كنت أقود السيارة التي كانت تحمل الإمام من المطار إلى مقبرة الشهداء المسافة تقدر بحوالي (32كم) وقد احتشد ما يُقارب ثمانية إلى عشرة ملايين شخص (آنذاك) تقاطروا على العاصمة من جميع أنحاء إيران، لاستقبال الإمام الخميني الذي أبعد عن شعبه مدة خمسة عشر عاماً.تاریخ النشر : الجمعة ۶ فبراير ۲۰۱۵ الساعة ۲۲:۵۵كود الموضوع: 181406

قصة الانتصار في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران وليس هناك من تفسير لهذا الحشد العظيم وهذه العلاقة سوى الألطاف الربانية الإلهية، في حين ربما تحتاج الحكومات إلى عدة برامج من أجل حشد مئة ألف شخص، حقاً أشعر بالعجز عن وصف تلك المشاعر الجياشة التي كانت تلاحق الإمام، حيث كانت القلوب قبل العيون مشدودة نحوه، لقد انبثقت لجنة رعاية النظام من اللجنة العليا للاستقبال، حيث تمكنا من تعبئة خمسة وسبعين ألف عنصر من العناصر الثورية، وقد زودوا بعلامات تشير إلى وظيفتهم في توفير الأمن والنظام، غير أن الحكومة الخائنة وعناصرها المهترئة قد تمكنت من تزوير عدد من تلك العلامات لاختراق صفوف العناصر الثورية والالتفاف على الإمام؛ فعمدنا فوراً إلى تغيير تلك العلامات وأحبطت خطتهم الجبانة، طبعاً كان هناك تنسيق مسبق يقضي بأن يركب الإمام السيارة بعد هبوطه في أرض المطار، فجلس في مقدمة السيارة وأخذت تشق طريقها وسط تلك الملايين الجماهيرية التي احتشدت على جانبي الطريق من المطار حتى مقبرة الشهداء.

جدير بالذكر أن الابتسامة العريضة لم تفارق شفتي الإمام منذ هبوطه في المطار حتى مقبرة الشهداء، ما زلت أذكر أحد الأفراد الذي أمسك بمقبض باب السيارة طوال السير إلى مقبرة الشهداء، وهو يصرخ منادياً: «الموت للشاه»، فالتفت إليه ونهرته عن الإمساك بمقبض الباب، فالتفت إليَّ الإمام وقال: دعك منه وواصل القيادة فهو ليس في حالة طبيعية.

كان الإمام يسأل السيد أحمد بصورة منظمة، ما اسم هذا الشارع وذاك؟ وحين بلغنا جنوب طهران ـ الذي لا مكن مقارنته بالشمال من حيث الثراء والرفاه ـ قال: أنا مع هؤلاء، وهؤلاء معي في الثورة.

الذكرى الأخرى التي أحتفظ بها في ذاكرتي هي أن السيارة قد توقفت في ساحة التحرير أمام جامعة طهران، فما كان من تلك الحشود إلا أن رفعت السيارة وسارت بها عدة أمتار، أراد الإمام أن ينـزل من السيارة ويمشي بين الناس، إلا أني ـ وبسبب رعاية الضوابط الأمنية ـ كنت قد أقفلت أبواب السيارة، أخيراً وصلتنا طائرة عمودية فركبها الإمام، ولم أعد أذكر شيئاً حيث أغمي علي، ولم أفق إلا في سيارة الإسعاف والدكتور عارفي يقف على رأسي، وقد ربطوا لي مغذيا، بينما كنت أسمع صوت الإمام يدوي في جميع الأرجاء وهو يقول: «أنا الذي سأشكل الحكومة، سأضرب هذه الحكومة على فمها...».

 

انتصار الثورة

وقد أعلن الإمام في مقبرة «جنة الزهراء» مشاريعه المقبلة، وأعلن إلغاءه لحكومة بختيار..

وجلس في مدرسة معدة لإقامته وسط المدينة يقود الثورة، ويواصل إصدار تعاليمه عن طريق جهاز علماء الدين والمساجد.

جنرالات الشاه جمعوا فلولهم، وتأهبوا لاحتلال شوارع طهران وقصف مراكز الثورة، فأعلنوا حظر التجول في العاصمة ابتداءً من بعد ظهر اليوم الثامن من فبراير(شباط) 1979م.

لكن الإمام أمر الجماهير بالخروج إلى الشوارع وكسر قرار الجنرالات، فغصت الشوارع والطرقات بالجماهير، وأخفقت مؤامرة الجنرالات.

كانت مواقف الإمام من الجيش، خلال أيام اندلاع الثورة الإسلامية، تتجه بأجمعها إلى توعية أفراد القوات المسلحة، وبخاصة صغار الضباط وصفوف الضباط الجنود، على وضع البلاد المؤلم، وإثارة الروح الإسلامية في نفوسهم ليعودوا إلى صفوف الأمة. كما طلب من المواطنين مراراً ألا يتعرضوا لأفراد الجيش، بل يستعطفوهم وينثروا عليهم الزهور.. لأن أكثرهم مقهور لا حول لهم ولا قوة.

أثرت مواقف الإمام هذه في أفراد الجيش أيما تأثير، فقد تصدعت المؤسسة العسكرية من الداخل، وخلت المعسكرات من الجنود، والقليل الباقي أعلن استسلامه في التاسع من شباط، وانضم إلى الجماهير يهتف ويعلن ولاء للثورة بحماسة ممزوجة بدموع الفرح والعودة. كما نهض الضباط والجنود الموالون للثورة بدور هام في القضاء على الرؤوس العفنة الموالية لأسيادها.

هرب بختيار، واستلمت الحكومة الإسلامية المؤقتة التي عينها الإمام مقاليد الأمور في البلاد، وانتصرت الثورة الإسلامية في إيران أيما انتصار.

وهكذا رأينا كيف كانت الشعلة النورانية وهّاجة في وجه الظلم والتسلط، وكيف بدت إيران المسلمة أرضاً وشعباً، بإرادة رجل وقف حياته كلها على الكفاح والنضال المريرين، ليعلو صوت الحق والدين والإنسان، فكتب ليصرخ، وقرأ لينصح، وزرع ليحصد، لم يوقفه السجن بويلاته، ولا المنفى بحرقته، ولا الإبعاد سنين طويلة عن تتويجه لهذه المسيرة بالنصر والنجاح.

نص البيان الذي أصدره الإمام الخميني في باريس في 26 صفر 1399ﻫ

بسم الله الرحمن الرحيم

أتقدم بأسمى آيات الشكر والتقدير لكافة الأخوة الذين واكبوني في هذه النهضة المقدسة، لقد صممت على الالتحاق غداً بالأمة لأكون في وسطها، فأتحمل ما تتحمل، إلا أن الحكومة العميلة الخائنة تحاول منع تحقق هذا الأمر؛ حيث عمدت إلى إغلاق جميع المطارات، وإني سأنطلق إلى إيران حالما تفتح المطارات، وسأفهم هذه الحكومة بأنها حكومة غاصبة خائنة للأمة، وأن الأمة لم تعد تتحمل التعامل مع الحكومات العميلة للأجنبي، لا بد من أن تعي هذه الحكومة بأن سياسة الحديد والنار والمنطق الغاشم قد ولت إلى غير رجعة، ولا يسعني هنا إلا أن أناشد الأمة مواصلة جهادها حتى الإطاحة بما تبقى من رموز النظام البائد، كما لا يسعني إلا أن أشكر هذه الأمة، وأعلمها بأني مصمم على الالتحاق بها، فإما أن أقتل وإما أن أستعيد كامل حقوقها المهضومة المضيعة، على الأمة أن تعلم بأن بختيار خائن، وعلى الجيش أن يعود إلى أحضان الأمة ويقف إلى جانبها في طرد هؤلاء الخونة، على الشعب أن يتحلى باليقظة والوعي حيال المؤامرات التي تحاك ضده، إن النظام يلفظ أنفاسه الأخيرة، وسننتصر عليه بإذن الله، سأكون عما قريب بين الأمة وأضع حداً لهذه الحكومة الخائنة.