضوا هؤلاء المثقفين كثيراً. فهذا الذي يتضمنه الدستور، هو بعض شؤون ولاية الفقيه وليس كلها. ولا أحد يتضرر من ولاية الفقيه بالشكل الذي قرره الإسلام وبالشروط التي وضعها الإسلام. بمعنى أن الله تعالى قد جعل الفقيه ولياً على ضوء تلك المواصفات الموجودة فيه. فجعله الإسلام ولياً للأمر. وبوجود تلك المواصفات لا يمكن له أن يتخذ خطوة واحدة على خلاف (الحق والصواب) وإلا فهو يفقد تلك الولاية بعد ذلك.  

إعداد: مكتب الإمام القائد الخامنئي (دام ظله) في طهران