بمناسبة ذكرى انتصار الثورة الإسلامية.. رؤية في ضوء متطلبات الصحوة الإسلامية

 

منير مسعودي

 

قبل أربعين عاماً أو أكثر، لم يكن عسيراً على المرء رؤية التعددية في المشاريع الثورية ذات المحتوى الفكري والسياسي التي تتصارع في دنيا الإنسان من أجل تثبيت موقعها وبناء نموذجها الرامي إلى حل مشكلة الإنسان في العالم الثالث، حيث التخلف والتبعية والاستبداد، المثلث القاهر الذي يقضي على مكتسبات الاستقلال ويصادر فرص التنمية والاستقرار .

كان العالم يعج بالأفكار التي يقف بعضها موقفاً وسطاً بين الاشتراكية والرأسمالية، وبعضها ينحو منحى توفيقياً بين هذه وتلك . والبعض الآخر يحاول أن يصوغ مشروعه النهضوي اعتماداً على تاريخ وتراث شعبه، مع قدر كبير من العصرنة ومواكبة متطلبات العصر .

وفي نهاية السبعينيات بزغ فجر الثورة الإسلامية في إيران، فكان حضورها مدعاة للتساؤل واستحضار جملة من الإشكاليات الجاهزة عن علاقة الدين بالدولة، ومعنى تأسيس السلطة السياسية على أساس الشرع الديني، وكيف يتوافق هذا النموذج مع الواقع المعاصر حيث تغيرت المفاهيم والمقولات والوعي، ولم يعد في وسع أحد الانعزال عن تيار العصرنة الجارف وقيمه المادية .

وقد رافق انتصار الثورة الإسلامية في إيران انفتاح واسع على قراءة الفكر الإسلامي لتفكيك رموز هذا الفكر وفهمه، من أجل فهم مشروع الحركات الإسلامية التي وجدت مناخاً تعبوياً صالحاً للعمل. ومع هذا الانفتاح على الفكر، انطلق جدال واسع حول قدرة النموذج الإسلامي على إدارة الدولة والمجتمع، ومواجهة تحديات التغيير، وصعوبات المحافظة على الهوية ، وقطع روابط التبعية للغرب .

لم تكن المشكلة سياسية أو إدارية بقدر ما كانت مشكلة فكرية ثقافية . ذلك أن العالم الغربي كان يرفض تعدد المشاريع الفكرية والسياسية المتأطرة في إطار حضاري لا يسير بموازاة المشروع الغربي، بل تتعاكس وتتقاطع معها في الرؤية والهدف .

في مثل هذه الأجواء كانت ولادة المشروع الإسلامي أشبه ما يكون بالسباحة عكس التيار، نظراً لاختلاف رؤيته الكونية للإنسان ومستقبله ودوره ومسؤولياته ونهايته. ذلك أن المشروع الإسلامي ينتمي إلى السماء، ويتحرك وفق منطق الشرعية الدينية. في حين أن المشروع الآخر المغاير، ينطلق من شرعية ذاتيه بناها بنفسه وهو يتحرك في المحسوس والملموس ويساير غرائزية الإنسان ومصالحه الدنيوية دون الاهتمام بما وراء ذلك .

أما المشروع الإسلامي فهو يحاول الموازنة بين الإنسان والطبيعة، والدنيا والآخرة، والعقل والدين ..

الثورة الإسلامية تتطلع للمحافظة على استقلالية القرار السياسي ومنهج التفكير. والمشروع الغربي يريد تكريس التبعية والهيمنة.. والثورة الإسلامية تطمح إلى التنمية المتوازنة المستقلة عن الموقف الغربي، فيما يتحرك الغرب بآلية إلحاق الجميع بمداره.. الثورة الإسلامية تحاول انجاز التغيير الاجتماعي وفق رؤية الإسلام، والغرب يحاول هدم هذا المشروع بالغزو الثقافي والهيمنة الفكرية .

وفي ضوء تجربة الثورة الإسلامية صار ممكناً الحديث عن نمط من النظام السياسي فريد من نوعه، وعن شرعية سياسية مدعومة بمشاركة شعبية واسعة. والى جانب ذلك كله أفسح الانسجام بين السلطة السياسية والتوجهات العقائدية للشعب، المجال لخوض تحديات الآخر بوعي موحد لن تتقاسمه ولاءات متعددة . فليس هناك انشطار بين ولاء للدولة وآخر للدين. وقد سمح هذا التوجه في مواجهة عاصفة مستمرة من المشاريع المضادة التي يحركها الغرب ضد الثورة الإسلامية، دون أن تتراجع عن أهدافها ومشروعها، وهي ماضية في تمسكها بمسيرتها وثباتها على مبادئها بالشكل الذي جعل موقعها شامخاً في عالم الأفكار والسياسة والحضارة الإنسانية . وها هي تحتفل اليوم بالذكرى السادسة والثلاثين لانتصارها الأغر .