تجربة المقاومة الاسلامية على ضوء ثورة الإمام الخميني (قدس)
2007-08-21
مقاومة الاحتلال امتداد لمقارعة الاستكبار
طهران ـ حبيب فياض
لم تكن تجربة المقاومة الاسلامية في لبنان بعيدة عن المؤثرات والايحاءات التي أفرزتها شخصية الإمام الخميني على مستوى العالم الاسلامي عامة، والساحة الايرانية خاصة، بفعل التجربة التي خاضها (قده) في مواجهة نظام الشاه البائد، والتي أدت الى تحول ايران من دور الحليف للدول الكبرى في المنطقة الى حاضن أساس لقضايا المستضعفين والمسلمين المصيرية.
ويمكن القول إن تجربة المقاومة الاسلامية قد ولدت من رحم تجربة الإمام الخميني في قيادة الثورة الاسلامية قبل الانتصار وبعده، وإن المقاومة بين التجربتين تتجاوز الاطار التحالفي التقليدي الذي قد يحكم العلاقة بين الثورات والحركات التحررية المرتبطة بها، وتتوغل ـ العلاقة بين التجربتين ـ في عمق التاريخ والعقيدة والهوية، وتتجلى على نحو ما يربط الجزء بالكل والفرع بالأصل والمقدمة بالنتيجة.
على هذا ثمة ضرورة لقراءة تجربة المقاومة الاسلامية في لبنان على ضوء علاقتها بالثورة الاسلامية، وتحديداً لناحية ارتباط المقاومة بقيادة الإمام الخميني (رض)، وانضوائها تحت لوائه.. اذ برغم كون التجربتين ـ المقاومة والثورة ـ حدثين مختلفين لكل منهما خصوصياته الجغرافية والسياسية والموضوعية، الا ان الواضح أن المقاومة قد استفادت ـ الى أقصى حد ـ من تجربة الإمام (رض) والثورة، الأمر الذي يجعل المقاربة بين التجربتين أمراً في سياق تحديد الأطر العامة التي التزمت بها المقاومة الاسلامية في مسارها الجهادي انطلاقاً من نمذجتها وأمثلتها لتجربة الإمام الريادية.
من هنا، ومن خلال قراءة أولية وعابرة، نستطيع الوقوف على عدة عناصر باتت أشبه بالمسلمات التي تمسك بها الإمام الخميني طول فترة قيادته للثورة، فانعكست أيضاً على أداء المقاومة الجهادي وتحولت في أجندتها الى ثوابت وكليات ومحددات وأبرزها:
ـ استلهام الثقافة الاسلامية والشعائر الدينية موجهة للسلوك الجهادي وعمقاً يُستند اليه.. فالمقاومة الاسلامية انطلقت من خلفية عقائدية في معركتها لتحرير الأرض والانسان.
يقول الإمام الخميني (رض): "ان أهم من هذا كله في جهاد "اسرائيل" هو العودة الى الذات، فالكفاح من أجل إحياء الثقافة الاسلامية يعد أهم من هذه القضايا.. فلو جاهدنا في سبيل الثقافة الاسلامية ونشرها نكون في الحقيقة قد عارضنا ثقافة الشرق والغرب، وإذا جاهدنا ثقافة الشرق والغرب فسنعتمد على قوانا الذاتية، وإذا تحركنا بوحي من المعايير الاسلامية فلن نقنع بغير الجهاد ضد "اسرائيل" وإخراجها من الأراضي الاسلامية.."[1].
وهذا ما ساهم في جعل نشاط المقاومة الاسلامية يتجاوز البعد السياسي المباشر والجغرافي والمرحلي ليتصل بالعقيدة والثقافة والهوية، وبالتالي الوجود، وهي تجربة كنا شهدناها في تجربة الثورة التي شكلت العقيدة الاسلامية محفزاً أساسياً لها في تصديها لنظام الشاه والحرب المفروضة. يقول الإمام (رض): "ان حربنا حرب عقائدية لا تعرف الجغرافيا والحدود"[2].
ـ الالتزام بالتكليف الشرعي بما هو مرحلة متقدمة تشير الى صدق الانطلاق من خلفية عقائدية، وإلى جدية الطاعة للقيادة الحكيمة، بحيث ان هذا الالتزام قد حدد للمقاومة في لبنان الوظائف التي يجب الالتزام بها، ورسم لها معالم الطريق ووفّر أجواءً معنوية مفعمة بالطمأنينة واليقين بأن كل عمل يقوم به المجاهدون إنما هو عبادة تقربهم الى الله انطلاقاً من هذا الالتزام. ولا يخفى ان قيادة الإمام (رض) قد وفرت الغطاء الشرعي الباعث على الالتزام بالتكليف الشرعي.
ـ الثبات والحسم: يلاحظ أن المقاومة الاسلامية قد بقيت ثابتة على مواقفها طول المسيرة الجهادية، وحسمت خياراتها منذ بداية الطريق، ولم ترضخ لأي ضغوط بغية ثنيها عن أهدافها مهما كانت كبيرة. كما لم ترض بأي مساومة او أنصاف حلول برغم كثرة المبادرات والمغريات التي عُرضت عليها، فكانت النتيجة خروج العدو من الاراضي اللبنانية المحتلة مهزوماً من دون ان يحقق أي امتياز أو مكسب مهما كان صغيراً. في المقابل نجد هذا كله في تجربة الإمام الخميني خلال قيادته الثورة، حيث اتسمت مواقفه على الدوام بالحسم وعدم قبوله بمنطق المساومة والتفاوض مع النظام البائد، الى ان تحقق النصر وخرج الشاه من ايران مهزوماً صفر اليدين.. يقول السيد أحمد الخميني نجل الإمام (رحمهما الله): "كان الإمام الخميني يبشر بالنصر بحزم وقوة من دون تردد، ويستنكر كل الهمسات التي تدعو الى العدول عن المواقف المطالبة بسقوط النظام الملكي، ويحذر الأمة باستمرار من خطر الانقياد لمثل هذه الهمسات"[3].
ـ الفعل الاستشهادي: لم تكن الشهادة في إطار الفعاليات الجهادية التي قامت بها المقاومة الاسلامية مجرد نتيجة مترتبة على الالتزام بالتكليف الشرعي والواجب الجهادي، بل كانت محكاً لكشف مدى عمق العلاقة التي تربط المجاهدين بالباري عز وجل، وطريقاً يسلكه المجاهدون على طريق الوصول الى مرتبة العشق الإلهي، ومقصداً تسعى اليه النخبة العارفة، اضافة الى كونها صرخة هادرة في وجدان المقاومين، تدفع بهم نحو المزيد من البذل وعدم تخليهم عن القافلة. يقول أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله: "السلاح الاستشهادي هو من أقوى أسلحة الأمة، ولا يمكن ان يعطل او يواجه.. ولقد وجدت الولايات المتحدة لكل سلاح سلاحاً مضاداً له، أما هذا السلاح فلا يستطيع ان ينزعه أحد". وفي المقابل لا يخفى الدور الذي أداه الفعل الاستشهادي في سياق انتصار الثورة الاسلامية وحفظها بشكل يمكن القول معه إن الاستشهاد شرط لازم لا بد منه في سبيل تحقيق النصر.
انطلاقاً مما تقدم، يغدو من البديهي والمنطقي ان يفضي اشتراك المقاومة والثورة في المرتكزات والمنطلقات والمقدمات الى اشتراك في النتائج أيضاً، اذ انتصرت المقاومة الاسلامية على العدو الاسرائيلي برغم وصف نشاطها في مراحل مختلفة بأنه تهور وانتحار ومحكوم بالفشل، فكانت هذه التجربة امتداداً لتجربة الإمام الخميني (قده)، التي أثمرت انتصاراً باهراً برغم اعتقاد العالم في وقت من الأوقات بأنه مجرد معارض سياسي سوف تبقى حركته زوبعة في فنجان[4].
------------------------
[1] "السيد أحمد الخميني مرآة الشمس"، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام ص 255.
[2] المصدر نفسه ص 204.
[3] المصدر نفسه ص 135.
[4] الانتقاد، العدد 993.
تعليقات الزوار