يحيي الإيرانيون في الأول من شباط/ فبراير ذكرى (12 من بهمن) تاريخ عودة الإمام الخميني الراحل "قدس سره" من منفاه في فرنسا وبدء الاحتفالات بمناسبة حلول "عشرة الفجر"، الذكرى الـ 36 لانتصار الثورة الإسلامية في إيران. ففي مطلع شهر شباط من كل عام، يحتفل أبناء الشعب الإيراني الأبي ومعه المستضعفون وكافة أحرار العالم، بذكرى فجر انتصار الثورة الإسلامية المباركة بقيادة الإمام الخميني "قدس سره" الذي سجل أعظم حركة ثورية عرفها التاريخ المعاصر، حيث تشهد إيران الإسلامية عشرة أيام من الاحتفالات والفعاليات الرسمية والشعبية، التي تشكّل فرصة لإعادة التأكيد على الإنجاز التاريخي الذي قام به الإمام الراحل، وحقّق به "حلم الأنبياء" كما أكد ذلك المفكر العظيم الإمام الشهيد محمد باقر الصدر.
وتشكل "عشرة الفجر" من كل عام إستفتاءً حقیقیاً، لإرادة الشعب الذي ملأ الساحات عام ١٩٧٩، وحطّم عرش الشاه المقبور بصرخات الله اكبر لیزلزل بذلك أركان أسیاده المستكبرین أميركا والكيان الإسرائيلي وكل الطغاة والجبابرة لیختار الإسلام منهجاً للحكم ولیكون أسوة لكل الأباة وعشّاق الحریة، ویفتح الطریق إلى القدس الشریف؛ حیث حمل منذ الیوم الأول بقوة، ودون استحیاء، شعار: "إسرائیل غدة سرطانیة لابد أن تزول".
وها هو المشهد یتكرّر في كل عام ...
إستفتاء یلبیه الملایین، رافعین شعار الإمام الخمینی : "نحن نستطیع" ، وهو شعار تحوّل إلى برنامج عمل ، وضع إیران الإسلامية – بحق - فی واجهة الأحداث العالمیة ، و حوّل التهدیدات إلى فرص، لیجعل جمهوریة إيران الإسلامیة مثالاً وأنموذجاً لالتفاف الشعب حول قیادته، لصیانة الحریة والاستقلال، في زمن الهیمنة والوصایة والذل والارتهان.
وعودة لأحداث الأول من فبرایر عام 1979م انتشر في الآفاق قرار عودة الإمام إلی أرض الوطن، وبالرغم من الانتظار الطویل الذی دام 14 عاماً، ظل هاجس الحفاظ علی سلامته یشغل أذهان الشعب ورفاقه، وذلك لأن الحكومة التي فرضها الشاه كانت ما تزال تسیطر علی المراكز الحساسة والمطارات في البلاد، وكانت الأحكام العرفیة لا تزال ساریة. لكن الإمام كان قد اتخذ قراره، موضحاً لشعبه في بیاناته عن رغبته في التواجد بین صفوف الشعب الإیرانی في هذه الظروف العصیبة والمصیریة.
وأخیراً، وطأ الإمام أرض الوطن في صبیحة الیوم الأول من فبرایر عام 1979م بعد غیاب دام 14 عاماً في منفاه. وكان الاستقبال الذي حظي به الإمام من قبل الشعب الإیراني عظیماً ورائعاً لدرجة اضطرت معه وكالات الأنباء الغربیة إلی الاعتراف بأن عدد الذین خرجوا لاستقبال الإمام تراوح بین 4-6 ملایین شخص.
وتدفقت الجموع من المطار إلی "بهشت زهرا"» مقبرة شهداء الثورة الإسلامیة للاستماع إلی الخطاب التاریخي للإمام. في هذا الخطاب دوت مقولة الإمام الشهیرة: "سأشكل الحكومة! سأشكل الحكومة بمؤازرة الشعب!"، في البدایة لم یعبأ رئيس الحكومة آنذاك شاهبور بختیار بهذه المقولة، لكن لم تمض إلا أیام قلائل حتى أعلن الإمام عن تعیین رئیس لحكومة الثورة المؤقتة وذلك في الخامس من فبرایر 1979م.
في الثامن من فبرایر عام 1979م قامت عناصر من القوة الجویة بزیارة الإمام الخمیني في مقر إقامته فی مدرسة علوي في طهران، وأعلنت عن ولائها التام له. في هذه الأثناء كان الجیش الشاهنشاهي یوشك علی الانهيار التامّ، حیث شهد حالات فرار وتمرد العدید من الجنود والمراتب المؤمنین وذلك امتثالاً منهم لفتوى الإمام الخمیني في ترك ثكناتهم والانضمام إلی صفوف الشعب.
في التاسع من فبرایر انتفض الطیارون في أهمّ قاعدة جویة في طهران، فأرسلت قوة من الحرس الإمبراطوري لمواجهتهم وقمعهم، فانضم الناس إلی صفوف الثوار لدعمهم ومساندتهم.
في العاشر من فبرایر سقطت مراكز الشرطة والدوائر الحكومیة الواحدة تلو الأخرى بید الشعب. وهكذا تم دحر نظام الشاه، وأشرقت ـ في صباح یوم 11 فبرایر ـ شمس الثورة الإسلامیة بقیادة الإمام الخمیني، وأسدل الستار علی آخر فصل من فصول الحكم الملكي السحیق المستبد.
في عام 1979م صوّت الشعب لصالح استقرار النظام الجمهوري الإسلامي وذلك في أنزه استفتاء شهدته إیران حتى ذلك التاریخ، ثم تبعتها انتخابات تدوین الدستور والمصادقة علیه ثم انتخاب نواب مجلس الشورى الإسلامي.
كان الإمام یلقي الخطب والبیانات یومیاً في مقرّ إقامته وفي المدرسة الفیضیة علی الآلاف من محبیه وذلك لتهیئة الأجواء لتدعیم أركان النظام الإسلامي وبیان أهداف الحكومة الإسلامیة وأولویاتها، وتشجیعهم علی تسجیل حضور فاعل في جمیع المیادین.
"عشرة أیام" هي المخاض الأطول في تاریخ الثورة الإسلامیة.. الذي غیّر وجه إیران، وتغیر العالم معها.
وأخيراً.. ها هم منذ أن سطع فجر إیران الإسلام، یحشّد الاستبداد لها ویجمع ویطلق أدخنته لیحجبوا، ولو قلیلا، من صفاء الفجر.. وها هو الفجر یفصح لهم في كل عام عن بعض أسراره.. ها هی إیران الإسلامية لا تزداد إلا إیمانا وإصرارا وقوة وثباتا كالطود الأشم تسفـّه أحلام الأمريكان وأتباعهم وأذیالهم. هنا صرخ الإمام: یا أیها المسلمون اتحدوا.. من هنا نظر سماحته إلى القدس فاستبشر الأقصى ودقت أجراس كنیسة القیامة.. لكنهم: لا یفقهون وأنّى لهم الذكرى.
المصدر: موقع قناة العالم
تعليقات الزوار