مواضيع هذا القسم :
1-سيرة الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه).
2- النهضة الخمينية والتمهيد لظهور الإمام المهدي (عج). 3- عقيدتنا بالإمام المهدي (عج). 4- الإمام المهدي مختارات من كلمات الإمام الخميني. 5- التوطئة والتمهيد لظهور الإمام المهدي من وجهة نظر الإمام الخميني. 6- خصائص الاعتقاد بالإمام المهدي (عج). 7- الإمام المهدي (عج) ناموس الوعي الكوني. 8- الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
**************
************
**********
********
******
****
**
*
سيرة الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)
2007-09-06
المصدر: موقع بقية الله (عجل الله فرجه)
بطاقة الهوية
الاسم: محمد
اللقب: المهدي
الكنية: أبو القاسم
اسم الأب: الحسن بن علي العسكري
اسم الأم: نرجس
الولادة: 15 شعبان 255هـ
مدة الإمامة: حي غائب
بدء الغيبة الصغرى: 260هـ
بدء الغيبة الكبرى: 329هـ
دور الأئمة (عليهم السلام) في التمهيد لعصر الغيبة:
كان الهدف الأول والأخير للأئمة (عليهم السلام) هو إقامة حكومة الإسلام الأصيل. وقد انصبّت جهودهم في إطار تأهيل الأمة وتثقيفها وإعدادها لهذا الأمر، مما جعلهم عرضة للملاحقة والتنكيل من قبل خلفاء الجور، وتركزّت جهود الإمامين الهادي (عليه السلام) والعسكري (عليه السلام) حول موضوع التمهيد لإقامة حكم الله وخلافة الإنسان في الأرض.
هذه الخلافة التي قدّر لها أن تمرّ بمرحلة طويلة وصعبة هي مرحلة غيبة صاحب الأمر محمد بن الحسن المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) لحكمة اقتضتها إرادة الله عز وجل، كمقدمة لإيجاد حكومة العدل الإلهي. فكان لا بد من التمهيد لهذه الغيبة لتعتاد الأمة على هذه المرحلة الجديدة.
ولذلك اتخذ الإمامان الهادي والعسكري (عليه السلام) أسلوباً غير مباشر في الاتصال بالأمة. وذلك عبر الوكلاء والنوّاب تعويداً للأمة وتمهيداً لمرحلة الغيبة.
ظروف ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)
إن قضية المهدوية من القضايا التي أجمع المسلمون في مفهومها العام، وإنما وقع الخلاف بينهم في تحديد شخصه. وقد عمل الأئمة (عليهم السلام) لبيان أن المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من ولد النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وذرية علي وفاطمة (عليها السلام) وأنه الإمام الثاني عشر من سلسلة الإمامة والهداية. وهو الإمام محمد بن الحسن العسكري بن الإمام علي الهادي (عليه السلام).... وأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً..
هذا الأمر أثار مخاوف السلطة العباسية انذاك فشدّدوا المراقبة وأقاموا العيون والجواسيس حول أسرة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) تحسبّاً لولادة الإمام المهدي المنتظر الموعود والذي تترقبه الشيعة باعتباره المقيم لدولة العدل الإلهي، وعمدت السلطة إلى مساندة جعفر بن الامام الهادي المعروف بـ«جعفر الكذاب» في محاولة لإحلاله محل أخيه الحسن العسكري (عليه السلام) بعد استشهاده .
وقد أحاط الإمام العسكري (عليه السلام) ولادة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) بستار من السرية. كما ساهمت إرادة الله عز وجل في أن تكون ولادته إعجازية إذ لم تظهر اثار الحمل على والدته «نرجس» إلاّ في الليلة التي وُلِدَ فيها صلوات الله عليه، وخَفِيَ أمر ولادته إلاّ على جماعة قليلة من الموالين المخلصين..
إحباط المخطط العباسي:
تسلّم الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) الإمامة الفعلية سنة 260هـ بعد شهادة والده الإمام العسكري (عليه السلام)، وكان محاطاً بالسرّية التامة كما تقدّم، بحيث خفي أمره عن السلطة العباسية التي جهدت في إطفاء نوره عبر إعتقال زوجات الإمام العسكري في أشهر الحمل. بل خفي أمر ولادته حتى عن خادم بيت الإمام العسكري (عليه السلام). وأيضاً شاركت شخصية «جعفر الكذاب» عم الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) في لعب دور مضلل ومدعوم من قبل السلطة التي قدّمته للصلاة على جنازة الإمام العسكري (عليه السلام) بصفته الوريث الشرعي الوحيد للإمام.
ولكن المفاجأة كانت عندما تقدّم فتىً في الخامسة من عمره يخرج من الدار ويأخذ برداء عمّه جعفر إلى الوراء قائلاً: «تأخّر، فأنا أحق منك بالصلاة على أبي» فيتأخر جعفر من دون أن تبدر منه أية معارضة. وباءت جهود السلطة بالفشل. وأحبطت المخططات التي حاولت النيل من إمامة الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف).
الغيبة الصغرى:
ونتيجة لإلحاح السلطة الحاكمة على تعقّب الإمام المهدي توارى الإمام عن الأنظار في غيبة سميت الغيبة الصغرى، وقد شغل منصب النيابة عن الإمام في إدارة شؤون الأمة ولمدة سبعين سنة أربعة نواب عرفوا بالسفراء، هم:
1 عثمان بن سعيد العمري.
2 محمد بن عثمان بن سعيد العمري.
3 أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي.
4 أبو الحسن علي بن محمد السمري.
وقد قام السفراء الأربعة بجهود عظيمة في سبيل الحفاظ على خط ونهج أهل البيت (عليهم السلام) من خلال المحافظة على بقاء الإمام في الخفاء إلا في الحالات الضرورية. وإزالة الشكوك التي أثيرت بشأن المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) والتصدي للغلاة.. فعملوا على تهيئة أذهان الأمة وتوعيتها لمفهوم الغيبة الكبرى وتعويد الناس تدريجياً على الاحتجاب، بالإضافة إلى رعاية شؤون الأمة والتوسط بينها وبين الإمام..
الغيبة الكبرى:
إمتدت الغيبة الصغرى منذ استشهاد الإمام العسكري (عليه السلام) سنة 260هـ حتى سنة 329هـ وبعد أن حققت الغيبة الصغرى أهدافها فحصّنت الشيعة من الانحراف وجعلتهم يتقبلون فكرة النيابة التي تحوّلت من أفراد منصوص عليهم إلى خط عام هو خط المرجعية... بدأت الغيبة الكبرى التي ستمتد حتى يأذن الله تعالى.
دولة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف):
قال الإمام الباقر (عليه السلام): «إذا قام القائم حكم بالعدل وارتفع في أيامه الجور وأمنت به السبل.. وأخرجت الأرض بركاتها، وردّ كل حق إلى أهله ولم يبق أهل دين حتى يظهر الإسلام.. وحكم بين الناس بحكم داوود وبحكم محمد.. فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها ولا يجد الرجل يومئذ موضعاً لصدقته وبرّه وتقضي العجوز الضعيفة في المشرق تريد الغرب لا يؤذيها أحد.. وتؤتون الحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه واله».
حكومة صاحب العصر والزمان:
في حكومة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) تتلاشى حكومة الجبارين والمستكبرين، ويتقوّض النفوذ السياسي للمنافقين والخائنين، وتصبح مدينة مكة قبلة لحركته الثورية، وتجتمع فيها طلائع ثورته، يتوافد المسلمون عليها لينضموا إليه.
ويُخرج تابوت السكينة من إنطاكية، وفيه التوراة والإنجيل، فيحكم بين أهل الإنجيل بالإنجيل، ويدعوهم إلى اتّباعه، فيسلم بعض ويحارب آخرون. ولا يبقى ذو شوكة وصاحب قوة في الوجود، ولا في العالم سياسة أو حكومة غير حكومة الإسلام، وسياسة القران. ويبلغ سلطان المهدي المشرق والمغرب، ويهبط عيسى بن مريم من السماء فيصلي خلفه، ويهتف «افتحوا أبواب بيت المقدس» فينفتح.
ومع الدجال يومئذٍ سبعون ألف يهودي كلهم مسلحون، فإذا رأى الدجال عيسى ولَّى هارباً فيقول عيسى (عليه السلام): «إنَّ لي فيك ضربة لن تفوتني أبداً» فيدركه فيقتله. فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به إلاَّ أنطقه.
في انتظار الإمام (عجل الله تعالى فرجه)
نعيش اليوم في مرحلة الانتظار للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، وقد تكون هذه المرحلة أطول مرحلة في تاريخ الإسلام؛ فما هو الانتظار؟
في ضوء ما تعطيه اللغة العربية لمعنى الانتظار حيث تحدده بالترقب والتوقع والرصد.. قد يتصور بعض الناس خطأ أن علينا أن نعيش في مرحلة الغيبة الكبرى للإمام المهدي"عجل الله فرجه" مترقبين للظهور وعلاماته ولليوم الموعود الذي يبدؤه الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بالقضاء على الكفر والانحراف والفساد وبالقيام بتطبيق الإسلام، من دون أن يكون لنا دور في الإعداد والتمهيد والقيام بمسؤولية تحكيم الإسلام في حياتنا وفي كل مجالاتها وخاصة في مجالها السياسي بحجة أن مسؤولية تحيكم الإسلام وتطبيق تشريعاته في كل مجالات الحياة هي وظيفة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) في مرحلة زمنية مقبلة وليس من وظيفتنا الآن. إلاّ أن هذا الفهم السلبي للانتظار يتنافى تمام المنافاة مع مفاهيم الإسلام وأحكامه وتشريعاته العامة التي يجب على المسلمين تطبيقها في كل عصر وزمان.
يقول الشيخ محمد رضا المظفر (قدس سره) في كتابه القيم عقائد الإمامية: «ومما يجدر أن نعرفه في هذا الصدد: ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ المهدي، أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود الى الحق من دينهم، وما يجب عليهم من نصرته، والجهاد في سبيله، والأخذ بأحكامه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ».
بل المسلم أبداً مكلف بالعمل بما أُنزل من الأحكام الشرعية وواجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة، وواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ما تمكن من ذلك وبلغت إليه قدرته «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته». ولا يجوز له التأخر عن واجباته بمجرد الانتظار للمصلح المهدي والمبشر الهادي، فإن هذا لا يسقط تكليفاً ولا يؤجل عملاً، ولا يجعل الناس هملاً كالسوائم.
ويقول الشيخ الصافي الكلبايكاني في كتابه منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر (عجل الله فرجه الشريف) : «وليعلم أن معنى الانتظار ليس تخلية سبيل الكفار والأشرار، وتسليم الأمور إليهم، والمراهنة معهم، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاقدامات الإصلاحية. فإنه كيف يجوز إيكال الأمور الى الأشرار مع التمكن من دفعهم عن ذلك، والمراهنة معهم، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من المعاصي التي دلَّ عليها العقل والنقل وإجماع المسلمين».
ولم يقل أحد من العلماء وغيرهم بإسقاط التكاليف قبل ظهوره(يعني الإمام المنتظر)، ولا يرى منه عين ولا أثر في الأخبار.. نعم.. تدل الآيات والأحاديث الكثيرة على خلاف ذلك، بل تدل على تأكد الواجبات والتكاليف والترغيب إلى مزيد الاهتمام في العمل بالوظائف الدينية كلها في عصر الغيبة. فهذا توهم لا يتوهّمه إلاَّ من لم يكن له قليل من البصيرة والعلم بالأحاديث والروايات».
فإذن ما هو التفسير الصحيح للانتظار؟
إن الذي يستفاد من الروايات والأحاديث الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) في هذا المجال، هو أن المراد من الانتظار هو: وجوب التمهيد والتوطئة والإعداد لظهور الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).
فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «يخرج رجل يوطىء (أو قال: يمكن) لآل محمد، كما مكنت قريش لرسول الله ، وجب على كل مؤمن نصره (أو قال: إجابته)..».
وروي عنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي».
وعنه أيضاً: «يأتي قوم من قبل المشرق، ومعهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوه، فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطاً، كما ملؤوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم؛ ولو حبواً على الثلج».
ويستفاد من الروايات وكلمات الإمام الخميني (قدس سره): إن التوطئة والتمهيد لظهور الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) والتأسيس لمشروعه الإلهي العالمي، يكون عبر خطوات كثيرة منها:
1 ـ الالتزام بتعاليم الإسلام وأحكامه وقيمه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله ضد الأعداء ومواجهة الظالمين والمستكبرين.
2 ـ العمل على نشر الإسلام وتعريف الناس به وتقديمه لشعوب العالم كطرح بديل ومنقذ وكخيار وحيد لإخراج الناس من الظلمات إلى النور وتقديم صورة مشرقة نقية وصافية وأصيلة عن الإسلام للعالم من خلال سلوكنا ومواقفنا وجهادنا.
3 ـ السعي لإقامة الحكومة الإسلامية التي تمثل القاعدة التي تحكم بالإسلام.
4 ـ إعداد جيل مؤمن واعٍ مخلص ومضحٍ وبحجم المسؤولية يتولى نصرة الإمام والإعداد لظهوره وعياً وإيماناً وتنظيماً وقوةً.
5 ـ تربية الأمة وخصوصاً شيعة الإمام على طاعته والالتزام بأوامره والتقيد التام بتوجيهاته، وقد ورد في صفات أنصار الإمام أنهم أطوع للإمام من بنانه.
والحقيقة أن من أراد أن يكتشف مدى طاعته للإمام (عجل الله فرجه الشريف) عندما يخرج فليكتشف الآن مدى طاعته لنائب الإمام الذي أمرنا بطاعته فإن المقياس في مرحلة الغيبة هو الطاعة لولي الأمر، ومن لا تساعده نفسه ولا دينه ولا عقله ولا شهواته ولا أهوائه ولا طموحاته ولا ميوله على طاعة نائب الإمام المهدي في زمن الغيبة فلن يكون مطيعاً للإمام حين الظهور.
وعلى أساس ما تقدم ننتهي إلى النتيجة التالية وهي: أن الانتظار ليس هو الرصد السلبي للظهور وللأحداث المتوقعة من دون أن يكون لنا دور فيه سلباً أو إيجاباً.. كما نرصد خسوف القمر وكسوف الشمس.. وإنما هو حركة وفعل وجهد وجهاد وعطاء وتضحية وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وهذا المفهوم الايجابي للانتظار هو الذي يستحق هذه القيمة الكبيرة التي تعطيها النصوص الإسلامية له كقول الرسول(صلى الله عليه وآله): «أفضل أعمال أمتي الانتظار»، وقوله: «انتظار الفرج عبادة»، أو «المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه».
صفات جنود الإمام (عجل الله فرجه الشريف)
إذا رجعنا إلى النصوص والروايات المأثورة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والتي ذكرت المواصفات التي لا بد أن تتوافر في الشخصية الإنسانية اللائقة بصحبة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) نجد أنها ركَّزت على الشروط والمواصفات التالية:
أولاً: الإيمان، وهو الممارسة الفعلية للعقيدة وهو درجة رفيعة لا تنال إلاَّ بالالتزام بكل ما أمر الله به والابتعاد عن كل ما نهى الله عنه.
ثانياً: معرفة الله، فقد سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما رأس العلم، قال: معرفة الله حق معرفته، فقيل: وما حق معرفته؟ قال: أن تعرفه بلا مثل ولا شبيه، وتعرفه إلهاً واحداً خالقاً قادراً أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، لا كفو له، ولا مثل له، فذاك معرفة الله حق معرفته».
ومن الضروري أن تكون معرفة الله بهذا المعنى، متوافرة في شخصية من يريد أن يكون من أصحابه (عجل الله فرجه الشريف) وأنصاره، لأنهم سيعكسون صورة الإنسان المسلم الحقيقي بل وصورة الإمام في مجتمعاتهم، لأنهم يؤدون دوراً تبليغياً إلى جانب الدور الجهادي الذي يمارسونه، ولا بد لهذه المعرفة من الاقتران بالتوفيق الإلهي الذي يحتاج إلى المثابرة على العبادة والدعاء والتهجد والمعاني الروحية.
ثالثاً: الشجاعة والاستعداد للتضحية، فقد ورد في الحديث: «ويلقي الله محبته لإمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في صدور الناس فيسير مع قوم أسد بالنهار، رهبان بالليل».
وفي حديث آخر: «يخرج إليه الأبدال أي الصالحين من الشام، وعصب أهل المشرق، وإن قلوبهم زبر الحديد، رهبان الليل ليوث النهار».
وفي حديث ثالث: «هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذٍ... ».
رابعاً: الارتباط بالإمام والانقياد له وطلب الشهادة في سبيل الله تعالى بين يديه: فقد ورد في حديث جامع عن مواصفات أنصار الإمام عن الإمام الصادق قال: «رجال كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في ذات الله، أشد من الجمر، لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براية بلدة إلا خربوها، يتمسحون بسرج الإمام (عجل الله فرجه الشريف) يطلبون بذلك البركة، ويحفون به، يقونه بأنفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد، فيهم رجال لا ينامون الليل، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار».
هم أطوع له من الأمة لسيدها، كالمصابيح، كأن قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة، ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله. شعارهم: «يا لثارات الحسين إذا ساروا سار الرعب أمامهم مسيرة شهر. بهم ينصر الله إمام الحق».
**************
النهضة الخمينية والتمهيد لظهور الإمام المهدي (عج)
2008-08-14
في الأحاديث الشريفة والمنجزات المشهودة
استمرار حركة الموطئة:
أولاً: قد تكون حركة الموطِّئة في إطارها العام سابقة لنهضة الإمام الخميني ومستمرة في تفاعلاتها وبعض تفصيلاتها التي ذكرتها الأحاديث الشريفة إلى ما بعد رحيل الإمام (قدس سره) والتي لم تقع بعد، إلاّ أن ذلك لا يمنع من تطبيقها على هذه النهضة بالذات باعتبارها شكلت منعطفاً تصعيدياً كبيراً بالنسبة للبدايات التي سبقت نهضة الإمام (قدس سره) ؛ وباعتبارها تشكِّل أرضية ظهور المراحل اللاحقة لحركة الموطئة مثل خروج الرايات السود وإنهاء فتنة السفياني وغير ذلك من التفصيلات المرتبطة بظهور بعض القادة الموطئين بعد وفاة قائد النهضة الإمام الخميني (قدس سره).
وعليه فانطباق تلك الأحاديث على النهضة الخمينية هو من باب إطلاق الاسم على أبرز ملامح الشيء، مثل إطلاق اسم (الصلاة) التي تعني الدعاء على العبادة المعروفة، باعتبار أن الدعاء ابرز أجزائها.
أحاديث الموطئة والتحريف العباسي:
ثانياً: ليس من الصحيح القول بأنَّ أحاديث حركة الموطئة وأصحاب الرايات السود ليست صحيحة، حيث وضعها بنو العباس لاستقطاب الدعم الجماهيري لهم وإضفاء الشرعية على خلافتهم وادّعاء الثالث من خلفائهم للمهدوية.
فهذا القول مردود بالكثير من الأدلة:
منها: كثرة هذه الأحاديث وصحّة أسانيد العديد منها، وهو ما يرجِّح أن لجوء بني العباس إلى تحريف بعضها وتطبيقها على حركتهم واختيار السواد لهم هو دليل اشتهارها بين المسلمين ولذلك حاولوا استغلالها لاستقطاب التعاطف الإسلامي معهم ضد بني أمية، يُضاف إلى ذلك أنَّ بعض الأحاديث المتقدِّمة - مثل الحديثين الرابع والخامس- تميز بين رايات بني العباس ورايات الموطئين للمهدي (عجّل الله فَرَجه)، الأمر الذي ينفي احتمال وضعها من قبلهم، إضافة إلى أن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) من المعاصرين لبدء الحركة العباسية والتالين لذلك، قد تحدّثوا عن حركة الموطئة كما رأينا في النماذج المتقدِّمة وبيّنوا أوجه التمايز بينها وبين الرايات العباسية، فلا يمكن نسبة أحاديثهم للوضع العباسي!
ثالثاً: كما أنّه ليس من الصحيح القول بأن هذه الأحاديث وإن انطبقت على النهضة الخمينية وامتداداتها اللاحقة لكنّها قد تنطبق على قوم آخرين أيضاً يكونون هم الموطئين للمهدي سلطانه.
وردّ هذا القول أوضح من سابقه، فهو نمط من الرجم بالغيب دونما دليل، فكيف يمكن الإعراض عن مصداق مشهود محسوس لتلك الأحاديث والتوجه إلى مصداق محتمل قد يأتي في المستقبل وقد لا يأتي؟
وإذا كانت النهضة الخمينية هي مصداق حركة الموطئة، فهل يعقل أن الأحاديث الشريفة قد أغفلت ذكرها وقد أثبت الواقع العملي ومنجزاتها المشهودة قوة آثارها العملية في التمهيد لظهور المهدي (عجّل الله فَرَجه) كما سنرى في القسم الثالث من هذا البحث؟
إن الأحاديث الشريفة ذكرت الكثير من الحوادث الجزئية كعلائم لظهور المهدي (عجّل الله فَرَجه) فهل يمكن أن تغفل حادثة كبيرة لم يشهد التاريخ الإسلامي نظيراً لها ـ مثل النهضة الخمينية ـ ؟
كما أن الأحاديث الشريفة تتحدّث عن واجبات إلزامية للمسلمين تجاه حركة الموطئة كوجوب النصرة والإتباع والالتحاق بها مهما كانت الصعاب ولو
(( حبواً على الثلج )) وهي إشارة إلى شدّة صعوبة الالتحاق بها؛ فكيف يمكن تصوّر أنها تأمر بذلك ثم تقول بأن المصداق الذي تنطبق عليه الصفات التي حددتها لحركة الموطئة قد يكون (متشابهاً) أو أكثر من واحد ؟ إن تعليق مثل هذه الواجبات ينبغي أن يكون بمصداق واضح المعالم يمكن الجزم بأنه هو المقصود وحده دونما ترديد لا على أكثر من مصداق.
إذن الأحاديث الشريفة الواردة بشأن حركة الموطئة والمواصفات التي تحددها تنطبق على النهضة الخمينية بجذورها وامتداداتها، وهذا ما تقود إليه الدراسة المتأنية لهذه الأحاديث كما أشرنا لذلك بصورة موجزة في القسم الأول من هذا البحث.
وقد ظهرت عدة دراسات روائية تناولت إثبات هذه الحقيقة مثل دراسة الشيخ مهدي الفتلاوي المطبوعة تحت عنوان (دولة الموطئين للمهدي ( عجّل الله فَرَجه) في كتاب الأخبار لأهل السنّة)، ودراسة الشيخ على الكوراني المطبوعة تحت عنوان (الممهدون)، ودراسة الشيخ محمدي ريشهري المطبوعة بالفارسية تحت عنوان ترجمته (الموطنون لثورة المهدي العالمية) ودراسة الشيخ علي أكبر ذاكري المطبوعة بالفارسية تحت عنوان ترجمته (الثورة الإسلامية الإيرانية في الآيات والروايات) وغيرها.
التمهيد للثورة المهدوية في كلام الإمام الخميني:
يُضاف إلى ذلك موقف رائد هذه النهضة وقائدها الأكبر الإمام الخميني (قدس سره) في تحديد دور نهضته، ويمتاز هذا الموقف بأهمية خاصة بحكم مكانة صاحبه ومعرفته بمسار النهضة التي قادها والمحدد لأهدافها الإستراتيجية. وقد أثبت الواقع شدّة تأثير أفكاره في تحديد مسيرة النهضة حتى بعد وفاته (قدس سره)، وتتأكد هذه الأهمية بملاحظة أنّ كل من درس سيرة الإمام الخميني يعرف جيداً دقته في استخدام العبارات والأوصاف في مواردها الواقعية، وابتعاده كل البعد عن المبالغات والمواقف التي لا تستند إلى حقائق واقعية ثابتة.
الجمهورية الإسلامية ورعاية الإمام المهدي (عجّل الله فَرَجه):
كثيراً ما نلاحظ في ما تم تدوينه من تراث الإمام الراحل (قدس سره) وصفه للدولة الإسلامية التي أقامها بأنّها دولة الإمام المهدي (عجّل الله فَرَجه) وأنه هو الذي يرعاها. ولهذه الإشارات دلالات مهمة على تأييد الحقيقة المستفادة من تطبيق الأحاديث الشريفة المتقدمة على هذه النهضة، ولكننا هنا نختار نصّاً واحداً يصرّح بوضوح بالدور التمهيدي لها وكونها مقدّمة الثورة المهدوية الكبرى، وإضافة إلى هذا التصريح فإن النص المختار ورد في واحد من أواخر البيانات التي أصدرها قبل فترة وجيزة من وفاته، ولذلك فهو يمثِّل بلورة ناضجة بالكامل لدور نهضته ومسارها المستقبلي.
الثورة الإيرانية طليعة الثورة المهدوية:
يقول الإمام الخميني (رضوان الله عليه) في مقاطع من بيانه الذي أصدره بمناسبة ذكرى النصف من شعبان ذكرى مولد المهدي المنتظر(عجّل الله فَرَجه) بتاريخ 14/ شعبان/ 1408هـ أي قبل وفاته بشهرين ونصف:
( سلامٌ وتحية إلى الحضرة القدسية، إلى وليد النصف من شعبان وخاتم ذخائر الإمامة حضرة بقية الله ( الإمام المهدي ) أرواحنا فداه، وهو وحده ناشر العدالة الخالد، والحامل الأكبر للواء تحرير الإنسان من قيود الظلم والجور الإستكباري.
سلامٌ عليه، وسلام على منتظريه الحقيقيين، سلام على غيبته وظهوره، وسلام على الذين يدركون (على نحو الحقيقة) ظهوره، ويرتوون من شراب هدايته ومعرفته وسلام على الشعب الإيراني العظيم الذي يمهِّد طريق ظهوره بالتضحيات والفداء والشهادة.
على مسؤولينا أن يعلموا بأن ثورتنا لا تنحصر في حدود إيران، إن ثورة الشعب الإيراني هي نقطة البداية لثورة العالم الإسلامي الكبرى التي يحمل رايتها الحجة الإمام المهدي (أرواحنا فداه)، مَنَّ الله على المسلمين والبشرية جمعاء بجعل ظهوره وفرجه في العصر الحاضر ...
على حكومة الجمهورية الإسلامية أن تبذل قصارى جهدها لإدارة شؤون الشعب بأفضل ما يمكن؛ ولكن لا ينبغي أن يغفلها عن أهداف الثورة الكبرى في إقامة الحكومة الإسلامية العالمية)(1).
عدم استقلال النهضة الخمينية عن الثورة المهدوية
وكما هو واضح من التدبّر في النص المتقدّم فهو صريح في تأكيد الدور التمهيدي الذي تقوم به هذه النهضة تجاه الثورة المهدوية الكبرى؛ الأمر الذي يغنينا عن إطالة الكلام في توضيح مغزاه، فنكتفي بالإشارة إلى بعض النقاط التكميلية المرتبطة بالبحث:
1- إن النهضة الخمينية هي منطلق الثورة الإسلامية الكبرى، الأمر الذي يشير إلى استمرار تفاعلاتها وانتشار أفكارها وتنامي امتداداتها في العالم الإسلامي باستمرار حتى تتوج بظهور الإمام المهدي (عجّل الله فَرَجه)، وهذه الحقيقة يدعمها الواقع السياسي المعاصر الذي يشهد انتشار الأفكار الخمينية في مختلف البلدان الإسلامية مجسَّدةً بتنامي تيار الصحوة الإسلامية والمطالبة بتطبيق الشريعة .
2- إن النهضة الخمينية ليست مستقلة عن الثورة المهدوية الكبرى، بل هي جزء منها تحمل نفس الأهداف الإستراتيجية لها في إقامة الحكومة الإسلامية العالمية، فالراية واحدة يحملها الإمام المهدي (عجّل الله فَرَجه) نفسه.
الأمر الذي يُخرج هذه النهضة من دائرة مصاديق الرايات التي ترفع قبل ظهور المهدي (عجّل الله فَرَجه) والتي تنص بعض الأحاديث الشريفة على أصحابها الطواغيت، وعليه يكون المقصود من هذه الأحاديث الشريفة هو التحرّكات الثورية المستقلة عن التحرك المهدوي غير القائمة على أساس التمسك بالنهج الذي يمثّله، أي غير القائمة على التمسّك بولايته (عجّل الله فَرَجه) والساعية للتمهيد لظهوره.
تصديق مسيرة النهضة الخمينية للأحاديث الشريفة:
نتناول هنا الاستدلال على قيام النهضة الخمينية عملياً بالتمهيد للثورة المهدوية الكبرى، من خلال مقارنة ما أنجزته وتنجزه هذه النهضة؛ بالأهداف المحددة للثورة المهدوية. وهذا الاستدلال يثمر نتيجة مهمة في إثبات صحة أحاديث حركة الموطئة والاطمئنان بصدورها عن ينابيع الوحي حتى لو كان ثمة نقاش في أسانيدها، لأنَّ ما قامت به النهضة الخمينية صدق ما أخبرت عنه تلك الأحاديث الشريفة وجاء منسجماً بالكامل مع دلالاتها رغم صدورها قبل وقوع هذه النهضة بما يزيد على الألف عام وفي وقت لم تكن الأوضاع القائمة تحمل أي مؤشرات تدل على ما تضمنته الأحاديث من دور إيران في التوطئة للإمام المهدي الموعود (عجّل الله فَرَجه)، الأمر الذي يثبت بالتالي أن ما أخبرت عنه هو من أنباء الغيب الصادقة التي لا يمكن صدورها إلاّ من جهة ينابيع الوحي ومن ارتضاه علاّم الغيوب عزَّ وجل لإطلاعه على بعض أخبار الغيب.
أهداف ثورة المهدي ومنجزات النهضة الخمينية:
ولتوضيح هذا الدليل العملي ينبغي
أولاً: معرفة أهداف الثورة المهدوية وما يحققه الله على يدي وليه الإمام المهدي (عجّل الله فَرَجه).
ثانياً: معرفة ما حققته النهضة الخمينية وتحقّقه تفاعلاتها على الواقع العملي وعلاقته بتلك الأهداف، ثم المقارنة بينهما لمعرفة مدى صدق مقولة أن النهضة الخمينية هي الحركة الموطئة للظهور المهدوي.
وحيث إنَّ ما سيحققه تبارك وتعالى على يدي المهدي الموعود (عجّل الله فَرَجه) هو من أنباء الغيب المستقبلية، لذا فإنَّ طريق معرفته تكمن في الرجوع إلى ينابيع الوحي والتدبّر فيما تحدّثت عنه الآيات الكريمة وصحاح الأحاديث النبوية خاصةّ المتفق عليها بهذا الشأن، واستخلاص الأهداف العامّة للثورة المهدوية الكبرى منها.
أما فيما يتعلق بالجانب الثاني، فإن النهضة الخمينية حركة معاصرة ويمكن معرفة إنجازاتها الحضارية من التدبّر المنصف في التغييرات التي أحدثتها على الصعيد العالمي والقيم الإسلامية التي أحيتها والآثار التي تركتها على العالم الإسلامي وغيره والآثار المتوقعة من استمرار تفاعلاتها المشهودة.
الأهداف المهدوية في النصوص الشرعية:
عندما نرجع إلى القرآن الكريم والأحاديث الشريفة المتفق على صحتها بين المسلمين، نرى أنها تحدّد للثورة المهدوية الكبرى الأهداف الرئيسة نوجزها على النحو التالي:
أولاً: إظهار الإسلام على الدين كلّه وغلبته على سائر الأديان، وهذا ما تصرّح به عدّة آيات كريمة مثل الآيات (32 - 33) من سورة التوبة، والآيات (8 - 9) من سورة الصف وغيرها. وقد اتفقت الأحاديث الشريفة من طرق أهل السنة والشيعة وكذلك آراء مفسرّيهم على أن الهدف الحتمي التحقق لتعلق الإرادة الإلهية به إنما يكون في عصر المهدي المنتظر (عجّل الله فَرَجه)(2).
ثانياً: إنهاء الردة عن الدين الحق وإنهاء تبعية المسلمين وموالاتهم لليهود والنصارى كما تحدّثت عن ذلك الآيات الكريمة (51 - 54) من سورة المائدة، وقد فصل الحديث المستدل بالقرآن والسنّة عن دلالتها على ما يجري في عصر المهدي الموعود العلاّمة الطباطبائي في تفسيره القيم (الميزان)(3).
ثالثاً: إنهاء الظلم والجور وإقامة الدولة الإسلامية العالمية العادلة كما نصَّت على ذلك الأحاديث الشريفة المتَّفق على صحتها وتضمّنته عددٌ من الآيات الكريمة.
رابعاً: إزالة الشرك وتطهير الأرض منه بالكامل ونشر التوحيد الخالص والعبادة الحقّة لله تبارك وتعالى كما هو المستفاد من الآية (55) من سورة النور وكذلك الآية (56) من سورة الذاريات وغيرها(4). وإقامة المجتمع الموحد الصالح الذي يعبد الله وحده لا شريك له ويقيم الصلاة ويُؤتي الزكاة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
خامساً: إيراث الأرض وحاكميتها لعباد الله الصالحين الذين استضعفوا في الأرض لانتمائهم التوحيدي ويدلُّ على ذلك عدّة من الآيات الكريمة، كالآية (55) من سورة النور، والآية (5) من سورة القصص والآية (105) من سورة الأنبياء.
هذه هي الأهداف العامة للثورة المهدوية الكبرى طبق ما دلّت عليه الآيات الكريمة وصحاح الأحاديث النبوية.
ــــــــــــــــــــــ
(1) صحيفة نور21 / 107-108، الطبعة الفارسية الأولى.
(2) راجع تفسير الفخر الرازي، التفسير الكبير، 16: 40، وتفسير الدر المنثور للسيوطي، 4: 176، تفسير الطبري، 14: 215، وتفسير القرطبي، 8: 121، ومجمع البيان للطبرسي، 5: 35.
(3) تفسير الميزان، 5: 366-400.
(4) من المفيد في هذا الجانب مراجعة البحث الاستدلالي المفصّل الذي أورده السيد محمد الصدر في تاريخ الغيبة الكبرى: 254 وما بعدها.
**************
عقيدتنا بالإمام المهدي (عج)
2008-08-14
قضية المهدوية من القضايا الأساسية في الإسلام
إنّ قضية المهدوية من القضايا الأساسية في الإسلام ولا ينفرد بها الشيعة دون سواهم، وإنما تذهب الفرق الإسلامية بأجمعها إلى أنّ المهدي(ع) من النسل الطيّب الطاهر لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وانه سيملأ العالم قسطاً وعدلاً وسيظهر لإقامة دين اللّه وبسط الحق. كما ويعتقد غير المسلمين على نحو أو آخر بمستقبل مشرق للبشرية يتحقق خلال قضية المهدوية.
أما الخاصية التي تتفرد بها العقيدة الشيعية في هذا المجال فهي عدم وجود أي غموض فيها لأنَّ الشيعة يحيطون بكل تفاصيل هذا الموضوع وعلى معرفة تامة بشخصية المهدي (عليه السلام)؛ فنحن نعرف وليّنا وسيّدنا وإمامنا، وسيد العالمين؛ ونعرف أباه وأمّه وتاريخ ولادته وكل ما يتعلق بولادته المباركة، وهنالك من نقلوا هذه القضايا بأخبار صادقة موثّقة. وهذه الأمور كلّها واضحة لدينا ولا لبس فيها. ومعنى هذا إننا على بيّنة بمن نحب وبمن نؤمن ونعتقد.
كان إمامنا المعصوم، بقية عترة الرسول وأهل البيت، قائماً طوال الأزمنة الأخيرة بين المجتمعات البشرية، وهو موجود اليوم بين ظهرانينا؛ إلا أنّ الحكمة الإلهية اقتضت أن نعيش هذا الانتظار الكبير، وان يعيش الإمام ذاته مثل هذا الانتظار أيضاً؛ انتظار ذلك اليوم الذي يظهر فيه بنهضة كنهضة الأنبياء تنتهي بنصر ساحق على جبهة الكفر والنفاق، وينقذ العالم من الظلم والجور والتمايز والتسلط والاستغلال؛ وسيأتي ذلك اليوم ويتحقق هذا الوعد.
أعدى أعداء هذه العقيدة، وأشدهم عداءً لشخصه منذ يوم غيبته، بل ومنذ يوم ولادته، هم الظلمة الذين اقترنت حياتهم بالجور والتسلط، وهم مصرّون على مقته وعلى مقت هذه الظاهرة الإلهية وهذا السيف الرباني. كما أنّ المستكبرين والظلمة يعارضون اليوم ويناوئون هذه الفكرة وهذه العقيدة، لمعرفتهم بأنَّ هذه العقيدة وهذا الحب المغروس في قلوب المسلمين، والشيعة خاصة، يضيّق على مآربهم الجائرة.
أشرت في وقت ما إلى أنّ المستعمرين حينما احتلوا شمال أفريقيا، قدّم لهم عملاؤهم تقارير ـ وهي مدونة وموجودة ـ تفيد بأنَّ محاربة مثل هذه الشعوب في غاية الصعوبة، وذلك بسبب اعتقادهم بالمهدوية.
الاعتقاد بالمهدي مصدر فيض ونور وأمل
إنّ هذه العقيدة ستكون بالنسبة للشيعة ـ فيما إذا فهموها على حقيقتها وتعاملوا معها كما ينبغي ـ مصدر فيض ونور، كما أنها توجب أيضاً على كل مسلم وعلى كل مؤمن بها وعلى كل شيعي أن يسعى فكراً وعملاً للحفاظ على علاقته المعنوية والفكرية بإمام زمانه، وتربية وتهذيب ذاته بالشكل الذي يبعث الرضا في نفس هذا الإمام المعصوم الذي يحيط ـ بإذن اللّه وإرادته ـ بكل حركة من حركاتنا؛ أضف إلى ذلك أنّ لهذه العقيدة آثاراً وخصائص ذات أهمية بالغة بالنسبة لجميع الشعوب ومنها شعبنا، ومن أهم هذه الخصائص والآثار هو الأمل بالمستقبل.
يعلم كل شيعي أن بساط الظلم والجور والتسلط الموجود اليوم في العالم سيطوى ذات يوم ـ وقد يكون قريباً جداً، أو قد يكون بعيداً، إلا أنّه على كل الأحوال سيأتي قطعاً ـ ويوقن أنّ هذا الوضع الذي أوجده المستكبرون في العالم ـ من قبيل الضغط على كل من ينطق بكلمة حق أو ينتهج سبيل الحق، وفرض إرادتهم الفاسدة على الشعوب ـ سينتهي يوماً ما، وسيجد الطغاة والمستبدّون والقوى المتجبرة أنفسهم مضطرين للاستسلام أمام الحق يوماً ما، أو آن يُزالوا عن طريق حركة الحق. وهذه حقيقة يؤمن بها كل مسلم، وكل شيعي على وجه الخصوص.
من الطبيعي أنّ هذه العقيدة تزرع الأمل في النفوس وتدفع كل خير ومصلح إلى أداء واجبه على طريق الإصلاح برغبة مفعمة بالأمل بالمستقبل؛ فانظروا إلى مدى أهمية هذه العقيدة ومدى ما بها من فاعلية وتأثير. أود أن أعرض في ما يلي نقطة ذات أهمية بالغة وخاصة لأبناء شعبنا؛ وذلك أنّ أهم عنصر يتيح التسلط على الشعوب هو سلبها الثقة والأمل بالمستقبل وزرع اليأس والتشاؤم فيها إزاء الوضع القائم.
**************
الإمام المهدي مختارات من كلمات الإمام الخميني
2008-08-14
ما أسعدَ وما أعظم بركة ذلك اليوم الذي يتخلّص العالم فيه من ظلمات الفِتَن والخداع، وتسود فيه حكومة العدالة الإلهية على جميع آفاق الدنيا، ويتمُّ إقصاء المنافقين والمحتالين بعيداً عن الساحة، وترفع راية العدالة والرحمة الإلهية في كل الأرض، وتخضع البشرية جمعاء لقانون العدالة الإسلامي، وتنهار صروح الظلم والظالمين، وتتحقق الغاية التي من أجلها بُعث الأنبياء (عليهم السلام)، وجاهد من أجلها حُماة الأولياء (عليهم السلام)، وتعُمّ البركات الإلهية في أرجاء الأرض، وتنكسر الأقلام المأجورة، وتُستأصل الألسنة النفاقية، ويهيمن سلطان الله تعالى على العالمين، وينزوي الشياطين والمتشيطنون..
(صحيفة الإمام) 14: 472
***
إنَّ غيبة إمام الزمان (عجل الله فرجه الشريف) من القضايا المهمة التي تفيدنا أموراً، منها: أنّ هذا الإنجاز العظيم، الذي هو تحقيق سيادة العدل بالمعنى الحقيقي في جميع الدنيا، لم يكن في البشرية أحدٌ ادَّخره الله من أجله ـ أي هذا الإنجاز ـ ما عدا الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).
في زمان ظهور المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) الذي أعدَّهُ الله تعالى، حيث لا يوجد أحدٌ في البشرية من الأوَّلين والآخرين تحقّقت له هذه القدرة، وإنَّما توفّرت للإمام المهدي المنتظر، الذي يحقّق وينشر العدالة في جميع العالم، وهو ما لم يتمكّن الأنبياء (عليهم السلام) من تحقيقه، بالرغم من أنهم بُعثوا لخدمة هذا الهدف السامي، فاختار الله المهدي المنتظر، وادّخره لكي يتحقّق على يديه المباركتين ذلك الطموح الذي كان ينشده الأنبياء والأولياء، ولكن حالت الظروف والموانع عن أن يصلوا إلى منشودهم.
في زمن ظهوره حين يأتي إن شاء الله تعالى سوف ينقذ البشرية من حالة الانحطاط التي تعاني منها، ويقيم كلّ الاعوجاج والانحرافات، (يملأ الأرض عدلاً بعدما مُلئت جوراً).
قد يتصوّر البعض أنّ معنى هذه العدالة هو أن تتحقّق حكومة عادلة لا تنحرف أبداً باتجاه الظلم.. وهو تصوّر لا يعبّر بصورة كاملة عن العدل الذي يُحقّقُه الإمام المهدي المنتظر؛ إذ معنى ملء الأرض عدلاً أسمى وأرفع وأكثر سعة وشمولية من مجرّد قيام دولة عدلٍ لا تحيف.
إنّ الأرض ملأى بالظلم، ولعلّها ـ فيما بعد ـ أسوأ حالاً.. إنّ النفوس جميعها تشتمل على اعوجاج وانحراف، حتى نفوس الكُمّل من الناس، ولو بتلك الدرجة التي يصعب معها الالتفات والعلم بوجود الاعوجاج والانحراف في نفوسهم.
أخلاق الناس فيها انحرافات.. والعقائد فيها انحرافات.. والسلوكيات فيها انحرافات، وما أوضح الانحرافات والزيغ في أعمال البشر..!
إنّ الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) يحمل على عاتقه مسؤولية تقويم وتصحيح جميع صور الانحرافات المذكورة؛ ليعيد جميع الخطى على جميع الأصعدة في مسار الاستقامة والاعتدال، بحيث يتحقّق على أرض الواقع معنى (يملأ الأرض عدلاً بعدما مُلئت جوراً)
(صحيفة الإمام) 12: 481
***
إنَّنا نأمل أن تحقّق دولة الاقتدار الإسلامي، بالقدرة التي تستند إلى العدل، لا القدرة التي تستند على الحراب والأسنّة.
نأمل أن تحقّق هكذا سُلطة؛ لتُظلَّ تحت رايتها البشرية جمعاء.
إننا موعودون بظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، وفي ظلّ دولته سوف تتلاشى الاختلافات، ويتعايش الجميع بأخوّة، وتنتفي سُلطة الاستبداد والقهر إلى الأبد.
( صحيفة الإمام) 11: 298
***
لا تقولوا: دعوا كل شيءٍ حتى يظهر الإمام ×. هل أحدكم يترك الصلاة بحجّة أن يصليها حين يأتي الإمام؟ إنّ حفظ الإسلام أوجب وأهمُّ من الصلاة. لا تتبنّوا منطق حاكم (خمين) الذي كان يقول: لابدَّ أن تنتشر المعاصي، ويُروّج لها؛ حتى يأتي الإمام (عليه السلام)، إذا لم تسُد المعاصي وتنتشر، لن يظهر الإمام..!
(ولاية الفقيه) ص 58
**************
التوطئة والتمهيد لظهور الإمام المهدي من وجهة نظر الإمام الخميني
2008-08-14
ويستفاد من الروايات وكلمات الإمام الخميني (عجل الله فرجه الشريف): إن التوطئة والتمهيد لظهور الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) والتأسيس لمشروعه الإلهي العالمي، يكون عبر خطوات كثيرة منها:
1 ـ الالتزام بتعاليم الإسلام وأحكامه وقيمه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله ضد الأعداء ومواجهة الظالمين والمستكبرين.
2ـ العمل على نشر الإسلام وتعريف الناس به وتقديمه لشعوب العالم كطرح بديل ومنقذ وكخيار وحيد لإخراج الناس من الظلمات إلى النور وتقديم صورة مشرقة نقية وصافية وأصيلة عن الإسلام للعالم من خلال سلوكنا ومواقفنا وجهادنا.
3 ـ السعي لإقامة الحكومة الإسلامية التي تمثل القاعدة التي تحكم بالإسلام.
4 ـ إعداد جيل مؤمن واعٍ مخلص ومضحٍ وبحجم المسؤولية يتولى نصرة الإمام والإعداد لظهوره وعياً وإيماناً وتنظيماً وقوةً.
5 ـ تربية الأمة وخصوصاً شيعة الإمام على طاعته والالتزام بأوامره والتقيد التام بتوجيهاته، وقد ورد في صفات أنصار الإمام أنهم أطوع للإمام من بنانه.
والحقيقة أن من أراد أن يكتشف مدى طاعته للإمام (عجل الله فرجه الشريف) عندما يخرج فليكتشف الآن مدى طاعته لنائب الإمام الذي أمرنا بطاعته فإن المقياس في مرحلة الغيبة هو الطاعة لولي الأمر، ومن لا تساعده نفسه ولا دينه ولا عقله ولا شهواته ولا أهوائه ولا طموحاته ولا ميوله على طاعة نائب الإمام المهدي في زمن الغيبة فلن يكون مطيعاً للإمام حين الظهور.
وعلى أساس ما تقدم ننتهي إلى النتيجة التالية وهي: أن الانتظار ليس هو الرصد السلبي للظهور وللأحداث المتوقعة من دون أن يكون لنا دور فيه سلباً أو إيجاباً.. كما نرصد خسوف القمر وكسوف الشمس.. وإنما هو حركة وفعل وجهد وجهاد وعطاء وتضحية وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وهذا المفهوم الايجابي للانتظار هو الذي يستحق هذه القيمة الكبيرة التي تعطيها النصوص الإسلامية له كقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «أفضل أعمال أمتي الانتظار»، وقوله: «انتظار الفرج عبادة»، أو «المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه».
يقول الإمام الخميني (قدس سره): علينا أن ننظر في صحيفة أعمالنا قبل أن تصل إلى محضر الله ومحضر صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف).
**************
خصائص الاعتقاد بالإمام المهدي (عج)
2008-08-14
يعتبر يوم النصف من شعبان واحداً من أهمّ أيام السنة والذي تصادف فيه ذكرى ولادة ذي الجود المسعود بقية اللّه (أرواحنا فداه)، اضافة إلى ليلة ويوم النصف من شعبان الذي يُعدّان ـ ناهيك عن ولادة هذا الإمام الهمام في مثل هذا اليوم والليلة ـ من الايام والليالي المباركة. ليلة النصف من شعبنا ذات بركة كبيرة جداً، وتلي في اهمّيتها ليالي القدر، وهي من أوقات التوجّه والتوسل إلى اللّه والابتهال إليه. ولهذه الليلة أعمالها وادعيتها الخاصة، إذا وفقتم لأدائها لعلكم تحظون بالقبول عند اللّه، وعلى من اغفلها ولم يلتفت إليها أن يتذكّر ويغتنمها في الأعوام القادمة في كل سنة.
كما تكتسب قضية ولادة الإمام المهدي (عليه الصلاة والسلام وعجل اللّه تعالى فرجه الشريف) أهميّة أخرى حيث ترتبط بمسألة الانتظار، والعهد الموعود الذي بشّر به مذهبنا، بل وبشّر به أيضاً الدين الإسلامي الحنيف. وعلينا أن نستذكر هذا العهد الموعود به في آخر الزمان، وهو عهد المهدي، ونؤكد عليه على الدوام ونجري بشأنه دراسات دقيقة ونقدّم بحوثاً مفيدة.
لقد تعرّضت جميع العقائد البنّاءة لهجمات من خصومها. أعلموا أيّها الأخوة والأخوات أنّ هذه النقطة في غاية الأهمية! لاحظوا كم يجب علينا أن نكون متيقّظين اليوم! إذ أنهم نقّبوا حتى في تعاليم الإسلام وأحكامه وحيثما وجدوا في الشرع المقدّس معتقداً أو حكماً له تأثير إيجابي واضح وكبير في حياة ومستقبل الفرد والمجتمع والأمة الإسلامية وقفوا بوجهه وقاوموه بشكل أو آخر؛ لعلهم يستطيعون القضاء عليه، فإن لم يصلوا إلى غايتهم حاولوا التلاعب بمحتواه.
ولعل البعض يتساءل مستبعداً: وما شأن العدو، وكيف يتسنى له تجريد العقائد الإسلامية من فائدتها للناس؟ وهذا التصور خاطئ طبعاً. فالعدو قادر على ذلك ولكن لا على المدى القصير، بل على امتداد فترة طويلة قد تمتد إلى عشرات السنين حتى يستطيع طمس بؤرة مضيئة فيها أو إفراغها من جوهرها، أو إبراز نقطة مظلمة. فقد يبذل أحدهم جهوداً محمومة على مدى سنوات طويلة وينفق الأموال، ولكن لا يصل إلى نتيجة، فيأتي آخرون من بعده ويمضون على نهجه. لقد تعرضت مُعتقدات المسلمين للكثير من أمثال هذه الأعمال، كما حصل مع عقيدة التوحيد، وعقيدة الإمامة، وكذلك المفاهيم الأخلاقية كمفهوم الصبر، والتوكّل، والقناعة.
هذه كلها نقاط بنّاءة بارزة لو استوعب المسلمون حقيقتها لكانت بمثابة المحرك الذي يسهم في تقدم المجتمع الإسلامي نحو الأمام. ولكنهم بعدما تحايلوا عليها وغيروا مضامينها وبدّلوا معانيها وألقوها في الأذهان على صورة أخرى مغايرة لأصلها، استحال ذلك المحرّك إلى داء مخدر ومنوّم.
كما أنّهم حاولوا كثيراً ذلك مع عقيدة المهدي الموعود التي تنص على ظهور رجل في آخر الزمان من آل بيت الرسول يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويقضي على الظلم والتمايز والاستغلال والطبقية. وهذه العقيدة لا تختص بالشيعة وحدهم، بل يؤمن بها المسلمون كافّة، ولكن لبعض الفرق كلاماً آخر في تفاصيلها وتفريعاتها، إلا أنّ أصل القضية ينص على أنّ رجلاً من عترة رسول اللّه (ص) سيقوم في وقت ما بحركة إلهية جبّارة و«يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً». هذه القضية متواترة عند جميع المسلمين، ومقبولة لديهم كافة.
هذه العقيدة ذات قدرة كبيرة على حل المعضلات. ونتيجة لما تتصف به هذه العقيدة من قدرة وفاعلية؛ فقد حاول الأعداء، والأصدقاء الجهلة أحياناً، إفراغها من محتواها ـ وقد تكون الضربة التي تأتي من الصديق الجاهل أكثر إيلاماً من ضربة العدو العاقل ـ إلا أنّ محور حديثنا يدور هنا حول محاولات العدو العاقل ضد هذه العقيدة.
اطّلعتُ على وثيقة تتعلق بعدّة عقود مضت؛ أي منذ أوائل تغلغل الاستعمار في شمال أفريقيا ـ وإنّما صار التركيز على تلك المنطقة بسبب شدّة ميول سكّانها إلى أهل البيت بغض النظر عن المذهب الذي يعتنقونه من بين المذاهب الإسلامية، ولأنّ عقيدة المهدوية بارزة المعالم هناك في بلدان مثل السودان والمغرب وما شاكل ذلك، فحينما دخل الاستعمار إلى تلك المناطق في القرن الماضي وجد أنّ عقيدة المهدوية من جملة العراقيل التي تعيق نفوذه هناك ـ يؤكد في الوثيقة القادة المستعمرون على ضرورة العمل لإزالة عقيدة المهدوية تدريجياً من أذهان الناس! وكان المستعمرون الفرنسيون والمستعمرون الانجليز يسيطرون على تلك المناطق حينذاك ـ والاستعمار استعمار من أيّ كان ـ.
أدرك المستعمرون الأجانب انه طالما بقيت عقيدة المهدوية راسخة في أذهان تلك الشعوب، لا يمكن التحكّم بتلك الشعوب كما ينبغي!. لاحظوا مدى أهمية عقيدة المهدوية. ولاحظوا مدى فداحة الخطأ الذي يرتكبه البعض باسم التجديد والانفتاح الفكري، بإثارتهم الشكوك حول المعتقدات الإسلامية بلا وعي ولا دراسة ولا معرفة لطبيعة العمل الذي يقومون به؛ فهؤلاء يؤدّون بكل سهولة نفس الغرض الذي يرمي إليه العدو.
هذه هي خصائص المعتقدات الإسلامية.
تتسم عقيدة المهدوية بجملة من الخصائص التي تكون بالنسبة لكل شعب بمثابة الدم في الجسم، وبمثابة الروح في البدن، ومن جملة تلك الخصائص خاصّية الأمل. فقد تصل القوى المتغطرسة المتجبّرة بالشعوب الضعيفة إلى درجة تفقدها الأمل؛ وإذا فقدت الأمل لا تستطيع القيام بأي عمل، وتفقد الثقة بجدوى أي اجراء قد تلجأ إليه، متصوّرة أنّ الوقت قد فات، وأنّها لا قدرة لها على مجابهة هذا الخصم بأي نحو كان.
هذه هي روح اليأس التي ينشدها المستعمر. وكم يتمنى الاستكبار العالمي اليوم أن تمنى الشعوب الإسلامية، ومنها الشعب الإيراني العزيز بهذه الحالة من اليأس، فترى مَن يقول: فات الأوان. لا يمكننا فعل شيء! لا فائدة من التحرك! يلقون هذه المفاهيم في أذهان الناس بالإكراه والقوة.
إن الاعتقاد بالمهدوية، وبفكر المهدي الموعود أرواحنا فداه، يحيي الأمل في القلوب، والإنسان الذي يؤمن بهذه العقيدة لا يعرف اليأس طريقه إلى قلبه أبداً؛ وذلك لثقته بحتمية وجود نهاية مشرقة، فيحاول إيصال نفسه إليها بلا وجل من احتمالات الإخفاق.
... ومن الطبيعي أنهم حينما يفشلون في استلاب هذه العقيدة من النفوس يحاولون تشويهها في الأذهان. ولكن كيف يتم تشويه هذا المعتقد؟ يتم ذلك عن طريق القول: إنّ المهدي سيظهر وهو الذي يصلح جميع الأمور، وليس علينا شيء!. هذا تشويه لهذه العقيدة، وتحويلها من محرّك دافع إلى إطار لا فاعلية فيه، ومن دواء مقو إلى داء مخدّر ومنوّم.
نعم يظهر المهدي أرواحنا فداه ويصلح الأمور، لكن ما هو واجبكم اليوم؟ واجبكم اليوم هو أن تمهّدوا له الأمور لكي يأتي وينطلق من تلك القاعدة المهيّئة؛ لا يمكن الانطلاق من نقطة الصفر. المجتمع الذي يمكنه أن يتقبّل حكومة المهدي الموعود أرواحنا فداه هو المجتمع المستعد المتوفر على القابلية لذلك، وإلا فسينتهي إلى نفس المصير الذي انتهى إليه الأنبياء على امتداد التاريخ.
ما هو السبب الذي لم يتمكن معه الكثير من أنبياء أولي العزم من تطهير العالم من الفساد والرذيلة؟ السبب هو أنّ الظروف لم تكن مهيئة. ولماذا لم يتمكن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام من اجتثاث جذور الفساد في عهده رغم ما كان يتصف به من قوّة ربّانية، ومع ماله من علم متصل بمعدن الحكمة الإلهية، ومع تلك الإرادة الراسخة، ومع كل تلك المناقب، ومع كثرة توصيات الرسول (ص) به؟
بل وقع العكس، وأزيح هو عن الطريق! فـ «قتل في محرابه لشدّة عدله» وذلك لأن الظروف والأجواء لم تكن مهيئة؛ عكّروا الأجواء عليه، واختطّوا حب الدنيا وتحقيق المطامع نهجاً في وجهه، فالذين اصطفوا في مواجهة أميرالمؤمنين (ع) في أواخر عهده أو في أواسطه لم تكن لديهم أرضية راسخة من التدين والورع. فإذا لم تكن الظروف مهيئة تنتهي إلى وقوع أمثال هذه النكبات.
فإذا ظهر إمام الزمان (عليه الصلاة والسلام) في ظروف غير مهيئة سينتهي إلى نفس تلك النهاية، إذن فلابدّ من التمهيد له. ولكن كيف يتحقق هذا التمهيد؟ يتحقق بنفس الصورة التي تشاهدون أمثلة لها في مجتمعكم. في إيران الإسلامية اليوم تألّق معنوي لا نظير له في أي موضع آخر من العالم، على حد علمنا.
... إذن من الممكن تمهيد الأجواء. وإذا اتّسع بإذن اللّه وجود مثل هذه الأجواء تكون الأرضية قد وطّئت أيضاً لظهور بقية اللّه أرواحنا فداه، وتتحقق عند ذاك هذه الأمنية العريقة التي طالما راودت أذهان البشرية وأذهان المسلمين.
**************
الإمام المهدي (عج) ناموس الوعي الكوني
2008-08-23
جاءت كل المجتمعات البشرية من أجل فهم وجودها أولا، الشيء الذي استهلكته بعض الحضارات الغابرة في الزمن كحضارات الفراعنة وقبلها حضارات منسية وصلت إلى أوج التقدم الإنساني وهي حضارات كونية مثل حضارة أطلنتيس الغارقة في الزمن، فهل المجتمعات البشرية (الإنسانية) اليوم بكل اثنياتها وعرقياتها ودياناتها قد فهمت ما يجب عليها فعلا أن تعيه في علاقتها مع كينونتها الوجودية، كما فعلت تلك الحضارات الغابرة في الزمن؟ أم أنها غارقة في حل مشاكلها ووسخها الحضاري المتمثل في التلوث البيئي والاجتماعي والأسري؟
لا أظن أن هذا الزمن المعبر عنه بزمن العولمة قادر على تخطي ما أنتجه من نفسه،لأنه كان أنانياً في تعاطيه مع معطيات الماضي ولأنه كذلك استقل بذاته في ذاته فأنتج بشراً صناعياً يحمل مفاهيم مغلوطة عن الخلافة.
وللخروج من الأزمة المفتعلة بالطاقة الإنسانية علينا أن ننتج وعياً كونياً إدراكياً حركياً أنتظارياً يصلح فينا ما أنتجته الأنانية البشرية الحاقدة على نفسها،( وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)، ولا يتم لنا ذلك إلا عبر مسارات وجودية أرادتها الإرادة الإلهية الكلية والمتمثلة في الإنسان الكامل والذي يمكننا من خلال الاعتقاد به والاتصال بحضرته في عصر غيبته (نظرية الغيبة عند الشيعة الإثنى عشرية)، أن نكون كما أرادتنا الإرادة الإلهية بشرا يحب وجوده الغيبي والمشرق بالمعارف الإنسانية المليئة بالرحمة والحب والحرية.
ولكي يتحقق الإنسان من مصيره الأبدي كان ولا بد من حضوره في مسارات وجودية غارقة في الزمن الأول، والذي يعبر عنه بأزلية الآزال إلى أقصى زمن سوف تبصر فيه النفس الإنسانية روح الإنسان الكامل، الذي سوف يقود الإنسان أو من يريد أن يستكمل دوره الوجودي كإنسان إلى آفاق روحية رحبة يشعر معها الكائن الإنساني بحرارة الوجود وعظمته الممتدة عبر مسارات وجودية سيطر عليها النسيان والتهور والجهل، في دورات وجودية كان فيها هذا الكائن الإنساني مثقلاً بالخطيئة، تلك الخطيئة التي تجره دائما إلى التيه في بداياته الأولى غير المدركة لحقيقته.
يقول السيد المسيح عليه السلام: كثيرهم المدعوون وقليل هم المختارون' الكل مدعو إلى منسك البشرية والقليل من سيختار منسك الآدمية،ولكي يستطيع المرء منا أن ينتقل من بشريته إلى آدميته عليه المرور بحقيقة الإنسان، فالإنسان هو الواسطة بين البشرية والآدمية.
ولا يتم هذا الاتصال إلا عبر الإنسان الكامل الذي جعلته الإرادة الإلهية خليفة لها وممثلا لتجلياتها في هذه النشأة الوجودية الأرضية.
الإنسان الكامل المهدي عليه السلام يحمل سر الدهر كله
كثيراً ما تسائل الإنسان العاقل عبر وجوده الأرضي عن العدالة الإلهية وطرح في سبيل الإجابة عن هذا السؤال ما لا يحد أو يعد من الأسئلة، تلك الأسئلة جعلت الإنسان يعبد عبر مساره الوجودي الأرضي مليوني إله، فعندما يفقد الإنسان عدالته فهو يفقد في ذلك فطرته وعندما يفقد فطرته يفقد هويته وعندما يفقد هويته يفقد وجوده الحقيقي، الشيء الذي يجعله تائها في مسارات كونية غير عادلة فيسود الظلم الذي يقحم هذا المخلوق الإلهي في ظلمات العذاب والتيه. فإلى متى سيستمر هذا التيه؟
وما هو سبيل الخلاص؟
في سبيل الخلاص عبد الإنسان الدهر، فلقب أصحاب هذا المعتقد بالدهريين، ونجد هذا واضحاً في حضارة الأنكا في أمريكا الجنوبية فهم كانوا يعبدون الزمن، ففي كل حضارة عاشها الإنسان اتخذ لنفسه إلهاً يعبده ما دام أنه مجبول بفطرة الباري على العبادة، لكن هل كل ما اتخذه الإنسان للعبادة كان صالحا له؟
كل تلك العبادات والمعتقدات والطقوس والاعتقادات جاءت لتسكن شوق الإنسان إلى العدالة، فكما أن الإنسان مفطور على العبادة هو كذلك مفطور على العدالة.
ولكي يتحقق الإنسان من العدالة الكبرى المنسجمة مع العبادة الفطرية السليمة كان ولابد من اجتياز دورات وجودية طفولية سيطر فيها الجهل العرفاني على مساره الوجودي ولا يتم له ذلك الخلاص المنشود إلا عبر إنسان كامل خبر كل الأزمان وخبر معها كل شيء فصار في ذلك إرادة إلهية شاملة، سوف تخرج في آخر الزمن لتحكم العالم بما أراده الله فيه من الرحمة والهدى والسلامة.
الإمام المهدي عليه السلام الجامع للخلافة والولاية
فكما أن الكون يبحث عن خلاصه في إنسان كامل كذلك الإنسان يبحث عن خلاصه فيه، فيجتمع الشمل ويتحرر الإنسان والكون وتتحرر في ذلك كله جميع القوى الفاعلة داخل المنظومة الوجودية، ومن هذا المنطلق بدأ الإمام الخميني رضوان الله عليه نهضته الكونية فقام قائلا ثورتنا لا شرقية ولا غربية فربطها مباشرة بالشجرة المباركة الزيتونة المذكورة في سورة النور المرتبطة بدورها بأهل البيت عليهم السلام والذين يمثلون بدورهم وعيا كونيا في وجود الأحياء على وجه البسيطة، هذا الوعي الكوني يخول للإنسان الذي يحب وجوده الأسمى التفوق والمعرفة وكشف حقائق الأشياء حوله لكي يكون في ذلك خليفة الله في أرضه ويرى في نفسه عظمة الخالق المتمثلة في خلقه.
كثير من المهتمين تساءلوا لماذا أطلق الإمام الخميني رضي الله عنه على البشرية الأمريكية الشيطان الأكبر؟ وقد أجيبهم بهذا القول، البشرية الأمريكية تريد أن تقول مدعية أن كل ما لديها من ازدهار اقتصادي وتقدم تكنولوجي وما إلى ذلك هو من عندها وحدها وهي في ذلك تخطو خطوات من قال: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي). وهـذا لا يـصـح لـهـا إطـلاقـاً، لأن هـذا التقدم المادي ساهمت فيه حضارات إنسانية تعبت في تطوير إمكانياتها وعقلها وروحها على مر التاريخ الإنساني المليء بالتضحيات والصراعات. ولكي أؤكد هذا القول أقول: الخوارزمي عالم رياضي اكتشف أعداداً جديدة فأدخلها إلى نظام الحساب هذا النظام المكتشف من طرف هذا العالم الرياضي هو ركيزة التقدم التكنولوجي الحاصل اليوم، فهل ادعى هذا العالم المعرفة غير المرتبطة بالآخرين الذين سبقوه؟ كي تدعي البشرية الأمريكية اليوم ما تدعيه؟
ربط الإمام الخميني رضي الله عنه نهضته بالشجرة المباركة وربطها كذلك بثورة الحسين عليه السلام فقال كل ما لدينا من كربلاء، الشيء الذي سوف يجعل دولته، دولة الإنسان الشاهد والسالك والفقيه والولي العارف، فهذه الأبعاد ستجعل ظهور صاحب الأمر والزمان عليه السلام ممكناً وفاعلاً في تغيير المنظومة الوجودية وجعلها منظومة إلهية رحمانية يسود فيها الدين الخالص على الدين كله.
فمجيء هذا الرجل الإلهي ونجاح ثورته لم يكن أمرا اعتباطيا، وذلك لما مثله هذا الفكر التحرري في توجيه الإنسان إلى أخلاق سامية ذات أبعاد كونية وإلهية، الشيء الذي يجعل انتظار صاحب الأمر الموعود أمرا تدور حوله كل فعاليات وحركات الدولة وقواعدها في الجمهورية الإسلامية في إيران، فيكون الإمام الخميني ودولته الحديثة في خدمة الانتظار الحقيقي والفعال الجامع للخلافة والولاية في نفس الإنسان الكامل المنتظر.
الإمام المهدي عليه السلام وانتصار حزب الله:
يقول المولى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
من هؤلاء الذين يحبهم الله ويحبونه ؟
من هؤلاء الذين لا يخافون في الله لومة لائم؟ إنهم أتباع علي عليه السلام صاحب الملاحم الإلهية الكبرى، أليس هو الذي فتح خيبر، أليس هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله رجل يحب الله ويحبه.
يقول السيد حسن نصر الله حفظه الله: (هذا النصر هو نصر استراتيجي)، فماذا يقصد بهذا الكلام؟ ويقول أيضا إن تداعيات هذا النصر سوف ترونها في المستقبل.
كل الاستقراءات تدل على أن هذا النصر هو نصر للأمة الإسلامية، ونصر لكل المستضعفين في العالم وهذا ما سوف تحققه دولة الإمام الموعود عليه السلام المنشودة الشيء الذي يجعلنا نربط هذا الانتصار العظيم بقدوم الإمام المهدي قائم آل محمد في آخر الزمان.
الخلاصة:
يقول الحكيم الهندي طاغور صاحب المثالية الإنسانية الواقعية عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية: (عندما أجول ببصري من حولي، أقع على أطلال مدينة مغمورة تنهار وتتعثر في أكوام هائلة من التفاهة والعبث، ومع ذلك فلن أذعن للخطيئة المميتة في فقدان الإيمان بالإنسان، بل إنني بالحري سأثبت نظري نحو مطلع جديد من فصول تاريخه، عندما تنتهي الكارثة ويعود المناخ رائعا ومتناغما مع روح الخدمة والتضحية (...) سيأتي يوم يعاود فيه الإنسان، ذلك الكائن الأبي، خط مسيرته الظافرة على الرغم من كافة العراقيل، ليعثر على ميراثه الإنساني الضائع.
كل الحكماء الذين مروا على وجه الأرض، والذين وصلوا إلى قمة الإنسانية تطلعوا إلى يوم فاصل تشرق فيه الأرض بنور ربها، يوم يظهر فيه الحق العالي والمتعالي ويسود فيه العدل الإلهي والرحمة والمحبة والإخاء بين جميع أبناء الأرض ويتوحد الجنس البشري في دين واحد ارتضاه الخالق لهم بعد مسيرة وجودية سيطرت فيها قوى الشر على مجريات الأمور. {وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ}. صدق الله العلي العظيم.
فيا أيها العالم مصير وجودك هو استقامة خلافتك.
ــــــــــــــــــ
(*) يوسف العاملي: من مواليد 1970م في مدينة الرباط بالمغرب، ويرجع نسبه إلى جده الأكبر الملقب دادة العامل وهو من نسل العترة الطاهرة. درس في الحوزة العلمية في قم المقدسة إضافة إلى تحصيله الأكاديمي، ثم عاد إلى بلده المغرب لينشر بحوثه في صحافتها وعبر شبكة المعلومات العالمية ـ الانترنيت. تتلمس في بحوثه الطابع الصوفي المغربي.
**************
الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)
2010-07-25
المقدمة
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
ليست قضية المهدي (عجل الله تعالى فرجه) قضية من نسج الخيال، يدغدغ الحالمون بذكره طموحاتهم، ويسكِّن المظلومون بالإيمان به ألم الظلم عنهم، ويرى الكسالى في الآمال الخادعة تبريراً لكسلهم.
بل على العكس من ذلك، إن قضية المهدي (عجل الله تعالى فرجه) شعور فطري مرتكز في عمق الإنسانية، حيث أن هذه القضية عالمية وإسلامية وشيعية، فكل يؤمن بمهدي يخرج في زمن ما، وإن اختلفت الأسماء، إلا أن النظرة الإسلامية والشيعية بالخصوص، تؤمن بمهدي موجود بيننا، أخبر به الصادق الأمين (صلى الله عليه وآله)، والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، بروايات كثيرة لا يشوبها شك، فلذلك كانت قضية المهدي (عجل الله تعالى فرجه) واقعاً وليس خيالاً، وحقيقة وليست أسطورة، وفعل قوّة وليست كسلاً وخنوعاً وتواكلاً، وأملاً بمستقبل زاهر ينشِّط المؤمنين بالإمام (عجل الله تعالى فرجه) ويدعوهم للسعي والمثابرة للتمهيد له، وانتظاره انتظار العاملين لا انتظار الحالمين.
قضية المهدي (عجل الله تعالى فرجه) نتلمَّس بعض معانيها وأبعادها ودروسها، من كلام الإمام الخامنئي (دام ظله) بل من بعض كلامه في إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، الذي اعتبر القائد يوم ولادته (عجل الله تعالى فرجه): «عيداً عظيماً للشيعة، بل لناشدي العدالة في العالم...
فالمهدي ليس للشيعة فقط وليس للمسلمين فحسب بل هو لكل مستضعف مظلوم في الأرض، إلى أي ملّة أو دين انتمى، فرسالته عالمية، كما أن رسالة الإسلام عالمية، ونهجه نهج الأنبياء والرسول محمد (صلى الله عليه وآله) الذي أرسل رحمة للعالمين.
فمع قضية المهدي (عجل الله تعالى فرجه) حبيب قلوبنا، وأملنا، وقائدنا، من خلال بعض كلمات القائد الخامنئي (دام ظله)، نستنير الدرب، ونعرف القضية الحقيقة.
المحور الأول: قضية المهدي "عجل الله تعالى فرجه"
أساس القضية عالمية
الحديث عن الإمام المهدي "عجل الله تعالى فرجه"، يعني الحديث عن التغيير الحتمي على وجه الأرض، من الظلم إلى العدل، ومن الباطل إلى الحق، ومن الظلام إلى النور، ومن الفساد إلى الصلاح؛ وهذا الانقلاب التاريخي ليس معتقداً شيعيّاً فحسب ولا إسلامياً فقط، إنما هو تصوّ عام لدى الإنسانية والأديان. فإذا راجعتم عقائد الإنسانية، ترون بكلِّ تأكيد، أن الاعتقاد بمخلِّص ومنقذٍ لما تعانيه البشرية من ظلم وظلام، هو اعتقاد منتشر ومبني عليه.
وهنا نشير إلى بعض ما ورد في العهدين القديم (التوراة ولواحقها) والجديد (الإنجيل ولواحقه)، مما يؤكد ما قلناه، رغم التحريفات التي طاولت الكتابين.
(الصديقون يرثون الأرض إلى الأبد، أما الأشرار فيبادون جميعاً عقب الأشرار ينقطع)[1].
(ثبت للقضاء على كرسيّه وهو يقتضي للمسكونة بالعدل ليالي الشعوب بالاستقامة) [2].
ثم يقول: (وإنما الذي عندكم تمسكوا به إلى أن يأتي من يغلب ويحفظ أعمالي إلى النهاية، فسأعطيه سلطاناً على الأمم فيرعاها بقضيب من حديد، كما تكسر آنية من خزف، وأعطيه كوكب الصبح)[3].
هذا في الديانتين اليهودية والمسيحية، أما إذا تطلَّعنا إلى المجوس فإنهم أيضاً يعتقدون برجوع إنسان باسم بهرام[4].
وأما الزرادشت فإنهم يعتقدون أن قوى الشّر ستُغلب آخر الأمر ويكون مصيرها الفناء بعد أن يمر العالم بأربعة عهود طوال كل منها ثلاثة آلاف عام، يسيطر عليه فيها على التوالي أهورا مزدا وأهرمان. ويومئذ ينتصر الحق في كلِّ مكان، وينعدم الشّر فلا يكون له من بعد وجود. ثم ينضم الصالحون إلى أهورا مزدا في الجنّة، ويسقط الخبيثون في هوّة مظلمة... يُطعمون فيها أبد الدّهر سُمّاً زُعافاً[5].
والبراهمة (الهنود) أيضاً يعتقدون بظهور (كرشنا) على ما يدّعون[6]، وحتى أن الماركسية تؤمن وتصرِّح، بأن البشرية في سيرها هذا، سوف تمرّ بمراحل إلى أن تصل إلى مرحلة السعادة القصوى، التي تسود الأرض كلها.
ويستفاد من بعض كلمات الفلاسفة الغربيين أمثال «كانت»: أن البشرية سوف تصل، (إلى مرحلة من المراحل في نهاية مطافها)، إلى مجتمع بشري سعيد، لا ظلم فيه، ولا فساد، يسوده العدل[7].
يقول الإمام القائد الخامنئي (دام ظله): «إن قضية المهدوية من القضايا الأساسية في الإسلام، ولا ينفرد بها الشيعة دون سواهم، وإنما تذهب الفرق الإسلامية بأجمعها إلى أن المهدي (عجل الله تعالى فرجه) من النسل الطيّب الطاهر لرسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) وأنه سيملأ العالم قسطاً وعدلاً وسيظهر لإقامة دين اللَّه وبسط الحق. كما ويعتقد غير المسلمين على نحو أو آخر بمستقبل مشرق للبشرية يتحقق خلال قضية المهدوية...».
المهدي (عجل الله تعالى فرجه) في الإسلام
لقد تبيّن من كلام القائد سابقاً أن مسألة المهدوية قضية عالمية وإسلامية؛ حيث أن المسلمين بكافة مذاهبهم يجمعون على ظهور المهدي (عجل الله تعالى فرجه) في آخر الزمان؛ وقد كثرت الروايات في خصوص المهدي (عجل الله تعالى فرجه) إلى حد يطمئن الإنسان ويتيقّن أن هذه الروايات قد نطق بها رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) الصادق الأمين، والأئمة من آل بيته (عليهم السلام).
يقول القائد (دام ظله): «... وهذه العقيدة (المهدوية) لا تختص بالشيعة وحدهم، بل يؤمن بها المسلمون كافة، ولكن لبعض الفرق كلاماً آخر في تفاصيلها وتفريعاتها. إلا أن أصل القضية ينص على أن رجلاً من عترة رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) سيقوم في وقت ما بحركة إلهية جبارة «ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجور»، هذه القضية متواترة[8] عند جميع المسلمين، ومقبولة لديهم كافة...».
فلقد ورد في شأن الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) أحاديث كثيرة، من طرق الشيعة والسنّة، وقد ذكرت في كثير من الكتب، سواء كانت كتباً شيعية أم سنيّة، سنذكر هنا بعض الأحاديث، لتكون قطرة من بحار أنوار هذه الأحاديث المباركة.
قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدري»[9].
وقال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «المهدي منّا أهل البيت... يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً...»[10].
وقال (صلى الله عليه وآله): «لا تنقضي الأيام ولا يذهب الدّهر حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي»[11].
وقال (صلى الله عليه وآله): «إن علي بن أبي طالب إمام أمتي وخليفتي عليها من بعدي، ومن ولده القائم المنتظر، الذي يملأ اللَّه به الأرض عدلاً وقسطاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً، والذي بعثني بالحق بشيراً، أن الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر».
فقام إليه جابر بن عبد اللَّه الأنصاري فقال: يا رسول اللَّه وللقائم من ولدك غيبة؟ قال (صلى الله عليه وآله): «أي وربي ليمحّص اللَّه الذين آمنوا ويمحق الكافرين يا جابر إن هذا الأمر من أمر اللَّه وسر من سرّ اللَّه مطوية عن عباده فإياك والشك فإن الشك في أمر اللَّه كفر»[12].
وقال (صلى الله عليه وآله): «المهدي من عترتي من ولد فاطمة»[13].
وعن حذيفة قال: خطبنا رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)، فذكر لنا بما هو كائن إلى يوم القيامة ثم قال (صلى الله عليه وآله): «لو لم يبق من الدُّنيا إلا يوم واحد لطوّل اللَّه عزَّ وجلَّ ذلك اليوم حتى يبعث رجل من ولدي اسمه اسمي».
فقام سلمان (رضي اللَّه عنه) فقال: يا رسول اللَّه: إنه من أي ولدك؟
قال (صلى الله عليه وآله): «هو من ولدي هذا وضرب بيده على الحسين بن علي (عليه السلام)» [14].
وفي كثير من الروايات أن الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) من أولاد الإمام الحادي عشر الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)[15].
نكتفي بهذا القدر من الروايات، حتى لا تمتلأ مجلّدات من الكتب.
ولقد فُسِّرت آيات قرآنية كثيرة، تفسيراً منطبقاً على الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه)، وهنا نورد بعضاً منها.
1ـ {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون}[16].
قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «المتقون: شيعة علي (عليه السلام)، والغيب: فهو الحجّة الغائب»[17].
2ـ {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}.
ففي نهج البلاغة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لتعطفنّ علينا الدنيا بعد شماسها عطف الضروس على ولده»[18].
ثم قرأ: {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكِّن لهم في الأرض)[19].
وقال الشارح ابن أبي الحديد المعتزلي، في ذيل ذلك، إن أصحابنا يقولون أنه وعد بإمام يملك الأرض، ويستولي على الممالك[20].
3ـ {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون}[21].
عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) قال: «وقوله: لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر، قال: الكتب كلّها ذكر وأن الأرض يرثها عبادي الصالحون، قال: القائم (عجل الله تعالى فرجه) وأصحابه»[22].
هذا غيض من فيض، وقليل من كثير، فمن أراد التوسعة فليرجع إلى المصادر المختصة.
ظهور المنقذ إلهام فطري
ليس المهدي "عجل الله تعالى فرجه" تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وهذا يكشف عن وجود ارتكاز والهام فطري في ضمير الإنسانية، أدرك الناس من خلاله على الرغم من تنوع عقائدهم ووسائلهم إلى الغيب أن للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض، تحقّق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير، وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مرِّ التاريخ استقرارها وطمأنينتها، بعد عناءٍ طويل.
وحينما يدعم الدِّين هذا الشعور النفسي والارتكاز الفطري لدى الإنسانية، ويؤكّد أن الأرض في نهاية المطاف ستمتلئ قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً، يعطي لذلك الشعور قيمته الموضوعية ويحوله إلى إيمان حاسم بمستقبل المسيرة الإنسانية.
ويشير القائد (دام ظله) إلى هذا الميل والنزوع الفطري للبشر نحو تحقيق الصلاح والعدالة بقوله: «إن أحد الدروس هو أن يذعن الجميع ويعتقد بأن حركة العالم تتجه نحو الإصلاح وصوب الآفاق اللاحبة. ودعوا مستكبري العالم يقولوا ما يشاؤون، ويتشدقوا ويتظاهروا بقدراتهم، إلا أن جيش الحق والحقيقة، والقافلة التي تقود البشر صوب تحقيق العدل، تشهد يوماً بعد آخر كرة وازدياداً. إن مضي الأعوام وانصرامها لا يمكن أن يزيل الأمل أو ... بريقه من القلوب، في أن يتذوق أبناء البشر طعم العدالة بالمعنى الحقيقي للكلمة في المستقبل الذي نأمل أن يكون غير بعيد.
إن حقانية الدولة الإلهية والحكومة الربانية في الأرض تكمن في أن يجني الجميع حصتهم من معرفة الحقيقة والعمل بها، إن المقتدرين والمستكبرين والسلطويين والأثرياء والمستبدين في العالم مهما بذلوا أو يبذلون من مساع، فليس بمقدورهم أن يوقفوا هذه الحركة، وهذا الميل والنزوع الطبيعي للبشر صوب تحقيق الصلاح.
وبالتأكيد لا يمكن أن نرى طفرة وقفزة في أمر اللَّه تعالى في أرضه، فالأمور تجري على طبيعتها المعهودة؛ وطبيعة وفطرة البشر هي التوجه نحو الكمال».
الشيعة والمهدي (عجل الله تعالى فرجه)
ولئن كانت قضية المهدي إسلامية إلا أن هناك خاصيّة تنفرد بها العقيدة الشيعية في هذا المجال.
يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «... أما الخاصيّة التي تنفرد بها العقيدة الشيعية في هذا المجال فهي عدم وجود أي غموض فيها لأن الشيعة يحيطون بكل تفاصيل هذا الموضوع وعلى معرفة تامة بشخصية المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، فنحن نعرف وليّنا وسيّدنا وإمامنا، وسيد العالمين ونعرف أباه وأمه وتاريخ ولادته وكل ما يتعلق بولادته المباركة، وهنالك من نقلوا هذه القضايا بأخبار صادقة وموثّقة.
وهذه الأمور كلها واضحة لدينا ولا لبس فيها. ومعنى هذا أننا على بيّنة بمن نحب وبمن نؤمن ونعتقد.
كان إمامنا المعصوم، بقية عترة الرسول وأهل البيت، قائماً طوال الأزمنة الأخيرة بين المجتمعات البشرية، وهو موجود اليوم بين ظهرانينا؛ إلا أن الحكمة الإلهية اقتضت أن نعيش هذا الانتظار الكبير، وأن يعيش الإمام ذاته مثل هذا الانتظار أيضاً...».
لماذا الغياب إذن؟
كما علمنا من كلام القائد أن غياب الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) هو لحكمة اقتضتها المشيئة الإلهية، وغيابه غيب في علم اللّه ولسائل أن يسأل كيف يمكن أن يبقى الإمام المنتظر حيّاً هذه المدّة الطويلة من السنين، وهل هذا ممكن؟
لدينا أدلة عديدة على إمكان ذلك:
1 ـ الدليل العقائدي
وخلاصته أن إرادة اللَّه تعالى وقدرته، التي أعدّت الإمام ليومه الموعود، هي التي تعطيه البقاء وتمنحه طول العمر.
2 الدليل التاريخي
حيث أن التاريخ يثبت وجود نظائر للإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) في طول العمر، أمثال النبي نوح (عليه السلام) الذي عاش ألف سنة إلا خمسين عاماً، يدعو قومه كما ذكر القرآن الكريم، وهذا قبل الطوفان، وبعده أيضاً عاش فترة طويلة. وهناك الكثيرون عاشوا طويلاً يحدثنا التاريخ عنهم.
3 الدليل العلمي
وموجزه أن جماعة من العلماء المحدثين أمثال الدكتور: ألكيس كاريل، والدكتور جاك لوب، والدكتور وورن لويسي وزوجته، وغيرهم. قاموا بإجراء عدّة تجارب، في معهد (روكلفر) بنيويورك في الأمريكا على أجزاء لأنواع مختلفة من النبات والحيوان والإنسان.
وكان من بين تلك التجارب، ما أُجرى على قطع من أعصاب الإنسان وعضلاته وقلبه وجلده وكليته، فرؤي أن هذه الأجزاء، تبقى حيّة نامية ما دام الغذاء اللازم موفور لها. وما دامت لم يعرض لها عارض خارجي، وإن خلاياها تنمو وتتكاثر وفق ما يقدّم لها من غذاء.
وإليك أيها القارئ، نتائج تجارب الدكتور كاريل، التي شرع فيها في كانون الثاني سنة 1912م.
أ ـ أن هذه الأجزاء الخلوية، تبقى حيّة ما لم يعرض لها عارض يميتها، إما من قلّة الغذاء، أو من دخول بعض الميكروبات.
ب ـ إنها لا تكتفي بالبقاء حيّة بل تنمو خلاياها، وتتكاثر كما لو كانت باقية في جسم الإنسان أو الحيوان.
ج ـ إنه يمكن قياس نموها وتكاثرها ومعرفة ارتباطها، بالغذاء الذي يقدم لها.
د ـ لا تتأثّر بالزمن، أي أنها لا تشيخ، ولا تضعف بمرور الزمن، بل لا يبدو عليها أقل أثر للشيخوخة، بل تنمو وتتكاثر هذه السنة، كما لو كانت تنمو وتتكاثر في السنة الماضية، وما قبلها من السنين. وتدل الظواهر كلها على أنها ستبقى حيّة نامية، ما دام الباحثون صابرين على مراقبتها، وتقديم الغذاء الكافي لها[23].
4 ـ الدليل الروائي
فإخبار رسول اللَّه الصادق الأمين (صلى الله عليه وآله)، والأئمة (عليهم السلام)، بروايات كثيرة، لا تحتمل الكذب، دليل على صحّة القضية.
ولعلَّ الحكمة من غيابه (عجل الله تعالى فرجه)، أن دوره تغييري شامل للعالم كلِّه، فلأجل أن يكون له الأثر المطلوب، في الناس، جُعل غيابه وظهوره إعجازي، حيث أن الناس يتأثرون كثيراً في المعاجز، فيخضعون ويؤمنون بما يأتي به المهدي "عجل الله تعالى فرجه"، ولذلك ورد في تفسير الآية الكريمة:
{إن نشأ ننزِّل عليهم من السماء آية فظلَّت أعناقهم لها خاضعين}[24].
عن الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، في تفسيره إنها بحق الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه).
الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)
المحور الثاني: قضية المهدي (عجل الله تعالى فرجه) بين العدو والصديق
الأعداء والمستكبرون وقضية المهدي (عجل الله تعالى فرجه)
لقد دأب الاستعمار والاستكبار العالمي على محاربة الإسلام بأسلوب ماكر، يهدف من ورائه هدم عقائد الإسلام وأسسه القيِّمة، عندما رأى في ركائز الإسلام قوّة لأتباعه.
فالحرب ليس لها صورة واحدة وأسلوب واحد، فقد تكون الحرب حرباً عسكرية وقد تكون سياسية أو إعلامية أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية عقائدية.
والعدو المستكبر لا يترك جهداً إلا ومارسه لمحاربة الإسلام بجميع الوسائل والطرق.
فإذا فشل في الحرب العسكرية لجأ إلى الحرب الاقتصادية مثلاً أو السياسية مثلاً وإذا فشل في هذه الأساليب لجأ إلى غيرها مما تتوفّر لديه.
والحرب العقائدية والثقافية ليست بأقل خطراً من الحروب الأخرى، بل قد تكون أخطر، لأنها تنطلي تحت عناوين برّاقة، وتزيينات، ظاهرها أنيق وباطنها خبيث.
ومن العقائد المهمَّة في الإسلام الإيمان بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) وبأنه سيظهر لإزالة المستكبرين والظالمين عن وجه الأرض، فالمستكبرون والظالمون لمّا رأوا أهمية هذه العقيدة وخطورتها عليهم سعَوا إلى إضعافها إن لم يستطيعوا إزالتها من النفوس.
يقول القائد (دام ظله): «أعدى أعداء هذه العقيدة، وأشدّهم عداء لشخصه منذ يوم غيبته بل ومنذ يوم ولادته، هم الظلمة الذين اقترنت حياتهم بالجور والتسلط، وهم مصرّون على مقته وعلى مقت هذه الظاهرة الإلهية وهذا السيف الرباني. كما أن المستكبرين والظلمة يعارضون اليوم ويناوئون هذه الفكرة وهذه العقيدة، لمعرفتهم بأن هذه العقيدة وهذا الحب المغروس في قلوب المسلمين، والشيعة خاصة، يضيّق على مآربهم. أشرت في وقت ما إلى أن المستعمرين حينما احتلوا شمال أفريقيا، قدّم لهم عملاؤهم تقارير وهي مدوّنة وموجودة تفيد بأن محاربة مثل هذه الشعوب في غاية الصعوبة، وذلك بسبب اعتقادهم بالمهدوية...».
وفي كلام آخر للقائد (دام ظله) يقول: «... اطّلعت على وثيقة تتعلّق بعدّة عقود مضت؛ أي منذ أوائل تغلغل الاستعمار في شمال أفريقيا وإنما صار التركيز على تلك المنطقة بسبب شدّة ميول سكّانها إلى أهل البيت(عليهم السلام) بغض النظر عن المذهب الذي يعتنقونه من بين المذاهب الإسلامية، ولأن عقيدة المهدوية بارزة المعالم هناك في بلدان مثل السودان والمغرب وما شاكل ذلك، فحينما دخل الاستعمار إلى تلك المناطق في القرن الماضي وجد أن عقيدة المهدوية من جملة العراقيل التي تعيق نفوذه هناك يؤكد في الوثيقة القادة المستعمرون على ضرورة العمل لإزالة العقيدة المهدوية تدريجياً من أذهان الناس! وكان المستعمرون الفرنسيون والمستعمرون الإنجليز يسيطرون على تلك المناطق حينذاك والاستعمار استعمار من أيٍّ كان أدرك المستعمرون الأجانب أنه طالما بقيت عقيدة المهدوية راسخة في أذهان تلك الشعوب، لا يمكن التحكّم بتلك الشعوب كما ينبغي! لاحظوا مدى أهمية عقيدة المهدوية. ولاحظوا مدى فداحة الخطأ الذي يرتكبه البعض باسم التجديد والانفتاح الفكري، بإثارتهم الشكوك حول المعتقدات الإسلامية بلا وعي ولا دراسة ولا معرفة لطبيعة العمل الذي يقومون به؛ فهؤلاء يؤدّون بكل سهولة نفس الغرض الذي يرمي إليه العدو».
ويقول القائد في كلام آخر: «... لقد تعرّضت جميع العقائد البنّاءة لهجمات من خصومها. اعلموا أيها الإخوة والأخوات أن هذه النقطة في غاية الأهمية! لاحظوا كم يجب علينا أن نكون متيقظين اليوم! إذ أنهم نقّبوا حتى في تعاليم الإسلام وأحكامه وحيثما وجدوا في الشرع المقدّس معتقداً أو حكماً له تأثير ايجابي واضح وكبير في حياة ومستقبل الفرد والمجتمع والأمة الإسلامية وقفوا بوجهه وقاوموه بشكل أو آخر، لعلّهم يستطيعون القضاء عليه، فإن لم يصلوا إلى غايتهم حاولوا التلاعب بمحتواه.
ولعلّ البعض يتساءل مستبعداً، وما شأن العدو، وكيف يتسنى له تجريد العقائد الإسلامية من فائدتها للناس؟ وهذا التصوّر خاطئ طبعاً. فالعدو قادر على ذلك ولكن لا على المدى القصير، بل على امتداد فترة طويلة قد تمتد إلى عشرات السنين حتى يستطيع طمس بؤرة مضيئة فيها أو إفراغها من جوهرها، أو إبراز نقطة مظلمة. فقد يبذل أحدهم جهوداً محمومة على مدى سنوات طويلة وينفق الأموال ولكن لا يصل إلى نتيجة، فيأتي آخرون من بعده ويمضون على نهجه. لقد تعرّضت معتقدات المسلمين للكثير من أمثال هذه الأعمال، كما حصل مع عقيدة التوحيد وعقيدة الإمامة، وكذلك المفاهيم الأخلاقية كمفهوم الصبر والتوكل والقناعة، هذه كلها نقاط بنّاءة بارزة لو استوعب المسلمون حقيقتها لكانت بمثابة المحرك الذي يسهم في تقدم المجتمع الإسلامي نحو الأمام. ولكنهم بعدما تحايلوا عليها وغيّروا مضامينها وبدّلوا معانيها وألقوها في الأذهان على صورة أخرى مغايرة لأصلها، استحال ذلك المحرّك إلى داء مخدِّر ومنوِّم، كما أنهم حاولوا كثيراً ذلك مع عقيدة المهدي الموعود...».
وهذا ما حاولوه في إيران الإسلام، يقول القائد (دام ظله): «وفي بلادنا هذه نقل لي أحد كبار العلماء المحترمين والذي ما يزال على قيد الحياة... أنّه في أوائل وصول رضا شاه البهلوي إلى الحكم ذلك المتآمر الجاهل والفاقد لكل معنوية ومعرفة استدعى رضا شاه أحد علماء البلاط العملاء وسأله: ما هي قضية الإمام صاحب الزمان التي خلقت لنا كل هذه المشاكل؟ ويجيب ذلك العالم العميل بما يرضي ميل ورغبة الشاه، ثم يقول له الشاه: إذهبوا وأنهوا هذه المسألة وأخرجوا هذا الاعتقاد من قلوب الناس، فيجيبه واعظه العميل، إن الأمر ليس بهذه السهولة وتعترضه كثير من المشاكل، ويجب علينا إعداد مقدماته والبدء به تدريجياً، طبعاً هذه المقدّمات أجهضت في تلك البرهة من الزمان بفضل اللَّه تعالى وببركة وعي العلماء الربانيين والواعين من أبناء البلاد، إذاً ففي بلادنا أوكلت الدوائر الاستكبارية إلى شخص متآمر غاصب مهمّة السيطرة على إيران وثرواتها ومن ثم تقديمها بالكامل للدول الاستعمارية. وقد كانت إحدى وسائل سيطرة ذلك الظالم على أبناء الشعب هي القضاء على الاعتقاد بالإمام المهدي الموعود في أذهان الناس...».
الأصدقاء الجهلة وقضية المهدي (عجل الله تعالى فرجه)
إذن عقيدة المهدي (عجل الله تعالى فرجه) مستهدفة من المستكبرين والظلمة، وهذا ليس غريباً، فالعدو عدوّك، ويريد لك السوء والشَّر، ولكن الغريب هم الأصدقاء الذين يساعدون العدوّ في مخططاته من حيث لا يشعرون، فيقدّمون له خدمة مجانيَّة، وما ذلك إلى لجهل الصديق!
يقول القائد (دام ظله)
«هذه العقيدة (المهدوية) ذات قدرة كبيرة على حلِّ المعضلات. ونتيجة لما تتصف به هذه العقيدة من قدرة وفاعلية، فقد حاول الأعداء، والأصدقاء الجهلة أحياناً، إفراغها من محتواها وقد تكون الضربة التي تأتي من الصديق الجاهل أكثر إيلاماً من ضربة العدو العاقل...» فالملاحظ لبعض المقولات الجاهلة حول الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) وما يرتبط به، يرى خطورة هذه المقولات على المجتمع الإسلامي.
فمثلاً هناك تصورات خاطئة حول مفهوم الانتظار أي انتظار الإمام المهدي، حيث ورد الكثير من الروايات تأمر محبي أهل البيت (عليهم السلام) بانتظار الفرج، من مثل ما ورد عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله):
«أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من اللَّه عزَّ وجلَّ»[25].
الانتظار
فماذا يعني الانتظار؟
هل يعني كما تصوّر البعض انتظار الفرج بأن يجلسوا في المسجد والحسينية والبيت والصوامع ويعتزلوا عن حركة المجتمع، ويقتصر عملهم على الدعاء للَّه تعالى ويطلبون منه أن يفرِّج عنهم بظهور الإمام صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)؟!
هؤلاء الأشخاص قد تكون نيّاتهم سليمة ومن الصالحين، وكما يروى عن أحدهم أنه اشترى جواداً وأخذ ينتظر ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)! وهل يعني الانتظار كما يتصور البعض أنه يعمل بالتكاليف الواجبة علينا فقط ولا ينبغي أن نهتم بما يجري في العالم وما يجري على الشعوب، فالإمام المهدي هو الذي سوف يصلح هذه الأمور عندما يظهر وليس علينا تكليف آخر؟!
وهل يعني الانتظار كما يتصور البعض أنه ينبغي أن يكون العالم مليئاً بالذنوب حتى يخرج المهدي (عجل الله تعالى فرجه) فلا ينبغي أن ننهى عن المنكر أو نأمر بالمعروف وحتى يعمل الناس ما يشاؤون وتزداد المعاصي والذنوب وحينئذ يقترب الفرج؟! وهل يعني الانتظار كما يتصور البعض بأنه ينبغي العمل بالمعاصي ودعوة الناس لذلك حتى تمتلئ الدنيا بالجور والظلم ليظهر المهدي (عجل الله تعالى فرجه)؛ حيث إنه ورد كما هو معروف أنه يظهر بعدما تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً، فعلينا إذن تحقيق ذلك بأنفسنا لكي نرى الطلعة البهيّة لبقيّة اللَّه؟!
وهل يعني الانتظار كما يعتقد البعض بأن كل حكومة تكون في زمان غيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) فهي حكومة باطلة ومخالفة للإسلام، حيث فهموا خطأ الروايات القائلة في أن كل راية ترفع قبل ظهور الحجة فهي راية ضلال أو طاغوت، وتصوروا أنها تشمل كل حكومة في زمن الغيبة، في حين أن هذه الروايات تعني أن كل من يرفع راية المهدوية بعنوان أنه هو المهدي فهي راية ضلال؟!
يقول القائد (دام ظله): «... أنهم حينما يفشلون في استلاب هذه العقيدة (المهدوية) من النفوس يحاولون تشويهها في الأذهان. ولكن كيف يتم تشويه هذا المعتقد؟ يتم ذلك عن طريق القول أن المهدي سيظهر وهو الذي يصلح جميع الأمور، وليس علينا شيء؛ هذا تشويه لهذه العقيدة، وتحويلها من محرِّك دافع إلى إطار لا فاعلية فيه، ومن دواء مقوٍّ إلى داء مخدِّر ومنوِّم، نعم يظهر المهدي أرواحنا فداه ويصلح الأمور، لكن ما هو واجبكم اليوم؟ واجبكم اليوم هو أن تمهِّدوا له الأمور...».
التمهيد
فالانتظار الإيجابي يعني التمهيد لخروج حبيب قلوبنا وقائدنا المهدي؛ فقد ورد العديد من الروايات التي يفهم منها ضرورة وجود أنصار وأتباع يقومون بدور التوطئة والتمهيد للمهمة الكبرى التي سيقوم بها الإمام (عجل الله تعالى فرجه).
فمثلاً ورد عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «يخرج أناس من المشرق فيوطئون للمهدي»[26].
وعنه (صلى الله عليه وآله): «إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان، فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة اللَّه المهدي (عجل الله تعالى فرجه)» [27].
وعن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): «يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق يحمل السيف[28] على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل... ويتوجّه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت»[29].
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تشير إلى رايات حق ترفع قبل ظهور المهدي (عجل الله تعالى فرجه).
فإذن علينا أن نساعد في تعجيل خروج المهدي (عجل الله تعالى فرجه) وذلك بتهيئة الظروف المناسبة لخروجه؛ يقول القائد (دام ظله): «... واجبكم اليوم هو أن تمهِّدوا له الأمور لكي يأتي وينطلق من تلك القاعدة المهيّئة، لا يمكن الانطلاق من نقطة الصفر. المجتمع الذي يمكنه أن يتقبّل حكومة المهدي الموعود (أرواحنا فداه) هو المجتمع المستعد المتوفر على القابلية لذلك، وإلا فسينتهي إلى نفس المصير الذي انتهى إليه الأنبياء على امتداد التاريخ.
ما هو السبب الذي لم يتمكن معه الكثير من أنبياء أولي العزم من تطهير العالم من الفساد والرذيلة؟ السبب هو أن الظروف لم تكن مهيئة. ولماذا لم يتمكن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من اجتثاث جذور الفساد في عهده رغم ما كان يتصف به من قوّة ربّانية، ومع ما له من علم متصل بمعدن الحكمة الإلهية، ومع تلك الإرادة الراسخة، ومع كل تلك المناقب، ومع كثرة توصيات الرسول (صلى الله عليه وآله) به؟ بل وقع العكس، وأزيح هو عن الطريق! فقتل في محرابه لشدّة عدله؛ وذلك لأن الظروف والأجواء لم تكن مهيئة؛ فعكَّروا الأجواء عليه، واختطوا حب الدنيا وتحقيق المطامع نهجاً في وجهه، فالذين اصطفوا في مواجهة أمير المؤمنين (عليه السلام) في أواخر عهده أو في أواسطه لم تكن لديهم أرضية راسخة من التدين والورع. فإذا لم تكن الظروف مهيئة تنتهي إلى وقوع أمثال هذه النكبات؛ فإذا ظهر إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه) في ظروف غير مهيئة سينتهي إلى نفس تلك النهاية؛ إذن فلا بد من التمهيد له...».
«... إننا لا يمكننا أن نعتبر أنفسنا من المنتظرين دون التمهيد للظهور، ظهور المهدي الموعود أرواحنا فداه، والتمهيد يتم بالالتزام بالأحكام الإسلامية والقرآنية، فكما ذكرت، جاء في الروايات (واللَّه لتمحّصُن، واللَّه لتغربلن)، هذا التمحيص وهذا الامتحان الكبير الذي يواجهه مريدو ولي العصر (عجل الله تعالى فرجه) وشيعته هو نفسه السعي لتطبيق الأحكام الإسلامية، وعليهم أن يسعوا لذلك...».
كيفية التمهيد (أنصار المهدي (عجل الله تعالى فرجه) )
لقد ورد الكثير من الروايات التي تناولت مواصفات أصحاب وأنصار المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، فكلّما كان هؤلاء الأصحاب مهيئين كلما كان خروج المهدي أرواحنا فداه قريباً. فمن مواصفاتهم:
أولاً: الإيمان ومعرفة اللَّه
روى ابن أكتم الكوفي في كتاب الفتوح عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال: ويحاً للطالقان فإن للَّه عزَّ وجلَّ بها كنوزاً ليست من ذهب ولا فضة ولكن رجال مؤمنون عرفوا اللَّه حق معرفته وهم أنصار المهدي في آخر الزمان.
ثانياً: الشجاعة
ينقل صاحب كتاب عقد الدرر حديثاً طويلاً يقول فيه: «ويلقي اللَّه محبته في صدور الناس، فيسير مع قوم أُسد النهار، ورهبان الليل».
وينقل صاحب كتاب البرهان عن تهذيب الآثار لابن جرير حديث يذكر فيه صفات أصحاب المهدي (عجل الله تعالى فرجه) فيقول: «يخرج إليه الأبدال من الشام، وعصب أهل المشرق، وإن قلوبهم زير الحديد، رهبان الليل، ليوث النهار».
ثالثاً: الإخلاص
عن الباقر (عليه السلام) في حديث طويل يقول: «... كيف أنتم لو رأيتم صاحبكم؟ فيقولون: واللَّه لو ناوى الجبال لناويناها معه».
رابعاً: العبادة والدعاء
كما مرّ في الحديث: «... فيسير معه مع قوم أُسد بالنهار، رهبان بالليل».
خامساً: الزهد
عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) يتحدث عن آخر الزمان فيقول:
«راحلة في ذلك الزمان بقتبها ينجو عليها المؤمن له خير من دسكرة تغِل مائة ألف...».
سادساً: الثبات
ففي رواية: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها وعلى أبواب بيت المقدس وما حولها لا يضرهم خذلان من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة».
إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي تعطي مواصفات محدّدة لأنصار المهدي الحبيب.
يقول القائد (دام ظله): «... ومن الدروس الأخرى المستقاة من الإيمان بالمهدي ومن احتفالات النصف من شعبان بالنسبة لي ولكم هو أنه بالرغم من أن الإيمان بالمهدي أرواحنا فداه يمثل غاية سامية لا يتطرق إليها الشك، ولكن يجب أن لا تنتهي القضية عند حدود التمنّي أي تبقى طموحاً قلبياً أو تتخذ طابعاً احتفالياً أو تتردد على اللسان على أحسن تقدير كلا، فهي أمنية لا بد أن يردفها العمل، فالانتظار الذي تحدثوا عنه ليس الجلوس وذرف الدموع، بل الانتظار إنما يعني وجوب إعداد أنفسنا جنوداً لإمام الزمان، فالجندية عند إمام الزمان ليس بالأمر الهيِّن، بل الجندية عند منقذ عظيم يصبو لمقارعة دوائر الهيمنة والفساد الدوليين كافة تحتاج إلى بناء ذات ووعي وبصيرة... فينبغي أن لا يراودنا التصور أنه بما أن إمام الزمان سيأتي ويملأ الدنيا عدلاً وقسطاً فلا تكليف علينا الآن. كلا، بل العكس، إذ أننا مكلفون الآن بالتحرك باتجاه الاستعداد لظهوره (عجل الله تعالى فرجه).
... إن الإيمان بإمام الزمان لا يعني الإنزواء، وقبل انتصار الثورة كانت التيارات الضّالة وما زالت تروّج الآن هنا وهناك إلى أن إمام الزمان سيأتي ويصلح الأمور فما عسانا صانعين الآن! وما الداعي لأن نتحرك! مثل ذلك كامتناع المرء عن ايقاد السراج في الليل المظلم بحجة أن الشمس ستشرق في غد... فإذا ما شاهدنا الظلم والإجحاف والتمييز والعنجهية تسود أرجاء الدنيا في الوقت الحاضر فتلك مما يظهر إمام الزمان لمكافحتها، وإذا كنا جنوداً لصاحب الزمان فعلينا الاستعداد لمكافحتها، وإن أعظم واجب يتحمّله المنتظرون لإمام الزمان هو الاستعداد من الناحية المعنوية والأخلاقية والعملية ومن حيث ترسيخهم للأواصر الدينية والعقائدية والعاطفية مع المؤمنين، وكذلك منابذة الجبابرة،... ومن كان على استعداد للدفاع عن القيم وعن الوطن الإسلامي وعن راية الإسلام الخفاقة في حالة تعرض بلد الإسلام للخطر بوسعه الإدعاء بأنه سيقتحم سوح الخطر خلف إمام الزمان إذا ما ظهر، أما الذين ينهارون وترتعد فرائصهم في مواجهة الخطر والانحراف ومفاتن الدنيا وحلاوتها، والذين ليسوا على استعداد للقيام بأية حركة من شأنها تعريض مطامعهم للخطر فأنّى لهم أن يكونوا في عداد المنتظرين لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)؟
فالمنتظر لذلك المصلح العظيم يتعيّن عليه إعداد مقوِّمات الصلاح في نفسه ويعمل ما يمكِّنه من الثبات لتحقق الصلاح».
إيران الإسلام والتمهيد للمهدي (عجل الله تعالى فرجه)
يقول القائد (دام ظله): «... ولكن كيف يتحقق هذا التمهيد؟ يتحقق بنفس الصورة التي تشاهدون أمثلة لها في مجتمعكم. في إيران الإسلامية اليوم تألّق معنوي لا نظير له في أي موضع آخر من العالم، على حد علمنا وفي ضوء الأخبار والتقارير التي تتناهى إلينا، ولسنا غافلين عمّا يجري في العالم، في أي موضع من العالم تجد اليوم شباباً يسحقون شهواتهم المادّية ويتجهون نحو الآفاق المعنوية طبعاً هناك أيضاً بضعة شبّان يشذون عن هذه القاعدة، وهذه ظاهرة طبيعية في كل العالم بمثل هذا العدد الهائل على هذه الشاكلة ومن أبناء جيل واحد، لا نظير لهذا التوجه المعنوي وبهذا الزخم، في العالم كله إلا على هذه الأرض.
كان البعض يتصوّر أن هذه الظاهرة تختص بفترة الحرب! صحيح أن ظروف فترة الحرب كانت أكثر خصباً، وكانت افرازاتها في هذا الجانب أسمى وأبرز، لكن هذه الظاهرة غير مختصة بفترة الحرب، بل هي مشهودة اليوم أيضاً.
فالشبّان الخيرون المؤمنون من أبناء حزب اللَّه قد سحقوا شهواتهم النفسية وتجاوزوا مطامع المال والثروة وإن وجد بعض آخر ممّن يلهث وراء هذه المغريات، ويلوِّثون الأجواء وساروا بكل ورع وهمَّة وبصيرة غير آبهين لأمثال هذه الزخارف وأمثال هؤلاء يقتصر وجودهم على هذا البلد، إذن يمكن التقدّم في ظل هذه الأوضاع نحو الصلاح خطوة بعد أخرى.
وهكذا الحال بالنسبة للنساء أيضاً، ولعله يمكن القول أن نساء بلدنا أفضل من نساء أي بلد آخر في العالم؛ فالمرأة في بلدنا لها سبق في العمل السياسي وفي النشاط الثقافي وفي الجوانب التشكيلية الأخرى، وعندما يحل وقت الجهاد ترسل الأمّهات في بلدنا أبناءهن إلى الجبهة بأنفسهن، وبها السبق في إدارة البيت والأعمال وتربية الأولاد...
فهذا البلد والحمد للَّه بلد مقتدر وعزيز، وحتى الأعداء يشهدون له بالرفعة ولشعبه بالعظمة، ولمسؤوليه بالإخلاص والإيمان والتمسك بالإسلام، وهذا كله من بركات الإسلام. إذن من الممكن تمهيد الأجواء.
وإذا اتسع بإذن اللَّه وجود مثل هذه الأجواء تكون الأرضية قد وطئت أيضاً لظهور بقية اللَّه أرواحنا فداه، وتتحقق عند ذاك الأمنية العريقة التي طالما راودت أذهان البشرية وأذهان المسلمين...».
في الحقيقة إن كلام القائد حول دور إيران في التمهيد لظهور المهدي (عجل الله تعالى فرجه) ليس كلاماً خطابياً إنما هناك إشارات كثيرة من الروايات، تؤكد الدّور المهم للدولة الإيرانية الإسلامية.
من مثل ما ورد عن الحسن (عليه السلام) قال: «يخرج بالري (وهي منطقة في إيران) رج... في أربعة آلاف، ثيابهم بيض، وراياتهم سود، يكون على مقدِّمة المهدي لا يلقاه أحد إلا فلّه»[30].
وعن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «إذا رأيتم الرايات السود قد، أقبلت من خراسان، فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة اللَّه المهدي»[31].
المحور الثالث: أهمية الاعتقاد بالمهدي وضرورته
علاج لكثير من الأمراض المعنوية والاجتماعية
إن الإيمان بالمهدي (عجل الله تعالى فرجه) ليست مسألة بسيطة لا يقتصر أثرها على كيان الفرد أو الأمّة فحسب، بل هي مسألة ينبغي ترسيخها في نفوس المسلمين لما لها من مردود نفسي وحياتي على كيانهم.
فكما أن الإيمان باللَّه واليوم الآخر والثواب والعقاب والأنبياء والأئمة أمر مهم على كيان الإنسان العقلي والروحي والسلوكي والأخلاقي، كذلك الاعتقاد بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) له الدور المهم في صياغة الإنسان المسلم والأمة الإسلامية؛ لذلك ينبغي الاهتمام به وترسيخه في النفوس.
يقول القائد (دام ظله): «هذا المولد العظيم وهذه الذكرى العظيمة ينبغي أن تلهمنا الدرس، إن العواطف مطلوبة؛ إذ أنها تمثل السند والعماد لكثير من الأعمال الخيرة والصالحة لأبناء البشرية، والإيمان والاعتقاد القلبي بوجود هذا المنقذ العظيم للعالم علاج ناجع لكثير من الأمراض والمشاكل المعنوية والروحية والاجتماعية، إلا أننا يجب أن نستلهم الدرس من هذه الذكرى والواقعة العظمى في كل عام تقام هذه المهرجانات وتعطر القلوب، فإذا أصبحت الدروس العميقة التي تكمن في إحياء هذه الذكرى خير معلّم لنا في مجال اصلاح سلوكنا وتصرفاتنا، فإن تقدم مجتمعنا صوب تحقيق الكمالات سوف يكون سهلاً وسريعاً...».
«حينما يقوم الإنسان بالبحث وعلى محورين في مسألة ولادة المهدي والاعتقاد به "عليه السلام" فسيشاهد آثار ونتائج مهمة وكبيرة على هذا الصعيد.
المحور الأول
في التكامل الفردي لدى الإنسان، فالذي يؤمن بالمهدي (عجل الله تعالى فرجه) سيوفّق أكثر للحصول على وسائل الكمال الروحي والتقرب إلى اللَّه سبحانه وتعالى؛ لأنه سيكون مرتبطاً ارتباطاً روحياً بمحور الألطاف الإلهية ومركز إشعاع رحمة الباري عزَّ وجلَّ.
ولذا نرى أصحاب التوجهات الروحية والمعنوية يتوسّلون دوماً في مناجاتهم وتوسلاتهم المعنوية بهذا الإمام العظيم، فنفس الارتباط القلبي والتوجه الروحي نحو ذلك الإمام الذي يعتبر المظهر لرحمة وقدرة وعدل الباري (جلّ وعلا) يمنح الإنسان كمالاً روحياً ومعنوياً.
وهذه المسألة ذات أُفق واسع جدّاً، لأن كل من يرتبط بقلبه وروحه بهذا الإمام المعصوم سينال نصيبه من هذا الارتباط قطعاً، طبعاً يجب أن يكون ارتباطاً حقيقياً، لأن لقلقة اللسان لا تنفع كثيراً في هذا المجال، لو أن الإنسان توجّه بروحه ووفّر لنفسه معرفة كافية في هذا المجال فسيحصل على نصيبه من ذلك كما قلت.
إذاً هذا المحور يمثل ساحة فردية واتجاهاً للتكامل الشخصي والمعنوي للإنسان...».
المحور الثاني
ساحة الحياة الاجتماعية العامة وما يرتبط بمصير الشعوب والبشرية بصورة جمعاء. وفي هذا المجال يعتبر الاعتقاد بالمهدي الموعود (عجل الله تعالى فرجه) وموضوع الظهور والفرج والانتظار كنزاً ثميناً تستطيع الشعوب والأمم أن تأخذ منه الكثير....
الأمل والثقة بالمستقبل
يتابع القائد (دام ظله) موضحاً الاستفادة الاجتماعية العامة من الإيمان بالمهدي (عجل الله تعالى فرجه) قائلاً: «افترضوا أن هناك سفينة قد حاصرتها الأمواج في بحرٍ هائج وركابها لا يعتقدون بوجود شاطئ للأمان حتى على بعد آلاف الأميال ولا يمتلكون من الطعام والماء ووسائل الحركة سوى الشيء اليسير، فكيف سيكون موقف ركّاب هذه السفينة؟ هل يمكن تصوّر أنهم سيبذلون جهودهم من أجل قيادة هذه السفينة إلى الأمام؟ قطعاً كلا، لأن الإنسان حينما يشعر بأن هلاكه حتمي فإي جهد ونشاط سيبذله؟ لأنه سيفقد كل أمل له في هذه الحالة.
... والصورة الأخرى هي أن ركاب هذه السفينة على يقين من وجود شاطئ قريب أو بعيد يمكنهم الوصول إليه، ولا يعلمون كم يبذلون من الجهد للوصول إليه، إلا أنهم على يقين من وجود ذلك الشاطىء وإمكانية الوصول إليه. ففي مثل هذه الحالة ماذا سيصنع ركاب تلك السفينة؟ طبعاً سيبذلون كل ما في وسعهم من أجل الوصول إلى شاطئ الأمان، وحتى لو منحوا ساعةً من الوقت فيستثمرون تلك الساعة في الحركة والنشاط الصحيح الهادف ويتعاونون فكرياً وجسدياً لبلوغ الشاطئ.
إذاً فللأمل مثل هذا الدور، فبمقدار ما يتواجد الأمل في قلب الإنسان فسيجمع الموت شتاته ويرحل عن ذلك القلب؛ لأن الأمل يدفع الإنسان إلى الحركة والنشاط ويجعله يتقدم ويكافح ليبقى حيّاً...».
فهذا الإيمان ليس مجرد مصدر للسلوة والعزاء فحسب، بل مصدر عطاء وقوة. فهو مصدر عطاء؛ لأن الإيمان بالمهدي إيمان يرفض الظلم والجور حتى وهو يسود الدنيا كلها، وهو مصدر قوة ودفع لا تنضب، لأنه بصيص نور يقاوم اليأس في نفس الإنسان، ويحافظ على الأمل المشتعل في صدره مهما أدلهمّت الخطوب وتعمق الظلم، لأن اليوم الموعود يثبت أن بإمكان العدل أن يواجه عالماً مليئاً بالظلم والجور فيزعزع ما فيه من أركان الظلم، ويقيم بناءه من جديد، وأن الظلم مهما تجبّر وامتدّ في أرجاء العالم وسيطر على مقدّراته، فهو حالة غير طبيعية، ولا بد أن ينهزم. وتلك الهزيمة الكبرى المحتومة للظلم وهو في قمّة مجده، تضع الأمل كبيراً أمام كل فرد مظلوم، وكل أمّة مظلومة، في القدرة على تغيير الميزان وإعادة البناء.
وإذا كانت فكرة المهدي (عجل الله تعالى فرجه) أقدم من الإسلام وأوسع منه، فإن معالمها التفصيلية التي حددها الإسلام، جاءت أكثر إشباعاً لكل الطموحات التي أنشدّت إلى هذه الفكرة منذ فجر التاريخ الديني، وأغنى عطاءاً، وأقوى إثارة لأحاسيس المظلومين والمعذّبين على مرِّ التاريخ.
وذلك لأن الإسلام حوّل الفكرة من غيب إلى واقع، ومن مستقبل إلى حاضر، ومن التطلّع إلى منقذ تتمخض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول إلى الإيمان بوجود المنقذ فعلاً، وتطلّعه مع المطلّعين إلى اليوم الموعود، واكتمال كل الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم.
فلم يعد المهدي فكرة ننتظر ولادتها، ونبوءةً نتطلّع إلى مصداقها، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليته، وإنساناً معيّناً يعيش بيننا بلحمه ودمه، يعيش مع آمالنا وآلامنا، ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا، ويشهد كلّ ما تزخر به ... على وجه الأرض من عذاب المعذّبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويكتوي بكل ذلك من قريب أو بعيد، وينتظر بلهفة اللحظة التي يتاح له فيها أن يمدّ يدّه إلى كل مظلوم، وكل محروم، وكل بائس، ويقطع دابر الظالمين، ومن الواضح أن الفكرة بهذه المعالم الإسلامية، تقرّب الهوّة الغيبية بين المظلومين كل المظلومين والمنقذ المنتظر، وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعورهم النفسي قصيراً مهما طال الانتظار، وهذا مما يقوي النفوس؛ ويحييها بالأمل والثقة بالمستقبل الزاهر.
يقول الإمام القائد (دام ظله): «تتسم عقيدة المهدوية بجملة من الخصائص التي تكون بالنسبة لكل شعب بمثابة الدم في الجسم، وبمثابة الروح في البدن، ومن جملة تلك الخصائص خاصيّة الأمل.
فقد تصل القوى المتغطرسة المتجبّرة بالشعوب الضعيفة إلى درجة تفقدها الأمل، وإذا فقدت الأمل لا تستطيع القيام بأي عمل، وتفقد الثقة بجدوى أي إجراء قد تلجأ إليه، متصورة أن الوقت قد فات، وأنها لا قدرة لها على مجابهة الخصم بأي نحو كان.
هذه هي روح اليأس التي ينشدها المستعمر، وكم يتمنى الاستكبار العالمي اليوم أن تمنى الشعوب الإسلامية، ومنها الشعب الإيراني العزيز، بهذه الحالة من اليأس، فترى من يقول: فات الأوان، لا يمكننا فعل شيء! لا فائدة من التحرك!
يلقون هذه المفاهيم في أذهان الناس بالإكراه والقوة، ونحن المطلعون على الدعايات الإعلامية المعادية المسمومة، نلمس بكل جلاء أن معظم الأخبار التي يبثّوها تهدف إلى إشاعة اليأس في قلوب أبناء الشعب. يحبطون أمل الناس اتجاه الاقتصاد والثقافة، والمتديّنين من اتساع نطاق الدين، ودعاة الحرية والشؤون الثقافية والسياسية من إمكانية العمل السياسي أو الثقافي، ويصوِّرون مستقبلاً مظلماً مبهماً أمام أبصار الطامحين نحو المستقبل. ولكن ما هو الدافع من وراء ذلك؟ إنهم يحاولون تحويل الكيان الفعال بقتل الأمل في القلوب إلى كتلة ميتة أو شبه ميّتة، ليتاح لهم عند ذاك التعامل معه كما يحلو لهم، إذ ليس بمقدورهم التعامل مع الشعب.
إذا كان حيّاً، كما يرغبون. الجسم الميت يمكن لكل من هبَّ ودبَّ أن يتصرف فيه كف يشاء، ولكن لا يمكن لأحد أن يفعل ذلك مع الوجود الحي الفاعل المفكِّر، والمثل ينطبق على الشعوب أيضاً، فهم لا يستطيعون القيام بأي عمل ضدِّ الشعب... الحي الواعي المتيقّظ الذي يعرف قدر نفسه وقدر عزّته...
إذا كان الشعب خاملاً لا يرى لذاته قمة ومستقبلاً، يتمكن الأعداء وبكل سهولة أن يرسموا له مستقبله ويجعلوا أنفسهم أوصياء عليه، يقررون له ويعملون بدلاً عنه بلا أي رادع أو مانع. وهذا مبعثه الخمول، والخمول يأتي كنتيجة لفقدان الأمل...
إن الاعتقاد بالمهدوية، وبفكر المهدي الموعود (أرواحنا فداه)، يحيي الأمل في القلوب، والإنسان الذي يؤمن بهذه العقيدة لا يعرف اليأس طريقه إلى قلبه أبداً، وذلك لثقته بحتمية وجود نهاية مشرقة، فيحاول إيصال نفسه إليها بلا وجل من احتمالات الاخفاق، ومن الطبيعي أنهم حينما يفشلون في استلاب هذه العقيدة من النفوس يحاولون تشويهها في الأذهان...».
وفي كلام آخر لسماحة القائد (دام ظله): «... وإنه لأمر في غاية الأهمية أن تتصور الأجيال البشرية المعاصرة استحالة فعل شيء في مواجهة الظلم العالمي، إذ أننا حينما نتحدث الآن مع الشخصيات السياسية في العالم حول الظلم الذي تمارسه مراكز القدرة في العالم والنظام الدولي الجائر الذي يسود العالم بأسره ويتزعمه الاستكبار نراهم يقولون نعم، صحيح ما تقولون، وإن هؤلاء يمارسون الظلم حقاً، ولكن من المتعذر فعل شيء. أي إن طائفة كبيرة من الشخصيات السياسية التي تمسك أيضاً بزمام الأمور على المستوى العالمي قد استحوذ عليها اليأس والقنوط وبدورهم يفرضون على شعوبهم هذا اليأس والقنوط ويبددون آمالهم في القدرة على تغيير الخارطة الشيطانية الظالمة لعالم اليوم. ومن الطبيعي إن اليائسين يعجزون عن القيام بأية حركة في طريق الإصلاح، فما يدفع البشر نحو العمل والحركة هو النور وقوّة الأمل، ولا معنى لهذا اليأس الذي يستحوذ على الكثير من النخب في هذا العالم، بالنسبة لنا نحن المؤمنين بالظهور الحتمي للمهدي الموعود (عجل الله تعالى فرجه) في المستقبل، فنحن نقولها: كلا، بالإمكان تغيير الخارطة السياسية للعالم، وبالإمكان مقارعة الظلم ومراكز القوة، وهذا المعنى ليس ممكناً فقط في المستقبل بل هو حتمي، وإذا ما آمن شعب بإمكانية تغيير الخارطة الشيطانية الظالمة القائمة اليوم في العالم تملّكته بشكل محتوم هيمنة الظالمين إلى الأبد، ولدى بني الإنسان القدرة على السعي لرفع راية العدل...».
ولا بد للمسلمين المؤمنين أن لا تزيل الأمل من نفوسهم مضي الأعوام، وينبغي عليهم أن لا تزيحهم عن الإيمان بالمهدي تطاول الأيام والسنون.
«إن مضي الأعوام وانصرامها لا يمكن أن يزيل الأمل أو يخفت بريقه من القلوب، في أن يتذوق كافة أبناء البشر طعم العدالة بالمعنى الحقيقي للكلمة في المستقبل الذي نأمل أن يكون غير بعيد».
المحور الرابع: خصائص حركة ودولة المهدي (عجل الله تعالى فرجه)
حركة المهدي (عجل الله تعالى فرجه) حركة الأنبياء (عليهم السلام).
قال اللَّه تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم اللَّه من ينصره ورسله بالغيب إن اللَّه قوي عزيز}[32].
الآية الكريمة تبيّن هدف إرسال الأنبياء ومناهجهم بصورة دقيقة؛ والبينات هي الدلائل، الواضحة، ولها معنى واسع يشمل المعجزات والدلائل العقلية التي تسلح بها الأنبياء والرسل الإلهيون.
والمقصود من «كتاب» هو نفس الكتب السماوية، وأما الميزان فيعني وسيلة للوزن والقياس، ومصداقها الحسي هو الميزان الذي يقاس به الوزن، إلا أن المقصود هنا هو المصداق المعنوي، أي الشيء الذي نستطيع أن نقيس به كل أعمال الإنسان، وهي الأحكام والقوانين الإلهية، التي هي معيار لقياس الأعمال الصالحة والسيئة.
وبهذه الصورة فإن الأنبياء كانوا مسلحين بثلاث وسائل وهي:
الدلائل الواضحة.
الكتب السماوية.
معيار قياس الحق من الباطل.
وعلى كل حال فإن الهدف من تعبئة هؤلاء الرجال العظام بهذه الأسلحة الأساسية، هو من أجل إقامة القسط والعدل.
وفي الحقيقة إن هذه الآية تشير إلى أحد الأهداف العديدة لإرسال الرسل، لأننا نعلم أن بعث الأنبياء وسعيهم كان من أجل أهداف عدة:
منها: التعليم والتربية، كما جاء في الآية التالية:
{هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة}[33].
والهدف الآخر كسر الأغلال والقيود المعنوية والفكرية التي أسرت الإنسان كما قال تعالى:
{ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم}[34].
ومن هذه الأغلال الأخلاق السيئة، ولهذا جاء محمد (صلى الله عليه وآله) ليتمِّمها كما في الحديث:
«بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»[35].
وعلى كل حال فإن أي مجتمع إنساني مهما كان مستواه الأخلاقي والاجتماعي والعقائدي والروحي عالياً، فإن ذلك لا يمنع من وجود أشخاص يسلكون طريق العتو والظلم والطغيان، ويقفون في طريق القسط والعدل، واستمراراً لمنهج الآية هذه يقول سبحانه:
{وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس}.
نعم إن الأنبياء الصالحين والأسلحة الثلاثة التي وضعت تحت تصرفهم، من أجل أن تكون الأفكار والمفاهيم التي جاؤا بها فاعلة ومؤثرة، وتحقق أهدافها المنشودة، فقد وضع تعالى الحديد والبأس الشديد في خدمة رسله.
يقول القائد (دام ظله): «... انتظار ذلك اليوم الذي يظهر فيه بنهضة كنهضة الأنبياء تنتهي بنصر ساحق على جبهة الكفر والنفاق، وينقذ العالم من الظلم والجور والتمايز والتسلط والاستغلال، وسيأتي ذلك اليوم ويتحقق هذا الوعد...».
بين القوّة والنصح
رسمت الآية المتقدمة صورة وافية ومفصلة من وجهة النظر الإسلامية في مجال التربية والتعليم، وتوسعة دائرة العدل وإقامة القسط في المجتمع الإنساني.
ففي البداية أكدت الآية على ضرورة الاستفادة من الدلائل والبينات والكتب السماوية، وضوابط القيم، وبيان الأحكام والقوانين، وذلك لترسي أساساً لثورة فكرية وثقافية وروحية متينة مرتكزة على قاعدة من العقل والمنطق.
إلا أنه في حالة عدم جدوى تلك الوسائل والأساليب، وحين الوصول إلى طريق مغلق في إمكانية تحقيق الأسلوب المتقدم بسبب تعنت الطواغيت، ومواجهة الاستكبار لرسل الحق والقسط، والإعراض عن قيم وضوابط وأحكام (الكتاب والميزان).
فهنا يأتي دور الحديد، الذي فيه بأس شديد حين يوجه صفعة قوية على رؤوس الجبابرة كي يستسلموا للقسط والعدل ودعوة الحق التي جاء بها الأنبياء (عليهم السلام).
وقد نقل حديث عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) في هذا الصدد حيث قال:
«بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد اللَّه وحده لا شريك له، وجعل رزقي، تحت ظل رمحي»[36].
وهذا الحديث إشارة إلى أن الرسول (صلى الله عليه وآله) مأمور بحمل السلاح أمام الكفر والاستكبار، لأن مرحلته تقتضي ذلك، لا لأن الأصل والأساس في المنهج الإسلامي هو القوّة.
وهكذا تكون مرحلة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) مرحلة القوة والحرب.
يقول القائد (دام ظله): «الدرس الآخر الذي ينبغي أن يعلِّمنا إياه الاعتقاد بالمهدوية وأعياد النصف من شعبان هو أن العدالة التي ننتظرها عدالة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) التي تشمل العالم بأسره لا تتأتى عبر الموعظة والنصيحة، أي أن المهدي (عجل الله تعالى فرجه) موعود الأمم لا يأتي ليقدم النصح للظلمة في العالم ليكفوا عن ظلمهم وأطماعهم وسلطويتهم واستغلالهم فالعدالة لا تتحقق في أية بقعة من العالم عن طريق لغة النصح، وإنما اقرار العدل على ربوع المعمورة بالنحو الذي سيرسيه وارث الأنبياء أو في أيّ من بقاع العالم، يحتاج إلى أن يمسك العادلون والصالحون ودعاة العدل من الناس بالقوة ويخاطبون الجبابرة بلغة القوة فلا يصح الحديث بلغة النصح مع الذين أسكرتهم قوتهم الغاشمة، بل يجب مخاطبتهم بلغة القوة، فلقد ابتدأ الأنبياء دعوتهم بلغة النصح، غير أنهم لما استطاعوا استجماع وتجهيز أنصارهم، أخذوا يخاطبون أعداء التوحيد وأعداء البشرية بلغة القوة.
لاحظوا في هذه الآية القرآنية التي تتحدث عن القسط وتقول أن اللَّه سبحانه وتعالى بعث النبيين {ليقوم الناس بالقسط}، فإنها تقول مباشرة {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس}، أي أن الأنبياء بالإضافة إلى دعوتهم باللسان فإنهم يواجهون الأقوياء والعتاة المدجّجين بالسلاح والمتغطرسين والسلطوين الفاسدين ويقارعونهم، فالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) عندما حلّ في المدينة وأقام النظام الإسلامي كان يتلو على الناس آيات القرآن ويوصلها إلى مسامع الأعداء أيضاً لكنه لم يكتف بذلك، فلا بد لأنصار العدالة من التزود بالقوّة في مواجهة المتعسفين والطامعين والمعتدين على حقوق الإنسان...».
العدالة
إن من خصائص دولة الإمام (عجل الله تعالى فرجه) ومعالمها البارزة عموم العدل وسيادة العدالة الاجتماعية والسياسية في العالم، وتطهير الأرض من الظلم والجور والقضاء كلياً على الطغاة والظالمين.
وقد ورد في ذلك روايات مشهورة رواها المسلمون جميعاً في مختلف المصادر الإسلامية منها المروي عن الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) عن جده رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) قال:
«لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللَّه ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلم».
ومن النصوص التي تشير إلى ذلك أيضاً:
أ ـ عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «حتى يخرج قائمنا فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلم»[37].
ب ـ عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إذا قام القائم (عليه السلام) حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور... ورد كل حق إلى أهله وحكم بين الناس بحكم داود (عليه السلام) وحكم محمد (صلى الله عليه وآله)»[38].
ج ـ عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إذا قام قائم أهل البيت (عليهم السلام) قسَّم بالسوية وعدل في الرعية فمن أطاعه فقد أطاع اللَّه ومن عصاه فقد عصى اللَّه»[39].
د ـ عن الإمام الرضا (عليه السلام): «إذا خرج أشرقت الأرض بنور ربها ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحد»[40].
يقول القائد (دام ظله): «... تعلمون أيها الأخوة والأخوات أن أبرز شعارات المهدوية عبارة عن العدالة، فعندما نبدأ في دعاء الندبة مثلاً ببيان وسرد صفاته (عجل الله تعالى فرجه) بعد نسبته إلى آبائه العظام وآله الطاهرين فإن أول جملة نذكرها فيه «أين المعدّ لقطع دابر الظلمة، أين المنتظر لإقامة الأمت والعوج، أين المرتجى لإزالة الجور والعدوان».
أي أن أفئدة البشرية تظل تخفق إلى أن يأتي ذلك المنقذ ليقطع دابر الجور ويحطّم بناء الظلم الذي كان قائماً على مرّ التاريخ البشري منذ سالف الأزمنة وما زال قائماً حتى يومنا هذا بكل قسوة، ويوقف الظالمين عند حدودهم؛ وهذا أول ما ينشده المنتظرون للمهدي الموعود من ظهوره.
أو حينما تذكرون مناقبه (عجل الله تعالى فرجه) في زيارة آل ياسين فإن أبرزها هي «الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً...».
عموم الرخاء الاقتصادي
ومن مظاهر العدالة في دولة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) العدالة الاقتصادية، فمن الأمور البارزة في أحاديث المهدي (عجل الله تعالى فرجه) تطوير الحياة المادية وتحقيق الرفاهية والرخاء الاقتصادي في الدولة التي يقيمها.
ونوع الحياة المادية التي تتحدث عنها النصوص الشريفة في عصره(عجل الله تعالى فرجه) أعظم من كل ما عرفناه في عصرنا.
ومما يروى في هذا المجال أن الإمام (عجل الله تعالى فرجه) سيخرج كنوز الأرض ويقسمها على الناس، وأن الأمة تنعم في زمانه بما لم تنعم به من قبل بحيث يستغني كل الناس في ظل دولته ولا يبقى ذو حاجة كما أنه لا يبقى مكان في العالم خرب إلا عمره وأن الأرض تخرج بركاتها وخيراتها.
فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): «تخرج له الأرض أفلاذ أكبادها ويحثوا المال حثواً ولا يعده عد».
وعنه (صلى الله عليه وآله): «تنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قط، ترسل السماء عليهم مدراراً ولا تدع الأرض شيئاً من النبات إلا أخرجته».
وفي حديث آخر: «فحينئذ تظهر الأرض كنوزها، وتبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته، ولا بره، لشمول الغنى جميع المؤمنين».
وعن الباقر (عليه السلام) في حديث: «وتجمع إليه أموال الدنيا ما في بطن الأرض وظهرها فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء، وركبتم فيه محارم اللَّه عزَّ وجلَّ فيعطي شيئاً لم يعط أحد كان قبله».
وعنه (عليه السلام) أيضاً: «ويظهر اللَّه عزَّ وجلَّ به دينه ولو كره المشركون فلا يبقى في الأرض خراب إلا عمر»[41].
انتشار العلم والثقافة وعموم الأمن
إن دولة المهدي دولة الأمن والثقافة الإسلامية الأصيلة ومعرفة الحقيقة، وقد ورد في الروايات ما يشير إلى ذلك منها: «إذا قام القائم (عجل الله تعالى فرجه) حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل».
وورد أيضاً: «... تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب لا ينهاها أحد».
ومما يشير إلى انتشار الثقافة والمعرفة، ما روي عن الباقر (عليه السلام): «وتؤتون الحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب اللَّه تعالى وسنّة رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)»[42].
يقول القائد: «إن حقانية تلك الدولة الإلهية والحكومة الربّانية في الأرض تكمن في أن يجني الجميع حصّتهم من معرفة الحقيقة والعمل بها...».
«... أيها الشبّان الأعزاء الذين ما زلتم في بداية حياتكم وأوائل مساعيكم وجهودكم، عليكم أن تجهدوا لتمهدوا الأرضية لمثل ذلك العصر، العصر الذي سيخلو من أي شكل من أشكال الظلم والفساد، العصر الذي يصبح فيه عقل الإنسان وفكره أكثر وعياً وإدراكاً وإبداعاً، العصر الذي ستكف فيه الشعوب عن التناحر فيما بينها وستختفي الحروب التي تحصل اليوم إقليمية وحصلت من قبل عالمية، إنه عصر الصلح والسلام، عصر الأمن والاستقرار في كل بقاع الأرض...».
الحكومة الشعبية
يقول القائد (دام ظله): «... وثمة درس آخر وهو أن الحكومة المستقبلية للمهدي الموعود (أرواحنا فداه) حكومة شعبية بكل معنى الكلمة؛ فماذا تعني الشعبية يا ترى؟ إنها تعني الاعتماد على إيمان الجماهير وإرادتها وسواعدها، فإن إمام الزمان لا يملأ الدنيا عدلاً وقسطاً بمفرده، وإنما يقر العدل الإلهي في كافة أرجاء المعمورة ويقيم حكومة شعبية مائة بالمائة مستعيناً بالجماهير المؤمنة ومعتمداً عليها، والفارق بين هذه الحكومة الشعبية والحكومات التي تدّعي الشعبية والديمقراطية في عالمنا المعاصر كالبعد ما بين الأرض والسماء، فما يسمونه اليوم على المستوى العالمي بالديمقراطية وحاكمية الشعب هو عين تلك الدكتاتورية القديمة لكنها ارتدت ثوباً جديداً، أي دكتاتورية الطبقات، فإذا ما كان هنالك تنافس فهو يدور بين الطبقات ولا شأن للشعب به، إذ يستحوذ حزب على السلطة ويمسك بمقدرات الأمور في البلاد بعقل قدرته السياسية مستغلاً إيّاها لجمع الأموال والثروات لصالحه وتسخيرها للاستحواذ على المزيد من السلطة.
إن الديمقراطيات السائدة في عالمنا المعاصر تقوم على الإعلام المزيّف الماكر وخداع الأبصار والقلوب.
انظروا إلى الذين يتشدقون بشعارات الديمقراطية اليوم في العالم ماذا يصنعون أثناء الحملات الانتخابية للترشيح لرئاسة الجمهورية أو لنيابة المجالس البرلمانية وما ينفقون من أموال، فالديمقراطية أسيرة في قبضة سلطة المال.
إن حاكمية إمام الزمان الشعبية أي حاكمية الشعب الدينية تختلف تماماً عن هذا الأسلوب.
ومن أجل هذا يأتي تأكيدي على وجوب الحذر من سوء الاستغلال المالي داخل أجهزة السلطة التابعة للحكومة، فالخسارة الكبرى الناجمة عن الفساد الاقتصادي داخل أجهزة الدولة إنما تتمثل في توظيف المال لخدمة السلطة واستخدام السلطة لخدمة المال، فيتبلور من ذلك دور باطل، حيث يُساء استغلال السلطة والمسؤولية لجمع الثروة والمال، ومن ثم يكرّس هذا المال لشراء أصوات المنتخبين، سواء كان شراء مكشوفاً كما هو المتداول في الكثير من مناطق العالم حيث يدفعون الأموال أو شراءً خفياً بأساليب متعددة، أي الحصول على الشعبية عبر شتى الإنفاقات.
فإذا ما استقطبت أصوات الجماهير عبر الإعلام الماكر الباذخ فليست تلك حاكمية شعب ولا مشاركة جماهيرية، بل إن أصوات الجماهير أضحت ألعوبة، وإن التوسل بالخداع والتحايل لاستقطاب أصوات الشعب يعد جرماً في النظام الإسلامي؛ الذي يمثل بقية اللَّه (أرواحنا فداه) مظهره التام، وإن استغلال السلطة للاستيلاء على الأموال يعد من أعظم الجرائم، فأنصار الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) مكلفون بأن يتخذوا الحد الأدنى من المعيشة...».
عالمية النفوذ السياسي
ففي النصوص أن دولة الإمام (عجل الله تعالى فرجه) يشمل نفوذها السياسي العالم كله وستخضع لها جميع الشعوب والمجتمعات والأنظمة السياسية في الشرق والغرب، بحيث يصبح البشر كلهم رعية لقائد واحد، وفي ظل حكومة مركزية واحدة، ويسود العالم كله نظام سياسي واحد هو النظام الاجتماعي العادل.
قال اللَّه تعالى: {وعد اللَّه الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئ}[43].
وقال تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}[44].
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «القائم منصور بالرعب، مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب».
وعنه (عليه السلام) أيضاً: «المهدي وأصحابه يملكهم اللَّه مشارق الأرض ومغاربه»[45].
يقول القائد (دام ظله): «... أو حينما تذكرون مناقبه (عجل الله تعالى فرجه) في زيارة آل ياسين فإن أبرزها هي «الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجور» فالانتظار يتمثل في أنه (عجل الله تعالى فرجه) يملأ الدنيا وليس بقعة معينة عدلاً ويبسط القسط في كافة الأرجاء، وهذا هو المفهوم الذي تحمله الروايات المتواترة.
وبناء على هذا فإن انتظار المنتظرين للمهدي الموعود إنما هو انتظار لاستتباب العدل، ففقدان العدالة أكبر هم تعانيه البشرية اليوم إذا مارست أنظمة الظلم والجور في أرجاء العالم الإجحاف بشتى صوره بحق الإنسانية وأرهقت البشرية بضغوطها وسلبتها حقوقها الطبيعية، بيد أن الأمر تفاقم اليوم أكثر مما مضى من التاريخ، والإنسان إنما ينشد إزالة هذا الواقع وينتظره من ظهور المهدي الموعود. فالقضية هي طلب العدالة، وإن أول درس نستقيه من هذا الموضوع هو تدمير صرح الظلم على المستوى العالمي...».
ــــــــــــــــــــ
[1] المزمور السابع والثلاثين كتاب المزامير.
[2] المزمور التاسع من مزامير داود.
[3] انجيل متى الاصحاح الرابع والعشرين.
[4] المدرسي، محمد تقي، المهدي قدوة وأسورة، ص60، مؤسسة الوفاء.
[5] ديورانت، ول، قصة الحضارة، مج 2 1، ج2، ص434.
[6] المدرسي، محمد تقي، المهدي قدوة وأسوة، ص60.
[7] كانت، نقد العقل العلمي، ص5.
[8] الخبر المتواتر، يعني الخبر الذي رواه كثيرون بحيث لا يحتمل معه الكذب، فيصل الخبر إلى حدِّ اليقين بصدوره عن المعصوم (عليه السلام).
[9] كنز العمال، ج7، ص186.
[10] مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري، ج4، ص557، وبعد ذكر الحديث قال: هذا حديث صحيح وقد أخرج هذا الحديث كثير من علماء الشيعة والسنّة، راجع كتاب المهدي الموعود المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، ج1، ص29.
[11] مسند أحمد بن حنبل، ج1، ص376 وص441، وأخرجه غيره كثير من علماء الشيعة والسنّة، راجع المهدي الموعود المنتظر، ص49.
[12] فرائد السمطين، ج2، الباب الآخر منه، وكذا ينابيع المودّة، ص494، وغيره.
[13] سنن أبي داود، ج2، ص207، وكنز العمال، ج7، ص186، وغيره.
[14] عقد الدرر الحديث (29) من الباب (1) وأخرجه أبو نعيم في صفة المهدي، وغيره.
[15] ممن ذكر ذلك ابن حجر الهيثمي الشافعي في كتابه الصواعق المحرقة وابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة ص274، وسبط ابن الجوزي الحنفي في ذكرة الخواص، ص277، وابن طولون الدمشقي في كتابه الأئمة الإثني عشر، ص117، وغيرهم، وقد ذكر صاحب كتاب المهدي الموعود المنتظر أكثر من ستين عالم من علماء السنّة قالوا بذلك.
[16] سورة البقرة، الآية/3.
[17] انظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، مجلد 5، ص11، حيث ذكر مصادر هذا الحديث، ومنها ينابيع المودّة، ص423، ومنتخب الأثر، ص514، وكمال الدين، ج2، ص340... وغيرها من المصادر.
[18] نهج البلاغة، ص47.
[19] سورة القصص، الآيتان/65.
[20] معجم أحاديث الإمام المهدي، مجلد 321 5.
[21] سورة الأنبياء، الآية/105.
[22] معجم أحاديث الإمامهىئ المهدي، مجلد، ص261، ومن المصادر التي ذكرت هذا الحديث: ينابيع المودة، ص425، وغيره.
[23] مجلة المقتطف، هل يخلد الإنسان في الدنيا؟ مجلد 59، ج3، ص238، وما بعدها.
[24] سورة الشعراء، الآية/4.
[25] ميزان الحكمة، محمدي الري شهري، ج1، عن البحار، ج52.
[26] سنن ابن ماجه، في باب خروج المهدي، من كتاب الفتن، ج2، ص1368.
[27] المستدرك للحافظ، في كتاب الملاحم والفتن، ج4، ص502.
[28] السيف لا يعني أنه يحارب بالسيف، ولكن ذلك كناية عن الحرب والجهاد.
[29] المستدرك للحافظ، في باب خروج المهدي من مكة إلى بيت المقدس، الفتن، ص96.
[30] أخرجه الحافظ ابن حماد في كتاب الفتن.
[31] أخرجه الحافظ أبو نعيم.
[32] سورة الحديد، الآية/25.
[33] سورة الجمعة، الآية/2.
[34] سورة الأعراف، الآية/157.
[35] بحار الأنوار، المجلسي، ج71، ص372، باب حسن الخلق، نهاية الحديث الأول.
[36] تفسير المراغي، ج27، ص183.
[37] إلزام الناصب، ج2، ص246.
[38] إلزام الناصب، ج1، ص157.
[39] كفاية الأثر، ص165.
[40] شرح إحقاق الحق، ص13، ص365.
[41] بحار الأنوار، ج52، ص191.
[42] كتاب الغيبة، ص239.
[43] سورة النور، الآية/55.
[44] سورة الأنبياء، الآية/105.
[45] بحار الأنوار، ج24، ص166.
تعليقات الزوار