ثورة الإمام الخميني استمرارية لثورة الإمام الحسين (ع) لمحاربة الظلم والطغيان

2010-06-12

لا يزال العالم الإسلامي منذ الثالث من هذا الشهر يحتفل بمرور 21عاما على رحيل زعيم الأمة الإسلامية الإمام الخميني الذي كان السبب في نهوض مجتمعاتها التي ما فتئت تناضل وتجاهد من اجل التحرر والاستقلال منذ انفجار الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979 التي أضرمت مشعل الحرية بنور لا يزال يضيء درب الأحرار والشرفاء حتى يومنا هذا وسيستمر حتى يسود الأرض العدل السماوي.

الإمام الخميني قاد ثورة لمحاربة الظلم والفساد الاجتماعي والتدهور الاقتصادي الذي شجع عليه نظام الشاه كما شجع معاوية ويزيد وغيرهما من الذين ضمروا للإسلام الكراهية والعداء. ومن هنا فإن زعيم الثورة الإيرانية وقائد مسيرتها نهض لإحقاق الحق ونشر العدالة في العالم وذلك بالدفاع عن مظلومية الشعوب المظلومة والمضطهدة من قبل طواغيت الدول المستعمرة والسارقة لخيرات الشعوب. وكان لابد لفقيد الأمة من مواجهة خصوم أشداء توارثوا الهيمنة والسطو على ممتلكات الشعوب وموارد الدول المتخلفة كالسعودية وبعض دول الخليج ومن ساوم مع دول الاستكبار على محاربة مبادئ الثورة الإسلامية وكان الإمام على معرفة واضحة وعلم مسبق بأن الثورة الإسلامية بجماهيرها الساحقة وأنصارها خارج إيران سوف يلاقون من المواجهات العدائية والحروب الاقتصادية سواء على صعيد مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحلفائها من جهة, ومحاربة أرزاق الأفراد الذين يؤيدون مسيرة الثورة الإسلامية أينما كانوا من جهة أخرى. وهنا يشير الإمام الخميني بفخر حين يرى أن أعداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية هم من خليط غير متجانس ومجموعات من عملاء أمريكا وإسرائيل حيث يقول: «وأي فخر أسمى وأرفع من أن أمريكا بكل ادعاءاتها وكل وسائلها الحربية وبكل الحكومات العميلة لها وبكل الثروات غير المحصاة التي تغتصبها من الشعوب المتخلفة المظلومة وبامتلاكها لكل وسائل الدعاية الدولية, أمريكا هذه وبكل ما عندها تقف في مواجهة شعب إيران الغيور ودولة بقية الله الإمام المنتظر أرواحنا لمقدمه الفداء, عاجزة بتلك الصورة الفاضحة فلا تدري بأي تتوسل, وتتلقى جواب الرفض من كل من تلجأ إليه وما كان ذلك ليتحقق إلا بفضل الإمدادات الغيبية للباري تعالى وجلت عظمته الذي أيقظ الشعوب وخاصة شعب إيران الإسلامي وقاده من ظلمات الظالم الملكي إلى نور الإسلام, وها أنا أوصي الشعوب النبيلة المظلومة وشعب إيران العزيز أن يتمسكوا بقوة واستقامة مبدئية بهذا الصراط الإلهي المستقيم الذي اختاره الله للناس فلا ارتباط بالشرق الملحد والغرب الظالم الكافر. وأن لا يغفلوا لحظة عن شكر هذه النعمة, وأن لا يسمحوا للأيدي القذرة لعملاء الكبرى الأجانب والمحليين وهم أسوأ من الأجانب بأن تنال من نواياهم المخلصة وإرادتهم الصلبة».

ففي هذه العبارة وغيرها من وصية مفجر الثورة الإسلامية يحس القارئ بمعاني القرآن وبيانه وأحاديث النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وسنته وخطب إمام المتقين علي (عليه السلام) وحكمه ونهج أبي الثوار وأبي الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام) وشجاعته. نعم إنه الإمام الخميني الذي أعطى بإيمانه وفداءه في سبيل الإسلام ومحاربة الطواغيت درسا للمظلومين في الإطاحة بالاستكبار وعبيده من حكام كالشاه وصدام وآل سعود وغيرهم من خونة الشعوب الذين هم السبب الأول في وجود الاستكبار العالمي في المنطقة وسلب خيرات الفقراء والمساكين من أبنائها. وحين نقارن بين الفترة التي عاشها الإمام الخميني قدس الله سره وبين فترات أجداده (صلى الله عليه وآله) وخاصة في محيطها العربي فإننا نرى أن الحياة الاجتماعية العربية وكأنها هي هي لم تتغير, وكأن حركة الزمن لا تمر عليها والحضارة العالمية لا تتفاعل معها كما تفاعل العالم الأوربي سابقا مع الحضارة الإسلامية؛ فالعصبية القبلية التي حاربها الإسلام ونبيه محمد (صلى الله عليه وآله) لا تزال تُغذى من قبل حكام العرب العملاء ومرتزقتهم رؤساء العشائر من أجل إبقاء المجتمعات متخلفة لا يهمها إلا العلف والاجترار, وهذا واضح في أغلب حكومات المجتمعات العربية التي لا تهتم إلا بذاتها.

فإذا كان معاوية ويزيد وما قبلهما وبعدهما ممن حكموا تحت راية الإسلام ولكنهم أساءوا استخدام الحكم بالانحراف عن التعاليم الإسلامية والمثل العليا وانحرفوا عن الشريعة الإسلامية بل حاربوها كما حارب آباؤهم وأجدادهم النبي محمد نفسه أثناء الدعوة للإسلام وبكل الوسائل الدنيئة, وما نظام الشاه وكذلك نظام صدام وحليفهما النظام السعودي إلا امتداد لحكومات وأنظمة الأمويين والعباسيين الذين مارسوا كل أنواع الظلم والتعسف بحق الشعوب الإسلامية ومحبي أل بيت رسول الله بشكل خاص.

والحقيقة أن الصراع الإيديولوجي ظهر منذ بداية الإسلام بين من يعمل لنصرة الفقراء وبين من يرى أن الحكم غنيمة كما قال أبو سفيان «تلقفوها يا بني أمية». إلا أن الحركات والثورات على من استأثروا بالحكم كانت مستمرة وأكثرها بقيادة آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) حتى مجيء الثورة الإسلامية في إيران بقيادة زعيمها الإمام الخميني طاب ثراه الذي يعتبر مفجر وقائد أكبر وأهم ثورة في القرن العشرين التي لا تزال يزداد شموخها ومكانتها يوما بعد يوم. وقد ذهب هنا من يقارن الإمام الخميني ببعض المصلحين في العالم أمثال مارتن لوثر وجمال الديني الأفغاني ومحمد عبدو وغاندي والحقيقة أن الفارق كبير وأن المقارنة غير موضوعية والمصلحون كثر, إلا أنهم لم يستطيعوا تغيير وجه التأريخ الذي سيطر عليه الاستعمار واليأس والخمول إلى تأريخ ومسيرة مجتمع يناهض القوى الامبريالية والاستعمار وينادي بحقوقه علناَ ويقارع الطواغيت وعملاء الاستكبار, ويضع نظرية وإيديولوجية لا تزال وستبقى منارا للمظلومين في إحقاق حقوقهم والحفاظ على ثروات بلدانهم من نهب الأجنبي الغاشم والظالم, وستكون هذه النظرية السبب في بناء مجتمعاتهم وتطوير بلدانهم اقتصاديا وصناعيا والحفاظ على الموارد والخيرات الطبيعية التي منّ الله بها على شعوبهم من نفط وغاز وزراعة ومعادن. ولم يقف مفجر الثورة الإمام الخميني قدس الله سره عند هذا بل حول إيران الإسلام إلى دولة تعتبر واحدة من الدول الصناعية المتقدمة, فهي تصدر من أصغر ما يحتاج إليه الإنسان إلى السيارات ومستلزمات البناء والعمران لدول الجوار بل للعالم, وها نحن نشاهد ونرى بأعيننا كيف أن التطور في الجمهورية الإسلامية الإيرانية جعلها في حاجة إلى استخدام الطاقة النووية في المشاريع السلمية كمصدر للطاقة الكهربائية والأمور السلمية لتأخذ بالجمهورية الإسلامية نحو التطور واللحاق بالتقدم العالمي الذي حرمت منه الشعوب الإسلامية نتيجة حكام العرب والمسلمين الذين أصبحوا وكلاء للاستعمار ومحاربة النهوض الاجتماعي بكل أشكاله الصناعية والاقتصادية بل وحتى الدينية والأخلاقية. نعم جاء الإمام الخميني بثورته العارمة ليدق ويدك حصون وعروش الملوك والحكام الذين جاءت بهم المخابرات الأمريكية والصهيونية لبث روح الخذلان وإدخال اليأس في قلوب المسلمين وأصدقائهم وبأن الإسلام غير قادر بنهوض مجتمعاتهم إلا أن الثورة الإيرانية أثبتت العكس.

وها نحن اليوم نرى أن أمريكا وحلفاءها قد أعدوا وجهزوا كل إمكاناتهم لمجابهة هذا المارد الجبار الذي يسمى الصحوة الإسلامية التي أشعلت جذوتها ثورة الإمام الخميني الجارفة لكل من يخون وطنه وشعبه ودينه, لقد زلزلت الثورة عرش الاستعمار واستنهضت الشعوب الخاملة الجاهلة التي هدرت حقوقها وتزعزعت عقيدتها نتيجة لسياسة الاستكبار العالمي ولكنها اليوم وبمؤازرة الثورة الإسلامية تطالب بالإصلاح والنهوض وتقاوم المنهج الاستعماري في المنطقة. لذا فقد تألبت كل قوى الشر من مخابرات عالمية ومحلية وحكام وملوك وأقزام الإعلام الذين باعوا أنفسهم ودينهم وعرضهم بمال سحت لمواجهة النهضة القادمة من الجمهورية الإسلامية التي قال عنها نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله): «لو كانت العلوم في السماء لتناولتها أيادي من بلاد فارس».

وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن ما يجري في الجمهورية الإسلامية من تطور وازدهار هو نتيجة للنظرية التي رسمها الإمام الخميني والإيديولوجية التي وضعها لمستقبل العالم الإسلامي من أجل التطور والنهوض, وهو هنا يقول: «فإذا كان المقصود من مظاهر التمدن والتطور الاختراعات والإبداع والصناعات المتطورة التي تساهم في تقدم المدنية الإنسانية, فلا الإسلام ولا أي دين توحيدي رفض أو سيرفض ذلك, بل إن الإسلام والقرآن المجيد يؤكدان ضرورة العلم والصناعة...». وفي نفس المجال يحذر الإمام من الابتعاد عن شؤون الحكم وإدارة الأمور الدنيوية لأن ذلك يؤدي إلى فتح الباب أمام الاستعماريين لنهب ثروات العالم, وهنا يقول البروفسور جوزيف الدر (Joseph W.Elder ) أستاذ العلوم الاجتماعية والثقافية في جامعة وسكونسن-مادسن في أمريكا: «لقد حَرَم شاه إيران الشعب الإيراني من نصف وارداته النفطية حيث وهب نصفها إلى أمريكا ليصبح مقربا من حكومات الغرب, ثم انضم إلى حلف بغداد. وقد زودت أمريكا والغرب الشاه في السبعينيات بأحدث الأسلحة وعززت اقتصاده لإسناده وتقويته. ثم قام الشاه بإبعاد الإمام آية الله الخميني عن إيران... وهنا أصبح الإمام الخميني صوت الجماهير الإيرانية المعارضة لحكم الشاه والمرشد لها من داخل العراق دون أن يلين أو يضعف بل انتقد الشاه والمقربين منه بالابتعاد عن الإسلام وتعاليمه. وكان آية الله الإمام الخميني يؤكد بأن أمريكا وراء الفساد في إيران. وأن مئات الأمريكيين وعوائلهم الذين يعيشون في إيران من مدراء للشركات والمستشارين وأصحاب الاختصاصات أخذوا لهم مساكن وبيوت في شمال طهران حيث الأبنية الفاخرة والباهظة الثمن...».

هكذا كان الإمام الخميني صامدا صلبا لم يكل ولن تغفو أو تنم له طرفة عين في الدفاع عن الإسلام والمسلمين والمستضعفين بشكل عام وأبناء الشعب الإيراني بشكل خاص. إن الإمام الخميني لم يقف مكتوف الأيدي بعد انتصار الثورة الإيرانية ولم يركن إلى زهوة الانتصار وتحقيق الهدف بإسقاط الشاه وحسب بل كان مراقبا ومهندسا إلى ما بعد فترة سقوط الشاه, حيث أخذ يحذر من مؤامرة الإشاعات التي انتشرت بشكل واسع في مدن الجمهورية الإسلامية, وكما حدث في إيران نشاهد ما يحدث من دعايات مضادة للحكومة الجديدة في العراق بعد سقوط صدام, إلا أن الفارق أن هنالك في إيران قائد مفجر للثورة ومرشد لمسيرتها لا منافس له بينما يوجد في العراق أكثر من أربع سلطات فلا وجه للمقارنة في مجال القيادة.

ولا غرابة بأن يشهد ويعترف فلاسفة العالم ومفكريه أمثال مايكل فوكولت مفكر الشعب الفرنسي عندما زار إيران كمراسل وكاتب وصف الشعب الإيراني أثناء بداية ثورته: «وكنا يجب أن نكون هناك في بداية ولادة الأفكار.... وأصبح الانفجار خارجا عن سيطرتهم فهو لم يكن مجرد أحاديث وتعابير كتب, وإنما أحداث تظهر تلك القوة للعيان, وفي كفاح من أجل أفكار هي قد تكون من صالحهم أو لا», وأضاف الفيلسوف الفرنسي إن الثورة الإسلامية الملتهبة في إيران يمكن أن تضرم النار وتضيء كافة المنطقة وتغير كافة النظم الغير مستقرة وتقلق وتهز الأكثر صلابة واستقرار, ويضيف الكاتب الفيلسوف بأن الإسلام ليس مجرد دين وإنما هو نظام كامل وشامل للحياة وهو متلازم ومتماسك مع التأريخ والحضارة وله فرصة بأن يكن قوة هائلة كبرميل من البارود المتفجر لمصلحة مئات الملاين من الناس, وقد كتب هذا الفيلسوف عدة مقالات عن الإمام الخميني والثورة الإيرانية في الصحف الفرنسية والايطالية, وأضاف المفكر الفرنسي بأن اليساريين والعلمانيين في إيران يعتقدون بأنهم سوف يستخدمون الإسلاميين والإسلام كسلاح لمصلحتهم إلا أنه يعتقد أن المسلمين قادرين وحدهم بعكس صورة «تمثل الوحدة المتكاملة للرغبة والمشيئة العامة للمجتمع الإيراني»(عن بوستن كلوبل-وسلي ينك). وأما نوم جومسكي المفكر الأمريكي فهو يرى أن الولايات المتحدة الأمريكية التي ترى نفسها سيدة العالم في كل شيء اضطرت إلى استخدام مصطلحات الإمام الخميني في محاربة القوى العظمى كاستخدام مصطلح (الشيطان الأكبر) إذ استعملته أمريكا في محاربة الاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة كدعاية مضادة فاستخدمته باتجاه مصلحتها حين رأت لها حاجة فيه. صفحة (209). (The Essential Chomsky) ثم يتحدث هذا الفيلسوف الأمريكي في مقابلة مع كوراش زيباري 15-04-2009 بأن العداء الأمريكي للثورة الإسلامية وقيادتها ظهر أكثر وضوحا وصراحة في حجة المفاعل النووي, إلا أن الأغلب من الشعب الأمريكي يؤيد إيران في استخدام حقها في استعمال الطاقة النووية, وأن أمريكا وقفت بوجه إيران لأن إيران ليس من الدول التي تخضع للإرادة الأمريكية لذا حاولت أمريكا ولا تزال تأليب الرأي العالمي على إيران تحت ذريعة أن إيران تعارض (الإرادة الدولية) وهذا المصطلح يعني أن أمريكا هي (الإرادة الدولية) ثم يذهب جومسكي أكثر من ذلك في هذه المقابلة «بأن أمريكا تعتمد سياسة الغاب حين ترى أن الأقوى له الحق بما يفعل» ردا على سؤال: هل يجب على أمريكا أن تعتذر للشعب الإيراني نتيجة لسياساتها التي أضرت به؟. أما كتاب وفلاسفة وسياسي المسلمين فقد كتب الكثير منهم عن شخصية الإمام الخميني التي أبهرتهم في مُثلها وجهادها من أجل نصرة العدل وإحقاق الحق ومحاربة الاستعمار والصهيونية وظلم الحكام, ويحتاج إلى هذا مقالات أخرى لتغطية فكر الإمام.

لم يتوانى الإمام الخميني يوما واحدا عن التفكير والعمل على إسقاط نظام الشاه فلم يضع في قاموسه من الخوف كلمة بل ولا حرفا واحدا فكان ثورة على الظلم والطغيان, وكان يعتقد لابد من أن يضع نهاية لنظام الشاه وذلك لإيمان الإمام المطلق بقدرة الله, وقد نشأ هذا الإيمان تحت ظروف وعوامل بيئية ووراثية حيث تربى الإمام في بيت من العلم الرباني مما كرس فيه عقيدة بيت آل رسول الله إذ كان يعتقد بأن الحق يحيا بالإيمان فكان قدس الله سره مؤمنا بعقيدة آل بيت الرسول بكل ما للكلمة من يقين مطلق لا شك ولا إشكال فيه, وبالإضافة إلى ذلك فقد كان صلبا في الدفاع عن حقوق الشعوب الإسلامية محملا حكوماتها المسؤولية في إهدار ثروات الشعوب وهيمنة الأجنبي وإذلال أبناء البلدان الإسلامية وخاصة «آل سعود خونة الحرم الإلهي العظيم عليهم لعنة الله وملائكته ورسله».

إنه من الصعب أن يتخيل أي سياسي بأن ثورة الإمام الخميني قد تتكرر ثانية في دولة إسلامية, إن ثورة الإمام الخميني هزت وأسقطت اكبر طاغيتين في إيران والعراق ألا وهما الشاه وصدام, فكل مفكر ومحلل سياسي يرى أن بركان الثورة الإيرانية الذي فجره الإمام الخميني منذ الستينات كان هو السبب في تهرأ وتآكل حكومتي ونظامي الشاه وصدام, ولا يزال مستعرا مستمرا في تهشيم الحكومات العميلة ومنيرا الدرب للمستضعفين في الأرض للإطاحة بكل حكومة فاسدة والجهاد من أجل تشكيل حكومة وطنية كما الحال في الجمهورية الإسلامية «قادرة على أن تشطب بالقلم الأحمر على أشكال الظلم والنهب والفساد والعدوان وهي قادرة على إيصال الإنسان إلى كماله المطلوب».(وصية الإمام الخميني).

لقد نادى الإمام بتطبيق نظام الشريعة الإسلامية في العالم المتحضر بشكل حضاري ومدني والذي هو من صلب عقيدتها وإلا لم يكن الإسلام دين للحياة في كل زمان ومكان, إلا أنه يرفض الرجوع والاعتماد على العنف كما تقوم به الحركة الوهابية ومن سار خلفها لتشويه حقيقة الشريعة الإسلامية التي جعلها الله طريق خير ومحبة للأخذ بالبشرية نحو التكاتف والتكافل في حل أمور الرعية وقيادة البشرية نحو التقدم والازدهار. نعم بدأ الإمام الملهم بوحدة البيت الواحد لينطلق لبناء العالم وتقارب البشرية لأنه يؤمن كما آمن جده الإمام علي بن أبي طالب حين قال للأشتر في ولايته على مصر وكيفية عنايته بالبشر والرعية: «فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق». فنادى الإمام الخميني بإقامة صلاة الجمعة عند الشيعة فانتشرت بينهم وكذلك أقام أسبوع الوحدة الإسلامية في مناسبة عيد ميلاد النبي محمد(صلى الله عليه وآله) حيث أن هنالك فرق في عدة أيام في تاريخ يوم المناسبة بين الشيعة والسنة فوحدها الإمام بأسبوع واحد أطلق عليه اسم أسبوع الوحدة الإسلامية, وكذلك أغلق السفارة الصهيونية في طهران بعد الثورة مباشرة.

الإمام الخميني هو الذي غير شعوب العالم الإسلامي التي أصابها الإحباط واليأس فرأت في الثورة الإسلامية الإيرانية منارا لدربها وهداية لطريقها فأفاقت من السبات العميق إلى اليقظة والنهوض والمطالبة بحقوقها التي هدرها الحكام وسرقها الأجنبي. وبدلا من أن تكن نظرية الإمام الخميني شأنها شأن النظريات التي نادت بها الأحزاب والحركات الإسلامية ولكن دون تطبيق كما هو الحال لحركات الإخوان المسلمين في مصر والأردن وبقية الدول التي تتواجد بها حركة الإخوان والحركات الإسلامية الأخرى وكذلك نفس الشيء بالنسبة إلى حركة الترابي في السودان والإسلاميين في الجزائر وماليزيا واندونيسيا وغيرها من الأقطار الإسلامية, إلا أن ما حدث في الجمهورية الإسلامية يختلف عن تلك الحركات وذلك بأن نظرية الإمام الخميني وجدت لها حيزا في التطبيق والتنفيذ مما جعلت من الجمهورية الإسلامية دولة تضاهي وتوازي الدول المتقدمة تكنولوجيا وعلميا ويعد لها ألف حساب, وهي اليوم الدولة الوحيدة في المنطقة التي تعيش باستقلال وطني تام.

لذا فإن الإمام الخميني اليوم يعتبر مؤسس أكبر دولة متطورة مستقلة في العالم الإسلامي المعاصر تستلهم منها بقية الشعوب الإسلامية روح العزة والفخر وآمال المستقبل المستقل عن استعمار الدول الكبرى التي لم تحصل الشعوب الإسلامية منها ومن عملائها الحكام غير الذل والعبودية والتخلف والانحدار. الثورة الإيرانية اليوم آمال أبناء فلسطين الذين لم يشعروا بجذوة النصر إلا في حرب معركة غزة البطلة التي وقفت معها الجمهورية الإسلامية بشكل واضح ومكشوف دون خوف أو مهابة من الدول الكبرى وقد وظفت وسخرت كل إمكاناتها الإعلامية والمادية من أجل دعم أبناء غزة إلى يومنا هذا, وإذا أراد أبناء فلسطين اليوم أن يفتخروا بانتصاراتهم فأول ما يذكرونه هو بسالتهم ووقوفهم في وجه العدو الصهيوني والإحالة من تحقيق أي فوز أو انتصار له رغم ترسانته التي لا تستطيع مواجهتها الجيوش العربية, ولا ننسى هنا هزيمة الجيش الصهيوني في جنوب لبنان قبل غزة حيث لقنته مقاومة حزب الله درسا قاسيا لم يسبق له مثيل ولم يتوقع ما حدث من هزيمة ساحقة له منذ سنة 1917 وهكذا غيرت الثورة الخمينية مجرى التاريخ بوجه العدو الصهيوني الذي ما برح يرى أن أكبر وأخطر مهدد إلى وجود كيانه هو طريق الثورة الإسلامية. وما نراه اليوم من دعم لأبناء غزة من قبل الجمهورية الإسلامية والذي سلط الأضواء العالمية على وحشية الدولة الصهيونية التي قتلت وجرحت العشرات من مناصري أبناء غزة الذين قدموا على ظهر السفن المحملة بالمساعدات الإنسانية, فقد تحول الدعم الإيراني الإنساني للشعب الفلسطيني في غزة إلى دعم عالمي وذلك بسبب وقفة الجمهورية الإسلامية المخلصة للقضية الفلسطينية.

أما الحياة الداخلية في الجمهورية الإسلامية فيشهد عليها الأجنبي قبل الموالي والمحب, فهذه السيدة كاترين موتلر من جريدة (المستقلة) البريطانية وهي واحدة من أشهر الصحف في المملكة المتحدة إذ كتبت في هذه الصحيفة عدة مقالات عن إيران بما فيها الحياة الاجتماعية حيث أشارت «بأن الناس هناك يتمتعون بحرياتهم الخاصة كحرية التعبير واللبس والاحتجاج ولكنهم في حالة تخوف وحذر من التدخل الأمريكي إذ لا يزال الشعب الإيراني يتذكر أعمال مخابرات الشاه وآلامها, وهم اليوم يفتخرون بحق تصنيعهم النووي السلمي وكذلك يفتخرون بانتخاباتهم الحرة النـزيهة ومحاربتهم للصهيونية وأمريكا».

وأخيرا فإن الإمام وزعيم الأمة الإسلامية الراحل تمسك بحبل القرآن وأحل حلاله وحرم حرامه ووضع عنه مكاسب الدنيا لما أيقن أنه مفارقها وكان يؤمن أن ما يقاربه من الله يبعده عن الشيطان الأكبر, وكان يخاطب ويوصي جميع المسلمين بتقوى الله فإنها الزمام الذي يقود إلى السعادة, وبها نجاح طلباتكم وصلاح صدوركم وطهور أنفسكم. وهنا يقول الإمام: «أليس من الأفضل أن تسموا إلى الإصلاح والمعاضدة بدلا من الانشغال بالتسقيط», فسلام عليك أيها الإمام يوم ولدت ويوم ذهبت إلى المقر الأبدي ـ كما توصفه أنت ـ بقلب مطمئن وروح مسرورة ملؤها الإيمان بالله ورسوله وآل بيته (صلى الله عليه وآله) الذي جعلك الله من ذريتهم وحشرك معهم في عليين.