ذكرى رحيل

2007-08-23

حسين جاسم الدبيسي

بمناسبة ذكرى رحيل الإمام الخميني إليكم هذه النظرة الخاطفة على بعض جوانب شخصيته .

حينما يقرأ أحدنا سيرة أحد العظماء كالأنبياء والقادة الكبار والعلماء والمفكرين فلربما تمنى أن لو كان من معاصريه ولسرعان ما يتبادر إلى ذهنه بعض الأسئلة من قبيل كيف كان يبدو هذا العظيم في نظر معاصريه؟0 فمثلا كيف كان الناس في الكوفة ينظرون إلى الإمام علي عليه السلام؟ هل كانوا يُقدرون عظمته حق قدرها؟ هل كانوا يقرأونه القراءة الصحيحة؟0

لو قُدِرَ لأحدنا ـ نحن من نحيا في هذا العصرـ أن كان من معاصري الإمام علي أكانت نظرته وتقيمه للإمام مختلفة عن ما كان عليه الناس آنذاك؟

هذه الأسئلة وغيرها تقود إلى نظائرها اليوم0 الشخصيات التأريخية الكبيرة من طراز الإمام الخميني لا يجود بها الزمان على الدوام إنما هي تأتي في محطات متباعدة على المسار التأريخي للبشرية0 لذا يمكن القول أننا ـ من عاصر الإمام الخميني ـ من المحظوظين إذ لا يتسنى لكل الناس فرصة معاصرة عظيم0

إن العظيم يمنح الحياة نكهة خاصة ومذاق لا يماثله أي مذاق آخر0

الإمام الخميني يُعَدُ واحدا من أعظم الشخصيات التأريخية التي أنجبتها ايران منذ فجر تأريخها العريق أي ما يزيد على ثلاثة ألاف سنة إلى اليوم إن لم يكن أعظمها على الإطلاق على الرغم من كثرة الشخصيات التأريخية التي أنجبتها ايران حيث تُعَدُ واحدة من أكثر بلدان العالم ثراءًا في هذا الشأن0 وهو واحد من أعظم شخصيات الشيعة عبر التأريخ على الإطلاق أيضا0 وعند المؤرخين المعاصرين يُعَدُ الإمام الخميني واحد من أعاظم شخصيات العالم في القرن العشرين مع كثرة الشخصيات البارزة في هذا القرن من قادة وعلماء وساسة وأدباء وفنانين وفلاسفة ومفكرين0 وإعتبرته إحدى المؤسسات التأريخية المعاصرة أنه واحد من أعظم عشرين شخصية على مستوى العالم في القرن العشري.

أن عظمة الإمام الخميني تَتجلى في مقدار التغيِير الذي أحدثه في حياة المسلمين بصفة عامة وفي حياة الشيعة على الخصوص0 فالشيعة بعد ظهور الإمام الخميني غير الشيعة قبله0 وهذا التغيِير الذي أحدثه في واقع الشيعة يُمثلَُ إنعطافة تأريخية كبيرة ومفصلية أسَست لعهد جديد بمعالم شيعية جديدة تختلف إختلافا جذريا عن ما كان عليه الحال من قبلُ . كذالك شمل التغيِير الكبير الذي أحدثه الإمام الخميني تأريخ ايران وتأريخ المنطقة ككل0

ما الذي جعل الإمام الخميني عظيما بإمتياز؟ أهو إنجاز علمي أم سياسي؟ لا ذا ولا ذاك بل هو إنجاز يتسعُ لهما جميعا دون الإقتصار عليهما0 بل هو إنجاز حضاري حيث جعل الفرد المسلم والشيعي بالأخص يتعرف على هويته الحضارية فيبادر إلى شغل موقعه الذي سُلِبَ منه لقرون طويلة من ساحة الحراك الإجتماعي0 قرأ فيه الشيعي الايراني خارطة وجوده كما قرأها فيه أيضا الشيعي في أفغانستان ولبنان وفي كل صقع من أصقاع العالم حيث كانت هناك أذن واعية وقلب يقظ متطلع إلى الحرية والكرامة والشوق لصناعة المجد وللإلتحاق بركب البطولة والعزة والشموخ0

وحد الرؤية في عالم متنوع اللغات ومتباعد الأماكن ومختلف المشارب0 توحد فيه الشيعي البسيط مع ذالك المفكر الكبير الشهيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) فرأى فيه الجميع تجسيدا لآمالهم و تَطلعاتهم0 كانت وجوههم تَتهلل فرحا وإشراقا كلما رأوا التقدم الذي يحرزه نحو هدفه وكانت تكفهر منهم الوجوه إنهم شعروا أو توجسوا خوفا على نهضته من عارض ما0 تنظر له أعينهم فلا ترى غيره وتطرب له أفئدتهم كحال عطشان في قائظ الصيف وجد الماء بعد عناء0 فتحركت فيهم العزائم التي كانت خاملة وإنقشعت عنهم سحب الدعة المتراكمة لقرون0 فإهتز كيانهم كإهتزاز عصاة موسى فإذا هي حية تسعى فإذا هم بركان من الثورة يتفجر في ايران وأفغانستان ولبنان وأماكن أخرى0 لقد لمس فيه الكثير من الناس من مختلف النحل والبلدان البرهان الجلي على قدرة الإنسان على التغيِير فإشرأبت نحوه الأعناق.

وبدأ وهج ثورته يُفَتِّحُ عيونا كانت مغمضة ويُنْطِقُ ألسنًا كانت خرساء فأوجس منه الظالمون خيفة فتواصوا به شرًا وائتمروا به سرًا وجهرًا0 فكادوا ثورته كيدًا فأشعلوا عليها الحرب ليطفؤا نورها وليخمدوا جذوتها0 وسُخِرتْ لأجل ذالك المنابر والأقلام و أتوا بكل سحر عظيم من التضليل والإرجاف تخويفا وتهويلا لكي لا يتسعَ التغيِير.

ليس من العقل في شيئ أن تُرْفَضَ فكرةٌ جيدة لأنها أتت من خارج الوطن أكان من شرق الأرض أم من غربها فالحكمة ضالة المؤمن هو أولى بها أنى وجدها لكن الغريب في الأمر أن الرفض البات كان هو الأساس الذي أُعْتُمِدَ في التعاطي مع فكر الإمام الخميني0 فأُلْبِسَ على الناس الأمر لكي لا يفهموه الفهم السليم فرماه المستبدون بالطائفية و الكفر والعدوان والعمالة وبكل ما في إناءهم اللغوي القذر من أوصاف لكي يتم لهم التسيد على المجتمع والإستئثار بالسلطة الحرام0 فما كان صدام إلا مختطف للعراق يسوم أهله أنواع البلاء0

لم يكن من الحكمة ما كان من العالمِ العربي من تصعير خدِهِ لحركة الإمام الخميني ونهضته وإستقبالها بالعداوة أما كان الأجدر أن ينتفعوا مما قدمت بما يُناسبُ الحال و يتلاءم مع الواقع0 أليس من الحكمة تفهم الجديد قبل رفضه لكن أنى للأعمى أن ينتفعَ من المرءآة0  

لقد كان الهم الشاغل للإمام الخميني كيف يمكن إنتشال الأمة الإسلامية من واقعها السيئ والذليل بما لا يتلاءم مع إنتسابها إلى الإسلام العظيم و الرسول الكريم محمد 0 فكيف تنام عينُ غيور محب للإسلام ولرسول الإسلام على واقع يلحق الإساءة بالإسلام ورسوله0 فهل من اللائق أن تنسب أمة بائسة ذليلة وتابعة فيقال عن هذه الأمة البائسة الذليلة هذه هي أمة محمد بن عبد الله(ص). لقد كان ذالك الأمر مما يُفتِتُ القلب ويدمي المقلة فنهض لكي يرمى بتلك السبة بعيدا عن الإسلام ورسوله0 وفي الختام أسأل الله العلي القدير أن يُلهِمَ الأمة الإسلامية سبيل رشدها وأن يقيض لها من القادة الصالحين من يأخذ بيدها إلى حيث يجب أن تكون0

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته0