شمس ساطعة

2007-08-21

طأطأت الزهور أعناقها ونشجت باكيةً، وحمل النسيم نشد الأسى فلفح خدود العشاق ولامس شفاف عيونهم فدمعت وجفونهم فتكحلت بسواد الحزن والذهول، ولبست الموجودات وشاح الحداد وساد الأشياء سكونُ لحظة المغيب، بدا على الطبيعة الثكل بجبالها وأنهارها وشجرها وشمسها وقمرها، وأمّا القلوب الخافقة والأفئدة التي عاشت دفء الحب والعشق فيتامى تحدّق بعيونها تارة في الباقي من أنوار الملكوت مسجّىً وطوراً في المجهول، وفي كل آنٍ تغمرها موجات من الدموع تريد أن تسمح من الوجود الحقيقة المرّة المفجعة. لقد مات الإمام، فوئد الآمال الكبيرة وقُتِلَ الفرحُ وهو بعَد لمّا يغادر الشفاه إلى القلب. ما أقصر ما كان بين بزوغ نورك وأفوله الطافح! هي يمكن للّحظة أن تصير دهراً!! لقد كان صوتك صدىً ملائكياً ووجهك أنواراً إلهية.. لطالما تدافعت إلى حنايا عباءتك جموع الجائعين والعطاشى تبغي الامتلاء والارتواء بعد أن أعياها الخواء، ولطالما تدفأت في أعطافك الأوصال التي وصل الصقيع والاغتراب إلى أعماقها فحلّت حرارة حنانك وعطائك في كل ذرةٍ أضرها البرد والغربة والوحشية.

لقد غابت شمس الإمام وهدأ القلب الخالق الطافح بالحب والعرفان والإيمان وحلقت روحه المقدسة في رحاب الملكوت الأعلى إلى برائها، ووقع القضاء الإلهي، إنك ميت وإنهم ميتون، وفوجئت الأمة، مات الإمام وقائد الأحرار والمستضعفين في العالم، سليل النبوة ووارث علم الأئمة، المرجع والقائد معاً لأول مرة منذ وقوع الغيبة الكبرى، مؤسس دولة الحق منذ دولة علي بن أبي طالب عليه السلام، إنه الفوز والفلاح لنفس زكيةٍ استقرت على جناح الرحمة، وهجر الكرسي العزيز في جمران، وانتقلت الجماهير الزاحفة إلى جنة الزهراء وبقيت فوق الكرسي الكلمة الخالدة: كلمة الله هي العليا...

وذهل لبنان من أقصاه إلى أقصاه وكاد الأمل الذي أشرق على مدينة القدس يفقد ثانيةً وأصيب الأحرار في العالم في أفئدتهم، فلم يمضِ وقت طويل على كسر القيود والأغلال وانبعاث الأماني والآمال.

ولكن، إذا ما خلاّ منا سيد قام سيد قؤول لما قال الكرام فعولٌ.. فلئن غابت الأنوار الرحمانية تحت الثرى إلى شمال المتوجه نحو قم المقدسة من طهران، وساد ظلام بذلك سرعان ما بدا أنه مؤقت وطارئ، فإن الأمناء على منصب الولاية قد بادروا ونظروا في شغوره ثم عجموا عيدان كنانتهم واحداً واحداً، علماً، واجتهاداً وكفاءةً ولياقةً واستقامة وعدالة وخبرةً وتجربةً واسترشدوا ببعض إشعاعات الشمس الآفلة (السيد علي الخامنئي أهل للقيادة) (الخامنئي شمس تسطع بالنور)، وفهموا حينئذ لماذا كان يهتم به أكثر من غيره، لماذا لا يجلس حتى يجلس، لماذا يقدّره كل هذا التقدير، ولماذا يؤجل كل الأعمال إذا دخل هو عليه، فإنه الأصلب عوداً، والأحد نصلاً، والأمتن أصلاً، فعزلوا تلك القناة عن غيرها موضعاً للبيرق، وحاملاً للّواء ونصلاً يطعن صدور أعداء الله. وهنا ظهرت أولى علامات الأهلية والجدارة فقد رفض ولم يوافق أن يطرح نفسه لهذه المسؤولية الخطيرة، ولكنهم حراس الأمة والثورة ولابدّ من أمير لهم وللمسلمين ولكل الأحرار، وطرح الموضوع على الاقتراع وكان جسد الشمس ما زال في الأفق وإن انطفأ بعد أن ملأت إشعاعاته القلوب، ولكن الشمس الجديدة بادرت فور الإعلان إلى مدّ القلوب بالأنوار حتى لا تحدث في ضمير الأمة لحظة فراغ في خط النور الإلهي التاريخي في عصر الغيبة... وحينئذٍ رحل الجسد الطاهر وحلقت الورح الملكوتية بعد أن اطمأنت فعلاً إن الفارس قد حمل سيفه وتقلّد درع المسؤولية.. الفارس الثاني في عصر الجمهورية الإسلامية، البدر التمام، آية الله العظمى السيد علي الخامنئي حفظه الله، خليفة الإمام، ولولا حدّة الأسى وألم الفراق ولولا السفر المفجع المشؤوم لروح الله لامتلأت العيون بدموع الفرح بدل الحزن ولكن القدر أبى أن تكون لحظة تصدي الفارس الجديد خطرة نشوةٍ وسرورٍ وكل الأحزان تصغر إلا حزنك يا أبا عبد الله.

فيمضي الحزن وتعود الثقة ويزهر الأمل، لقد غاب الشخص وبقي القائد، غربت شمس وفي نفس اللحظة أشرفت أخرى تتألق وتبعث دفئها..

والتقطت القدس أنفاسها، فالجنة ما زالت ملأى بالزهور وإن ذوت واحدة منها، إنه تلميذٌ تعلم أسس الثورة من أستاذه الإمام، أبن مطيع ومحب وعاشق لروح الله، وإن كان يصرّ روح الله على مناداته بـ (أخي)، وكأنه رسول الله صلى الله عليه وآله يردّد دائماً (علي أخي وخليفتي من بعدي).

المجتهد العالم العَلَم، القائد الفذ، أهل التقوى والزهد والورع، وتد من أوتاد الله في الأرض، مرجع الأمة الذي سرعان ما سوف يكحّل عيونها بأعظم مكسبٍ فقدته بوفاة الإمام ألا وهو وحدة القيادة والمرجعية، فيتحد الرأس والنظر والسمع وبالتالي الإرادة والقرار وتعود الأرض تتزلزل تحت أقدام الطغاة والمستكبرين لحظة من التاريخ مرت فانتشر في بلاد الشياطين كبيرها وصغيرها عرس أبناء آوى بغياب الشمس، فإنها بمجرد هبوط الظلام ولأنها لا تعيش إلا فيه تملأ الدنيا بعوائها فيهابها الجبناء والأطفال والعبيد. لقد كانت سعيدة لحظة انتشار نبأ غياب إمام الأمة وفرحَةٍ أيّما فرح، ولكن سرعان ما نزل الترح ساحتها وخابت آمالها، فقديماً قالوا إن القلعة الحديدية لا تؤخذ إلا من داخلها، فكانوا كالكلاب ينتظرون أن يلقي إليهم بعظم.. ولكن القلعة كانت أقوى وأصلب، وها قد حمل لواءها أخ عظيم للسيد الإمام الخميني ووراءه الملايين الزاحفة الوفية المعطاءة تأبى أن تهدأ وتستكين حتى تسلم الراية إلى صاحبها المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه، وإذا بالحبر يهدر ويزمجر، وإذا بأسد طهران يزأر فيرد زئيره لبنان وفلسطين ومصر والجزائر..

إن العدو المدجّج بالأسحلة الفتّاكة والمدعوم أمريكياً على مختلف الصعيد قد أُنهكَ أمام الضربات الجبارة لشباب حزب الله الذي يعتمدون قبل كل شيء على سلاح الإيمان والتضحية. وإن الشعب اللبناني برهن على أن لديه قدرة المقاومة ومواجهة السياسات الاستعمارية ومخططات الاعداء، وإن الكيان الصهيوني أصبح يخشى القوى اللبنانية المؤمنة والمخلصة والمناضلة، ولذا فإنه يتطلب تقويتها في مواجهة المحتليين للقدس. وإننا سنواصل الدفاع عن الطموحات الكبرى والحقة للفلسطينيين رغم الحملة الإعلامية المعادية التي تتعرض لها الجمهورية الإسلامية من قبل الاستكبار العالمي والصهيونية، ولن نخشى أحداً في موقفنا هذا. وإن الإيمان ومواصلة الكفاح وتعزيزه داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة يعتبران عاملان أساسيان لتحقيق انتصار الثورة الإسلامية الفلسطينية وتحرير القدس الشريف من براثن الصهيونية. وإن دعم الانتفاضة لن يتوقف عند حدود المساندة الأخلاقية والسياسية والمالية بل يجب مساندة الفلسطينيين بشكل مباشر في جهادهم ضد الكيان الصهيوني.

فإذا بالمقاومة الإسلامية في لبنان أشد أواراً وأعظم اشتعالاً. وإذا بالانتفاضة الإسلامية في فلسطين أكثر تصميماً على إحراز النصر.. ويعود يوم القدس من جديد مع الفارس الجديد، يوماً يعاد فيه توحيد الأمة ورصّ صفوفها بعد أن مزقتها الأهواء والمطامع وعبثت فيها يد الشرق والغرب تقطيعاً لأوصالها وتشتيتاً لجهودها.

المجد للإسلام دين الحرية والعدالية والإنسانية. الطاعة والانقياد للقائد والمرجع آية الله العظمى السيد علي الخامنئي.

الإصرار والصبر والوفاء لقضية دحر المعتدين وتحرير الأمة وأرضها من دنس المعتدين.

القدس وما حولها بلاد إسلامية مقدسة لابد أن تعود. ليكن يوم القدس شعاراً لكل ذلك ورمزاً للعلاقة الإلهية بين الأصول الثلاثة الإمام والقدس والسيد الخامنئي.

وناراً تتأجج كل ساعة في الفروع الثلاثة:

الثورة الإسلامية في إيران.

والمقاومة الإسلامية في لبنان.

والانتفاضة الإسلامية في فلسطين.

حتى يأذن الله وتظهر شمس العدالة على الإنسانية وتطهر الأرض من الظالمين والمستكبرين لظهور ولي الله الأعظم فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً..