الموقف الغربي من الإمام الخميني وثورته:

2007-08-21

بداية النهاية للتسلط الغربي

عبد المنعم حسن

اتخذ الغربيون منذ انتصار ثورة الإمام الخميني مواقف صارمة منها؛ فقد عملوا على التشكيك في إمكانيات نجاحها في التطبيق وقاموا بتحريك المخاوف المحلية والدولية من آثارها. المقال التالي يستقصي الأبعاد الرئيسية للموقف الغربي من الثورة الإيرانية:

كان رحيل الإمام الخميني إلى الرفيق الأعلى مثاراً لاهتمام أعدائه مثلما هو مثار لأسى وحزن محبيه وأتباعه في العالم بأسره، فقد درس الغربيون وألفوا مئات الكتب وآلاف الدراسات الأخرى بلغاتهم المختلفة وهم يحللون الثورة الإسلامية التي قادها الإمام الخميني، ولم يتوقف تأثيرها عند الحدود الإيرانية بل تعداها إلى العالم الإسلامي، وتأثرت بها شعوب غير مسلمة فانتصرت ثوراتها بسرعة اكتسبتها من انتصارات هذه الثورة.

ولو تطلعنا إلى سجل كامل للمواقف الغربية في ثورة الإمام الخميني لاحتجنا إلى كتابة كم كبير من المواقف المتباينة الحدة والمختلفة التوجهات والمتوحدة في الموقف المعاكس لهذه الثورة ولهذا الرجل. فلم يخطر في بال المخططين الغربيين وخاصة وسائل استخباراتهم تحقق انتصار للتيار الإسلامي في العالم الإسلامي، بعد أن اطمأن الجميع بأن جهود الأجيال السابقة من الاستعماريين الأوائل كفيل لفترة طويلة بقاء العالم الإسلامي بعيداً عن مواطن التأثير الحضاري والسياسي في العالم، بعد القضاء على الدولة العثمانية التي كانت تمثل رمزاً لقوة المسلمين السياسية.

ورغم انتشار الحركات الإسلامية الداعية إلى الإسلام في بقاع عديدة ومهمة من العالم الإسلامي فإن هذه الحركات أحدثت وعياً عاماً وهيأت أجواء النهوض الإسلامي. ولكنها لم تقدر على الصعيد السياسي من تحقيق وجود ملموس، بسبب العراقيل المختلفة التي تركها الغربيون وخلفوا من يحميها ويزيد من قوتها من أبناء المنطقة الذي كان البعض منهم أكثر شروراً من أسيادهم. وربما كان التوجه الفكري لهذه الحركات أحد الأسباب التي ساهمت في تأخير البروز السياسي لها. ولكن نهضة الإمام الخميني وانتصارها الباهر في العام 1979 نقل بصورة مفاجئة الحركة الإسلامية العالمية التي واجهت الأحداث السياسية في الكثير من بلدان العالم الإسلامي وبرز الإسلاميون كبدائل حقيقية عن أنظمة كانت تشرف على الزوال.

وكانت مشاعر الخوف الغربية من الثورة الإسلامية ممزوجة بعوامل محلية أيضاً، فإذا كانت للغرب أسبابه في الخوف منها فإن الأنظمة المحلية في العالم الإسلامي لها أسبابها الخاصة بها، ولكن الطرفين اجتمعا في الخوف من هذه الثورة وانتصاراتها وقوة تأثيرها والقضاء عليها ان أمكن. واختلفت الوسائل والصيغ فالغرب وأجهزته الكثيرة لعب دوراً مهما عاونه في بعض حكام العالم الإسلامي لتحقيق مهمة القضاء على الثورة أو تشويه صورتها وإلغاء تأثيرها وإنهاء دورها المهم في عملية الإحياء أو الصحوة التي شملت العالم الإسلامي.

ورغم الانبهار بهذه الثورة وشخصية قائدها، الإمام الخميني، فإن دوائر التخطيط والحرب النفسية في الغرب بدأت عملها بصورة حثيثة وسريعة بعد انتصار الثورة مباشرة، وجرى أعداد الدراسات العاجلة عن الخلفيات التاريخية للثورة الإسلامية واستعداد الشعب الإيراني والتزامه بعلمائه النابع من اعتزازه بالإسلام وبأهل البيت وبوشر بدراسة المؤثرات التاريخية المهمة التي سارعت في انتصار الثورة كثورة الإمام الحسين بن علي (رض) في 61 هجرية ضد الحكم الأموي والثورات الشعبية التي قادها العلماء في إيران ضد النفوذ الانگليزي من جهة وضد الطغيان القاجاري والبهلوي من جهة أخرى.

ومن ملاحظة الكم الهائل من الدراسات الموسعة والمختصرة عن هذه الثورة يلاحظ القارئ المتتبع ان الغرب حينما يتناول الثورة يحاول دراسة أسبابها بصورة علمية والعوامل المؤثرة فيها وأسباب انتصارها وأهم خصائصها وأهدافها والنتائج والدروس المستخلصة من هذه الثورة. وهذه قضايا أساسية ومهمة لابد من تحقيقها ليصبح ممكنا التعامل مع هذه الثورة بصورة واقعية. فالمعلوم أن المخططين يعدون خططهم البعيدة المدى لكي يتمكنوا في النهاية من التحكم بالمتغيرات الخارجية عن سيطرتهم وإعادة الأوضاع إلى طبيعتها بوسائل مختلفة تؤدي في حالة نجاحها إلى تطويق هذه المتغيرات ومحاولة القضاء عليها إن عاجلاً أو آجلاً.

ولعل الدراسات العلمية المستندة إلى مجموعة من المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مفيدة في فهم حركات الشعوب وتصرفاتها. غير أنه من المفيد التأكيد على أن نفسية الشعوب وجذورها التاريخية ومكوناتها الحضارية ليست من الأمور الخاضعة كلياً لميدان البحث الأكاديمي الذي يتم بواسطته فهم العديد من الظواهر الاجتماعية، فقد يتوصل الغرب في تعامله مع الثورة الإسلامية بعض الأمور والحقائق، ولكنه يبقى جاهلاً العديد من المتغيرات الاجتماعية والمحركات النفسية التي تلعب دورها في تحريك الشعب وتفجير طاقاته. وعليه فإن الدراسات الغربية حول الثورة الإسلامية والتحليلات التي كتبت بعد انتصار هذه الثورة وبعد مضي العقد الأول من عمره وبعد وفاة الإمام الخميني، لم تستطع الغور عميقاً في أبعاد هذه الثورة، رغم العون الذي تتلقاه هذه الدراسات والتحليلات من أبناء إيران الذين اختاروا العمل مع دوائر الغرب في التخطيط لإجهاض ثورة شعبهم بإدراك أو بعضوية.

ولو حاولنا الدخول قليلاً في أبعاد هذه الأقوال نلاحظ مستويات عديدة من الموقف الغربي. فهناك المواقف السياسية الغربية من هذه الثورة التي تعاملت معها بنوع كبير من القسوة وروح الانتقام. فالسياسة الأمريكية تجاه إيران خلال السنوات العشر الماضية اتسمت بنوع من التشفي والعداء السافر أحياناً والمبطن في أحيان كثيرة. وكانت السياسة الخارجية الأمريكية تعتمد سابقاً على سياسة السندين إيران (الشاه) والسعودية. وبعد انتصار الثورة تغيرت الموازين فبدّلت إيران من كونها عمودا من أعمدة السياسة الخارجية الأمريكية وخاصة تلك الموجهة إلى العالم الإسلامي. وكانت التصرفات الأمريكية تعبر عن هذه الحقيقة منذ عملية طبس الفاشلة العام 1980 إلى التدخل العسكري السافر في الخليج العام 1978 إلى ضرب القوات والسفن والمنصات النفطية وإسقاط الطائرات المدنية الإيرانية العام 1988، وقد عبر عن هذه السياسة وزير الدفاع الأمريكي في زمن ريغان كاسبر واينبرغر في كتاب له عن مذكراته في البنتاغون عنوانه "الحرب من أجل السلام"، حيث انتقد بعض الأمريكيين الذين يرغبون ببناء بعض الجسور مع إيران وعلق على فشل مهمة المستشار السابق لريغان لشؤون الأمن القومي، ماكفرلين، الذي ذهب إلى طهران العام 1986 في مهمة لإطلاق الرهائن الأميركيين، قائلاً بأن ريغان "وافق بأنه من غير الممكن التفاوض أو عقد صفقات مع الإيرانيين لعدم وجود عناصر معتدلة هناك وإن النصائح التي تلقاها من ماكفرلين وغيره ليست خاطئة فحسب وإنما خاطئة بصورة خطيرة"[1].

وبقى هاجس هزيمة الشاه والقضاء عليه يشغل بال الأميركيين باعتباره نموذجا حياً يعبر عن طبيعة السياسة الأمريكية التي تخذل أصدقاءها وقت الشدة وتنعتهم بأفخم الأوصاف حينما يكونوا في موقع القوة وباستطاعتهم تقديم الخدمات. ويتحدث عن حكومات الخليج الخائفة من هذه الثورة فيقول "عندما رأتنا هذه الحكومات نهجر الشاه بعد سنوات من العلاقات الوثيقة بدأوا يتسائلون عن مصداقية وعودنا إليهم. فقد كانت الرسالة إلينا واضحة، لا يمكن الوثوق في مساعدة الولايات المتحدة في أية أزمة". لذا فإن واينبرغر وغيره كانوا يسعون عن طريق إيذاء إيران الإثبات للدول الصديقة لهم ان واشنطن مستعدة لمساعدة أصدقائها في وقت الشدة، ولذا سارعوا إلى تلبية المطالب الكويتية في رفع الإعلام الأمريكية على "سفينة كويتية لإبطال المقولات التي شاعت عن الولايات المتحدة بعد سقوط الشاه[2].

ولم تكن أوروبا الغربية بأقل عداء للثورة الإسلامية من الولايات المتحدة بل كان بعضها أشد تعنتا في هذا الموقف، وهو ما يلاحظ في الموقف الفرنسي الذي لم يكترث لاحترام الشعب الإيراني لفرنسا جراء موقفها التاريخي من استقبال الإمام الخميني في باريس في الأشهر الأخيرة للثورة، وكانت السفارة الفرنسية في طهران تغطى بالزهور امتنانا على هذا الموقف. ولكن الفرنسيين انقلبوا بعد وقت قصير وساعدوا القوى المضادة لهذه الثورة، وتعاونوا معها حتى على القيام بأعمال إرهابية ضد الثورة الفتية، بل ساعدوا بعض قادة المعارضة على الهرب وتوفير اللجوء السريع لهم. ولم يكتف الفرنسيون بذلك فقد كان لهم دور أساسي ومهم في الحرب العراقية الإيرانية ضد إيران. أما بريطانيا فدورها السابق لانتصار الثورة والمطالبة بعدم فسح المجال لهذه الثورة لا يحتاج إلى برهان. والذي يراجع المقابلات الصحفية والتلفزيونية لوزير الخارجية البريطانية وقت انتصار الثورة الدكتور ديفيد اون يعرف الموقف البريطاني السياسي تجاهها.

لم يكن الغرب منفرداً في هذا الموقف فإن السوفيات عبروا عن مخاوفهم لأسباب قسم منها يتشابه مع الأسباب الغربية والقسم الآخر يتعلق بالمسلمين في الاتحاد السوفياتي الذي عبروا عن تعاطفهم مع الثورة الإسلامية حينما كانوا يرفعون صور الإمام الخميني في مناسبات عديدة منها عند زيارة رفسنجاني (حينما كان رئيساً لمجلس الشورى) في حزيران (يونيو) [1988] الماضية ومنها رفعهم هذه الصور للإمام الراحل عند انتفاضتهم في آذربيجان أواخر 1989 والتي قضى السوفيات عليها بواسطة الجيش الأحمر. وقد ذكرت مصادر صحفية غربية أن غورباتشوف الزعيم السوفياتي تحدث في العالم 1988 إلى مجموعة من رجال الأعمال الغربيين الذي كانوا في زيارة إلى موسكو قائلاً "إن أكبر مشكلة تواجه القوى الكبرى هي الأصولية الإسلامية". وأكد بأن "الأصولية الإسلامية برزت منتصرة على الولايات المتحدة في إيران وعلى الاتحاد السوفياتي في أفغانستان". وقال "لابد من إيجاد طريق لضبط ذلك، وأكد محذراً إذا ثار المسلمون في المنطقة بأسرها فإننا سنحتاج إلى عشرين سنة لتهدئتهم"[3]. وهذه التحذيرات السوفياتية من "الخطر الأصولي الإسلامي" كانت متصاحبة مع حملة شديدة ضد الثورة الإسلامية، حتى إن احدى الصحف السوفياتية عزت الصحوة الإسلامية في البلاد العربية إلى تعمق الأزمات الاجتماعية والسياسية والهزيمة التي منيت بها الدول العربية إمام العدوان الإسرائيلي في العالم 1967"، وادعت ان الثورة الإسلامية في إيران "فقدت اليوم مكانتها لدى غالبية المسلمين بسبب السياسة المتطرفة التي تنتهجها الحكومة الإسلامية[4] بقيادة الإمام الخميني".

وبالنسبة للكيان الصهيوني فقد كان موقفه واضحاً من هذه الثورة قبل انتصارها وبعده، وقد عبر الإسرائيليون في مناسبات عديدة عن قلقهم من هذه الثورة وفقدانهم لدولة "صديقة" مثل إيران الشاه. ولا يمكن معرفة النوايا الحقيقية للكيان الصهيوني إلا في الأوقات الصعبة؛ فحينما كانت الدول العربية تعقد مؤتمراً للقمة في عمان في تشرين الثاني (نوفمبر) 1987 للنظر في الحرب العراقية الإيرانية وجعل قضية فلسطين في المرتبة الثانية كان الصهاينة يدقون على وتر مخاوف بعض الأنظمة العربية التي عبر الملك حسين عنها في حديث له للصحافة العربية والأجنبية عن "النوايا الإيرانية المستقبلية"، موضحاً بأنه "قلق جداً بلا شك إزاء نوايا إيران التي اعتقد إنما تحاول تدمير العراق لأنه دولة عربية قوية تقف في طريق إيران بمعنى أنها تعوق إيران عن تحقيق أهدافها، وهذه الأهداف (كما يعتقد الملك حسين) تتضمن السيطرة على موارد هذه المنطقة وكذلك الأماكن الإسلامية المقدسة"[5]، وهو الأمر الذي كان يؤكده الدبلوماسيون العراقيون في العواصم الغربية بأن العراق يمنع إيران من الوصول إلى القدس. وكان السفير العراقي في واشنطن، نزار حمدون، يعرض خارطة للشرق الأوسط مكتوب عليها "يجب علينا استعمال أسلحتنا لتحرير القدس وسيأتي اليوم الذي يرغب فيه كل واحد أن يكون من سكان القدس، إسرائيل يجب أن تزول من الأرض" ويوزعها لكل أعضاء الكونغرس الأميركي ليحذرهم من أن "هدف الأصولية الإسلامية وإيران على الخصوص هو الوصول إلى القدس وإن الخارطة ضبطت لدى أحد حراس الثورة الإسلامية خلال الحرب، ليبين مدى الخطر القادم إليهم من هذه الثورة والذي يشمل الخطر على بعض الأنظمة المحلية[6].

وقد تولى العديد من المسؤولين الصهاينة التعبير عن نظرتهم إلى هذه الثورة، نذكر منها أقوال رئيس حزب العمل الإسرائيلي شمعون بيريز وهي تكفي في هذه العجالة لإعطاء صورة عن التفكير الإسرائيلي تجاه الثورة. ففي 19/11/1987 قال "إن إسرائيل لن تفعل شيئاً يضايق الدول العربية المعتدلة في مقاومتها لتيار الخمينية". وفي 17/11/1987 قال بيريز "إن الملك حسين أظهر موهبة دبلوماسية غير عادية، فقد بلغ الذروة مع احتفاظه بالمجال مفتوحاً في علاقاته مع إسرائيل". وقال في 20/11/1987 "إن خط المواجهة الرئيسي أصبح من الآن فصاعداً يتمثل في التهديد الذي يأتي من الخليج وليس من نهر الأردن، إذن ان هناك في الخليج اتجاهاً متطرفاً يحاول سحق اتجاهات أخرى ودول أخرى"[7].

وقد يتنوع الموقف الغربي تجاه إيران اعتماداً على الظروف والمتغيرات الدولية التي صاحبت العشر سنوات الماضية من عمر الثورة الإسلامية. ففي الوقت الذي تمر فيه الثورة بمصاعب داخلية أو خارجية فإن لهجة الغرب السياسية أو الإعلامية تتلائم مع هذه الحالة وتتجاوب معها وتحمل في طياتها نبرة التحدي والاستعلاء على شعوب العالم الإسلامي. وحينما تكون الثورة في لحظات انتصارها على أعدائها الداخليين أو الخارجيين فإن اللهجة التساومية من الغرب تبدو واضحة ويعبر عنها بأساليب وطرق مختلفة. فنلاحظ مثلاً أن احدى افتتاحيات صحيفة التايمز البريطانية تدعو المسلمين إلى اتباع الإسلام في معالجة قضاياهم وخاصة ما يتعلق بلبنان[8]. بينما تتعرض صحيفة اميركية إلى متابعة انتشار الثورة في أوساط المجتمع الإيراني الذي كان في أواخر السبعينات لا يتجاوز الاربعين مليونا، بات يزيد على 50 مليونا في اواخر الثمانينات. واكدت هذه الصحيفة أن جيل الثورة يتعلم القيم الإسلامية في المدارس وينشرها في بيوتهم وكان الجيل السابق قد تعلم على نبذ المفردات العربية باعتبارها طارئة على اللغة الفارسية. ولكن الثورة اعادت التأكيد على المفردات العربية التي جاءت في القرآن الكريم بحيث بات الجيل السابق لا يفهم بعض العبارات التي يستخدمها جيل الثورة والمستمدة من القرآن[9].

والآن وبعد استعراض نماذج مختلفة للموقف السياسي الغربي تجاه الثورة الإسلامية لابد من تحديد بعض المعالم المهمة في هذا التوجه الغربي تجاه العالم الإسلامي وتجاه ايران بعد انتصار الثورة الإسلامية على وجه الخصوص. فإن المعالم المهمة في هذا التوجه الغربي تكمن في تشويه سمعة هذه الثورة بصورة تقنع الشعوب الغربية وتزيد من عدائيتها لهذه الثورة وما شابهها من ثورات الشعوب المستضعفة. وتتم عمليات التشويه بأساليب ومراحل متنوعة؛ فهناك التشكيك في القيم الإسلامية وامكانية تطبيقها على واقع القرن العشرين. وهناك امور تتعلق بخبرة الإسلاميين في ممارسة الحكم وادارة شؤون الدولة، ونقاش حول هوية الثورة فيما اذا ما كانت إسلامية ام ايرانية وطنية، وحول دوافع الإمام الخميني من هذه الثورة وافكاره السياسية ونظرية ولاية الفقيه في الحكم، والمسار العملي لتطبيق الحكم الإسلامي خلال عشر سنوات من عمر الثورة، والتوجهات السياسية لحكومة الثورة في حياة الإمام وبعد وفاته. كل هذه الموضوعات واخرى غيرها مما يتعلق بالثورة الإسلامية عرضت للتشريح والتجريح والمثالب المختلفة. وكانت آلة الحرب النفسية الغربية تعمل بكامل طاقتها للنيل من هذه الثورة ومسخ صورتها في الاعلام الغربي، وكأن هناك تخطيط شامل لمسخ صورة هذه الثورة منذ انتصارها وحتى الوقت الراهن.

وصورة الثورة الإسلامية في إيران التي أبرزتها دماء الآلاف من الشعب الإيراني كانت نقمة شديدة على النفوذ الغربي برمته في العالم الإسلامي. وهو أمر من الخطورة بمكان يدفع إلى تحشيد جيوش من المتمرسين بالحرب النفسية لتحقيق غرض تشويه صورة الثورة الإسلامية لا في الغرب فحسب وإنما في العالم الإسلامي كذلك وهو الادهى والأمر. فقد اندفعت "الدول المجاورة للتخطيط لتحقيق تحالف عسكري ضمن خط الناتو. وكانت هذه الدول تصرف الأموال الطائلة على الأمور الدينية للمساعدة في ابعاد المسلمين عن تأثير الخميني". كما لاحظ بعض المراقبين[10].

وحول دور الثورة الإسلامية في إيران وعلاقتها بحركة المسلمين العالمية حاول أحد الباحثين الغربيين الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالموضوع وما إذا كانت العلاقات مع الإسلاميين خارج إيران تعلب دوراً مهما في السياسة الخارجية لإيران، وعن تأثير ذلك على العلاقات الإيرانية مع الدول الإسلامية وغير الإسلامية، ومدى الفوائد والسلبيات المتأتية لإيران من جراء هذه العلاقة، وما هو حجم التأثير الذي أفرزته هذه الثورة على شعوب العالم الإسلامي. ومن خلال البحث والتقصي ومناقشة الوقائع توصلت الباحثة شيرين هنتر نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط لدى مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بواشنطن (CSIS) إلى أن الفكرة السائدة في الإعلام الغربي وإعلام "الحكومات الإسلامية المحافظة" حول وجود شبكة إيرانية كبيرة تنظم وتوجه الملتزمين المسلمين ضمن استراتيجية واضحة هي فكرة مبالغ بها إلى حد بعيد وخاطئة والحقيقة هي "ان إيران تواجه عقبات جدية في توجهها نحو جماعات تتجاوز الشيعة وبعض الجماعات السنية القليلة ولا تستطيع أن تعرض نفسها بصورة مقبولة للحركات الإسلامية الأكبر وهي سنية في الأغلب". وتلاحظ هذه الكاتبة أن توجه إيران نحو المجتمع الدولي ومحاولتها تحسين علاقاتها الخارجية تقلص إلى حد كبير تحقيقها لطموحاتها الثورية وهو عامل مهم في الحد من قابلية إيران ورغبتها في نشر الثورة الإسلامية". ولكن المؤلفة تخلص إلى القول ان أي تغير في إيران على صعيد القيادة أو ما يتعلق بالحرب سوف لن يؤثر على مسير الحركة الإسلامية. ولكن انتصار إيران ونجاحها السياسي "سيعزز بلا شك الموجة الإسلامية"[11]. وهناك من يختلف مع هذه المؤلفة حول قوة تأثير الثورة الإسلامية، ولكنه يلتقي معها في أن الغرب تجاوز الحدود المألوفة في نشر المخاوف من هذه الثورة. ويرى بعض الكتاب الاميركيين أن لهذه الثورة تأثيراً قوياً على المسلمين السنة، ورغم التأكيد بأن الثورة في إيران "تمثل تحدياً سياسياً كبيراً في منطقتها وتحدياً عسكرياً وكذلك ولكن لابد من فهمها على حقيقتها"[12].

هذا هو الموقف الغربي المعادي للثورة الإسلامية مصحوباً بالخوف والقلق والأحقاد التاريخية، والذي انتشر تأثيره إلى دول إسلامية عديدة خافت أنظمة حكمها من تأثيرات هذه الثورة وقوة شخصية قائدها الإمام الخميني.

والآن لابد من الإشارة ولو باقتضاب إلى طبيعة السياسة الخارجية الإيرانية بعد انتصار الثورة لمواجهة مثل هذا التحدي ومقدار النجاح والإخفاق الذي تحقق على هذا الصعيد.

يمكن معرفة معالم السياسة الخارجية لإيران من خلال معرفة الخصائص البارزة التي تتميز بها هذه الثورة. فالثورة الإسلامية هي ثورة أهل المدن وحصلت باتفاق شعبي بين الفئات السياسية والاجتماعية المختلفة وهي تختلف عن الثورات التي تعتمد على الريف وتعبئة الفلاحين. وهي ثورة اعتمدت الأساليب السياسية والاحتجاجات والاضطرابات عكس الثورات الأخرى التي اعتمدت السلاح في مجابهة أعدائها. ثم إنها ثورة اتخذت الإسلام آيديولوجية ثورية، وإن الواجب الثوري يتم بالعودة إلى الإسلام وإنها تمت بقيادة وتخطيط علماء الإسلام. وإن الثورات تضمنت عوامل خارجية تساعد أو تواجه هذه الثورة أو سبب تدخل خارجي في شؤون البلاد. وإن الثورة الإسلامية لم تتلق المساعدات من جهة أو دول خارجية كما إن إيران لم تكن تحت وطأة الاحتلال الأجنبي رغم أن النفوذ الأميركي بلغ الأوج.

ولو تتبعنا أعمدة السياسة الخارجية للثورة خلال الفترة الماضية نلاحظ:

1ـ معاداة الوجود الغربي المتمثل بالولايات المتحدة ونبذ التحالفات التي كانت تربط طهران بواشنطن، فقد خرجت إيران مباشرة من حلف السنتو (حلف بغداد سابقاً).

2ـ معاداة الكيان الصهيوني ودعم الثورة الفلسطينية. واعتبر الإمام الخميني مساندة الفلسطينيين واجب ديني وسياسي.

3ـ معاداة الشيوعية وتوجيه الانتقاد للاتحاد السوفياتي، ويعود السبب في ذلك إلى العداء التاريخي بين إيران وروسيا وإلى اضطهاد المسلمين السوفياتي الذي تربطهم الروابط القوية بإيران. وإن هذا الموقف هو تأكيد لشعار (لا شرقية ولا غربية).

والخطوط العريضة لهذه السياسة تعتمد على منهجية سياسية وعقائدية مهمة وهي:

1ـ الآيديولوجية العالمية التي تنبذ القومية والوطنية منهجاً في السياسة الخارجية وتتبع بدلاً من ذلك نهج العالمية الذي يدعو الإسلام إليه ويبشر به.

2ـ الثورة الثقافية في إيران للقضاء على التأثير الغربي وإزالة الآثار الاقتصادية والثقافية الغربية، ولا يعني ذلك عدم الاهتمام بالتكنولوجيا الغربية وإنما التأكيد على الاعتماد على الذات والتقشف[13].

وقد أكد الإمام الخميني على هذين المفهومين، وأكد كذلك على محاربة القيم الغربية في الاستهلاك والحياة الفارهة باعتبارها قيما تتنافى مع التعاليم الإسلامية والقيم الأخلاقية للشعب الإيراني. وقد خلف الإمام بثورته واقعاً دولياً جديداً وغير مجرى الأحداث المحلية. وربما يكون عقد السنوات الماضية مهلة زمنية قصيرة تعوق دون وضع تقييم كلي شامل لمكانة الثورة وقائدها في التاريخ وهو الأمر الذي سيعالجه المؤرخون تفصيلاً فيما سيأتي من الزمن.

---------------------------

[1]  Weinderger, Caspar: Fighinh for Peace, Micheal Joseph,

[2]  المصدر السابق، صفحة 272ـ302

[3]  House, Karen Elliot: U.S. Error: a Match in Match of Persian Gulf Bonfire, The Wall Straat Jaurnal, 5, 1988.

[4]  صحيفة (كمسمو لسكايا برافد في 6/5/1988 عن وكالة الأنباء الكويتية (كونا) 6/5/1988.

[5]  تصريحات الملك حسين لكل من صحيفة "الرأي العام" الكويتية و"صوت الشعب" الأردنية و"صنداي تلغراف" البريطانية كما نشرتها وكالة (كونا) في 6/9/1987.

[6]  Geyelin, Philip: When Iraq Speaks Up For Israel, International Herald Tribune, May 20, 1985.

[7]  راجع وكالة الأنباء الفرنسية (أ.ف.ب) على التوالي، الخبر 135 في 19/11/1987 والخبر 92 في 17/11/1987 والخبر 2و4 في 20/11/1987.

[8] The Times, The Precepts of Islam, Feb.16,1987.

[9]  Van England, Claude, Iran: The Revolution Pits Children against their Parents, The Christian Science Monitor, Sept 28- Oct. 4, 1987.

[10]  Siddique, Haroon, Many Muslems Like Ayatollah Khomeini's Causes, International Herald Tribune, Sept. 1984.

[11]  Hunter, Shireen T., Iran and the Spread of Revolutionary Islam. Thrid World Quartery, Vol.10 No.2 P.730 – 749, April 1988.

[12]  Pfaff, William, Iran's Islamic Revival Has to Be Lived With, International Herald Tribune, July 30, 1987.

[13] Halliday, Fred, Iranian Foreign Policy since 1979. In: Shi'ism and Social Protest. by Juan R.I. Cole and Nikki R. Keddie (eds), Yale University Press, New Haven and London, 1986. P.86 – 107