نساء عشن الثورة: لولا الإمام الخميني لبقينا في حضرة الغياب

2012-06-05

زينب الطحان

الإمام روح الله الموسوي الخميني قدس سره عاش يتيماً محروماً من وجود أمه، من وجود امرأة إلى جانبه في طفولته ترأف به وتحنو عليه، ولكنه مع ذلك قدّم للمرأة ما لم تنله على مدى العصور السابقة، ورفع مقامها إلى مقام أقدس المقدسات، القرآن الكريم، حين قال: "المرأة كالقرآن كلاهما أوكل إليهما مهمة صنع الرجال". إنه الإمام روح الله الموسوي الخميني، قدّس الله ثراه الطيبة، الذي قلب حياة معاصريه رأسا على عقب، وفي مقدمتهم المرأة المسلمة، سواء في إيران أو غيرها. في لبنان كانت التجربة جميلة رافقت نساء كثيرات تأثرن بفكر الإمام (قده) وتعاليمه، وتعرفّن على الإسلام الأصيل من خلاله محاضراته وخطبه وأقواله، التي كانت تهز العروش في كراسيها..

عن المرأة ومعها كان مثالاً وقدوة عن فكر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في تعامله معها في دفعها إلى الأمام وفي تشجيعها لتنال حقوقها وفق ما رسمها لها الإسلام.. في هذا المقام نحكي، في موقع المنار، قصة ثلاث نسوة تأثرن بفكر الإمام الراحل (قده) وتغيرت حياتهن على أساسها.. في كل واحدة منها قصة تروي بنبض الحب والعشق مسيرتها مع الإمام الخميني ..

أميرة برغل: كان لفتاواه أثر كبير على توجيه حركة عملي الإسلامي

الناشطة والباحثة الإسلامية الحاجة أميرة برغل، عرفتها أستاذة لنا في "ثانوية البرج الرسمية للبنات"، في منطقة برج البراجنة، عرفتها مرشدة ومربية مع كونها معلمة "كيماء" لكنها كانت تملك روحاً إسلامية اقتبستها من ذلك العملاق الكبير الإمام الخميني (قده)، عاصرت ثورته وتأثرت بها وغيرت حياتها.. تقول لي :"هكذا تأثرت بآية الله الخميني (قده): " بدأت قصتي مع الإمام قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، حيث كنت أبحث بحماس عن سبب الهزيمة المدوية للعرب أمام اليهود سنة 1967م وقادني بحثي إلى جواب واحد: الحل بالعودة إلى الإسلام. حينها وقع بين يدي كتاب، لفت عنوانه نظري، فأخذت أقرأه بشغف. لقد كان كتاب"الحكومة الإسلامية"، وحينها لم أكن قد سمعت من قبل باسم الإمام الخميني. أعجبت بأفكار الكتاب كثيراً ووجدت فيه طرحا منطقياً يجيب على الكثير من أسئلتي وأخذت استشهد به حيث ما وُجدت، وقد هالني في حينها كلام سمعته من أحد الأقارب المسنين يشكك في أصالة تديُّن الإمام ويتهمه بالتأثر بالشيوعيين.

لالإمام الخميني قدهم أكترث لهذا الكلام كثيراً، فقد كنت على ثقة بأن الإسلام بحقيقته الثورية لا يفهمونه هؤلاء الكبار. ومرت الأيام وإذ بهذا الرجل المغمور في بلادنا يلمع اسمه في الأفاق ويحقق نصراً إلهياً عظيماً ويقيم دولة إسلامية...فكانت فرحتي كبيرة لا يمكن أن توصف...كانت فرحتي فرحتين: فرحة النصر الذي طالما حلمنا به كإسلاميين ثوريين وفرحة إحساسي بأنني كنت على حق حينما لم أشك لحظة في أن ما ورد في كتاب الحكومة الإسلامية هو عين الإسلام.

تأثرت بحركة وكلام الإمام الخميني(قدس سره) تأثراً كبيراً على كل الأصعدة وخاصة على صعيد موقفه من المرأة، فهذه أيضاً مفارقة أخرى تميز بها فكر الإمام عن غيره من معاصريه، ولقد وفقني الله لاستفتاء المكتب الشرعي لسماحته حول جملة من الفتاوى والأحكام المتعلقة بالحدود الشرعية لعمل المرأة المتزوجة في المجتمع، والتي كانت محل جدل ونقاش واسع بين العاملين للإسلام وزوجاتهم، وقد كانت لفتاواه أثر كبير على توجيه حركة عملي الإسلامي في المسار الصحيح.

تأثرت أيضاً بفكر الإمام السياسي وطريقة تعبئته للجماهير وثقته بهم وقد استفدت منها في عملي الإسلامي وعلاقتي بالكوادر التي كنت أقودها. وتأثرت ثالثاً بسيرته مع عائلته وكيفية تقسيمه لأوقاته وبإرادته الحديدية في الالتزام ببرنامجه العبادي الذي قرره لنفسه.

وتأثرت رابعاً بمضمون وصيته الخالدة وخاصة بمقدمتها التي اعتبرتها بمثابة خارطة طريق لكل مجاهد يروم التمهيد لإقامة حكومة الله العالمية على وجه الأرض.

تأثرت ....وتأثرت.... بكل كلمة وحادثة نقلت عنه(قدس الله روحه) إلاَّ أن أهم ما تأثرت به من هذا الإمام العظيم هو أن أتعلم كيف أكون موحدَّة حقيقية على صعيد الأفعال والصفات وكيف "أكتب بقلم العقل على صفحة القلب أن لا مؤثر في الوجود إلاَّ الله".

رحم الله إمامنا العظيم وأعلى درجاته وألحقه بمن أحب من الأنبياء والصالحين بالزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها.

ولاء حمود: أهداني ثقتي بنفسي عندما رأى المرأة كالقرآن

اغيابه فاعل كما في حضوره الإمام الخميني لكاتبة والأديبة ولاء حمود، كانت في السادسة عشر من عمرها عندما تعرّفت الإمام الخميني (قده).. وعندما ألتقيت بها وكانت في الثلاثين كان لا يفارق ثغرها كلمات الإمام عن المرأة واعتزازها بها.. تروي لي بحب فياض : "استحوذت شخصية الامام الخميني العظيم على وجدان وشاعر ابنة الستة عشرة سنة التي كنتها أدهشني تماسك ابن الثمانين المتكئ على عصاه في مواجهة اعتى قوى الاستكبار العالمي..... اذهلني قوله يوماً انه ما عرف الخوف قط اهداني ثقتي بنفسي عندما رأى المرأة كالقرآن لأن كليهما اوكلت له مهمة صنع الرجال.... هذا الامام العظيم الذي ايقظ فجر أمتنا و زين سماءها بزينة الكواكب. هذا الامام العظيم بلغ تأثيره علي وعلى معظم بنات جيلي اني كنت موؤدة فأحياني حتى دون عناء السؤال و الان لا يسعني في ذكراه إلا ان اشكر الله الخالق القدير الذي منحني سبحانه نعمة الوجود في زمن الخميني العظيم.

ليلى مزبودي: أحسب نفسي أنني ما كنت لألتزم هذا الخط لولاه

الكاتبة والإعلامية ليلى مزبودي أعرفها زميلة في ميدان العمل تتحرك بحماس شديد وكلماتها كلها ثورة.. عندما كنا نطلب منها أن تهدأ قليلا كانت تجيب الإمام الخميني علّمنا أن الثورة في كل شيء.. اليوم تروي لي بكلماتها الخاصة حكايتها مع هذا الإمام (قده):

"تحار عند تحديد الخصائص التي تلفتك في الإمام الخميني: هو الذي أقحم الاسلام، كل الاسلام، في القرن العشرين، بعد أن كان أصبح، في أحسن الحالات، مجرد طقوس انفصلت فيها العبادات عن غاياتها، وفي أسوئها تراثا فكريا يزين المكتبات. هو الذي أعاد تصويب البوصلة للأمة الاسلامية التي تكاثرت عليها الاتجاهات حتى انتهى بها المطاف الى ان تهادن، ومن ثم أن تحابي أعداءها وتعادي ابناء جلدتها.

روح الله الخميني قدس سره هو الذي جعل من القدس قضية الاسلام الاولى، بعد ان أصبحت (ولا تزال للأسف) ضحية الزعماء الاولى، على مذبح سلطة لم يصبغوها بكفاءتهم فلم تمنحهم هيبتها....وكذلك الأمر بالنسبة الى دور المرأة، إذ هو حرر لها دورها الذي قلصته تفسيرات حبيسة الزمن، حفز مسؤولياتها الاجتماعية والسياسية والعلمية فضلا عن تقديره لوظيفتها العائلية (تربية الرجال وليس تلبية الرجال)، من دون أن يرى تضاربا بينهما. احيا لها حقوقا منحها لها الاسلام، ثم اغفلت طويلا. وبالأخص أعاد الاعتبار للستر والحجاب ، مكرساً انسانيتها...

قبل الإمام، كانت المرأة المسلمة غائبة عن المكان، خارجة عن الزمان، وقد خلت الساحة للكفر ونسائه، وللرجال فقط. بعده، اقتحمت الحاضر والمستقبل. ليس في الأمر امتيازات ، بل كله مسؤوليات. عندما يكون الاسلام في خطر، كل الامة مسؤولة. أدركها الامام، هو الذي يجيد قراءة آفات الزمن وطرح الحلول الاسلامية. وقد جعل الاسلام يواكب الانسانية (وليس العكس).

لهذا كله تعرفت الى الامام الخميني ومن خلاله الى الاسلام المحمدي الاصيل ومنه الى الله. أحسب نفسي أنني ما كنت لألتزم هذا الخط لولاه. ولا زلت أرى فيه الأب الروحي، ولا زلت أنهل منه. لم أطل عليه فقط من مقاربته لموضوع المرأة، لأنني انسانة قبل أن أكون امرأة، كما أن مقاربته المنصفة لموضوع المرأة يمنح طروحاته الاخرى مصداقية بالنسبة لي. ما يبهرني في نظرته للمرأة أنه يتوجه اليها كإنسانة قبل كل شيء. وكمسؤولة بالدرجة عينها. يضعها أمام مسؤولياتها تجاه الله في كافة المجالات دون استثناء.

وكما كانت انتفاضته ضد الشاهنشاهية، كانت نظرته للمرأة، ثورةً حقيقية، نفض من خلالها قروناً من الافكار الخاطئة والممارسات الظالمة... لولا الامام الخميني، لكانت المرأة المسلمة لا تزال اليوم في حضرة الغياب!.