عظمة القدوم وذهول الرحيل

2011-06-06

ما عساها الأقلام أن تكتب وهل تسع الكلمات من يريد أن يعبر عن عصر الراحل العظيم الإمام الخميني(قدس) والذي قد لا يمكن مقايسته أو مشابهته بأي مرحلة من مراحل التاريخ المعاصر. والحديث عن هذه المرحلة سيكون من الصعب تصويره وبصورته الواقعية لما تركته من تأثير كبير لا زال وسيبقى فاعلا ما دام اسم هذا الإمام الراحل يدوي في تاريخ الإنسانية.

وعندما نعود إلى الوراء وإلى بزوغ الثورة الإسلامية في عام 1979 ونعيد الذاكرة إلى تلك اللحظات الحساسة التي كان فيه ليس فقط الشعب الإيراني الثائر بل إن العالم بكله كان منشدا لتلك اللحظة التي قرر فيها الإمام الراحل ومن عرينه في فرنسا بالعودة إلى وطنه للالتحام مع الجحافل الثائرة وفي كل إيران متحديا بذلك كل التهديدات التي أطلقها بختيار وكان أهمها هو إسقاط طائرته وهي في الأجواء إلا أن الإمام الراحل وعملا بوظيفته الشرعية فقد اتخذ قراره الحازم والقاطع ومن طرائف ما يمكن تدوينه في هذا المجال ما صرح به أحمد برو والذي كان ضمن الوفد الصحفي الذي يرافق الإمام في رحلة العودة إلى طهران إذ يقول أن الإمام الراحل(قدس) قد اخبر الصحفيين وكان عددهم يتجاوز 150 صحفيا أنهم وضمن أجواء التهديد قد ينالهم الموت فلذلك فمن يرغب فليأتي ومن شاء فليذهب ويضيف برو وبعد أن سمع الصحفيون هذا القول من الإمام أخذوا يتشاورون فيما بينهم وللحظات واتخذوا قرارهم بأن يبقوا بالطائرة مع الإمام الراحل حتى لو أسقطت لأن الموت مع الإمام الخميني سيكون "حلو المذاق!" وهكذا فإن قلوب الشعب الثائر في إيران أخذت تهفوا للقاء القائد وهو مكللا بالنصر وقد هزت فرصة استقباله العالم أجمع وهم يرون الجماهير المليونية وهي تحتضن قائدها وبصورة منقطعة النظير بحيث لم يعهدها أي بلد في العالم بحيث أصبح حدثا تاريخيا كبيرا وبنفس الوقت الذي أثلج فيه صدور الأصدقاء والمحبين في المقابل أغاظ قلوب الأعداء بل وأرعبهم لأنهم يدركون جيدا أن القادم في هذا البلد سيكون حساما مشهورا في وجوههم يصطاد ويدمر كل مخططاتهم ومؤامراتهم.

نعم وهكذا كان عاد الإمام الراحل واستقبلته الأرواح والقلوب قبل الأبدان وتمكن من خلال سلوكه الرباني أن يسيطر على هذه القلوب بحيث أخذت تهفوا وبكلها لكل كلمة قالها أو لكل أمر أصدره مدركة أن مستقبلها الزاهر سيكون بالإطاعة والاستجابة وهكذا كان واختطت الثورة الإسلامية مسيرتها الظافرة وتمكنت أن تتجاوز العقبات الواحدة تلو الأخرى بقيادته الحكيمة وبطبيعة الحال فإن تقدم الثورة الإسلامية يعني وبوضوح انحسار أو تقهقر كل الذين وقفوا في صف العداء معها خاصة دول الاستكبار التي أخذت تفقد مواقعها خاصة في نفوس وقلوب الشعوب. وهكذا وبنفس الوقت الذي استقبل به الشعب الإيراني قائده وهو يعود إلى البلاد جاء اليوم الذي دعا الله عز وجل الإمام الراحل إلى جواره راضيا مرضيا نجد أن هذا الشعب الذي راهن عليه الأعداء من أن امتداد الوقت قد يجعله أن ينفض يده أو يبتعد عن ثورته وقائدها إلا أن يوم وداع الإمام الراحل كان يوما مشهودا بحيث لم يكن يتوقع أو يتصور أي أحد في هذا العالم أن يهب ليس فقط الشعب الإيراني بل شعوب العالم أجمع وتملأ نفوسهم الحزن والأسى بل إن الأعم الأغلب منهم كان لم يصدق أن هذا الطود الشامخ قد يغيب يوما ما ولكن إرادة الله القاهرة قد حكمت في الأمر فما كان له إلا الاستسلام لهذه الإرادة وهكذا حملت قلوب الملايين قبل أيديهم جثمان الإمام الراحل في موكب مهيب لم يشهد له العالم مثيلا حيث كان عدد المودعين له ضعف الذين استقبلوه يوم عاد لإيران.

وقد أصاب من رآه وعايشه الذهول والحيرة وبذلك سطر الشعب الإيراني صفحة جديدة من الوفاء والولاء للثورة الإسلامية المباركة وقائدها الراحل. وتجلت بنفس الوقت عظمة هذا القائد الذي ملك القلوب والذي احتل موقعا في النفوس كاد لا يصدق ولا يمكن تصوره إلا أن الإمام الراحل الذي تاجر مع الله سبحانه فإنه كان واثقاً أن تجارته رابحة مائة في المائة.

ومن هنا فقد صدق أحد رجال التاريخ عندما سئل عن شعوره وهو يعيش ساعة رحيل الإمام الخميني الكبير بالقول "إن صفحة التاريخ قد طويت برحيل الخميني" وفعلا إن صفحة التاريخ المشرقة التي منحها الإمام الراحل عند بزوغ الثورة الإسلامية المباركة قد طويت برحيله. لكن امتداداته وإشعاعاته بقيت حية تحرك الساحات وهي اليوم تؤتي أوكلها بإذن الله كل حين. فهو رجل الميدان والثبات على المبدأ لا تأخذه في الله لومة لائم كيف لا يكون كذلك وهو القائل أنه رحل وقلبه مفعم بالإيمان وواثق من رحمة الله الواسعة فسلام عليك أيها الإمام الراحل يوم ولدت ويوم عشت عزيزا منتصرا ويوم استجبت لنداء ربك باللقاء به. ولكن وفي النهاية لابد من القول أن أبناءك الذين رعيتهم ستبقى حيا في نفوسهم وضمائرهم وسيحثون الخطى قدما إلى الأمام في تحقيق ما لم يمهلك الوقت من تحقيقه لتقر عينك وأنت في عالم الملكوت.