إمام في أمة وأمة في إمام

2007-08-22

أمين الله رضوي [2]

بقلم : ناعي الحسـين

لقد أنعم الله علينا في هذا العصر بأن بعث لنا بمصلح وعبد صالح ألا وهو الإمام المعظم روح الله الخميني (قدس سره الشريف) حيث يعتبر هو المنقذ الحقيقي - في عصرنا هذا - من أودية الحيرة والضلالة لينتشل المؤمنين بكفه من أزمة القلق والإضطراب إلى قمم الكمال والجمال، ومع إنتصار ثورته تفجرت في النفس ثورة وراحة وطمأنينة على جيوش الشياطين، لذلك ترى المؤمن مندفعا لشوقه وحبه فيرى الرجال والأشياء كلها تسبح حوله من فيض ونور شمعته لكن وللأسف بعد ما ترى هذه اللوحة المقدسة ترى بأن هنالك من يريد تخريب هذه اللوحة ليقف مقابل إرادتها ويتمرد على سلطانها إلا إن هذه الثورة هي كالشمعة عندما يقترب منها العدو يحترق!!...

إن هذا العصر وهو عصر الخميني بكل ما في الكلمة من معنى وهو حجة على كل من عاش أو يعيش فيه، لأن الإمام الخميني هو نعمة إلهية عظيمة لكل من عرفه وتعرف وسمع به، وهو إمتداد وإتمام وتمهيد للحجة الإلهية العظمى وبالتالي يعد أيضاً نقمة إلهية لكل من تجاهله وعاداه وأنكره وبغضه، وثورته هي حجة على المراجع والعلماء والقاعدين شاء من شاء وأبى من أبى، والتقليل من حجم هذه الثورة لا يلغي حجيتها وحقيقتها!!!

إن الإمام الخميني والثورة الإسلامية كيانان معتصمان مرتبطان ببعضهما البعض إرتباط وثيق لا يقبلان الإنفصال أو الإنفصام عن بعضهما ولا يمكننا أن نعرف أحدهما دون معرفة ودراسة الآخر، لذلك سأتطرق إلى شخصية الإمام الخميني ببضعة أسطر لعلنا وعسانا أن نبين قطرة من محيط بحر هذه الشخصية الملكوتية.

إن التكامل والتسامي في شخصية الإمام جعلته مدرسة أو جامعة إسلامية كبيرة تغرس في دروب الأمم الشجيرات المعرفية والعرفانية والروحانية بل بشخصيته الجدية المنقطعة إلى الله صنعت من روحه وجسده إسلام متجسد يمشي وينتقل من مكان إلى مكان أينما حط رحاله!!!

وإذا أردنا أن نرى لمحة من صورة وأسلوب وأخلاق وتعامل وسيرة الأنبياء والأولياء يجب علينا أن ننظر إلى سيرة الإمام الخميني !!

إن ثورة الإمام الخميني هي شعاع واحد من أشعة شمس ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، وبعد إطلاعنا على عدة ثورات حصلت في التأريخ والعالم منذ قديم الزمان إلى عصرنا هذا لم نجد ثورة أقرب وأصدق لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) سوى مثال ثورة الإمام الخميني، لأن قبل إنفجار إعصار الثورة الإسلامية في إيران لم يكن هناك مفهوم واضح لمعنى الثورة الحقيقية، وكانت كلمة الثورة غير معروفة في أي لغة وبقعة في العالم إلا وهي مقترنة بكلمة الخميني!!!

لأن مصطلح الثورة قديما كانت تعتبر عند البعض جهلا هو تعبير عن العنف والإجرام والقتل والتدمير والتخريب إلى أن جاء الإمام الخميني بفتح الفتوح ليغير مصطلح الثورة القديم إلى مصطلح جديد وهو القيام لله برفض الظلم والتكبر والتجبر في العالم من خلال قوة المنطق والعقل والحكمة والكلمة عندما إستغل الجماهير الشعبية المجردة من السلاح بإطلاق صرخاتهم وتدنيداتهم السلمية في وجه حكومة الشاه حتى هرب الشاه المرعوب وتحقق الوعد الإلهي بأقل خسائر بشرية متوقعة!!

فكان الإمام الخميني هو بحق أول من فجر الثورة الإسلامية المحمدية الحقيقية وصاغ حروفها وأبدع صنعها وأشعل نارها ، وتمكن بفضل الله من تبديد الخرافات والنظريات والأفكار والأوهام الخاطئة التي كانت شائعة وتحوم وتثار حول مفهوم الثورة، واعلموا أنه لولا إنتصار هذه الثورة الإسلامية ولم تقم هذه الجمهورية الإسلامية المباركة على أساس الدين والفقيه لما تلاشت كل الأنظمة الشيوعية والإشتراكية والرأس مالية والبعثية بسرعة!!

إن هذه الثورة الإسلامية قد بعثرت الحسابات وقلبت الموازيين وغيرت المقاييس، وهي قبل أن تكون ثورة جهادية وحركية هي بالأصل ثورة فقهية وثورة فكرية وثورة علمية وثورة أخلاقية وثورة معنوية وثورة روحية وثورة إلهية في الأمة بأجمعها!!

لقد كان الإمام الخميني وثورته التي انطلقت في جهاده الطويل وتحركه الدؤوب من هذه الآية {إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} آية 46 سورة سبأ، التي تبين أنه طبقها بإتقان وحرفية فكانت ثورته ثورة لأجل الله .. ثورة لله !!

إذن إن هذه الآية العظيمة تختزل وتختصر وتلخص جميع مواعظ الله في موعظة واحدة وحيدة موحدة وهي \" القيام \" الإسم الحقيقي من فعل الأمر \" قمْ \"، فحينما ينهض المسلمون مثنى وفرادى كافراد أولا ً ليقوم كل واحد فيهم بدوره الطبيعي في محاربة جنود إبليس والخوف والنفس الأمارة بالجلوس والسوء في ميدان نفسه وداخله... نستطيع بعدها أن نقوم كجماعات ومجتمعات وتكتلات وإئتلافات وجبهات وحركات وأحزاب ودول وشعوب لتحطيم وهدم بيت الظلم والكفر العالمي الزجاجي!!

يقول الإمام الخميني بهذا الصدد (إن الثورة في سبيل الله هي التي حققت النصر لفرد واحد وهي ثورة خاتم النبيين محمد على كل العادات والتقاليد والعقائد الجاهلية وألقت الأصنام خارج بيت الله ووضعت مكانها التوحيد والتقوى وأوصلت تلك الذات المقدسة إلى قاب قوسين أو أدنى) قال تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} آية 11 سورة الرعد.

يقول القائد السيد الخامنئي دام ظله الشامخ (كما تغير هذا الشعب فإن العالم بأسره بإمكانه أن يتغير، فإذا وصل الناس إلى التحول العميق فإن هذه الحركة ستستمر إلى الأبد، ولو صارت أخلاق الناس أخلاق إسلامية قرآنية فإن جميع وعود القرآن لهذه الأمة ستتحقق).

وهذه هي الحقيقة حيث لم تكن الحوزة العلمية في قم المقدسة قبل الثورة الإسلامية المباركة هذا النشاط وهذا الروح وهذه الحياة وهذه الحركة، فهي تزخر الآن بالعلماء والفقهاء والبحوث والمكتبات والدراسات والتحقيقات والمطالعات الأصولية البحتة العميقة ببركة الإمام الخميني (أعلى الله مقامه) وثواب كل هذه الأعمال الصالحة الخيرة تعود له، لأن الشاه المخلوع كان في نيته إبادة الحوزة العلمية بتشتيت وتهجير علماءها وقتل وقمع روادها وإشاعة الفساد والرذيلة والإنحلال الأخلاقي داخلها !!!

إن الإمام الخميني مصداق عبارة \" إمام في أمة وأمة في إمام \" بمعنى الكلمة حيث خلق أعظم معجزة شعبية في القرن ولم يمكن يملك أي قوة عسكرية أو سلاح بل بإلإعتماد والتوكل على الله وعلى هذا الشعب الشجاع تحقق النجاح فكان هو وحده هو الشعب بأجمعه!!

إن نجاح الثورة الإسلامية في إيران لم يكن يتحقق دون وجود فقيه وإمام ومرشد وقائد وقبطان يحرك السفينة ودون ولاية للفقيه على الناس لن يستطيع هذا الشخص من تحريك الناس أبداً، وهنا لابد من التأكيد على الإلتزام بأوامر القيادة الصالحة والقائد الواحد لأن تعدد القيادات تشتت الأفكار والتوجهات وتسقط الأمة وتغرق السفينة بكل ركابها ، لذلك يقال (السفينة بأكثر من قائد تغرق)!!

وإن دور القدوة الإلهية الصالحة في هداية الناس وتربيتهم من جهة، والتشهير والتشويه اللذان يتعرضا لفكر وخط ونهج وثورة الامام الخميني من جهة أخرى تدعواني إلى تبيان معالم نهجه والتمسك بخطه، ولنفصل هذين العاملين شيئاً ما:

1 ـ عامل القدوة الصالحة: فقد انفرد الامام الخميني بأمر في غاية الأهمية تجعل منه قدوة فريدة نادرة في عصرنا الحاضر؛ فهو استطاع أن يصل وبالطرق الشرعية والوسائل المتاحة إلى هدف إسلامي راقٍ كان ومايزال يشكل قمة الأهداف التي يسعى من أجل تحقيقها كافة المصلحين الإسلاميين من أنبياء ورسل وأئمة وشهداء وعلماء ومراجع ومجاهدين. وهذه الميزة التي مّن الله تعالى بها على الإمام الخميني أخرجت التحرك الإسلامي من إطار التخطيط والتنظير الحوزوي إلى حيز العمل والتطبيق الجهادي، مما يجعل منه قدوة حية إلتف حوله المسلمون المعاصرون ليشكل حقيقة الوعد القرآني {إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} آية 128 سورة الأعراف، مهما تغيرت ظروف الحياة ومهما تكالبت الصعاب والظلم في هذا الطريق.

ولذلك قال المرجع الديني والمفكر الإسلامي العبقري الكبير الشهيد محمد باقر الصدر (رحمة الله عليه) (إن الإمام الخميني حقق حلم الأنبياء!!) ودعا إلى الذوبان في الإمام الخميني حيث قال موصيا (ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام)، وإنني هنا أوصي الجميع (ذوبوا في الإمام الخامنئي كما ذاب هو في الإمام الخميني) فهما نور من نور واحد وفي نور واحد لا يتقاطعان ولا يتضادان أبداً، لأن الخميني دون الخامنئي كالروح بلا جسد، والخامنئي دون الخميني كالجسد بلا روح !!

وإذا نظرنا على صعيد الشخصي فالإمام الخميني كان يتمتع بعدة ميزات غير كونه مرجع ديني، فهو مرجع يجمع بين الدين والسياسة وعالم عارف ومجتهد جامع للعلوم العقلية والنقلية وفقيه عادل وأستاذ في الأخلاق والفلسفة وأسوة في الزهد ومشكاة للعارفين وقدوة للسالكين في درب الجهاد والمناضلين لابد من الاستفادة منها خاصة وأن الشخصية الفذة للإمام الخميني لم تكن من ضمن المعصومين الأنبياء والأوصياء والائمة عليهم السلام ، بل هو إنسان نهل من علوم أولئك العظام واكتسب من معارفهم، وهي ليست وقفاً على أحد بل أبوابها مشرعة لكل طالب ليغرف من نميرها الصافي ما يستطيع لتصعد به إلى ما هو أسمى من الملائكة.

لقد عايش العالم الإمام الخميني فترة ثورته ومدة حكمه، فوجده فقيهاً سياسياً ومحارباً لأكبر قوة عظمى معاصرة وفي نفس الوقت روؤفاً رحيماً.. حاكماً لكنه متواضعاً وفقيراً .. فيلسوفاً شجاعاً.. وشاعرا ً عالما ً يقول الحق ويعمل به ويدعو له.. لم يبعده دخوله في عالم السياسية عن المبادئ والقيم الأصيلة التي تربى عليها منذ نعومة أضفاره، بل كان يرى أن السياسة هي هذه القيم وسوى ذلك لا يتجاوز الخداع والكذب والدجل والنفاق، وليس من السياسة في شيء مما أعطى لهذا المفهوم شيئاً من القداسة والمصداقية اللذان فقدتهما السياسة طوال قرون وعصور من حكم الجبابرة والطواغيت والملوك الذين رأوا في كرسي الحكم والخلافة مغنماً لاستعباد الناس الذين خلقهم الله أحرارا.

2 ـ العامل الآخر الذي يجعل علينا أن نبينه هو التحريف والتزوير المتعمدان اللذان يتعرض لهما خطه ونهجه على يد أعدائه من قوى الغربية على رأسهم الشيطان الأكبر أميركا والشيطان الأصغر إسرائيل.

لقد دأب العدو منذ قرون على تفريغ النصوص الإسلامية من محتواها وتحريف الأحكام الشرعية عن مقاصدها ، وقد استطاع أن يحقق الشيء الكثير من ذلك خاصة في الجانب السياسي للضعف الذي عاناه المسلمون وعدم اهتمام الكثير بهذا الجانب، بل اقتصر دفاع أصحاب كل مذهب عن مذهبهم في الإطار التاريخي والعقيدي والفقهي ، أما الجانب السياسي والاجتماعي فلم يحظيا بما يستحق الذكر من الاهتمام إلى أن جاء عقدا السبعينات والثمانينات حيث بذل الإمام الخميني ما في وسعه لإعادة المفاهيم الإسلامية إلى روحها وتفسير الأحكام الشرعية في الإطار الإسلامي المحض وقد تجاوز هذا التصحيح المدارس والحوزات الدينية بل والمجتمعات الشيعية ليصل إلى كل أذهان العالم ومن جملة أهم المفاهيم التي استطاع الإمام أن يبين حقيقتها ويزيح الغبار عنها هي: مفهوم الحكومة الإسلامية، مفهوم القوة في الإسلام، مفهوم الوحدة بين المسلمين، مفهوم الدفاع عن المسلمين، مفهوم التحرك في إطار التكليف. مما جعل الغرب الحاقد يشعر بالخطر الحقيقي، فانبرى اقطابه السياسيون والثقافيون على حد سواء يساعدهم في ذلك بعض أقلام أبناء جلدتنا، وبذلوا كل إمكانياتهم الاقتصادية والفكرية في محاولة يائسة لإرجاع الأمور إلى ما كانت عليه قبل مجيء الإمام الخميني ولا ندعي هنا أنهم لم ينالوا شيئاً مما أرادوا بل نقول وبشيء من الحرقة التي تستنهضنا للدفاع عن قيم الإمام الراحل إنهم استطاعوا التقدم في هذا المجال من خلال الغزو الفكري والثقافي مستفيدين من كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في العالم.

كما انهم لم يقتصروا على ضرب فكر الإمام الخميني وإلغائه بنعته خارجا ومخالفا للقيم والثوابت العقائدية والإسلامية والإنسانية المجمع عليها بل حاولوا تحريف هذا الفكر وتحميله ما لا يحتمل وتفسير مفاهيمه بما يحلوا لهم.

لكننا عندما نعيد قراءة أقوال الإمام الخميني الشبيه بأقوال العظماء من الأئمة والأنبياء يحتل قلوب العاشقين لهذه الشخصية الإطئمنان بإستمرار ديمومة هذا الفكر والنهج والخط حيث يقول الإمام الخميني (هيهات أن ترضى أمة محمد والمرتون من كوثر عاشوراء ومنتظرو وراثة أرض الصالحين بموت الذلة والمسكنة، وهيهات أن يقر للخميني قرار أو تغمض له عين أو يسكت عن عدوان الأبالسة والمشركين والكافرين على حريم القرآن الكريم وعترة رسول الله وأتباع إبراهيم الحنيف، أو يبقى متفرجا على مشاهد إذلال المسلمين وإحتقارهم ولتطمئن القوى الكبرى وغير الكبرى وعملاؤهم العبيد لهم ان الخميني حتى لو بقي وحيدا فريدا فسوف يمضي قدما في طريقه طريق النضال ضد الكفر والظلم والشرك وعبادة الشيطان).

ونحن هنا بالختام نحمد الله أن الخميني العظيم لم يبق إلى يومنا هذا وحيدا حيث هنالك فئات من الملايين والملايين مستعدة أن تكشف عن أجسادها لكي يمشي عليها بهناء!!!