مواضيع  هذا القسم:

1- دور الثورة الاسلامية في التمهيد لصاحب العصر والزمان (عج).   2- الإمام المهدي وأطروحة المنقذ العالمي.   3- 15شعبان يوم المستضعفين.   4- الإمام المهدي (عليه السلام) في روايات أهل السنّة.   5- المهدويّة عند أهل البيت (عليهم السلام).   6- آداب العلاقة مع الإمام المهدي (عج).  

 **************

************

**********

********

******

****

**

*

دور الثورة الاسلامية في التمهيد لصاحب العصر والزمان (عج)

2007-09-06

الدكتور الشهيد مصطفى شمران

الثورة الإسلامية قفزة نوعية نحو المدينة الفاضلة

تشكل ثورتنا الإسلامية قفزة نوعية كبرى في مسيرة الإنسانية التكاملية نحو المدينة الفاضلة، وإمام الزمان (عج) ينتظر تلك اللحظة التي تصل فيها عملية تغيير النفوس الى حد كمالها حتى يستطيع الظهور.

إن إمام الزمان هو الذي ينتظرنا وهو غير مرتاح لغيبته بأي وجه من الوجوه، هو قلق ومتألم وغير نائم ولا غافل، إنه يشاهد ما يعاني منه المحرومون والمستضعفون من المجازر والجرائم والظلم والعذاب، إنه يتألم ويتعذب وينتظر الظهور بفارغ الصبر ليقتطع جذور الفساد من هذا العالم ويقيم الحق والعدالة الإلهية.

لكن أمتنا لم تصل بعد إلى درجة التكامل المطلوبة التي تؤهلها لاستقباله وتحمّل إقامة الحق والعدالة ودولته الإسلامية المقدسة.

تكليفنا تسريع التغيير الروحي حتى يظهر الإمام الحجة (عج)

إن وظيفتنا وتكليفنا في حياتنا هو تسريع هذا التغيير الروحي حتى يصل مجتمعنا والمجتمعات الأخرى الى درجة الوعي والرشد والتكامل لكي يستطيع الإمام الحجة عجّل الله تعالى فرجه أن يعتمد عليهما فيظهر ويحقق مشروعه النهائي في هذه الدنيا ويقيم بنفسه وبيده بشكل عملي المدينة الفاضلة التي تجّسد هدف الإنسانية المرسوم منذ اليوم الأول لتاريخ وجودها.

تعلمون أن هذه المدينة الفاضلة هي التي تنتهي فيها أعمال الظلم وتحكمها قوانين العدالة، وهي أمل ورجاء كافة الشعوب والأمم، وينتظر مفكّرو العالم ذلك اليوم منذ قرون طويلة لتتحقق تلك المدينة الفاضلة الثانية، ولكن من بين جميع الأفكار والنظريات والأنظمة والشعوب والمفكرين ان الإنسان الوحيد الذي بمقدوره إقامة هذه المدينة الفاضلة هو إمام زماننا الذي تدل عليه كافة الأحاديث والأدلة المختلفة.

نحن نعرف بأننا نحن الذين لا نراه لأن قلوبنا وأرواحنا مغطاة بحجب الذنوب والآثام ولذلك لا نستطيع أن ندرك وجوده المبارك، فهو لم يغب عنا بل نحن الذين غبنا عنه.

نور إمام الزمان (عج) يشعشع كالشمس في كل زوايا العالم

يقول الشاعر حافظ:

حجاب الأرواح يشبه غبار الأجساد

طوبى لمن يقلع الستار عن هذه الأرواح‏

كما أن تراكم الغبار يشكل حجاباً على أجسادنا فنقوم بإزالته، كذلك يجب علينا أن نزيل هذه الغشاوة الضخمة عن أرواحنا وقلوبنا حتى نستطيع أن نشعر بوجود إمام الزمان عجّل الله تعالى فرجه الذي ينير الوجود كالشمس؛ إن نوره يسطع كالشمس ووجوده يشعشع في كل الأمكنة وزوايا العالم.

محال أن يخلو هذا العالم من نور وجوده وإلاّ لتلاشى أساس هذا العالم واضمحلّ واندرست جباله وذرّات وجوده ولأصبحت كالصوف المنفوش وتبعثرت في السماء.

هذا قانون وعلة الخلق؛ يجب أن يكون موجوداً وهو موجود يسطع كالشمس.

أما إذا ما راجعنا الآية القرآنية الكريمة التي تقول:

(ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم) البقرة 7.

فسنجد أن القلوب والأبصار والآذان مغطّاة بغشاوة وستار ضخم ولهذا السبب لا يستطيع الناس إدراك الوجود المبارك لهذه الشمس الساطعة.

وجود إمام الزمان (عج) كوجود الجاذبية والهواء في كل مكان

إمام الزمان عجّل الله فرجه موجود بيننا كوجود قانون الجاذبية وكوجود الهواء؛ فلو فُقد الهواء لمات الجميع، ولو انتفى قانون الجاذبية لتلاشت الجبال والأبنية وسبح الناس في الفضاء.

إذاً وجود إمام الزمان (عج) كوجود قانون الجاذبية والهواء في كل مكان وعلى الدوام، لكن الحجاب الضخم على قلوبنا وأبصارنا هو الذي يمنعنا من رؤية وجوده المبارك.

لن يأتي الامام المهدي (عج) لقطع أنفاس البشر

حينما تصل الشعوب الى مرحلة الرشد ترفض كل الأنظمة الشرقية والغربية وكل الحكومات والطواغيت، وتصبح جاهزة لطاعة الإمام والتضحية بكل وجودها لنصرة حركته ومشروعه ودولته.

لن يأتي إمام الزمان (عج) ليقطع أنفاس البشر، فلو كان ذلك هو المطلوب لأنزل الله تعالى بلاءً من السماء وأباد العصاة والمخالفين لأمره.. يمكن أن تتحقق هذه الإرادة الإلهية في كل لحظة كما جرى في زمان النبي نوح (ع) والنبي موسى (ع) وبقية الأنبياء والأولياء (ع) وكذلك في زماننا هذا يمكن أن ينزّل الله تعالى بلاءً من السماء ويقتلع أعداء الثورة من الطواغيت والقوى الكبرى والصهاينة، لكن هذا الأمر لا يتناسب مع الفلسفة الإلهية لهذا التغيير.

الفلسفة الإلهية تقتضي تغييراً بدون معجزات

تقتضي الفلسفة الإلهية هداية البشر وتحقيق التغيير والتحوّل الروحي في نفوسهم، وما هذه الثورة إلاّ وسيلة من وسائل ترشيدهم وإعدادهم لتلك المرحلة.

فلو أراد الله تعالى أن يقتلع جذور الفساد ويصنع المعجزات الى جانب الإمام الحجة (عج) ماذا سيكون دور الأنصار؟

لو فرضنا أنه لا يوجد حالياً في بلدنا أو في العالم أعداء كالقوى الكبرى والصهاينة والشاه وعملاؤه في الداخل لما كان لثورتنا قيمة لأن أهمية ثورتنا تكمن في وقوفها بوجه أكبر الدول وأعظم القوى ومخططاتها وتصديها لكل من يعرقل تطبيق الرسالة الإسلامية المقدسة.

في هذا الطريق يصبح لثورتنا ولتضحياتنا قيمة ومكانة واعتبار.

إذن لا يريد إمام الزمان (عج) أن يقطع أنفاس جميع الناس، يجب أن نستعد لتحمّل مسؤولياتنا، والذين ينامون في الزواية وينتظرون ظهور الإمام الحجة (عج) ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً هم أناس التبس عليهم الأمر ومشتبهون.

التضحية والجهاد يعجّل ظهور الإمام الحجة (عج)

يجب أن يضحّي شعبنا أكثر ويجاهد أكثر ويسرّع هذا التغيّر والتحوّل حتى يعجّل ظهور الإمام الحجة (عج)، ويجب أن تدركوا جيداً أن الامام حاضر ويراقب كل أعمالكم.

إمام الزمان (عج) لا يترك قافلته ولا يدعها عرضة للمخاطر، بل يراقبها ويتعذّب إذا أصابها مكروه ويتألم إذا سقطت الدماء بدون حق.

إمام الزمان يسعى بكل وجوده لايجاد التغيير والتحوّل الوجداني في نفوس هذه الأمة حتى تصل أسرع فأسرع الى تكاملها.

أمل ظهور إمام الزمان (عج) يرفرف في أعماق فلسفة التشيّع

عرضت ذلك المثل حتى يدرك شبابنا بحق أن إمام زماننا (عج) شاهد عليهم وحاضر معهم ويعيش بينهم ويسعى بقوة لتحقيق ذلك التغيير النوعي لا الكمّي لتصرفاتهم وتضحياتهم وحياتهم ومودّتهم، ولإنجاز خطوة كبرى في حركتهم التكاملية نحو المدينة الفاضلة.

للأسف ان بعض أبناء مجتمعنا يجهلون هذه الحقيقة العظيمة لعلّهم يفكرون بوجوده المبارك خلال لحظات أو أيام ثم يصابون بالنسيان، لقد عرّفوهم عليه كأنه أسطورة تاريخية، فكما أن الإمام علي (ع) جاء وذهب وكما استشهد الإمام الحسين (ع) وانتهت حياته، كذلك يروون سيرة إمام الزمان (عج) كروايتهم لحوادث التاريخ، وهذا خطأ واشتباه كبير.

إمام الزمان (عج) حاضر وموجود ويسمع ويرى كل ما نقوم به، وعندما تصل أمتنا الى هذا المستوى من الإيمان والإدراك سوف تحقق أعظم الخطى في طريق تكاملها.

هذه هي فلسفة التشيع التي يرفرف في أعماقها أمل عظيم، هذا الأمل المقدس هو ظهور الإمام الحجة واقتلاع جذور الظلم وإقامة صرح العدالة في هذا العالم.

علّقت مدرسة التشيّع لقافلتها أعظم الآمال بظهور إمام الزمان (عج)

تربي مدرسة التشيع أبناءها لتحقيق أمل واحد، وذلك الأمل هو ظهور إمام الزمان عجّل الله فرجه، لأن ظهوره سوف يحلّ كل المشاكل ويحقق كل الآمال.

اجمعوا كل الآمال التي ترد في ذاكرتكم فسوف تجدون أن قسماً يريد إسقاط الطاغوت وإزالة القوى الكبرى واقتلاع جذور الظلم والفساد في هذا العالم وتحقيق النصر، وقسم من العمّال يريد زيادة الرواتب وتحسين الظروف الصحية وتأمين السكن وغيره...

إن جميع هذه المشاكل تنتهي عندما تتحقق المدينة الفاضلة لصاحب العصر (عج) في هذه الدنيا وبيديه المباركتين.

إذن تلاحظون أن مدرسة التشيع تعلّق أعظم الآمال لأتباع قافلتها في أمل واحد وتطمئنهم بأن تحقُقه سيخلّصهم من جميع المشكلات وينجز لهم جميع الآمال.

تأمّلوا في هذه المدرسة وحدّقوا بها، كم هي مدرسة عظيمة ومقدسة وصلت إلى هذا المستوى من السمو وهيّأت للمقتدين بها هذا الأمل الكبير الذي يضم في إطاره كل شأن من شؤون الدنيا ويؤمّن له الحل الصحيح، حقّاً الحل الصحيح.

إمام الزمان (عج) ينتظر أمتنا لتصبح مستعدة لاستقباله

كم هو تحوّل عظيم وعميق سيحدث في مجتمعاتنا لو أن أمتنا تدرك في الوقت الحاضر هذه الحقيقة العظيمة الساطعة بأن لها أملاً، وذلك الأمل هو ظهور الإمام، وتطمئن بأنه موجود بينها ويعيش معها ويراقبها ويتألم قلبه لعذاباتها وإراقة دماء أبنائها، وينتظر بفارغ الصبر تلك اللحظة التي نصبح فيها مستعدين لاستقباله.

بناء على ذلك نصل الى النتيجة التالية:

إن وظيفتنا نحن أن نسرّ بظهوره بشدة أكبر وأن نحقق هذا التغيير والتحوّل وأن نتجهّز لاستقبال شخصه الشريف، وأن نهيّئ أنفسنا ونرتفع بها الى تلك الدرجة من الرشد والتكامل التي تؤهلنا لتحمّل وجوده المبارك بيننا.

كونوا مطمئنين بأننا إذا وصلنا الى ذلك المستوى فسيخرج إمام الزمان (عج) بشكل مؤكد.

ثورتنا الإسلامية أعظم خطوة في تعجيل الفرج والخلاص

إن الثورة الاسلامية في إيران تعتبر أعظم خطوة على طريق هذا التغيير والتحوّل الروحي والوجداني في النفوس الإنسانية، وبذلك تحقق دوراً مهماً جداً وأساسياً لتحقيق ظهوره المبارك (عج).

واجبنا مقدس ومهمتنا عظيمة وعلى جميع شبابنا الذين يساعدون في حراسة هذه المعتقدات المقدسة وتحقيق مقدمات انتصارها الذي يشكل مساهمات كبرى في تعجيل الخلاص والفرج، أن يستمروا في تقديم التضحيات وأن لا يبخلوا عن بذل أي جهد مهما بلغت المصاعب.

إلهي، عجّل فرج مولانا صاحب العصر والزمان‏.

إلهي، مُنّ علينا بتحقيق النصر النهائي للثورة الاسلامية المقدسة.

إلهي، أهلك القوى الكبرى والصهيونية والطغاة.

إلهي، تفضّل علينا بحفظ إمام أمتنا وأطل في عمره‏.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

**************

الإمام المهدي وأطروحة المنقذ العالمي

2007-09-06

الطباطبائي والصدر يكتبان عن الأطروحة ويعالجان الشبهات

خالد توفيق

رسالة للطباطبائي

ثمة رسالة وصلت ليد السيد محمد حسين الطباطبائي صاحب تفسير الميزان، تضمنت ـ كما يذكر ـ إحدى عشرة شبهة حول الإمام المهدي (عليه السلام) وانتهت في محصلتها إلى إنكار وجوده من الأساس.

لذلك اضطلع الطباطبائي بكتابة بحث محكم للرد على الرسالة وإعادة بناء الاعتقاد بوجود الإمام المهدي وباستمرار حياته على قواعد الجمع بين الدليل العقلي والقرآني وما يستفيده من صحيح الحديث النبوي وما يروي عن آل النبي صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

نشر بحيث الطباطبائي (بالفارسية) في رسالة حملت عنوان "جواب أسئلة عن الإمام المهدي علية السلام". وهذا البحث لا يزال رغم مرور ثلاثة عقود عليه، ينبض بالحيوية ويتسم بوفير الفائدة لكونه ثمرة لقلم محكم ومنهج متماسك، ولكون الشبهات المثارة عادت لترمي بظلالها مجدداً خلال العقد والنصف الأخير في إطار المحاولات المستمرة للتأثير على ألق مذهب أهل البيت ومحاولة محاصرته وعزله عن الامتداد الذي يمارسه بشكل مطرد كاسح في نفوس المسلمين وعقولهم.

وفي الواقع إن أحدا من المحدثين لم يأت بشبهة جديدة حول قضية الإمامة عامة وإمامة المهدي من آل البيت خاصة. نقول هذا الكلام على سبيل الاستقراء شبه الكامل لما يثار من شبهات في الاتجاهات التشكيكية الراهنة، التي هي في حقيقتها إعادة إنتاج لشبهات الماضين وإشكالاتهم وما أثاروه من أسئلة أجيب عنها قبل أكثر من عشرة قرون من الآن.

فالمتفحص لما يكتب الآن من شبهات يجد حين يعود إلى كتب الكلام أنها تعاد بنفسها، وأحياناً بنفس العبارات والمقدماتن أو قد يقوم الكاتب المعاصر بالجمع بين إشكالين وإلباس الشبهة ثوباً جديداً أو التصرف في أسلوب العرض ومنهجه.

 نصان حديثان

يصح التقويم الآنف على الغالبية العظمى مما يثار من شبهات حتى ليخال للمتابع أن هؤلاء يعودون إلى كتب علم الكلام فيأخذون منها الشبهات ويطرحوا أجوبتها جانباً!

وقد نستطيع أن نقول إذا أردنا أن ننزه بعض الكتاب عن الجهل انهم يمارسوا فيما يطلقون من شبهات حول عقيدة الشيعة في الإمامة عموماً والمهدي خصوصاً نوعاً من البهت فيبهتوا أتباع مذهب أهل البيت بما لم يقولوا به أصلاً، أو يصموهم بخلاف ما عليه معتقدهم.

مثلاً، يكتب دارس معاصر لكتبه صدى بارزاً بين النخب العربية المفكرة عن قيمة المنهج العقلي في المعرفة عموماً وفي التوحيد خصوصاً: "ولابد من الإشارة هنا إلى إنكار الفرق الرافضة من الشيعة، بل الشيعة كلها باستثناء الزيدية، لإمكانية التوصل إلى معرفة الله بطريقة النظر والقياس، ذلك أنهم "يزعمون أن المعارف كلها اضطرار وأن الخلق جميعاً مضطرون وأن النظر والقياس لا يؤديان إلى علم وما تعبد الله العباد بهما" (محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، ص200).

والحال أننا نتحدى هذا الكاتب أن يأتي بنص واحد من كتب مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) يهمل دور المعرفة العقلية في معرفة الله أو يقول بالاضطرار. وربما وصل إلى هذا الكاتب إجماع الأمامية على حرمة التقليد في أصول الدين وأنها لا تكون لا بالتقليد ولا بالاضطرار، بل هي حصيلة إيمان ناتج عن دليل. وما يختلف هو مستوى الدليل وطبيعة بنائه الفني.

وحين نقول إن أمثال هذه الشبهات هي إعادة إنتاج لما واجهته المدرسة الإمامية وجسمته قبل أكثر من عشرة قرون، فلن نجانب الحقيقة مطلقاً. لنتمعن جيداً النص التالي للشيخ المفيد المتوفي سنة 413 هجرية، وكيف انه يثبت أن المعرفة في أصول الدين لا تجوز بالاضطرار مطلقاً، حيث يكتب: "أقول: إن المعرفة بالله تعالى اكتساب. وكذلك المعرفة بأنبيائه وكل غائب، وأنه لا يجوز الاضطرار إلى معرفة شيء مما ذكرناه" (الشيخ المفيد، أوائل المقالات، ص66). لاحظوا كيف يتعاكس نص المفيد الذي يمتد إلى عصرنا عبر ألف عام من السنوات مع نص الجابري الذي يُبهت الشيعة بالقول بالاضطرار!.

وإذا كان كاتب آخر لا يبهت أتباع مذهب أهل البيت بمثل ما يبهتهم به الجابري، بل يبدو من ظاهر نصه أنه ميال إلى لغة التقويم الموضوعي، فإنه حين يصل إلى الإمامة ينزلق إلى المطب الخطير، حيث يكتب: "والعقلانية: واحدة من القسمات التي تتجلى للناظر في تراث الشيعة الفكري، وذلك إذا استثنينا تراثهم في الإمامة ـ كما قدمنا ـ قد غدوا أسرى لنصوص وتفسيرات لنصوص، تعبدوا بها، ونحّوا العقل جانباً أمام هذه النصوص ذات الطابع الأسطوري، بل وفاخروا بذلك غيرهم من التيارات! أما في غير الإمامة وما يتعلق بها فإن تراثهم صفحة من صفحات الفكر الإسلامي المشرقة بنور العقل، والمزدانة بسلطانه" (محمد عمارة، تيارات الفكر الإسلامي، ص217).

ثم يعود للقول: "فهم يعتبرون العقل أداة للنظر في الأصول الاعتقادية.."، ويؤكدون على "وجوب النظر والمعرفة في أصول العقائد". ومن الواضح أن النص الأول يتعارض مع النصين اللذين يأتي بهما الكاتب بعد ذلك. وموقع التعارض كما لا يخفى في أنّ الشيعة تقول إن الإمامة من أصول الدين، ولما كانت كذلك فهي الأخرى تخضع لمنهج الاستدلال العقلي وتكون في مناط النظر العقلي أسوة ببقية الأصول، فلماذا إذن يستثنيها الأستاذ عمارة ويضعها جانباً؟

أما قوله إن الشيعة في الإمامة تتمسك بالنص، فهو قول مبتسر لا يعكس الحقيقة كاملة، فالإمامة لدى الشيعة تنقسم إلى: الإمامة العامة التي تنتهي بإثبات أصل الإمامة وحاجة المسلمين إلى الإمام في كل زمان ومكان تثبت كما هو واضح من كتبهم الكلامية بالدليل العقلي القاطع، ثم يأتي دور النص ليحدد شخص الإمام ويعينه بعد أن كانت الإمامة قد ثبتت عقلاً بالمرتبة الأولى. وهذا النهج يسرى على الإمامة بشكل مطلق بما فيها إمامة الإمام الثاني عشر المهدي من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ نجد أن أول ما يفعله الباحثون الذين ينتمون إلى المدرسة الإمامية هو الاستدلال على أصل الإمامة بما في ذلك حاجة المسلمين راهناً إلى الإمام، ثم يستهدوا بالنص في بيان أن إمام الزمان هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت، فدور النص أنه كاشف عن الشخص وإن كان في فحواه لا يتعارض مع ما يؤول إليه الاستدلال العقلي، بل يعضده وينير الطريق له أحياناً ويرشده إلى كيفية الاستدلال ومعاجلة ما يثار من أسئلة وشبهات.

الطباطبائي يجيب على الأسئلة

بعد هذه المقدمات نعود إلى بحث السيد الطباطبائي عن الإمام المهدي. إن أهم ما ورد في الرسالة التشكيكية هي النقاط الثلاث التالية التي هي في واقعها أهم ما يثار حول الإمام المهدي لحد الآن:

أولاً: إن القرآن هو إمام المسلمين الدائم وهو المهيمن في كل زمان ومكان، فما وجه الحاجة بعد ذلك لإمام غائب.

ثانياً: رفض فكرة جعل الإمامة وانتخابها من قبل الله سبحانه والخلط بين دور النبوة ودور الإمامة.

ثالثاً: على فرض التسليم بوجود الإمام المهدي، فكيف يمارس دوره وهو غائب؟

فحوى الاعتراض الأول ان القرآن الكريم هو إمام المسلمين الدائم الذي لا يغيب أبداً والذي يواكب جميع الأماكن والعصور، خصوصاً وإن ما في كتاب الله ما يدل على إمامة القرآن والكتب السماوية عموماً، حيث يقول تعالى: {من قبله كتاب موسى إماماً}.

وملخص در الطباطبائي ان هذا الدليل غير تام وغير منتج لجهتين:

الأولى: ليس ثمة تعارض بين إمامة الكتاب الإلهي، وبين إمامة الشخص. ففي القرآن الكريم يذكر الله سبحانه أن لإبراهيم (عليه السلام) كتاب باسم "صحف" إذ قال تعالى {صحف إبراهيم}. بيد أن القرآن نفسه يحدثنا في آية أخرى عن انتخاب الله لإبراهيم إماماً، حيث يقول تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً...}. إن حاصل الجمع بين الآيتين يفيد كما هو واضح أنه ليس هناك تعارض في اجتماع إمامتين عن الله سبحانه في عصر واحد، إحداهما إمامة الكتاب الإلهي، والثانية إمامة الشخص. وبمقتضى هذا الدليل فإن إمامة القرآن الكريم لا تغني عن إمامة إلهية ثانية.

الثانية: في القرآن عام ومجمل في الأحكام والمعارف. وقد اجتمعت كلمة المسلمين على حاجة كتاب الله إلى سنة النبي التي تبين المجمل وتخصص العام وتضع الشرائط والواجبات. وبهذا لا يعد الكتاب كافياً دون السنة. وقد جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أهل بيته عدلاً لكتاب الله يمتدون بدوره في الحياة الإسلامية بعد وفاته كما ينص على ذلك حديث الثقلين الذي يقرن العترة بالقرآن دون انفكاك وافتراق.

 دور الإمامة

ثمة من ينكر مفهوم الإمامة المنتخبة من قبل الله، بيد أن القرآن يواجهنا بصريح آياته بهذا المفهوم، حيث يقول تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتهمن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}، وقوله تعالى من سورة الأنبياء: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين}، وقوله تعالى من سورة السجدة: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا}. فهذه الآيات ـ وثمة غيرها أيضاً ـ تدل بصراحة على مفهوم جعل الإمام من قبل الله لا من قبل الناس. ولكن قد يقال إن الإمامة هنا هي صنو للنبوة، وقد يقال إنها النبوة بعينها. بيد أن الآية الأولى تصدنا عن مثل هذا الفهم، إذ جعلت الإمامة لإبراهيم (عليه السلام) وهو نبي، وأصبحت بذلك مرتبة تالية للنبوة.

وهذا بالضبط ما يذهب إليه مذهب أهل البيت في القول بموقعين كلاهما من الله هما: النبوة والإمامة كما عليه صريح النص القرآني.

وهنا يعترض كاتب الرسالة التي أجاب عليها الطباطبائي عن الفرق بين دور النبوة والإمامة؟ وفي الواقع إن كليهما يمارس دور الهداية. إلا أن الهداية تنقسم إلى قسمين تكون الأولى بمعنى "اراءة الطريق" وهذه الهداية هي من لوازم النبوة. والثانية تكون بمعنى "الإيصال إلى المطلوب" وهذا اللون من الهداية هو من لوازم الإمامة.

فالدور الذي تضطلع به الإمامة هو الهداية بالمعنى الثاني وليس الهداية بالمعنى الأول التي هي من لوازم النبوة. وهنا نصل إلى النقطة الثالثة التي ترتبط بالسؤال: كيف يضطلع الإمام بدوره وهو غائب، وبالتالي ما فائدة غيبته؟ كنت أتمنى أن يكون ثمة متسع من المكان لاستعراض ثلاث إجابات كل منها تعالج هذا السؤال من خلال بعد من أبعاده.

فالسيد الطباطبائي يجيب في بحثه بإجابة تتشكل حيثياتها من الفلسفة، إذ يذكر ـ تلخيصاً ـ أن دور الإمام هو الاضطلاع بالهداية بنوعها الثاني، أي الإيصال إلى المقصود من خلال سوق أعمال العباد إلى الله سبحانه. وهذه الإجابة يمتد الاستدلال عليها إلى بحوث فلسفية تحتاج إلى مقدمات عقلية.

ومع ذلك فإن الطباطبائي يذكر أن الإمام المهدي مارس دوره في الإمامة عبر السفراء الأربعة. ووجود هؤلاء السفراء هو حقيقة تاريخية لا يتنصل لها التاريخ مطلقاً، كما لا يتنصل عن الآثار المباشرة التي صدرت عن الإمام المهدي مضافاً لمن شاهده من الرجال وتحدث إليه، فضلاً عما هو ثابت في التاريخ من محاولة السلطات العباسية القبض عليه.

وبعد دور السفراء تحول الجزء الظاهري من الدور إلى الفقهاء، في حين استمر الإمام يمارس من المسؤوليات ما لا يتنافى مع الحفاظ على نفسه من الخطر، كما يثبت ذلك بالأدلة القطعية السيد محمد الصدر ـ هو غير السيد محمد باقر الصدر ـ يتوفر فيها على بحث الجوانب النفسية والحضارية في شخصية الإمام القائد، هذه الجوانب التي تنبع أساساً من طول عمره ومعاصرته للتيارات والحضارات وهي تينع وتزدهر ثم تنهار. وخلاصة الكلام، إن الإمام يمارس دوره في الحياة دون أن ينعزل في جزيرة خضراء كما تزعم بعض الكتابات، وإنما هو حاضر بالمسار العميق لحركة الناس. وكل ما هنالك أن ثمة مقتضيات لاختفائه بشخصيته الحقيقية عن الناس.

 الصدر وجوانب أخرى من الأطروحة

للسيد محمد باقر الصدر بحثان عن الإمامة، الأول عن الإمامة بما هي أصل عام (الإمامة العامة)، وقد صدر بعنوان "بحث حول الولاية". والاستدلال فيه بشكل عام يقوم على أساس العقل ثم يعضد بالنص. أما البحث الثاني فهو عن الإمام المهدي (عليه السلام) خاصة، صدر بعنوان "بحث حول المهدي".

والبحث يتكون أساساً من مقدمة وإجابة على سبعة أسئلة. أما المقدمة فتنصرف إلى معالجة فكرة القائد المنقذ المنتظر عبر التراث الإنساني الديني وغير الديني، لتجد أن الجميع يتطلعون إلى مثل هذا اليوم الموعود. وبالنسبة للإسلام كدين فقد توفر على تفاصيل واسعة عن هذا اليوم وعن المهدي المنقذ الذي يضطلع بمهمة النهوض بكيان عالمي ملؤه العدل والقسط.

إن الروايات متظافرة بين السنة والشيعة عن المهدي المنتظر. وغاية ما هناك أن الاتجاه الأبرز لدى الشيعة يذهب إلى وجود الإمام فعلاً وأنه محمد بن الحسن الذي ولد بسامراء فعلاً فجر 15 / شعبان 256هـ، فيما يذهب الاتجاه الأبرز لدى السنة إلى أنه يولد في آخر الزمان، ويكون ـ كما تقول الشيعة أيضاً ـ من ذرية فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

بعد المقدمة يصل الصدر إلى ما يكتنف الأطروحة من غموض وشك ينتهي في التحليل إلى الأسئلة التالية:

أولاً: كيف تأتى للمهدي هذا العمر الطويل؟

ثانياً: لماذا كل هذا الحرص على إطالة عمره؟

ثالثاً: كيف اكتمل إعداد الإمام وهو لم يعش في كنف أبيه الإمام العسكري إلا بضعة سنوات؟

رابعاً: كيف نؤمن بأن المهدي قد وجد؟

خامساً: لماذا لم يظهر القائد إذن، وما الذي يحول دون ظهوره؟

سادساً: هل للفرد كل هذا الدور الضخم الذي يحمله التصوّر الإسلامي للإمام المهدي؟

سابعاً: ما هي طريقة التغيير في اليوم الموعود، وكيف يواجه الإمام القوى العالمية الضخمة المسلحة بقدرات عسكرية واقتصادية وتقنية هائلة؟

يبدأ السيد الصدر بالسؤال الأول، فيجيب عليه في ضوء الأدلة العقلية والعملية والقرآنية. فمن الناحية العقلية لا يرى العقل في أحكامه الأولية استحالة في أن يمتد عمر الإنسان لقرون متعددة. وليس في المنطق العلمي باتجاه العالم ما يمنع ذلك، وإن كان الامكان العملي لم يحقق للإنسان عملياً طموحه في امتداد عمره مئات السنين حتى الآن.

أما قرآنياً وإسلامياً، فالقرآن يتحدث لنا عن نوح وأن عمره في الدعوة فقط ناهز الألف عام، فما المانع من حصول الأمر نفسه لقائد قدّر له ـ كما قدّر لنوح عليه السلام ـ أن يعيد بناء وجه العالم من جديد؟

ثم إن الفهم الإسلامي ينطوي على إيمان واضح بوجود الخضر والمسيح عيسى بن مريم، بل إن روايات إخواننا في الصحاح تؤكد على وجود الدجّال الذي يمتد عمره من زمن النبي حتى آخر الزمان حين يظهر علناً قبل المهدي ببرهة. فكيف ياترى يقر الفهم الإسلامي وجود الدجال وحياته عبر أكثر من أربعة عشر قرناً وإلى ما شاء الله من المستقبل، ولا يقر بالفهم نفسه للإمام المهدي وهو المنقذ والمصلح العالمي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً؟

ثم إذا صرفنا النظر عن هذه الوجوه جميعاً، أفلا يمكن لنا أن نتصور امتداد عمره المهدي من خلال المعجزة؟ نعم، ما يصطدم مع هذا المنطق هو السؤال عن فائدة وجوده طوال هذه القرون.

ذكرنا أن الصدر يعتمد في الإجابة على البواعث النفسية التي يستلهمها القائد من معاصرته لكل هذا الامتداد الزمني بما يحفل به من أحداث وتعاقب حضارات، مما ينعكس قوة وصلابة نفسية في بنائه الشخصي، وهو ما يحتاج إليه قائد على مستوى تغيير العالم بأجمعه، إذ يمنحه مثل هذا الشعور قوة بضآلة الكيانات الحضارية التي يواجهها.

ثم إن لامتداد العمر أثره الكبير في المساهمة بإعداد القائد فكرياً وتعميق خبرته لمهمة التغيير المنتظرة، فضلاً عن أن عملية التغيير طالما كانت تتم باسم الإسلام وعلى أساس رسالته الحنيفة فإنها تحتاج إلى قائد أقرب ما يكون إلى مصادر الإسلام الأصيلة، ومن في تصورنا أقرب فهما لرسالة سيد المرسلين من عترته وأهل بيته؟

على هذا المنوال يستمر الصدر في إجابة الأسئلة الأخرى، فيثبت بالدليل التاريخي القطعي ولادة الإمام المهدي وممارسته لدوره مدة سبعين عاماً كاملة قبل أن ينتقل لمرحلة الغيبة الكبرى.

أما مسألة أسلوب التغيير، فما يذهب إليه الصدر عموماً أنها معلقة على معرفة توقيت ظهوره ليمكن التنبؤ بكيفية مواجهته للموقف العالمي. إلا أن الظهور على كل حال يتم "في أعقاب فراغ كبير يحدث نتيجة نكسة وأزمة حضارية خانقة...؛ وليست هذه النكسة هي مجرد حادثة تقع صدفة في تاريخ الحضارة الإنسانية وإنما هي نتيجة طبيعية لتناقضات التأريخ المنقطع عن الله" كما يقول الصدر.

 المنهج التأريخي

للباحث الإسلامي السيد محمد الصدر موسوعة ضخمة بعنوان موسوعة الإمام المهدي، صدر منها، للآن أربعة مجلدات ضخمة تتجاوز صفحاتها الثلاث آلاف وخمسمائة صفحة. إن بين يدينا الكثير الذي يمكن أن يقال عن هذه الموسوعة فهي ـ بحق ـ فريدة في بابها تتسم بمنهجية خاصة وتحليل جديدة لقضية الإمام المهدي (عليه السلام).

المجلد الأول في الموسوعة يحمل عنوان "تأريخ الغيبة الصغرى" (664 صفحة من الحجم الكبير، الطبعة الثانية 1980). ورغم أن هذا المجلد لا يخوض جدلاً عقائدياً في إثبات ولادة المهدي واستمرار وجوده ودوره، لأنه أساساً يعتمد المنهج التاريخي. إلا أن المنهج التاريخي الذي يعتمد عليه هو من القوة والمتانة والوضوح بحيث يصل من يقرؤه دون تعصب لرأي مسبق، إلى الإيمان قطعاً بالمهدي كونه حقيقة تاريخية، حيث ولد (عليه السلام) وعاش في سامراء في كنف والده ثم اضطلع بدور الإمامة ومارس الدور عبر أربعة نواب.

إن الباحث يذكر من الأدلة القاطعة ما لا مجال للطعن بها مجتمعة في إثبات وجود الإمام المهدي ومحاولة السلطات العباسية القبض عليه أكثر من مرة، وذكر تفاصيل دقيقة لا يمكن الطعن بتواتر وقوعها مطلقاً.

وبذلك فإن هذا الكتاب وإن كان لا يهدف الجدل العقائدي دفاعاً عن وجود الإمام (عليه السلام)، بقدر ما يهدف إلى توفير فهم جديد لدور المهدي في حياة المؤمنين به، إلا أن إحدى آثاره المهمة هي إثبات وجوده عبر التأريخ القطعي، بحيث إن المنكر لذلك يواجه حرجاً شديداً في تفسير سبعة عقود متراصة بالأحداث والوقائع.

لقد جربت قبل سنوات، بعد جولة نقاش عن المهدي من مثقف فلسطيني، أن نحتكم في الحقيقة التاريخية لوجود الإمام إلى هذا الكتاب، وقد جاءت النتائج حسنة للغاية إذ لم يسع هذا المثقف أن يجافي البداهة وينكر ما أثبته التاريخ بتواتر. والمطلوب التوجه لهذا الكتاب لما فيه من فائدة عقائدية فضلاً عن الهدف الذي يتوخى تحقيقه.

أخيراً، بودنا أن يعطي مثيرو الشبهات أنفسهم الفسحة الكافية للاستماع للأجوبة ومطالعة ما هو مكتوب في معالجة أسئلتهم!

كيهان العربي / العدد 2381 / 16 شعبان

**************

15 شعبان يوم المستضعفين

2007-09-06

الإمام الخميني يتحدث عن الفكرة ومرتكزاتها القرآنية

خالد توفيق

مستقبل البشرية

تكتسب قضية مستقبل الإنسان على هذه الأرض موقعها المميز في كافة الاتجاهات السائدة في المذهبيات الأرضية. وهي القضية التي تأخذ موقعها أيضاً في اهتمامات الأديان السماوية جميعاً، وبالذات الرسالة الخاتمة رسالة سيد المرسلين محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).

ثمة بالتأكيد من الاتجاهات الوجودية والإباحية من يحاول أن يرفض تصور أن يكون للإنسان وللمستضعفين مستقبل على هذه الأرض. إلا أن هذه التيارات لا تستند في رفضها ليوم الخلاص والمستقبل السعيد للبشرية وللمستضعفين على أدلة فكرية واضحة، وإنما تحاول أن تماشي في رفضها أمزجتها وطبائعها الخاصة وذاتياتها. وليس الهدف من هذا التمهيد أن ندخل في استعراض النظريات التي تتحدث عن المستقبل السعيد، وإنما يكفي أن نؤكد أن الجاد من الاتجاهات والمذهبية الوضعية تؤمن بهذه الفكرة وإن كانت تتبنى صياغتها للمشروع من خلالها فلسفتها وفكرها. وفي هذا السياق يكتب باحث إسلامي: "ليس المهدي تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري" (محمد باقر الصدر، بحث حول المهدي، ص7).

وإذا كانت بعض عوالم الغرب ومن يتبعها في أرضنا تحاول أن تطرح قضية التقدم العلمي بديلاً لأطروحة الدين ومشروعه لمستقبل المستضعفين، وتربط مستقبل الإنسان بالعلم فقط، فإن الوقائع المستمرة والأحداث اليومية من حولنا تكشف عجز العلم لوحده عن أداء هذا الدور. فالعلم لا يعدو مهما بلغ من الرقي والتقدم، أن يكون مجرد أداة بيد الفكرة، وهو بالنهاية مجرد وسيلة لا تغني عن العقيدة الشاملة التي تعالج فيما تعالج صلة الإنسان بالغيب.

وبعد، فإن أفضل مكان تستقر فيه فكرة يوم الخلاص والمستقبل السعيد للإنسانية هو الأطروحة الإسلامية التي بشرت بفكرة المنقذ العالمي وأشبعت عقل الإنساني ووجدانه وتطلعاته عن قضية المصلح الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.

المرتكز القرآني لليوم الموعود

إن فلسفة أن يكون للإنسانية والمستضعفين مستقبل سعيد في الأرض من خلال دولة المنقذ العالمي الإمام المهدي (عج)، تقوم على أساس قرآني واضح يحصر الغاية من خلق الإنسان بإنجاز العبادة لله تبارك وتعالى، حيث يقول: {وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون}، ولأن هدف العبادة لا يمكن أن يتم إلا من خلال اقتراب البشرية نحو مستوى الكمال النسبي، فإن كافة مراحل التاريخ البشري تثبت أن الإنسانية لم تصل بعد إلى المستوى برغم كل ما بذله الأنبياء (عليهم السلام) من جهود، وإنما هناك رحلة شاقة من التمحيص والبلاء تنتهي ولابد بشرارة الظهور المقدس حينما يصحو الإنسان على نداء السماء بقيادة حفيد الرسول الأعظم، فتلامس البشرية غايتها، ويصافح المستضعفون في الأرض ساعة المجد، وتلك بشرى القرآن إلينا، وهي وعد الله القاطع الذي لا خلف له: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة وجعلهم الوارثين}.

مولد الإمام، يوم المستضعفين

نطل في الخامس عشر من شعبان من كل عام على مناسبة مولد المنقذ الكبير الإمام المهدي حفيد رسول الله من ولد فاطمة، هذه المناسبة التي ارتبطت بالوعي الإسلامي بمستقبل مسيرة التوحيد، وبالوعي البشري بشعور يعلوه الوضوح مرة ويكتنفه الغموض مرات.

أما في ثقافة الثورة الإسلامية ونهضة الإمام الخميني فقد ارتبط الميلاد بيوم المستضعفين، حيث تتأكد دلالة الاختيار في كون يوم الخلاص المهدوي هو يوم خلاص المستضعفين أنفسهم.

لقد عالج الإمام الخميني أطروحة الإنقاذ المهدوي من خلال زوايا متعددة منها ما هو عقائدي فكري، وما هو تعبوي تحريكي، ومنها ما هو سياسي تغييري يرتبط بحركة الشعب، ومنها ما هو تعبّدي إيماني يرتبط بفيوضات الوجود المهدوي ورعايته (عليه السلام) لمسيرة الموحدين المستضعفين.

ومن الطبيعي أن تصدر كل هذه المعالجات من منظور إيمان موحد ومتكامل لموقع المهدي في الإسلام، إذ يقول الإمام الخميني في ذلك: "ونحن حين نتحدث عن الإمام، باعتباره قوة تنفيذية للإسلام، نقول إنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً...". والذي يهمنا في النص الذي سنقف عليه كاملاً، أن الإمام الخميني ينظر إلى أطروحة المنقذ المهدي (عج)، بوصفها قوة تنفيذية للإسلام، تستطيع أن تطبقه كاملاً وتواجه من خلال جميع القوى الطاغوتية المستكبرة.

ثلاثة منطلقات

برغم افهم الشامل الذي يقدمه الإمام الخميني لأطروحة المهدي عليه السلام، إلا أننا سنقتصر في التركيز على المنطلقات الأربعة التالية:

أولاً: ذكرنا في التمهيد أن فلسفة يوم الخلاص تقوم على أساس تحقيق البشرية لغاية وجودها في الأرض، وهي العبادة، وبالتالي على أساس إعطاء ثمرة عالمية وشاملة لجهود خط الأنبياء والرسل والأولياء والصالحين والشهداء، وتحقيق وعد الله سبحانه في الإرث والمنة والاستخلاف، حيث يقول تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}، وفي آية أخرى يربط الوعد الإلهي بين الإمامة والوراثة، فيقول تعالى: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}، وفي آية الاستخلاف يربط الوعد الإلهي بين الاستخلاف والتمكين حيث يقول: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدّلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوني لا يشركون بي شيئا}.

من الواضح أن هذه الوعود الإلهية لم تصل غايتها بعد. لذلك يرتكز الفهم الإسلامي ـ كما يطرحه الإمام الخميني ـ لأطروحة المهدي المنقذ، على تحقيق غايات تلك الوعود الإلهية في حياة البشرية. وفي ذلك يقول الإمام الراحل: "إن الله تبارك وتعالى قد ادخره (أي الإمام المهدي) لتتحقق على يده آمال جميع الأنبياء التي حالت الموانع دون تحقيقها، وآمال جميع الأولياء التي لم يتسن لهم تحقيقها".

هل تحققت الوعود؟

ثانياً: هل يشمل الوعد القرآني في الإرث والمنة والاستخلاف مقرونة بالإمامة والتمكن عصرنا الراهن؟ بمعنى هل تحققت هذه الوعود الإلهية في رسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعثته أم لا؟

الوعي العقائدي الإسلامي يجمع في أصل الأطروحة أن رسول الله أعلن بنفسه من خلال أحاديث وصلت بنظر أكثر من فريق حد التواتر، أن المهدي من هذه الأمة وهو من ولد البضعة الطاهرة فاطمة البتول وسيظهر في آخر الزمان. ومعنى أحاديث النبي الأكرم هذه أن الوعود الإلهية لم تتحقق بشكل كامل بعد.

على هذا الأساس يقول الإمام الخميني: "إن المهدي سيحقق بشكل كامل الأهداف التي ما تسنى لرسول الله (ص) تحقيقها".

وإلا لم يكن ثمة معنى لأحاديث رسول الله في المهدي لو كانت الوعود الإلهية قد تحققت كاملة في البعثة النبوية الشريفة.

إثارة الشبهات

وما حصل أن "منطق" إثارة الشبهات حاول أن يستجمع قواه ويتهم الطرح الإسلامي هذا بأنه لون من التفضيل للمهدي على رسول الله سيد الكائنات وأعظم الموجودات. إلا أن الإمام الخميني كان بالمرصاد لهذا "المنطق" البائس، إذ أوضح مباشرة علو مكانة رسول الله وسموها على كافة الكائنات والموجودات، حيث قال سماحته: "ليس في عالم الوجود أعظم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، غير ذات الباري تعالى، ولا حادثة أكبر من بعثته، فهي بعثة النبي الخاتم، وبعثة أعظم شخصيات عالم الإمكان، وهي بعد أعظم القوانين الإلهية".

ودور المهدي عليه السلام وإن كان دوراً كبيراً وأساسياً في تحقيق الوعود الإلهية، إلا أن المهدي يبقى بتعبير الإمام الخميني، قوة تنفيذية للإسلام الخاتم: "وإننا نعتبر المهدي من أتباع الإسلام ومن أتباع نبي الإسلام، لكنه أيضاً قرة عين الرسول والمنقذ لما جاء به الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)".

فهو (عليه السلام) حفيده وهو ابنه من ولد فاطمة الزهراء.

تصدي الإمام للشبهات

ثالثاً: بعد أن اتضحت مرتكزات فكرة الإمام المهدي في الطرح الخميني، نصل الآن إلى ما يثيره "منطق" الشبهات من قبل بعض أعداء الإسلام إزاء فكرة المهدي. فبعد الثورة الإسلامية ارتكزت استراتيجية الفصل بين المسلمين والثورة وبين المسلمين أنفسهم إلى وسائل متعددة كان منها قضية المهدي المنتظر (عليه السلام). فحاول المنطق الشبهاتي البائس أن يحصر القول بالمهدوية في التشيع ثم بإيران الثورة فقط، هذا فضلاً عما ألحقه من تشويه لمرتكزات الفهم الذي أبانه الإمام الخميني للفكرة.

إلا أن الإمام كشف عن خلفيات هذا المنطق التشكيكي وأبان أهدافه وفق تحليل متكامل، نعطي الآن أفكاره الأساسية قبل أن تنتقل إلى نصوصه:

1ـ إن أعداءنا لا يتمثلون بأمريكا والقوى الدولية الأخرى وحسب، وإنما هناك أعداء داخليون.

2ـ من أخطر الأعداء الداخليين علماء البلاد الذين يتسترون بالدين ويتبوّأون مقام الفتوى.

3ـ إن أبرز سلاح لدى وعاظ السلاطين هو تكفيرهم لبعض فئات الأمة من أجل زرع الفرقة بين المسلمين وحماية النظم والحكام.

4ـ إن المخطط يستهدف تنفيذ أهداف القوى الكبرى وبعض الأنظمة الإقليمية، في عزل شعوب العالم الإسلامي عن الثورة الإسلامية للإبقاء على أوضاع الضعف والانهيار والتجزئة، ولضمان استمرار مصالح هذه القوى.

5ـ إن علماء السلاطين الذين يصدرون فتاوى التكفير ويصطنعون قضايا فرعية لإشغال الشعوب واستهلاك وعيها وصرفها عن القضايا الأساسية، لا يحركون ساكناً إزاء القضايا الأساسية والانحرافات الكبرى في سياسات الحكام والأنظمة.

6ـ إن الدور الأساس في تنفيذ استراتيجية التكفير ودفع وعاظ السلاطين إلى الواجهة يتمثل في حكومات معروفة في المنطقة توظف اتجاهات سلفية متحجرة جاهلة تعطي للإسلام بتصرفاتها صورة شوهاء، وتدفعها لمواجهة الأمة في معتقداتها ونهضتها.

عبّر الإمام الراحل عن خطوط هذه الاستراتيجية المعادية التي اندفعت بعد الانتصار في موازاة القوى الاستكبارية الخارجية بقوله: "إضافة لما نعانيه من أمريكا والاتحاد السوفيتي، فإننا نعاني أيضاً من بعض أدعياء الإسلام، ومنهم كبار رجال الدين في بعض البلدان الإسلامية. هؤلاء يحرفون كلامنا، ثم يصدرون أحكام التكفير بحقنا". ثم يضيف سماحته: "لو كان الأمر قد اشتبه على هؤلاء فأولى لهم أن يدرسوا المسألة جيداً، وأن يعلموا ماذا يقولون ولمصلحة من يعملون".

وعن مواقع هؤلاء وخلفية القوى المحركة لهم يضيف الإمام الراحل: "لو كانت مواقف هؤلاء ملتزمة من بلد إسلامي يسعى إلى تقوية الأواصر بين جميع الإخوة المسلمين وإحلال الوئام بينهم، لما عمد بعضهم إلى تكفير بعض، ونحن سعينا منذ عشرين عاماً إلى أن تتآخى البلدان الإسلامية. هؤلاء الذين يبثون مثل هذه السموم ويتلبسون ـ مع الأسف ـ بلباس الإفتاء إنما يعملون ضد الإسلام، ووفقاً لهوى القوى الكبرى ولخدمتها عامدين أم جاهلين".

ثم يتساءل سماحته أثر الضجة التي أثاروها حول تصريحاته عن المهدي (عليه السلام): "لماذا لم يقف هؤلاء موقفاً متصلباً كهذا من السادات؛ ولماذا لم يصدروا أحكام تكفيرهم بحقه؟".

وبعد أن يشير الإمام إلى مراكز وعاظ السلاطين هؤلاء حيث الاتجاهات السلفية المتحجرة والأنظمة الحامية لهم، يتساءل سماحته: "لماذا يعمد هؤلاء إلى تحريف الكلام، وإلى العمل ضد بلد إسلامي (إيران) يعمل على جمع شمل الإخوة وتقليم أظافر القوى الكبرى في العالم الإسلامي، ويفرقون بين المسلمين؛ ألا يعلم هؤلاء أن إلقاء الفرقة بين المسلمين يعارض نص القرآن؟ أجاهلون هؤلاء أم هم ـ لا سامح الله ـ للقوى الكبرى عملاء؟"

ثم يختم الإمام قوله عن هؤلاء الذين لا زالوا يشعلونها فتنة عمياء لا تذر: "لو كف وعاظ السلاطين شرهم وكفوا أيديهم عن التعرض لوحدتنا فسننتصر إن شاء الله، وستنتصر القوى الإسلامية، والبلدان الإسلامية".

كيهان العربي / العدد 3006 / 13 شعبان

**************

الإمام المهدي (عليه السلام) في روايات أهل السنّة

المدخل - الأمر الأول

2007-09-06

المدخل

الإيمان بحتمية ظهور المصلح العالمي ودولته العادلة لا يختصّ بالأديان السماوية، بل يشمل المدارس الفكرية والفلسفية غير الدينية، فالمادية الجدلية التي فسّرت التاريخ على أساس التناقضات، تؤمن بأن هناك يوماً موعوداً تتلاشى فيه التناقضات ويسوده الوئام والسلام[1].

كما نجد عدداً من المفكّرين غير الدينيين يذهبون إلى هذه الحتمية، فمثلاً يقول المفكّر البريطاني الشهير برتراندراسل: (إن العالم في انتظار مصلح يوحّده تحت لواء واحد وشعار واحد)[2].

وبنفس هذا المعنى يقول العالم الفيزياوي المعروف آلبرت أنشتاين: (إن اليوم الذي يسود العالم كلّه فيه السلام والصفاء ويكون الناس متحابّين متآخين ليس ببعيد)[3].

أما المفكّر الايرلندي برناردشو فقد صرّح بأكثر من هذين التصريحين وأدقّ منهما، فقال في وصفه للمصلح ولزوم أن يكون عمره طويلاً قبل ظهوره: (إنه إنسان حيّ ذو بنية جسدية صحيحة وطاقة عقلية خارقة، إنسان أعلى يترقى إليه هذا الإنسان الأدنى بعد جهد طويل، وأنه يطول عمره حتى ينيف على ثلاثمائة سنة، ويستطيع أن ينتفع بما استجمعه من أطوار حياته الطويلة)[4].

أما الديانات السماوية فقد أشارت إلى حتمية ظهور المصلح العالمي، والمتتبع للبشارات السماوية في الكتب المقدّسة سيجدها تهدي إلى أن هذا المصلح هو المهدي الذي يقول به مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، كما أثبتته دراسات متعددة في نصوص تلك البشارات[5].

فقد تناول القاضي الساباطي إحدى البشارات الواردة في كتاب أشعيا من العهد القديم من الكتاب المقدّس بشأن المصلح العالمي، وقال: هذا نص صريح في المهدي (عليه السلام)، إلى أن قال:

وقال الإماميون: بل هو محمد بن الحسن العسكري الذي ولد سنة خمس وخمسين ومائتين، من جارية للحسن العسكري اسمها نرجس، في (سُر من رأى) في عصر المعتمد ثم غاب سنة[6] ثم ظهر ثم غاب وهي الغيبة الكبرى، ولا يرجع بعدها إلاّ حين يريد الله تعالى.

ولما كان قولهم أقرب لما يتناوله هذا النص وإن هدفي الدفاع عن اُمّة محمد (صلى الله عليه وآله)، مع قطع النظر عن التعصّب لمذهب، لذلك ذكرت لك أن ما يدّعيه الإمامية يتطابق مع هذا النص[7].

كما توصّل العلاّمة محمد رضا فخر الإسلام، الذي كان نصرانيّاً واعتنق الإسلام وانتمى إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، إلى نفس النتيجة التي توصل إليها الساباطي، وقد أ لّف كتاباً موسوعيّاً (أنيس الإسلام) في الردّ على اليهود والنصارى وتناول في دراسته البشارات; وانتهى بأنها تنطبق على المهدي بن الحسن العسكري (عليه السلام)[8].

فالذي يمعن النظر في نصوص تلك البشارات; يجد أنها تقدّم مواصفات للمصلح العالمي لا تنطبق على غير المهدي المنتظر، طبقاً لعقيدة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، لذلك فإن مَن لم يتعرّف على هذه العقيدة لا يستطيع التوصّل إلى المصداق الذي تتحدث عنه تلك البشارات، كما نلاحظ ذلك مثلاً في أقوال مفسّري الإنجيل بشأن الفقرات من (1 ـ 17) من سفر الرؤيا، الفصل الثاني عشر (مكاشفات يوحنا اللاهوتي)، فهم يصرّحون بأن الشخص الذي تتحدث عنه البشارات الواردة في هذه الفقرات لم يُولد بعد، لذا فإن تفسيرها الواضح ومعناها البيِّن موكول إلى المستقبل والزمان المجهول الذي سيظهر فيه[9].

وهناك عدد من علماء أهل السنّة يذهبون إلى نفس تلك الدراسات ونتائجها، فقد اهتدى مثلاً الاُستاذ سعيد أيوب بأن المصداق الذي تتحدث عنه الفقرات السابقة من سفر الرؤيا، هو المصداق الذي تعتقده مدرسة أهل البيت، إذ يقول: (مكتوب في أسفار الأنبياء، المهدي ما في عمله عيب)، ثم علّق على هذا النصّ بالقول: (وأشهد أني وجدته كذلك في كتب أهل الكتاب لقد تتبع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جدّه (صلى الله عليه وآله)، فدلّت أخبار سفر الرؤيا إلى امرأة، يخرج من صلبها إثنا عشر رجلاً)، ثم أشار إلى امرأة اُخرى، أي التي تلد الرجل الأخير الذي هو من صلب جدّته، وقال السِفر: إن هذه المرأة ستحيط بها المخاطر، ورمز للمخاطر باسم "التنين" وقال: (والتنين وقف أمام المرأة العتيدة حتى تلد، يبتلع ولدها متى ولدت)[10].

أي أن السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام، ولكن بعد ولادة الطفل; يقول باركلي في تفسيره: (عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه). والنص: (واختطف الله ولدها)[11] أي: "إن الله غيّبَ هذا الطفل"، كما في قول باركلي:

وذكر السِفر: (أن غيبة الغلام ستكون ألفاً ومائتين وستين يوماً[12]، وهي مدّة لها رموزها عند أهل الكتاب، ثم قال باركلي عن نسل المرأة ] الاُولى [ عموماً: إن التنين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة، كما قال في السفر:

فغضب التنين على المرأة، وذهب ليضع حرباً مع باقي نسلها، الذين يحفظون وصايا الله)[13].

وعقب الاستاذ سعيد أيوب على ما تقدم بالقول: هذه هي أوصاف المهدي، وهي نفس أوصافه عند الشيعة الإمامية الإثني عشرية[14].

ودعم قوله بتعليقات أوردها في الهامش بشأن انطباق الأوصاف على مهدي آل البيت[15].

لذا فقد أكدت كثير من الدراسات بأن البشارات تومئ إلى شخص المهدي المنتظر بعينه على طبق ما تذهب إليه مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، فلنتّجه الآن نحو روايات أهل السنّة التي صدرت في شخص الإمام وهويته، لنلاحظ هل أنها تعدّت التصريح بالعنوان فتحدثت عن شخصه بعد أن حصل التواتر في ظهوره، أم توقفت عند العنوان فقط؟

والجواب: من المعلوم أن الذي يعتقد بالظهور ويقطع بحدوثه، لكن لم يتعيّن له من هو المهدي الموعود آخر الزمان، على طبق الواقع فهذا لا يُعدّ معتقداً بالمهدي، كما تريده الرسالة الإسلامية، لأنه آمن واعتقد بالمهدي كعنوان، لكنه لا يعتقد بالمضمون، وعملية التجزئة بين الاعتقاد بشخص الإمام وبين الاعتقاد بالظهور تفسد الاعتقاد بالمهدي كالذي يعتقد بوجوب الصلاة، ولكنه يجهل أركانها.

ولأجل التوصّل إلى معرفة الإمام المهدي بشخصه وعلى طبق الواقع من خلال روايات أهل السنّة، سيتوزع البحث على عدّة اُمور:

الأمر الأول

اعتراف علماء أهل السنّة بولادة الإمام المهدي (عليه السلام)

هناك اعترافات ضافية سجّلها الكثير من أهل السنّة بأقلامهم بولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد قام البعض باستقراء هذه الاعترافات في بحوث خاصة، فكانت متصلة الأزمان، بحيث لا تتعذر معاصرة صاحب الاعتراف اللاحق لصاحب الاعتراف السابق بولادة المهدي (عليه السلام)، وذلك ابتداءً من عصر الغيبة الصغرى للإمام المهدي (عليه السلام) (260 هـ ـ 329 هـ) وإلى الوقت الحاضر.

وسوف نقتصر على ذكر بعضهم ـ ومن أراد التوسعة فعليه مراجعة الاستقراءات السابقة لتلك الاعترافات[16] ـ وهم:

1 ـ ابن الأثير الجزري عز الدين (ت / 630 هـ) قال في كتابه (الكامل في التاريخ) في حوادث سنة (260 هـ): "وفيها توفي أبو محمد العلوي العسكري، وهو أحد الأئمة الإثني عشر على مذهب الإمامية، وهو والد محمد الذي يعتقدونه المنتظر"[17].

2 ـ ابن خلكان المتوفى سنة (681 هـ) قال في وفيات الأعيان: "أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد المذكور قبله، ثاني عشر الأئمة الإثني عشر على اعتقاد الإمامية المعروف بالحجة... كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين" ثم نقل عن المؤرخ الرحّالة ابن الأزرق الفارقي المتوفى سنة (577 هـ) أنه قال في تاريخ مَيَّافارقين: "إنّ الحجة المذكور ولد تاسع شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ومائتين، وقيل في ثامن شعبان سنة ست وخمسين، وهو الأصح"[18].

أقول: الصحيح في ولادته (عليه السلام) هو ما ذكره ابن خلّكان أولاً، وهو يوم الجمعة منتصف شهر شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وعلى ذلك اتفق جمهور الشيعة، وقد أخرجوا في ذلك روايات صحيحة في ذلك مع شهادة أعلامهم المتقدمين، وقد أطلق هذا التاريخ الشيخ الكليني المعاصر للغيبة الصغرى بكاملها تقريباً، إطلاق المسلمات وقدّمه على الروايات الواردة بخلافه، فقال في باب مولده (عليه السلام): "ولد (عليه السلام) للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين"[19].

وقد روى الصدوق المتوفى سنة (381 هـ) عن شيخه محمد بن محمد بن عصام الكليني، عن محمد بن يعقوب الكليني، عن علي ابن محمد بن بندار قال: "ولد الصاحب (عليه السلام) للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين"[20].

والكليني لم ينسب قوله إلى علي بن محمد لشهرته وحصول الاتفاق عليه.

3 ـ الذهبي المتوفى سنة (748 هـ) اعترف بولادة المهدي (عليه السلام)في ثلاثة من كتبه، ولم نتتبع كتبه الاُخرى.

قال في كتابه العبر: "وفيها ]أي في سنة 256 هـ [ ولد محمد بن الحسن بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني، أبو القاسم الذي تلقّبه الرافضة الخلف الحجة، وتلقّبه بالمهدي، والمنتظر، وتلقّبه بصاحب الزمان، وهو خاتمة الإثني عشر"[21].

وقال في تاريخ دول الإسلام في ترجمة الإمام الحسن العسكري:

"الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر الصادق، أبو محمد الهاشمي الحسيني، أحد أئمة الشيعة الذي تدّعي الشيعة عصمتهم، ويقال له: الحسن العسكري، لكونه سكن سامراء، فإنها يقال لها: العسكر، وهو والد منتظر الرافضة، توفي إلى رضوان الله بسامراء في ثامن ربيع الأول سنة ستين ومائتين وله تسع وعشرون سنة، ودفن إلى جانب والده.

وأما ابنه محمد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الخلف الحجة فولد سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة ستّ وخمسين"[22].

وقال في سير أعلام النبلاء: "المنتظر الشريف أبو القاسم محمد ابن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن زيد العابدين بن علي بن الحسين الشهيد ابن الإمام علي بن أبي طالب، العلوي، الحسيني خاتمة الإثني عشر سيّداً"[23].

أقول: ما يعنينا من رأي الذهبي في ولادة الإمام المهدي قد بيّناه، وأما عن اعتقاده بالمهدي فهو كما في جميع أقواله الاُخرى كان ينتظر ـ كغيره ـ سراباً كما أوضحناه في مَن يعتقد بكون المهدي (محمد بن عبدالله).

4 ـ ابن الوردي المتوفى سنة (749 هـ) في ذيل تتمة المختصر المعروف بتاريخ ابن الوردي: "ولد محمد بن الحسن الخالص سنة خمس وخمسين ومائتين"[24].

5 ـ أحمد بن حجر الهيثمي الشافعي المتوفى سنة (974 هـ) قال في كتابه (الصواعق المحرقة) في آخر الفصل الثالث من الباب الحادي عشر ما هذا نصّه: "أبو محمد الحسن الخالص، وجعل ابن خلّكان هذا هو العسكري، ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين... مات بسُرَّ من رأى، ودفن عند أبيه وعمّه، وعمره ثمان وعشرون سنة، ويقال: إنّه سُمّ أيضاً، ولم يخلّف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن أتاه الله فيها الحكمة، ويسمى القائم المنتظر، قيل: لأ نّه سُتِرَ بالمدينة وغاب فلم يعرف أين ذهب"[25].

6 ـ الشبراوي الشافعي المتوفى سنة (1171 هـ) صرّح في كتابه (الاتحاف): بولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام)في ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة[26].

7 ـ مؤمن بن حسن الشبلنجي المتوفى سنة (1308 هـ) اعترف في كتابه (نور الأبصار) باسم الإمام المهدي، ونسبه الشريف الطاهر، وكنيته، وألقابه في كلام طويل إلى أن قال: "وهو آخر الأئمة الإثني عشر على ما ذهب إليه الإمامية"[27].

8 ـ خير الدين الزركلي المتوفى سنة (1396 هـ) قال في كتابه (الأعلام) في ترجمة الإمام المهدي المنتظر: "محمد بن الحسن العسكري الخالص بن علي الهادي أبو القاسم، آخر الأئمة الإثني عشر عند الإمامية... ولد في سامراء ومات أبوه وله من العمر خمس سنين.. وقيل في تاريخ مولده: ليلة نصف شعبان سنة 255، وفي تاريخ غيبته، سنة 265 هـ "[28].

أقول: ابتداءً تاريخ الغيبة الصغرى هو 260 هـ، باتفاق الشيعة أجمع وسائر من أرّخ لتاريخ الغيبة في ما اطّلعنا عليه. ولعلّ ما ورد في الأعلام من غلط المطبعة، لأنّ الزركلي لم يكتب سنة الغيبة كتابةً بل رقماً، واحتمال الغلط في طباعة الأرقام ممكن جداً. إلى غير ذلك من الاعترافات الكثيرة الاُخرى التي لا يسعها البحث[29].

***تابع الأمر الثاني***

ما هو اسم الإمام (عليه السلام) ونسبه

------------------------------------

[1] بحث حول المهدي، السيد الشهيد محمد باقر الصدر: 87.

[2] المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه، للسيد عبدالرضا الشهرستاني: 6.

[3] المصدر السابق.

[4] برناردشو: عباس محمود العقاد: 124 ـ 125.

[5] راجع كتاب بشارات عهدين للشيخ الصادقي وترجم للعربية بعنوان (البشارات والمقارنات).

[6] الثابت إن غيبة الإمام المهدي بعد وفاة أبيه استمرت 69 سنة.

[7] البراهين الساباطية: نقلاً عن كشف الأستار للميرزا النوري: 84.

[8] بشارات عهدين لمحمد الصادقي: 232.

[9] بشارات عهدين لمحمد الصادقي: 264.

[10] سفر الرؤيا: 12 / 3.

[11] سفر الرؤيا: 12 / 5.

[12] المدة رمزية وقد وردت في الأصل العبري بتعبير: "وسيغيب عن التنين زماناً وزمانين ونصف زمان". راجع بشارات العهدين: 263.

[13] سفر الرؤيا: 12/ 13.

[14] المسيح الدجال/ سعيد أيوب: 379 ـ 380 نقلاً عن (المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي)/ اصدار مركز الرسالة: 13 ـ 14.

[15] راجع الإمام المهدي ضمن سلسلة أعلام الهداية / المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام): 9 ـ 24.

[16] راجع كتاب الإيمان الصحيح للسيد القزويني، وكتاب الإمام المهدي في نهج البلاغة للشيخ مهدي فقيه ايماني، وكتاب من هو الإمام المهدي للتبريزي، وكتاب إلزام الناصب للشيخ علي اليزدي الحائري، وكتاب الإمام المهدي للاُستاذ علي محمد دخيل، وكتاب دفاع عن الكافي للسيد ثامر العميدي. وقد ذكر في هذا الأخير مائة وثمانية وعشرين شخصاً من أهل السنّة من الذين اعترفوا بولادة الإمام المهدي (عليه السلام) مع ترتيبهم بحسب القرون، فكان أولهم (أبو بكر محمد بن هارون الروياني (ت / 307 هـ) في كتابه المسند (مخطوط) وآخرهم الاُستاذ المعاصر يونس أحمد السامرائي في كتابه: سامراء في أدب القرن الثالث الهجري، ساعدت جامعة بغداد على طبعه سنة 1968 م. انظر دفاع عن الكافي: 1 /568 ـ 592 تحت عنوان: الدليل السادس: اعترافات أهل السنّة.

[17] الكامل في التاريخ: 7 / 274 في آخر حوادث سنة 260 هـ.

[18] وفيات الأعيان: 4 / 176، 562.

[19] اُصول الكافي: 1 / 514 باب 125.

[20] كمال الدين: 2/430، 4 باب 42.

[21] العبر في خبر من غبر: 3 / 31.

[22] تاريخ الإسلام / الجزء 19 في حوادث ووفيات (251 ـ 260 هـ): 113.

[23] سير أعلام النبلاء: 13 / 119، الترجمة رقم 60.

[24] نور الأبصار: 186.

[25] الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيثمي، الطبعة الاولى: 207، والطبعة الثانية: 124، والطبعة الثالثة: 313 ـ 314.

[26] الإتحاف بحب الأشراف: 68.

[27] نور الأبصار: 186.

[28] الأعلام: 6 / 80.

[29] راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، اصدار مركز الرسالة: 123 ـ 127.

**************

الإمام المهدي (عليه السلام) في روايات أهل السنّة

الأمر الثاني- الأمر الثالث

الأمر الثاني

2007-09-06

ماهو اسم الإمام ونسبه؟

المتتبع للأحاديث الصحيحة الواردة في اسم ونسب المهدي في كتب أهل السنّة; سيجدها على كثرتها أ نّها تؤكّد حقيقة واحدة هي: أن نسب المهدي يرجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)،وأنه من أهل البيت ومن الأئمة الإثني عشر المعصومين، وهو آخرهم (وهو محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام)ابن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي السجاد بن الحسين الشهيد بكربلاء بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)).

وهو الملقّب بالمهدي المنتظر، المنسجم مع ما تعتقد به الشيعة الإمامية، وإليك الروايات التي تحدّثت عن اسمه ونسبه:

المهدي: كناني، قرشي، هاشمي

عن قتادة، قال قلت لسعيد بن المسيب: المهدي حقّ؟

قال: حقّ.

قلت: ممّن هو؟ قال: من كنانة.

قلت: ثم ممّن؟ قال: من قريش.

قلت: ثم ممّن؟ قال: من بني هاشم[1].

فالمهدي حسب هذه الرواية إنه كناني، قرشي، هاشمي، ولا فرق بين هذه الألقاب، لأن كل هاشمي هو من قريش وكل قرشي هو من كنانة، لأن قريشاً هو النضر بن كنانة باتفاق أهل الأنساب.

المهدي من أولاد عبدالمطلب

روى ابن ماجة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "نحن ولد عبدالمطلب سادة أهل الجنة، أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي"[2].

وبهذه الرواية يكون الإمام المهدي من أولاد عبدالمطلب.

المهدي من ولد أبي طالب

عن سيف بن عُمَير قال: كنت عند أبي جعفر المنصور فقال لي ابتداء: يا سيف بن عميرة! لابدّ من مناد ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب.

فقلت: جعلت فداك يا أمير المؤمنين تروي هذا؟

قال: إي والذي نفسي بيده; لسماع اُذُني له.

فقلت: يا أمير المؤمنين! إن هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا.

فقال: يا سيف! إنه لحقّ، وإذا كان فنحن أول من يجيبه، أما إنّ النداء إلى رجل من بني عمّنا.

فقلت: رجل من ولد فاطمة؟ فقال: نعم يا سيف، لولا أنني سمعت من أبي جعفر محمد بن علي يحدّثني به، وحدّثني به أهل الأرض كلهم ما قبلته منهم، ولكنه محمد بن علي[3].

وهذا الحديث يؤكّد أن الإمام المهدي من ولد أبي طالب.

المهدي من أهل البيت (عليهم السلام):

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

"لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً"، قال: "ثم يخرج رجلٌ من عترتي أو من أهل بيتي يَمْلؤُها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً"[4].

ومثله عن عبدالله عن النبي (صلى الله عليه وآله):

"لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي"[5].

عن علي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "المهديّ منّا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة"[6].

المهدي من ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله):

عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

"يخرج في آخر الزمان رجلٌ من ولدي، اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً فذلك هو المهدي"[7].

المهدي من ولد فاطمة (عليها السلام):

1 ـ عن اُمّ سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) عن النبي (صلى الله عليه وآله): "المهدي حقٌّ وهو من ولد فاطمة"[8].

2 ـ وعن اُمّ سلمة قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة"[9].

المهدي من ولد الحسين (عليه السلام):

عن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فذكّرنا رسول الله بما هو كائن، ثم قال: "لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاًمن وُلدي اسمه اسمي" فقال سلمان الفارسي (رضي الله عنه): يا رسول الله من أيّ ولدك؟ قال: "من ولدي هذا" وضرب بيده على الحسين (عليه السلام)[10].

عن أبي سعيد الخدري قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرض مرضة نقه منها، فدخلت عليه فاطمة (عليها السلام) تعوده وأنا جالس عن يمين رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما رأت ما برسول الله (صلى الله عليه وآله) من الضعف خنقتها العبرة حتى بدت دموعها على خدّها، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ما يبكيكَ يا فاطمة؟ أما علمت أنّ الله تعالى اطّلع إلى الأرض اطلاعةً فاختار منها أباك فبعثه نبيّاً، ثم اطلع ثانيةً فاختار بعلك، فأوحى اليّ فأنكحته واتخذته وصيّاً، أما علمت أنكِ بكرامة الله تعالى بأنّ أباكِ زوّجك أعلمهم علماً وأكثرهم حلماً وأقدمهم سلماً". فضحكت واستبشرت، فأراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يزيدها مزيد الخير كلّه الذي قَسَمه الله لمحمد وآل محمد، فقال لها: يا فاطمة! ولعلي ثمانية أضراس ـ يعني مناقب ـ: إيمان بالله ورسوله، وحكمته، وزوجته، وسبطاه الحسن والحسين، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.

"يا فاطمة! إنّا أهل بيت اُعطينا ست خصال لم يعطها أحدٌ من الأولين، ولا يدركها أحدٌ من الآخرين غيرنا أهل البيت: نبيّنا خير الأنبياء وهو أبوكِ، ووصيّنا خير الأوصياء وهو بعلكِ، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عمّ أبيكِ، ومنّا سبطا هذه الاُ مّة وهما ابناكِ، ومنا مهدي الاُ مّة الذي يُصلّي عيسى خلفه، ثم ضرب على منكب الحسين (عليه السلام) فقال: من هذا مهدي الاُمّة"[11].

اسم والدة الإمام المهدي (عليه السلام) والمهدي من ولد الصادق (عليه السلام)

عن المفسّر اللغوي المعروف بابن الخشاب، قال: حدثني أبو القاسم الطاهر بن هارون بن موسى الكاظم عن أبيه عن جدّه، قال: قال سيدي جعفر بن محمد: "الخلف الصالح من ولدي وهو المهدي اسمه محمد وكنيته أبو القاسم، يخرج في آخر الزمان، يقال لاُ مّه نرجس وعلى رأسه غمامة تظلّه عن الشمس، تدور معه حيثما دار تنادي بصوت فصيح هذا المهدي فاتبعوه"[12].

المهدي من ولد الرضا (عليه السلام):

عن الحسن بن خالد، قال: قال علي بن موسى الرضا (عليه السلام): "لا دين لمن لا ورع له، وان أكرمكم عند الله أتقاكم ـ أي أعلمكم بالتقوى ـ، ثم قال: إن الرابع من ولدي ابن سيدة الإماء يطهّر الله به الأرض من كل جور وظلم..."[13] الحديث

اسم والد الإمام المهدي (عليه السلام)

وأخرج الروياني والطبراني وغيرهما المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدرّيّ، اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي ـ أي طويل ـ يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يرضى لخلافته أهل السماء وأهل الأرض. وورد أيضاً في حليته: أنه شاب أكحل العينين أزج الحاجبين أقنى الأنف كثّ اللحية على خدّه الأيمن خال.

وقال الشيخ القطب الغوثي سيدي محيي الدين ابن العربي في الفتوحات: اعلموا أنّه لا بد من خروج المهدي، لكن لا يخرج حتى تملأ الأرض جوراً وظلماً فيملأها قسطاً وعدلاً وهو من عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ولد فاطمة رضي الله تعالى عنها، جدّه الحسين بن علي بن أبي طالب ووالده الإمام الحسن العسكري ابن الإمام علي النقي ـ بالنون ـ ابن الإمام محمد التقي ـ بالتاء ـ ابن الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين علي ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، يواطئ اسمه اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبايعه المسلمون بين الركن والمقام، يشبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخَلق ـ بفتح الخاء ـ وقريباً منه في الخُلق، أسعد الناس به أهل الكوفة، يقسم المال بالسوية، ويعدل به في الرعية يمشي الخضر بين يديه[14].

**************

الأمر الثالث

صفات الإمام المهدي

بعد أن اتضح اسم الإمام المهدي ونسبه، نتناول في هذا الأمر الروايات الواردة في كتب أهل السنّة، حول صفات الإمام (عليه السلام)الجسمية، من حيث صفة الوجه ولونه والشعر وما شابه ذلك، ضمن عدّة روايات.

1 ـ عن أبي سعيد الخدري عن رسول لله (صلى الله عليه وآله) قال: "المهدي منّي أجلى الجبهة أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً..."[15].

2 ـ عن حذيفة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

"المهدي رجلٌ من ولدي وجهه كالقمر الدرّي، اللون لون عربي والجسم جسم اسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً، كماملئت جوراً، يرضى بخلافته أهل السماء وأهل الأرض والطير في الهواء..."[16].

3 ـ عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):

"المهدي منّا أهل البيت، أشمّ الأنف أقنى، أجلى، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يعيش هكذا ـ وبسط يساره واصبعين من يمينه ـ المسبّحة والإبهام وعقد ثلاث"[17].

4 ـ عن قتادة عن عبدالله بن الحرث قال: "يخرج المهدي وهو ابن أربعين سنة كأنّه رجل من بني اسرائيل"[18].

5 ـ عن محمد بن جبير قال: "المهدي أزج، أبلج، أعين، يجيء من الحجاز حتى يستوي على منبر دمشق، وهو ابن ثمان عشرة سنة"[19].

6 ـ عن عبدالله بن بشير عن كعب قال: "المهدي خاشع لله كخشوع النسر جناحيه"[20].

7 ـ عن ابن عباس قال: "المهدي شابٌ منّا أهل البيت"[21].

8 ـ عن عبدالرحمن بن عوف، عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ليبعثنّ الله تعالى من عترتي رجلاً، أفرق الثنايا، أجلى الجبهة، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويفيض المالَ فيضاً"[22].

9 ـ عن محمد بن جعفر عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: "إن ابني هذا سيّد كما سمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيّداً وسيخرج الله من صلبه رجلاً باسم نبيّكم، يشبهه من الخَلق والخُلق، يخرج على حين غفلة من الناس، وإماتة للحق وإظهار للجور، والله لو لم يخرج لضربت عُنقه، يفرح بخروجه أهل السماوات وسكّانها، وهو رجلٌ أجلى الجبين، أقنى الأنف، ضخم البطن، أزيل الفخذين، بفخذه اليمنى شامة، أفلج الثنايا، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً"[23].

10 ـ عن سليمان بن حبيب قال: سمعت أبا اُمامة الباهلي يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

"بينكم وبين الروم أربع هدن في يوم، الرابعة يفتح على يدي رجل من آل هرقل يدوم سبع سنين، فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستورد بن غيلان: يا رسول الله! مَن إمام الناس يومئذ؟ قال: المهدي من ولدي ابن أربعين سنة، كأن وجهه كوكب دريّ في خدّه الأيمن خال أسود..."[24].

11 ـ عن الهيثم بن عبدالرحمن، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)قال: "المهدي مولده بالمدينة، من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) واسمه اسم النبي (صلى الله عليه وآله)ومهاجره بيت المقدس، كثّ اللحية أكحل العينين، برّاق الثنايا، في وجهه خال، أقنى أجلى، في كتفه علامة النبي (صلى الله عليه وآله)، رايته من مرط مخملة سوداء مربعة فيها جمم لم تنتشر منذ توفي النبي (صلى الله عليه وآله) ولا تنشر حتى يخرج المهدي (عليه السلام)، يمدّه الله بثلاثة آلاف من الملائكة يضربون وجوه من خالفهم وأدبارهم"[25].

-------------------------------

[1] عقد الدرر: 42 ـ 44 الباب الأول، ومستدرك الحاكم: 4/ 553، ومجمع الزوائد: 7/ 115.

[2] سنن ابن ماجة 2: 1368، ح 4087، باب خروج المهدي، ومستدرك الحاكم: 3/ 211، وجمع الجوامع للسيوطي: 1/ 851.

[3] عقد الدرر للمقدسي الشافعي: 149 ـ 150 الباب الرابع.

[4] مسند أحمد: 3/424، ح 10920 ومسند أبي يعلى: 2/274 ح 987، والمستدرك: 4/577، وعقد الدرر: 36 باب 1 وموارد الظمآن: 464 ح 1879 و 1880 ومقدمة ابن خلدون: 250 فصل 53 وجمع الجوامع: 1/902 وكنز العمال: 14/271 ح 38691 وينابيع المودّة: 433 باب 73.

[5] مسند البزاز: 1/281، ومسندأحمد: 3761 وسنن الترمذي: 4/505 باب 52 ح2230 والمعجم الكبير: 10/135 ح10221 مع اختلاف يسير وتاريخ بغداد: 4/388 وعقد الدرر: 38 باب 3 ومطالب السؤول: 2/81 والبيان في أخبار صاحب الزمان: 91 لمحمّد النوفلي القريشي الكنجي الشافعي، وفرائد السمطين: 2/327 ح 576 والدر المنثور: 6/58، وجمع الجوامع: 1/903 وكنز العمال: 14/271 ح 38692 وبرهان المتقي: 90 باب 2 ح 4.

[6] ابن أبي شيبة: 8/678 ح 190 وفتن ابن حماد: ومسند أحمد: 1/84 وتاريخ البخاري: 1/371 ح 994 وسنن ابن ماجة: 2/1367 باب 34 ح 4085 ومسند ابو يعلى: 1/359 ح 465 وحلية الأولياء: 3/177 والكامل لابن عدي: 7/2643 والفردوس: 4/222 ح 6619 والبيان في اخبار صاحب الزمان: 100 للكنجي الشافعي وعقد الدرر: 183 باب 6 والعلل المتناهية: 2/2856 ح 1432 وفرائد السمطين: 2 / 331 ح 583 وميزان الاعتدال: 4/359 ح 9444 ومقدمة ابن خلدون: 1/396 باب 53 و تهذيب التهذيب: 11/152 ح 294 وعرف السيوطي الحاوي: 2/213 والدر المنثور: 6/58 وجمع الجوامع: 1/449 والجامع الصغير: 2/672، ح 9243 وصواعق ابن حجر: 163 باب 511 فصل 1 وكنز العمال: 14/264، ح 38664 وبرهان المتقي: 87 باب 1، ح 43 ومن ص: 89، باب 2، ح 1، ومرقاة المفاتيح: 9/349 مع اختلاف يسير وفيض القدير: 6/278، ح 9243.

[7] تذكرة الخواص: 363، وعقد الدرر: 43 باب 1 ومنهاج السنّة، ابن تيمية: 4/ 86 ـ 87.

[8] تاريخ البخاري: 3/364، المعجم الكبير: 23/267 ح 566، ومستدرك الحاكم: 4/557.

[9] سنن أبي داود: 4/104 ح 4284 و سنن ابن ماجة: 2/1368 باب 34 ح 4086 والفردوس: 4/497 ح 6943 ومصابيح البغوي: 3/492 باب 3 ح 4211 وجامع الاُصول: 5 / 343 ومطالب السؤول: 8 وعقد الدرر: 36 باب 1 وميزان الاعتدال: 2/87 ومشكاة المصابيح: 3/24 فصل 2 ح 5453 وتحفة الأشراف: 13/7 ح 18153 والجامع الصغير: 2/672 ح 9241 والدر المنثور: 6/58 وجمع الجوامع: 1/449 وصواعق ابن حجر: 141 باب 11 فصل 1 وكنز العمال: 14/264 ح 38662 ومرقاة المفاتيح: 9 / 350 واسعاف الراغبين: 145 وفيض القدير: 6/277 ح 9241 والتاج الجامع للاُصول: 5/343.

[10] المنار المنيف لابن القيم: 148، 329 فصل 50، عن الطبراني في الأوسط، عقد الدرر: 45 من الباب الأوّل وفيه: (أخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي)، ذخائر العقبى، المحب الطبري: 136، وفيه: (فيحمل ما ورد مطلقاً فيما تقدم على هذا المقيّد)، فرائد السمطين: 2/325، 575 باب 61، القول المختصر لابن حجر: 7/37 باب 1، فرائد فوائد الفكر: 2 باب 1، السيرة الحلبية: 1/193، ينابيع المودّة: 3/63 باب 94، وهناك أحاديث اُخرى بهذا الخصوص في مقتل الإمام الحسين (عليه السلام)للخوارزمي الحنفي: 1/196، وفرائد السمطين: 2/310 ـ 315 الأحاديث 561 ـ 569، وينابيع المودّة: 3/170 / 212 باب 93 وباب 94.

[11] البيان: 120 باب 9 والفصول المهمة: 286 ط دار الأضواء فصل 12، ينابيع المودّة: 490 و 493 باب 94 مع اختلاف.

[12] ينابيع المودّة: 491 عن أربعين الحافظ أبي نعيم الاصبهاني.

[13] ينابيع المودّة: 448 و 489 عن كتاب فرائد السمطين.

[14] مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار، للشيخ حسن العدوي الحمزاوي المصري: 476 ـ 477، فصل في المهدي (عج)، يواقيت الجواهر: ج562، باب في بيان أن جميع أشراط الساعة، نقلاً عن الفتوحات المكيّة، باب ست وستين وثلاثمائة.

[15] سنن أبي داود: 4/107 ح 428 ومستدرك الحاكم مع اختلاف يسير: 4/557 ومعالم السنن: 4/344 ومصابيح البغوي: 3/492 ح 4212 والعلل المتناهية: 2/859 ح 1443 وجامع الاُصول: 5 / 343 باب 7. ومطالب السؤول: 2/80 باب 12 والبيان: 117 وعقد الدرر: 59 باب 3 ومشكاة المصابيح: 3/171 باب 2 فصل 2 ح 5454، والجامع الصغير: 2/672 ح 9244 وجمع الجوامع: 1/449 وكنز العمال: 14/264 ح 38665 ومرقاة المفاتيح: 9 / 351 ح 5454 وفيض القدير: 6/278 ح 9244 والتاج الجامع للاُصول: 5/343 باب 7.

[16] الفردوس: 4/496 ح 6940 والعلل المتناهية: 2/858 ح 1439 والبيان: 118 باب 8 وذخائر العقبى: 136 وعقد الدرر: 60 باب 3 وفيه "كالكوكب الدرّي" وميزان الاعتدال: 3/449 ولسان الميزان: 5/24 والفصول المهمة: 284 والجامع الصغير: 2/672 ح 9245 وصواعق ابن حجر: 164 باب 11 فصل 1 وكنز العمال: 14/264 ح 38666 ومرقاة المفاتيح: 9 / 350 ولوائح السفاويني: 2/4 واسعاف الراغبين: 146 ونور الأبصار: 187 وفيض القدير: 6/279 ح 9245.

[17] مستدرك الحاكم: 4/557 وعقد الدرر: 60، باب 3 (مع اختلاف يسير) وفرائد السمطين: 2/330 ح 580 وبرهان المتقي: 98 باب 2 ح 28 و 99 باب 3 ح 3 وينابيع المودّة: 488 باب 94.

[18] فتن ابن حماد: 258 ح 1008 وعرف السيوطي، الحاوي: 2/232 وبرهان المتقي: 99 باب 3، ح 2 وكنز العمال: 14/586 ح 39660.

[19] برهان المتقي: 100 باب 3 ح 5 وعقد الدرر: 63 ـ 64، باب 3 وعرف السيوطي، الحاوي: 2/232 وفرائد فوائد الفكر: 4 باب 2.

[20] ابن حماد: 258، وعقد الدرر: 65 باب 3 وعرف السيوطي، الحاوي: 2/232 والقول المختصر: 98، باب 3 ح 29 وبرهان المتقي: 101، باب 3 ح 10.

[21] ابن حماد: 102 وعرف السيوطي، الحاوي: 2/232 وبرهان المتقي: 98، باب 2 ح 26 و 27 وكنز العمال: 14/585 ح 39658 مع اختلاف يسير، وفرائد فوائد الفكر: 2 باب 1.

[22] البيان: 139 باب 19 وعقد الدرر: 37، باب 1 وفرائد السمطين: 2/331 ح 582 مع اختلاف يسير وعرف السيوطي، الحاوي: 2/220 وصواعق ابن حجر: 164 باب 11 فصل 1 والقول المختصر: 43، باب 1 ح 33 وبرهان المتقي: 84 باب 1 ح 32 واسعاف الراغبين: 146 وينابيع المودّة: 433 و 436 باب 73 فصل 2 وفرائد فوائد الفكر: 4 باب 2.

[23] سنن أبي داود: 4/108 ح 4290 مع اختلاف وجامع الاُصول: 5/343 ومختصر أبي داود: 6/162 ح 4121 وعقد الدرر: 45 باب 1 وفتن ابن كثير: 1 / 38 ومقدمة ابن خلدون: 391 فصل 53 وعرف السيوطي الحاوي: 2/214 والدر المنثور: 6/39 ذيل الآية 18 وجمع الجوامع: 2/35 وكنز العمال: 13/647، ح 37636 ومرقاة المفاتيح: 9/363 ح 5462 وينابيع المودّة: 432 باب 72 والتاج الجامع للاُصول: 5/343 ح 10.

[24] البيان: 137 ـ 138 باب 18 عن المعجم الكبير ومناقب المهدي لأبي نعيم.

[25] البيان: 140 عن المعجم للطبراني ومناقب المهدي لأبي نعيم.

**************

الإمام المهدي (عليه السلام) في روايات أهل السنّة

الأمر الرابع- الأمر الخامس- الأمر السادس_ الأمر السابع_ الأمر الثامن_ الأمر التاسع

2007-09-06

الأمر الرابع

مقام الإمام المهدي (عليه السلام) عند الله تعالى

بعد أن عرفنا اسم الإمام المهدي وصفاته، نتحدث في هذه الفقرة عن القيمة الإلهية التي يكتسبها الإمام المهدي (عليه السلام)، والموقع الإلهي الذي ينطلق منه لأداء مهمّته، وكونه الخليفة الحق الموعود، الذي تجب طاعته بأمر منه سبحانه، ضمن عدّة روايات.

1 ـ عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "نحن ولد عبدالمطلب سادة أهل الجنة، أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي"[1].

2 ـ عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله): "المهدي طاووس أهل الجنة"[2].

3 ـ عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: "يكون في هذه الاُمّة خليفة، لا يَفْضُلُ عليه أبو بكر ولا عمر"[3].

4 ـ عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "يخرج المهدي على رأسه غَمامَةٌ، فيها مناد ينادي: هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه"[4].

5 ـ عن عبدالله بن عمرو عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "يخرج المهدي وعلى رأسه ملكٌ ينادي: إنّ هذا المهدي فاتبعوه"[5].

**************

الأمر الخامس

المهدي (عليه السلام) خليفة الله وخاتم الأئمة

إذا كان الإمام المهدي الموعود هو محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام)، ومقامه عند الله هو الخليفة الحق الذي تجب طاعته.

عندئذ نتساءل: هل هناك إمام يأتي بعده، أم هو آخر الخلفاء من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)وخاتمهم، طبقاً لما تعتقده الشيعة الإمامية وتنتظره؟

الروايات الآتية الواردة في كتب أهل السنّة، تتحدث عن كون المهدي الموعود هو خاتم الأئمّة والخلفاء (عليهم السلام).

1 ـ عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلّهم ابن خليفة، ثم لا تصير إلى واحدة منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونهم قتلاً لم يقتله قوم، ـ ثم ذكر شيئاً لا أحفظه ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي"[6].

2 ـ عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: قلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدي منا أئمّة الهدى أم من غيرنا؟ قال: "بل منّا، بنا يختم الدين، كمابنا فَتَح،وبنا يُستنقذون من ضلالة الفتنة، كما استُنقِذوا من ضلالة الشرك،وبنا يؤلّف الله بين قلوبهم في الدين بعد عداوة الفتنة، كما أ لّف الله بين قلوبهم ودينه بعد عداوة الشرك"[7].

3 ـ وقال ابن حجر الهيثمي ـ المتوفّى سنة 974 هـ ـ: "قال أبو الحسين الآبري: قد تواترت الأخبار، واستفاضت بكثرة رواتها، عن المصطفى (صلى الله عليه وآله)بخروجه ـ أي المهديّ ـ وأنّه من أهل بيته، وأنّه يملأ الأرض عدلاً، وأنّه يخرج مع عيسى على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام، فيساعده على قتل الدجّال بباب لد بأرض فلسطين، وأنّه يؤمّ هذه الاُمّة، ويصلّي عيسى خلفه"[8].

4 ـ وقال الشيخ الصبّان ـ المتوفى سنة 1206 هـ: "وقد تواترت الأخبار عن النبي (صلى الله عليه وآله)بخروجه ـ أي المهديّ ـ وأنّه من أهل بيته، وأنّه يملأ الأرض عدلاً، وأنّه يساعد عيسى على قتل الدجّال بباب لد بأرض فلسطين، وأنّه يؤمّ هذه الاُمّة، ويصلّي عيسى خلفه"[9].

5 ـ حديث أبي سعيد: "تملأ الأرض جوراً وظلماً، فيخرج رجل من عترتي..."[10].

**************

الأمر السادس

المهدي (عليه السلام) يؤمّ النبي عيسى (عليه السلام)

إذا كانت الأدلة النقلية في كتب الصحاح وغيرها، تؤكّد حقيقة الإمام المهدي بشخصه واسمه ونسبه وصفاته الاُخرى

فهل زوّد الإنسان المسلم في عصر الظهور بشهادات اُخرى ترسّخ الإيمان به، والطاعة لشخص الإمام بعينه، وتمنعه من الانجراف وراء الأدعياء وتيّارات الانحراف؟

إنّ الروايات الآتية تؤكّد هذه الحقيقة التاريخية وهي أن النبي عيسى (عليه السلام)سوف ينزل من السماء، ويأتمّ بالإمام المهدي بن الحسن العسكري (عليه السلام):

1 ـ ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف، عن ابن سيرين قال: "المهدي من هذه الاُمّة، وهو الذي يؤمّ عيسى بن مريم"[11].

2 ـ ما أخرجه أبو نعيم، عن عبدالله بن عمرو قال: "المهديّ ينزل عليه عيسى بن مريم، ويصلّي خلفه عيسى"[12].

3 ـ ما قاله المناوي في شرح حديث: "منّا الذي يصلّي عيسى بن مريم خلفه" قال: (منّا) أهل البيت (الذي) أي: الرجل الذي (يصلّي عيسى بن مريم) روح الله عند نزوله من السماء في آخر الزمان، عند ظهور الدجّال (خلفه) فإنّه ينزل عند صلاة الصبح على المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيجد الإمام المهديّ يريد الصلاة، فيحسّ به فيتأخّر ليتقدّم، فيُقدّمه عيسى (عليه السلام) ويصلّي خلفه، فأعظم به فضلاً وشرفاً لهذه الاُمّة"[13].

4 ـ ما قاله ابن برهان الشافعي في نزول عيسى (عليه السلام): "ونزوله يكون عند صلاة الفجر، فيصلّي خلف المهديّ بعد أن يقول له المهديّ: تقدّم يا روح الله فيقول: تقدّم اُقيمت لك ـ الى أن قال ـ وورد: أنّ المهديّ يخرج مع عيسى فيساعد على قتل الدجّال، وقد جاء أنّ المهديّ من عترة النبيّ (صلى الله عليه وآله)من ولد فاطمة"[14].

5 ـ ما جاء في فتح الباري: "وقال أبو الحسن الخسعي الآبدي[15] في مناقب الشافعي: تواترت الأخبار، بأنّ المهديّ من هذه الاُمّة، وأنّ عيسى يصلّي خلفه، ذكر ذلك ردّاً للحديث الذي أخرجه ابن ماجة، عن أنس، وفيه: ولا مهديّ إلاّ عيسى" ثمّ ردّ قول الطيبي بأنّ المعنى: يؤمّكم عيسى حال كونه في دينكم بقوله: "ويعكّر عليه قوله في حديث آخر عند مسلم: فيقال له: صلِّ لنا، فيقول: لا، إنّ بعضهم على بعض اُمراء تكرمة لهذه الاُمّة".

ثمّ نقل عن ابن الجوزي قوله: "لو تقدّم عيسى (عليه السلام) إماماً لوقع في النفس إشكال، ولقيل: أتراه تقدّم نائباً، أو مبتدئاً شرعاً؟ فصلّى مأموماً لئلاّ يتدنّس بغبار الشبهة، وجه قوله (صلى الله عليه وآله): "لا نبي بعدي".

ثمّ قال: "وفي صلاة عيسى (عليه السلام) خلف رجل من هذه الاُمّة، مع كونه في آخر الزمان، وقرب قيام الساعة، دلالة للصحيح من الأقوال: "إنّ الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجّة" والله أعلم[16].

6 ـ ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن سيرين: "المهدي من هذه الاُمّة وهو الذي يؤّم عيسى ابن مريم"[17]

**************

الأمر السابع

راية المهدي (عليه السلام)

ومن العلامات التي زوّد بها الإنسان المسلم في عصر الظهور لكي يتوقّى بواسطتها الدخول في خطوط الانحراف، وصف راية الإمام المهدي وشعاره المرتقب، حيث تشكّل رايته (عليه السلام)، علامة يهتدي بها المنتظرون لظهوره (عليه السلام)، لنلاحظ الروايتين التاليتين:

1 ـ عن عبدالله بن شريك، قال: "مع المهدي راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)المغلَّبة، ليتني أدركته وأنا أصدعُ"[18].

2 ـ عن أبي إسحاق عن نوف البكائي: "في راية المهدي مكتوب البيعة لله"[19].

**************

الأمر الثامن

عطاء الإمام المهدي (عليه السلام)

ممّا لا شك فيه، أنّ العدالة بكل صورها ستتحقق بقيادة المهدي (عليه السلام)، وتدرّ السماء والأرض خيراتها وتصبح دولته ـ الدولة النموذجية الإلهية الموعودة ـ التي يُسعد فيها الإنسان، إذ لا ظلم ولا حيف ولا فقر ولا فساد.

إنّ النصوص التالية تشير إلى هذه الحقائق:

1 ـ عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: "تنعم اُ مّتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قط، تُرسل السماء عليهم مدراراً، ولا تدع الأرض شيئاً من النبات إلاّ أخرجته، والمال كَدُوس، يقوم الرجل فيقول: يا مهدي أَعطني فيقول خُذ"[20].

2 ـ عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يكون في اُ مّتي المهدي إن قصر فسبع وإلاّ فتسع، فتنعم فيه اُ مّتي نعمة لم يتنعّموا بمثلها قط، فتؤتي الأرض اُكلها، ولا تدّخر عنهم شيئاً، والمال يومئذ كدَوس فيقوم الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني، فيقول: خُذ"[21].

3 ـ عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "إنّ في اُ مّتي المهدي، يخرج يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً ـ زيد الشاك[22] قال قلنا: وماذاك؟ قال: سنين، قال فيجيء إليه رجلٌ فيقول: يا مهدي، أعطني أعطني، قال: فيحثي له ثوبه ما استطاع أن يحمله"[23].

4 ـ عن جابر بن عبدالله الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "يكون في آخر الزمان خليفة يحثي المال حثياً لا يَعُدُّه عدّاً"[24].

5 ـ وأخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبدالله عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال، ولا يعدّه"[25].

**************

الأمر التاسع

معجزات الإمام المهدي (عليه السلام)

إذا كان المهدي الموعود هو أحد الأئمّة المعصومين، حسب عقيدة الشيعة الإمامية; فلابدّ لهذا الإمام (عليه السلام) من مواهب إلهية، كعلمه الواسع وقدرته على فعل المعجزة التي يخرجها للناس كي تتأكد إمامته وخلافته لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما كانت تصدر من آبائه ممارسات إلهية غيبية، فآباؤه الأحد عشر من المعصومين كانت لهم معجزات وكرامات تؤكّد منزلتهم الإلهية.

والنصوص التالية تشير إلى هذه الحقيقة:

1 ـ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: "يومى المهدي للطير فيسقط على يديه، ويغرس قضيباً في بضعة من الأرض فيخضرّ ويورق"[26].

2 ـ وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: "تختلف ثلاث رايات، راية بالمغرب وراية بالجزيرة وراية بالشام، تدوم الفتنة بينهم سنة ـ ثم ذكر خروج السفياني وما يفعله من الظلم والجور، ثم ذكر خروج المهدي، ومبايعة الناس له بين الركن والمقام ـ قال: يسير بالجيوش حتى يسير بوادي القرى في هدوء ورفق، ويلحقه هناك ابن عمّه الحسني في إثني عشر ألف فارس، فيقول له: يابن عمّ! أنا أحقّ بهذا الجيش منك، أنا ابن الحسن وأنا المهدي فيقول له المهدي: بل أنا المهدي، فيقول له الحسني: هل لك من آية فاُبايعك؟ فيومئ المهدي إلى الطير فيسقط على يديه ويغرس قضيباً في بضعة من الأرض، فيخضرّ ويورق، فيقول له الحسني: ياابن عمّي هي لك"[27].

الخلاصة:

تبيّن من خلال البحث أن الإيمان بحتمية ظهور المصلح العالمي في آخر الزمان ليس مختصّاً بالأديان السماوية، بل شمل حتى المدارس الفكرية والفلسفية غير الدينية.

ومع اعتراف الديانات السماوية بظهور هذا المصلح أضافت الدراسات العلمية للبشارات الواردة في كتب العهدين على وجه الخصوص، بأنّ هذا المصلح هو المهدي (عليه السلام).

والعلماء من مختلف المذاهب الإسلامية قد سجّلوا اعترافاتهم بولادة الإمام المهدي (عليه السلام)ابتداءً من سنة (260 هـ) وحتى الوقت الحاضر.

وعليه فإنّ النظر إلى مجموع أحاديث المهدي (عليه السلام) الواردة في كتب المسلمين تكفي للجزم بتواترها عن النبي (صلى الله عليه وآله) من دون أدنى تردّد.

فقد ثبت تواترها إجمالاً في كتب أهل السنّة[28] التي أخرجها العلماء والمحدّثون في كتبهم الكثيرة[29].

وقد صرّح الأعلام منهم كالترمذي المتوفى سنة (297 هـ)[30] والحافظ أبي جعفر العقيلي المتوفى سنة (322 هـ)[31] والحاكم النيسابوري المتوفى سنة (405 هـ)[32] والإمام البيهقي المتوفى سنة (458 هـ)[33] والإمام البغوي المتوفى سنة (510 هـ)[34] وابن الأثير المتوفى سنة (606 هـ)[35] والقرطبي المالكي المتوفى سنة (671 هـ)[36] وابن تيمية المتوفى سنة (728ه ـ)[37] والحافظ الذهبي المتوفى سنة (748 هـ)[38] والكنجي الشافعي المتوفى سنة (658 ه ـ)[39] والحافظ ابن القيّم المتوفى سنة (751 هـ [40] وغيرهم بصحة أحاديث المهدي حسبما تذكره مؤلّفاتهم.

كما صرّح القسم الآخر من علماء أهل السنّة بتواتر أحاديث المهدي، ونقتصر على ذكر بعضهم كالبربهاري المتوفى سنة (329 هـ [41] ومحمد بن الحسن الآبري الشافعي المتوفى سنة (363 هـ) نقل عنه هذا القرطبي المالكي[42] والقرطبي المالكي المتوفى سنة (671 هـ)[43] والحافظ المتقن جمال الدين المزني المتوفى سنة (742 هـ)[44] وابن القيّم المتوفى سنة (751 هـ)[45] وابن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852 هـ)[46] وغيرهم.

وبالإضافة الى الأخبار المؤيّدة لتواتر حديثه كالتي تصف شخصه وشمائله وأفعاله، والأخبار التي تتحدث عن اسمه ونسبه واسم اُمّه واسم أبيه.

ونقيّد المطلق من الأخبار التي تحدّد شخصه كالتي تتحدّث عن كون المهدي من أولاد عبدالمطلب، وكونه من ولد أبي طالب، ومن أهل البيت (عليهم السلام)، ومن ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن ولد فاطمة، ومن ولد الحسين، ومن ولد الصادق، ومن ولد الرضا (عليهم السلام).

وكونه خليفة الله وخاتم الأئمّة وأنّه يؤمّ النبي عيسى (عليه السلام)، كل هذه النصوص التي تحدّد وتعيّن الإمام المهدي الموعود، الذي بشّر بظهوره خاتم المرسلين محمد (صلى الله عليه وآله) في آخر الزمان، تفيد بأنّه هو محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا.

وهكذا يتّضح بجلاء أن المهدي الموعود قد ولد في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري وهو حيّ يرزق.

وأما الاعتناء بتفاصيل خصائصه الجسمية والنفسية والسلوكية، إلاّ شاهد صدق على مدى اهتمام الشريعة بتعيين شخص القائد العالمي الموعود (الإمام المهدي (عليه السلام))، ومصداقه الحقيقي، لئلاّ يلتبس بغيره، ولئلاّ يستغلّ هذا الموضوع من قبل المستغلّين، وهي فضلاً عن ذلك تزيد الباحث اطمئناناً ويقيناً بقضية الإمام المهدي (عليه السلام) العالمية بخصائصها الإسلامية.

----------------------------

[1] سنن ابن ماجة: 2/1368 باب 34 ح 4087 ومستدرك الحاكم: 3/211 وتاريخ بغداد: 9/434 ح 5050 ومطالب السؤول: 2/81 باب 12 والبيان: 101 باب 3 وذخائر العقبى: 15 و 89، والرياض النضرة: 3/4 و 182 فصل 8 وعقد الدرر: 194، باب 7 وفرائد السمطين: 2/32، باب 7 ح 370 ومقدمة ابن خلدون: 398 باب 53 والفصول المهمة: 284 ط دار الأضواء فصل 12 وجمع الجوامع: 1/851 وصواعق ابن حجر: 160 باب 11 فصل 1 وفي ص 187 باب 11 فصل 2، ح 19 وبرهان المتقي: 89 باب 2 ح 3 واسعاف الراغبين: 124 وعرف السيوطي، الحاوي: 2/214.

[2] الفردوس: 4/222 ح 6668 والبيان: 118 باب 8 وعقد الدرر: 199 باب 7 والفصول المهمة: 284 فصل 12 وبرهان المتقي: 171 باب 12، ح 2 وكنوز الدقائق: 152 ونور الأبصار: 187 وينابيع المودّة: 181 باب 56.

[3] ابن أبي شيبة: 15/198 ح 19496 والكامل، ابن عدي: 6/2433 وعقد الدرر: 199 باب 7 وبرهان المتقي: 172، باب 12 ح 6.

[4] البيان: 132 باب 15 وعقد الدرر: 183 باب 6 وفرائد السمطين: 2/316 باب 61 ح 566 ـ 569 والفصول المهمة: 298 فصل 12 وعرف السيوطي، الحاوي: 2/217 وتاريخ الخميس: 2/288 ونور الأبصار: 188 ـ 189.

[5] تخليص المتشابه: 1/417 والبيان: 133 باب 16 وفرائد السمطين: 2/316 باب 61 ح 569 وعرف السيوطي، الحاوي: 2/217، والقول المختصر: 39 باب 1 ح 24 وبرهان المتقي: 72 باب 1 ح 2 وينابيع المودّة: 447 باب 78.

[6] البيان: 104، باب 3 وسنن ابن ماجة: 2/1367 ح 4084 والمستدرك: 4/463 وتخليص المستدرك: 4/463 و464 ومسند أحمد بن حنبل: 5/277 (مع اختلاف يسير).

[7]

[8] الصواعق المحرقة، ابن حجر: 165 طبع مصر.

[9] اسعاف الراغبين، الصبّان: 140.

[10] مستدرك الحاكم: 4/558.

[11] المصنف / ابن أبي شيبة: 15/198 / 19495.

[12] الحاوي للفتاوى، السيوطي: 2/78.

[13] فيض القدير، المناوي: 6/17.

[14] السيرة الحلبية، ابن برهان الشافعي: 1/226 ـ 227.

[15] كذا، والصحيح الآبري، وقد كنّاه بعضهم بأبي الحسين والصحيح: الحسن، مات سنة 363 هـ كما في تراجمه.

[16] فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني: 6/383 ـ 385.

[17] المصنَّف، ابن أبي شيبة: 15 / 198، 19495.

[18] ابن حماد: 249، ح972 والقول المختصر: 100 باب 3 ح 35 وبرهان المتقي: 152 باب 7 ح 24.

[19] ابن حماد: 249، ح 973 وعقد الدرر: 274 باب 9 والقول المختصر: 101 باب 3 ح 36 وبرهان المتقي: 152 باب 7 ح 25 وفرائد فوائد الفكر: 8 باب 4 وينابيع المودّة: 435 باب 73.

[20] ابن حماد: 253، ح 992 والبيان: 145 باب 23 وعقد الدرر: 225 باب 8 والفصول المهمة: 288 و 289 فصل 12 ونور الأبصار: 189 باب 2.

[21] سنن ابن ماجة: 2/1366 ـ 1367 ح 4083 ومستدرك الحاكم: 4/558 وبرهان المتقي: 81 باب 1 ح 25 و 82 باب 1 ح 26.

[22] زيد الشاكّ: بمعنى أضاف هذا الشاكّ في عدد السنين.

[23] سنن الترمذي: 4/439 باب 53 ح 2232 والبيان: 107 باب 6 والعلل المتناهية: 2/858 ح 1440 ومشكاة المصابيح: 3/24 فصل 2 ح 5455 ومقدمة ابن خلدون: 393 فصل 53 وعرف السيوطي، الحاوي: 2/215 وصواعق ابن حجر: 164 باب 11 فصل 1 وكنز العمال: 14/262 ح 38654 ومرقاة المفاتيح: 9 / 352 ومشارق الأنوار: 114 فصل 2 وتحفة الأحوذي: 6/404 ح 2333 والتاج الجامع للاُصول: 5/342 ـ 343.

[24] مصابيح السنّة: 3/488 ح 4199. وأيضا حديث آخر مهم في مصنّف عبدالرزاق: 11/371 ح 20770 باب المهدي، أخرجه صاحب دفاع عن الكافي: 1/266.

[25] صحيح مسلم بشرح النووي: 18/39.

[26] برهان المتقي: 76 باب 1 ح 14.

[27] البرهان المتقي: 76، باب 1 ح 15.

[28] راجع ابراز الوهم المكنون: 437.

[29] أوصلها الاُستاذ محمد علي دخيل في كتابه الإمام المهدي: 259 ـ 365 الى ثلاثين كتاباً من كتب أهل السنّة.

[30] سنن الترمذي: 4/505، 2230 و 2231، 4/506، 2233.

[31] الضعفاء الكبير، العقيلي: 3/253، 1257.

[32] مستدرك الحاكم: 4/429 و 465 و 553 و 558.

[33] الاعتقاد والهداية الى سبيل الرشاد البيهقي: 127.

[34] مصابيح السنّة: 492 ـ 493 / 4210 ـ 4213 و 4215.

[35] النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير: 5/254.

[36] التذكرة، القرطبي: 704 باب ما جاء في المهدي.

[37] منهاج السنّة، ابن تيمية: 4/211.

[38] تلخيص المستدرك، الذهبي: 4/553 و558.

[39] البيان في أخبار صاحب الزمان: 500.

[40] المنار المنيف، ابن القيّم: 130 ـ 135 / 326 و 327 و 39 و 331.

[41] الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر: 28.

[42] التذكرة: 1 / 7، والمزني في تهذيب الكمال: 25/146 / 5181.

[43] التذكرة: 1/701.

[44] تهذيب الكمال: 25/146، 5181.

[45] المنار المنيف: 135.

[46] تهذيب التهذيب: 9/125، 201.

**************

   

المهدويّة عند أهل البيت (عليهم السلام)

2007-09-06

الإمامة الإثنا عشرية جوهر مفهوم المهدويّة

إن أصل الاعتقاد بفكرة ظهور المنقذ الذي يمثل جوهر الفكرة المهدوية في الإسلام يعتبر ظاهرة إنسانية عامة وليس خاصاً بدين معين أو مذهب معين، وهذه الحقيقة من شأنها أن تساعد على اسقاط أربع شبهات في المسألة المهدوية في آن واحد.

فهي توضح أولاً: بطلان الشبهة القائلة باختصاص الشيعة بالقول بالمهدوية، خاصة مع ثبوت اجماع المسلمين عليه.

وتوضح ثانياً: بطلان شبهة الاُسطورة القائلة بأن المهدوية فكرة اُسطورية منتزعة من الخيال، فإن الاُسطورة خيال ساذج منتزع من واقع قبلي أو قومي أو فئوي محدود، وليست هناك اُسطورة تحضى بإجماع الأديان السماوية وغير السماوية، وتُعبّر عن ضمير إنساني عام، ويتبناها العلماء والمفكرون والفلاسفة.

وتوضح ثالثاً: بطلان الشبهة القائلة بدور اليهود في إيجاد الفكرة المهدوية، فإذا كان مضمون الفكرة المهدوية موجوداً في كل دين حتى الأديان غير السماوية، فلماذا نستكثر على الإسلام وجوده فيه؟ فإن مقتضى العقل والمنطق أن يكون الإسلام مشتملاً على هذه الفكرة بمفهوم أوضح وأكمل، كما هو المتجسد في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).

وحينئذ، فمن مؤشرات الكمال في هذا الدين، وهذه المدرسة بالذات، احتواؤهما على الفكرة المهدوية، أليست الأديان تشترك في محاور عقائدية وتشريعية كثيرة كالحج، والصوم، والصلاة... إلخ، فهل أن تصريح اليهودية ـ وغيرها ـ بمثل هذه المحاور يقتضي ابتعاد الإسلام عنها؟ أم يقتضي تأكيد الإسلام عليها، وطرحها بمفهوم أكمل وأرقى؟ فهذه الشبهة تعود على أصحابها بالنقص وعلى الإسلام والتشيع بالكمال.

كما توضح رابعاً: بطلان الشبهة القائلة بأن الفكرة المهدوية وليدة ظروف الضغط السياسي التي عاشها أتباع الائمة (عليهم السلام) ، فإن الخوارج واجهوا ضغطاً لا يقل عما واجهه أتباع الأئمة (عليهم السلام) ولو كانت هناك قاعدة مطردة فما أكثر المظلومين والمضطهدين الذين لم يُعرف عنهم اعتقاد بمضمون الفكرة المهدوية، وما أكثر الأفراد والجماعات التي آمنت بهذا المضمون بدون معاناة لظلم واضطهاد، ولو كان هذا الاعتقاد ناشئاً من الظلم والاضطهاد فما باله يظهر في الأجيال التالية غير المضطهدة؟

نعم، الشيء الذي يمكن الاعتقاد به هو أن عوامل الضغط والاضطهاد من شأنها أن تدفع باتجاه التمسك بالفكرة المهدوية أكثر، لا أنها تنشئ هذه الفكرة وتوجدها من حيث الأساس.

إن الدين هو التعبير الأكمل عن الحقائق الإنسانية، والإسلام هو التعبير الأكمل عن الحقائق الدينية، ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام) هي التعبير الأكمل عن الحقائق الإسلامية.

وحينما تصرح الأديان بفكرة المنقذ العالمي فإنما تكشف ـ فضلاً عن الحقيقة الغيبية ـ عن ضمير إنساني أكيد وبنحو أكمل، وحينما يصرح الإسلام بهذه الفكرة، إنما يصرح بحقيقة دينية أكيدة وبنحو أكمل مما طرحته الأديان السابقة، وحينما يصرح أهل البيت (عليهم السلام) بهذه الفكرة فإنما يقدمون البيان الأكمل عن الحقيقة الإسلامية في هذا المضمار.

وحينئذ، فالفرق بين المسألة المهدوية في مفهوم مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام) هو الفرق بين مدرسة تبيّن الحد الأدنى من الحقيقة ومدرسة تتصدى لبيان الحقيقة الإسلامية بحدها الأعلى، فتتصور الاُولى أن الثانية قد سلكت سبيل الغلو والتطرف، ولعل السرّ في اشتهار التشيع بالمهدوية حتى كأنها من خصائصه وليست من العقائد المجمع عليها بين المسلمين يعود الى اختصاصه بحد الكمال، وتمتع المفهوم المهدوي لديه بخصائص فريدة بها يتحقق المعنى المطلوب من المهدوية.

وهذه الخصائص تتشعب من محور واحد هو أن المهدوية في مفهوم أهل البيت (عليهم السلام) ليست نظرة مستقبلية صرفة، وليست مجرد إخبار عن مستقبل سعيد للبشرية سيكون في نهاية المطاف، كماترى ذلك مدرسة الخلفاء، وإنما هي قبل ذلك جزء لا يتجزء من عقيدة الإمامة الاثني عشرية التي قدّر لها سماوياً أن تستوعب التاريخ من لحظة وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) الى اللحظة الأخيرة من حياة البشرية، أو بتعبير آخر، هي مسألة الإمام الثاني عشر الذي بدأت إمامته منذ عام (260 هـ) وتواصلت حتى الآن، وستتواصل حتى ظهوره في خاتمة التاريخ.

ونحن حينما نبحث في المسألة المهدوية في مفهوم أهل البيت (عليهم السلام) لابد وأن نركّز على هذا المحور العقائدي وننظر إليه تارة من زاوية الدليل والبرهان بقصد الإثبات، واُخرى من زاوية الخصائص المترتبة عليه، وثالثة من زاوية القيمة العقائدية التي ينطوي عليها، فهنا ثلاث مراحل من البحث نجعل كل مرحلة في فصل.  

 المهدويّة عند أهل البيت (عليهم السلام)

الفصل الأوّل

الإثبات العقائدي لمفهوم المهدويّة عند أهل البيت (عليهم السلام)

الدليل العقائدي على هذا المفهوم يتمثل في مئات الروايات الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)[1] التي تدل على تعيين المهدي وكونه من أهل البيت[2]... ومن ولد فاطمة[3].. ومن ذرية الحسين[4]... وأنه التاسع من ولد الحسين[5]... وأنّ الخلفاء اثنا عشر[6].

فهذه خمس طوائف من الروايات تتظافر فيما بينها على تبيين مفهوم المهدوية وتشخيص الإمام المهدي، والذي ينظر فيها يلاحظ ما فيها من التدرج من العنوان الكبير الى العنوان الأصغر حتى تصل الى التحديد الشخصي.

وقد لاحظ السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رضي الله عنه) أن هذه الروايات: "بلغت درجة كبيرة من الكثرة والانتشار على الرغم من تحفّظ الأئمة (عليهم السلام) واحتياطهم في طرح ذلك على المستوى العام، وقاية للخلف الصالح من الاغتيال أو الإجهاز السريع على حياته[7]. وليست الكثرة العددية للروايات هي الأساس الوحيد لقبولها، بل هناك ـ إضافة الى ذلك ـ مزايا وقرائن تبرهن على صحتها، فالحديث النبوي الشريف عن الأئمة أو الخلفاء أو الاُمراء بعده وأنهم اثنا عشر إماماً أو خليفةً أو أميراً ـ على اختلاف متن الحديث في طرقه المختلفة ـ قد أحصى بعض المؤلفين رواياته فبلغت أكثر من مائتين وسبعين رواية[8] مأخوذة من أشهر كتب الحديث عند الشيعة والسنّة بما في ذلك البخاري[9] ومسلم[10] والترمذي[11] وأبي داود[12] ومسند أحمد[13] ومستدرك الحاكم على الصحيحين[14]، ويلاحظ هنا أن البخاري الذي نقل هذا الحديث كان معاصراً للإمام الجواد والإمامين الهادي والعسكري، وفي ذلك مغزىً كبيراً; لأنه يبرهن على أن هذا الحديث قد سُجّل عن النبي (صلى الله عليه وآله) قبل أن يتحقق مضمونه وتكتمل فكرة الأئمة الاثني عشر فعلاً، وهذا يعني أنه لا يوجد أي مجال للشك في أن يكون نقل الحديث متأثراً بالواقع الإمامي الاثني عشري وانعكاساً له; لأن الأحاديث المزيفة التي تنسب الى النبي (صلى الله عليه وآله) هي انعكاسات أو تبريرات لواقع متأخر زمنياً لا تسبق في ظهورها وتسجيلها في كتب الحديث ذلك الواقع الذي تشكل انعكاساً له، فما دمنا قد ملكنا الدليل المادي على أن الحديث المذكور سبق التسلسل التاريخي للأئمة الاثني عشر، وضُبط في كتب الحديث قبل تكامل الواقع الإمامي الاثني عشري، أمكننا أن نتأكد من أنّ هذا الحديث ليس انعكاساً لواقع، وإنما هو تعبير عن حقيقة ربّانية نطق بها من لا ينطق عن هوى[15]، فقال: "إنّ الخلفاء بعدي اثنا عشر"[16]. وجاء الواقع الإمامي الاثني عشري ابتداءً من الإمام علي وانتهاءً بالمهدي (عليهما السلام) ; ليكون التطبيق الوحيد المعقول[17] لذلك الحديث النبوي الشريف"[18].

لقد أخرج مسلم في صحيحه من طريق قتيبة بن سعيد، عن جابر ابن سمرة، قال: "دخلت مع أبي على النبي (صلى الله عليه وآله) ، فسمعته يقول: "إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة".

قال: ثمّ تكلم بكلام خَفيَ علَيَّ، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: "كلّهم من قريش"[19].

ثمّ أخرجه عن ابن أبي عمر، عنه، وعن هداب بن خالد، عنه، وعن نصر بن عليّ الجهضمي، عنه، وعن محمد بن رافع، عنه، كلّ من طريق.

وأخرجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عنه، من طريقين. وعن قتيبة بن سعيد، عنه، من طريقين آخرين.

فهذه تسعة طرق للحديث في صحيح مسلم فقط، ناهيك عن كثرة طرقه الاُخرى في كتب الحديث لدى السُنّة والشيعة[20].

اضطراب مدرسة الخلفاء في تفسير الحديث

والسؤال هنا، من هم هؤلاء الخلفاء؟

قبل أن نختار اجابة محدّدة على هذا السؤال لابد من طرح الاحتمالات المتصورة في معنى هذا الحديث، ومقصود النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) منه، وهنا احتمالان لا ثالث لهما، وهما:

1 ـ أن يكون مقصود النبي (صلى الله عليه وآله) هو بيان ما سيجري عليه الواقع السياسي للاُمة من بعده، بنحو من التنبؤ والكشف عن المستقبل، على غرار تنبؤات كثيرة صدرت منه (صلى الله عليه وآله) في شؤون مختلفة. فيكون مفاد الحديث هو الإخبار عن الواقع المستقبلي للاُمة. ولنطلق على هذا الاحتمال اسم "التفسير المستقبلي".

2 ـ أن يكون مقصوده (صلى الله عليه وآله) اصدار قرار بتعيين اثني عشر إماماً وخليفة من بعده، فيكون مفاده الإنشاء والتنصيب بلحاظ مقتضيات الشريعة، لا الاخبار بلحاظ الواقع المستقبلي. ولنطلق على هذا الاحتمال اسم "التفسير العقائدي".

ومقتضى البحث العلمي أن ننظر في هذين الاحتمالين ونختار ما تؤيده الشواهد والأدلّة والبراهين العقلية والنقلية، إلاّ أن مدرسة الخلفاء لما آمنت منذ البدء بشرعية نظام الخلافة ورفضت نظرية التعيين، وأقامت تراثها الكلامي والفقهي على هذا الأساس، وجدت نفسها أمام احتمال واحد لا مفرّ لها عنه، وهو الاحتمال الأول، واضطرت الى تأويل كل ما يعارضه، والأخذ بهذه التأويلات مهما كانت تعسفية وبعيدة عن القواعد العقلية والعرفية، باعتبارها أمراً لا بديل عندها عنه.

وكان عليها أن تنظر الى الحديث نظرة علمية متحررة من أي فكرة مُسبقة لتتأكد بنفسها من سقم التفسير المستقبلي للحديث، فإن كان النبي ينظر الى ما سيجري عليه الواقع فما الداعي الى التحديد باثني عشر خليفة مع امتداد المستقبل أكثر من هذا؟ وإن كان النبي ينظر الى الخلافة الصحيحة المطابقة للموازين الشرعية فإن مدرسة الخلفاء لم تقطع ولم تجمع على شرعية غير الخلفاء الأربعة، ومن هنا اضطربت آراؤها في تحديد اشخاص الخلفاء الاثني عشر.

فالخلفاء الاثنا عشر عند ابن كثير: الخلفاء الأربعة، وعمر بن عبدالعزيز، وبعض بني العباس، واستظهر أنّ المهديّ منهم[21].

وعند القاضي الدمشقي: الخلفاء الأربعة، ومعاوية، ويزيد بن معاوية، وعبدالملك بن مروان وأولاده الأربعة (الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام) ، وأخيراً عمر بن عبدالعزيز[22].

وعند ولي الله المحدِّث في قرة العينين ـ كما جاء في عون المعبود: ـ الخلفاء الأربعة، ومعاوية، وعبدالملك بن مروان، وأولاده الأربعة، وعمر بن عبدالعزيز، ووليد بن يزيد بن عبدالملك، ثمّ نقل عن مالك بن أنس أنّه أدخل عبدالله بن الزبير فيهم. ولكنه رفض قول مالك، مستدلاً بما روي عن عمر وعثمان; عن النبي (صلى الله عليه وآله) ما يدل على أنّ تسلط ابن الزبير كان مصيبة من مصائب هذه الاُمة، ثم ردّ من أدخل يزيد بينهم، مصرحاً بأنّه كان سيّئ السيرة[23].

وقال ابن قيم الجوزية: "وأمّا الخلفاء: اثنا عشر، فقد قال جماعة منهم أبوحاتم وابن حبّان وغيره: انّ آخرهم عمر بن عبدالعزيز، فذكروا الخلفاء الأربعة، ثم معاوية، ثمّ يزيد ابنه، ثمّ معاوية بن يزيد، ثمّ مروان بن الحكم، ثم عبدالملك ابنه، ثمّ الوليد ابن عبدالملك. ثمّ سليمان بن عبدالملك. ثم عمر بن عبدالعزيز، وكانت وفاته على رأس المائة، وهو القرن المفضل الذي هو خير القرون، وكان الدين في هذا القرن في غاية العزّة، ثم وقع ما وقع"[24].

وقال النوربشتي: "السبيل في هذا الحديث وما يتعقبه في هذا المعنى أنه يحمل على المقسطين منهم، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة، ولا يلزم أن يكونوا على الولاء، وإن قُدّر أنهم على الولاء فإنّ المراد منه المسمون بها على المجاز، كذا في المرقاة"[25].

وعند المقريزي: الخلفاء الأربعة، ثمّ الإمام الحسن (عليه السلام) قال: "وبه تمّت أيام الخلفاء الراشدين"، ولم يُدخِل أحداً من بني اُمية حيث صرّح بأنَّ الخلافة صارت بعد الإمام الحسن (عليه السلام) ملكاً عضوضاً، قال: "أيّ فيه عسف وعنف!!"، كما لم يُدخل أحداً من بني العباس، مصرّحاً أنّ في خلافتهم "افترقت كلمة الإسلام وسقط اسم العرب من الديوان، واُدخل الأتراك في الديوان، واستولت الديلم، ثمّ الأتراك، وصارت لهم دول عظيمة جداً، وانقسمت ممالك الأرض عدة أقسام، وصار بكلّ قطر قائم يأخذ الناس بالعسف، ويملكهم بالقهر"[26].

وهكذا يلاحظ بوضوح اضطراب مدرسة الخلفاء في تفسيرها لهذا الحديث، ووقوعها في مطبّات يتعذّر عليها الخروج منها ما دامت تصر على التفسير المستقبلي له.

وقد قال السيوطي في الحاوي: "لم يقع الى الآن وجود اثني عشر اجتمعت الاُمة على كلّ منهم"[27].

ولو كان التفسير المستقبلي في نفسه صحيحاً ومقبولاً لآمن به صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل غيرهم، ولظهر آثار ذلك على لسان الخلفاء أنفسهم، ولقال أولهم: أنا أول الخلفاء الاثني عشر، ولقال الثاني والثالث الى الثاني عشر مثل ذلك، ولكان مثل هذا الادّعاء افتخاراً وشاهداً يساعد على إثبات شرعية كل منهم، بينما لم يسجّل التاريخ ادعاءً لأي من الأسماء المذكورة في سلسلة الخلفاء الاثني عشر الافتراضية بمثل ذلك.

ثم إن الحديث يدل على أن فترة إمامة الأئمة الاثني عشر تستوعب التاريخ الإسلامي الى نهايته بحيث تموج الأرض بأهلها من بعدهم. فقد روى أهل السنّة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أ نّه قال: "لا يزال هذا الدين قائماً الى اثني عشر من قريش، فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها"[28]. ولم تمج الأرض بعد موت عمر بن عبدالعزيز بأهلها، بل كان انتشار علوم الدين كالفقه والحديث والتفسير في القرنين الثالث والرابع الهجريين، حتى بلغت علوم الدين قمتها في الاتساع والشمول بعد موت هؤلاء الخلفاء الاثني عشر عند أهل السنّة، والمفروض أن تموج الأرض بأهلها!

ورووا أيضاً، عن جابر بن سمرة: "لا تزال هذه الاُمة مستقيماً أمرها، ظاهرة على عدوّها، حتى يمضي منهم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش، ثم يكون المرج"[29].

وإذا كان المراد بالمرج هو القلق، والاضطراب، والالتباس، فيقتضي أن لا يكون شيء منه الى عهد عمر بن عبدالعزيز، ولكن التاريخ لا يعرف فتنة عظم بها القلق، واشتد بها الاضطراب، وكثر فيها التباس الحق بالباطل من فتنة معاوية وخروجه على خليفة المسلمين، وهذا يدل على أن المراد بالمرج هو أعظم من القلق والاضطراب والالتباس، ولعل المراد ترك الدين بالكلّية، وهذا ما لم يحصل إلاّ عند اقتراب الساعة، التي يسبقها ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) ، وما يعقب انتقاله الى الرفيق الأعلى من أحداث.

ثم ما معنى ادخال الملوك في عداد الخلفاء، فقد روى أهل السُنّة، عن سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة، ومن رجال الشورى الذين عينهم عمر، أنه دخل على معاوية وقد تخلف عن بيعته، فقال: "السلام عليك أيها الملك، فقال له: فهلا غير ذلك؟ أنتم المؤمنون وأنا أميركم. قال: نعم، إن كنّا أ مّرناك، وفي لفظ: نحن المؤمنون ولم نؤمّرك" وقد أنكرت عائشة على معاوية دعواه الخلافة، كما أنكرها ابن عباس، والإمام الحسن (عليه السلام) حتى بعد الصلح[30]، فهو من البغاة بالاتفاق; لحديث: "يا عمار تقتلك الفئة الباغية". ولست أدري كيف يصحُّ أن يكون الباغي على الخليفة الشرعي خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) على المؤمنين!!

وما معنى ادخال يزيد الفاجر، المعلن فجوره وانتهاكه لحرمات الله تعالى ـ وهذا من أعجب العجب حقاً ! إذ كيف يصحُّ للمسلم أن يجعل من يسفك دماء أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ويغزو جنده المدينة المنورة ويقتلوا عشرة آلاف من أهلها حتى أنه لم يبق بدرياً بعد موقعة الحرّة، ـ خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وكذلك الحال مع ملوك الشجرة الملعونة بنصّ القرآن الكريم، ولقد رآهم النبيّ في منامه ـ ورؤيا الأنبياء صادقة كفلق الصبح ـ بأنّهم ينزون على منبره نزو القرود، باتفاق معظم المفسرين من أهل السنّة، وذلك عند تفسيرهم الآية الستين من سورة الإسراء، بما لا حاجة الى تتبع كلماتهم.

وهكذا يظهر بوضوح ثلاث نتائج حاسمة هي:

1 ـ فشل التفسير الاخباري المستقبلي لحديث الخلافة الاثني عشرية.

2 ـ دور العامل السياسي في إلجاء مدرسة الخلفاء إلى ذلك التفسير.

3 ـ انحصار الحقيقة الشرعية بالتفسير العقائدي الإنشائي القائل بدلالة الحديث المذكور على نصب اثني عشر إماماً للمسلمين، وهو التفسير الذي قامت عليه أدلة عقلية وقرآنية ونبوية كثيرة جداً نجدها مبسوطة في التراث الإمامي القديم والحديث، في مجالات التفسير والحديث وعلم الكلام والتاريخ.

ويبدو أن التاريخ قد أبى إلاّ أن يبقى الأئمة الاثنا عشر من أهل البيت (عليهم السلام) مصداقاً وحيداً للحديث المذكور لاينازعون في ذلك حتى على مستوى الادّعاء، أولهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وآخرهم الإمام المهدي بن الحسن العسكري (عليه السلام) وفي ذلك ما لا يحصى كثرة من الأحاديث الشريفة الدالة عليه، ونشير هنا الى أحدها، وهو ما أخرجه الجويني الشافعي في فرائد السمطين، عن ابن عباس، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أ نّه قال: "أنا سيد النبيين، وعلي بن أبي طالب سيد الوصيين، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر أولهم عليّ بن أبي طالب، وآخرهم المهديّ"[31].

ومن هنا احتمل بعض المحققين[32] أن ما ذكرته كتب الحديث من أن جابر بن سمرة حينما خفي عليه بعض كلام النبي (صلى الله عليه وآله) فسأل أباه عما خفي عليه من كلامه (صلى الله عليه وآله) أجابه أبوه بأنه (صلى الله عليه وآله) قال: "كلهم من قريش"، احتمل أن جواب الأب فيه تحريف، ذلك أن الروايات علّلت خفاء الجواب بـ "ثم لغط القوم وتكلموا" و "ضجّ الناس" "فقال كلمة أصمّنيها الناس" "فصرخ الناس فلم أسمع ما قال" "فكبّر الناس وضجّوا" "فجعل الناس يقومون ويقعدون". فكل هذه التعليلات لا تتناسب مع العبارة التي لم يسمعها الراوي، لأن جعل الخلافة في قريش أمر يسرّهم ولا يوجب اللغط والضجيج، والمتناسب مع هذه الحالات الموصوفة في الروايات أن تكون الإمامة في جماعة خاصة دون قريش، وهذا ما ذكره القندوزي في ينابيع المودّة حيث ذكر أن العبارة التي قالها النبي (صلى الله عليه وآله) هي: "كلهم من بني هاشم"[33].

وحينما يتّضح فشل التفسير الاخباري المستقبلي لحديث الإمامة الاثني عشرية من جهة وحقانية التفسير العقائدي له من جهة ثانية، وثبوت اسم الإمام المهدي (عليه السلام) في سلسلة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وكونه هو الإمام الثاني عشر الذي يصلح الله به الأرض بعدما تمتلئ بالفساد من جهة ثالثة، لا يبقى بعد ذلك مجال للشك في ثبوت المفهوم العقائدي للمهدوية الذي تصرّ عليه مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).

ذلك أن الترابط الصميمي بين مسألة الإمامة الاثني عشرية والمسألة المهدوية، من شأنه أن ينقل الى المسألة المهدوية النتائج الثلاثة الحاسمة التي ظهرت على بساط البحث. فإن فشل التفسير المستقبلي للإمامة الاثني عشرية يعني بالنتيجة فشل هذا التفسير بالنسبة الى المهدوية أيضاً، كما أن ثبوت المنشأ السياسي لهذا التفسير على صعيد الإمامة الاثني عشرية يعني بالنتيجة ثبوته بحق المهدوية أيضاً، حيث إن مدرسة الخلفاء كما جعلت حديث الخلافة الاثني عشرية اخبارياً مستقبلياً كتفريع منها على القول بصحة نظرية السقيفة والخلافة وشرعيتها، كذلك رأت ضرورة الجنوح بالمسألة المهدوية صوب الرؤية المستقبلية، فراراً من القول بإمامة أهل البيت (عليهم السلام) وعدم شرعية نظام الخلافة، كما أن ثبوت حقّانية التفسير العقائدي لحديث الإمامة الاثني عشرية يعني بالنتيجة ثبوت حقّانية المفهوم العقائدي للمسألة المهدوية.

------------------------------

[1] راجع معجم أحاديث الإمام المهدي: ج1 أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله).

[2] مسند الإمام أحمد: 1/84 ح 646 وابن أبي شيبة: 8/678، كتاب 40 باب 2 ح 190، وابن ماجة ونعيم بن حماد في الفتن عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "المهدي منّا أهل البيت يُصلحه الله في ليلة".

راجع: سنن ابن ماجة: 2 / 1367 ح 4085، والحاوي للفتاوي، السيوطي: 2/ 213 و215 وفيه، أيضاً: أخرج أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود، عن علي، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "لو لم يبق من الدهر إلاّ يومٌ لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً"، وراجع: صحيح سنن المصطفى: 2/ 207.

وراجع: معجم أحاديث المهدي: 1/ 147 وما بعدها، إذ ينقل أحاديث كثيرة عن الصحاح والمسانيد في هذا المعنى. وراجع موسوعة الإمام المهدي / ترتيب مهدي فقيه إيماني، الجزء الأول، وفيها نُقول مصوّرة عن عشرات الكتب لعلماء السنّة ومحدّثيهم في المهدي وصفاته وما يتعلق به، وفيها نسخة مصورة عن محاضرة الشيخ العباد حول ما جاء من الأحاديث والآثار في المهدي (عليه السلام).

[3] الحاوي للفتاوي، السيوطي جلال الدين: 2/ 214، قال: وأخرج أبو داود وابن ماجة والطبراني والحاكم عن اُمّ سلمة قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة". وراجع صحيح سنن المصطفى لأبي داود: 2/ 208، وسنن ابن ماجة: 2/1368، ح 4086.

[4] حديث المهدي من ذرية الحسين (عليه السلام) كما في المصادر الآتية على ما نقل في معجم أحاديث المهدي وهي: الأربعون حديثاً لأبي نعيم الأصفهاني كما في عقد الدرر للمقدسي الشافعي، وأخرجه الطبراني في الأوسط على ما في المنار المنيف لابن القيم، وفي السيرة الحلبية: 1/ 193، وفي القول المختصر لابن حجر الهيثمي. راجع منتخب الأثر للشيخ لطف الله الصافي في ما نقله من كتب الشيعة. وراجع دلائل ضعف الرواية التي تقول بأ نّه من ولد الإمام الحسن (عليه السلام) كتاب السيد العميدي دفاع عن الكافي: 1 / 296.

[5] راجع الرواية التي تنص على أ نّه التاسع من ولد الحسين (عليه السلام) في: ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي: 492، وفي مقتل الإمام الحسين للخوارزمي: 1/ 196، وفي فرائد السمطين للجويني الشافعي: 2/ 310 ـ 315 الأحاديث من 561 ـ 569، وراجع منتخب الأثر للعلاّمة الشيخ الصافي إذ خرّجها من طرق الفريقين.

[6] حديث "الخلفاء بعدي اثنا عشر كلهم من قريش" أو "لا يزال هذا الدين قائماً ما وليه اثنا عشر كلهم من قريش".

هذا الحديث متواتر، روته الصحاح والمسانيد بطرق متعددة وإن اختلف في متنه قليلاً، نعم، اختلفوا في تأويله واضطربوا. راجع: صحيح البخاري: 9/ 101 كتاب الأحكام ـ باب الاستخلاف، صحيح مسلم: 6/ 4 كتاب الإمارة باب الاستخلاف، مسند أحمد: 5/ 90، 93، 97.

[7] راجع الغيبة الكبرى للسيد محمد الصدر: 272 وما بعدها.

[8] راجع التاج الجامع للاُصول: 3/ 40 قال: رواه الشيخان والترمذي، وراجع في تحقيق الحديث وطرقه وأسانيده كتاب الإمام المهدي (عليه السلام) ـ علي محمد علي دخيل.

[9] ™ صحيح البخاري / المجلد الثالث: 9/ 101، كتاب الأحكام ـ باب الاستخلاف، طبعة دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

[10] راجع: التاج الجامع للاُصول: 3/40، قال تعقيباً على الحديث: رواه الشيخان والترمذي، وفي الهامش قال: رواه أبو داود في كتاب المهدي بلفظ: "لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة... "، وراجع سنن أبي داود: 2/ 207.

[11] راجع: التاج الجامع للاُصول: 3/40، قال تعقيباً على الحديث: رواه الشيخان والترمذي، وفي الهامش قال: رواه أبو داود في كتاب المهدي بلفظ: "لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة... "، وراجع سنن أبي داود: 2/ 207.

[12] راجع: التاج الجامع للاُصول: 3/40، قال تعقيباً على الحديث: رواه الشيخان والترمذي، وفي الهامش قال: رواه أبو داود في كتاب المهدي بلفظ: "لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة... "، وراجع سنن أبي داود: 2/ 207.

[13] مسند الإمام أحمد: 6 / 99، ح 20359.

[14] المستدرك على الصحيحين: 3/ 618.

[15] إشارة الى قوله تعالى:(وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى)..النجم: 3ـ 4.

[16] تقدم تخريج الحديث.

[17] اضطرب العلماء في تأويله بعد اطباقهم على صحته، وما أوردوه من مصاديق لا يمكن قبولها، بل إن بعضها غير معقول تماماً كإدخالهم يزيد بن معاوية المجاهر بالفسق، المحكوم بالمروق والكفر أو من هو على شاكلته.

[18] بحث حول المهدي للسيد الشهيدالصدر (قدس سره) : 105 ـ 107 بتحقيق الدكتور عبدالجبار شرارة.

[19] صحيح مسلم: 6 /3 كتاب الإمارة باب الناس تبع لقريش.

[20] راجع صحيح البخاري 4: 164 ـ كتاب الأحكام، باب الاستخلاف، مسند أحمد: 6/94، الأحاديث 325، 20366، 20367، 20416، 20443، 20503، 20534، سنن أبي داود 4: 106 / 4279 ـ 4280، المعجم الكبير، الطبراني: 2/ 238 / 1996، سنن الترمذي: 4/ 501، مستدرك الحاكم: 3/ 618، حلية الأولياء، أبو نعيم: 4/ 333، فتح الباري: 13/ 211، صحيح مسلم بشرح النووي: 12/ 201، البداية والنهاية، ابن كثير: 1/ 153، تفسير ابن كثير: 2/ 24 ـ في تفسير الآية 12 من سورة المائدة، كتاب السلوك في دول الملوك، المقريزي: 1/ 13 ـ 15 من القسم الأول، شرح الحافظ ابن قيم الجوزية على سنن أبي داود: 11/ 363، شرح الحديث 4259، شرح العقيدة الطحاوية: 2/ 736، الحاوي للفتاوى، السيوطي: 2/ 85، عون المعبود شرح سنن أبي داود، العظيم آبادي: 11/ 362، شرح الحديث 4259، مشكاة المصابيح، التبريزي: 3/ 327، 5983، السلسلة الصحيحة، الألباني حديث رقم: 376، كنز العمال: 12/ 32، 33848 و 12/ 33 / 33858 و 12/ 34/33861. كما أخرج هذا الحديث محدّثو الشيعة أيضاً نذكر منهم الصدوق في كمال الدين 1: 272. والخصال 2: 469 و 475، وقد تابع طرق الحديث ورواته من الصحابة في إحقاق الحق: 13/ 1 ـ 50.

[21] تفسير القرآن الكريم، ابن كثير: 2 / 34 ـ في تفسير الآية 12 من سورة المائدة.

[22] شرح العقيدة الطحاوية، القاضي الدمشقي: 2/ 736.

[23] عون المعبود في شرح سنن أبي داود: 11/ 246 شرح الحديث 427، كتاب المهدي ط دار الكتب العلمية.

[24] عون المعبود في شرح سنن أبي داود: 11/ 245.

[25] عون المعبود في شرح سنن أبي داود: 11/ 244.

[26] السلوك لمعرفة دول الملوك: 1 / 13 ـ 15 القسم الأول.

[27] الحاوي للفتاوي: 2/85.

[28] كنز العمال: 12/ 34 ح33861، أخرجه ابن النجار، عن أنس.

[29] كنز العمال : 12 / 32، حديث 33848.

[30] راجع الغدير للعلاّمة الأميني: 1/ 26 ـ 27، فقد ذكر ذلك مخرجاً عن كتب أهل السنّة.

[31] فرائد السمطين: 2/ 313، ح 564.

[32] الغدير والمعارضون، السيد جعفر مرتضى العاملي: 70 ـ 72.

[33] ينابيع المودّة: 3 / 104 باب 77.

**************

 المهدويّة عند أهل البيت (عليهم السلام)

الفصل الثاني

2007-09-06

خصائص مفهوم المهدوية عند أهل البيت (عليهم السلام)

وبعدما تم الاثبات العقائدي لمفهوم المهدوية عند أهل البيت (عليهم السلام) ندخل في مرحلة جديدة من البحث، وهي مرحلة البحث في الخصائص المترتبة على هذا المفهوم، واثبات أنها خصائص واقعية لها تحقق تأريخي وشرعي، وأن الاعتقاد بها لا يلزم منه خدشة عقائدية ولا مفارقة تأريخية، وهي:

الخصوصية الاُولى:

تحقق ولادة الإمام المهدي في أجواء سرّية مقصودة لا بد منها

ومع ثبوت المفهوم المهدوي عند أهل البيت (عليهم السلام) يصبح واضحاً أن من أبرز مقتضيات هذا المفهوم أن تكون ولادة الإمام الثاني عشر مقرونة بالسرّية والكتمان حتى تتسنى له الغيبة بعد ذلك، والاختفاء عن الأنظار الى مكان آمن يختاره الله له الى حين يأذن له بالظهور، باعتباره الكوكب الأخير في سماء الإمامة، والإمام الذي لا إمام للمسلمين بعده، وهذا المعنى يستلزم حياة خفية وعمراً مديداً وولادة سرّية، حتى يبقى موقع الإمامة مشغولاً على مدى الدهر بإمام من الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) حي أوغائب.

وحينئذ، فمن غير المناسب أن يقال: لماذا لم تكن ولادة الإمام، ووجوده بعد أبيه أمراً مشهوداً، ملموساً لكل من أراد حتى نصدق به؟ فإنه لو كان كذلك لما تيسرت له الغيبة والاختفاء عن الأنظار، ولما كان هو الإمام الثاني عشر، ولكان الأئمة أكثر من هذا العدد، وهذا ما يخالف الأدلّة النبوية المذكورة آنفاً، فالولادة السرّية من المستلزمات والمقتضيات الطبيعية لتلك الأدلة.

وهذا ما يوضح أن الاثبات الخارجي لقضية، من نوع قضية ولادة الإمام المهدي ووجوده وحياته، لا يمكن الاكتفاء فيه بالبحث التاريخي، ما دمنا نؤمن منذ البداية أنها مقرونة بدرجة شديدة من السرّية والكتمان، بل هو إثبات عقائدي تاريخي تقوم فيه العقيدة بلعب دور أساسي، فيما يلعب البحث التاريخي فيها دوراً تكميلياً، لأننا نذعن منذ البدء بوجود المنكرين لها والمشككين فيها، مادامت القضية سرية مكتومة، والمطّلعون عليها عدد محدود من الناس، بنحو يسمح للآخرين حتّى وإن كانوا من الحلقات القريبة من الإمام، ومن خلصاء الشيعة بالانكار والتشكيك ماداموا محجوبين عن الحقيقة السرية المكتومة، بحيث لو سألهم سائل عن ولادة الإمام المهدي ووجوده وحياته، لأنكروا ذلك، ولنقلوا عن سائر الناس أنهم أيضاً لم يروه ولم يسمعوا بخبر ولادته ووجوده. فنحن لا نتحدث عن قضية مادية محسوسة بكل أبعادها وجهاتها وتخضع لتسجيل تاريخي كامل حتى نعتمد في إثباتها وإنكارها على المؤرخين والرواة، وإنما نتحدث من حيث الأساس عن قضية غيبية، سوى أنها ليست غيبية بنحو مطلق وإنما لها شعاع محسوس يطلع عليه أفراد منتخبون، يطلعون على ولادته فيشهدون عليها، وعلى غيبته الصغرى فيشهدون عليها، وعلى غيبته الكبرى فيشهدون عليها، ولهذا قلنا إن مفهوم أهل البيت (عليهم السلام) عن المهدوية مفهوم عقائدي.

بمعنى أن إنكار المنكرين لا يكون في مثل قضية الإمام المهدي (عليه السلام) حجة تاريخية منطقية لإثبات عدم وجوده، ما دمنا قد أذعنا منذ البداية أن القضية سرية مكتومة، ومن الضروري الاكتفاء من ناحية البحث التأريخي باثبات وجود من رآه واطلع عليه وسمع بوجوده وأذعن له، دون الالتفات الى إنكار المنكرين الذي يعتبر ظاهرة طبيعية بالنسبة الى قضية سرية مكتومة.

وهنا سنطوي بحثين: بحث في الشواهد الدالة على ولادة الإمام واستمرار وجوده، وبحث آخر نناقش فيه أدلة المنكرين له (عليه السلام).

الشواهد التاريخية الدالة على وجود الإمام المهدي (عليه السلام)

وهذه ناحية واسعة تظافرت عليها أرقام تاريخية كثيرة جداً نصنفها في عدّة نقاط:

1 ـ شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بولادة ابنه الإمام المهدي (عليه السلام)

وفي ذلك أحاديث كثيرة نقلها أثبات الشيعة ورواتهم، ننقل منها:

الحديث المروي عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن اسحاق، عن أبي هاشم الجعفري، قال: "قلت لأبي محمد (عليه السلام) : جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟ فقال: سَلْ. قلت: يا سيدي هل لك ولد؟ فقال: نعم"[1].

وفي هذا الحديث الكفاية سنداً ودلالة، فهذه كتب الرجال تشهد بجلالة محمد بن يحيى أبي جعفر العطار القمّي الذي لا زال قبره الى الآن معروفاً ومشهوراً يزار، وتشهد لعلو مكانة أحمد بن اسحاق بن عبدالله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري أبي علي القمّي، عند الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ، وتشهد أيضاً لمنزلة داود بن القاسم بن اسحاق بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب أبي هاشم الجعفري.. ثمّ انظر قلّة الوسائط في إسناد هذا الحديث، الذي يُعبر عن أمثاله بقرب الإسناد الذي يعتبر من الشواهد المؤيدة للحديث.

2 ـ شهادة القابلة

وهي اُخت إمام، وعمة إمام، وبنت إمام، العلوية الطاهرة حكيمة بنت محمد الجواد، واُخت الإمام الهادي، وعمة الإمام العسكري، حيث صرّحت بمشاهدة ولادة الإمام الحجة (عليه السلام) ليلة مولده[2]، وهي التي تولّت أمر نرجس والدة الإمام الحجة (عليه السلام) ، وبإذن من أبيه الحسن العسكري (عليهما السلام)[3].

3 ـ عشرات الشهادات برؤية الإمام (عليه السلام)

وهنا قائمة طويلة من الأسماء، ممن رأى الإمام المهدي واتّصل به وشهد برؤيته إياه، سجلتها المصادر التاريخية، وجمعها بعض المصنفين في مصنفات خاصة، مثل: (كتاب تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي) للسيد هاشم البحراني ذكر فيه (79) شخصاً شهد برؤية الإمام (عليه السلام) في طفولته أو في غيبته الصغرى، وذكر أسماء المصادر التي اعتمد عليها في ذلك، وأحصى الشيخ أبو طالب التجليل التبريزي زهاء (304) أشخاص ممن رأى الإمام (عليه السلام) ، وشهد به[4]. وأحصى الشيخ الصدوق ـ المتوفى سنة ( 381 هـ) وعهده بغيبة الإمام المهدي (عليه السلام) قريب جداً ـ (64) شخصاً شهد برؤية الإمام (عليه السلام) وكان كثير منهم وكلاء له[5]، وهم من مدن شتى.

فمن وكلاءه: من أهل أذربيجان: القاسم بن العلاء. ومن الأهواز: محمد بن إبراهيم بن مهزيار. ومن بغداد: حاجز البلالي، وعثمان ابن سعيد العمري، ومحمد بن عثمان بن سعيد العمري، والعطار. ومن الكوفة: العاصمي. ومن قم: أحمد بن إسحاق. ومن نيسابور: محمد بن شاذان. ومن همدان: البسامي، ومحمد بن أبي عبدالله الكوفي الأسدي، ومحمد بن صالح.

أمّا من رآه (عليه السلام) من غير الوكلاء، منهم: من أهل اصفهان: ابن باشاذاله. ومن الأهواز: الحصيني. ومن بغداد: أحمد بن الحسن، وإسحاق الكاتب من بني نوبخت، وأبو عبدالله الخيبري، وأبو عبدالله بن فروخ، وأبو عبدالله الكندي، وأبو القاسم بن أبي حليس، وأبو القاسم بن دبيس، ومسرور الطباخ مولى أبي الحسن (عليه السلام) ، والنيلي، وهارون الفزاري. ومن الدينَوَر: أحمد ابن أخي الحسن بن هارون، وعمه الحسن بن هارون. ومن الري: أبو جعفر الرفّاء، وعليّ بن محمد، والقاسم بن موسى، وابن القاسم بن موسى، وأبو محمد بن هارون، ومحمد بن محمد الكليني. ومن قزوين: عليّ بن أحمد، ومرداس. ومن قم: الحسن بن النضر، والحسين بن يعقوب، وعليّ بن محمد بن إسحاق، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن محمد. ومن مصر: أبو رجاء. ومن نصيبين: أبو محمد بن الوجناء النصيبي. ومن همدان: جعفر بن حمدان، ومحمد بن كشمرد، ومحمد بن هارون. ومن اليمن: ابن الأعجمي، والجعفري، والحسن بن الفضل ابن يزيد، وأبوه الفضل بن يزيد، والشمشاطي. كما ذكر أيضاً من رآه من أهل شهرزور، والصيمرة، وفارس، وقابس ومرو.

فهل يعقل اتفاق هؤلاء جميعاً وتواطؤهم على الكذب؟ وفيهم اثبات ثقات صرحت كتب الرجال بتوثيقهم؟

4 ـ تعامل السلطة العباسية مع الحدث

لقد تعاملت السلطة العباسية بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مع عائلته تعاملاً يدل على خيفتها من مولود خطير خفي عنها، فراحت تبحث عنه بكل ما اُوتيت من وسيلة وقدرة، حيث أمر المعتمد العباسي المتوفى سنة (279 هـ) شرطته بتفتيش دار الإمام الحسن العسكري تفتيشاً دقيقاً والبحث عن الإمام المهدي (عليه السلام) ، وأمر بحبس جواري أبي محمد (عليه السلام) ، واعتقال حلائله يساعدهم على ذلك جعفر الكذّاب، وأجرى على مخلّفي أبي محمد (عليه السلام) بسبب ذلك كلّ عظيمة، من اعتقال، وحبس وتهديد، وتصغير، واستخفاف وذلٍّ[6].

كلّ هذا والإمام المهدي (عليه السلام) في الخامسة من عمره، ولا يهم المعتمد العمر بعد أن عرف أنّ هذا الصبي هو الإمام الذي سيهد عرش الطاغوت لما شاع وانتشر من الخبر، بأنّ ثاني عشر أهل البيت (عليهم السلام) سيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، فكان موقفه من المهديّ، كموقف فرعون من موسى (عليه السلام) الذي ألقته اُمّه ـ خوفاً عليه ـ في اليمّ صبياً.

ولم يكن المعتمد العباسي وحده قد عرف هذه الحقيقة، وإنّما عرفها من كان قبله كالمعتز، والمهتدي، ولهذا كان الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حريصاً على أن لا ينتشر خبر ولادة الإمام المهدي إلاّ بين أفراد منتخبين من شيعته ومواليه.

لقد كان تصرّف السلطة كاشفاً عن أ نّها وسائر الناس قد أدركوا تماماً أنّ حديث جابر بن سمرة لا ينطبق عليهم ولا على من سبقهم من الاُمويين، وإنّما مصداقه الوحيد هم أهل بيت النبوّة، ومهبط الوحي والتنزيل.

وإلاّ فأيّ خطر يهدد كيانهم في طفل لم يتجاوز عمره خمس سنين، لو لم يعتقدوا أ نّه هو المهدي المنتظر الذي تحدثت عنه الأحاديث المتواترة؟! يقول أحد الباحثين: ولو لم يكن مولوداً حقاً فما معنى حبس الجواري وبث القابلات لتفتيش من بهنّ حمل، ومراقبتهنّ مدة لا تصدّق، إذ بقيت إحداهنّ تحت المراقبة لمدة سنتين! كلّ هذا مع مطاردة أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) والتشنيع عليهم، مع بث العيون للتجسّس عن خبر المهدي (عليه السلام) ، وكبس داره بين حين وآخر؟

ثم ما بال السلطة لم تقتنع بما زعمه جعفر من أنّ أخاه (عليه السلام) مات ولم يخلّف؟

أما كان بوسعها أن تعطيه حقّه من الميراث وينتهي كلّ شيء من غير هذا التصرُّف الأحمق الذي يدلّ على ذعرها وخوفها من ابن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف؟!

نعم، قد يقال بأنّ حرص السلطة على إعطاء كل ذي حقٍّ حقه هو الذي دفعها الى التحري عن وجود الولد لكي لا يستقل جعفر بالميراث وحده بمجرد شهادته!

فنقول: ليس من شأن السلطة الحاكمة آنذاك أن تتحرّى عن هذا الأمر بمثل هذا التصرّف المريب، بل كان على الخليفة العباسي أن يحيل دعوى جعفر الكذاب الى أحد القضاة، لا سيّما وأنّ القضية من قضايا الميراث التي يحصل مثلها كلّ يوم مرات، وعندها سيكون بوسع القاضي أن يفتح محضراً تحقيقياً، فيستدعي مثلاً عمة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ، واُمه، وجواري الإمام، والمقربين الى الإمام الحسن العسكري من بني هاشم، ثمّ يستمع الى أقوالهم، ويثبت شهاداتهم، ثمّ ينهي كل شيء، ولكن وصول هذه القضية الى أعلى رجل في السلطة، وبهذه السرعة ولمّا يدفن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ، وخروج القضية عن دائرة القضاء مع أ نّها من اختصاصاته، ومن ثم تصرف السلطة الغاشمة على نحو ما مرّ، كل ذلك يقطع بأنّ السلطة كانت على يقين بأن المهدي الموعود هو الحلقة الأخيرة من حلقات السلسلة المطهّرة التي لا يمكن أن تنقطع بموت الإمام الحادي عشر (عليه السلام) ، خصوصاً بعد أن تواتر لدى الجميع قوله (صلى الله عليه وآله) : "وإنّهما ـ أي: الكتاب، والعترة ـ لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض" ومعنى عدم ولادة المهدي (عليه السلام) ، أو عدم استمرار وجوده، انقراض العترة، وهذا ما لا يقوله أحد ممّن تسمى (بإمرة المؤمنين) من العباسيين; لأ نّه تكذيب لنبيّنا الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، بل لا يقوله أحد من المسلمين إلاّ من هان عليه أمر هذا التكذيب، أو من خدع نفسه بتأويل حديث الثقلين وصرف دلالته الى ما لم يأت به سلطان مبين"[7].

5 ـ اعترافات علماء السنّة بولادة الإمام المهدي (عليه السلام)

قال السيد ثامر العميدي في هذا الصدد:

"بلغت اعترافات الفقهاء، والمحدثين، والمفسرين، والمؤرخين، والمحققين، والاُدباء، والكتّاب من أهل السنّة أكثر من مائة اعتراف صريح بولادة الإمام المهدي (عليه السلام) ، وقد صرح ما يزيد على نصفهم بأنّ الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، هو الإمام الموعود بظهوره في آخر الزمان.

وقد رتّبت هذه الاعترافات بحسب وفيات أصحابها، فوجدتها متصلة الأزمان، بحيث لا تتعذر معاصرة صاحب التصريح اللاحق، لصاحب التصريح السابق، وذلك ابتداءً من عصر الغيبة الصغرى الى وقتنا الحاضر، وسوف نذكر أقوال بعضهم التي وقفت عليها في مصادرهم ريثما يأتي دورهم، مع الاكتفاء بذكر اسماء الآخرين فقط دون التعرض لأقوالهم; لتعذر تسجيلها في هذا الفصل، حيث بلغت أقوال تسعة وعشرين واحداً منهم في كتاب إلزام الناصب ما يزيد على مائة صحيفة[8]، فكيف الحال مع تسجيل أقوالهم كلّهم؟ على أنّ ما سنذكره في المتن دون الإشارة الى مصدره في الهامش، هو دليل أخذنا ذلك من كتب الشيعة الإمامية التي سبقت الى هذا المجال مع اعتنائها بتسجيل رقم الجزء، ورقم الصحيفة مع مكان وسنة الطبع; ولعلّ من أوسعها في هذا الباب كتاب "المهديّ المنتظر في نهج البلاغة" للشيخ مهديّ فقيه إيماني، حيث ذكرفيه مائة ورجلين من رجالات أهل السنّة الذين اعترفوا بذلك[9]، مكتفياً بذكر أسمائهم ومصادرهم بأجزائها وصحائفها دون التعرّض لأقوالهم، وربما اضطرّ الى تعيين واسطته اليهم بدقة، وقد فاته ما يقرب من ثلاثين اسماً، وكان جلّ اعتمادنا عليه، ولم نستدرك عليه شيئاً ; لأنّ ما فاته سبقني اليه غيري[10]، حتى عاد دوري في هذا الدليل مقتصراً على الجمع والترتيب بحسب القرون"[11].

ثم ذكر أسماء (128) مصنفاً من مصنفات أهل السنّة ذكر الإمام المهدي في كتاب من كتبه بعنوان: الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

منهم من عاصر الميلاد والغيبة الصغرى، ولشهادات هؤلاء قيمتها التاريخية المعروفة، ومن بينهم:

1 ـ أبو بكر الروياني، محمد بن هارون (المتوفّى سنة 307 هـ) في كتابه (المسند).

2 ـ أحمدبن إبراهيم بن علي الكندي، من تلامذة ابن جرير الطبري المتوفى سنة (310 هـ).

3 ـ محمّد بن أحمد بن أبي الثلج، أبو بكر البغدادي (المتوفّى سنة 322 هـ) في (مواليد الأئمة) وهو مطبوع ضمن كتاب (الفصول العشرة في الغيبة) للشيخ المفيد، ومع كتاب (نوادر الراوندي) ط النجف الأشرف سنة (1370 هـ) وممّن هو قريب العهد به من الأعلام الكبار: الخوارزمي (المتوفّى سنة 387 هـ) في (مفاتيح العلوم: 32، 33) طبعة ليدن ـ 1895 م.

وقفة مع المنكرين

اتّضح مما سبق أن المسألة المهدوية مسألة عقائدية قبل أن تكون تاريخية، وأن الدليل عليها عقائدي قبل أن يكون تاريخياً، واتّضح أيضاً عدد من الأدلّة التاريخية الدالة عليه، واتّضح أيضاً أن قضية سرية غيبية، كقضية الإمام المهدي (عليه السلام) تستلزم بطبعها وجود المنكرين لها، فإن الذي يختفي عن أنظار الناس لغرض من الأغراض، يقصد من ذلك أن لا يراه أحد من الناس، بحيث إذا سُئل الناس عنه قالوا: لم نره، حتى لو كانوا من أقرب المقربين إليه، وذكرنا أن انكار مثل هؤلاء في قضية مخفية لا يصح دليلاً على عدم الوجود، وهذه هي المفارقة الأساسية التي وقع فيها منكروا ولادة ووجود الإمام المهدي (عليه السلام) ، فانّهم ذهبوا يفتشون في التاريخ عن شواهد من هذا القبيل، فلما عثروا على شيء منها اعتبروه دليلاً على عدم ولادة ووجود الإمام المهدي (عليه السلام) ، مثل اختلاف الشيعة في زمن الولادة وفي اسم الإمام، وشهادة جعفر الكذاب عم الإمام المهدي بأن أخاه مات ولم يعقّب.

ومناقشتنا الأساسية مع هؤلاء أن المنهج التاريخي صالح للتحكيم في مسائل محسوسة تقع بكاملها تحت نظر الرواة والمؤرخين، مثل واقعة صفين، وواقعة كربلاء... الخ، وليس صالحاً للتحكيم في مسائل غيبية عقائدية في جوهرها، ولها شعاع محسوس عند أفراد مُنتخبين بحيث لو سُئل عامة الناس عنها لأنكروها. فكيف تجعلون إنكار عامة الناس دليلاً على انعدام قضية يؤمن أصحابها سلفاً بأنها ليست قابلة للمشاهدة الحسيّة، إلاّ من قبل أفراد منتخبين؟

إن على من يريد مناقشة المسألة المهدوية أن يبدأ معها من بدايتها العقائدية، ولا يبدأ معها من ذيولها التاريخية، لأن القضية السرية المكتومة بنحو مقصود، عن أعين أقرب المقرّبين لا يمتنع عليها ظهور اختلافات فيها، من قبيل اختلاف زمن ولادة الإمام، واختلاف اسم اُم الإمام، ولا يضرها شهادة كشهادة جعفر الكذاب، لأن الجواب الطبيعي في مثل هذه الحالة أن يقال: إن الاختلاف في سنة الولادة، واسم اُم الإمام، كان ظاهرة طبيعية ناشئة من إصرار الإمام الحسن العسكري على اخفاء تفاصيل القضية إخفاءً تاماً عن أعين أقرب المقربين، تحرزاً من وصول النبأ الى السلطة العباسية، كما أن شهادة جعفر الكذاب بأن أخاه مات ولم يعقّب كانت من هذا القبيل، حيث أراد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أن يخفي مولوده على أخيه ويظهر الأمر أمامه كما لو لم يكن للإمام (عليه السلام) نسل من بعده وكان هذا السلوك من قبل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) تجاه أخيه منطقياً حتى لو لم يكن أخوه كذّاباً مشهوداً عليه بالفسق، كيف وجعفر الكذّاب مشهود عليه بذلك[12].

الخصوصية الثانية: الإمامة المبكرة

ومن مقتضيات المفهوم المهدوي عند أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الاعتقاد بالإمامة المبكرة للإمام المهدي (عليه السلام) ، وهذه الخصوصية تارة ننظر إليها من الزاوية الإسلامية بقصد البرهنة والإثبات ودفع ما يمكن أن يرد عليها من اشكال ديني، واُخرى من زاوية الواقع لبيان أن هذه الإمامة ; إمامة واقعية تحمل المؤهلات الكافية، وليست إمامة مفترضة أو مدّعاة.

وإذا نظرنا إليها من الزاوية الإسلامية وجدنا ضرورة تمييز مسألة الإمامة أوّلاً، هل هي مسألة عقائدية؟ أم أنها مسألة تشريعية؟ فإن كانت مسألة عقائدية ـ كما هو معتقد الشيعة ـ فإننا نجد القرآن يصرّح بثبوت النبوّة ـ وهي مسألة عقائدية ـ للصبي، قال تعالى: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبياً)[13]، وإن كانت مسألة تشريعية، فإن من واضحات الشريعة الاسلامية ثبوت الحجر على الصغير، ومن كان محجوراً عليه، فاقداً للولاية على نفسه كيف تتاح له الولاية على غيره؟ فلا تكون إمامة الصبي مشروعة حينئذ.

وقد اختلف المسلمون في هذه المسألة، فمدرسة المذاهب الأربعة جعلت الخلافة والإمامة والولاية من شؤون الشريعة، وأعمال المكلفين، بينما آمنت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بأنها مسألة عقائدية ومن جملة اُصول الدين التي هي من شؤون رب العالمين، وليست من خصائص المكلّفين وأعمال العباد. وحينئذ فمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) حينما تعتقد بالإمامة المبكرة لعدد من الأئمة (عليهم السلام) ومن جملتهم الإمام المهدي (عليه السلام) فهي منسجمة مع نفسها في هذا المضمار، لا يرد عليها اشكال من جهة عقائدية، مادام القرآن يصرّح بالنبوة المبكرة ليحيى (عليه السلام) ، ولا من جهة تشريعية مادامت المسألة من وجهة نظر أهل البيت (عليهم السلام) خارجة عن نطاق التشريع وداخلة في نطاق العقيدة. وأحكام الشريعة في باب الحجر على الصغير تنطبق على المكلّفين ولا تنطبق على الله سبحانه وتعالى، لأن الشريعة خطابات إلهية موجهة إلى المكلّفين.

وهكذا يتّضح أن غرضنا من الاستشهاد بنبوة يحيى (عليه السلام) هو لبيان أن الإمامة كالنبوة مسألة عقائدية، وأن المسألة العقائدية لا تخضع لمقاييس الناس، بل لا تخضع حتى لمقاييس الشريعة التي جاءت لتنظيم سلوك المكلفين فلا يصح تطبيقها على رب العالمين، فهي ـ أي نبوة يحيى ـ تفيدنا أن المسألة العقائدية تتقوم بالدليل والبرهان، فإذا قام البرهان العقائدي على إمامة الصغير فلابد من الإذعان بها كما أذعنا بنبوة الصغير حينما قام البرهان العقائدي عليها، وحينئذ فلا معنى لما قد يقال من أن الاستشهاد بنبوة يحيى (عليه السلام) لا محلّ له، لأنها مذكورة صراحة في القرآن بخلاف المسألة المهدوية.

ومن هنا فإن اعتراض ابن حجر الهيثمي وأمثاله على إمامة الإمام المهدي ساقط لا أساس له، حيث كتب وباُسلوب غير مناسب يقول: "ثم المقرر في الشريعة المطهرة أن الصغير لا تصح ولايته، فكيف ساغ لهؤلاء الحمقى المغفلين أن يزعموا إمامة من عمره خمس سنين... "[14].

فقد اتّضح أن هذا ليس من مقررات الشريعة وانما من مقررات فقههم الذي لا يصح لهم الزامنا به.

وإذا نظرنا إليها من زاوية الواقع التاريخي وجدنا أن المهدي (عليه السلام) خَلفَ أباه في إمامة المسلمين وهو ابن خمس سنين، وهذا يعني أنه كان إماماً بكلّ ما في الإمامة من محتوىً فكري وروحي في وقت مبكر جداً من حياته الشريفة.

يقول السيد الشهيد الصدر (رضي الله عنه) في هذا المضمار:

"والإمامة المبكرة ظاهرة سَبقه إليها عددٌ من آبائه (عليهم السلام) ، فالإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) تولّى الإمامة وهو في الثامنة من عمره[15]، والإمام علي بن محمد الهادي تولّى الإمامة وهو في التاسعة[16] من عمره، والإمام أبو محمد الحسن العسكري[17] والد القائد المنتظر تولّى الإمامة وهو في الثانية والعشرين من عمره، ويلاحظ أن ظاهرة الإمامة المبكرة بلغت ذروتها في الإمام المهدي والإمام الجواد، ونحن نسميها ظاهرة لأنها كانت بالنسبة إلى عدد من آباء المهدي (عليه السلام) تشكل مدلولاً حسيّاً عمليّاً عاشه المسلمون، ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل وآخر، ولايمكن أن نُطالب بإثبات لظاهرة من الظواهر أوضح وأقوى من تجربة اُمّة[18]، ونوضح ذلك ضمن النقاط التالية:

أ ـ لم تكن إمامة الإمام من أهل البيت مركزاً من مراكز السلطان، والنفوذ التي تنتقل بالوراثة من الأب إلى الابن، ويدعمها النظام الحاكم كإمامة الخلفاء الفاطميين، وخلافة الخلفاء العباسيين، وإنما كانت تكتسب ولاء قواعدها الشعبية الواسعة عن طريق التغلغل الروحي، والإقناع الفكري لتلك القواعد بجدارة هذه الإمامة لزعامة الإسلام، وقيادته على اُسس روحية وفكرية.

ب ـ إنّ هذه القواعد الشعبية بنيت منذ صدر الإسلام، وازدهرت واتسعت على عهد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) ، وأصبحت المدرسة التي رعاها هذان الإمامان في داخل هذه القواعد تشكل تياراً فكرياً واسعاً في العالم الإسلامي، يضم المئات من الفقهاء والمتكلمين والمفسرين والعلماء في مختلف ضروب المعرفة الإسلامية والبشرية المعروفة وقتئذ، حتى قال الحسن بن علي الوشا: إني دخلت مسجد الكوفة فرأيت فيه تسعمائة شيخ[19] كلهم يقولون حدثنا جعفر بن محمد.

ج ـ إن الشروط التي كانت هذه المدرسة وما تُمثله من قواعد شعبية في المجتمع الإسلامي، تؤمن بها وتتقيد بموجبها في تعيين الإمام والتعرف على كفائته للإمامة، شروط شديدة; لأنها تؤمن بأنّ الإمام لا يكون إماماً إلاّ إذا كان أعلم علماء عصره[20].

د ـ إنّ المدرسة وقواعدها الشعبية كانت تقدم تضحيات كبيرة في سبيل الصمود على عقيدتها في الإمامة; لأنها كانت في نظر الخلافة المعاصرة لها تشكل خطاً عدائياً، ولو من الناحية الفكرية على الأقل، الأمر الذي أدّى إلى قيام السلطات وقتئذ وباستمرار تقريباً حملات من التصفية والتعذيب، فقُتل من قُتل، وسُجن من سُجن، ومات في ظلمات المعتقلات المئات، وهذا يعني أنّ الاعتقاد بإمامة أئمة أهل البيت كان يكلّفهم غالياً[21]، ولم يكن له من الاغراءات سوى ما يحسّ به المعتقد أو يفترضه من التقرب إلى الله تعالى والزلفى عنده.

هـ ـ إنّ الأئمة الذين دانت هذه القواعد لهم بالإمامة لم يكونوا معزولين عنها، ولا متقوقعين في بروج عالية شأن السلاطين مع شعوبهم، ولم يكونوا يحتجبون عنهم إلاّ أن تحجبهم السلطة الحاكمة بسجن أو نفي، وهذا ما نعرفه من خلال العدد الكبير من الرواة والمحدثين عن كلّ واحد من الأئمة الأحد عشر، ومن خلال ما نقل من المكاتبات التي كانت تحصل بين الإمام ومعاصريه، وما كان الإمام يقوم به من أسفار من ناحية، وما كان يبثّه من وكلاء في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من ناحيه اُخرى، وما كان قد اعتاده الشيعة من تفقّد أئمتهم وزيارتهم في المدينة المنورة عندما يؤمون الديار المقدسة من كلّ مكان لأداء فريضة الحج[22]، كلّ ذلك يفرض تفاعلاً مستمراً بدرجة واضحة بين الإمام وقواعده الممتدة في أرجاء العالم الإسلامي بمختلف طبقاتها من العلماء وغيرهم.

و ـ إن الخلافة المعاصرة للأئمة (عليهم السلام) كانت تنظر إليهم وإلى زعامتهم الروحية والإمامية بوصفها مصدر خطر كبير على كيانها ومقدّراتها، وعلى هذا الأساس بذلت كل جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة، وتحملت في سبيل ذلك كثيراً من السلبيات، وظهرت أحياناً بمظاهر القسوة والطغيان حينما اضطرها تأمين مواقعها إلى ذلك، وكانت حملات الاعتقال والمطاردة مستمرة للأئمة[23] أنفسهم على الرغم مما يخلّفه ذلك من شعور بالألم أو الاشمئزاز عند المسلمين وللناس الموالين على اختلاف درجاتهم.

إذا أخذنا هذه النقاط الست بعين الاعتبار، وهي حقائق تاريخية لا تقبل الشك، أمكن أن تخرج بنتيجة وهي: أنّ ظاهرة الإمامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية ولم تكن وهماً من الأوهام; لأنّ الإمام الذي يبرز على المسرح وهو صغير فيعلن عن نفسه إماماً روحياً وفكرياً للمسلمين، ويدين له بالولاء والإمامة كلّ ذلك التيار الواسع، لابدّ أن يكون على قدر واضح وملحوظ بل وكبير من العلم والمعرفة وسعة الاُفق والتمكن من الفقه والتفسير والعقائد ; لأنه لو لم يكن كذلك لما أمكن أن تقتنع تلك القواعد الشعبية بإمامته، مع ما تقدم من أنّ الأئمة كانوا في مواقع تتيح لقواعدهم التفاعل معهم وللأضواء المختلفة أن تُسلّط على حياتهم وموازين شخصيتهم. فهل ترى أنّ صبيّاً يدعو إلى إمامة نفسه وينصب منها علماً للإسلام وهو على مرأىً ومسمع جماهير قواعده الشعبية، فتؤمن به وتبذل في سبيل ذلك الغالي من أمنها وحياتها بدون أن تكلّف نفسها اكتشاف حاله، وبدون أن تهزّها ظاهرة هذه الإمامة المبكرة لاستطلاع حقيقة الموقف وتقييم هذا الصبي الإمام؟[24] وهبْ إن الناس لم يتحركوا لاستطلاع المواقف، فهل يمكن أن تمرّ المسألة أياماً وشهوراً بل أعواماً دون أن تتكشف الحقيقة على الرغم من التفاعل الطبيعي المستمر بين الصبي الإمام وسائر الناس؟ وهل من المعقول أن يكون صبيّاً في فكره وعلمه حقاً ثمّ لا يبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل؟

وإذا افترضنا أنّ القواعد الشعبية لإمامة أهل البيت لم يُتح لها أن تكتشف واقع الأمر، فلماذا سكتت الخلافة القائمة ولم تعمل لكشف الحقيقة إذا كانت في صالحها؟ وما كان أيسر ذلك على السلطة القائمة لو كان الإمام الصبي صبياً في فكره وثقافته كما هو المعهود في الصبيان، وما كان أنجحه من اُسلوب أن تقدم هذا الصبي إلى شيعته وغير شيعته على حقيقته، وتبرهن على عدم كفاءته للإمامة والزعامة الروحية والفكرية، فلئن كان من الصعب الإقناع بعدم كفاءة شخص في الأربعين أو الخمسين قد أحاط بقَدر كبير من ثقافة عصره لتسلّم الإمامة، فليس هناك صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة صبي اعتيادي مهما كان ذكياً وفطناً للإمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الإماميون[25]، وكان هذا أسهل وأيسر من الطرق المعقدة وأساليب القمع والمجازفة التي انتهجتها السلطات وقتئذ.

إنّ التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة[26]، هو أنها أدركت أن الإمامة المبكرة ظاهرة حقيقية وليست شيئاً مصطنعاً.

والحقيقة أنها أدركت ذلك بالفعل بعد أن حاولت أن تلعب بتلك الورقة فلم تستطع، والتاريخ يحدثنا عن محاولات من هذا القبيل وفشلها[27]، بينما لم يحدثنا إطلاقاً عن موقف تزعزعت فيه ظاهرة الإمامة المبكرة أو واجه فيه الصبيّ الإمامُ إحراجاً يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه.

وهذا معنى ما قلناه من أن الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت (عليهم السلام) وليست مجرد افتراض، كما أنّ هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها وحالاتها المماثلة في تراث السماء، الذي امتد عِبْرَ الرسالات والزعامات الربّانية.

ويكفي مثالاً لظاهرة الإمامة المبكرة في التراث الرباني لأهل البيت (عليهم السلام) :يحيى (عليه السلام) ، إذ قال الله سبحانه وتعالى: (يا يحيى خذ الكتاب بقوّة وآتيناه الحكم صبيّاً)[28].

ومتى ثبت أنّ الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية ومتواجدة فعلاً في حياة أهل البيت، لم يعد هناك اعتراض فيما يخصّ إمامة المهدي (عليه السلام) وخلافته لأبيه وهو صغير[29]"[30].

-----------------------------

[1] اُصول الكافي: 1/ 328، كتاب الحجّة باب الإشارة والنص الى صاحب الدار.

[2] اُصول الكافي: 1/ 330، كتاب الحجة، باب تسمية من رآه (عليه السلام).

[3] كمال الدين: 2/ 424، باب 42.

[4] ™ من هو المهدي، أبو طالب تجليل التبريزي: 460 ـ 506.

[5] كمال الدين: 2 / 442 باب 43، وبحار الأنوار: 52 / 30 باب 26.

[6] الإرشاد، الشيخ المفيد: 2/ 336.

[7] دفاع عن الكليني: 1 / 567 ـ 568 لحسن هاشم ثامر العميدي.

[8] إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب (عُجِّلَ فرجه) الشيخ علي اليزدي الحائري: 1/ 321 ـ 440.

[9] المهديّ المنتظر في نهج البلاغة / الشيخ مهدي فقيه إيماني: 16 ـ 30.

[10] الإمام الثاني عشر، السيد محمد سعيد الموسوي: 27 ـ 70 وقد استدرك عليه محقق الكتاب ثلاثين رجلاً من أهل السنّة كما في هامش المصدر: 72 ـ 89، المهديّ الموعود المنتظر عند أهل السنّة والإمامية، الشيخ نجم الدين العسكري: 1/ 220 ـ 226.

[11] دفاع عن الكافي: 1/ 568.

[12] انظر اُصول الكافي: 1 / 421، كتاب الحجّة، باب مولد أبي محمد الحسن بن ؤعلي (عليه السلام) ، كمال الدين: 1/40، مقدمة المصنف، ، الإرشاد: 2/321، إعلام الورى بأعلام الهدى، الفضل بن الحسن الطبري: 357، انظر كذلك كمال الدين: 2 / 475، باب 43 من شاهد القائم (عليه السلام).

[13] مريم: 12.

[14] الصواعق المحرقة: 256، دار الكتب العلمية.

[15] الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 253، والإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 274 وما بعدها.

[16] التتمة في تواريخ الأئمة، السيد تاج الدين العاملي من أعلام القرن الحادي عشر الهجري، نشر مؤسسة البعثة ـ قم، وراجع: الصواعق المحرقه لابن حجر: 312 ـ 313، إذ ذكر طرفاً من سيرة الإمام وكراماته.

[17] التتمة في تواريخ الأئمة، السيد تاج الدين العاملي من أعلام القرن الحادي عشر الهجري، نشر مؤسسة البعثة ـ قم، وراجع: الصواعق المحرقه لابن حجر: 312 ـ 313، إذ ذكر طرفاً من سيرة الإمام وكراماته.

[18] الأرشاد / الشيخ المفيد: 2 /281 وما بعدها، الصواعق المحرقة: 312 ـ 313. فقد أوردا قصة المحاورة التي دارت بين الإمام الجواد (عليه السلام) وبين يحيى بن أكثم زمن المأمون، وكيف استطاع الإمام (عليه السلام) أن يثبت أعلميته وقدرته على إفحامه وهو في تلك السن المبكرة.

[19] راجع: المجالس السنيّة، السيد الأمين العاملي: 2/468، وهذه قضية مشهورة تناقلها الخاص والعام. وراجع: صحاح الأخبار، محمد سراج الدين الرفاعي: 44، نقلاً عن الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، أسد حيدر 1: 55، وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة: 305 "جعفر الصادق، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، وروى عنه الأئمة الأكابر كيحيى بن سعيد وابن جريج ومالك والسفيانين وأبي حنيفة وشعبة وأيوب السختياني... ".

[20] كون الإمام أعلم أهل زمانه أمرٌ متسالم عليه عند الإمامية، راجع: الباب الحادي عشر، العلاّمة الحلي: 44 هذا وقد عُرّضوا لأكثر من إختبار صلوات الله وسلامه عليهم لإثبات هذا المدّعى، ونجحوا فيه.

راجع: الصواعق المحرقة لابن حجر: 312، فقد نقل تفصيلاً في هذه المسألة عن مسائل يحيى بن أكثم للإمام الجواد (عليه السلام).

[21] إن الإعتقاد بإمامة الأئمة كلّف أتباعهم غالياً، وهذا ثابت تاريخياً، وليس إلى إنكاره من سبيل، والشاهد يدل على الغائب أيضاً. راجع: مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصبهاني.

[22] وقد أوصى الأئمة بذلك أتباعهم كما هو لسان الروايات الكثيرة.

راجع:اُصول الكافي :1/392، كتاب الحجة ـ باب "إن الواجب على الناس بعدما يقضون مناسكهم أن يأتوا الإمام فيسألونه عن معالم دينهم، ويُعلمونهولايتهمومودتهم له".

[23] راجع في تاريخ الأئمة (عليهم السلام) ، وتعرّضهم للاضطهاد والمطاردة والسجن والقتل أحياناً.

أ ـ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي.

ب ـ مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني.

ج ـ الإرشاد للشيخ المفيد.

[24] إشارة إلى الإمام المهدي (عليه السلام) ومن قبل إلى الإمام الجواد (عليه السلام) مثلاً.

[25] أي على أنه يجب أن يكون أفضل الناس، وأعلم الناس كما هو معتقد الإمامية الاثني عشرية.

راجع: حق اليقين في معرفة اُصول الدين للسيد عبدالله شُبر المتوفّى سنة (1242 هـ) : 1/ 141، المقصد الثالث.

[26] يقصد تقديم الإمام الصبي للاختبار أمام الملأ لإظهار حقيقة الأمر.

[27] قد فعل المأمون ذلك، وانكشف لدى الخاص من العلماء مدى ما يمتلكه الإمام الجواد (عليه السلام) من الفقه والعلم. راجع الصواعق المحرقة لابن حجر: 312.

[28] مريم: 12.

[29] وقد شاهد خاصة الشيعة الإمام المهدي واتصلوا به، وأخذوا عنه، كما حصل عن طريق السفراء الأربعة، راجع: تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي، البحراني، الإرشاد، الشيخ المفيد: 345، وراجع تفصيلاً وافياً في الدفاع عن الكافي، السيد ثامر العميدي: 1/ 535 وما بعدها.

[30] بحث حول المهدي، للسيد الشهيد (قدس سره) : 93 ـ 99 بتحقيق الدكتور عبدالجبارة شرارة.

**************

 المهدويّة عند أهل البيت (عليهم السلام)

الخصوصية الثالثة

2007-09-06

الغيبة المستلزمة لعمر مفتوح مع انفتاح الزمن

من مقتضيات وخصائص المفهوم المهدوي عند أهل البيت (عليهم السلام) ، هو الاعتقاد بغيبة الإمام (عليه السلام) عن الأنظار، واستمراره على ذلك إلى حين يأذن الله سبحانه وتعالى له بالظهور، وإثبات هذه الخصوصية ننجزه في مرحلتين: ـ

الاُولى: مرحلة إثبات إمكانية العمر الطويل الى آخر الزمان

إن المشكلة الأساسية التي تواجه المفهوم المهدوي عند أهل البيت (عليهم السلام) ، تتمثل في ما يستلزمه هذا المفهوم من عمر مفتوح، مع انفتاح الزمن وممتد بامتداده، وقد عولجت هذه المشكلة بإجابات كثيرة نورد هنا إجابة السيد الشهيد الصدر عليها، فقد كتب يقول :

"هل بالإمكان أن يعيش الإنسان قروناً كثيرة كما هو المفترض في هذا القائد المنتظر لتغيير العالم، الذي يبلغ عمره الشريف فعلاً أكثر من ألف ومائة وأربعين سنة، أي حوالي (14) مرة بقدر عمر الإنسان الاعتيادي الذي يمر بكل المراحل الاعتيادية من الطفولة إلى الشيخوخة؟

كلمة الإمكان هنا تعني أحد ثلاثة معان : الإمكان العملي، والإمكان العلمي، والإمكان المنطقي أو الفلسفي.

وأقصد بالإمكان العملي : أن يكون الشيء ممكنا على نحو يتاح لي أو لك، أو لإنسان آخر فعلاً أن يحققه، فالسفر عبر المحيط، والوصول إلى قاع البحر، والصعود إلى القمر، أشياء أصبح لها إمكان عملي فعلاً. فهناك من يمارس هذه الأشياء فعلاً بشكل وآخر.

وأقصد بالإمكان العلمي : أن هناك أشياء قد لا يكون بالإمكان عملياً لي أو لك، أن نمارسها فعلاً بوسائل المدنية المعاصرة، ولكن لا يوجد لدى العلم ولا تشير اتجاهاته المتحركة إلى ما يبرر رفض إمكان هذه الأشياء ووقوعها وفقاً لظروف ووسائل خاصة، فصعود الإنسان إلى كوكب الزهرة لا يوجد في العلم ما يرفض وقوعه، بل إن اتجاهاته القائمة فعلاً تشير إلى إمكان ذلك، وإن لم يكن الصعود فعلاً ميسوراً لي أو لك ; لأن الفارق بين الصعود إلى الزهرة والصعود إلى القمر ليس إلاّ فارق درجة، ولا يمثل الصعود إلى الزهرة إلاّ مرحلة تذليل الصعاب الإضافية التي تنشأ من كون المسافة أبعد، فالصعود إلى الزهرة ممكن علمياً وإن لم يكن ممكناً عملياً فعلاً[1]. وعلى العكس من ذلك الصعود إلى قرص الشمس في كبد السماء فإنه غير ممكن علمياً، بمعنى أن العلم لا أمل له في وقوع ذلك، إذ لا يتصور علمياً وتجريبياً إمكانية صنع ذلك الدرع الواقي من الاحتراق بحرارة الشمس، التي تمثل اُتوناً هائلاً مستعراً بأعلى درجة تخطر على بال إنسان.

وأقصد بالإمكان المنطقي أو الفلسفي : أن لا يوجد لدى العقل وفق ما يدركه من قوانين قبلية ـ أي سابقة على التجربة ـ ما يبرر رفض الشيء والحكم باستحالته.

فوجود ثلاث برتقالات تنقسم بالتساوي وبدون كسر إلى نصفين ليس له إمكان منطقي ; لأن العقل يدرك ـ قبل أن يمارس أي تجربة ـ أن الثلاثة عدد فردي وليس زوجاً، فلا يمكن أن تنقسم بالتساوي; لأن انقسامها بالتساوي يعني كونها زوجاً، فتكون فرداً وزوجاً في وقت واحد، وهذا تناقض، والتناقض مستحيل منطقياً. ولكن دخول الإنسان في النار دون أن يحترق، وصعوده للشمس دون أن تحرقه الشمس بحرارتها ليس مستحيلاً من الناحية المنطقية، إذ لا تناقض في افتراض أن الحرارة لا تتسرب من الجسم الأكثر حرارةً إلى الجسم الأقل حرارةً، وإنما هو مخالف للتجربة التي أثبتت تسرب الحرارة من الجسم الأكثر حرارةً إلى الجسم الأقل حرارةً إلى أن يتساوى الجسمان في الحرارة.

وهكذا نعرف أن الإمكان المنطقي أوسع دائرة من الإمكان العلمي، وهذا أوسع دائرة من الإمكان العملي.

ولا شك في أن امتداد عمر الإنسان آلاف السنين ممكن منطقياً; لأن ذلك ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية تجريدية، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أي تناقض ; لأن الحياة كمفهوم لا تستبطن الموت السريع، ولا نقاش في ذلك.

كما لا شك أيضاً ولا نقاش في أن هذا العمر الطويل ليس ممكناً إمكاناً عملياً، على نحو الإمكانات العملية للنزول إلى قاع البحر أو الصعود إلى القمر، ذلك لأن العلم بوسائله وأدواته الحاضرة فعلاً، والمتاحة من خلال التجربة البشرية المعاصرة، لا يستطيع أن يمدد عمر الإنسان مئات السنين، ولهذا نجد أن أكثر الناس حرصاً على الحياة وقدرة على تسخير إمكانات العلم، لا يتاح لهم من العمر إلاّ بقدر ما هو مألوف.

وأما الإمكان العلمي فلا يوجد علمياً اليوم ما يبرر رفضه من الناحية النظرية[2]. وهذا بحث يتصل في الحقيقة بنوعية التفسير الفسلجي لظاهرة الشيخوخة والهرم لدى الإنسان، فهل تعبر هذه الظاهرة عن قانون طبيعي يفرض على أنسجة جسم الإنسان وخلاياه ـ بعد أن تبلغ قمة نموها ـ أن تتصلب بالتدريج وتصبح أقل كفاءة للاستمرار في العمل، إلى أن تتعطل في لحظة معينة، حتى لو عزلناها عن تأثير أي عامل خارجي ؟ أو أن هذا التصلب وهذا التناقص في كفاءة الانسجة والخلايا الجسمية للقيام بأدوارها الفسيولوجية، نتيجة صراع مع عوامل خارجية كالميكروبات أو التسمم الذي يتسرب إلى الجسم من خلال ما يتناوله من غذاء مكثف أو أي عامل آخر ؟

وهذا سؤال يطرحه العلم اليوم على نفسه، وهو جاد في الإجابة عنه، ولا يزال للسؤال أكثر من جواب على الصعيد العلمي.

فإذا أخذنا بوجهة النظر العلمية التي تتجه إلى تفسير الشيخوخة والضعف الهرمي، بوصفه نتيجة صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية معينة، فهذا يعني أن بالإمكان نظرياً، إذا عزلت الأنسجة التي يتكون منها جسم الإنسان عن تلك المؤثرات المعينة، أن تمتد بها الحياة وتتجاوز ظاهرة الشيخوخة وتتغلب عليها نهائياً.

وإذا أخذنا بوجهة النظر الاُخرى التي تميل إلى افتراض الشيخوخة قانوناً طبيعياً للخلايا والأنسجة الحية نفسها، بمعنى أنها تحمل في أحشائها بذرة فنائها المحتوم، مروراً بمرحلة الهرم والشيخوخة وانتهاءً بالموت.

أقول : إذا أخذنا بوجهة النظر هذه، فليس معنى هذا عدم افتراض أي مرونة في هذا القانون الطبيعي، بل هو ـ على افتراض وجوده ـ قانون مرن ; لأننا نجد في حياتنا الاعتيادية ; ولأن العلماء يشاهدون في مختبراتهم العلمية، أن الشيخوخة كظاهرة فسيولوجية لا زمنية، قد تأتي مبكرة، وقد تتأخر ولا تظهر إلاّ في فترة متأخرة، حتى أن الرجل قد يكون طاعناً في السن ولكنه يملك أعضاء لينة، ولا تبدو عليه اعراض الشيخوخة كما نص على ذلك الأطباء[3]. بل إن العلماء استطاعوا عملياً أن يستفيدوا من مرونة ذلك القانون الطبيعي المفترض، فأطالوا عمر بعض الحيوانات مئات المرات بالنسبة إلى أعمارها الطبيعية ; وذلك بخلق ظروف وعوامل تؤجل فاعلية قانون الشيخوخة.

وبهذا يثبت علمياً أن تأجيل هذا القانون بخلق ظروف وعوامل معينة أمر ممكن علمياً، ولئن لم يتح للعلم أن يمارس فعلاً هذا التأجيل بالنسبة إلى كائن معقد معين كالإنسان، فليس ذلك إلاّ لفارق درجة بين صعوبة هذه الممارسة بالنسبة إلى الإنسان، وصعوبتها بالنسبة إلى أحياء اُخرى. وهذا يعني أن العلم من الناحية النظرية وبقدر ما تشير إليه اتجاهاته المتحركة لا يوجد فيه أبداً ما يرفض إمكانية إطالة عمر الإنسان، سواءً فسرنا الشيخوخة بوصفها نتاج صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية أو نتاج قانون طبيعي للخليّة الحيّة نفسها يسير بها نحو الفناء.

ويتلخص من ذلك: أن طول عمر الإنسان وبقاءه قروناً متعددة أمر ممكن منطقياً وممكن علمياً، ولكنه لا يزال غير ممكن عملياً، إلاّ أن اتجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمكان عبر طريق طويل.

وعلى هذا الضوء نتناول عمر المهدي (عليه السلام) وما اُحيط به من استفهام أو استغراب، ونلاحظ:

إنه بعد أن ثبت إمكان هذا العمر الطويل منطقياً وعلمياً، وثبت أن العلم سائر في طريق تحويل الامكان النظري إلى إمكان عملي تدريجاً، لا يبقي للاستغراب محتوىً إلاّ استبعاد أن يسبق المهدي العلم نفسه، فيتحول الامكان النظري الى إمكان عملي في شخصه قبل أن يصل العلم في تطوره إلى مستوى القدرة الفعلية على هذا التحويل، فهو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء ذات السحايا أو دواء السرطان.

وإذا كانت المسألة هي أنه كيف سبق الإسلام ـ الذي صمم عمر هذا القائد المنتظر ـ حركة العلم في مجال هذا التحويل ؟

فالجواب: إنه ليس ذلك هو المجال الوحيد الذي سبق فيه الإسلام حركة العلم.

أوَليست الشريعة الإسلامية ككل قد سبقت حركة العلم والتطور الطبيعي للفكر الإنساني قروناً عديدة؟[4]

أوَلم تناد بشعارات طرحت خططاً للتطبيق لم ينضج الإنسان للتوصل إليها في حركته المستقلة إلاّ بعد مئات السنين ؟

أوَلَم تأت بتشريعات في غاية الحكمة، لم يستطع الإنسان أن يدرك أسرارها ووجه الحكمة فيها إلاّ قبل برهة وجيزة من الزمن ؟ أو لم تكشف رسالة السماء أسراراً من الكون لم تكن تخطر على بال إنسان، ثم جاء العلم ليثبتها ويدعمها ؟

فإذا كنا نؤمن بهذا كله، فلماذا نستكثر على مرسل هذه الرسالة ـ سبحانه وتعالى ـ أن يسبق العلم في تصميم عمر المهدي؟[5] وأنا هنا لم أتكلم إلاّ عن مظاهر السبق التي نستطيع أن نحسّها نحن بصورة مباشرة، ويمكن أن نضيف إلى ذلك مظاهر السبق التي تُحدّثنا بها رسالة السماء نفسها.

ومثال ذلك: أنها تخبرنا بأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد اُسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهذا الإسراء[6] إذا أردنا ان نفهمه في إطار القوانين الطبيعية، فهو يعبر عن الاستفادة من القوانين الطبيعية بشكل لم يتح للعلم أن يحققه[7] إلاّ بعد مئات السنين، فنفس الخبرة الربانية التي أتاحت للرسول (صلى الله عليه وآله) التحرك السريع قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك، أتاحت لآخر خلفائه المنصوصين العمر المديد، قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك.

نعم، هذا العمر المديد الذي منحه الله تعالى للمنقذ المنتظر يبدو غريباً في حدود المألوف حتى اليوم في حياة الناس، وفي ما أنجز فعلاً من تجارب العلماء.

ولكن أوَ ليسَ الدور التغييري الحاسم الذي اُعد له هذا المنقذ غريباً في حدود المألوف في حياة الناس، وما مرت بهم من تطورات التاريخ ؟

أوَ لَيسَ قد اُنيط به تغيير العالم، وإعادة بنائه الحضاري من جديد على أساس الحق والعدل ؟

فلماذا نستغرب إذا اتّسم التحضير لهذا الدور الكبير ببعض الظواهر الغريبة والخارجة عن المألوف كطول عمر المنقذ المنتظر؟ فإن غرابة هذه الظواهر وخروجها عن المألوف مهما كان شديداً، لا يفوق بحال غرابة نفس الدور العظيم الذي يجب على اليوم الموعود إنجازه. فإذا كنا نستسيغ ذلك الدور الفريد[8] تاريخياً على الرغم من أنه لا يوجد دور مناظر له في تاريخ الإنسان، فلماذا لا نستسيغ ذلك العمر المديد الذي لا نجد عمراً مناظراً له في حياتنا المألوفة ؟ ولا أدري! هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط بتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد، فيكون لكل منهما عمر مديد يزيد على أعمارنا الاعتيادية أضعافاً مضاعفة ؟

أحدهما: مارس دوره في ماضي البشرية وهو النبي نوح، الذي نص القرآن الكريم[9] على أنه مكث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، وقدر له من خلال الطوفان أن يبني العالم من جديد.

والآخر: يمارس دوره في مستقبل البشرية وهو المهدي الذي مكث في قومه حتى الآن أكثر من ألف عام وسيقدر له في اليوم الموعود أن يبني العالم من جديد.

فلماذا نقبل نوح الذي ناهز الف عام على أقل تقدير ولا نقبل المهدي؟[10]

وقد عرفنا حتى الآن أن العمر الطويل ممكن علمياً، ولكن لنفترض أنه غير ممكن علمياً، وأن قانون الشيخوخة والهرم قانون صارم لا يمكن للبشرية اليوم، ولا على خطها الطويل أن تتغلب عليه، وتغير من ظروفه وشروطه، فماذا يعني ذلك ؟ إنه يعني أن إطالة عمر الإنسان ـ كنوح أو كالمهدي ـ قروناً متعددة، هي على خلاف القوانين الطبيعية التي أثبتها العلم بوسائل التجربة والاستقراء الحديثة، وبذلك تصبح هذه الحالة معجزة عطلت قانوناً طبيعياً في حالة معينة للحفاظ على حياة الشخص الذي اُنيط به الحفاظ على رسالة السماء، وليست هذه المعجزة فريدة من نوعها، أو غريبة على عقيدة المسلم المستمدة من نص القرآن والسنة[11]، فليس قانون الشيخوخة والهرم أشد صرامة من قانون انتقال الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة حتى يتساويا، وقد عطل هذا القانون لحماية حياة إبراهيم (عليه السلام) حين كان الاُسلوب الوحيد للحفاظ عليه تعطيل ذلك القانون. فقيل للنار حين اُلقي فيها إبراهيم (قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم)[12] فخرج منها كما دخل سليماً لم يصبه أذىً، إلى كثير من القوانين الطبيعية التي عطلت لحماية أشخاص من الأنبياء وحجج الله على الأرض، ففلق البحر لموسى (عليه السلام)[13]، وشبه للرومان أنهم قبضوا على عيسى[14] ولم يكونوا قد قبضوا عليه، وخرج النبي محمد (صلى الله عليه وآله) من داره وهي محفوفة بحشود قريش التي ظلت ساعات تتربص به لتهجم عليه، فستره الله تعالى عن عيونهم وهو يمشي بينهم[15]. كل هذه الحالات تمثل قوانين طبيعية عطلت لحماية شخص، كانت الحكمة الربانية تقتضي الحفاظ على حياته، فليكن قانون الشيخوخة والهرم من تلك القوانين.

وقد يمكن أن نخرج من ذلك بمفهوم عام وهو أنه كلما توقف الحفاظ على حياة حجة لله في الأرض على تعطيل قانون طبيعي، وكانت إدامة حياة ذلك الشخص ضرورية لانجاز مهمته التي أعد لها، تدخلت العناية الربانية في تعطيل ذلك القانون لانجاز ذلك، وعلى العكس إذا كان الشخص قد انتهت مهمته التي اُعد لها ربانياً فإنه سيلقى حتفه ويموت أو يستشهد وفقاً لما تقرره القوانين الطبيعية.

ونواجه عادة بمناسبة هذا المفهوم العام السؤال التالي: كيف يمكن أن يتعطل القانون[16]؟ وكيف تنفصم العلاقة الضرورية التي تقوم بين الظواهر الطبيعية ؟ وهل هذه إلاّ مناقضة للعلم الذي اكتشف ذلك القانون الطبيعي، وحدد هذه العلاقة الضرورية على اُسس تجريبية واستقرائية؟!

والجواب : أن العلم نفسه قد أجاب عن هذا السؤال بالتنازل عن فكرة الضرورة في القانون الطبيعي، وتوضيح ذلك : أن القوانين الطبيعية يكتشفها العلم على أساس التجربة والملاحظة المنتظمة، فحين يطرد وقوع ظاهرة طبيعية عقيب ظاهرة اُخرى يستدل بهذا الاطّراد على قانون طبيعي، وهو أنه كلما وجدت الظاهرة الاُولى وجدت الظاهرة الثانية عقيبها، غير أن العلم لا يفترض في هذا القانون الطبيعي علاقة ضرورية بين الظاهرتين نابعة من صميم هذه الظاهرة وذاتها، وصميم تلك وذاتها; لأن الضرورة حالة غيبية، لا يمكن للتجربة ووسائل البحث الاستقرائي والعلمي اثباتها، ولهذا فإن منطق العلم الحديث يؤكد أن القانون الطبيعي ـ كما يعرفه العلم ـ لا يتحدث عن علاقة ضرورية، بل عن اقتران مستمر بين ظاهرتين[17]، فإذا جاءت المعجزة وفصلت إحدى الظاهرتين عن الاُخرى في قانون طبيعي لم يكن ذلك فصماً لعلاقة ضرورية بين الظاهرتين.

والحقيقة أن المعجزة بمفهومها الديني، قد أصبحت في ضوء المنطق العلمي الحديث مفهومة بدرجة أكبر مما كانت عليه في ظل وجهة النظر الكلاسيكية إلى علاقات السببية.

فقد كانت وجهة النظر القديمة تفترض أن كل ظاهرتين اطّرد اقتران إحداهما بالاُخرى فالعلاقة بينهما علاقة ضرورة، والضرورة تعني أن من المستحيل أن تنفصل إحدى الظاهرتين عن الاُخرى، ولكن هذه العلاقة تحولت في منطق العلم الحديث إلى قانون الاقتران أو التتابع المطرد[18] بين الظاهرتين دون افتراض تلك الضرورة الغيبية.

وبهذا تصبح المعجزة حالة استثنائية لهذا الاطّراد في الاقتران أو التتابع دون أن تصطدم بضرورة أو تؤدي إلى استحالة.

وأما على ضوء الاُسس المنطقية للاستقراء[19] فنحن نتفق مع وجهة النظر العلمية الحديثة، في أن الاستقراء لا يبرهن على علاقة الضرورة بين الظاهرتين، ولكنا نرى أنه يدل على وجود تفسير مشترك لاطّراد التقارن أو التعاقب بين الظاهرتين باستمرار، وهذا التفسير المشترك كما يمكن صياغته على أساس افتراض الضرورة الذاتية، كذلك يمكن صياغته على أساس افتراض حكمة دعت منظم الكون إلى ربط ظواهر معينة بظواهر اُخرى باستمرار، وهذه الحكمة نفسها تدعو أحياناً إلى الاستثناء فتحدث المعجزة[20].

وهكذا يتّضح بنحو علمي منطقي مبرهن أن العمر الطويل أمر ممكن، ولا يلزم منه محذور علمي ولا فلسفي. وبهذا تنتهي المرحلة الاُولى من البحث في خصوصية الغيبة.

الثانية: مرحلة إثبات تحقق ذلك فعلاً في الإمام المهدي (عليه السلام)

والبحث في هذه المرحلة يتم بطريقين: 1 ـ عقائدي. 2 ـ تاريخي:

1 ـ الطريق العقائدي

ويمكن تقريره بثلاثة بيانات:

أ ـ إن هذه الخصوصية من اللوازم الذاتية للمفهوم المهدوي عند أهل البيت (عليهم السلام) ، فثبوت هذا المفهوم ـ بالنحو الذي مرّ آنفاً ـ ثبوتاً برهانياً قاطعاً، واتضاح بطلان ما سواه، يقودنا بنحو طبيعي إلى الاعتقاد بغيبة الإمام الثاني عشر (عليه السلام). فما دام الأئمة اثني عشر فقط، وأنهم معينين من قبل الله سبحانه وتعالى، وليس للناس دور في اختيارهم، فليس بإمكاننا إلاّ أن نتصور استمرار حياة الإمام الثاني عشر، ومواكبته للمسيرة البشرية وظهوره بعد ذلك في الشوط الأخير منها، ومن الطبيعي أن لا يتاح لإنسان يُقدّر له مثل هذا الهدف، وتقدر له مثل هذه الحياة الطويلة، أن يعيشها بصورة ظاهرة، ولابد له من أن يمارسها بنحو خفي غائب عن الأنظار، إلاّ أن يفترض وفاة الإمام المهدي (عليه السلام) في الزمان الطبيعي لأمثاله، ثم عودته للحياة في زمن الظهور، ولكن هذا الافتراض يلزم منه انقطاع الحجة في الفترة الفاصلة من وفاته إلى ظهوره، وهو مخالف لحديث الثقلين الذي يدل على تلازم الكتاب والعترة، وعدم افتراقهما في زمن من الأزمان حتى قيام الساعة والورود على الحوض، كما يلزم منه الاعتقاد برجعة الإمام المهدي إلى الحياة بعد وفاته، وهو مما لا قائل به بين المسلمين.

ب ـ الروايات الدالة على اتصاف الإمام المهدي بالغيبة، وقد ذكرتها بعض مصادر أهل السنّة مثل: ينابيع المودّة، وفرائد السمطين.

ففي ينابيع المودّة: عن كتاب فرائد السمطين عن الباقر عن أبيه عن جده عن علي (عليهم السلام) ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "المهدي من ولدي تكون له غيبة إذا ظهر يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً"[21].

وفيه عنه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "أن علياً وصيي ومن ولده القائم المنتظر المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً أن الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعزّ من الكبريت الأحمر" فقام إليه جابر بن عبدالله، فقال: يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة؟ قال: "اي وربي ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ـ ثم قال: ـ يا جابر إن هذا أمر من أمر الله وسر من سرّ الله فإياك والشّك فإن الشّك في أمر الله عزّ وجل كفر".

وفيه في الصفحة المذكورة عنه عن الحسن بن خالد، قال: قال علي بن موسى الرضا ـ رضي الله عنهما ـ : "إن الرابع من ولدي ابن سيدة الإماء يطهّر الله به الأرض من كل جور وظلم وهو الذي يشكّ الناس في ولادته وهو صاحب الغيبة فإذا خرج أشرقت الأرض بنور ربّها"[22].

وفيه: عنه عن أحمد بن زياد عن دعبل بن علي الخزاعي في حديث وروده على الرضا وانشاده قصيدته التائية، إلى أن قال: "إن الإمام بعدي ابني محمد وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم وهو المنتظر في غيبته والمطاع في ظهوره ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وأما متى يقوم؟ فإخبار عن الوقت، فقد حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة"[23].

وفيه: عن غاية المرام عن فرائد السمطين عن جابر بن عبدالله رفعه: "المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الاُمم يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً".

وفيه: عنه عن فرائد السمطين في الصفحة المذكورة عن الباقر عن آبائه عن علي بن أبي طالب ـ سلام الله عليهم ـ رفعهُ: "المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الاُمم ـ الى أن قال ـ ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً"[24].

وفيه: عن المناقب عن أبي جعفر محمد الباقر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتم به في غيبته قبل قيامه ويتولى أولياءه ويعادي أعداءه ذلك من رفقائي وذوي مودتي وأكرم اُمتي عليَّ يوم القيامة".

وفيه: عنه عن أبي بصير عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي وهو أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً، تكون له غيبة وحيرة في الاُمم حتى يضل الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً". وفيه: عنه مثل ذلك، غير أنه قال: "فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب يأتي بذخيرة الأنبياء (عليهم السلام) "... الحديث[25].

وفيه: (ص 494) عنه عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت جابر بن عبدالله الأنصاري يقول: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "يا جابر إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام، ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم القائم اسمه اسمي وكنيته كنيتي ابن الحسن بن علي ذلك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذلك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان".

ج ـ إن المهدي الموعود إن لم يكن إماماً معصوماً، وكان رجلاً عادياً من عامّة المسلمين، سوف لن يكون هناك تناسب بينه وبين ظهور المسيح (عليه السلام) معه، وهو نبي من اُولي العزم، ليؤيد المهدي ويدعو المسيحيين الى الإذعان بنبوّة النبي (صلى الله عليه وآله) ، فلابد وأن يكون المهدي الموعود إماماً معصوماً، وحيث إن الإمامة المعصومة ليست أمراً قابلاً للادّعاء بل تحتاج الى تعيين سماوي ونص نبوي يكشف عنها، ولم يجرِ ذلك في غير الأئمة الإثني عشر (عليهم السلام) حتى على مستوى الادّعاء فضلاً عن الدليل والبرهان، وقد ثبتت وفاة الأئمة المتقدمين ودفنت أجسادهم في أماكن معلومة، وبقي الإمام الثاني عشر لم تُعلم له وفاة حتى الآن. فلابد من الاعتقاد باستمرار حياة هذا الإمام من حين ولادته الى حين ظهوره في آخر الزمان، ليكون مؤهلاً لتأييد المسيح (عليه السلام) له. يقول السيد سامي البدري في ذلك:

"فإن ظهور عيسى سوف يكون بحاجة إلى استيعاب علمي وقيادي من قبل المهدي الموعود، باعتباره يقوم شاهداً له وللرسالة التي يرفع شعارها وكتابها وتابعاً له. والمهدي على التصور السنّي لن يكون قادراً على استيعاب المسيح، بل هو غير قادر على استيعاب طوائف المسلمين.

لن يكون قادراً على استيعاب المسيح، لأن المسيح نبي ورسول معصوم ومؤيد إلهياً بالمعجزات، ومثله لا يمكن أن يستوعبه إنسان غير مؤيد بالمعجزات والعصمة والعلم التام.

ولن يكون قادراً على استيعاب الاُمة المسلمة بلا تأييد إلهي بالمعجزة والعصمة والعلم التام[26]

2 ـ الطريق التأريخي

ويمكن تقريره بثلاثة بيانات:

أ ـ إن التاريخ ـ وكما مرّ ـ قد شهد بولادة الإمام المهدي (عليه السلام) ولم يشهد بوفاته، مما يدل على استمرار حياته، وحيث لا نتحسس وجوده، ولا نشخّص أحداً من الناس بعنوان أنه المهدي ابن الإمام الحسن العسكري، فلابد وأن تكون له حياة خفية غير ظاهرة للناس.

ب ـ إن التاريخ قد شهد بحصول مشاهدات عينية متكررة للإمام المهدي (عليه السلام) في زمان غيبته، وقد اُلّفت في ذلك كتب مثل كتاب (تبصرة الولي فيمن رآى القائم المهدي) للسيد هاشم البحراني، وذكر الشيخ أبو طالب التجليل التبريزي في كتابه[27] 266 شخصاً ممن رأى الإمام المهدي في غيبته الصغرى مع ذكر قصص أكثرهم، وخصص فصلاً لمن رأى الإمام في غيبته الكبرى، وذكر عشرين كتاباً أورد أصحابها فيها القصص والأخبار التأريخية في ذلك، وها نحن نذكر قصة أوردها السيد صدر الدين الصدر في كتابه "المهدي" نقلاً عن الشيخ عبدالوهاب الشعراني في كتابه "طبقات العرفاء" في أحوال الشيخ حسن العراقي:

قال: "ترددت اليه مع سيدي أبي العباس الحريثي فقال: أتأذن لي أن أحكي لك حكايتي من مبتـدأ أمري إلى وقتي هذا كأنك كنت رفيقي من الصغر؟ فقلت له: نعم، فقال: كنت شاباً من دمشق، وكنت صانعـاً، وكنا نجتمع يوماً في الجمعة على اللهو واللعب والخمر، فجاءني التنبيه من الله تعالى يوماً ألهذا خلقت؟! فتركت ماهم فيه وهربت منهم فتبعوا ورائي فلم يدركوني، فدخلت جامع بني اُمية فوجدت شخصاً يتكلم على الكرسي في شأن المهدي (عليه السلام) فاشتقت إلى لقائه، فصرت لا أسجد سجدة إلا وسألت الله تعالى أن يجمعني معه، فبينما أنا ليلة بعد صلاة المغرب اُصلي صلاة السنة وإذا بشخص جلس خلفي ومسح على كتفي، وقال لي: قد استجاب الله تعالى دعاءك يا ولدي! مالك أنا المهدي. فقلت: تذهب معي إلى الدار، فقال: نعم، فذهب معي وقال: اخل لي مكاناً انفرد به فأخليت مكاناً فأقام عندي سبعة أيام بلياليها"[28].

وقال الشيخ علي بن عيسى الأربلي في كشف الغمة: "إن الناس ينقلون قصصاً وأخباراً في خوارق العادات للإمام المهدي (عليه السلام) يطول شرحها، وأنا أذكر من ذلك قصتين قريب عهد بزماني وحدثني بها جماعة من ثقاة اخواني.

الاُولى: إنّه كان في بلد الحلة بين الفرات ودجلة رجل اسمه إسماعيل بن الحسن، قال: اخواني حكى لنا إسماعيل، أنه خرج على فخذي الأيسر توثة [29]مقدار قبضة الإنسان فعجزت الأطباء عن علاجها فجاء بغداد ورآه أطباء الأفرنج، فقالوا: لا علاج لها، فتوجه إلى سامراء وزار الإمامين علي الهادي والحسن العسكري ـ رضي الله عنهما ـ ونزل السرداب ودعا الله تعالى تضرعاً، واستغاث بالإمام المهدي (عليه السلام) ثم مضى إلى دجلة فاغتسل ثم لبس ثوبه، فرأى أربعة فرسان خارجين من باب سور البلد وواحد شيخ بيده رمح وشاب آخر عليه فرجية ملونة، فصاحب الرمح يمين الطريق والشابان يسار الطريق والشاب صاحب الفرجية على الطريق، فقال له صاحب الفرجية: أنت تروح غداً إلى أهلك، فقال له: نعم، فقال صاحب الفرجية له: تقدم اليّ حتى أبصر ما يوجعك، فقدم إليه ومد يده إليه فعصر التوثة بيده فأوجعه ثم استوى على سرجه، فقال الشيخ صاحب الرمح: أفلحت يا إسماعيل، هذا الإمام، ثم ذهبوا وهو يمشي معهم، فقال الإمام: ارجع فقال: لا اُفارقك أبداً، فقال الإمام: المصلحة في رجوعك، فقال: لا اُفارقك أبداً، فقال الشيخ: يا اسماعيل ما تستحي! يقول لك الإمام ارجع مرتين فتخالفه! فوقف وتقدم الإمام خطوات، ثم التفت إليه وقال: يا إسماعيل إذا وصلت إلى بغداد فلابد أن يطلبك أبو جعفر، يعني الخليفة المستنصر بالله، فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئاً فلا تأخذه، وقل لولدنا الرضا ليكتب لك إلى علي بن عوض فإنني اُوصيه يعطيك الذي تريد، ثم سار مع أصحابه فلم يزل قائماً يبصرهم حتى غابوا، ثم قعد على الأرض ساعة متأسفاً محزوناً وباكياً عن مفارقتهم، ثم جاء إلى سامراء فاجتمع القوم حوله، وقالوا: نرى وجهك متغيراً فما أصابك ؟ فقال: هل عرفتم الفرسان الذين خرجوا من البلد وساروا ساحل الشط، قالوا: هم الشرفاء أرباب الغنم، فقال لهم: بل هم الإمام وأصحابه، الشاب وصاحب الفرجية هو الإمام مس بيده المباركة مرضي، فقالوا: أرنيه، فكشف فخذه فلم يروا له أثراً فمزقوا ثيابه وأدخلوه في خزانة ومنعوا الناس عنه لكيلا يزدحموا عليه، ثم إن الناظر من طرف الخليفة جاء الخزانة وسأله عن هذا الخبر وعن اسمه ونسبه ووطنه وعن خروجه من بغداد أول هذا الاُسبوع ثم ذهب عنه. فبات إسماعيل في الخزانة وصلى الصبح وخرج مع الناس إلى أن بعُد من سامراء فرجع القوم ووادعوا، فسار منفرداً حتى وصل الى موضع، فرأى الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون عمن ورد عليهم عن اسمه ونسبه وموضع مجيئه، فلما لاقوه عرفوه بالعلامات المذكورة فمزقوا ثيابه وأخذوها تبركاً وكان الناظر كتب إلى بغداد وعرفهم الحال، وكان الوزير طلب السعيد رضي الدين ليعرفه صحة الخبر فخرج رضي الدين الذي هو كان من أصدقاء إسماعيل وكان ضيفه قبل خروجه إلى سامراء، فلما رآه رضي الدين وجماعة معه فنزلوا عن دابتهم وأراهم فخذه فلم يروا شيئاً فغشي على رضي الدين ساعة، ثم أخذه بيده وأدخله على الوزير وهو يبكي ويقول: هذا أخي وأقرب الناس إلى قلبي، فسأله الوزير عن القصة فحكاها له فأحضر الأطباء الذين رأوا مرضه، وسألهم متى رأيتموه قالوا منذ عشرة أيام فكشف الوزير فخذ إسماعيل فليس فيها أثر، قالوا: هذا عمل المسيح (عليه السلام) فقال الوزير: نحن نعرف من عملها ثم أحضره الوزير عند الخليفة فسأله عن القصة، فحكى له ما جرى فأعطى له الف دينار، فقال: ما أجسر أن آخذ منه ذرّة فقال الخليفة ممن تخاف؟ فقال: من الذي فعل بي هذا، قال لي: لا تأخذ من أبي جعفر شيئاً. فبكى الخليفة، ثم قال علي بن عيسى: كنت احكي هذه القصة لجماعة عندي وكان شمس الدين ولده حاضراً عندي لا أعرفه، قال: أنا ابنه من صلبه فقلت: هل رأيت فخذ أبيك وهي مجروحة؟ قال: إني كنت صبياً في وقت جراحة فخذه، ولكن سمعت القصة من أبي واُمي وأقربائي وجيراني ورأيت فخذه بعدما صلحت ولا أثر فيها ونبت في موضعها شعر. وقال أيضاً: سألت السيد صفي الدين محمد بن محمد ونجم الدين حيدر ابن الأيسر، أخبراني بصحة هذه القصة وإنهما رأيا إسماعيل في مرضه وصحته، وحكى لي ولده أن أباه ذهب إلى سامراء بعد صحته أربعين مرة، طمعاً أن يعود له الوقت الذي رآه.

الثانية: حكى لي السيد باقي بن عطوة العلوي الحسني أن أباه عطوة لا يعترف بوجود الإمام محمد المهدي (عليه السلام) ويقول: إذا جاء الإمام فيبرئني من هذا المرض اصدق قولهم ؟ ويكرر هذا القول فبينما نحن مجتمعون وقت العشاء الأخيرة، صاح أبونا فأتيناه سراعاً فقال: إلحقوا الإمام في هذه الساعة خرج من عندي، فخرجنا فلم نر أحداً، فجئنا إليه وقال: انه دخل اليّ شخص وقال: يا عطوة فقلت: لبيك، قال: أنا المهدي قد جئت إليك أن اشفي مرضك، ثم مد يده المباركة وعصر وركي وراح فصار مثل الغزال، قال علي بن عيسى: سألت هذه القصة من غير ابنه فأقرّ بها"[30].

ومن هنا فقد آمن بعض الأعلام من أهل السنّة بحياته وبقائه أو هو لازم كلامهم. وقد ذكر السيد صدر الدين الصدر بعضهم فقال:

"منهم: الشيخ محيي الدين ابن العربي في الفتوحات على رواية الشيخ عبدالوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر) الذي تقدم عيناً نقله عن كتاب (اسعاف الراغبين) ، فإن كون المهدي بن الحسن العسكري بلا فصل كما هو صريح كلامه مع وفاة الإمام الحسن العسكري في سنة مائتين وستين لازمه حياة المهدي وبقاؤه حتى يظهر أو أنه يموت ثم يحييه الله تعالى بقدرته. ولا أظن أن الشيخ محيي الدين يرضى بأن ينسب إليه الاحتمال الأخير.

ومنهم: الشيخ عبدالوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر) على ما في اسعاف الراغبين حيث قال: المهدي بن الإمام الحسن العسكري ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم، هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي عن الإمام المهدي حين اجتمع به ووافقه على ذلك سيدي علي الخواص "[31].

ومنهم: الشيخ أبو عبدالله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي في كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان) على ما نقله اسعاف الراغبين، قال: ومن الأدلة على أن المهدي حي باق بعد غيبته إلى الآن، وأنه لا امتناع في بقائه: بقاء عيسى بن مريم، والخضر، وإلياس من أولياء الله تعالى، وبقاء الأعور الدجال وابليس اللعين من أعداء الله تعالى، وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنّة[32].

ومنهم: الشيخ العارف الفاضل الخواجه محمد بارسا في كتابه (فصل الخطاب) على ما في ينابيع المودّة بعد أن ذكر ولادة المهدي المنتظر، وأن الله تعالى آتاه الحكمة وفصل الخطاب في سن الطفولة، كما منّ على يحيى وعيسى بذلك، قال: وطوّل الله تبارك وتعالى عمره كما طوّل عمر الخضر (عليه السلام) [33].

ومنهم: الشيخ صدر الدين القونوي في بعض وصاياه لتلامذته عند موته على ما في ينابيع المودة، حيث قال: إن الكتب التي كانت لي من كتب الطب وكتب الحكماء وكتب الفلاسفة فبيعوها وتصدقوا بثمنها للفقراء، وأما كتب التفسير والأحاديث والتصوف فاحفظوها في دار الكتب، واقرأوا كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) سبعين ألف مرة في الليلة، وبلّغوا مني سلاماً إلى المهدي (عليه السلام)[34].

أقول: يمكن أن يقال أن قوله ذلك لا يدل على وجود المهدي وحياته، إذ ربما قال ذلك، برجاء أن يدركوا ظهوره، ولكن الأول أظهر.

ومنهم: الشيخ سعد الدين الحموي على ما في ينابيع المودّة، نقلاً عن كتاب الشيخ عزيز بن محمد النسفي، عند كلامه في ترتيب الأولياء، وأن الله تعالى اختار في هذه الاُمة اثني عشر ولياً من أهل البيت فجعلهم خلفاء نبيّه المعظم (صلى الله عليه وآله) ، إلى أن قال: وأما آخر الأولياء، الذي هو آخر خلفاء النبي والولي والنائب الثاني عشر وخاتم الأولياء، فهو المهدي صاحب الزمان[35].

ومنهم: الشيخ شهاب الدين الهندي المعروف بملك العلماء في كتابه (هداية السعداء على ما في الدرر الموسوية) ، قال عند ذكره الأئمة الاثني عشر: التاسع يعني من ولد الحسين الإمام حجة الله القائم المهدي، وهو غائب، وله عمر طويل كما في المؤمنين عيسى وإلياس والخضر وفي الكافرين الدجال والسامري.

ومنهم الشيخ الكامل الشيخ محمد المعروف بخواجه بارسا في حاشية له على كتاب (فصل الخطاب) مضافاً إلى ما تقدم عنه على ما في (الدرر الموسوية) ، حيث قال: وبه (يعني بالمهدي) ختمت الخلافة والإمامة، وهو إمام منذ وفاة أبيه إلى يوم القيامة، وعيسى يصلي خلفه ويصدقه ويدعو الناس إلى ملته وهي ملة النبي (صلى الله عليه وآله).

... ومنهم: غير واحد من الفضلاء والعرفاء فإن الذي يظهر من أشعارهم العربية والفارسية المذكورة في ينابيع المودّة وغيره من بعض كتب المناقب، أنهم يرون حياة المهدي المنتظر، وأنه حي يرزق لوصفهم له بالولاية والإمامة والخلافة والنيابة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأنه الواسطة في الفيوضات الإلهية"[36].

ج ـ ونعتمد في تقرير البيان الثالث على ما كتبه السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رضي الله عنه) حيث كتب يقول:

"إن الغيبة تجربة عاشتها اُمّة من الناس فترة امتدت سبعين سنة تقريباً، وهي فترة الغيبة الصغرى، ولتوضيح ذلك نمهد بإعطاء فكرة موجزة عن الغيبة الصغرى[37].

إن الغيبة الصغرى تُعبّر عن المرحلة الاُولى من إمامة القائد المنتظر عليه الصلاة والسلام، فقد قُدّر لهذا الإمام منذ تسلّمه للإمامة أن يستتر عن المسرح العام ويظلُّ بعيداً باسمه عن الأحداث، وإن كان قريباً منهابقلبه وعقله، وقد لُوحِظَ أن هذه الغيبة، إذا جاءت مفاجئة حققت صدمة كبيرة للقواعد الشعبية للإمامة في الاُمة الإسلامية; لأن هذه القواعد كانت معتادة على الاتصال بالإمام في كلّ عصر، والتفاعل معه والرجوع إليه في حلّ المشاكل المتنوعة، فإذا غاب الإمام عن شيعته فجأة وشعروا بالانقطاع عن قيادتهم الروحية والفكرية، سببت هذه الغيبة[38] المفاجئة الاحساس بفراغ دفعي هائل قد يعصف بالكيان كلّه ويشتت شمله، فكان لابدّ من تمهيد لهذه الغيبة; لكي تألفها هذه القواعد بالتدريج، وتكيّف نفسها شيئاً فشيئاً على أساسها، وكان هذا التمهيد هو الغيبة الصغرى التي اختفى فيها الإمام المهدي عن المسرح العام، غير أنه كان دائم الصلة بقواعده وشيعته عن طريق وكلائه ونوابه والثقات من أصحابه الذين يشكلون همزة الوصل بينه وبين الناس المؤمنين بخطه الإمامي[39]. وقد شَغَلَ مركز النيابة عن الإمام في هذه الفترة أربعة ممن أجمعت تلك القواعد على تقواهم وورعهم ونزاهتهم التي عاشوا ضمنها وهم كما يلي:

1 ـ عثمان بن سعيد العمري.

2 ـ محمد بن عثمان بن سعيد العمري.

3 ـ أبو القاسم الحسين بن روح.

4 ـ أبو الحسن علي بن محمد السمري.

وقد مارس هؤلاء الأربعة[40] مهام النيابة بالترتيب المذكور، وكلما مات أحدهم خلفه الآخر الذي يليه بتعيين من الإمام المهدي (عليه السلام).

وكان النائب يتصل بالشيعة ويحمل أسئلتهم إلى الإمام، ويعرض مشاكلهم عليه، ويحمل إليهم أجوبته شفهية أحياناً وتحريرية[41] في كثير من الأحيان، وقد وجدت الجماهير التي فقدت رؤية إمامها العزاء والسلوة في هذه المراسلات والاتصالات غير المباشرة. ولاحظت أن كلّ التوقيعات والرسائل كانت ترد على الإمام المهدي (عليه السلام) بخط واحد وسليقة واحدة[42] طيلة نيابة النواب الأربعة التي استمرت حوالي سبعين عاماً، وكان السمري هو آخر النواب، فقد أعلن عن انتهاء مرحلة الغيبة الصغرى التي تتميز بنواب معينين، وابتداء الغيبة الكبرى التي لا يوجد فيها أشخاص معينون بالذات للوساطة بين الإمام القائد والشيعة، وقد عبّر التحول من الغيبة الصغرى إلى الغيبة الكبرى عن تحقيق الغيبة الصغرى لأهدافها وانتهاء مهمتها; لأنها حصّنت الشيعة بهذه العملية التدريجية عن الصدمة والشعور بالفراغ الهائل بسبب غيبة الإمام، واستطاعت أن تكيّف وضع الشيعة على أساس الغيبة، وتعدّهم بالتدريج لتقبل فكرة النيابة العامة عن الإمام، وبهذا تحولت النيابة من أفراد منصوصين[43] إلى خط عام[44]، وهو خط المجتهد العادل البصير باُمور الدنيا والدين، تبعاً لتحول الغيبة الصغرى إلى غيبة كبرى.

والآن بإمكانك أن تقدّر المواقف في ضوء ما تقدم، لكي تدرك بوضوح أن المهدي حقيقة عاشتها اُمة من الناس، وعبّر عنها السفراء والنواب طيلة سبعين عاماً من خلال تعاملهم مع الآخرين، ولم يلحظ عليهم أحدٌ، كل هذه المدة تلاعب في الكلام، أو تحايلاً في التصرف أو تهافتاً في النقل. فهل تتصور ـ بربّك ـ أن بإمكان اُكذوبة أن تعيش سبعين عاماً، ويمارسها أربعة على سبيل الترتيب كلهم يتفقون عليها، ويظلون يتعاملون على أساسها وكأنها قضية يعيشونها بأنفسهم ويرونها بأعينهم، دون أن يبدر منهم أي شيء يثير الشك، ودون أن يكون بين الأربعة علاقة خاصة متميزة تتيح لهم نحواً من التواطؤ، ويكسبون من خلال ما يتصف به سلوكهم من واقعية ثقة الجميع، وإيمانهم بواقعية القضية التي يدّعون أنهم يحسونها ويعيشون معها؟!

لقد قيل قديماً: إنّ حبل الكذب قصير، ومنطق الحياة يثبت أيضاً أن من المستحيل عملياً بحساب الاحتمالات أن تعيش اُكذوبة بهذا الشكل، وكل هذه المدة، وضمن كلّ تلك العلاقات والأخذ والعطاء، ثم تكسب ثقة جميع من حولها.

وهكذا نعرف أن ظاهرة الغيبة الصغرى يمكن أن تعتبر بمثابة تجربة علمية لإثبات مالها من واقع موضوعي، والتسليم بالإمام القائد، بولادته وحياته وغيبته[45]، وإعلانه العام عن الغيبة الكبرى التي استتر بموجبها عن المسرح ولم يكشف نفسه لأحد[46]"[47].

--------------------------------

[1] الكلام في وقته دقيق علمياً، فهو يقول: إنه ممكن علمياً، ولكنه لم يكن قد تحقق فعلاً، والواقع أن كثيراً من الإنجازات في عالم الفضاء، وتسيير المركبات الفضائية إلى كواكب وتوابع الأرض وغيرها قد أصبحت حقائق في أواخر القرن العشرين.

[2] نعم، لا يوجد مبرر علمي واحد يرفض هذه النظرية، بل إن علماء الطب منشغلون فعلاً بمحاولات حثيثة لإطالة عمر الإنسان، وأن هناك عشرات التجارب التي تتم في هذا المجال، وذلك وحده ينهض دليلاً قوياً على الإمكان النظري أو العلمي.

[3] يؤكد الأطباء والدراسات الطبية على هذه الملاحظة، وأن لديهم مشاهدات كثيرة في هذا المجال، ولعل هذا هو الذي دفعهم إلى إجراء محاولات وتجارب لإطالة العمر الطبيعي للإنسان، وكالمعتاد كان مسرح التجربة في البداية هي الحيوانات لميسورية ذلك، وعدم وجود محاذير اُخرى تمنع إجراء مثل تلك التجارب على الإنسان.

[4] هذه التساؤلات التي يثيرها السيد الشهيد (رضي الله عنه) تهدف إلى ترسيخ حقيقة مهمة، هي أن الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) عندما بشر (بالمهدي) ، وهو حالة غير اعتيادية في سياق البشرية، تنبئ في جملتها عن تسجيل سبق في الامكانية العملية، بعد تأكيد الامكانية العلمية، أي لبقاء الإنسان مدة أطول بكثير من المعتاد، فإن مثل هذا السبق في التنبيه على حقائق في هذا الوجود كان قد سجله القرآن والحديث الشريف في موارد كثيرة جداً في مسائل الطبيعة والكون والحياة. راجع : القرآن والعلم الحديث، الدكتور عبد الرزاق نوفل.

[5] إشارة إلى أن هذا من قبيل الاعجاز أيضاً، وهو افاضة ربانية خاصة، وهذا أمر لا يسع المسلم انكاره، بعد أن أخبرت بامثاله الكتب السماوية، وبالأخص القرآن، كالذي ورد في شأن عمر النبي نوح (عليه السلام) ، وكذا ما أخبر به القرآن من المغيبات الاُخرى، على أن كثيراً من أهل السنة ومن المتصوفة وأهل العرفان يؤمنون بوقوع الكرامات ومايشبه المعجزات للأولياء والصلحاء والمقربين من حضرة المولى تعالى. راجع : التصوف والكرامات، الشيخ محمد جواد مغنية. وراجع التاج الجامع للاُصول: 5 / 228، كتاب الزهد والرقائق.

[6] إشارة إلى الآية المباركة: (سبحان الذي اسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى...) الاسراء: 1.

[7] إشارة إلى تصميم المركبات الفضائية، وركوب الفضاء والتوغل إلى مسافات بعيدة عن أرضنا، وقطعها في ساعات أو أيام معدودة، وقد أضحت هذه حقائق في حياتنا المعاصرة في أواخر القرن العشرين.

[8] إشارة إلى ما اُعد للإمام المهدي المنتظر من دور ومهمة تغييرية على مستوى الوجود الإنساني برمته كما يشير الحديث ؤالصحيح: "يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً". وهذا الدور وهذه المهمة عليها الاجماع بين علماء الإسلام، والاختلاف حصل في اُمور فرعية. ومن هنا كان التساؤل الذي أثاره السيد الشهيد (رضي الله عنه) له مبرر منطقي قوي.

[9] في الآية المباركة: (فلبث فيهم الف سنة إلاّ خمسين عاماً) العنكبوت: 14.

[10] السؤال موجه إلى المسلمين المؤمنين بالقرآن الكريم وبالحديث النبوي الشريف، وقد روى علماء السنة لغير نوح ما هو أكثر من ذلك. راجع تهذيب الاسماء واللغات، النووي: 1 /176، ولا يصح أن يشكل أحد بأن ذاك أخبر به القرآن فالنص قطعي الثبوت، وهو يتعلق بالنبي المرسل نوح (عليه السلام) ، أما هنا فليس لدينا نص قطعي، ولا الأمر متعلق بنبي.

والجواب: إن المهمة أولاً واحدة، وهي تغيير الظلم والفساد، وأن الوظيفة كما أوكلت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ، فقد أوكلت هنا إلى من اختاره الله تعالى أيضاً كما هو لسان الروايات الصحيحة. قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) : "لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً... " التاج الجامع للاصول: 5/ 343.

وأما من جهة قطعية النص، فأحاديث المهدي بلغت حد التواتر، وهو موجب للقطع والعلم، فلا فرق في المقامين. راجع: التاج الجامع للاُصول: 5/ 341 و 360 فقد نقل التواتر عن الشوكاني، وانتهى المحققون من علماء الفريقين إلى القول بأن من كفر بالمهدي فقد كفر بالرسول محمد (صلى الله عليه وآله) وليس ذلك إلاّ بلحاظ أنه ثبت بالتواتر، وأنه من ضرورات الدين، والمنكر لذلك كافر اجماعاً. وراجع: الإشاعة لاشراط الساعة، البرزنجي في بحثه حول المهدي. وقد نقلنا حكاية التواتر في المقدمة أيضاً.

[11] أي أن الأمر يصبح من قبيل المعجز، وهو ما نطق به القرآن، وجاء في صحيح السنة المطهرة، والإعجاز حقيقة رافقت دعوة الأنبياء، وادعاء سفارتهم عن الحضرة الإلهية، وهو ما لا يسع المسلم إنكاره أو الشك فيه، بل إن غير المسلم يشارك المسلم في الاعتقاد بالمعجزات.

[12] الأنبياء: 69.

[13] إشارة إلى قوله تعالى: (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) الشعراء: 63.

[14] إشارة إلى قوله تعالى: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم...) النساء: 157.

[15] راجع : سيرة ابن هشام: 2 / 483، فقد نقل هذه الحادثة وهي مجمع عليها.

[16] قد يقال: إن القانون بصفته قانوناً لا بد أن يطرد، ولا يتصور التعطيل والانخرام، وقد لاحظ بعضهم أن الانخرام إنما هو بقانون آخر، كما هو الأمر بالنسبة إلى قانون الجاذبية، الذي يستلزم جذب الاشياء إلى المركز، ومع ذلك فإن الماء يصعد بعملية الامتصاص في النباتات من الجذر إلى الاعلى بواسطة الشعيرات، وهذا بحسب قانون آخر هو (الخاصية الشعرية). راجع: القرآن محاولة لفهم عصري / الدكتور مصطفى محمود.

[17] وقد بسط الشهيد الصدر القول في هذه المسألة في كتابه فلسفتنا فراجع: 295 و 299.

[18] راجع فلسفتنا: 282 وما بعدها.

[19] راجع بسط وشرح النظرية في "الاسس المنطقية للاستقراء" حيث توصل الإمام الشهيد الصدر (رضي الله عنه) إلى اكتشاف مهم وخطير على صعيد نظرية المعرفة بشكل عام.

[20] بحث مستفاد من كتاب بحث حول المهدي للسيد الشهيد الصدر (قدس سره) : 65 ـ 80 بتحقيق وتعليق الدكتور عبدالجبار شرارة.

[21] ينابيع المودّة: 3/296، الباب الثامن والسبعون.

[22] المصدر السابق: 3/297، الباب الثامن والسبعون.

[23] ينابيع المودّة: 3/310، الباب الثمانون.

[24] المصدر السابق: 3/386، الباب الرابع والتسعون.

[25] ينابيع المودّة: 3/397.

[26] شبهات وردود، الحلقة الرابعة: 32.

[27] من هو المهدي: 460.

[28] المهدي: 149 صدر الدين الصدر.

[29] التوثة: بثرة متقرحة.

[30] ينابيع المودّة: 3/315 ـ 317.

[31] اسعاف الراغبين: 157.

[32] اسعاف الراغبين: 227.

[33] ينابيع المودّة: 3/304، الباب التاسع والسبعون.

[34] المصدر السابق: 3/340، الباب الرابع والثمانون.

[35] ينابيع المودّة: 3/352، الباب السابع والثمانون.

[36] المهدي: 146 ـ 148.

[37] راجع: الغيبة الصغرى، السيد محمد الصدر، فقد توسّع في بحثها.

[38] إشارة الى الغيبة الكبرى.

[39] راجع: تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي، السيد هاشم البحراني، دفاع عن الكافي، السيد ثامر العميدي: 1/ 568 وما بعدها.

تاريخ وفاة السفير الأوّل حدوداً 280 هـ، والثاني305 هـ، والثالث326 هـ، والرابع 328 هـ.

[40] راجع ترجمة هؤلاء الأربعة في كتاب الغيبة الصغرى للسيد محمد الصدر، الفصل الثالث: 395 وما بعدها، نشر دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت 1980.

[41] وهذه تعرف بالتوقيعات، وهي الأجوبة التحريرية والشفوية التي نقلت عن الإمام المهدي (عليه السلام). راجع: الاحتجاج، الطبرسي: 2/ 523 وما بعدها.

[42] مما استقر في الأوساط الأدبية وعند نقاد الأدب قديماً وحديثاً أن الاُسلوب هو الرجل، وهذه المقولة صحيحة. ومن هنا رأينا وسمعنا أن كثيراً من الاُدباء وقارئي الأدب يميزون بمجرد قراءة النص شعرياً كان أم نثرياً أنه لفلان أو لفلان، وما ذلك إلاّ لأن الاُسلوب هو الرجل، وأن لكلّ كاتب سمةً وطابعاً خاصاً في كتابته يمكن تمييزه عن غيره، هذا فضلاً على تميّز خطّه الشريف من غيره من الخطوط.

[43] إشارة إلى النواب الأربعة المذكورين.

[44] وهو ما اصطلح عليه (بالمرجعية الدينية) ، ويلاحظ هنا الصفات التي يرى الإمام الشهيد لزوم توفرها في المرجعية.

[45] إن اتصال الإمام القائد المهدي بقواعده الشيعية عن طريق نوابه ووكلائه، أو بأساليب اُخرى متنوعة واقع تاريخي موضوعي ليس من سبيل إلى إنكاره، كما في السفارة، فضلاً عن الدلائل الاُخرى الكثيرة المستندة إلى إخبار من يجب تصديقه، ثم هو مقتضى الأحاديث المتواترة، كحديث: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية" وغير ذلك. إنّ كل ذلك جموعاً ـ وهو محل اتفاق أكثر طوائف الملة الإسلامية ـ يدحض وبشكل قاطع ما يثيره المتشككون حول وجود الإمام واستمرار حياته المباركة الشريفة، راجع: الغيبة الصغرى، السيّد محمد الصدر: 566.

[46] ورد التوقيع الشريف عن الإمام القائد المهدي (عليه السلام) بعدم إمكان رؤيته بشكل صريح بعد وقوع الغيبة الكبرى، وهذا محل اتفاق علماء الإمامية. وراجع مناقشة المسألة في: الغيبة الصغرى / السيد محمد الصدر: 639 وما بعدها.

[47] بحث حول المهدي : 108 ـ 111 بتحقيق وتعليق الدكتور عبدالجبار شرارة

**************

 المهدويّة عند أهل البيت (عليهم السلام)

الفصل الثالث

القيمة العقائدية لمفهوم المهدوية في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

2007-09-06

العقائد سواءاً كانت أرضية تعود في نشأتها إلى الإنسان، أو سماوية تعود في منشأها إلى الله سبحانه وتعالى، لابد وأن يكون لها مدلول إنساني، فإن كانت أرضية فهي ناشئة من ظروف الإنسان ومعبّرة عن تطلعاته ورغبته في التوصل إلى حياة أفضل، وإن كانت سماوية فهي تجسد رحمة الله سبحانه وتعالى بالإنسان وحبّه له وحرصه على إيصاله إلى ساحل السعادة، وهذا مما يقطع به المؤمن في أصل العقيدة الإسلامية سواء اتّضح له هذا المدلول الإنساني بنحو تفصيلي، أو بقيت تفاصيله مجملة مكنونة في طي الغيب.

والإنسان يتعامل مع العقائد تارة عقلياً من زاوية الدليل والبرهان، واُخرى حسياً من زاوية ما تحققه هذه العقائد من أغراض وما تقدمه من عطاء وحلول لمشاكل الإنسان في حياته اليومية. ومهما تكن هذه العقائد واضحة وأكيدة من زاوية الدليل والبرهان، فإن غموضها من الزواية الإنسانية يجعلها مورد شك وترديد أو ـ على الأقل ـ نقطة غير فاعلة وغير مشعّة في النفس.

والعقيدة الإسلامية كعقيدة سماوية ليس بوسعنا أن نتوقع منها أن تفصح عن أغراضها الإنسانية بنحو تفصيلي، لأن البيان التفصيلي يؤدي إلى تركيز الناحية الحسّية في الشخصية الإنسانية، ويتنافى مع الشأن الأساسي للعقيدة المتمثل باجلاء الناحية العقلية، وتركيز الناحية الروحية في الشخصية الإنسانية، ولذا فمن الطبيعي أن تكتفي هذه العقيدة ببيان الحد الأدنى وبنحو كلّي لأغراضها الإنسانية، مثل قوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)[1].

لكنها في الوقت نفسه تحث الإنسان المؤمن باتجاه التعقل والتدبّر المفضي في النتيجة إلى تصيّد الحِكَم المحتملة والأغراض الإنسانية التفصيلية المتوقعة في مختلف الجهات العقائدية والتشريعية من الإسلام.

ونحن قد درسنا المسألة المهدوية من زاوية الدليل والبرهان، واتضح أن مفهوم مدرسة أهل البيت عن المهدوية، بالقياس إلى مفهوم مدرسة المذاهب الأربعة عنها من ناحية الدليل والبرهان، يمثل هذه المسألة في مستواها الأكمل والأتم.

وكمالها في المجال العقائدي والبرهاني يقتضي ويؤدي بنا إلى الاعتقاد بكمالها في ما تقدمه من معطيات انسانية، والمفارقة التي تؤدي بالكثيرين إلى التشكيك وإثارة الشبهات حول مفهوم المهدوية عند أهل البيت، تعود إلى أن هؤلاء لا ينظرون إلى زاوية الدليل والبرهان، بقدر ما يركّزون على الناحية الإنسانية التي تجعلهم يتساءلون:

ما هي الثمرة المترتبة على الاعتقاد بمفهوم عن المهدوية يتصف بمعاني غيبية غير مألوفة كالغيبة، والعمر الطويل، والإمامة المبكرة؟ وحينما لا يتوصلون إلى جواب كاف وتبقى الناحية الإنسانية لهذا المفهوم محاطة بالغموض والإبهام يدفعهم الجهل بها، والعجز عن تصورها إلى إنكار هذا المفهوم واتهامه بالغلو والخيال، والاستعاضة عنه بمفهوم آخر للمهدوية يخلو من هذه الأبعاد، ولا يتطلب كلفة غيبية كبيرة، دون أن يعلموا أ نّهم بعملهم هذا قد انتقلوا من الكمال إلى النقص، وأن اعتراضهم على هذه الأبعاد الغيبية إنّما هو اعتراض على الجوهر الغني لمفهوم المهدوية في الإسلام، فضلاً عن مخالفته للناحية المنطقية التي تقتضي في باب الاعتقاد متابعة الدليل والبرهان أينما اتجها، لا تحريفهما باتجاه ما تقتضيه الأهواء والأغراض والاعتقادات الشخصية.

ولو أنهم تدبروا في مفهوم أهل البيت (عليهم السلام) عن المهدوية، لوجدوه في ناحيته الإنسانية أكمل من مفهوم مدرسة الخلفاء عنها، وقد تكفل السيد الشهيد محمد باقر الصدر ببيان هذه الناحية بياناً رائعاً حيث كتب يقول[2] :

"ونتناول الآن السؤال الثاني، وهو يقول: لماذا كل هذا الحرص من الله سبحانه وتعالى على هذا الإنسان بالذات، فتعطل من أجله القوانين الطبيعية لإطالة عمره ؟ ولماذا لا تترك قيادة اليوم الموعود لشخص يتمخض عنه المستقبل، وتنضجه إرهاصات اليوم الموعود فيبرز على الساحة ويمارس دوره المنتظر.

وبكلمة اُخرى: ما هي فائدة هذه الغيبة الطويلة وما المبرر لها ؟

وكثير من الناس يسألون هذا السؤال وهم لا يريدون أن يسمعوا جواباً غيبياً، فنحن نؤمن بأن الأئمة الاثني عشر مجموعة فريدة[3] لا يمكن التعويض عن أيّ واحد منهم، غير أن هؤلاء المتسائلين يطالبون بتفسير اجتماعي للموقف، على ضوء الحقائق المحسوسة لعملية التغيير الكبرى نفسها، والمتطلبات المفهومة لليوم الموعود.

وعلى هذا الاساس نقطع النظر مؤقتا عن الخصائص التي نؤمن بتوفرها في هؤلاء الائمة المعصومين[4]، ونطرح السؤال التالي :

إننا بالنسبة إلى عملية التغيير المرتقبة في اليوم الموعود، بقدر ما تكون مفهومة على ضوء سنن الحياة وتجاربها، هل يمكن أن نعتبر هذا العمر الطويل لقائدها المدّخر عاملاً من عوامل إنجاحها، ويمكنه من ممارستها وقيادتها بدرجة أكبر؟

ونجيب عن ذلك بالإيجاب، وذلك لعدة أسباب منها ما يلي : إن عملية التغيير الكبرى تتطلب وضعاً نفسياً فريداً في القائد الممارس لها، مشحوناً بالشعور.. بالتفوق والاحساس بضآلة الكيانات الشامخة التي اُعد للقضاء عليها، وتحويلها حضارياً إلى عالم جديد.

فبقدر ما يغمر قلب القائد المغير من شعور بتفاهة الحضارة التي يصارعها، واحساس واضح بأنها مجرد نقطة على الخط الطويل لحضارة الإنسان، يصبح أكثر قدرة من الناحية النفسية[5] على مواجهتها والصمود في وجهها ومواصلة العمل ضدها حتى النصر.

ومن الواضح أن الحجم المطلوب من هذا الشعور النفسي يتناسب مع حجم التغيير نفسه، وما يراد القضاء عليه من حضارة وكيان، فكلما كانت المواجهة لكيان أكبر ولحضارة أرسخ وأشمخ تطلبت زخماً أكبر من هذا الشعور النفسي المفعم.

ولما كانت رسالة اليوم الموعود تغيير عالم مليء بالظلم وبالجور، تغييراً شاملاً بكل قِيَمه الحضارية وكياناته المتنوعة، فمن الطبيعي أن تفتش هذه الرسالة عن شخص أكبر في شعوره النفسي من ذلك العالم كله، عن شخص ليس من مواليد ذلك العالم الذين نشأوا في ظل تلك الحضارة التي يراد تقويضها واستبدال حضارة العدل والحق بها ; لأن من ينشأ في ظل حضارة راسخة، تغمر الدنيا بسلطانها وقيمها وأفكارها، يعيش في نفسه الشعور بالهيبة تجاهها; لأنه ولد وهي قائمة، ونشأ صغيراً وهي جبارة، وفتح عينيه على الدنيا فلم يجد سوى أوجهها المختلفة.

وخلافاً لذلك، شخص يتوغل في التاريخ عاش الدنيا قبل أن ترى تلك الحضارة النور، ورأى الحضارات الكبيرة سادت العالم الواحدة تلو الاُخرى ثم تداعت وانهارت[6]، رأى ذلك بعينيه ولم يقرأه في كتاب تاريخ..

ثم رأى الحضارة التي يقدر لها أن تكون الفصل الأخير من قصة الإنسان قبل اليوم الموعود، رآها وهي بذور صغيرة لا تكاد تتبين.

ثم شاهدها وقد اتخذت مواقعها في احشاء المجتمع البشري تتربص الفرصة لكي تنمو وتظهر..

ثم عاصرها وقد بدأت تنمو وتزحف وتصاب بالنكسة تارة ويحالفها التوفيق تارة اُخرى..

ثم واكبها وهي تزدهر وتتعملق وتسيطر بالتدريج على مقدرات عالم بكامله، فإن شخصاً من هذا القبيل عاش كل هذه المراحل بفطنة وانتباه كاملين ينظر إلى هذا العملاق ـ الذي يريد أن يصارعه ـ من زاوية ذلك الامتداد التاريخي الطويل الذي عاشه بحسه لا في بطون كتب التاريخ فحسب، ينظر إليه لا بوصفه قدراً محتوماً، ولا كما كان ينظر (جان جاك روسو)[7] إلى الملكية في فرنسا، فقد جاء عنه أنه كان يرعبه مجرد أن يتصور فرنسا بدون ملك، على الرغم من كونه من الدعاة الكبار فكرياً وفلسفياً إلى تطوير الوضع السياسي القائم وقتئذ; لأن (روسو) هذا نشأ في ظل الملكية، وتنفس هواءها طيلة حياته، وأما هذا الشخص المتوغل في التاريخ، فله هيبة التاريخ، وقوة التاريخ، والشعور المفعم بأن ما حوله من كيان وحضارة وليد يوم من أيام التاريخ، تهيأت له الأسباب فوجد، وستتهيأ الأسباب فيزول، فلا يبقى منه شيء كما لم يكن يوجد منه شيء بالأمس القريب أو البعيد، وأن الأعمار التاريخية للحضارات والكيانات مهما طالت فهي ليست إلاّ أيّاماً قصيرة في عمر التاريخ الطويل.

هل قرأت سورة الكهف ؟

وهل قرأت عن اُولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدى[8]؟ وواجهوا كياناً وثنياً حاكماً، لا يرحم ولا يتردد في خنق أي بذرة من بذور التوحيد والارتفاع عن وحدة الشرك، فضاقت نفوسهم ودبّ إليها اليأس وسدت منافذ الأمل أمام أعينهم، ولجأوا إلى الكهف يطلبون من الله حلاً لمشكلتهم بعد أن أعيتهم الحلول، وكبر في نفوسهم أن يظل الباطل يحكم ويظلم ويقهر الحق ويصفى كل من يخفق قبله للحق.

هل تعلم ماذا صنع الله تعالى بهم ؟

إنه أنامهم ثلاثمائة سنة وتسع سنين [9]في ذلك الكهف، ثم بعثهم من نومهم ودفع بهم إلى مسرح الحياة، بعد أن كان ذلك الكيان الذي بهرهم بقوته وظلمه قد تداعى وسقط، وأصبح تاريخاً لا يرعب أحداً ولا يحرك ساكناً، كل ذلك لكي يشهد هؤلاء الفتية مصرع ذلك الباطل الذي كبر عليهم امتداده وقوته واستمراره، ويروا إنتهاء أمره بأعينهم ويتصاغر الباطل في نفوسهم.

ولئن تحققت لأصحاب الكهف هذه الرؤية الواضحة بكل ما تحمل من زخم وشموخ نفسيين من خلال ذلك الحدث الفريد الذي مدد حياتهم ثلاثمائة سنة، فإن الشيء نفسه يتحقق للقائد المنتظر من خلال عمره المديد الذي يتيح له أن يشهد العملاق وهو قزم والشجرة الباسقة وهي بذرة، والاعصار وهو مجرد نسمة[10]، أضف إلى ذلك، أن التجربة التي تتيحها مواكبة تلك الحضارات المتعاقبة، والمواجهة المباشرة لحركتها وتطوراتها لها أثر كبير في الإعداد الفكري وتعميق الخبرة القيادية لليوم الموعود; لأنها تضع الشخص المدخر أمام ممارسات كثيرة للآخرين بكل ما فيها من نقاط الضعف والقوة، ومن ألوان الخطأ والصواب، وتعطي لهذا الشخص قدرة أكبر على تقييم الظواهر الاجتماعية بالوعي الكامل على أسبابها، وكل ملابساتها التاريخية.

ثم إن عملية التغيير المدخرة للقائد المنتظر تقوم على أساس رسالة معينة هي رسالة الإسلام، ومن الطبيعي أن تتطلب العملية في هذه الحالة قائداً قريباً من مصادر الإسلام الاُولى، قد بنيت شخصيته بناءً كاملاً بصورة مستقلة ومنفصلة عن مؤثرات الحضارة التي يقدر لليوم الموعود أن يحاربها.

وخلافاً لذلك، الشخص الذي يولد وينشأ في كنف هذه الحضارة وتتفتح أفكاره ومشاعره في إطارها، فإنه لا يتخلص غالبا من رواسب تلك الحضارة ومرتكزاتها، وإن قاد حملة تغييرية ضدها.

فلكي يضمن عدم تأثر القائد المدخر بالحضارة التي اُعد لاستبدالها، لا بد أن تكون شخصيّته قد بنيت بناءً كاملاً في مرحلة حضارية سابقة هي أقرب ما تكون في الروح العامة ومن ناحية المبدأ إلى الحالة الحضارية التي يتجه اليوم الموعود إلى تحقيقها بقيادته"[11].

ثم يطرح سماحته (رضي الله عنه) بعد ذلك سؤالاً آخر مرتبطاً بالناحية الإنسانية من العقيدة المهدوية، وهو: لماذا لم يظهر القائد العالمي طيلة هذه المدة ؟ وإذا كان قد أعد نفسه للعمل الاجتماعي، فما الذي منعه عن الظهور على المسرح في فترة الغيبة الصغرى، أو في أعقابها بدلاً عن تحويلها إلى غيبة كبرى، حيث كانت ظروف العمل الاجتماعي والتغييري وقتئذ أبسط وأيسر، وكانت صلته الفعلية بالناس من خلال تنظيمات الغيبة الصغرى تتيح له أن يجمع صفوفه ويبدأ عمله بداية قوية، ولم تكن القوى الحاكمة من حوله قد بلغت الدرجة الهائلة من القدرة والقوة التي بلغتها الإنسانية بعد ذلك من خلال التطور العلمي والصناعي؟[12]

والجواب : "أن كل عملية تغيير اجتماعي يرتبط نجاحها بشروط وظروف موضوعية لا يتأتى لها أن تحقق هدفها إلاّ عندما تتوفر تلك الشروط والظروف.

وتتميز عمليات التغيير الاجتماعي التي تفجرها السماء على الأرض بأنها لا ترتبط في جانبها الرسالي بالظروف الموضوعية[13]; لأن الرسالة التي تعتمدها عملية التغيير هنا ربانية، ومن صنع السماء لا من صنع الظروف الموضوعية، ولكنها في جانبها التنفيذي تعتمد الظروف الموضوعية ويرتبط نجاحها وتوقيتها بتلك الظروف. ومن أجل ذلك انتظرت السماء مرور خمسة قرون من الجاهلية حتى أنزلت آخر رسالاتها على يد النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ; لأن الارتباط بالظروف الموضوعية للتنفيذ كان يفرض تأخرها على الرغم من حاجة العالم إليها منذ فترة طويلة قبل ذلك.

والظروف الموضوعية التي لها أثر في الجانب التنفيذي من عملية التغيير، منها ما يشكل المناخ المناسب والجو العام للتغيير المستهدف، ومنها ما يشكل بعض التفاصيل التي تتطلبها حركة التغيير من خلال منعطفاتها التفصيلية.

فبالنسبة إلى عملية التغيير التي قادها ـ مثلاً ـ لينين في روسيا بنجاح، كانت ترتبط بعامل من قبيل قيام الحرب العالمية الاُولى وتضعضع القيصرية، وهذا ما يساهم في إيجاد المناخ المناسب لعملية التغيير، وكانت ترتبط بعوامل اُخرى جزئية ومحدودة من قبيل سلامة لينين مثلاً في سفره الذي تسلل فيه إلى داخل روسيا وقاد الثورة، إذ لو كان قد اتفق له أي حادث يعيقه لكان من المحتمل أن تفقد الثورة بذلك قدرتها على الظهور السريع على المسرح.

وقد جرت سنة الله تعالى التي لا تجد لها تحويلاً في عمليات التغيير الرباني على التقيد من الناحية التنفيذية بالظروف الموضوعية التي تحقق المناخ المناسب والجو العام لإنجاح عملية التغيير، ومن هنا لم يأت الإسلام إلاّ بعد فترة من الرسل وفراغ مرير استمر قروناً من الزمن.

فعلى الرغم من قدرة الله ـ سبحانه وتعالى ـ على تذليل كل العقبات والصعاب في وجه الرسالة الربانية، وخلق المناخ المناسب لها خلقاً بالاعجاز، لم يشأ أن يستعمل هذا الاُسلوب ; لأن الامتحان والابتلاء والمعاناة التي من خلالها يتكامل الإنسان، يفرض على العمل التغييري الرباني أن يكون طبيعياً وموضوعياً من هذه الناحية، وهذا لا يمنع من تدخل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أحيانا فيما يخص بعض التفاصيل التي لا تكون المناخ المناسب، وإنما قد يتطلبها أحيانا التحرك ضمن ذلك المناخ المناسب، ومن ذلك الامدادات والعنايات الغيبية التي يمنحها الله تعالى لأوليائه في لحظات حرجة فيحمي بها الرسالة، وإذا بنار نمرود تصبح برداً وسلاماً على إبراهيم[14]، وإذا بيد اليهودي الغادر التي ارتفعت بالسيف على رأس النبي (صلى الله عليه وآله) تشل وتفقد قدرتها على الحركة[15]، وإذا بعاصفة قوية تجتاح مخيمات الكفار والمشركين الذين أحدقوا بالمدينة في يوم الخندق وتبعث في نفوسهم الرعب[16]، إلاّ أن هذا كله لا يعدو التفاصيل وتقديم العون في لحظات حاسمة بعد أن كان الجو المناسب والمناخ الملائم لعملية التغيير على العموم قد تكون بالصورة الطبيعية ووفقا للظروف الموضوعية.

وعلى هذا الضوء ندرس موقف الإمام المهدي (عليه السلام) ، لنجد أن عملية التغيير التي اُعد لها ترتبط من الناحية التنفيذية كأي عملية تغيير اجتماعي اُخرى بظروف موضوعية تساهم في توفير المناخ الملائم لها، ومن هنا كان من الطبيعي أن توقت وفقاً لذلك.

ومن المعلوم أن المهدي لم يكن قد أعد نفسه لعمل إجتماعي محدود، ولا لعملية تغيير تقتصر على هذا الجزء من العالم أو ذاك ; لأن رسالته التي ادخر لها من قبل الله ـ سبحانه وتعالى ـ هي تغيير العالم تغييراً شاملاً، واخراج البشرية كل البشرية من ظلمات الجور إلى نور العدل[17]، وعملية التغيير الكبرى هذه لا يكفي في ممارستها مجرد وصول الرسالة والقائد الصالح، وإلاّ لتمت شروطها في عصر النبوة بالذات، وإنما تتطلب مناخاً عالمياً مناسباً، وجواً عاماً مساعداً، يحقق الظروف الموضوعية المطلوبة لعملية التغيير العالمية، فمن الناحية البشرية يعتبر شعور إنسان الحضارة بالنفاد عاملاً أساسياً في خلق ذلك المناخ المناسب لتقبل رسالة العدل الجديدة، وهذا الشعور بالنفاد يتكون ويترسخ من خلال التجارب الحضارية المتنوعة التي يخرج منها إنسان الحضارة مثقلاً بسلبيات ما بنى، مُدركاً حاجته إلى العون، ملتفتاً بفطرته إلى الغيب أو إلى المجهول.

ومن الناحية المادية يمكن أن تكون شروط الحياة المادية الحديثة أقدر من شروط الحياة القديمة في عصر كعصر الغيبة الصغرى على إنجاز الرسالة على صعيد العالم كله، وذلك بما تحققه من تقريب المسافات، والقدرة الكبيرة على التفاعل بين شعوب الأرض، وتوفير الأدوات والوسائل التي يحتاجها جهاز مركزي لممارسة توعية شعوب العالم وتثقيفها على أساس الرسالة الجديدة.

وأما ما اُشير إليه في السؤال من تنامي القوى والأداة العسكرية التي يواجهها القائد في اليوم الموعود كلما اُجل ظهوره، فهذا صحيح، ولكن ماذا ينفع نمو الشكل المادي للقوة مع الهزيمة النفسية من الداخل، وانهيار البناء الروحي للإنسان الذي يملك كل تلك القوى والأدوات ؟ وكم من مرة في التاريخ انهار بناء حضاري شامخ بأول لمسة غازية ; لأنه كان منهاراً قبل ذلك، وفاقداً الثقة بوجوده والقناعة بكيانه والاطمئنان إلى واقعه"[18] انتهى ما أفاده (قدس سره).

وبإمكاننا أن نتناول المعطى الإنساني للمهدوية في مفهوم أهل البيت (عليهم السلام) من زاوية اُخرى.

فنقول :

إن الاعتقاد بمهدوية غائبة عن الأنظار لكنها حية ومؤثرة في مجريات الأحداث لصالح الجماعة المؤمنة، وهي تحمل كل خصائص الإمامة من العصمة والنص النبوي والكمال العلمي والعملي، من شأنه أن يشيع في المجتمع أجواء هذه الإمامة ونفحاتها المعنوية والروحية الرفيعة، ويشبع الإنسان باحساس طيب بتواصل الصلة بين الأرض والسماء، واستمرار الرعاية السماوية للأرض، وتحويل ذلك إلى معان محسوسة أكثر فاعلية في النفس، بعد ما كانت في اُصولها العقائدية معان معقولة، ويكرس في الساحة الاجتماعية والسياسية حاكمية التوحيد، ويجعلها حاكمية قريبة من الحسّ الإنساني، بوصف أن المهدوية الغائبة ليست شخصاً عادياً، وإنما هي الإمام الثاني عشر المعين سماوياً ليشغل موقع الإمامة حتى نهاية التاريخ، صحيح أن الناس لا يباشرونه حسياً، لكن الاعتقاد بكونه حقيقة حسية يقصر إحساسنا عن إدراكها يجعل النفس في حالة تفاعل روحي إيجابي مع خط الإمامة الإلهية المعصومة بما هو تعبير وامتداد لحاكمية التوحيد في الأرض.

ويشتد هذا التفاعل أكثر حينما تعبر المهدوية المعصومة الغائبة عن نفسها تعبيراً سياسياً بارزاً من خلال مبدأ النيابة الخاصة في فترة الغيبة الصغرى، ومبدأ النيابة العامة للفقهاء في فترة الغيبة الكبرى كقيادة سياسية شرعية للمجتمع الإسلامي بما يحفظ للإمامة موقعها السامي كمشرف يراقب التجربة السياسية والاجتماعية وينصرها، وكمنبع يمدها بالشرعية حينما يجدها متطابقة مع الإسلام.

ومن مجموع هذه البيانات يتجلى بوضوح معنى الكمال فيما يقدمه المفهوم المهدوي عند أهل البيت (عليهم السلام) من معطى إنساني وهو معطى ينسجم تماماً مع جوهر الفكرة المهدوية، فإن المهدوية المعصومة الغائبة مهدوية متحركة ومؤثرة وإيجابية بالنسبة إلى الواقع الإنساني. بينما المهدوية في مفهوم أهل السنة ليس لها تأثير في الواقع الإنساني، وهي ليست أكثر من تنبؤ مستقبلي. وكأن مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) تتكفل بتحقيق ما تعد به من خلال تحريك الواقع الإنساني والتفاعل الإيجابي معه.

وهذا بذاته خير ما يوضح المعنى الإيجابي لمفهوم الانتظار، فإن انتظار الفرج ليس سكوتاً وانهزاماً، وإنما هو روح إيجابية فعالة باتجاه التغيير المطلوب مهدوياً.

نتيجة البحث

وفي نهاية المطاف يمكننا استخلاص نتائج البحث، بالنقاط التالية:

1 ـ إن الدين هو التعبير الأكمل عن الحقائق الإنسانية، والإسلام هو التعبير الأكمل عن الحقائق الدينية، والتشيّع هو التعبير الأكمل عن الحقائق الإسلامية، وبالتالي فمهدوية أهل البيت (عليهم السلام) هي أكمل تعبير عن أصل المهدوية، الذي أجمع المسلمون على الاعتقاد به.

2 ـ إن جوهر الفرق بين مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) ، ومهدوية الجمهور من علماء المسلمين، يعود الى مسألة الإمامة، فالمهدي في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) هو الإمام الثاني عشر (عليه السلام) ، بينما هو في مدرسة الجمهور مسألة مستقبلية صرفة؟

3 ـ ولماكانت المسألة المهدوية عند أهل البيت (عليهم السلام) ، هي مسألة الإمام الثاني عشر الذي لا إمام للبشرية بعده، من هنا فقد اتّصف المفهوم المهدوي عندهم (عليهم السلام) بثلاث خصائص، هي: ولادة الإمام المهدي بنحو سرّي ومكتوم، وإمامته المبكرة، وغيبته المستلزمة لعمر مفتوح مع امتداد الزمن، وهذه الخصائص ثابتة بثبوت أصل الإمامة الاثني عشرية المعصومة، الذي تفرعت عليه، فضلاً عن الأدلة التفصيلية التي مرّ ذكرها واحداً بعد الآخر.

4 ـ إن هذه الخصائص الثلاثة ليست ثابتة بأدلة عقائدية وعقلية ووجدانية كافية، ولا يلزم منها أي إيراد عقلي أو ديني فحسب، وإنّما هي التي تمنح معنى الكمال للمفهوم المهدوي، وتجعله مفهوماً ذا قيمة عقائدية ومعطيات إنسانية عالية وخلاّقة على الساحة الاجتماعية، تتكامل وتنسجم مع معطيات أصل الدين في الحياة الإنسانية.

---------------------------------

[1] الأنبياء: 107.

[2] بحث حول المهدي: 83 ـ 89 بتحقيق وتعليق الدكتور عبدالجبار شرارة.

[3] اشارة إلى معتقد الإمامية الاثني عشرية المستند إلى أدلة المعقول والمنقول، وبالأخص إلى حديث الثقلين المتواتر "إني تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي". راجع : صحيح مسلم: 4 / 1873، وراجع الصواعق المحرقة لابن حجر : 89، قال : ثم اعلم أن لحديث التمسك بذلك طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً.

وكذلك إلى قوله (صلى الله عليه وآله) "لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.. " وإلى قوله (صلى الله عليه وآله) : "الخلفاء بعدي اثنا عشر كلهم من قريش". ومفاد ذلك كله تقرير هذا المعنى.

[4] تحدث النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) كثيراً عن خصائصهم وأدوارهم، ووظيفتهم ومهماتهم، وأنهم حملة الشريعة، وسفن النجاة، وأمان الامة، وعصمتها من الضلال، كما إليه الإشارة في حديث الثقلين، وحديث لن يفترقا وكلاهما يؤكدان عصمتهم، إذ لا يعقل أنهم عصمة الاُمة من الضلال، وأنهم لن يفترقا عن القرآن المعصوم، وهم غير معصومين!!

راجع : الاُصول العامة للفقه المقارن، العلامة محمد تقي الحكيم، مبحث حجية السنة: ص 169 وما بعدها.

[5] أن يكون القائد التاريخي مهيئاً نفسياً ومعداً إعداداً مناسباً لأداء المهمة، أمر مفروغ منه، ولو رجعنا إلى القرآن الكريم لوجدناه يتحدث عن هذه المسالة في تاريخ الأنبياء بصورة واضحة جدا، وبخاصة فيما يتعلق بالنبي نوح (عليه السلام) ، وهو أمر يلفت الإنتباء والنظر، وربما يكون للتشابه والإتفاق في الدور والمهمة التي أوكلت لهما، كما نبه الشهيد الصدر (رحمه الله) إليه.

راجع : مع الأنبياء، عفيف عبد الفتاح طبارة.

[6] ويمكن أن نقرب هذا المعنى بما عشناه وشاهدناه من صعود الإتحاد السوفيتي وترقيه حتى صار القطب الثاني في العالم، وتقاسم هو وأمريكا النفوذ الحضاري والهيمنة السياسية، وركبا معا اجواء الفضاء، ثم شهدنا انهيار الإتحاد السوفيتي وتفكك أوصاله بمثل تلك السرعة القياسية في الانهيار، فكم كان لذلك من أثر ؟ وكم كان فيه من عبرة ؟ وكم كان فيه من دلالة عميقة ؟.

[7] جان جاك روسو (1712 ـ 1778 م) كاتب وفيلسوف فرنسي اعتبره بعض النقاد الوجه الأبعد نفوذاً في الأدب الفرنسي الحديث والفلسفة الحديثة، وقد مهدت كتاباته ومقالاته للثورة الفرنسية، وأشهر مؤلفاته العقد الاجتماعي. راجع: موسوعة المورد، منير البعلبكي: 8 / 169.

[8] إشارة إلى الآية القرآنية المباركة: (انهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى...) الكهف : 13، وراجع تفسيرها في الكشاف، الزمخشري 2 : 706، نشر دار الكتاب العربي ـ بيروت.

[9] إشارة إلى الآية: (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً...) الكهف: 25.

[10] وكل ذلك له مدخلية في تربيته واعداده الاعداد الخاص، بما في ذلك امتلاكه النظرة الشمولية العميقة، فضلا عن شهوده بنفسه ضآلة اولئك المتعملقين الذين يملؤون الدنيا ضجيجاً وصخباً، ويسترهبون الناس، وهذه الشهود يؤهله أكثر فأكثر لأداء مهمته الكونية في التغيير، أي ملئه للأرض عدلاً بعدما ملئت ظلماً، هذا بغض النظر عن مؤهلاته الذاتية، والعناية الربانية الخاصة.

[11] ولا ينبغي أن يُشكِل أحدٌ بأن النبي محمداً (صلى الله عليه وآله) مع عالمية رسالته ومهمته التغييرية الكبرى إلاّ أنه عاش في كنف الحضارة الجاهلية، ولم يتأثر بها، وكذا الأنبياء السابقون، فما هو الوجه في هذا الرأي ؟

فجوابه :

أ ـ إن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أخضع فعلاً إلى حالة عزلة تامة من الحضارة الجاهلية، وأنه كما ورد في السيرة النبوية قد حبب إليه الخلاء، وكان يذهب إلى غار حراء يتحنث فيه وكذا الأنبياء كانوا يتنزهون عما عليه مجتمعهم، وكانوا يعتزلون، وإليه الإشارة في قوله تعالى: (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له اسحاق) مريم: 49.

ب ـ إن النبي المرسل يوحى إليه، ويسدد مباشرة من السماء، ويبلغ بالأعمال والخطوات التي يتخذها خطوة خطوة، والإمام (عليه السلام) لا يوحى إليه ـ كما هو عقيدة الإمامية ـ ولا يبلغ بالاُمور مباشرة من السماء، نعم يكون مسدداً وتحت العناية الربانية، ولذلك فهو يحتاج إلى اعداد خاص. ففي نفس الوقت الذي يكون فيه قريباً ومتصلاً بالحضارة الإسلامية، مستمداً من آبائه (عليهم السلام) الأصالة والمعرفة والعلم، يكون مطلعاً على التجارب البشرية والحضارات في صعودها وعوامل تكونها وقوتها، وكذلك إخفاقاتها وعوامل ضعفها وانهيارها، فيستمد الخبرة والقدرة والاحاطة بالاُمور جميعاً، هذا مع اعتقادنا بقدرات الإمام العلمية الذاتية التي وهبها الله تعالى له، وبكونه مسدداً من السماء.

[12] بحث حول المهدي، الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) : 89 الهامش، تحقيقات الدكتور عبد الجبار شرارة، طبع مركز الغدير للدراسات الإسلامية.

[13] على الرغم من الأهمية التي يخطها الشهيد الصدر (رضي الله عنه) هنا للظروف الموضوعية، ودور نضوجها أو انضاجها في نجاح الثورات ـ وهذا فهم عميق لأثر العامل الاجتماعي والنفسي ـ إلاّ أن الشهيد الصدر (رضي الله عنه) يعرض نظرية جديدة في فهم عملية التغيير الاجتماعي، الذي تحدثه السماء من خلال الرسالات السماوية، فهي في جانبها الرسالي ترتبط بقانونها الخاص، ولكن في جانبها التنفيذي تعتمد الظروف الموضوعية وترتبط بها توقيتاً ونجاحاً، وأعني بالظروف الموضوعية : الحالة السياسية والحالة الاجتماعية للاُمة والواقع الدولي المعاصر، ومدى قدرة الاُمة في إمكاناتها الذاتية واستعدادها النفسي.

[14] اشارة إلى قوله تعالى: (قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم ان كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم* وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين) الانبياء:68ـ70.

[15] راجع الرواية في تفسير ابن كثير: 2 / 33، وراجع البحار، المجلسي: 18/ 47 و 52 و 60، 75 باب معجزات النبي (صلى الله عليه وآله).

[16] تاريخ الطبري: 2 / 244 حوادث السنة الخامسة من الهجرة.

[17] كما هو نص الحديث النبوي الشريف: "لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً مني أو من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً". راجع التاج الجامع للاُصول: 5 / 343، قال: رواه أبو داود والترمذي.

[18] لقد شاهدنا في بداية التسعينات المصداق لهذه المقولة التي اطلقها الشهيد الصدر (رضي الله عنه) إستنادا إلى خبرته العميقة بالمجتمع البشري، فقد إنهار الإتحاد السوفيتي وهو أحد القطبين اللذين كانا يهيمنان على العالم إنهيارا سريعاً جداً، وبصورة أذهلت الجميع.

**************

 

آداب العلاقة مع الإمام المهدي (عج)

2007-09-06

الشيخ علي دعموش‏

إن الارتباط بأئمة أهل البيت (ع) ليس مجرد ارتباطٍ عاطفي أو وجداني يندرج في اطار الحب والمودة والتفاعل العاطفي أو النفسي. ولم يرد الله لنا أن تكون علاقتنا بالنبي (ص) أو بأئمة أهل البيت (ع) مجرد علاقة حب ومودة بقدر ما هي علاقة فكرية وعقيدية وعملية تتصل بما جعله الله لهم من موقع مقدس في الإسلام والعقيدة {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}.

على أن الارتباط بالإمام الحجة المهدي (عج) ليس مجرد ارتباط بفكرة عقيدية غيبية بل بإنسان كامل حيٍّ جسداً وروحاً يعيش بيننا يرانا ونراه يعرفنا ولا نعرفه يسددنا ويوجهنا إلى حيث مصلحتنا ومصلحة الأمة وهو إمام الانس والجن بل إمام الكون وقوامه، فلولا وجود الإمام لساخت الأرض بأهلها، فهو أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء كما ورد في الأحاديث المأثورة عنهم (ع) وهذا يعني أن الإمام لو سحب ألطافه ولم يتدخل في بعض الشؤون، ولم يعمل على رعاية الأُمة وتسديدها في حركتها ومواقفها فالله وحده يعلم كيف سيصبح حال المجتمع الإسلامي وإلى أي درجة من الانحطاط والضياع يمكن أن يصل.. فقد كتب الإمام (عج) مخاطباً الشيخ المفيد ومن وراءه كل المؤمنين: «... أنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أي الشدائد واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جلّ جلاله، وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حمّ أجله ويحمى عنها من أدرك أمله».

وقد ورد في بعض الأحاديث أن أعمالنا تُعرض عليه فيحزن لسيئها ويفرح لما حسُن منها. ولذلك علينا أن نطهّر نفوسنا ونراقب أعمالنا لتكون بمستوى رضا الله ورضا الإمام الحجة (عج).

يقول الإمام الخميني (قده): علينا أن ننظر في صحيفة أعمالنا قبل أن تصل إلى محضر الله ومحضر صاحب الزمان (عج).

وبعد النظر في صحيفة الأعمال ومن أجل أن يكون المؤمن بالمستوى اللائق في محضر الإمام (عج) لا بد من مراعاة جملة من آداب العلاقة معه والارتباط به، هي تلك الآداب التي وردت في الأحاديث عن أئمة أهل البيت (ع) والتي نذكر منها هنا ما يلي:

1ـ مبايعته: فقد ورد في دعاء العهد: «اللهم إني أُجدّد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول أبداً».

2ـ إظهار الشوق لرؤيته: حيث ورد أن أمير المؤمنين (ع) ذكر المهدي (عج) من ولده فأومأ إلى صدره شوقاً إلى رؤيته.

وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال وهو يتشوق لرؤيته : «... لو أدركته لخدمته أيام حياتي».

وعلمنا أهل البيت (ع) أن ندعو الله لرؤيته ففي دعاء العهد: «اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة، وأكحل ناظري بنظرة مني إليه».

وفي دعاء الندبة: «... وأره سيّده يا شديد القوى...» وفيه أيضاً: «.. هل إليك يا ابن أحمد سبيل فتلقى».

وورد في دعاء العمري عنده (عج): اللهم إني أسألك أن تريني وليَّ أمرك ظاهراً نافذ الأمر.

وفي بعض الأدعية ورد: «اللهم أرنا وجه وليّك الميمون في حياتنا وبعد المنون».

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن رؤية الإمام (ع) في زمن الغيبة الكبرى ممكنة بل وميسرة لخواص المؤمنين. وقد تشرَّف بعض علمائنا برؤيته صلوات الله عليه فقد نُقل عن السيد بحر العلوم أنه جاء إليه رجل وسأله عن إمكان رؤية الإمام الحجة (ع) في زمن الغيبة الكبرى. فسكت السيد عن جوابه وطأطأ رأسه وخاطب نفسه.. ما أقول في جوابه؟ وقد ضمني صلوات الله عليه إلى صدره. (جنة المأوى ص‏51).

كما ورد في وصية السيد ابن طاووس لولده: والطريق مفتوحة إلى إمامك لمن يريد الله جلّ شأنه عنايته به وتمام إحسانه إليه.

أما الروايات التي تكذّب من ادعى رؤيته فليس المقصود بالرؤية فيها ما أشرنا إليه بل هي تشير إلى معنى آخر وهو ما نقله الشيخ الاشتهاردي عن الإمام الخميني (قده) حيث يقول: .. والأخبار الدالة على تكذيب رؤيته منزَّلة على دعوى رؤيته بدعوى نيابته الخاصة من قبله (ع) كنيابة الحسين بن روح وغيره من النواب الأربعة (تنقيح الأصول ج‏3 ص‏139).

3ـ الثبات على ولايته: فعن الإمام الباقر (ع) أنه قال: يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم. طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن ينادي بهم الباري جلَّ جلاله فيقول: عبيدي وإمائي آمنتم بسري وصدّقتم بغيبي فأبشروا بحسن الثواب مني، أي عبيدي وإمائي حقاً منكم أتقبّل وعنكم أعفو ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث وادفع عنهم البلاء، لولاكم لأنزلت عليهم عذابي (البحار: ج‏52 ص‏145).

4ـ الاغتمام والبكاء على فراقه: فقد ورد في الكافي الشريف عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «نفس المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيح».

وعنه (ع) أيضاً: «والله ليغيبن إمامكم سنيناً من دهركم ولتمحصن حتى يقال: مات أو هلك بأي وادٍ سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين».

وروي في عيون الأخبار في خبر متعلق به (عج) عن الإمام الرضا (ع) أنه قال: «كم من حرى مؤمنة وكم من مؤمن متأسف حيران حزين عند فقدان الماء المعين. يعني الحجة (عج)».

5ـ الدعاء له: لا سيما دعاء: «اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً..».

وورد عن الإمام الحسن العسكري (ع) في دعاءه له (عج): «اللهم أعذه من شر كل طاغٍ وباغٍ، ومن شر جميع خلقك واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله واحرسه وامنعه أن يصل إليه بسوء واحفظ فيه رسولك وآل رسولك وأظهر به العدل وأيّده بالنصر». (البحار: ج‏94 ص‏78).

وقد ورد التأكيد على الدعاء له بتعجيل الفرج ففي التوقيع الشريف المروي عنه (عج): وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم (الاحتجاج ج‏2 ص‏384).

وروي عن الإمام الحسن العسكري (ع) أنه قال: «والله ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلا من ثبته الله عزّ وجلّ على القول بإمامته ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه (كمال الدين: ج‏2 ص‏284).

6ـ زيارته: لا سيما زيارة آل ياسين الواردة عنه (عج) حيث يعلمنا فيها كيف نشعر بحضوره فنقول: السلام عليك حين تقوم، السلام عليك حين تقعد، السلام عليك حين تقرأ وتبين، السلام عليك حين تصلي وتقنت، السلام عليك حين تركع وتسجد.

7ـ التوسل به إلى الله سبحانه: سواء في أمور الحياة الدنيا كما توسل به الإمام القائد السيد علي الخامنئي (دام ظله الوارف) في مسجد جمكران من أجل نصر المقاومة الإسلامية في عدوان نيسان، أو في أمور الآخرة شفيعاً لنا كما في دعاء التوسل.

وقد ورد في بعض الروايات توسل بالإمام صاحب العصر والزمان (عج) منها: اللهم إني أسألك بحق وليك وحجتك صاحب الزمان إلا أعنتني به على جميع أُموري وكفيتني به مؤنة كل مؤذ وطاغ وباغ وأعنتني به فقد بلغ مجهودي وكفيتني كل عدوّ وهمّ وغمّ ودين، وولدي وجميع أهلي وإخواني ومن يعنيني أمره وخاصتي، آمين رب العالمين (بحار الأنوار: ج‏94 ص‏35).

8ـ القيام عند ذكر اسمه: لا سيما عند ذكر لفظ «القائم» فقد ورد أنه ذكر اسمه المبارك (عج) في مجلس الإمام الصادق (ع) فقام تعظيماً واحتراماً له.

وفي تنزيه الخاطر: أن الإمام الصادق (ع) سئل عن سبب القيام عند ذكر القائم من ألقاب الحجة (عج) فقال (ع): لأن له غيبة طولانية (منتخب الأثر: ص‏506).

وروي أيضاً عن الإمام الرضا (ع) أنه قام في مجلسه بخراسان عند ذكر لفظة القائم ووضع يده على رأسه الشريف وقال: «اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه» (منتخب الأثر: ص‏506).

وفي كتاب مشكاة الأنوار قال: لما قرأ دعبل قصيدته المعروفة على الرضا (ع) وذكره (عج)، وضع الرضا (ع) يده على رأسه وتواضع قائماً ودعا له بالفرج (منتخب الأثر: ص‏506).

9ـ الصلاة عليه: فقد ورد استحباب الصلاة عليه في أكثر من مورد كما في دعاء الافتتاح. وكالصلاة الواردة عن الإمام العسكري (ع): «اللهم صل على وليك وابن أوليائك ولي الأمر المنتظر الحجة بن الحسن، اللهم صل على وليك وابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم..» (مكيال المكارم: ج‏2 ص‏264).

وورد في مصباح الزائر ص‏420: اللهم صل عليه صلاة تظهر بها حجته وتوضح بها بهجته وترفع بها درجته وتؤيد بها سلطانه وتعظم بها برهانه وتشرِّف بها مكانه، وتعلّي بها بنيانه، وتعزُّ بها نصره، وترفع بها قدره، وتسمي بها ذكره، وتظهر بها كلمته، وتكثّر بها نصرته، وتعزُّ بها دعوته، وتزيده بها إكراماً، وتجعله للمتقين بها إماماً، وتبلغه منا تحية وسلاماً.

10ـ التصدق عنه: فقد ورد في دعاء التصدق حين السفر: اللهم إن هذه لك ومنك وهي صدقة عن مولانا محمد (عج)، وصل عليه بين أسفاره وحركاته وسكناته في ساعات ليله ونهاره.