أستلهامات من وصية الإمام الخميني

2008-06-19

المكان: طهران. مرقد الإمام الخميني

الحضور: مئات الآلاف من عشاق الإمام الراحل

المناسبة: الذكرى التاسعة عسر لرحيل الإمام الخميني (رضوان الله عليه)

الزمان: 28/5/1429هـ.ق. 14/3/1387ش.ق 3/6/2008م.

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيما بقية الله في الأرضين.

منذ تسع عشرة سنة والشعب الإيراني يحوّل الزمان والمكان في مثل هذه المناسبة مظهراً لحب إمامنا الجليل ومودته. معظم شعبنا شباب لم يدركوا عهد الحياة الثورة للإمام الكبير؛ إما ولدوا بعد وفاة ذلك العظيم، أو كانوا خلال العشرة أعوام الأخيرة من حياته المباركة أولاداً و بناتٍ صغاراً؛ لكن هؤلاء الشباب المؤمنين الوضّائين أنفسهم ومن كافة أنحاء البلاد يعشقون الإمام وذكراه واسمه وكأنهم صحبوه وعايشوه. كما نقرأ في دعاء السمات: «آمنا به ولم نره صدقاً وعدلاً».. إيمان خالص طاهر من دون أن يدركوا حياة ذلك العظيم وصحبته. وهذا شيء لا ينفرد به شعبنا، فثمة مثل هذه المشاعر تجاه الإمام الجليل في كثير من مناطق العالم والبلدان الإسلامية. وهذا وليد عاملين مهمين:

أحدهما: عظمة الإمام والأبعاد المختلفة لشخصيته وهي شخصية استثنائية في عصرنا بل في كل العصور القريبة منا.

وثانيهما: عظمة هذه الثورة التي حقّقها الإمام الكبير بإيمانه، وتدبيره، وإرادته، وعزمه الراسخ في هذه البرهة من الزمن. تفجير الثورة الإسلامية وتأسيس نظام الجمهورية الإسلامية. وعظمة هذه الثورة بدورها تشير إلى عظمة إمامنا الجليل. كانت هذه الثورة معجزة إلهية.

في حين ظل أعداء الإسلام والأمة الإسلامية يعملون ويبثّون دعاياتهم ضد الإسلام وضد رجال الدين لمائة عام تقريباً، وفي حين قدّم نظام تابع حَكَم هذا البلد لمدة خمسين سنة مصالح الشعب الإيراني قرباناً للأعداء والأجانب و جعل البلد تابعاً لهم تماماً - النظام البهلوي - ثار الإمام الكبير رافعاً راية الإسلام وراية مناهضة الهيمنة في هذه البلاد وبلغ بهذا العمل الكبير طور النجاح. الثورة الإسلامية تختلف عن الثورات الأخرى. إنها ليست ثورة معنوية وثقافية صرفة، ولا ثورة اقتصادية صرفة، ولا ثورة سياسية مجردة؛ بل ثورة شاملة كالإسلام نفسه. كما أن للإسلام أبعاداً معنوية وأخلاقية وإلهية ويعنى في الوقت ذاته بحياة الناس وله أبعاده الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، كذلك للثورة أبعادها المختلفة التي تمثل سر بقائها وتجددها المستمر على مستوى المنطقة والعالم وتماشيها وتكيّفها مع احتياجات البشر.

ترك الإمام بكلامه وسلوكه هداية مستمرة لأمته، أي لنا نحن الناس. يد الإمام وأصابع تأشيره ترشدنا في كافة منعطفات الحياة؛ ومن أقوى وأفضل مواريث الإمام هي وصيته التي من المناسب للجماهير والمسؤولين والشباب إعادة قراءتها والتدبر فيها من حين لآخر. وسأطرح اليوم بمناسبة هذا الحشد الهائل من القلوب الواعية اليقظة عدة نقاط من وصية الإمام الحافلة بالدقائق.

النقطة الأولى:

هي أن الإمام يؤكد في وصيته أن هذه الثورة ثورة إلهية والجماهير ركنها الأساسي. أي إن الثورة ملك الجماهير.

معنى هذا الكلام أنه ليس بوسع أحد - شريحة، أو فرداً، أو طبقة - ادعاء ملكية الثورة، ويجب أن لا يدعي مثل هذا الادعاء ويعتبر نفسه مالكاً لها وبقية الناس مستأجرين فيها. لو قدّر لأحد أن يعتبر نفسه مالكاً وصاحباً للثورة لكان الإمام نفسه أنسب الجميع وأجدرهم حيث تكوّنت الثورة حول محور عزيمته وإرادته وشخصيته. لكنه كان يرى نفسه لا شيئاً ويرى الله مصدر كل شيء. هذه قضية تطفح بها كلمات الإمام وقد أكدها وصرّح بها في وصيته.

إذن، الجماهير هم أصحاب هذه الثورة، وثمة واجب على عاتق الجميع هو صيانة هذه الأمانة الإلهية الكبرى. على الجماهير أن يعتبروا أنفسهم حرّاس هذه الثورة. هوية الثورة ومعناها مودع في شعاراتها واتجاهاتها وقيمها ومبانيها. كان هناك دائماً في الماضي والحاضر وسيكون هناك في المستقبل أشخاص يرومون تغيير شعارات الثورة بذريعة تغيّر أوضاع العالم، أو استبعاد الشعارات الدينية والبعد الديني للثورة، أو إقصاء بعد العدالة الاجتماعية عنها، أو بعد مناهضتها للهيمنة والأجانب، أو بعد تناقضها مع الاستبداد. قد يدخلون الساحة بمحفزات وذرائع مختلفة من أجل أن يغيّروا شعارات الثورة وأهدافها. وعلى الجماهير أن يتيقّظوا ويعلموا هذا.

الثورة حية بشعاراتها. الشعار الأهم المكتوب على راية هذه الثورة هو شعار الإسلامية والالتزام بمباني الدين وأصوله وقواعده؛ ومعارضة الهيمنة والاستكبار، والدفاع عن كل مظلومي العالم بصراحة وصدق. ومن جملة أفضل شعاراتها هو أنها ملك لعامة الناس، وما من شريحة أو طبقة ترجُح على الآخرين في الانتساب للثورة.

شباب اليوم هم أصحاب الثورة بنفس درجة شباب فترة الدفاع المقدس. لا يتاح القول إن الذين أوجدوا الثورة أو ساهموا في إيجادها ينتسبون إليها بدرجة أكبر؛ لا، كان هناك أشخاص لم يشاركوا في أصل الثورة وبدايتها لكنهم خاضوا غمار الساحة ووضعوا أرواحهم على الأكف في ملحمة الدفاع المقدس. هؤلاء ينتسبون إلى الثورة بنفس الدرجة. طوال فترة العشرين عاماً التي أعقبت نهاية الدفاع المقدس نزل إلى الساحة شباب ضمنوا بقاء الثورة وحيويتها بوعيهم، وحماسهم الاستثنائي، واندفاعهم، ومحفزاتهم الإلهية، وجهودهم العلمية، والاجتماعية، والسياسية. هؤلاء أيضاً أبناء الثورة وأصحابها ونسبتهم إليها كنسبة المشاركين في صدرها الأول. وكذا سيكون الحال في المستقبل أيضاً. الشرائح الشابة والأجيال المتعاقبة لها كلها درجة واحدة من الانتساب للثورة. كلهم مشاركون في الثورة وفي واجب حفظها كأمانة.

ليعلم شبابنا اليوم وجيلنا المعاصر والشباب الذين سيأتون في المستقبل أن طريق الثورة طريق يحتاج إلى العزم والإيمان ورسوخ الأقدام. البعض لا يتحلّون برسوخ الأقدام فيعودون أدراجهم في وسط الطريق. وهؤلاء يضرّون أنفسهم طبعاً ﴿فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾. الذين يعودون أدراجهم في طريق الثورة كالذين يصومون في الصيف ويحفظون صيامهم إلى أواخر النهار لكن صبرهم ينفد قبل ساعة أو ساعتين من الغروب فيفطرون، فيكون حكمهم كحكم الذي لم يصم منذ بداية النهار. إبطال الصيام في أي ساعة من ساعات النهار هو إبطال للصيام. لولا رسوخ الأقدام في الثورة وتداوم الحركة لانقطعت صلة الإنسان بالثورة. وهذا عدم وفاء للثورة. كان هناك دائماً أشخاص لم يفوا للثورة وقلّلوا انشدادهم إليها وأداروا لها ظهر المجن. وصية إمامنا هي أن ينظر شبابنا، وجماهيرنا، وأجيالنا نظرة واقعية. الأصل هو الثورة وليس الأشخاص. والحالة الثورية هي في حفظ الصلة بالثورة والعمل لها. هذه هي النقطة الأولى.

النقطة الثانية

هي إعلان الإمام في وصيته أن هذه الثورة سوف تتسع وتنتشر، وسوف تقصّر أيدي المستعمرين عن العالم الإسلامي.

هذه هي نبوءة الإمام الجليل. وحين ننظر اليوم للساحة نرى أن هذا الأمر قد حصل فعلاً. ليس انتشار الثورة من وجهة نظر الإمام عن طريق اختلاق الفتن في البلدان، وزحف الجيوش، ونشر الإرهاب - خلافاً لثورات أخرى - إنما يتم نشرها بين الشعوب عن طريق صناعة نموذج الجمهورية الإسلامية، بمعنى أن يرتفع الشعب الإيراني بنظام الجمهورية الإسلامية إلى مرتبة حين تنظر لها الشعوب الأخرى تتشوق إليها وتسير في هذا الطريق؛ عن طريق إشاعة المعارف الإسلامية والصراحة في الدفاع عن الطبقات المظلومة في العالم الإسلامي والتي سُحقت تحت أقدام الجور الأستكباري. هذا هو انتشار النظام الإسلامي الذي حصل.

شعوب العالم اليوم تنظر لشعب إيران وتستمد منه القوة والحوافز والطاقة. لقد انتشرت اليوم شعارات الشعب الإيراني المعادية للاستكبار في كل العالم الإسلامي. أي بلد من البلدان الإسلامية تذهبون له اليوم، مهما كان نظامه الحاكم، ترون شعبه ينظر بعين الاعتزاز والاحترام لشعاراتكم، وحوافزكم ومبادئكم التي رسمتموها؛ شعارات مناهضة الظلم والهيمنة، والدفاع عن المظلومين وعن شعب فلسطين، ومعاداة الشبكة الصهيونية الأخطبوطية. هذه هي قلوب الشعوب المسلمة، وهذا هو انتشار الثورة الإسلامية. بل ترون أن شعار الطاقة الذرية الذي رفعه الشعب الإيراني - صمود شعب إيران حيال ضغوط الأعداء ومطالبته بحقه - انعكس في العالم الإسلامي إلى درجة أن ساسة البلدان المسلمة والعربية راحوا يعلنون أن الطاقة النووية أصبحت مطلباً عاماً للشعوب العربية.

يعترف أعداء الشعب الإيراني وأصدقاؤه أن الانتشار الذي تنبّأ به الإمام للثورة قد تحقق اليوم. ومن ذلك قضية فلسطين. الشعوب قلوبها تخفق لشعب فلسطين كما هو قلب الشعب الإيراني، وتعتبر الكيان الصهيوني على غرار ما يعتبره الشعب الإيراني نظاماً مصطنعاً مفروضاَ في المنطقة.

طبعاً، الحكومات لا تواكب الشعوب، وهذا هو ما يقوّي اسرائيل للأسف. ليس للكيان الصهيوني قوة وطاقة ذاتية، وليس له القدرة على الوقوف على أقدامه. هناك عاملان أبقيا على الكيان الصهيوني لحد الآن: الأول الدعم غير المشروط والوقح الذي تقدمه أمريكا لهذا الكيان المنحط، والثاني عدم دعم الحكومات العربية والإسلامية للشعب الفلسطيني. للأسف، لا تعمل الكثير من الحكومات المسلمة راهناً بواجباتها حيال فلسطين كما ينبغي، ولا تتناغم مع شعوبها. لو ضمّت الحكومات صوتها إلى صوت شعوبها ودافعت عن الشعب الفلسطيني المظلوم لتغيّر الواقع في المنطقة تغيّراً جذرياً. هذه هي الإرادة العامة للشعوب وهذا هو الانتشار الذي أخبر به إمامنا الجليل.

النقطة الثالثة

البارزة في وصية الإمام والموزّعة في كلماته التي ألقاها طوال هذه السنوات العشر من حياته المباركة والمهمة بالنسبة لشعبنا وشبابنا هي أن الثورة الإسلامية عامل يساعد على تقدم الشعب وإبداعه وتجديده. وهذا على الضد تماماً مما أشاعه أعداء الإسلام على مدى سنوات طويلة.

أظهر أعداء الإسلام أن التدين يناقض التقدم ولا ينسجم معه. إذا أراد شعب التقدم فعليه التخلي عن الدين والسقوط في أحضان الغرب والتلون بألوانه من قمة رأسه إلى أخمص قدميه كي يستطيع التقدم. أوحوا بهذا الشيء للشعب الإيراني كعقيدة وقناعة طوال عشرات الأعوام.

يؤكد إمامنا الكبير منذ بداية الثورة، إلى آخر يوم، وفي وصيته، أن الروح الثورية هي روح التقدم إلى الأمام والتطور والابتكار والتجديد وهذا ما تحقق في واقع الشعب الإيراني.

الشعب الإيراني يؤمن بنفسه اليوم، ويخوض في ميادين العلم، والسياسة، ويقف في مقدمة الشعوب في أي ميدان يخوض فيه. واقع شعبنا الراهن على صعيد الإبداعات العلمية والقدرات السياسية والعزة الدولية لا يقبل المقارنة بما كان عليه قبل الثورة. لقد استيقظ هذا الشعب وهو شعب حي بفضل الثورة. كلما تصاعدت وتفاعلت هذه الروح الثورية لدى شعبنا كلما تصاعدت روح الإبداع والابتكار والخلاقية، وقد كانت الثورة نفسها إبداعاً كبيراً.

لقد رسم الإمام بالثورة الإسلامية وتأسيس الجمهورية الإسلامية الطريق الوسط بين التخلف والتغريب. تصورت الشعوب أن عليها إما أن تبقى متخلّفة أو تغدو متغّربة. وأثبت الإمام أن كلّا؛ ثمة طريق وصراط مستقيم لا يكون الإنسان فيه أسيراً للغرب لكنه يقطع أشواط الرقي والتقدم والسمو. سار الشعب الإيراني في هذا الطريق. أيها الشباب الأعزاء، تمسكوا بهذا الصراط المستقيم ما استطعتم من أجل تقدم بلادكم ورفعتها. وستستطيعون بالاعتماد على الله تعالى والإيمان بطاقاتكم الذاتية أن ترفعوا عن طريقكم كل العقبات.

هذه إحدى أسباب عداء الاستكبار لشعب إيران والمؤامرات العالمية التي تحاك ضده في قضية الطاقة النووية والقضايا المماثلة. ترون أنه في الوقت الذي يقود الأمريكان معارضة حصول الشعب الإيراني على الطاقة النووية ويتبعهم بعض الأوربيين ويبذلون مساعيهم ويهددون ويطلقون كلمات حادة، يعقدون في الوقت نفسه معاهدات طاقة نووية مع بلدان أخرى متخلّفة كثيراً عن الشعب الإيراني من الناحية العلمية والصناعية! فما معنى هذا؟

معناه أن الطاقة النووية إذا أدت لمزيد من تبعية أحد الشعوب لهم اعتبروها أمراً جائزاً مباحاً لذلك الشعب. إنهم يعارضون الطاقة النووية التي يحصل عليها شعب بإبداعه وابتكاره وجهده الخاص وباستقلال تام من دون الحاجة إليهم. وقد أحرز شبابنا الأعزاء وشعبنا الكبير ميزة الوصول إلی هذه المرتبة العلمية‌ والصناعية المتقدمة بالاعتماد علی طاقته الذاتية. لم يجترحوا أية تبعية، إنما كان هذا علی‌ الضد من التبعية‌. هذه الطاقة النووية‌ ذاتها تؤدي للتبعية بالنسبة للشعوب التي تحصل عليها من الدول المستكبرة. أما بالنسبة لشعب إيران الذي يغلي من الداخل ويبدع ويجدد وينتج فتؤدي إلی قطع التبعية. الاستكبار العالمي وأعداء الشعب الإيراني يعارضون هذا الشيء.

النقطة الرابعة

في وصية الإمام (رضوان الله عليه) وهي مهمة جداً التنبه إلی الحرب الباردة والهجمات النفسية التي يشنها الأعداء. حينما يعجز العدو عن فعل شيء في ساحة العمل يبادر لشن حرب نفسية هدفها بث اليأس والقنوط في قلوب الشعوب وتفتيت رباطة جأشها. يحاولون عن طريق الحرب النفسية والتهديدات أن يفرضوا التراجع والهزيمة علی الشعوب التي تواجههم. معنی هذا أنهم افتقروا للقدرة علی مجابهة هذا الشعب في ميادين العمل . استمرت الحرب النفسية منذ أيام الثورة الأولی وإلی اليوم حيث مضت ثلاثون سنة. أحياناً كانوا يقولون إن هذه الثورة لن تستمر لأكثر من شهرين، وأحياناً‌ يقولون إنها لن تستمر لأكثر من سنتين. وقد تقدمت الثورة إلی الأمام طوال ثلاثين عاماً إلی اليوم بكل قوة واقتدار وجعلت الشعب الإيراني أكثر انسجاماً وأملاً وطاقة يوماً بعد يوم.

يمارسون الحرب الباردة والحرب النفسية في الوقت الراهن بأشكال شتی. يريدون إقناع الشعب الإيراني وشباب إيران أنكم لا تستطيعون تحقيق شيء من دون الارتباط بالقوی المهيمنة. هذا خطر كبير حذر منه الإمام. ينكرون التقدم الهائل للشعب. تخطّت الثورة كثيراً من العقبات طوال هذه الأعوام الثلاثين - حين ينظر المرء في تاريخ الثورات نادراً ما يجد كل هذه العقبات في طريق شعب أو ثورة، وغالباً ما تتوقف الثورات خلف هذه العقبات وتستسلم للعدو - واستطاعت رغم كل هذه التهديدات والحظر وصنوف العداء والحيل والعرقلة أن تتقدم إلی‌الأمام وتفتتح القمم ولا تزال تتطلع إلی قمم أعلی وتتقدم للأمام بقوة. يريدون سلب الشعب الإيراني هذه الحوافز.

أقول لشبابنا الأعزاء من الجامعيين والحوزويين والناشطين في مضمار الصناعة أو الزراعة أو العلم أو الفن: أنتم في منتصف الطريق وما قطعتموه من الطريق رافقته مشكلات جد صعبة، لكنكم استطعتم، وبوسعكم قطع النصف الثاني المتبقي من الطريق، بينما العدو يروم الحؤول دون أن تقطعوا هذا النصف الرئيسي الأخير من الدرب وتصلوا إلی القمة. أنتم قادرون، وقد أثبتّم أنكم قادرون.

يقف الشعب الإيراني اليوم بعزة وصلابة بوجه المستكبرين الذين لم يستطيعوا فعل شيء رغم كل ما سعوه في شرق بلادنا وغربها. ربما استطاعوا فرض حصار علی بلدنا. بيقظة الشعب الإيراني وإيمانه وانسجامه أفضت جهود الاستكبار والحمد لله - جهود أعداء شعب إيران في شرق حدودنا وغربها - إلی مزيد من اقتدار الجمهورية الإسلامية وهذا ما يعترفون به هم أنفسهم حالياً.

النقطة الخامسة

في وصية الإمام الكبير تحذير الشباب من المؤامرات التي لا تستهدف سواهم.

الشباب في بلد ما إذا أرادوا التقدم به كما يفعل المحرك فهم بحاجة لأن يكونوا حيويّين متوثّبين سالمين أقوياء منشدّين إلی العمل والتقدم. ولأجل إماتة هذه الروح لدی‌الشباب الإيراني يسعون لإشغالهم بمختلف مؤامراتهم من ترويج الفساد والفحشاء والمخدرات عبر عصابات موجّهة. وعلی الشاب الإيراني أن يتنبّه. إذا كان مسؤولوا الجمهورية الإسلامية يكافحون المخدرات بشراسة فهذا جهاد كبير وتحرك عميق جداً في سبيل تقدم الشعب الإيراني. لا يريدون للشاب الإيراني أن يعمل بجد ونشاط في الورشة والمختبر والجامعة والمناخ العلمي وفي مراكز العمل والسعي الصناعي والزراعي. الشاب الذي يقع أسيراً للشهوات الجنسية أو المخدرات لا تبقی فيه طاقة للعمل، ولا للتفكير، ولا للإبداع، ولا يتحلی بالعزيمة والإرادة الراسخة الضرورية. المؤامرات المنظّمة لجرّ الشاب الإيراني نحو الشهوات والمخدرات والتسلية الجنسية مؤامرات خطيرة جداً في الوقت الراهن، وتقع مهمة مكافحتها بالدرجة الأولی‌ علی‌ عاتق كل أبناء الشعب لا سيما الشباب. علی الشباب أن يتحلّوا بالوعي. لقد علم العدو أن تقوی الشاب الإيراني وورعه وتدينه يساعده علی التقدم في الميادين المختلفة ويريدون زعزعة هذا الجانب. يحذر الإمام الشباب والجامعات والحوزات العلمية وكل شباب البلد ويدعوهم إلی اليقظة والحذر. خداع الشباب وتضعيفهم يعني الإبقاء علی‌ الشعب متخلفاً. علی الشعب كله الشعور بالمسؤولية وعلی المسؤولين العمل في هذا السبيل بجد ونشاط فهو جهاد كبير.

النقطة السادسة

نقطة أساسية أخری في وصية الإمام وخطبه هي قضية مواجهة المتغطرسين في العالم.

طبعاً كانت هناك علی‌ امتداد التاريخ البشرية قوی‌ تسلطية متجبرة ، لكن تقدم العلوم والصناعة ووسائل الاتصال الحديثة سهّل لهم هذا التسلط والهيمنة. لذلك ترون الأمريكان يبدون أطماعهم بكل العالم ويتدخلون بذريعة أن مصالحنا مهددة في المنطقة الفلانية، وكأن مصالحهم مرجحة علی مصالح كل العالم والشعوب. حسناً، كيف يجب التعامل مع هذه الغطرسة والتجبّر واللامنطق وغصب الحقوق؟

ثمة طريقتان للتعامل :أحداهما الاستسلام والثانية المقاومة.

الاستسلام حيال متغطرسي العالم يشجعهم علی الغطرسة. استسلام الشعوب وساسة العالم ومثقفي المجتمعات المختلفة حيال عجرفة الاستكبار العالمي يشجعهم علی مزيد من العجرفة. ولن يبقی أمام الشعوب سوی طريق واحد حقيقي هو المقاومة. إذا أراد شعب الخلاص من شرور غطرسة المتغطرسين - وشرور أمريكا حالياً - فعليه الوقوف بقوة وصلابة‌ أمام الغطرسة‌ الأمريكية.

انظروا لتصرفات الساسة الأمريكان - رئيس الجمهورية والفريق المحيط به - وكيف يتحدثون. كلامهم ككلام الأشخاص العصابيين؛ يهددون أحياناً، ويصدرون أوامر الاغتيال أحياناً، ويوجّهون التهم أحياناً، ويطلبون المساعدة بسبب يأسهم أحياناً، ويهاجمون استقرار شعب ما وأمنه في بعض الأحيان؛ يتخبّطون هنا وهناك كالمجانين. تصرفاتهم ليست منطقية وعاقلة ومدبرة. طبعاً جزء كبير من هذا يعد انعكاساً لإخفاقات أمريكا في المناطق المختلفة؛ في أفغانستان والعراق. دخلوا أفغانستان والعراق بوعود الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. واليوم بعد مضي عدة سنوات تعيش هذان البلدان وضعهاً لا يتمناه أي شعب؛ إنعدام الأمن، والتخلّف، والفقر، والهيمنة المتزايدة للقوی‌ الاستكبارية، والقبض علی المصالح الوطنية لتلك البلدان وتجاهل حقوق شعوبها، وخلف كل هذا طبعاً إخفاق تام في تحقيق الأهداف التي أعلنوها أو التي أضمروها في قلوبهم ولم يعلنوها. هذه الإخفاقات تنعكس علی سلوك الساسة الأمريكان؛ تنعكس في اختلافاتهم ومهاتراتهم فيما بينهم وعلی قراراتهم. هذا هو وضع المتجبرين في العالم.

حسناً، ما الذي ينبغي فعله إزاء هذا التجبّر؟

وصية الإمام هي الصمود. لحسن الحظ تنادي الأطراف السياسية المتنوعة في البلاد اليوم بالوفاء لخط الإمام. هذه ظاهرة مباركة. لم يكن الحال كذلك في بعض الفترات السابقة. بعض التيارات السياسية كانت تتحدث بصراحة عن الإعراض عن خط الإمام! والفئات السياسية في بلادنا حالياً تنادي كلها بأفكار الإمام وخطه. وإحدى أبرز النقاط في خط الإمام والتي انعكست في وصيته وفي جميع خطبه ضرورة الوقوف الحاسم مقابل الطامعين والمستكبرين.

علی الشعب الإيراني وجميع الفئات والنخب الملتزمة والوفية للإمام وآرائه وأفكاره أن تحافظ علی‌ هذا الموقف بكل قوة. هكذا كان الإمام نفسه.. لم يتخلّ أبداً عن الدفاع عن مظلومي العالم مصانعةً لمتجبري العالم. ذكر قضية فلسطين دائماً‌ باعتبارها قضية مركزية واهتم صراحة في وصيته وكلماته بنداء «يا للمسلمين» الذي تطلقه الشعوب المضطهدة؛ الدفاع الصريح عن حقوق المظلومين وعن حقوق الشعب الفلسطيني وأي شعب مظلوم آخر. هذا هو منهج الإمام وخطه وأسلوبه ووصيته. لحسن الحظ تابع الشعب الإيراني ومسؤولوا البلد هذا المنهج ومنذ ثلاثين عاماً حيثما واجهتم أيها الشعب الإيراني الاستكبار الأمريكي في أي ميدان من الميادين كنتم المنتصرين وكان عدوكم المغلوب المهزوم.

العدو لا يهدأ طبعاً إنما يواصل مساعيه في الحرب النفسية والسياسية ويوجّه التهم. لم يعد للاتهامات الأمريكية والصهيونية ضد شعب إيران والجمهورية الإسلامية اليوم من يأبه لها في العالم؛ تهمة انتهاك حقوق الإنسان ومن قبل طرف هو الأشد انتهاكاً لحقوق الإنسان واغتيالاً للمظلومين واعتداءً علی‌ الشعوب، وصاحب الملف الأسوء في هذا المجال. هؤلاء يتهمون شعب إيران ونظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بانتهاك حقوق الإنسان! هذا شيء لا أهمية له. أو حول الشأن النووي، أعلن الشعب الإيراني مراراً أنه لا يريد حيازة سلاح نووي، وهذا شيء يعلمه الجميع ويؤيده المنطق. حين يريد الأمريكان أن يتحدثوا ويتخذوا مواقفهم بخصوص قضية إيران النووية، لأنهم لا يستطيعون تجاهل حق الشعب بصراحة وإعلان معارضتهم لحق أحد الشعوب، ولكي يبرروا كلامهم لدی الرأي العام العالمي يتهمون إيران بالسعي لحيازة أسلحة ذرية. هم أيضاً يعلمون أنهم يكذبون؛ يعلمون أن هذا الكلام كاذب. ما من شعب عاقل ولا مسؤول عاقل يريد السلاح النووي اليوم. وشعب إيران يعارض هذا اللون من التسلح حسب مبانيه الإسلامية والفكرية وفي ضوء تدبيره وعقلانيته.

ليس للأسلحة النووية أية فائدة سوی تكاليف إنتاجها وحفظها. إنها لا تحقق الاقتدار لشعب ما لأنها غير ممكنة الاستخدام. الذين يملكون قنابل ذرية يعلمون جيداً أنهم إذا أخطأوا واستخدموا هذا السلاح النووي فسوف تلحقهم تبعاته - كما دعموا الإرهابيين يوماً فلحقتهم تبعات ذلك - بحيث لن تمضي فترة طويلة حتى يحصل إرهابيو العالم علی‌السلاح النووي ويهدّدوا أمن جميع مستكبري العالم وجميع الشعوب. يعلمون أن السلاح الذري لا استخدام له؛ يفهمون هذا جيداً. ومع ذلك يتهمون شعب إيران؟

كلاّ؛ شعب إيران لا يسعی‌ وراء السلاح النووي، إنما يسعی‌ للاستخدام السلمي للطاقة الذرية في مجالات الحياة. وسيتابع هذا الطريق وسيصل للهدف بكل اقتدار وعلی رغم أنف الأعداء.

ذكری الإمام تذكّر بعزة الشعب الإيراني ويقظته وتحوله إلی أسوة وقدوة لكل الأمة الإسلامية والشعوب المستضعفة. ذكری الإمام تبعث علی الشعور بالقوة والأمل. ينبغي إحياء ذكراه ومعرفة قدر طريق الإمام وخطه وأصابع تأشيره والعلامات التي وضعها للسير في الطريق؛ ويتحتّم علی الشباب والمسؤولين قبل غيرهم أن ينظروا لتوصيات الإمام ووصيته كدساتير وبرامج عمل.

علی‌ السلطات الثلاث ومسؤولي البلاد - العسكريين وغير العسكريين والسياسيين والاجتماعيين والخدميين - أن يجعلوا وصية الإمام وإرشاداته برنامج عملهم، فعزة الشعب الإيراني وأمنه الدائم، وتطوره وتنميته المادية، ورفعته المعنوية والأخلاقية رهن بالعمل بهذه التوصيات.

اللهم نقسم عليك بأرواح الشهداء والأئمة العظام الطيبة، وفّق شعب إيران في السير علی هذا الدرب، زد من عزته يوماً بعد يوم، اللهم خذ من هذا الاجتماع ومن قلوب الشعب الإيراني ومن قلوبنا وألسنتنا هدايا معنوية لروح إمامنا الكبير الطاهرة، وأسبغ رحمتك ومغفرتك وفضلك علی روحه المباركة. اللهم احشر الشهداء طلائع هذا الدرب مع أوليائك. ربنا اشمل كل خدمة طريق الحق والحقيقة ومضحّيه والعاملين فيه بلطفك ورحمتك وهديك ورفقتك. ربنا أرضِ عنا القلب المقدس للإمام المهدي واجعلنا من جنوده بالمعنی‌ الحقيقي للكلمة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته