بيان الحج لولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي عام 1418 هـ ق

2008-11-19

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير سيدنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى الخيرة من أصحابه المنتجبين.

حلّ موسم الحج, وهو يحمل بشائر أكبر لقاء سنوي للمسلمين.

وجدير بقلوب آلاف المشتاقين الذين نالوا فيض اللقاء في هذا الموسم أن تخفق وتنتفض لإعداد نفسها.. وجدير بالملايين من المسلمين الراجين الذين لم يدرجوا هذا العام في قائمة النائلين لهذا الفضل أن يملأوا قلوبهم وأذهانهم بشذى وعبير استذكار كل لحظات أيام السعداء, ويدعوا لهم ولأنفسهم ليعيش كل المسلمين العارفين خلال أيام الحج مع الحج وشعائره وآيات جلاله وجماله.

فريضة الحج كل عام تشكّل حادثة كبرى من حقّها أن تستقطب ـفي تلك الأيام المعلوماتـ الأفكار والإهتمامات والعقول والمشاعر في جميع أرجاء العالم الإسلامي، وأن يعيش المسلمون معها ويفكّروا فيها كل بحسب موقعه الروحي والفكر ي والسياسي.

ومن الطبيعي أنّ الذين نالوا فيض الحج يحتلّون مركز هذا التكليف والتوقّع.

وإذ كانت أبدانهم وأرواحهم وأفكارهم ومساعيهم ممزوجة بالحج وبركاته وآثاره, فالأجدر أن يحصلوا على أكثر ما يمكن من العطاء المعنوي والروحي والفردي والإجتماعي لهذه الفريضة؛ وسيحصلون بإذن اللّه على ذلك.

الحج منظومة متكاملة من المعارف

بركات الحج وإن كانت تستوعب كل جوانب الحياة البشرية, ويعمّ مطر رحمتها جميع المجالات, ابتداءً من خلوة القلب والفكر, ومروراً بساحات السياسة والإجتماع وعزّة المسلمين وتعاون الشعوب المسلمة, فتثريها وتحييها وتبث فيها نشاط الحياة.. ولكن قد يمكن القول: إنّ مفتاح كل هذا هو المعرفة.

وأولى هدايا الحج لِمن أراد أن يبصر الحقيقة ويستثمر ما ألهمه اللّه من قدرة على فَهْم الظواهر هي المعرفة المتكاملة، التي ينفرد بها الحج, ولا يحصل عليها المسلمون عادة إلاّ من هذه الفريضة, ولا تستطيع أية ظاهرة دينية أخرى أن تُقدّم للأمة الإسلامية تلك المنظومة الكاملة من المعارف كما يقدّمها الحج.

من هذه المنظومة المتكاملة من المعارف: معرفة الذات على الصعيد الفردي، ومعرفة الذات على صعيد الإنتماء للأمة الإسلامية العظمى، ومعرفة النموذج الموجود في الحج من تلك الاُمة الواحدة، ومعرفة عظمة اللّه ورحمته، ومعرفة العدو.

معرفة الذات على الصعيد الفردي تعني: أن يتأمّل الإنسان في وجوده, ويقف على نقاط قوته وضعفه.

هناك حيث تفقد قيمتها كل الاعتبارات المادية من مال ومقام وعنصر ورتبة وزينة ولباس, وبمعزل عن كل هذه المميزات يطوف الفرد ويسعى ويصلي ويفيض, ويقف إلى جانب مئات الآلاف من البشر.

الفقير والغني والحاكم والمحكوم والمثقف والأمي والأسود والأبيض كلهم بلباس واحد وفي عرصة واحدة، يتّجهون إلى اللّه متضرّعين إليه, خاشعين أمام جماله وعظمته وقدرته.

هناك يستطيع كل إنسان متدبّر أن يعرف تمام المعرفة ضعفه وفقره أمام اللّه سبحانه, ومنزلته وعزّته وعلوه في الإتصال برب العالمين، وأن يبتعد عن كل توهّم باطل وغرور بشأن وجوده الضعيف, ويكسر وثن الكبر والأنانية الذي يدفع إلى أفظع الأخلاق والسلوك، ثم يجرّب هذا الإنسان ويختبر من جهة اُخرى حلاوة الارتباط بمعدن العظمة والإتصال به والإنفكاك مما في داخله من أوثان.

هذه المعرفة الأساسية التي تشكّل جوهر كل العبادات ومضمون كل مناجات وكل ما صدر من أولياء اللّه من تضرّع، تصقل الإنسان وتبعث في حياته الصفاء, وتُعدّه لبقية ألوان المعرفة, وتؤهّله ليِطَوي كل طرق الكمال.

والمشاكل الدنيوية والإنهماك المفرط في السعي المادي, والخوض المستمر في الحياة اليومية تبعث على غفلة القلب وانشغاله, وتبعده عن هذه المعرفة الوضيئة, وتُوقِعه في أوهام هي أشبه بشراك بيت العنكبوت, وتخلق فيه الظنون الباطلة وتكدّر صفو القلب.

والحج هو العلاج الحاسم لهذه المشكلة.

ومعرفة الذات على صعيد الإنتماء للأمة الإسلامية تعني: رؤية جموع الحجاج وكل الأصقاع التي بعثت بأفرادها إلى طواف بيت اللّه, ورؤية كل الاُمة الإسلامية الكبرى في مرأى هؤلاء الحجاج؛ هذه الاُمة التي تتكون اليوم من عشرات الشعوب ومئات الملايين من البشر في جميع أرجاء العالم، وتتمتع بأهم الإمكانات المادية والمعنوية اللازمة للحياة والرفاه الإجتماعي، وكل البشرية وجميع المدنية الصناعية بحجمها المادي الضخم تحتاج إليها وإلى مصادرها العظيمة وأسواقها الرائجة وتراثها الثقافيوالعملي.

معرفة الذات باعتبارها جزء من هذه الحقيقة الكبرى تربط الحاج بإخوته وأهله برباط عاطفي وواقعي، وتبطل سحر التفرقة الذي ينفثه الاستعمار القديم والإستكبار الحديث بإسم العنصر واللغة والمذهب والقومية.

زعماء العالم الطبقي أي الساسة الذين كرّسوا اهتمامهم لإبقاء العالَم دائماً في قطبين: قوي وضعيف أو مستكبر ومستضعف، ولتقسيم مراكز الهيمنة بينهم على حساب الشعوب المستضعفة، هؤلاء مذعورون منذ قرنين حتى اليوم من وحدة الاُمة الإسلامية، ويصطنعون الموانع على طريقها.

نفس اُولئك الذين يعتزمون جعل أوربا مسيحية موحّدة عن طريق قتل المسلمين في البلقان, وعن طريق إنزال ألوان التمييز والظلم بحق الأقليات المسلمة في أوربا أو إهمالهم، نفس اُولئك يسعون إعلامياً وعملياً وبعناوين مُوهِنة إلى الحيلولة دون توحّد العالم الإسلامي.

ومعرفة النموذج المتمثل بالحاضرين في الحج من تلك الاُمة الواحدة يعني قطع خطوة عملية على طريق تحقق ذلك الأمل الكبير, أعني الإتحاد الإسلامي, وبالتالي نهوض قوة إسلامية واحدة في الساحة العالمية.

رؤية جموع الحجاج العظيمة القادمة من أرجاء العالم بلغاتها وألوانها وأجناسها المختلفة تُوسّع آفاق نظرة المسلمين وتجعلها تتجاوز الأطر الشخصية والقومية والوطنية، وواجب السلوك الأخوي الإسلامي يدفع المسلمين إلى التعارف ووحدة اللسان والقلب, وإلى انتشار المعلومات المتعلقة بالشعوب في أرجاء العالم, وإلى إحباط المؤامرات الإعلامية للأعداء، تلك المؤامرات التي تستهدف ـ دائماً وخاصة في أيامنا هذه ـ قلب الحقائق ونشر الأكاذيب والشائعات، وتدفع أيضاً إلى زوال الفواصل المكانية واللغوية بتبيين ما حققه شعب من منجزات تبعث الأمل في قلوب الشعوب الاُخرى، وبشرح تجربة أحد البلدان تضاف إلى البلد الآخر تجارب جديدة، وبطرح ما يعانيه بلد من مصائب يتّجه الآخرون إلى التفكير في العلاج, فيزول الشعور بالإنزواء والإنفراد من الأفراد والشعوب, وتتحطم أبهة العدو في أعينهم.

تمركز الحجيج في موسم الحج عند نقطة واحدة ـ وخاصة لدى الوقوف في عرفات والمشعر والبيت في منى ـ يوفّر بأجمعه أرضية هذه المعرفة البناءة المعطاءة.

معرفة عظمة اللّه ورحمته في الحج تعني: التأمّل في رفع قواعد هذا البيت الذي هو بيت اللّه, وهو في الوقت نفسه بيت الناس أيضاً: >إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ<[1].

إنه البقعة التي يتّجه إليها الإنسان الخاشع المُتبتّّل، وإنه أيضاً محل تجلّي عظمة الدين الإلهي.. خليط من العظمة والصفاء والبساطة، ذكرى أول نداء للتوحيد ومحط لتحقق وحدة الكلمة، يحمل آثار أقدام المجاهدين في صدر الإسلام, الذين جاهدوا فيه وهم غرباء, وهاجروا منه وهم مظلومون, وعادوا إليه وهم فاتحون أعزّاء, وطهّروه من رجس جاهلية العرب، ثم هو المعطّر بشذى المتهجّدين, ومحل سجود العابدين ومهوى قلوب الشاكرين، إنه مطلع فجر الإسلام في البلاد, ومشرق طلوع المهدي الموعود في الخاتمة، هو ملجأ القلوب المضطربة, ومحط آمال النفوس.

تشريع فريضة الحج وترتيب مناسكه يحمل دلائل العظمة ويحمل آيات الرحمة أيضاً.

بهذه المعرفة تهيج القلوب بمشاهدة الكعبة المشرفة في المسجد الحرام, ويعود التائهون إلى الصراط المستقيم, ويحدث التغيير في نفوس الناس.

معرفة العدو حصيلة كل هذه الألوان من المعرفة, ومُكمّلة ومتمّمة لها, وبدونها يكون خزّان قلب المسلم وذهنه بدون أسوار, وعرضة لغارة الغزاة والخونة.

في نفس أعمال الحج رمي الجمرات هو تجسيد لمعرفة العدو ومجابهته، والرسول الكريم (ص) أعلن البراءة في الحج وتُليت آيات البراءة من قِبَل أميرالمؤمنين(ع) في موسم الحج.

وإذا استراح العالَم الإسلامي والاُمة الإسلامية يوماً ما من وجود الأعداء الألدّاء ـ ولو أمكن لذلك أن يكون ـ فإن البراءة كذلك ستكون لا فلسفة ولا مغزى لها.

ولكن بالرغم من وجود الأعداء والتحديات الحالية فإن التغافل عن العدو, وعدم الاهتمام والاكتراث للبراءة يعدّ خطأ كبيراً وخسارة عظمى.

فلو أمكن الحصول على تلك المعرفة فإن عدو العالم الإسلامي كذلك سيمكن التعرّف عليه.

إنّ أية ظاهرة أو شخص أو حكومة ونظام يقول: بإخلاء المسلمين من هويتهم الإسلامية, أو يسعى لجرّهم إلى الفرقة والتشتت, أو تجاهل العمل للحصول على العزّة والعظمة الإسلامية, أو زرع اليأس منها هو في الواقع عمل عدائي, وإذا لم يكن هو بالذات العدو فإنه يعمل لصالح الأعداء.

إنّ الشيطان ـفي القرآنـ يعبّر عن قوى الشر والفساد والإنحطاط, وهو الذي يقف في الصف المعادي للأنبياء >وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ<[2].

وفي القرآن برمّته فإن إسم وصفات الشيطان متكررة, وطوال فترة نزول الوحي قد تمّت الإشارة إليه.

وهذا يعني أنّ التطرّق للعدو ومواصفاته يجب ألا تتغافل عنه المجتمعات الإسلامية إطلاقاً.

إنّ أكبر مساعي الشيطان اليوم تتجسّد في جبهة الإستكبار السياسية، وتصبّ هذه المساعي لإحباط عزائم المسلمين, وزرع اليأس في نفوسهم حول المستقبل، والعمل كي يتجاهلوا تراثهم وثقافتهم الأصيلة الغنية.

إنّ أي ظاهرة تعيد الأمل في نفوس المسلمين في العالم, وتجعلهم يفكّرون ببناء المستقبل على اُسس إسلامية هي منبوذة ومكروهة بشدّة في أعين الإستكبار.

إنّ عداء الشيطان الأكبر لإيران الإسلام نابع من أنّ إقامة الجمهورية الإسلامية, وإدارة بلد واسع ذات كثافة سكانية كبيرة, ويتمتع بثروات مادية ومعنوية لا تنضب تزرع الأمل والعزة والعظمة في نفوس المسلمين.

مؤشرات الأمل في سلوك الشعوب الإسلامية

بعد مضي 19 عاماً من إقامة الجمهورية الإسلامية في إيران يرى العالم بأسره مؤشّرات الأمل في سلوك الشعوب الإسلامية، وكلّما مضى الزمن نرى إندحار العالم الإستكباري أمام هذا الموج الضخم المتواصل, وازدياد روح الأمل في النفوس.

يقظة الفلسطينيين, وبدء عملياتهم التحررية الجهادية بشعارات إسلامية أمام الصهاينة الغاصبين.

يقظة الشعوب المسلمة في أوربا, وإقامة بلد بوسنة الإسلامي رغم ما واجهوه من مذابح دموية ارتكبها الأوربيون بأيديهم أو برضاهم.. وصول الإسلاميين إلى السلطة في تركيا والجزائر عن طريق ممارسة نفس أساليب الديمقراطية الغربية، وكلا التجربتين بقيتا ناقصتين بسبب ما تعرضتا له من انقلاب عسكري, وتدخّل عدواني وعداء عالمي لقوة الإسلام..وإقامة حكومة على أساس الشريعة الإسلامية في السودان، وهي رغم كل ما تُواجَه من عداوة خارجية, تشقّ بحمد اللّه طريقها نحو الإقتدار الإسلامي..عودة الحياة إلى الشعارات الإسلامية التي كان قد لفّها النسيان منذ سنين في كثير من البلدان الإسلامية.. وأمثال ذلك كثير..وكله يدل على التأثير العميق والمتزايد لولادة الجمهورية الإسلامية في إيران على جميع العالم الإسلامي والاُمة الإسلامية.

عداء الإستكبار لإيران الإسلام ازدادت وتيرته بنفس الشدة بعد إحباط المؤامرات المتواصلة العسكرية والإقتصادية والسياسية والإعلامية، وفتح الإستكبار جبهة جديدة لاتزال نشطة ضد إيران الإسلام؛ هذه الجبهة تمثّلت في حرب إعلامية هدفها اتّهام إيران حكومةً وشعباً؛ لتؤدّي إلى إطفاء نور الأمل في قلوب الشعوب المسلمة.

هذه الحرب الإعلامية تتجه إلى تصوير الشعب الإيراني بأنه نادم على حركته الثورية العظمى وشعاراته, وعلى سيادة القرآن والإسلام, وتصوير المسؤولين الإيرانيين بأنهم أعرضوا عن الإسلام والثورة.

ويستشهدون لذلك بادّعاء أنّ الحكومة الإيرانية تعمل على إقامة علاقات ودّية مع الحكومة الأمريكية.

وتكذيب هذا الأدعاء مراراً على لسان المسؤولين الإيرانيين, وتأكيدهم المستمر على عشقهم وتمسّكهم بالإسلام والثورة, وخط الإمام الراحل رضوان اللّه تعالى عليه، كل ذلك لم يمنع من أن تواصل الأجهزة الإعلامية, بل وحتى رجال الدوائر السياسية الإستكبارية وخاصة النظام الأمريكي المستكبر هذا الادّعاء بأساليب ولغات مختلفة، وأن تُكرّر ذلك أكثر في أخبارها وتعليقاتها وتقاريرها التي تبثّها إلى العالم, وخاصة إلى العالم الإسلامي.

معرفة العدو في الحج يعني: معرفة هذه الأساليب والدوافع، والبراءة في الحج تعني: فضح مؤامرة العدو وإعلان رفضه.

إيران حكومةً وشعباً بثورتها العظمى بقيادة الإمام العظيم الخميني رحمة اللّه عليه, واستمراراً نهجه وطريقه، قد رفعت راية الإسلام والوطن, واستعادت عزّتها واستقلالها الوطني ومسيرتها التاريخية.

وببركة الثورة الإسلامية نجا الشعب الإيراني من الفساد المتواصل, والإنحطاط العلمي والأخلاقي والإستبداد السياسي والتبعية لأمريكا، واستعاد نشاط الحياة والبناء، وتخلّص من حاكمية العناصر الذليلة الضعيفة الخائنة الفاسقة الفاسدة والمستبدة الظالمة، ونال حكومة شعبية وإدارة مخلصة وقوية ومؤمنة وأمينة، وتسلّم زمام أمور بلده وثرواته الوطنية الوفيرة التي كانت عرضة لغارة الأعداء، وأحياء في نفسه قوة الإبتكار والبناء التي مُنيت بالركود والخمود لسنين طويلة؛ نتيجة ضعف الملوك الخونة المأجورين وفسادهم، وقطع في كل الميادين العلمية والعملية خطوات واسعة؛ ليتلافى ما فاته خلال قرنين من التخلّف، ورصد لحركة مستقبله همّة عالية وعزماً قاطعاً, وفكراً نيراً, وتجربة ثرية استحصلها من تجربة الأعوام التسعة عشر.

الإسلام والثورة الإسلامية والإمام الكبير لهم على إيران وإنسان إيران الأيادي البيضاء، وشعبنا وحكومتنا سوف لا تغيب عن ذهنهما هذه الحقيقة, وسوف لا يضيّعان هذا الطريق الرحب والصراط المستقيم.

نماذج من مواقف أمريكا العدائية تجاه إيران

النظام الأمريكي منذ أن دخل الساحة السياسية الإيرانية قبل نصف قرن، ظلم وخان إيران والإيرانيين, فدعم نظام بهلوي الفاسد المعادي للشعب، وفرض حكومات عميلة وضعيفة وخادمة طيّعة على البلاد، وفرض إرادته على الشعب، ونهب الثروات الوطنية، وسرق أموالاً طائلة من هذا الشعب عن طريق صفقات النفط والسلاح المجحفة، وسيطر على القوات المسلحة الإيرانية وقوى جهاز أمن الشاه الرهيب، ودرّب الجلادين فيه، وأضرم نار الخلاف بين الشعب الإيراني وكثير من الشعوب المسلمة ومنها الشعوب العربية، وأشاع الفحشاء في إيران، وتعاون مع نظام الشاه في قمع النهضة الإسلامية خلال مراحلها المختلفة، وأصدر له التعليمات في هذا الشأن.

ثم حين انتصرت الثورة الإسلامية ـ رغم كل هذه الجبهة العريضة من الظلم والكفر والطغيان ـ ناصبت أمريكا للجمهورية الإسلامية منذ الأيام الأولى لإقامتها أنواع العداء، ودبّرت لإيران وشعبها الثوري أنواع العوائق والمؤامرات، بدءاً بدعم النظام العراقي في حرب الأعوام الثمانية، ومروراً بفرض الحصار الإقتصادي الشامل على إيران، ومساعدة العناصر الخائنة الفارّة، والإعلام المضاد المستمر في جميع أبواقه، وإثارة النزاعات الإقليمية والإختلافات بين إيران وجاراتها، والسعي للإطاحة بالنظام، وممارسة عمليات الإرهاب بِيَد عملاء الاستخبارات الأمريكية، والعمل الدؤوب لمنع عقد الإتفاقيات الإقتصادية بين إيران وبلدان العالم، وعشرات الحركات الخبيثة الاُخرى في جميع الجبهات وفي كل المجالات الممكنة.

وهذا فهرست موجز من قائمة طويلة لمواقف النظام الأمريكي العدائية لإيران والإيرانيين.

والجميع يعلمون ـ ورؤساء النظام الأمريكي يعرفون أكثر من غيرهم ويشعرون بالمرارة ـ أنّ النظام الأمريكي قد مُني بالفشل في أكثر هذه المجالات, وأصيب بالخيبة والإنزواء، والشعب الإيراني استطاع بفضل اللّه وببركة ما ناله من عزّة وشموخ ـ بفضل الإسلام والثورة ـ أن يُذيق العدو في أكثر هذه الموارد مرارة الفشل والهزيمة.

كيف يمكن إذاً أمام هذه الحقائق الساطعة أن تتجه إيران حكومةً وشعباً إلى عدو لا يزال الحقد يملأ قلبه, ومرارة الفشل المتواصل تلاحقه, وتوجيه الضربة إلى إيران تساور نفسه، وأن تمدّ له يد الصادقة، وتنخدع بابتسامة سفراءه, وهو لا يزال يحمل في يده ـ اليوم أيضاً ـ خنجره المسموم؟

الجمهورية الإسلامية أثبتت أنها لا تنشد التشنّج والتأزّم في علاقاتها مع بلدان العالم, وهي راغبة وثابتة الرغبة في إقامة علاقات متكافئة, قائمة على الاُصول الثلاثة.. العزّة والحكمة والمصلحة في سياستها الخارجية، وأثبتت أنها في علاقاتها هذه تضع نصب عينها مصالح البلاد المادية والمعنوية ومصلحة الشعب الإيراني العظيم وعزّته, وصيانة الاستقرار والسلم في الأجواء السياسية العالمية.

علاقاتنا مع دول الجوار وغيرها من بلدان العالم, ومنها الدول الأوروبية شاهد ناطق وواضح على ما نقول، وسعينا المستمر لإقامة حوار أخوي مع البلدان المسلمة, وما أدّت إليه هذه المساعي من نتائج طيّبة مع بعض هذه البلدان والحمد للّه، هو أمر مشهود أمام أعين شعوب العالم.

ولكن إلى جانب ذلك كله عَرف العدو أنّ اليقظة والصمود تجاهه منهج ثابت لمواقفنا, ولم ننخدع فيه بإغواء الشياطين, وسوف لا ننخدع فيه مستقبلاً إن شاء اللّه.

وسوف لن نعترف أبداً بالعدو الصهيوني, الذي أقام الدولة الغاصبة المحتلّة في أرض فلسطين الإسلامية, ولا نخفي إعتقادنا بضرورة إزالة هذه الدولة المحتلّة, وإقامة دولة من أبناء الشعب الفلسطيني نفسه، وسوف نعتبر أمريكا ـ التي هي الشيطان الأكبر, ورأس فتنة الإستكبار ـ عدونا ما دامت ملتزمة بسلوكها الحالي, ولا نمدّ لها يد الصداقة إطلاقاً.

أيّها الأُخوة والأخوات الأعزّاء من جميع أرجاء العالم, ويا حجاج إيران الأعزّاء.

اسعوا للحصول على المعرفة, مستعينين لذلك باللّه العلي العظيم، فالمعرفة بمفهومها الواسع الذي ذكرناه أكبر معطيات الحج، وعودوا إلى أوطانكم محمّلين بالمعارف الجديدة في المجالات المذكورة، واجعلوا ذلك رصيداً لسعيكم وحركتكم في المستقبل.

في هذا الموسم تذكّروا محنة المسلمين في كوسوفو, التي هي استمرار للمشاهد الدموية في منطقة البلقان وما شابهها في البوسنة والهرسك،

وارفعوا يد الضراعة لإنتصار ذلك الشعب المظلوم ونجاته، واعملوا على تقديم المساعدة له، وابحثوا عن علاج للمسلمين في بقية المناطق الإسلامية الممتحنة وادعوا لهم، واسألوا اللّه سبحانه أن يتفضّل بقدرته ورحمته المطلقة على المسلمين بإصلاح أمورهم.

أسأل اللّه سبحانه للجميع حجّاً مقبولاً, وعودة سالمة إلى أوطانهم مزوّدين بالعطاء المعنوي والأخلاقي والسياسي.

والسلام على بقية اللّه في أرضه وعجل اللّه فرجه.

والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته

علي الحسيني الخامنئي

3 ذي الحجة 1418هـ ق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سورة آل عمران، الآية:96.

[2] سورة الأنعام، الآية:112.