الارتباط بالسبب الحقيقي للقوة في حركة الإمام الخميني

 

2008-06-18

 

مقابلة مع الشيخ حسين كوراني

أجرى المقابلة: موسى حسين صفوان

 

".. كان الإمام يقف بعد إقامته صلاتي المغرب والعشاء في ساحة البيت مستقبلاً القبلة وهو يشير بإصبعه باتجاهها ويتلو على مدى حدود خمس دقائق دعاءً بصوت خافت، وقد سمعت من أحد الثقات أن الذكر الذي يردّده في هذه الفترة هو: "تحصنت بدار سقفها لا إله إلا الله، وسورها محمد رسول الله، وبابها عليٌّ وليُّ الله، وأركانها لا حول ولا قوة إلا بالله"(1). "من الأمور التي كان الإمام يوصيني بها في الأيام الأخيرة من حياته المباركة تلاوة دعاء العهد، وكان يقول: اجتهدي في تلاوة هذا الدعاء في الصباح فهو مؤثر في مصير وعاقبة الإنسان"(2).‏

بهذه الكلمات، فسَّر سماحة العلاّمة الشيخ حسين كوراني خط الإمام الخميني (رضوان الله عليه) في مجال الارتباط بالسبب الحقيقي للقوة، والذي تجلى بتلك الانجازات العظيمة التي تحققت ببركات الإمام (رض) ومن أجل الاستفادة من تلك النفحات النورانية قصدنا سماحة الشيخ لنطرح عليه باقة من الأسئلة في هذا المجال، لتكون مدرسة يستفيد منها الشباب السائر في خط الإمام (رض).‏

* حقق الله (سبحانه وتعالى) منجزات تاريخية باهرة على يد الإمام الخميني، فما هو السبب الحقيقي للقوة الذي اعتمد عليه الإمام (رضوان الله عليه)؟‏

ـ لا شك أن عبد الله المسدد الإمام الخميني (رضي الله تعالى عنه) كما كان يحلو للشهيد الشيخ راغب حرب أن يعبر عنه، شكّل ظاهرة فريدة في أوساط أتباع المعصومين عبر القرون، وقد شكلت الانجازات التي حققها تجلياً للارتباط بمصدر القوة الحقيقي سبحانه وتعالى.‏

و رغم أن كلاً من هذه الانجازات المتعددة هو انجاز نوعي عظيم، إلا أنها مترابطة، وتتفرع جميعها على انجاز حقيقي، هوالذي وفق له عبد الله المسدّد أبو مصطفى (رضوان الله عليه) في باب العلاقة بالله سبحانه وتعالى، في ميدان النفس، على قاعدة: ميدانكم الأول أنفسكم فإن قدرتم عليها كنتم على غيرها أقدر وإن عجزتم عنها كنتم عن غيرها أعجز.‏

لقد حقق الإمام (رضوان الله عليه) في ميدان النفس، العبودية لله تعالى، بفرادة خمينية، والعبودية جوهرة كنهها الربوبوية.‏

انقطع الإمام إلى عبادة الله عزَّ وجلَّ من الباب الذي أمر به سبحانه، وهو باب المصطفى الحبيب، الذي هو باب أهل البيت عليهم السلام. والمتصل بالمتصل متصل حتماً. اتصل بالسبب الحقيقي للقوة فتفجرت ينابيع هذا الانجاز على يديه الإمام الخميني (رضوان الله عليه) مصداق قوله تعالى: ولتصنع على عيني‏

* ما هي المنابع الفكرية والثقافية للإمام (رضوان الله عليه) والتي يفترض أنها بلورت فيه بذرة الارتباط الاختياري بالسبب الحقيقي.‏

ـ عندما يكون السؤال عن المنابع الفكرية والثقافية التي تركت أثرها في شخصية الإمام، فمن الطبيعي أن يكون الجواب حول البيئة والوسط الذي عاش فيه الإمام، وبالخصوص حول المفردات التي تشملها البيئة.‏

إذاً، من الطبيعي أن يكون الكلام عن الأسرة والبيت الذي عاش فيه الإمام (رض)، وعن المدرسة والمسجد والحسينية والنمط الثقافي السائد بما هي مفردات المناخ الثقافي العام.‏

أما البيئة فهي منطقة يزد في إيران حيث نجد أن المكونات الثقافية العامة لها في تلك الفترة تشترك مع بيئة سائر المناطق الإيرانية في باب الأصالة والمحافظة على الثوابت العقائدية والشرعية.‏

كانت الأسرة تعيش في هذه البيئة، وقد كتب كثيراً عن والد الإمام (رض) والأسرة التي نشأ فيها، كما أمكن لكل من يعرف الإمام أن يرصد خصائص تلك الأسرة في شخصيته (رضوان الله عليه).‏

وأما المناخ الثقافي العام، فهو المناخ الثقافي القائم على الفكر والثقافة القرآنيين، وعلى حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام.‏

إن الفارق كبيرجداً بين ما هو السائد الآن، وبين ما كان سائداً آن ذاك، ولم يكن خاصاً بإيران وحدها ـ وبالإضافة إلى ذلك كانت لإيران مميزاتها في التربية القرآنية التي ينبغي التنبه إليها في رسم المناخ الثقافي في إيران يومها.‏

نحن نتكلم عن مرحلة زمنية هي ماقبل إسقاط الكيان السياسي العام الذي كان قائماً باسم الإسلام.‏

من ترعرع وعاش في تلك المرحلة تنفس ولو لفترة في أجواء وحدة العالم الإسلامي، ومن الطبيعي أن يكون هذا العامل البيئي حاضراً في أبعاد ثقافته وفي تربيته.‏

في تلك المرحلة كانت الأصالة في الأمة تختلف جذرياً عن الأصالة التي حافظت الأمة عليها بعد إسقاط الكيان السياسي، وتمزق العالم الإسلامي.‏

بعد هذا التمزق نجد أنه تكثر في الأمة النماذج التي تعاملت مع الإسلام بنظرة تجزيئية. كانوا يرون تصاعد الغزو الثقافي ضد الثقافة الإسلامية فيلجأون عن حسن نية إلى الرد، ولكنهم يقعون في التجزئة. يركزون على مفردات طرحها المستعمر ليثبتوا أنها موجودة عندنا وبشكل أفضل. حقوق المرأة. العامل. حقوق الإنسان عموماً. العدالة الإجتماعية. الخ.‏

كان المناخ الثقافي للبيئة التي عاشها الإمام مختلفاً عن هذه التجزئة وردات فعلها.‏

لذلك لابد من إدخال هذا العامل البيئي في البحث عن تكون ثقافة الإمام.‏

كان الجو العام لهذه البيئة جو " إقامة الصلاة" كتاباً موقوتاً. وعمود الدين.‏

لقد كان السائد في العالم الإسلامي ارتباط الصغار بكتاب الله عزَّ وجلَّ منذ السنوات الأولى حيث يبدأ الأطفال بالتعلم فإنهم ينفتحون على كتاب الله تعالى من خلال الكتاتيب، أو الدراسة عند " الشيخ" الذي كان يقصد به " معلم القرآن". يضاف إلى ذلك علاقة خاصة بالمسجد ومجالس الدعاء ومناسبات المعصومين عليهم السلام، مما يجعل الصغير يتربى في أجواء القرآن والعترة، وهي الأجواء المحمدية الأصيلة: كتاب الله وعترتي.‏

عاش الإمام في مناخ ثقافي عام قائم على العلاقة بالقرآن الكريم والعترة الطاهرة، ولذلك فنحن مدعوون إلى الإصغاءلسيرته وتوجيهاته، ويتوقف ذلك على إدراك أن البعد الأهم في خط الإمام الخميني هو البعد الثقافي والفكري. البعد العقائدي.‏

وهنا ملاحظات نستفيدها من شخصية الإمام :‏

1- أن الإمام نشأ وترعرع في مرحلة وحدة العالم الإسلامي، أي قبل إسقاط الكيان السياسي الذي كان باسم الإسلام، وعليه فقد كانت أصالة الأمة آنذاك مختلفة جذرياً عما ساد بعد ذلك.‏

2- فداحة خسارتنا الثقافية الناتجة عن التخطيط للتربية والتعليم بعيداً عن القرآن الكريم والحديث الشريف والعلاقة المركزية بالمعصومين عليهم السلام، أو التحطيط على أساس أن القرآن الكريم مادة من المواد، وغالباً لاتكون مادة رئيسة.‏

3- إلى أن يتم إصلاح مناهجنا التعليمية والتربوية، فلا أقل من تربية أبنائنا على العلاقة اليومية بالقرآن الكريم واستحباب قراءة مائة آية يومياً(4) قد تكون عبارة عن قراءة سورة التوحيد مثلاً عشرين مرة يومياً، ولو متفرقة وغير متتالية.‏

إن راوايات الحث على العلاقة اليومية بالقرآن الكريم والعلاقة بالحديث الشريف حديث رسول الله وحديث أهل البيت صلى الله عليه وعليهم، تدخل في تعزيز الأساس الثقافي للمسلم، لتبنى هذه الثقافة على أساس الحق والحقيقة.‏

* هناك عوامل ذاتية أظهرت فرادة الإمام الخميني رضوان الله عليه، فكيف ترجم الإمام رضوان الله عليه هذه الفرادة في سلوكه؟‏

بالإضافة إلى المعلومات التي يمكن الحصول عليها حول الإمام في المراحل المختلفة، نستطيع أن نرصد مفردات الجواب على هذا السؤال من خلال كلمات الإمام.‏

مثلاً عندما يتحدث عن الشباب وأن الشباب أغلى كنوز الأمة وعظيم بركات مرحلة الشباب في بناء النفس، نستطيع أن نرصد أهمية مرحلة الشباب في عمر الإمام، وهكذا.‏

على هذا الأساس:" رصد مفردات الجواب في كلمات الإمام" نستطيع أن نلخص الأسس التي اعتمدها الإمام رضوان الله عليه في سلوكه بما يلي:‏

أولاً: اليقين بالغيب وهو موضوع عبر الإمام عن نقيضه بتعبيرين: إنكار المقامات. وإنكار المعنى والمعنوية.‏

ويعتبر الإمام أن اليقين بالغيب، أي عدم إنكارالمقامات، و{عالم المعنى} يمثل الخطوة الأولى التي تؤدي إلى مراتب إيمانية عالية. وإذا لم يتخلص الإنسان من مرض الإنكارهذا فلن يمكنه التقدم إطلاقاً، وبالتالي لا يستطيع أن يصل إلى الله، وقد ظل الإمام في مختلف مراحل عمره الشريف يؤكد على خطورة إنكار المقامات، وهو مرض خطير يتماهى مع ضعف الإيمان بالغيب، أو فقل الإنكار العملي للغيب، رغم توهم الإعتقاد النظري به.‏

ثانياً: مواصلة العبادة، أي مواصلة الإمام العملية للعبادة انطلاقاً من ثقافة الأحكام الخمسة التي تعني أن المستحب مستحب وأن المكروه مكروه، وعدم الاقتصار على ثقافة الحكمين في أحسن الحالات ( فعل الواجب، وترك الحرام). وهو أمر نرصده في سيرة الإمام في كل مراحل عمره الشريف.‏

ينقل أن مدعي عام الثورة الإسلاميةأية الله الشهيد الشيخ قدوسي، أراد مراجعة الإمام حول شأن عام فقيل له أن ينتظر، لأن الإمام مشغول الآن بقراءة زيارة عاشوراء. إلى غير ذلم من المفردات الكثيرة التي أصبحت متداولة.‏

وهذا يعني أن الإمام الذي حدد موقفه من عالم المعنى والمعنويات، وواصل العبادة، كان من مدرسة العمل أكثر من القول.‏

ثالثاً: أن منهج الإمام يتميز بفهم خاص للقلب والحياة وهو هذا الفهم الذي نجد أنفسنا أمامه وجهاً لوجه عندما نتأمل القرآن الكريم والحديث الشريف، بمعنى أن يرابط الإنسان على ثغر قلبه، ويراقب كل صغية وكبيرة، و يعتبر أن لهذا القلب شأناً كبيراً، فهو حرم الله (عزَّ وجلَّ) فلا تسكن في حرم الله غيرالله" كما في الحديث الشريف.‏

رابعاً: الجَلَد، وعدم التراجع عن مواصلة العبادة. المواظبة على العبادة. الجد في خشية الله تعالى، والسفر الدائم وفق البرنامج العملي الذي تحده الأيات والروايات، في باب الذكر والدعاء والزيارة والصلوات المستحبة.‏

ليست هذه الأعمال العبادية التي تتوزع على كل أوقات السنة ثانوية ولاهامشية، فضلاً عن أن تُحيَّد أو تشطب، بذريعة" الوعي" أو أنها" ليست واجبة".‏

خامساً: الدافع الإلهي، أي أن تكون الاعمال كلها" قربة إلى الله " فالميزان في الأعمال هو الدوافع. إذاكان الدافع (الذي دفع) للإهتمام بهذا العمل دافعاً إلهيا قربة إلى الله يكون الفعل إلهياً، وإلا فلا.‏

المقياس هو ماينتج عن مراقبة القلب بشكل دائم، فلا يحل فيه إلا مايرضي الله سبحانه وتعالى.‏

*ما هو السر الذي جعل الإمام يصل إلى ماوصل إليه باعتماد هذه الأسس، رغم أن غيره من العلماء اعتمدها أيضاً؟‏

- السر هو في مرتبة الإرادة التي تنشأ من اللهيب الباطني، والذي ينشأ بدوره من درجة اليقين. ما أكثر المسلمين وما أقل المؤمنين وأقل منهم الموقنون. واليقين درجات، وفي الرواية: ماقسم في الناس بشيء أقل من اليقين.‏

تجد أن الإمام الخميني كان يزأر في ميادين العبادة وجهاد النفس بقوة تفوق بكثير زئيره في ميادين السياسة والجهاد الأصغر.‏

* كيف تمكن الإمام من توجيه الأمة والناس إلى الارتباط بالسبب الحقيقي، وكيف ثمّر هذا الارتباط من خلال الثورة التي أنجزها؟‏

ـ اعتمد الإمام (رض) العمل المسجدي: المساجد متراس، فاملأوا متاريسكم.‏

لايصال روحه إلى الأمّة لم يعتمد الإمام الخميني الثقافة الحزبية بالمعنى السائد في العالم، وإنما اعتمد الثقافة المسجدية، التي تعني أن باب المسجد مفتوح لكل موحد، وأن البناء الإيماني لأفراد الأمة يجب أن يكون مرتبطاً بالأساس المركزي الأول للثقافة الإسلامية القرآن الكريم والحديث الشريف، وهذا بدوره يعني أن تكون الرسالة العملية والمفاهيم الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم والحديث الشريف مادة التثقيف، في إطار عمل تبليغي يستند إلى نظام المرجعية وأئمة الجمعة والجماعة وخطباء المنبر الحسيني وسائر الدعاة.‏

ينبغي التنبه إلى الفارق الجوهري بين بناء "الكادر" وبين بناء الشخصية المؤمنة لتنشأ في مناخ ثقافي سليم.‏

ركز الإمام (رض) على تهذيب النفس بمقدار ما هو تهذيب النفس مركزي في الإسلام.‏

كان اهتمام الإمام بوجود أمثال الشهداء دستغيب ومطهري ومدني وبهشتي وأشرفي أصفهاني وأمثالهم، باعتبار أن عملهم المسجدي والتبليغي هو عملية تثقيف الأمة وتوعيتها.‏

* كيف تمكن الإمام (رض) من تظهير رؤيته العرفانية متجاوزاً القوالب العرفانية والمعرفية؟‏

ـ هناك أسباب ساعدت على ذلك:‏

*الأول هو أن الإمام (رض)- الذي يعتبر أن المقياس في الأعمال هو الدافع الإلهي- أحب الله تعالى فحبب الله عزَّ وجلَّ الناس به.‏

ونستطيع أن نفهم حجم هذا الحب العارم للإمام الخميني (رض) في أربع رياح الأرض، إن الناس أحبوا الإمام لأنهم وجدوا فيه الترجمة العملية والتجلي الحقيقي والعملي لثقافتهم الإسلامية التي فهموها من القرآن الكريم والحديث الشريف، ولأن الأنس بالله تعالى هو أساس هذه الظاهرة الخمينية، فإن الله سبحانه حبب الناس به.‏

* الثاني: هو أن الإمام تكلم مع الناس بما هو ملتزم به، وما خرج من القلب دخل القلب.‏

* الثالث: هو أن الإمام لم يهمل أي شريحة من شرائح المجتمع. في باب الخطاب الدعوي التبليغي، صلى الإمام بصلاة أضعفهم. تكلم مع (النخبة) بالمعنى السائد، فكتب كتابات تخصصية جداً،وركز على عموم الناس، وهم النخبة عند الإمام وعلمائنا عموماً،لأن العوام هم أهل الذنوب، و الخواص هم أهل الطاعات.‏

* لقد حقق الإمام (رض) إنجازاً عالمياً، وقفزة هامة باتجاه الثقافة العرفانية، فهل نستطيع تلمس ذلك؟‏

ـ أولاً: أرى من الواجب أن ألفت إلى أننا لا ندافع عن مصطلح (عرفان) لأن فكر الإمام (رض) صريح في أن العرفان الحق قل وجوده في الدنيا، المحور عند الإمام (رض) وغيره من علمائنا الأبرار هو الالتزام بالحكم الشرعي، بمعنى أن الثقافة الإسلامية هي ثقافة حدود الله تعالى،ثقافة القانون الإلهي، ثقافة الرسالة العملية،والذي يريد أن يبني نفسه فعليه أن يتفقه في الدين ويعمل بهذه الأحكام الشرعية فيكون عارفاً بنسبة أو بأخرى.‏

إذاً، للعرفان عند الإمام مقياس وهو الإلتزام بالحكم الشرعي. بمقدار الالتزام بالأحكام الشرعية بدقة يكون عرفان الشخص.‏

ولأن المحور هو الأحكام الشرعية ولأن العرفان غير الحق كثير، كما يقول الإمام، إذاً نحن لسنا مضطرين أن نتبنى العرفان والدفاع عن العرفان كعرفان، كما أنه لا يصح لنا أن نحارب العرفان.‏

من جانب آخر، فقد حقق الإمام الخميني انجازاً على مستوى العالم، وهذا الكلام دقيق، بل أن هذا العصر هو عصر الإمام الخميني بامتياز، ولم تتحرك أمريكا باتجاه أفغانستان إلا للرد على الإمام (رض) ولم يقرر التحالف الدولي أن يرسل حوالي 180 ألف جندي في العراق إلا للرد على الإمام (رض)، ولا يخشى الشيطان الأكبر والغدة السرطانية من العلاقة بين حماس والجهاد والجمهورية الإسلامية إلا لأنهم يدركون أن هذه العلاقة تشكل خطراً وجودياً عليهم.‏

والأمر الذي ينبغي التنبه له هو أن الانجازات الكبيرة التي وفق لها عبد الله المسدد، الخميني (رض) تلقي بمسؤولية كبيرة على عاتق كل من يعيش بهذا العصر الخميني، وأبرز تجليات هذه المسؤوليات، هو الالتزام الدقيق بخط الإمام (رض)، وعدم تسييس العلاقة بالإمام، بمعنى أن ننظر إليه كقائد سياسي أو جهادي فقط، وننسى أن اللهيب الباطني للإمام وعلاقته بالله (عزَّ وجلَّ) وحبه للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، وآل بيته (عليهم السلام) هو الأساس.‏

إن تسييس العلاقة بالإمام يجعلنا ننتقي من نصوص الإمام ما يحلو لنا فنقع في مرض أن تعرض من فكر الإمام ما ينسجم مع روح العصر، أي نجعل الإمام يعاصرنا بدل أن نعاصر نحن الإمام وطرحه، ونعيش مع الأهداف التي ركز عليها، نطرح نحن تصوراً ونأخذ من كلام الإمام ما يؤيده.‏

* كيف استطاع هذا الارتباط بالسبب الحقيقي للقوة أن يخلّص الفرد والجماعة من الارتهان للقوى الوهمية؟‏

ـ أتذكر عندما كنت استمع إلى كلام الإمام – وغالباً في التلفزيون- كنت أتأمل قسمات وجهه بشكل خاص، عندما يصل إلى الحديث عن أمريكا، لأنني كنت ألحظ أنه يتكلم عن موجود لا يكترث به على الاطلاق، ولا يقيم له أي وزن، ولا يعبأ به اطلاقاً.‏

كنت أطيل التأمل قي قسمات وجه الإمام، وكنت أبحث عن سر هذا الاحساس الذي يعيشه الإمام عندما يتحدث عن أمريكا، وقد وجدت الجواب على هذا التساؤل عندما قرأت بياناً للإمام ضد الشاه، أصدره من قم قبل أن يسيره الأخير إلى تركيا.‏

كان الشاه قد قال: "علماء قم لا يفهمونني" فأجابه الإمام (رض): "نحن لا نستطيع أن نفهمك، لأن للإنسان صورة حقيقية غير الصورة الظاهرية، فإذا غلبت على الإنسان الصورة البهيمية، تصبح صورته الحقيقية صورة بهيمية، وإذا غلبت على الإنسان السبعية، تصبح صورته الحقيقية صورة حيوان مفترس، وإذا غلبت على الإنسان حقيقة الشيطنة تصبح صورته الحقيقية، الشيطان، وإذا غلبت على الإنسان جميع هذه السلبيات فتصبح صورته مختلطة متشكلة من جميع هذه الأمور العجيبة، فلا يمكن لأحد أن يفهمها على الاطلاق، ولذلك نحن لا نفهمك أيها الشاه".‏

أحببت الجواب بهذا لأن الإمام (رض) عندما يتكلم عن أمريكا، أو عن الغدة السرطانية، يتكلم عمن قال فيهم تعالى: {إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً} (الفرقان: 44)، فهو لا يرى فيهم (أي الإدارة الأمريكية) إنساناً ينبغي أن يحترم، إنما يرى أنهم طبعوا بحسب أعمالهم وصورهم الحقيقية التي هي نتيجة أعمالهم.‏

طبعاً هذا الفهم للكفر والكافرين، هو فهم للقوى الوهمية ينشأ من الارتباط بمصدر القوة الحقيقي، وهو الله سبحانه وتعالى: "ذلك بأن الله هو الحق..." (الحج: 62).‏

ويجب التبه بامتيازإلى أننا لن نحافظ على العزة الناتجة من الارتباط بالسبب الحقيقي، إلا إذا التزمنا قاعدة: "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور" (الحج: 41).‏

وهنا ندرك أهمية مايلي،‏

1-أن تعمم ثقافة الإمام الخميني، ثقافة شهداء المقاومة الإسلامية لتكون هي الثقافة المتبناة بعد كل هذه الانتصارات المحيدة، كما كانت في مرحلة العمل لتحقيق هذه الانتصارات.‏

2- أن نتنبه إلى فداحة الخسارة الناجمة عن غلبة اللهو المحفوف بالحرام، فضلاً عن الحرام وتأثير ذلك على مناخ التربية والإعداد في مرحلة ما بعد الانتصار‏

إن هذا المناخ موبوء بكل الخلايا السرطانية للمرض الثقافي الخبيث: "الغزو الثقافي".‏

3- أن ثقافة شهداء المقاومة الإسلامية أدام الله تعالى عزها، هي هذه الثقافة الخمينية المستمدة من القرآن الكريم والحديث الشريف، وأن هذه الانتصارات تحققت بفضل هذه الثقافة التي تتلخص في أن العلاقة بالله (عزَّ وجلَّ) من خلال الحرص على حدوده (سبحانه وتعالى).‏

يجب العمل ليكون المناخ الثقافي الآن استمراراً لمناخ شهداء المقاومة الإسلامية ومجاهديها وهومناخ نشأة الإمام (رض) والحمد لله رب العالمين.‏

 

ـــــــــــــ

 

(1) قبسات من سيرة الإمام الخميني (قده) (الحالات العبادية والمعنوية)، ص107، نقلاً عن حجة الإسلام والمسلمين، الأشتياني، مجلة باسدار إسلام.‏

(2) المصدر نفسه، ص54، نقلاً عن السيدة فاطمة الطباطبائي (زوجة ولده السيد أحمد)، صحيفة اطلاعات، ح1/3/1369هـ.ش.

(3) راجع: الشيخ الطوسي: مصباح المتهجد، ص114.