فهرست العناوين:   1- النساء الزينبيات / ولادة السيدة زينب الكبرى (ع).   2- المرأة المسلمة / مولد الصديقة الزهراء (ع).   3- الإسلام وحقوق المرأة./ يوم المرأة. 4- هوية المرأة المسلمة / ذكرى ولادة الصديقة الطاهرة (ع).   5- مكانة المرأة في الاسلام.   6- حضور المرأة في الساحة.   7- الصديقة فاطمة الزهراء (ع).   8- السيدة خديجة.. جهاد وتضحيات‏.   9- بطلة كربلاء السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب (ع).   10- سمية بنت خياط (أم عمار)، وكيفية استشهادها.   * *      

 

النساء الزينبيات / ولادة السيدة زينب الكبرى (ع)

2007-09-05

5 جمادى الأولى 1415هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كانت قضية المرأة وتعامل المجتمعات مع المرأة مطروحة ومنذ العهود القديمة بين المجتمعات والحضارات المختلفة وبين المفكرين وفي أخلاق وتقاليد الأمم والشعوب المختلفة، فنصف سكان العالم هم من النساء، وقوام الحياة مرتبط بالنساء بالقدر الذي يرتبط بالرجال، والنساء يتحملّن ـ بصورة طبيعية ـ أعظم أعمال الخِلقة كالإنجاب وتربية الاطفال وأعمال رئيسية اخرى. إذاً فقضية المرأة قضية مهمة جداً.

وقد اتخذ الإسلام موقفاً بارزاً من هذه القضية، وتصدّى للإفراط والتفريط، ووجّه تحذيراً الى جميع الشعوب في العالم، وتصدّى للرجال والأفكار والعادات التي كانت تستغلّ النساء وتعرّضها للاذى أو التحقير أحياناً، فجعل المرأة في موضعها الحقيقي. ففي بعض الموارد جعلها في صف الرجال {إن المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات....}، إن جميع هذه المقامات المعنوية والدرجات الإنسانية مقسمة بين المرأة والرجل بالسويّة، المرأة في هذه الأمور مساوية للرجل {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى فلنحيينّه حياة طيّبة...}، وفي موارد أخرى فقد قدّمت المرأة على الرجل وذلك إذا كان أبوين لابن، فقُدّمت خدمة الابن لأمّه على خـدمته لأبيه، فحق الأمّ عليه أكبـر ووظيفتـه تجـاه أمّـه أعظم، وهـناك الكثير من الروايات في هذا الباب، فقد ورد أنّه جاء رجل الى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله من اَبُرّ؟ قال: أمّك، قال: ثم من؟ قال: أمّك! قال: ثم من؟ قال: أمك . قال: ثم من: قال: أباك!

أي أن للمرأة ـ في معيار الاسرة وبين الأبناء ـ حق أعظم من الرجل، طبعاً هذا ليس من باب ترجيح قسم على آخر، كلا بل لأن النساء يتحمّلن العناء والمشاق أكثر من الرجال، فهذا هو العدل الإلهي، فكلّما كان العناء والمشقة أكثر كان الحق أعظم. أمّا في الأمور المالية كحق رئاسة الأسرة، ووظيفة إدارة الأسرة، فهذه الأمور متعادلة في الإسلام ولم يضع الإسلام قانوناً يظلم فيه المرأة أو الرجل بمقدار ذرة واحدة، جعل حقاً للمرأة وآخر للرجل، جعل ثقلاً في كف المرأة وآخر في كف الرجل، وعندما يدقق أصحاب الرأي والتحقيق في هذه الأمور، يلاحظون ذلك. والنساء والمفكرات والفاضلات ـ وللّه الحمد ـ يدركن ويبلّغنَّ ويوضّحنَّ هذه الأمور أفضل من الرجال.

هنا ركّز الإسلام على نقطة رئيسية، فبما أن الرجال أكثر خشونة وإرادتهم في مواجهة المشاكل وأجسامهم أقوى فكانت الأعمال المهمة والمسؤوليات والقدرات المختلفة بأيديهم طوال أدوار التاريخ المختلفة، مما أعطاهم إمكانية استغلال الجنس الآخر، فانظروا الى بلاط السلاطين ودور الأثرياء والأغنياء وأصحاب القدرة والمال، فمن منهم لم يفكر ـ لماله أو منصبه أو قوّته ـ في التعرّض أو الاعتداء على المرأة بنحو ما.

هنا وقف الإسلام بكل قوّته وأعطى الكثير من اهتمامه لبناء الأسرة، فجعل حدّاً بين الرجل والمرأة في المجتمع، فلا يحق لأحد تجاوز هذا الحدّ أو إزالته. فعلاقة الرجل بالمرأة في الأسرة تكون بصورة معينة وعلاقته بها في المجتمع بصورة اخرى، فإذا تحطمت الضوابط والحدود التي وضعها الإسلام حائلاً بين المرأة والرجل في المجتمع، تهدّمت معها الروابط الأسريّة أيضاً.

إن الثقافة الإسلامية هي ثقافة عدم الاختلاط بين الرجل والمرأة، ومثل هذه الحياة تستطيع ـ برعاية الموازين العقلية ـ أن تحقّق السعادة وأن تتقدم بصورة صحيحة، وقد شدّد الإسلام عليها. وهذه تماماً بخلاف القضية التي أرادها وعمل لها طلاب الشهوة وأن أصحاب السلطة والمال والقدرة من رجالهم ونسائهم ومن تحت سلطتهم رغبوا في إزالة هذا الحاجز الموجود بين الرجل والمرأة، وطبعاً هذا شيء يعود بالضرر على حياة المجتمع وعلى أخلاق المجتمع، وهدر لعفة المجتمع، والأسوء من ذلك أنّه يهزّ أركان الأسرة.

إن الإسلام يبدي اهتماماً بالأسرة وهذه هي الثقافة الإسلامية.

واليوم فإن صراع الأبواق الإعلامية الغربية مع المسلمين هو حول هذه النقطة، انظروا الى مدى حساسيتهم أزاء الحجاب الإسلامي، فإن كان هذا الحجاب يراعى في الجمهورية الإسلامية يعتبرونه قبيحاً، وإن كان في جامعات الدول العربية والتي اختارته الشابات والجامعيات الواعيات وذات المعرفة عن ميل ورغبة أبدوا حساسيتهم تجاهه، وإن كان بين الأهداف السياسية أبدوا حساسية أيضاً، وإن كان في مدارسهم التي هي تحت سيطرتهم حتى الابتدائية منها أبدوا حساسيتهم.

إذن هنا تكمن نقطة الصراع، فتراهم يطبّلون في إعلامهم دائماً ـ وإن كانوا لا يؤمنون به ـ أن حق المرأة في الإسلام أو الجمهورية الإسلامية ينتهك كلاّ، فحق المرأة في الجمهورية الإسلامية لم يُنتهك بل يحترم أكثر من ذي قبل، فهل أن عدد الجامعيات والطالبات في المعاهد العليا اليوم أكثر أم في عهد الطواغيت؟ وهل أن عدد طالبات الجامعات البارزات والممتازات في العلم اليوم أكثر أم ذاك الزمان؟ وهل عدد العاملات في مجال العمل والتحقيق في المراكز الطبيّة والعلمية المختلفة في أنحاء البلاد اليوم أكثر أم ذاك الزمان؟ تشاهدون انّ العدد اليوم أكثرـ ، وهل عدد النساء في ميادين سياسة الدولة، وفي ميادين المؤتمرات الدولية، حيث يتواجدن بكل قوة ويدافعن عن حقوق ومعتقدات هذا الوطن وهذا الشعب اليوم أكثر أم سابقاً؟ نعم كانت النساء يسافرن في السابق مع الوفود المختلفة لكن كان حضورهنَّ صورياً ولأجل اللهو واللعب، ولإظهار أجسامهن للرجال. أمّا المرأة المسلمة اليوم فلها حضور علمي وسياسي وخدماتي في المجامع الإسلامية وفي المؤتمرات الدولية المختلفة وفي المراكز العلمية والجامعات. نعم كانوا في السابق ينتزعون الفتيات من حمى وعفاف أسرهم ليدخلوهنَّ في مستنقع الفساد ويرسموهنَّ في لوحات فنية تحت عنوان المرأة المثالية، طبعاً هذا لا وجود له اليوم.

فأين ينتهك حق المرأة؟ أليس في مكان تمنع فيه المرأة عن الدراسة، أو أمام اشتغالها بعمل مناسب مع سائر النساء، أو أمام خدمة النساء أو خدمتهنَّ للنساء، أليس في مكان تُحقّر فيه المرأة؟ فأين تحقّر المرأة؟ انظروا الى المجتمع الأمريكي ترون أن المراة تحقّر هناك، فالزوجة تحقّر من قبل الزوج، والأم يحقّرها أولادها، فلا معنى لحق الأم هناك كما هو موجود في المجتمعات الإسلامية. لقد قيلت عبارة في خطاب معروف بأحد المراكز الدولية ـ ولا أوّد ذكر الخصوصيات ـ حول الأسرة، لقد أبدى شعب ذلك البلد علاقة ورغبة شديدة لتلك العبارة ـ حسب التقارير التي وصلتنا ـ ، لماذا؟ لأن الروابط الأسرية في ذلك البلد مفقودة، فهناك تُظلم المرأة.

نعم، هنا يراعى الحد الفاصل بين الرجل والمرأة، ولا يعني هذا عدم دراسة النساء والرجال في محيط واحد، أو المنع عن عبادة النساء والرجال في محيط واحد، والعمل في محيط واحد وعدم التعامل (بيع وشراء) في محيط واحد كلاّ، فالجميع يشاهدون ذلك، بل معناه أن هناك حدوداً وضوابط للمعاشرة بينهما، وهذا شيء مطلوب جداً أن تراعي المرأة حجابها، ونساؤنا انتخبن العباءة. طبعاً إننا لم نفرض عليهنَّ العباءة أبداً. نعم قلنا إن العباءة أفضل من سائر أنواع الحجاب، لكن نساءنا يعتزّنَّ بحجابهنَّ ويفضّلنَّ العباءة على غيرها، فالعباءة زي وطني وإيراني قبل أن يكون إسلامياً، وهذا فخر للنظام الإسلامي أن تشاهد فيه الكثير من النساء المسلمات المؤمنات الحزب اللهيات ـ بما للكلمة من معنى ـ مشغولات بالدراسة أو التدريس في الجامعات بأرقى أنواع العلوم وأعلى مدارج العلم، نساء في أعلى التخصصات في الطب والعلوم المختلفة الإنسانية والتجريبية، نساء قد بلغن في العلوم الدينية أعلى المراتب، فإن كانت في يوم ما امرأة عظيمة الشأن مجتهدة عارفة فقيهة في أصفهان اسمها (بانو اصفهاني)، فاليوم يوجد الكثير من الفتيات اللائي سيبلغن في المستقبل القريب المدارج العلمية والفقهية والفلسفية العليا، وهذا معنى تقدم المرأة.

إن الغرب بصدد تصدير ثقافته الى كل البلاد، وان الثقافة الغربية تعني ثقافة العُري، طبعاً ان حالة الفساد والعري هذه الصورة الفضيعة لحياة بعض النساء في المجتمعات الغربية ليست شاملة ـ وللّه الحمد ـ لجميع النساء هناك، بل أن هذه الحالة هي نتيجة للإعلام الخاطئ والمتزايد يوماً بعد يوم. فقبل 40 ـ 50 سنة لم يكن الفساد في المجتمعات الغربية بالصورة التي هو عليها اليوم، والغرب ينوي تصدير هذا الفساد الواقع فيه الى الدول الإسلامية. إننا لا نريد ذلك، فهذا يعود بالضرر على حياتنا الاجتماعية وعلى حياتهم الاجتماعية أيضاً، إن الحياة الإسلامية هي أفضل أسلوب حياة لنا.

ان نساءنا قد اظهرن طوال فترة أحداث الثورة وما تلتها الى يومنا هذا أنهن بمستويات عالية في الأمور التي تعتبر معايير حقيقية للحياة والقيم والعظمة، فأمّ ضحّت بأبنائها للّه وفي سبيل هدف مقدس، ولا تبالي لذلك، إنّها إمرأة عظيمة حقاً، وهذا شيء عظيم وإن وزن بأي ميزان وفي أي مكان من العالم، وزوجة شابّة تحافظ مع كامل العفّة والطهارة على حرمة زوجها الأسير لمدة عشر أو أحد عشر سنة في سجون العدو، فهذه هي القيم. تواجدن في سوح الحرب، وفي ميادين البناء والإعمار، وتواجدن في ميادين الحرب النفسية أكثر من غيرهن. فعندما حاولت الأبواق المعادية تضعيف روحية الشعب، واجهت النساء المؤمنات هذه الأبواق، وهنَّ الآن كذلك، فأنتم تشاهدون الإعلام المعادي بأشكاله المختلفة يطرح الانتقاد تلو الانتقاد، ويضخم الأشياء الصغيرة عشرات الأضعاف، وينقلها في الإذاعات المختلفة وبواسطة الأجيرين بالداخل في المجلات والنشريات الفلانية. البعض يروّج للإشاعات بالبيانات السريّة والبعض الآخر علناً في النشريات المسموح بها قانوناً، يدفعون الأموال للأشخاص للذهاب في الصف الفلاني أو في وسائل النقل العام لتشويه سمعة الدولة، نعم يدفعون الأموال للبعض لإثارة الإشاعات ولخلق البلبلة. إن أفضل أناس صمدوا في مثل هذه الأوضاع هم نساؤنا المؤمنات والتي أعدادهنَّ ـ وللّه الحمد ـ كثيرة جداً، بل أن أكثر نسائنا هكذا رغم أنف الأعداء، فهذا هو مجتمع المرأة الزينبية، ومجتمع المرأة الفاطمية، وهذه هي التربية الإسلامية وتربية النظام الإسلامي، وهذه هي قيمة وعظمة وحرّية المرأة.

طبعاً يجب أن تعلم نساؤنا أن هناك مجالاً كبيراً أمامهنَّ للتقدم والرقيّ، فأرجو من نسائنا سواء طالبات المدارس والجامعات أو الخريجات أو المتواجدات في المراكز السياسية والاجتماعية والخدماتية، أو المسؤولات في الأقسام المختلفة أو ربّات البيوت واللاتي لا يتحملّن مسؤوليات لكن قلوبهن حيّة بنور وروح الثورة ويحافظن على الإسلام في محيط الأسر، أن يفكّرن في دور المرأة المسلمة في تقدم المجتمع وفي التشكيلات السياسية والأعمال العلمية والخدمات القيمة وفي زيادة المعرفة والمعلومات وفي الصمود بوجه الأعداء في المراكز والساحات التي للصمود أثر فيها.

**************

المرأة المسلمة / مولد الصديقة الزهراء (ع)

2007-09-05

21 جمادى الثانية 1413هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ الإنسان كلّما فكّر وتدبّر أكثر في أحوال الزهراء الطاهرة (ع) يحتار أكثر، وحيرة الإنسان ليست ناجمة عن كيفية تمكّن هذا الكائن الإنساني من نيل هذه الرتبة من الكمالات المعنوية والمادّية في سنين الشباب ـ وهي بالطبع حقيقة تثير الحيرة أيضاً ـ بل من القدرة العجيبة التي استطاع الإسلام بها أن يبلغ بتربيته الرفيعة الى درجة تُمكِّن إمرأة شابّة كسب هذه المنزلة العالية في تلك الظروف الصعبة. فعظمة هذا الكائن وهذا الإنسان الرفيع تثير العجب والحيرة وكذلك عظمة الرسالة التي أظهرت هذا الكائن عظيم القدر وجليل المنزلة.

ولدت بنت النبي (ص) الكريمة في السنة الخامسة للبعثة طبقاً للقول المشهور، وعلى هذا فانّ عمر فاطمة الزهراء (ع) حين الاستشهاد كان 18 عاماً. وقيل انّ ولادة هذه السيّدة الكريمة كانت في السنة الثانية أو السنة الأولى للبعثة، فيكون الحدّ الأكثر لعمرها 22 أو 23 عاماً. ولو أخذتم جميع القيود التي يمكن أن تحيط بالمرأة (خاصّة في تلك الفترة حيث كانت القيود أكثر). فعند ذلك ترون العظمة التي أثبتتها هذه السيدة المكرّمة في تلك الظروف وخلال هذا العمر القصير، وبالطبع إنّني لا أتمكّن أن أتكلّم عن الجوانب المعنوية والروحية والإلهية لتلك السيدّة الكريمة، فأنا أصغر من أن ادرك تلك الأمور، وحتّى لو استطاع شخص إدراك ذلك، فإنّه لا يستطيع وصفها وبيانها كما هو حقّها، فتلك الجوانب المعنوية هي عالم آخر. وقد روي عن الإمام الصـادق (ع) انّه قال: «انّ فاطـمة كـانت مُحـدَّثة» أي أنّ الملائكة كانت تنزل عليها وتأنس معها وتحدّثها. وهناك روايات عديدة في هذا المجال. وإنّ كونها محدّثة لا يختصّ بالشيعة فقط، فالشيعة والسنّة يعتقدون أنّه كان هناك أشخاص في صدر الإسلام ـ أو من الممكن وجودهم ـ كانت تحدّثهم الملائكة، ومصداق هؤلاء في رواياتنا هي فاطمة الزهراء (ع). وقد ورد في هذه الرواية عن الإمام الصادق (ع) بأنّ الملائكة كانت تأتي فاطمة الزهراء (ع) وتتحدّث معها وتقرأ عليها آيات الله . وكما انّ هنـاك تعبير في القرآن حول مريم (ع) في الآية { إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين } فإنّ الملائكة كانت تخاطب فاطمة الزهراء (ع) وتقول: «يا فاطمة إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين». ثمّ يقول الإمام الصادق (ع) في هذه الرواية بأنّ الملائكة في إحدى الليالي كانت تتحدّث مع فاطمة (ع) وكانت تذكر هذه العبارات، فقالت فاطمة الزهراء (ع) لها: «أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم» فقالت الملائكة لفاطمة الزهراء (ع): بأنّ مريم كانت المفضّلة على النساء في زمانها وفاطمة مفضّلة على النساء في كلّ الأزمنة من الأوّلين والآخرين. فأيّ مقام معنوي رفيع هذا؟ إنّ الإنسان العادي مثلنا لا يمكنه أن يتصوّر في ذهنه هذه العظمة والدرجة.

وقد روي عن أميرالمؤمنين (ع) أنّ فاطمة الزهراء (ع) قالت له بأنّ الملائكة تأتي وتتحدّث معها وتقول لها بعض المسائل. فقال لها أميرالمؤمنين (ع) بأنْ تخبره عندما تسمع صوت الملك حتّى يكتب ما تسمع، فكتب أميرالمؤمنين ما أملته الملائكة على فاطمة الزهراء (ع) وأصبح هذا كتاباً موجوداً لدى الأئمة (ع) اسمه (مصحف فاطمة) أو (صحيفة فاطمة).

وقد جاء في روايات عديدة أنّ الأئمة عليهم السلام كانوا يراجعون (مصحف فاطمة) في مسائلهم المتنوّعة، ثمّ قال الإمام (ع): «إنّه ليس فيها حلال وحرام، فيها علم ما يكون»، فأيّ علم رفيع هذا؟ وأيّة معرفة وحكمة ليس لها نظير هذه التي أعطاها الله تعالى لإمرأة في سنيّ الشباب؟ هذا هو المقام المعنوي للزهراء (ع).

إنّ هذه المسائل المعنوية لها ارتباط كبير بالفضائل العملية، ارتباط بما ينجم عن جهد فاطمة الزهراء (ع) وهذا المقام لا يعطى مجّاناً وبلا سبب. فعمل الإنسان له تأثير كبير في إحراز الفضائل والمناقب المعنوية.

البنت التي ولدت في لهيب الجهاد المرير للنبي (ص) في مكّة، والتي أعانت أباها وواسته في شعب أبي طالب، كانت فتاة عمرها حوالي 7 ـ 8 سنوات أو أقل أو أكثر بعدة سنوات (حسب اختلاف الروايات)، ومع ذلك تحمّلت تلك الظروف، مَنْ الّذي يرفع عن وجهها غبار الهمّ في تلك الظروف حيث توفّيت خديجة وأبو طالب والنبي لوحده بلا مواس، والجميع كانوا يلوذون به؟ فلا خديجة ولا أبو طالب، في تلك الظروف الصعبة، وفي ذلك الجوع والعطش والبرد والحر الذي استمرّ ثلاث سنوات في شعب أبي طالب (وهي من الفترات الصعبة في حياة النبي «ص») حيث كان يعيش عدد من المسلمين في شقّ جبل وهم في حالة إبعاد إجباري، في تلك الأحوال تحمّلت هذه الفتاة المشاكل فكانت كالمنقذ للنبي (ص)، وأمّ لأبيها، وممرضة عظيمة لذلك الإنسان العظيم. فقد واست النبي (ص) وتحمّلت العناء وعبدت الله وعزّزت إيمانها وهذّبت نفسها وفتحت قلبها للمعرفة والنور الإلهي. وهذه هي الأمور التي توصل الإنسان الى الكمال.

وبعد الهجرة؛ وفي بداية سنين التكليف تزوّجت فاطمة الزهراء(ع) من علي بن أبي طالب (ع). ولعلّكم جميعاً تعرفون البساطة وحالة الفقر التي مرّت بها فاطمة الزهراء (ع) بعد زواجها وهي بنت الشخص الأوّل في العالم الإسلامي، والحاكم على أولئك الناس.

إنّ حياة فاطمة الزهراء (ع) في جميع الأبعاد كانت مليئة بالعمل والسعي والتكامل والسمو الروحي للإنسان، وكان زوجها الشاب في الجبهة وميادين الحرب دائماً، وكانت مشاكل المحيط والحياة قد جعلت فاطمة الزهراء (ع) مركزاً لمراجعات الناس والمسلمين. وقد أمضت البنت المعينة للنبي (ص) حياتها بمنتهى الرفعة في تلك الظروف، وقامت بتربية أولادها الحسن والحسين وزينب وإعانة زوجها علي (ع) وكسب رضى أباها النبي (ص)، وعندما بدأت مرحلة الفتوحات والغنائم لم تأخذ بنت النبي ذرّة من لذائذ الدّنيا وزخرفها ومظاهر الزينة والأمور التي تميل لها قلوب الشابّات والنساء. وكانت عبادة فاطمة الزهراء (ع) عبادة نموذجية، يقول الحسن البصري الذي كان أحد العبّاد والزهّاد في العالم الإسلامي حول فاطمة الزهراء (ع) بأنّ بنت النبي عبدت الله ووقفت في محراب العبادة الى درجة (تورَّمت قدماها)، ويقول الإمام الحسن المجتبى (ع) بأنّ أمّه وقفت تعبد الله في إحدى الليالي حتّى الصبح (حتى انفجر عمود الصبح). ويقول الإمام الحسن (ع) انّه سمعها تدعو دائماً للمؤمنين والمؤمنات، وتدعو للناس وتدعو للمشاكل العامّة للعالم الإسلامي، وعند الصباح قال لها: «يا أمّاه أما تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك، فقالت: يا بنيّ الجار ثمّ الدار».

إنّ جهاد تلك المكرّمة في الميادين المختلفة هو جهاد نموذجي، في الدفاع عن الإسلام وفي الدفاع عن الإمامة والولاية، وفي الدفاع عن النبي (ص) وفي المعاشرة مع أكبر القادة الإسلاميين وهو أميرالمؤمنين الذي كان زوجـها. وقد قال أمـيرالمؤمنين (ع) مرّة بشأن فاطمة الزهراء (ع): «ما أغضبتني ولا خرجت من أمري». ومع تلك العظمة والجلالة، فإنّ فاطمة الزهراء (ع) كانت زوجة في بيتها، وإمرأة كما يقول الإسلام، وعالمة رفيعة في محيط العلم. وعن الخطبة التي قالتها فاطمة الزهراء (ع) في مسجد المدينة بعد رحلة النبي (ص) قال العلاّمة المجلسي: إنّ على كبار الفصحاء والبلغاء والعلماء أن يجلسوا ويوضّحوا كلمات وعبارات هذه الخطبة. فقد كانت قيّمة إلى هذه الدرجة. ومن حيث الجمال الفنّي فإنّها كانت مثل أجمل وأرفع كلمات نهج البلاغة وفي مستوى كلام أميرالمؤمنين (ع). ذهبت فاطمة الزهراء (ع) ووقفت في مسجد المدينة وتكلّمت ارتجالاً أمام الناس حوالي ساعة كاملة بأفضل وأجمل العبارات وأصفى المعاني. هكذا كانت عبادتها وفصاحتها وبلاغتها وحكمتها وعلمها ومعرفتها وحكمتها وجهادها وسلوكها كزوجة وكأمّ، وإحسانها الى الفقراء. فمرّة أرسل النبي (ص) رجلاً عجوزاً فقيراً الى بيت أميرالمؤمنين (ع) وقال له أن يطلب حاجته منهم، فأعطته فاطمة الزهراء (عليها السلام) جلداً كان ينام عليه الحسن والحسين حيث لم يكن عندها شيئاً غيره، وقالت له أن يأخذه ويبيعه ويستفيد من نقوده. هذه هي شخصية فاطمة الزهراء(ع) الجامعة للأطراف. إنها أسوة للمرأة المسلمة.

إنّ على المرأة المسلمة أن تسعى في طريق الحكمة والعلم وفي طريق التهذيب المعنوي والأخلاقي للنفس وتكون طليعة في ميدان الجهاد والكفاح (بكلّ أنواعه) ولا تهتمّ بزخارف الدنيا ومظاهرها الرخيصة وتكون عفّتها وعصمتها وطهارتها بدرجة بحيث تدفع عنها نظر الأجنبي تلقائياً، وفي البيت سكينة للزوج والأولاد وراحة للحياة الزوجية، وتربّي في حضنها الحنون والرؤوف وبكلماتها الطريفة والحنينة أولاداً مهذّبين بلا عقد، وذوو روحيّة حسنة وسليمة، وتربّي رجالاً ونساءاً وشخصيات المجتمع. إنّ الأمّ هي أفضل من يبني، فأكبر العلماء قد يصنعوا أداة الكترونية معقّدة جدّاً مثلاً، أو يصنعوا أجهزة للصعـود الـى الفـضاء أو صـواريخ عـابرة للقـارات، ولكن هذا كلّه لا يعادل أهمّية بناء إنسان رفيع، وهو عمل لا يتمكن منه إلاّ الأمّ، وهذه هي أسوة المرأة المسلمة.

إنّ العالم الاستكباري الغارق في الجاهلية يخطأ عندما يتصوّر إنّ قيمة واعتبار المرأة هو في تجمّلها أمام الرجل حتى تنظر إليها العيون الطائشة وتتمتع برؤيتها وتصفّق لها. وهذا الذي يطرح اليوم من قبل الثقافة الغربية المنحطّة بعنوان حرّية المرأة قائم على هذا الأساس؛ وهو جعل المرأة معرّضة لأنظار الرجل حتّى يتمتّع بها الرجل ويلتذّ منها فتكون النساء وسيلة لالتذاذ الرجال. ويسمّون هذا حرّية المرأة. فهل هذه هي حرية المرأة؟.

إنّ الّذين يدّعون حماية حقوق الإنسان وحقوق المرأة في العالم الغربي الجاهل والغافل والمنحرف هم في الحقيقة يظلمون المرأة. إنّ عليكم أن تنظروا إلى المرأة نظرة إنسان رفيع حتى يتّضح ما هو حقّها وحرّيتها وكمالها؟ انظروا الى المرأة ككائن يمكنه أن يصلح المجتمع عن طريق تربية أناس بمستوى عال حتّى تتّضح ما هي المرأة وكيف هي حرّيتها. انظروا للمرأة على أنّها عنصر أساسي في تشكيل الأسرة، فرغم أنّ الأسرة تتشكّل من الرجل والمرأة، وكلاهما مؤثر في تشكيل الأسرة، ولكن استقرار أجواء الأسرة هو ببركة المرأة وطبيعة النساء. فلينظروا الى المرأة هذه النظرة حتّى يتبيّن كيف تتكامل المرأة، وأين هي حقوقها؟.

إنّ الأوربيين عندما تقدّموا صناعياً (أوائل القرن التاسع عشر) وفتح الرأسماليون الغربيون مصانع كثيرة، كانوا بحاجة الى عمّال باجور زهيدة لا يثيرون العناء، ولذا رفعوا ضجّة حرّية المرأة من أجل سحب المرأة من الأسرة الى المصانع والاستفادة منها باعتبارها عاملاً زهيداً الاجور فيملؤون جيوبهم ويسقطونها من كرامتها ومنزلتها.

إنّ ما طرح اليوم من حرّية المرأة في الغرب هو استمرار لتلك القضية، ولذا فانّ الظلم الذي تعرّضت له المرأة في الثقافة الغربية والفهم الخاطيء للمرأة في الثقافة والأدب الغربيين ليس له نظير في كلّ عصور التاريخ. فقد تعرّضت المرأة سابقاً الى الظلم ولكن الظلم العام والشامل يختصّ بالفترة الأخيرة وهو ناجم عن الحضارة الغربية، حيث اعتبروا المرأة وسيلة لالتذاذ الرجال وأطلقوا على ذلك اسم حرّية المرأة! بينما الحقيقة هي أنّ ذلك هو حرّية للرجال الطائشين من أجل التمتّع بالمرأة. ولم يقم الغربيون بظلم المرأة في مجال العمل والنشاط الصناعي وأمثال ذلك فقط، بل كذلك في مجال الفنّ والأدب أيضاً. فلو نظرتم اليوم في النتاجات الفنيّة وفي القصص والشعر والرسوم وفي أنواع الأعمال الفنّية لديهم، لرأيتم ما هي نظرتهم للمرأة. هل هناك اهتمام بالجوانب الايجابية والقيم الرفيعة الموجودة في المرأة؟ هل هناك اهتمام بالعواطف الرقيقة والرأفة والطبع الرؤوف الذي أودعه الله تعالى في المرأة، طبع الأمومة وروحية المحافظة على الطفل وتربية الأولاد، أم الاهتمام بالجوانب الجنسية أو بتعبيرهم جوانب العشق، وهو تعبير خطأ وغير صحيح، فحقيقة المسألة هي الشهوة وليست العشق، وقد أرادوا تربية المرأة وتعويدها هكذا، فهم يعتبرون المرأة كائناً استهلاكياً سخيّاً، وعاملاً قليل المطالبة وزهيد الاجور.

إنّ الإسلام لا يعتبر ذلك قيمة للمرأة، والإسلام يؤيّد عمل المرأة، بل لعله يعتبره لازماً عندما لا يزاحم عملها الأساسي، والذي هو أمّ أعمالها، أي تربية الأولاد والمحافظة على الاسرة. ولا يمكن للبلد أن يستغني عن طاقة العمل عند النساء في المجالات المختلفة. ولك هذا العمل يجب أن لا يتنافى مع كرامة المرأة وقيمتها المعنوية والإنسانية. ويجب أن لا يذلّوا المرأة ولا يدفعوها الى التواضع والخضوع فالتكبّر مذموم من جميع الناس إلاّ من النساء أمام الأجانب. فيجب أن تكون المرأة متكبرة أمام الرجل الأجنبي {فلا تخضعن بالقول}. وهذا هو من أجل المحافظة على كرامة المرأة، والإسلام يريد هذا وهذه هي اسوة المرأة المسلمة. المعجزة العظيمة التي تصنعها المرأة المسلمة عندما تعود الى فطرتها وأصلها، كما حصل في الثورة والنظام الاسلامي ـ وللّه الحمد ـ وكما يشاهد اليوم أيضاً، فنحن لم نرى تلك القدرة والعظمة من النساء كما نراها اليوم في أمّهات الشهداء، ولم نرى تلك التضحية من النساء الشابات كما رأيناها في فترة الحرب حيث كنّ يرسلن أزواجهن الأحبّاءالى ميادين الحرب ويحافظن على أسرهن وعفّتهن وأمانتهن ليبقى الأزواج مرتاحي البال هناك.

فهذه هي عظمة الإسلام التي ظهرت على وجوه نسائنا الثوريات في أيام الثورة وحالياً أيضاً ـ وللّه الحمد ـ، فلا يقول البعض انّ النساء لا يمكنهن كسب العلم إذا حافظن على الحجاب والعفّة وإدارة البيت وتربية الأولاد. فكم من النساء العالمات لدينا في مختلف المجالات في مجتمعنا ـ وللّه الحمد ـ فهناك عدد كبير من الطالبات الجامعيات المجدّات ومن ذوات القابلية، وكذلك من الخريجات في مستويات عالية وطبيبات ممتازات من النمط العالي في مجالات علمية متنوّعة.

إن نساءنا اليوم في الجمهورية الاسلامية يحافظن على عفافهن وعصمتهن وطهارتهن كنساء ويحافظن على الحجاب بشكل كامل، ويقمن بتربية أولادهن بالطريقة الاسلامية كذا بالواجبات الزوجية كما يقول الاسلام، ويمارسن نشاطات علمية وسياسية. والآن بينكن أيّتها السيدات الحاضرات هنا عدد كبير لديهنّ نشاطات سياسية واجتماعية جيدة جدّاً ونشاطات ممتازة، سواء السيدات المتزوّجات أو غير المتزوّجات ويفخر الأزواج أيضاً ـ ويجب أن يفخروا ـ في أنّ نساءهم متقدّمات في ميادين متنوّعة ويستطعن أن يصلن الى الكمال الحقيقي في محيط إسلامي وبروحية إسلامية بعيداً عن الانحطاط ومظاهر الزينة والاحتقار.

إنّني أقول للنساء المسلمات ـ الشابّات وربّات البيوت ـ لا تذهبن وراء الاعلام الاستهلاكي الذي يروّج له الغرب كالأرَضَة في روح المجتمعات البشرية ومجتمعات الدول النامية ومنها دولتنا. فالاستهلاك جيد بمقدار اللازم وليس في حدّ الاسراف، وعلى نساء المسؤولين اللواتي لدى أزواجهن أو لديهنّ مسؤوليات في المجالات المختلفة أن يكنّ أسوة للأخريات من حيث الابتعاد عن الاسراف. ويجب عليهن أن يعطين الأخريات درساً في أنّ المرأة المسلمة هي أرفع من أن تصبح أسيرة المجوهرات والمسكوكات الذهبية وأمثال هذه الأشياء. ولا نريد أن نقول إنّها حرام، بل نريد أن نقول إنّ شأن المرأة المسلمة هو أرفع من أن يقوم البعض ـ في الفترة التي يعيش كثير من أبناء مجتمعنا في وضع هم بحاجة فيه الى المساعدات المادّية ـ في شراء الذهب والزينة ووسائل الحياة المتنوّعة ويسرفون في مجالات الحياة المختلفة. وهذه هي أسوة المرأة المسلمة، وهذه هي إحدى الميادين التي نفخر بها أمام العالم الاستكباري.

وقد قلت مراراً للخطباء والمبلّغين؛ إنّ على الثقافة الغربية المنحطّة أن تدافع عن نفسها في مسألة المرأة، وليس نحن الّذين ندافع عن موقفنا، وإنّ ما نعرضه للمرأة لا يمكن لأيّ إنسان عاقل ومنصف أن ينكر بأنّ ذلك جيّد للمرأة، فنحن ندعو المرأة الى العفّة والعصمة والحجاب وعدم الاختلاط والمعاشرة بلا حدّ بين المرأة والرجل والمحافظة على الكرامة الإنسانية وعدم الزينة أمام الرجال الأجانب من أجل أن يلتذّوا، فهل إنّ هذه أمور سيّئة؟ إنّها كرامة للمرأة المسلمة، وإنّ على الّذين يشجّعون المرأة في التزيّن والتبرّج حتّى ينظر إليها الرجال في الشوارع والأسواق ليشبعوا غرائزهم الجنسية أن يدافعوا عن أنفسهم لأنّهم أنزلوا المرأة الى هذا الحدّ وأذلّوها. إنّ ثقافتنا هي ثقافة يقبلها العظماء والعلماء حتّى في الغرب وهكذا هو سلوكهم أيضاً، ففي الغرب لا تقبل النساء العفيفات واللواتي يرين لأنفسهن قيمة أن يجعلن أنفسهن أداة لإشباع الغرائز الجنسية للأجانب والأنظار الطائشة...

... انّ المستكبرين والمستبدّين وناهبي العالم، والذين لا يهتمون بحقوق الشعوب والعاملين للقضاء على مصالح الشعوب الضعيفة، والمحتلين لأراضي الدول الضعيفة، يحملون اليوم راية الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ومن الواضح انّ الشعوب الإسلامية لا يمكن أن تهتمّ بهؤلاء. والمهمّ أن تقمن أنتنّ النساء المسلمات وخاصة الشابّات والفتيات الجامعيات والسيّدات العاملات في النشاطات العلمية والاجتماعية والسياسية بمتابعة هذه الطريقة الإسلامية بجدّية واهتمام كامل وعدم تركها.

إنّ التربية الاسلامية والثورية للمرأة المسلمة تدعو الى فخر وتباهي الجمهورية الإسلامية. ونحن نفخر بنسائنا المسلمات، ونفخر عندما تظهر النساء بحجاب كامل في الصور التي تلتقط للمسيرات، وهنّ يحملن أطفالهن ويخرجن الى المسيرات في الظروف الصعبة لإعلان موقف سياسي، أو يحضرن في صلاة الجمعة ـ وهي أمر عبادي سياسي ـ ويدلين بأصواتهن لانتخاب المرشحين السياسيين.

إنّ الجمهورية الإسلامية تفخر ويرتفع شأنها عندما تحصل نساؤها على درجات عالية في الجامعات أو يحصلن على الرتبة الأولى والثانية في الفروع المختلفة للامتحانات الوزارية، وهذا فخر لأحكام الإسلام النورانية.

وفي هذا العالم الذي تتحرّك فيه موجات الاعلام المنحرف الخاطئ من كلّ الجوانب استطاعت المرأة المسلمة إثبات وجودها بهذه الشجاعة وبهذا الرأي المستقل، وكلّ هذا من بركات الإسلام.

إنّ محيط الجامعات مهمّ جدّاً، وعلى السيدات الجامعيات والاساتذة أن يسعين لنشر هذه الروحية والثقافة الإسلامية في محيط الجامعات، ولا يسمحن بهتك حرمة الحجاب الإسلامي وكذا النساء والطالبات الجامعيات المسلمات أو نشر الأفكار الفاسدة، فمحيط الجامعة يجب أن يكون محيطاً إسلامياً، محيطاً لنمو الإنسان والمرأة المسلمة، المرأة التي أسوتها فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وذلك مهمّ جدّاً لمستقبل البلد.

**************

الإسلام وحقوق المرأة / يوم المرأة

الفهرس2007-09-05 18:12:05

19جمادى الثانية 1418هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

أهنّئ جميع الحضور الكرام والمسلمين كافة وخاصة النساء في هذا البلد الإسلامي بالولادة السعيدة لكوثر النور والمعرفة، الصديقة الطاهرة المرضية المطهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها. هذه الولادة الكبرى من أبرز الأعياد الإسلامية؛ لأن فاطمة الزهراء سلام الله عليها شخصية عظيمة من المرتبة الأولى في الإسلام، بل من المرتبة الأسمى على مدى التاريخ، كما نقل عن رسول الله (عليه وعلى آله الصلاة والسلام) انه قال لها: «أما تحبي أن تكوني سيّدة نساء العالمين؟» فسألته سلام الله عليها: «فكيف مريم؟» وقد قال القرآن انها سيّدة النساء، فقال لها: ان مريم كانت سيّدة نساء زمانها، وأنتِ سيّدة نساء الأولين والآخرين.

ولو توضحت شخصية فاطمة الزهراء سلام الله عليها لأذهاننا البسيطة وأنظارنا التي لا تبصر إلاّ القريب، لآمنّا نحن أيضاً انها سلام الله عليها سيّدة نساء العالم أجمعين. إنّها المرأة التي بلغت في عمرها القصير مراتب معنوية وعلمية توازي مراتب الأنبياء والأولياء.

والواقع ان فاطمة فجر ساطع انبلجت من جنبه شمس الإمامة والولاية والنبوّة، وهي سماء عُليا ضمت بين جوانحها كواكب الولاية الوضّاءة. وكان الأئمة عليهم السلام بأجمعهم يولونها تكريماً واحتراماً قلما كانوا يولونه لشخص آخر.

وعلى هذا الأساس، فهذا عيد إسلامي وعيد بشري ويحمل لشعبنا على وجه الخصوص بُعداً أساسياً، وذلك أنّ نساء بلدنا قد جعلن من فاطمة الزهراء سلام الله عليها عبر استشراف حياتها ومعرفتها ومجاهدتها وكلماتها الحكيمة منهجاً ومساراً، جعلنه نصب أعينهن وسرنَ من خلاله، ويجب عليهن السير فيه أكثر فأكثر. ولهذا السبب أكرّس حديثي في هذا الحشد النسوي الكريم عن قضايا المرأة في بلدنا وفي عصرنا وفي الرؤية الإسلامية.

لاريب ان جهوداً حثيثة قد بذلت من بعد انتصار الثورة في سبيل المرأة والدفاع عن حقوقها. ويجب القول ان المرأة من بعد انتصار الثورة قد حظيت بالتكريم، وكان رائد هذا التكريم والسبّاق إليه هو الإمام القائد الذي كان يحترم المرأة الإيرانية المسلمة كمال الاحترام، وهذه النظرة هي التي استقطبت النساء لمناصرة الثورة الإسلامية بحيث يمكن القول انه لو لا مشاركة النساء فيها لكان من المحتمل جداً أن لا يكتب لها النَصر بتلك الكيفية، أو لا تنتصر أساساً، أو تعترضها مشاكل كبرى. وعلى هذا الأساس أدى حضور النساء إلى تهافت المعوقات أمام طريق الثورة، وهكذا كان موقفها أيضاً طوال فترة الحرب، وفي كافة قضايا الثورة الأخرى منذ انطلاقتها ولحد الآن.

وخلاصة القول هي ان مساعٍ لا يستهان بها قد بذلت في هذا السبيل، ولكن في الوقت نفسه لازال هناك الكثير من العمل الثقافي الذي يجب أن يؤدى من أجل المرأة واحقاق حقوقها ورفع الحيف عنها وتمهيد الأجواء المناسبة لها. وأنا اليوم أتحدث هنا على أمل أن يؤدي حديثي إلى ارساء مثل هذا الجو الثقافي.

إذا اتسم الجو الثقافي بالشفافية في مجال قضايا المرأة وتوضحت أحكام الإسلام وآراء القرآن في هذا الباب، فمن الطبيعي أن ينتهي الأمر إلى تمهيد السبيل أمام المرأة لبلوغ الغاية المنشودة والأهداف المرجوة، حتّى ان كان المطروح في هذا الموضوع ظاهره كلام وبحث إلا انه في الواقع عمل؛ لأن مثل هذا الكلام يجلي الفكرة الثقافية للمجتمع وينير أذهان ابنائه.

شاهدنا في السنوات الأخيرة عملاً جديراً بالثناء في الأفق الفكري والثقافي المتعلق بقضية المرأة، ولكن لابدّ من استيعاب الهدف الذي نسعى إليه من وراء احقاق حق المرأة أو توفير الظروف الكفيلة بتكاملها ورفع الظلم عنها أو الحديث عن أوضاعها، وما هي الغاية التي نرمي إليها عبر هذه المساعي والكتابات والأقوال والتشريعات القانونية؟ هذا سؤال لا مناص من الاجابة عليه.

السؤال الثاني هو ما هي الشعارات والأدوات الكفيلة بايصال المرأة إلى مكانتها الحقيقية؟ إنّنا نلاحظ اليوم في البلدان الغربية والبلدان السائرة في ركب الثقافة الغربية شيئاً باسم حركة الدفاع عن حقوق المرأة، فهل ما نشاهده اليوم في إيران الإسلامية هو عين ما يجري هناك، أو مشابه له، أم مغاير له؟ يجب أن يعرض في هذا الصدد سؤال جاد ويلقى الجواب الجاد. وأنا اليوم أتحدث عن هذا الموضوع شيئاً ما وأعرض رأي الإسلام في هذا الموضوع بايجاز.

الهدف من السعي الثقافي والحقوقي لايصال المرأة إلى المرتبة المنشودة على الصعيدين الاجتماعي والفردي، يمكن أن يُصور بأحد الوجهين:

الأول: اننا نسعى ونكافح ونكتب ونقول من أجل بلوغ المرأة كمالها؛ أي ان تنال المرأة في المجتمع حقوقها الإنسانية والحقيقية أولاً، وثانياً من أجل ازدهار طاقاتها ولتبلغ نضجها الحقيقي والإنساني؛ لتصل في نهاية المطاف إلى كمالها الإنساني، ولتتخذ المرأة في المجتمع صورتها الإنسانية الكاملة وتصبح انسانة قادرة على المساهمة في تقدم الإنسانية وتقدم مجتمعها، ولتعمل في حدود امكاناتها لتحويل العالم إلى بناء مزدهر وجميل.

الثاني: اننا نرمي من وراء هذا الجهد وهذا العمل خلق حالة من الصراع والتناحر والتنافس العدائي بين جنسي الرجل والمرأة، وايجاد عالم محوره التنافس وكأن الرجال في المجتمع الإنساني في جانب والنساء في الجانب الآخر ويتناحران على مكسب وتريد المرأة في هذا الحقل التغلب على الرجل! فهل هذا هو الهدف؟

إذن يمكن تصّور شكلين من الغاية لهذا المسعى ولهذه الحركة؛ أولهما إسلامي، وثانيهما محور لرؤية قصيرة النظر، وهو ما نشاهده بشكل أكبر في المساعي الجارية في البلدان الغربية. وسأقدم خلال حديثي المزيد من الايضاحات بشأن هذا الموضوع. فالسؤال الأول الذي يستلزم الاجابة والتوضيح هو: ما الهدف المراد انجازه عبر الجهود الداعية لضمان حقوق المرأة؟

السؤال الثاني الذي يحظى بنفس القدر من الأهمية، هو اننا حينما نتحدث عن المرأة وندافع عن حقّها، ما هي الشعارات التي نطرحها وبماذا نطالب وما الغاية التي نسعى من أجل بلوغها؟ هذه النقطة لها أهميتها. وهنا نجد أيضاً ان الرؤية الإسلامية ـ اي ما يستشف من الدراسات الإسلامية والمعارف حول المرأة والتعاريف الإسلامية لها ـ تختلف عمّا هو موجود اليوم في الغرب.

الشعار المرفوع في الغرب بالدرجة الأولى هو حرية المرأة. وكلمة الحرية هذه لها معنيً فضفاض؛ قد يقصد به التحرر من العبودية، وقد يراد به التحرر من الأخلاق ـ لأن الأخلاق أيضاً نوع قيود وحدود ـ وقد تعني التحرر من استغلال رب العمل الذي يستثمر جهود المرأة باجور زهيدة، ولربّما يراد بها الانعتاق من القوانين التي تكبل ارادة المرأة أمام الزوج، كلمة الحرية قد تشمل كل هذه المعاني. ناهيك عن ان الشعارات المرفوعة التي تطالب بحقوق المرأة تضم سلسلة من المطاليب التي يتناقض بعضها مع البعض الآخر، فما معنى هذه الحريّة؟

من المؤسف أن أكثر ما يفهم من (الحرية) في العالم الغربي هو معناها المغلوط والضار ـ أي التحرر من القيود العائلية، ومن الهيمنة المطلقة للزوج، والتحرر حتّى من التزامات الزواج وتشكيل الأسرة وتربية الأولاد في الموارد التي تحصل فيها حالات الشهوة العابرة ـ وليس هذا معناها السليم. ولهذا يلاحظ ان من جملة ما يثار في العالم الغربي هي مسألة الاجهاض وهي مسألة خطيرة رغم ما تتسم به ظاهرياً من بساطة أو عدم أهمية. هذه هي الشعارات والمطاليب التي غالباً ما تثار في الغرب.

ولهذا يقال ان حركة تحرير المرأة إذا كانت تسير في سياق صحيح وتنادي بمطاليب صحيحة وتنتهج أسلوباً كفاحياً صحيحاً، لا يمكن ان تحمل كل هذا المعنى الواسع الذي ينطوي بعضه على أبعاد مضرّة قطعاً، حتّى وان كانت فيه جوانب مفيدة. وهذا ما يوجب التنقيب عن شعارات أفضل وأقوم وأصح وأكثر قدرة على معالجة المشكلة.

المقصد الأساس في كلامي هذا موجه اليكن أنتُنَّ أيتها النساء الكريمات وخاصة الفتيات منكن،فأمامكم عمر أطول، وينبغي أن تسخّرن الامكانات التي خلقها الله في هذا العالم من أجل تكامل الإنسان، فيجب معرفتها معرفة دقيقة ومعرفة السبيل المؤدي إليها، فأنتن إذن بحاجة إلى التفكير في هذا. وأمامكنّ أيضاً قضية المجاهدة لرفع الحيف عن المرأة، ولابدّ لكُنَّ من معرفة الآراء المعروضة، وما هو الضروري، وما هو المضر منها.

كل حركة اجتماعية انما تكون صحيحة وتحقق مكاسب سليمة وذات أهمية، ذلك فيما لو كانت أسسها مبنيّة على العقل والتأنّي والتشخيص والمصلحة. ولابدّ من وجود عين هذه المثل في كل حركة يراد بها احقاق حق المرأة، أي ان تتصف بالرؤية العقلانية المبنيّة أسسها وفقاً لحقائق الوجود؛ أي بمعنى دراسة طبيعة وفطرة المرأة وطبيعة وفطرة الرجل والمسؤوليات والمشاغل الخاصة بكل من المرأة والرجل، وكل ما هو مشترك بينهما، بعيداً عن المواقف الانفعالية وأسلوب تقليد الآخرين؛ إذ أن أية حركة منشؤها الموقف الانفعالي والقرار المتسرّع والتقليد الأعمى، ستكون بغير شك حركة ذات ضرر بليغ.

إذا كان البعض في مجتمعنا وفي بلدنا يتحدث عن المرأة وحقوق المرأة كرد فعل على ما تشيعه التقارير أو المجلات الغربية أو بعض الساسة الغربيين ويتهمون فيه إيران الإسلامية بعدم مراعاة حقوق المرأة، فموقفهم هذا مغلوط، ويجب عدم الدخول إلى المعترك بمثل هذه الغاية حيث انه سيقود إلى الانحراف والزلل. ولو اننا دخلنا معترك الدفاع عن حق المرأة بمثل هذه الغاية وبهدف عدم التخلف عن الركب الغربي في هذا المجال، فسنوقع أنفسنا في الزلل. وإذا فعلنا ذلك بهدف أن لا يحملوا عنّا نظرة سلبية، نكون مخطئين. وإذا فعلنا ذلك معتقدين انهم قد سلكوا المسار الصحيح نكون مخطئين أيضاً. لا ينبغي أساساً دخول الساحة بمثل هذه الغايات والنوايا المغلوطة.

من دواعي الأسف انني ألاحظ اليوم بعض المقالات التي تكتب بقصد الدفاع عن المرأة، وبعض الأحاديث التي تتداولها الألسن في حقل احقاق حقوق النساء، نابعة من مواقف انفعالية مؤداها ان الغربيين قالوا كذا، أو ان الأوربيين كتبوا كذا، أو انهم نسبوا إلينا كذا. ونحن إذا أردنا في مثل هذه الحالة اتخاذ موقف دفاعي أو سلوك سبيل معين فستكون هذه الحالة سبباً للزلل والانحراف. ولهذا السبب يجب علينا النظر إلى الحقائق الموجودة في عالم الكون، وجملة هذه الحقائق تتضمنها التعاليم الإسلامية.

الإسلام يدعو إلى تكامل الإنسان، ولا فرق في هذا عنده بين الرجل والمرأة، وهو يمجّد مكانة المرأة تارة ويمجّد مكانة الرجل تارة أخرى حسب ما يقتضيه الموقف باعتبارهما يشكلان ركني الكيان البشري. وهما لا يختلفان عن بعضهما قيد أنملة من حيث الصفة الإنسانية والبُعد الإلهي. والقرآن حينما يريد التمثيل للإنسان الصالح أو الإنسان السيء يضرب مثلاً بالمرأة: {وضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط}، ويضرب مثلاً للذين آمنوا بامرأة فرعون. ويذكر المرأة في كلتا الحالتين كمثال لطريق الخطأ مرة ولطريق الصواب.اخرى كما ويتحدث في مواضع أخرى عن الرجال بنفس الأسلوب.

الإسلام لا يعير أهمية لجنس الإنسان كأن يكون رجلاً أو امرأة، وانما المهم لديه هو الأخلاق الإنسانية، وازدهار الطاقات، وأداء التكاليف الملقاة على عاتق كل شخص أو على عاتق كل واحد من الجنسين: الذكر والأنثى. وهذا ما يفرض التعرف على طبيعة كل منهما. والإسلام طبعاً يعرف طبيعة كل من الرجل والمرأة حق المعرفة.

وينصبُّ اهتمام الاسلام على مبدأ التوازن؛ أي رعاية مبدأ العدالة التامة بين أبناء البشر، ومن جملة ذلك التوازن بين الرجل والمرأة. وينصب اهتمامه أيضاً على المساواة في الحقوق، بيد ان الأحكام قد تتفاوت أحياناً بينهما حسب ما تقتضيه الخصائص المتفاوتة بين طبيعتيهما. ووفقاً لما سلف ذكره، يتبيّن ان أكثر الحقائق عن الفطرة والطينة البشرية لكل من الرجل والمرأة ملحوظة في الشريعة الإسلامية.

ونحن اليوم إذا شئنا ايجاد حركة حقيقية وأساسية للمرأة في بلدنا ليتسنّى لها بلوغ مكانتها المنشودة، لابدّ وان نأخذ الأحكام الإسلامية بعين الاعتبار ونستلهم منها ما ينبغي لنا فعله؛ فأحكام الإسلام هي التي تحدد لنا مسارنا، كما وانها تتسع لكل أسلوب عقلائي وترتضيه. فان كانت ثمة تجربة مقبولة في موضع ما، فلا بأس بالاستفادة من تجارب الآخرين، على ان لا يكون فيها تقليد. ولهذا ينبغي على الأشخاص الذين يبذلون اليوم جهوداً من أجل احقاق حقوق المرأة وتفتّح طاقاتها ـ وهي جهود ينبغي ان تبذل طبعاً ـ ان يعرفوا الهدف الذي يبتغون تحقيقه والشعارات التي يجب عليهم المناداة بها.

أشير هنا إلى ما وقع فيه الغربيون والفكر الغربي من مآس في هذا الصدد، ثم أعرّج بعده على ذكر رأي الإسلام. وقع الغربيون في مسألة معرفة طبيعة المرأة وكيفية التعامل معها بين موقفين متضادين من الافراط والتفريط، والنظرة الغربية للمرأة قائمة أساساً على عدم المساواة. لا تنظروا إلى ظاهر المبادئ التي ينادي بها الغرب فهي مجرد شعارات جوفاء ليس فيها أي نصيب من الحقيقة. والثقافة الغربية لا يمكن استيعابها عبر اجالة النظر في الشعارات، بل لابدّ من التنقيب عنها عبر استقراء أعمالهم الأدبية.

يعلم المطلعون على الآداب الغربية والقصص والأشعار والروايات والمسرحيات الأوروبية، ان الثقافة الأوروبية منذ القرون الوسطى وما سبقها إلى أواخر القرن الحالي كانت تنظر إلى المرأة على أنها موجود من الدرجة الثانية، وكل ادعاء يخالف هذه النظرة فهو ادعاء باطل. أنظروا إلى المسرحيات الشهيرة للكاتب الانجليزي شكسبير لتروا بأية لغة وبأي نفس وبأية لهجة يتحدث هو وسائر ادباء اوروبا عن المرأة.

الرجل في الآداب الأوروبية هو السيد والمالك لناصية المرأة. وما برحت بعض نماذج تلك الثقافة وآثارها ماثلة حتى يومنا هذا؛ فبعدما تتزوج المرأة تفقد لقبها وتكتسب لقب زوجها، هذه السنّة موجودة عند الغربيين. أما في بلدنا فلم تكن هذه الظاهرة موجودة ولا هي موجودة حالياً؛ فالمرأة تحتفظ بلقب عائلتها حتى بعد الزواج. وهذا العمل عند الغربيين يعكس ثقافتهم القديمة القائلة بسيادة الرجل.

عندما تتزوج المرأة ـ في ظل الثقافة الأوروبية ـ لا تصبح هي وحدها ملكاً للزوج، وانما تصبح جميع ممتلكاتها وأموالها وكل ما لديها من أبيها ومن عائلتها ملكاً للزوج أيضاً! وهذا ما لا يمكن للغربيين انكاره لأنه كان في صلب ثقافتهم. بل وحتى روح المرأة كانت تحت تصرف الزوج! ولهذا السبب يلاحظ في القصص والأشعار الغربية ان الزوج كثيراً ما يقتل زوجته لأدنى اختلاف يقع بينهما؛ ولا يمكن لأحد أن يتوجّه إليه باللوم! كما وان الفتاة في دار أبيها محرومة من أي خيار في حياتها.

كانت المعاشرة بين الرجال والنساء عندهم ـ حتى في ذلك العصر ـ مباحة إلى حد ما؛ بيد ان قرار الزواج واختيار الزوج كانَ بيد الأب. وهذا ما يلاحظ في الكتابات المسرحية التي أشرت إليها والتي يشاهد فيها فتاة تُرغم على الزواج، وأمرأة تقتل على يد زوجها، وأسرة تعاني فيها المرأة العنت والعناء. وقد استمرت الثقافة الغربية تسير على هذه الوتيرة حتى أواسط القرن الحالي، علماً ان حركات تحت عنوان تحرير المرأة قد بدأت نشاطها منذ أواخر القرن الميلادي التاسع عشر.

على السيدات الكريمات وخاصة الفتيات اللواتي تحدوهن رغبة للتفكير في هذا المضمار، الالتفات إلى هذه الجوانب بدقّة. ففي أوروبا حتى حينما شرّعوا للمرأة حق الملكية، فقد كان الدافع إليها ـ وفقاً للدراسات التي أجراها علماء الاجتماع الأوروبيون أنفسهم ـ هو حاجة المصانع إلى المزيد من الأيدي العاملة، في وقت كانت فيه التقنية الحديثة والصناعات قد اتسع مداها وتطورت، وكان ذلك الاجراء بمثابة محفز لاستقطاب هذه الأيدي العاملة التي كانوا يدفعون لها عادة أجوراً أدنى، ولم يشرّع حق الملكية هذا إلا في مطلع القرن العشرين. هكذا كانت النظرة المتخلّفة الظالمة للمرأة في الغرب وفي أوروبا.

مثل هذا الافراط يُقابل من جهة أخرى بالتفريط؛ فحيثما تنبثق نهضة في مثل تلك الأجواء للدفاع عن حق النساء فمن الطبيعي ان يعتريها مثل هذا التفريط، ولهذا يلاحظ هذا الفساد والتحلل الذي تفشى في الغرب بسبب الحرية المفرطة للمرأة على مدى عقود عديدة، بحيث أثار الهلع حتى لدى المفكرين الغربيين، وأوجد الرعب والاستياء لدى الحريصين والمُصلحين والعقلاء والخيّرين في البلدان الغربية، إلاّ انهم باتوا عاجزين عن الوقوف بوجهه. اولئك كانوا يبتغون تقديم خدمة للمرأة إلاّ انهم ألحقوا بها أكبر الضرر لأن اشاعة الفساد والتفسخ الخلقي والحرية المطلقة في العلاقات بين الرجل والمرأة أدى إلى زعزعة بناء الأسرة.

الأسرة التي يستطيع الزوج فيها اطفاء لهيب شهوته الجنسية في المجتمع بدون أية قيود، ويُباح للزوجة الاتصال برجال من شتّى المشارب بلا اية مؤاخذة، لا يكون فيها الزوج زوجاً صالحاً ولا الزوجة كذلك، ومن هنا ينهار صرح الأسرة.

احدى المعضلات الكبرى التي تعاني منها البلدان الغربية اليوم كثيراً وأودت بها إلى الوقوع في منحدرات سلبية حادّة هي مشكلة الأسرة. وهذا ما جعل كل من يرفع شعار اصلاح الأسرة شخصاً محبوباً ويحظى عندهم ـ خاصة بين النساء ـ بمكانة مرموقة، ويُعزى سبب ذلك إلى شدّة ما يكابدونه من عناء جراء انهيار العلاقة الأسرية؛ ولأن الأسرة فقدت هناك وللاسف موجبات الأمن والاستقرار لكلا الزوجين وخاصّة المرأة؛ فتلاشت الكثير من الأسر، وبقيت نساء كثيرات يعشن بمفردهن إلى آخر حياتهن، ولا يجد أكثر الرجال امرأة يرتضونها وتنال اعجابهم، وتفشل الكثير من حالات الزواج في سنواتها الأولى.

الأسس القوية والجذور العميقة التي تتصف بها الأسرة في بلداننا قلّما تتوفر اليوم لدى الأسر في تلك البلدان، ويندر جداً في الغرب وجود الأسرة التي يكون فيها الجد والجدّة والأحفاد والأقارب وأبناء العم وبنات العم وسائر فروع العائلة إلى جانب بعضهم ويعرفون بعضهم وليس لدى الزوج والزوجة هناك الاخلاص اللازم لبعضهما. وهذا البلاء الذي أحاق بالمجتمع البشري والمرأة الغربية على وجه الخصوص جاء كردّ فعل لذلك النهج المتطرف في كبت حق المرأة آنذاك.

الواقع أن حركة الدفاع عن المرأة في الغرب كانت حركة مضطربة وبعيدة عن المنطق وقائمة على الجهل، ومجردة من القيم الإلهية والاستناد إلى الفطرة الطبيعية لكل من الجنسين. فلحقت أضرارها ـ في نهاية الأمر ـ بالجميع؛ رجالاً ونساءً، وأكثر ما لحق ضررها بالنساء.

إنّ حركة كهذه غير جديرة بالتقليد ولا تستحق ان ينظر إليها بلد إسلامي ليستقي منها شيئاً،بل يجب أن تجابه بالرفض. أجل، لابدّ من انبثاق حركة في المجتمع الإسلامي وفي مجتمعنا لاحقاق حقوق المرأة، ولكن بشرط ان تقوم على اساس إسلامي ولأهداف إسلامية. بيد ان البعض قد ينبري للقول؛ وما الداعي لمثل هذه الحركة؟ وما الذي تعوزه المرأة في مجتمعنا؟ من المؤسف ان البعض يفكر بهذا النمط، وهذه نظرة سطحية؛ فالمرأة في كل المجتمعات ـ ومنها مجتمعنا ـ تعاني من الظلم ومن نواقص تفرض عليها. ولا نعني من النقص الذي نرفضه، هو ما يعنيه الغربيون، بل المقصود به قلّة ميادين وفرص التعلّم والمعرفة والتربية والأخلاق والتقدم وتفتح الطاقات. وهذا هو ما يجب التنقيب عنه وضمانه. وهذا هو ما أكد عليه الإسلام.

إذا استطاع المجتمع الإسلامي تربية المرأة وفقاً للأسوة الإسلامية؛ اقتداءً بالزهراء وبزينب، وأن ينشئ نساءً عظيمات قادرات على التأثير على العالم وعلى التاريخ، حينذاك تبلغ المرأة مقامها الحقيقي والشامخ. وإذا حصلت هي على نصيبها، الذي فرضه الله والشريعة الإلهية للناس جميعاً رجالاً ونساء، من العلم والمعرفة والكمالات المعنوية والاخلاقية، فستكون تربية الأطفال عند ذاك أفضل، واحضان العائلة أكثر دفئاً ونقاءً، والمجتمع أكثر تقدّماً، ومشاكل الحياة أسهل حلاً، بمعنى ان الرجل والمرأة يذوقان طعم السعادة. لهذه الغاية يجب أن تبذل الجهود، وهو الهدف المنشود، ليست الغاية حشد النساء في خندق في مجابهة الرجال أو لإثارة تنافس عدائي بينهما. الغاية هي ان تسلك النساء والفتيات نفس المسار الذي إذا سلكه الرجل يغدو انساناً عظيماً وكبيراً، ليصبحن هنّ عظيمات أيضاً. وهذا الأمر يسير المنال وقد وقع في الإسلام.

يا اخواتي، ويا بناتي، ويا سيّدات هذا البلد الإسلامي، اعلمن ان أية أمرأة متى نشأت على هذه التربية وحيثما كانت وفي أية أسرة كانت، يمكنها بلوغ نفس تلك العظمة التي لا تختص بعصر صدر الإسلام، بل يتيسّر بلوغها حتى في عهود الكبت وفي عهود تسلّط الكفر. وكل أسرة تربّي فتاتها تربية سليمة، تصبح تلك الفتاة أمرأة عظيمة.

وكانت لدينا في إيران نساء من هذا النمط، وكان لدينا ذلك حتى في العصر الحاضر، في عصرنا هذا استطاعت أمرأة شجاعة عالمة مفكّرة بارعة في مقتبل العمر اسمها السيّدة بنت الهدى ـ أخت الشهيد الصدر ـ أن تترك بصماتها على التاريخ، وان تؤدّي دوراً في العراق المظلوم إلى ان استشهدت. عظمة مثل هذه المرأة لا تقل عن عظمة أي من الرجال الشجعان والعظماء. لقد كان موقفها موقفاً نسوياً وموقف ذلك الرجل [أخوها الشهيد محمد باقر الصدر] موقفاً رجولياً، ولكن كلاهما يَنّمان عن حركة تكاملية ويعبّران عن عظمة وتألّق جوهر هذا الإنسان. وهكذا فلتربّى النساء.

وفي مجتمعنا أيضاً كانت لدينا الكثير من أمثال هذه النساء حتى في عهود الكبت، وفي عهود المواجهة. ولدينا من بعد قيام النظام الإسلامي نساء عظيمات استطعن تربية أبناء مستعدين للبذل والتضحية، وقدّمن أبناءهن وازواجهن للدفاع عن البلد وعن الثورة، وللدفاع عن كيان وكرامة الشعب، ومثل هذا العمل الكبير استطاعت أن تنجزه المرأة. وقد شاهدتُ أنا بنفسي حالات متعددة من هذا القبيل.

الكثير ممّن يذرف الدموع اليوم على حقوق المرأة هو في الواقع يطالب بالحرّية الغربية والتحلل، ينازع من أجل تقليد الغربيين، ويكتب لهذا الغرض بين الحين والآخر. هؤلاء لا نصيب لهم في تلك المفاخر التي سطرتها المرأة الإيرانية خلال الثمان عشرة سنة التي تلت انتصار الثورة، وانما كان اهتمام الكثير منهم منصبّاً على أمواله ودخله وثرائه ومستلزمات رفاهه، من غير أن تكون لهم مأثرة أو منقبة تذكر. لقد كانت نسخة الدواء الغربية نسخة مغلوطة، ولو لم تكن كذلك لما اضطروا هم بعد سبعين أو ثمانين أو مائة سنة إلى القيام بنهضة جديدة تطالب بحقوق المرأة، وهو ما حصل في السنوات الأخيرة.

ما هو السبب الذي دعاهم إلى ايجاد حركات وتجمعات منذ عشر سنوات أو عشرين سنة للدفاع عن حقوق المرأة؟ لو كانت الحرية الغربية علاجاً شافياً، وكان الدفاع عن حقوق المرأة اجراءً حقيقياً لما كانت هناك أية ضرورة تدعو إلى أن تهب جماعة منهم بعد مائة سنة لانشاء الحركات واثارة الضجيج حول هذا الموضوع. نستنتج من هذا ان علاجهم ذاك كان مغلوطاً وكذا علاجهم الحالي، ولا ينطوي إلاّ على التعاسة والشقاء لكلا الجنسين، وللمرأة على وجه الخصوص.

أما طريقة الإسلام، فان هدفه في الدفاع عن حقوق المرأة، كما سبق القول هو ان لا تقع فريسة للجور، وان لا يرى الرجل ذاته حاكماً عليها. وان للأسرة حدوداً وحقوقاً؛ وللرجل حقوقه وللمرأة حقوقها، وان حقوق كل منهما قد جعلت بشكل عادل ومتوازن. ونحن نرفض كل أمر مغلوط يُنسب إلى الإسلام. ورأي الإسلام في هذا الشأن واضح وبيّن ويقرّ حقوقاً متوازنة لكل من الرجل والمرأة في اطار الأسرة.

انظروا إلى هذه الآية الشريفة وما فيها عن المرأة والرجل ـ في أجواء الأسرة على وجه الخصوص ـ تقول الآية: {ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجاً}. أي جعل لكم أيّها الرجال نساءً، وجعل لكُنَّ أيتها النسوة رجالاً {من أنفسكم} أي ليس من جنس آخر، ولا من مرتبتين متفاوتتين؛ بل من حقيقة واحدة ومن جوهر واحد ومن ذات واحدة. ومن الطبيعي أنهما يختلفان في بعض الخصائص بسبب تفاوت وظائفهما.

ثم يقول تعالى: {لتسكنوا إليها} أي جعلت الزوجية في الطبيعة البشرية لهدف أكبر، وذلك هو الاستقرار والسكينة إلى جانب الزوج ذكراً كان أو أنثى. فالرجل حينما يأوي إلى داره يجد جوّاً آمناً وزوجة عطوفة وأمينة إلى جانبه، وكذا يمثل الرجل بالنسبة للمرأة ملاذاً تعشقه فتركن إليه وتحتمي به ـ لأنّه أقوى منها بدنياً ـ والأسرة تضمن هذه الأجواء لكلا الجنسين. الرجل يحتاج إلى المرأة ضمن اطار الأسرة من أجل توفير السكينة والاستقرار لنفسه، والمرأة بحاجة إلى الرجل ضمن اطار الأسرة من أجل الحصول على الاستقرار والأمن. وكلاهما بحاجة إلى بعضهما من أجل تحقيق السكينة والاستقرار.

إنّ أهم ما يحتاجه الإنسان في حياته هو الاستقرار، وسعادته تكمن في ان يكون بمأمن من الاضطراب والقلق. وهذه الأجواء الأمنية تتوفر له في ظل محيط الأسرة؛ رجلاً كان أو أمرأة. المقطع الآخر من الآية له معنى جميل أيضاً، قال تعالى: {وجعل بينكم مودّة ورحمة} وهذه المودة لا يكتمل معناها بدون المحبّة، ولا الرحمة تصدق فيما إذا رافقها العنف.

الطبيعة التي أودِعت في الرجل والمرأة ـ في ظل الجو الأسري ـ توجب قيام علاقة محبّة ومودّة في ما بينهما. بيد ان هذه العلاقة إذا ما طالها التغيير؛ كأن يتصرف الرجل في البيت وكأنه المالك، أو ان ينظر إلى المرأة بعين الاستغلال والاستخدام فهذا ظلم. وممّا يؤسف ان الكثيرين يمارسون هذا الظلم. وهكذا الحال أيضاً خارج اطار الأسرة. فإذا لم تتوفر للمرأة أسباب الأمن للدراسة وللعمل وللكسب أحياناً، وللاستراحة، فهذا ظلم يجب أن يتصدى القانون والمجتمع الإسلامي لكل من يقترفه. وإذا لم يُسمح للمرأة بالتعلم والحصول على التربية السليمة؛ فهذا أيضاً ظلم. وإذا كانت الظروف بشكل لا يتيح لها ـ بسبب كثرة الأعمال والمشاغل ـ الاهتمام بشؤون دينها وتهذيب اخلاقها؛ فهذا ظلم. وإذا لم تجد نفسها قادرة على التصرّف بممتلكاتها الخاصّة بحريتها وارادتها؛ فهذا ظلم. وإذا فرض على المرأة عند الزواج، زوج لا دور لها في اختياره، ولم تؤخذ ارادتها ورغبتها فيه بالحسبان؛ فهو ظلم. وإذا لم تشبع عاطفتها من تربية أولادها حينما تكون في دارها وفي ظل الأسرة، أو في حالة الانفصال عن الزوج، فهذا ظلم. وإذا كانت لدى المرأة طاقات في المجال العلمي أو في مجال الاختراعات والاكتشافات، أو قدرات سياسية، أو اجتماعية، ولكن لا يسمح لها باستثمار هذه الطاقات فهو ظلم.

قد توجد أنواع من المظالم في المجتمع فيجب ازالتها. ولكن في الوقت ذاته يجب النظر بعين الاعتبار إلى مسؤولية المرأة وإلى مسؤولية الرجل اللذين يتحمل كل منهما ازاء الآخر مسؤولية تشكيل الأسرة؛ لأنها موئل سعادة الرجل وسعادة المرأة. يتوهم البعض ان ما ينقص المرأة هو المشاغل الكبرى والمناصب الرنّانة، كلا، هذه ليست مشكلة المرأة، لأن المرأة التي تشغل منصباً مهماً كذلك تحتاج إلى جو الأسرة الآمن، وإلى زوج عطوف، وإلى ملاذ تجد فيه الهدوء النفسي. هذه هي طبيعة المرأة ومتطلباتها العاطفية والروحية التي يجب تلبيتها.

القضية الأخرى هي قضية العمل، وهي طبعاً ليست ذات أهمية من الدرجة الأولى. ومع ان الإسلام لا يمنع عل المرأة العمل والمسؤولية ـ إلاّ في حالات استثنائية يتفق العلماء في بعضها، ويختلفون في بعضها الآخر، وهذا من المجالات التي تستلزم مزيداً من البحث والدراسة ـ لكن المسألة الأساسية للمرأة ليست ان يكون لديها عمل أو لا يكون. وانما المسألة الأساسية ـ والتي فقدها الغرب اليوم وللأسف ـ تتلخص في استشعارها الأمن والسكينة، واتاحة الفرص لازدهار طاقاتها، وان لا تقع ضحية لظلم المجتمع والزوج والأب وما شابه ذلك. وهذه هي الحقول التي ينبغي ان يركّز عليها العاملون في مجال قضية المرأة.

أشير هنا إلى بعض النقاط الأساسية التي تسترعي الاهتمام وهي:

أولاً: تنمية فكر المرأة معنوياً وأخلاقياً. والنساء انفسهن مطالبات بالنظر في اشاعة الأفكار السليمة بينهن، والاتجاه صوب المعارف والمعلومات والمطالعة والشؤون الأساسية في الحياة. لقد كانت التربية الغربية المغلوطة في العهد الطاغوتي في هذا البلد هي التي دفعت المرأة نحو التبرج والزينة والتظاهر الذي لا مبرر له. وهذه الظاهرة أيضاً من علائم سيادة الرجل، إذ ان من جملة علائم سيادة الرجل عند الغربيين هي انهم أرادوا ان تكون المرأة للرجل، لذلك تجد نفسها مدعوّة للزينة والتبرّج لأجل ان يلتذ الرجل! وهذا من مظاهر سيادة الرجل، وليس فيه حريّة للمرأة بل يمثل في الواقع حرّية للرجل الذي يراد له ان يتلذذ حتى ببصره، وهو سبب تشجيعهم المرأة على السفور والتبرّج. هذه الانانية تستحوذ على الكثير من الرجال في المجتمعات البعيدة عن دين الله منذ العهود القديمة ولازالت مستشرية حتى اليوم، ويعكس الغربيون اعلا مظاهرها.

إذن لابدّ من ان تكون النظرة جادة إلى قضية اتجاه المرأة نحو المعرفة والعلم والمطالعة والوعي واكتساب المعلومات، وان تعطى لها الأهمية اللازمة من قبل النساء أنفسهن.

ثانياً: اصلاح القوانين، حيث ان بعض القوانين التي تتعامل مع الرجل ومع المرأة تتطلب الاصلاح. وهذا يفرض على ذوي الاختصاص دراسة تلك القوانين واصلاحها.

ومن الأعمال الأخرى المهمة هي وجوب تبيين وايضاح رأي الإسلام بشأن حقوق المرأة وحقوق الرجل. والسيدات أنفسهن مطالبات ببذل الجهود في هذا المجال. ولكن العبء الأكبر يقع على عاتق المطلعين على المعارف الإسلامية، إذ يجب عليهم بيان مواضع التفاوت بين حقوق المرأة وحقوق الرجل؛ ليدرك الجميع انها مسنونة على أساس الفطرة والطبيعة البشرية لكل منهما ووفقاً لمصالح المجتمع. ولاشكّ ان أعمالاً جيّدة قد انجزت في هذا المضمار، واليوم يجب ان يُصاغ هذا العمل بلغة العصر، وإلاّ فمن يدقق النظر في الأعمال التي انجزت في ما مضى في هذا المضمار يذعن ويصدّق أن الأحكام الإسلامية مبنية تماماً على جوهر الفطرة والطبيعة البشرية.

النقطة الأخرى هي وجوب الابتعاد عن الدراسات المنحرفة في هذا الموضوع. فالبعض قد ينزلق إلى بحوث منحرفة تحت مظلة الدفاع عن حق المرأة؛ كأن يعمد إلى إثارة مسائل من قبيل مسألة الديّة وما يحذو حذوها، والحال ان هذه المباحث انحرافية لأن رأي الإسلام بشأن المرأة والرجل صريح لا لبس فيه. وكما سبقت الاشارة فان رأي الإسلام في شؤون الأسرة صريح أيضاً وواضح. وليس ثمة فائدة تجنى من اثارة امثال هذه المواضيع، ولا يتمخض عنها سوى اللف والدوران وايجاد الانحراف في الأذهان، وعمل كهذا لا يوصف بالصواب والمنطق. يجب اجتناب البحوث المضلّة لأنّها لا تصب في مسار الاتجاه السليم لهذا الموضوع.

ثمة قضية أخرى تسترعي الاهتمام بها وهي وجوب الدفاع الأخلاقي والقانوني عن المرأة وخاصة داخل الأسرة. والدفاع القانوني يتم عبر اصلاح القوانين ـ كما سبقت الاشارة ـ ومن خلال تشريع القوانين الكفيلة بانجاز هذه المهمة. أما الدفاع الأخلاقي فانجازه يتيسّر عن طريق مواجهة الأشخاص الذين لا يدركون الحقائق ويعاملون المرأة في البيت كمستخدمة ويظلمونها ويعتبرونها غير مؤهلة للرقي المعنوي. ويجب التصدّي لمثل هذه الآراء بشدّة ولكن بشكل منطقي وعقلاني.

القضية الأخرى هي الاهتمام بشأن العفاف عند المرأة. وكل حركة تنبري للدفاع عن المرأة يجب ان تجعل ركنها الأساسي التمسك بعفاف المرأة. وكما سبق لي القول بأنَّ الغرب وبسبب اهماله لهذا الجانب، آلت الأمور فيه إلى ما آلت إليه من التفسخ والتحلل.

جانب العفاف عند المرأة ـ وهو أهم عنصر في شخصيتها ـ يجب ان لا يكون عرضة للاهمال. عفّة المرأة وسيلة لتكريمها ورفع منزلتها في نظر الآخرين، وحتى في نظر الرجال المتحلّلين وأتباع الشهوات، وهي في الحقيقة جوهر احترامها وتقديرها. وليست مسائل الحجاب والأجنبي وغير الأجنبي، واباحة النظر أو تحريمه إلا لأجل صيانة العفاف.

الإسلام يُعنى كثيراً بعفاف المرأة. كما ان عفاف الرجل ـ بطبيعة الحال ـ مهم أيضاً. لأن العفاف لا يختص بالمرأة، فالرجل أيضاً يجب أن يكون عفيفاً ولكن بما ان الرجل يتمتع بقوّة بدنية تفوقها، فهو قادر على الاساءة إليها ومعاملتها بما لا ترضاه. ولهذا كان التأكيد على عفّة المرأة أكثر.

ولو انكم نظرتم اليوم إلى العالم لوجدتم ان من جملة المشاكل التي تكابدها المرأة في العالم الغربي وخاصة في الولايات المتحدة هي ركون الرجل إلى قوّته في التجاوز على عفّة المرأة. وقد اطلعتُ على الاحصائيات الصادرة من جهات رسمية في نفس أمريكا، كانت احداها صادرة عن العدلية، والثانية عن جهة أخرى، كانت الأرقام رهيبة حقّاً، ففي كل ست ثوان تقع في أمريكا حادثة تجاوز قسري! لاحظوا مدى أهمية العفّة، وما تؤول إليه الأمور إذا قوبلت بالاهمال! حادثة اعتداء بالعنف كل ستّ ثوان، رغم ارادة المرأة يقوم بها الرجل الظالم المتسلط المتهتك؛ فيعتدي على حريم عفّة المرأة. الإسلام يلاحظ كل هذه الجوانب، وهذا هو سبب تأكيد الإسلام بشدة على مسألة الحجاب.

إذن الاهتمام بموضوع العفّة والتسمك بالحجاب من الأمور الأخرى التي يؤكد عليها الإسلام. هناك أيضاً موضوع تربية وتعليم المرأة وهو ما أكدت عليه مراراً. ومن حسن الحظ ان تعليم وتربية المرأة من الأمور الشائعة في مجتمعنا ولكن في الوقت نفسه لازالت هناك عوائل تمنع بناتها من اكتساب العلوم. فإذا كانت أجواء الدراسة يوماً ما أجواءً موبوءة، فهي ليست كذلك اليوم في عهد النظام الإسلامي. يجب على هذه العوائل السماح للفتيات بالتعلم والدراسة والمطالعة والاطلاع على المعارف الدينية والإنسانية من أجل تقوية أذهانهن. هذا العمل له ضرورة قصوى ولابدّ من تحقيقه.

الموضوع الآخر هو وجوب التصدي الشديد قانونياً واخلاقياً لمن يبيح لنفسه التجاوز على المرأة. والقانون أيضاً يجب ان يتضمن عقوبات صارمة لمثل هذه المخالفات. وأشير ثانية إلى ان الدول الغربية ورغم جميع الشعارات التي تنادي بها إلا انّها لم تستطع حتى الآن ضمان عدم وقوع هذه التجاوزات. أي ان هناك نساءً يتعرضن للضرب من أزواجهن، وفتيات يُضربن وقد يصل حد الجرح على يد آبائهن. وهناك احصائيات رهيبة ومثيرة في هذا الخصوص، ناهيك عن شيوع ظاهرة أخرى هناك وهي القتل؛ إذ ان الدماء هناك تراق بكل بساطة.واستقباح القتل في الأجواء الإسلامية، ليس موجوداً ـ وللأسف ـ في تلك الأجواء التي لا تعرف شيئاً عن المعارف الإلهية.

وظاهرة قتل النساء التي هي من البلايا المستهجنة والقبيحة جداً، أمر شائع في البلدان الغربية ـ خاصة أمريكا ـ ومن حسن الحظ انها ليست كذلك في بلدنا ولا تقع إلا في حالات نادرة جداً. ولكن على كل الأحوال لابدّ من التصدي بشدّة لأي اعتداء بدني على المرأة لكي يتسنى لمجتمعنا بلوغ المستوى الذي يصبو إليه الإسلام في هذا المجال.

إذا استطاع مجتمعنا تعليم المرأة المعارف التي يريدها الإسلام، فلاشكّ في ان البلد سينال نصيباً مضاعفاً من الرقيّ والتقدم. وكل ميدان تدخله المرأة وهي شاعرة بالمسؤولية تتصاعد وتيرة التقدّم فيه. وتتميّز مشاركة النساء في أي ميدان من الميادين انها إذا دخلته، يدخل معها زوجها وأولادها أيضاً. بينما هذا لا يحصل في دخول الرجل إلى أي ميدان. المرأة حينما تدخل أي ميدان ـ في حالة كونها متزوجة ولديها أسرة ـ كل تلك الأسرة تدخل ذلك الميدان. وهذا ما يعطي أهمية بالغة لمشاركة النساء في مختلف القطاعات.

**************

هوية المرأة المسلمة / ذكرى ولادة الصديقة الطاهرة (ع)

2007-09-05

20 جمادى الثانية 1421هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

إن ذكرى ميلاد فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) تعتبر فرصة ثمينة للنساء المسلمات ليقفن على حقيقة هوية المرأة المسلمة ومكانتها السامية في نظر الإسلام وفي ضوء النظام الإسلامي.

إن قضية المرأة، كسواها من القضايا الأخرى، باتت ألعوبة في يد النفعيين الذين يتاجرون بكافة القيم الإنسانية في العالم وفي وسائل الاعلام العالمية على مرّ السنين والذين لا يعرفون قيمة للمرأة ولا للبشرية ولا للكرامة الإنسانية سوى ما يهمّهم من المكاسب المادية ـ وللأسف فإنهم يلعبون دوراً بارزاً على شتى الأصعدة في إطار الحضارة الغربية الحديثة ـ فجعلوا من قضية المرأة وسيلة لاستدرار الربح المادي، وراحوا ينشئون حولها الأبحاث، ويبتدعون لها التقاليد، وينشرون عنها الدعايات، فزجّوا بعقل الرجل والمرأة معاً في كافة أنحاء العالم إلى متاهة مظلمة، ودفعوا بهما سوية إلى مفترق طرق من الضياع والضلال. وفي مثل هذه الظروف يجدر بالمرأة المسلمة أن تستعيد هويتها عن طريق التأمل في المفاهيم الإسلامية والمثل الدينية واستكناه الخطوط والتدابير التي اتخذها النظام الإسلامي من أجل تطور ورخاء المرأة والرجل، وأن تتسلح بالأدلة الموضوعية في مواجهة سفسطة وهراء العناصر الصهيونية وأصحاب الثراء الفاحش واللاهثين خلف بريق الذهب.

لقد وقف الإسلام في وجه الجاهلية التي جارت على المرأة وغمطتها حقها، سواء أكان ذلك على الصعيد المعنوي والفكري أو على مستوى القيم الإنسانية أو في مجال المشاركة السياسية، وفوق كل ذلك في مجال الأسرة، حيث إن هذا المجتمع الصغير المكون من الرجل والمرأة سيجعل من المرأة خاصة عرضة للجور إذا لم تقم عماده في ظل مجتمع تسوده القيم والمثل. ولهذا فقد وضع الإسلام قيماً لكل هذه المجالات الثلاثة.

الدور المعنوي للمرأة

فعلى الصعيد المعنوي أعطى الإسلام للمرأة دوراً مؤثراً في سَوق الحركة المعنوية للإنسان صوب التطور والمدنية. وعندما يريد القرآن أن يضرب مثلاً للمؤمنين فإنه يقول {وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون} فيضرب مثلاً بامرأة. وكذلك عندما يدور الحديث حول الإيمان والإسلام والصبر والصدق والجهاد في سبيل القيم الإنسانية والإسلامية والمعنوية فإنه يقول {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات}. فقد ورد في هذه الآية عشرة أسماء للقيم المعنوية: الإسلام، والإيمان، والقنوت، والصدق، والصبر، والخشوع، وسواها. فالمرأة والرجل يسيران جنباً إلى جنب في هذا الاتجاه، ويتقدمان معاً على طريق واحد كما ذكر القرآن الكريم. إن ذلك الصنم الذي أقامته الجاهلية للرجل دائماً فأقبل على تقديسه الرجل والمرأة كلاهما، حطّمه الإسلام في هذه الآيات.

الدور السياسي والاجتماعي للمرأة

كما أن الإسلام يعتبر بيعة المرأة أمراً ضرورياً وقضية حيوية على صعيد القضايا السياسية والاجتماعية.

وبإلقاء نظرة على العالم الغربي وتلك البلدان الأوربية التي تدّعي جميعها الدفاع عن حقوق المرأة ـ وهي أكاذيب في مجملها ـ فإننا نجد أن المرأة، وحتى العقود الأولى من هذا القرن، لم يكن لها حق في إبداء الرأي، ولا في الانتخاب، بل وحتى لم يكن لها حق في الملكية؛ أي أنها لم تكن أيضاً مالكة لأموالها الموروثة، وإنما كان المالك هو زوجها! ولكن الإسلام يقرّ بيعة المرأة ومالكيتها ومشاركتها في الساحات الأساسية السياسية والاجتماعية، فيقول القرآن الكريم {إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله}؛ فالنساء كنّ يأتين أيضاً لمبايعة النبي (ص) ولم يقل رسول الإسلام بأن الرجال ينوبون عن النساء فيخترن من اختاروا ويقبلن بمن قبلوا، بل قال بأن النساء يبايعن أيضاً ولهن أن يشاركن في القبول بهذه الحكومة وهذا النظام الاجتماعي والسياسي. فالغربيون متأخرون عن الإسلام ألفاً وثلاثمائة سنة في هذا المجال، ولكنهم يتشدقون بهذه المزاعم!

وكذلك هو الأمر في مجال الملكية وسواه من المجالات الأخرى ذات الصلة بالقضايا الاجتماعية والسياسية.

ولقد كانت فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) هي نفسها أسوة في ذلك سواء في مرحلة الطفولة أو في المدينة المنورة بعد هجرة الرسول (ص) إليها، وكذلك في كافة الشؤون العامة في ذلك الزمان الذي كان فيه أبوها محوراً لجميع الأحداث السياسية والاجتماعية، حيث كان لها (عليها السلام) حضور واسع، وكانت مظهراً لدور المرأة في النظام الإسلامي. وبالطبع فإن فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) كانت قمة في هذه الأمور، ولكن سيدات أخريات كنّ في صدر الإسلام على قدر كبير من المعرفة والحكمة والعلم، وكان لهن حضور في ميادين الحرب، لدرجة أن بعض مَن كُنّ يتمتعن بقوة بدنية كانت لهن صولات وبطولات في المعارك والضرب بالسيف وسوح التضحية. ولكن الإسلام لم يوجب ذلك طبعاً على النساء، بل أسقطه عنهن لعدم ملائمته لطبيعتهن الجسدية وكذلك لعواطفهن.

مكانة المرأة داخل الأسرة

وأما في داخل الأسرة، فقد أوجب الإسلام على الرجل المحافظة على المرأة كما وردة، ولذلك يقول «المرأة ريحانة». وهذا لا يتعلق بالمجالات السياسية والاجتماعية والدراسية وشتى ألوان الكفاح الاجتماعي والسياسي، بل يتعلق بالكيان العائلي.

إن «المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة». وبهذا يقضي النبي (ص) على تلك النظرة الخاطئة التي كانت لا ترى في المرأة سوى خادمة داخل المنزل؛ فهي على غرار الزهرة ويجب الحفاظ عليها. وبمثل هذا التصور ينبغي النظر إلى هذا المخلوق ذي اللطافة والرقة الروحية والجسمية، وهذا هو رأي الإسلام. وعلى هذا فقد حافظ الإسلام على المميزات النسوية للمرأة والتي يقوم على أساسها كل ما لديها من مشاعر وإرادات، فلم يخضعها ولم يطلب منها أن تفكر كالرجل، أو تعمل كالرجل، أو تكدح وتطمح كالرجل ـ أي أنه حفظ لها خصوصيتها الأنثوية والتي هي خصوصية طبيعية وفطرية، كما أنه محور كافة المشاعر والمساعي النسوية ـ في حين فتح أمامها شتى أبواب العلم والمعنوية والتقوى والسياسة، وحثها على اكتساب العلم وأيضاً على المشاركة في الميادين الاجتماعية والسياسية المختلفة. وفي نفس الوقت فإنه لا يحق للرجل داخل الأسرة أن يجبر المرأة أو يضطرها أو يدفعها للقيام بما ليس من واجبها، ولا أن يستخدم معها السيطرة الجاهلة واللاقانونية. فهذه هي النظرة الإسلامية.  

دور المرأة المسلمة في الثورة والحرب

وبهذه النظرة، وعندما وصلت النهضة الإسلامية إلى مرحلة الثورة، تقدمت المرأة إلى الأمام بما لها من فهم طبيعي لموقف الإسلام من جنسها. ولهذا قال الإمام، ونِعمَ ما قال، في كلمة له: «لو لم تشارك المرأة في هذه النهضة لما انتصرت الثورة». وبالتأكيد، فإنه لولا ذلك الحضور النسوي الفعال في الشوارع والمسيرات الحاشدة ـ ذلك الحضور الواسع والعظيم في أيام الثورة ـ لما انتصرت الثورة الإسلامية. وأما في سنوات الحرب المفروضة، فلولا أمثال هذه الأم التي ضحّت بأبنائها الثلاثة وسواها من أمهات وزوجات الشهداء ـ اللائي كان لي شرف الجلوس والحديث والتعرف على خصوصيات الآلاف منهن عن قريب ـ ولولا ما يتمتعن به من إيمان وصبر وصلابة ومعرفة لما وقفن هذا الموقف المحمود أمام خسائر الحرب وتضحيات الشباب والرجال. إن أمهات وزوجات الشهداء لو كنّ قد أظهرت اليأس والامتعاض لما حققنا الانتصار في الحرب ولجفّ شوق الجهاد في سبيل الله وغاض ينبوع الشهادة في قلوب الرجال، ولما كان هذا الحماس، ولما أضفى هذه الغضارة على المجتمع. لقد اضطلع النساء بدور طليعيّ في ميدان الحرب أيضاً. ولولا وفاء النساء وعواطفهن وحضورهن في الساحات المختلفة ومشاركتهن في المسيرات وفي الانتخابات لما استطاع الرجال القيام بهذا التحرك العظيم ولما تمكنوا من مواصلة الطريق. فهذه هي نظرة الإسلام والنظام الإسلامي.  

خيانة الثقافة الغربية للمرأة

إن الغربيين يتحملون المسؤولية الجسيمة أمام المرأة، فلقد خانوا المرأة. وإن الحضارة الغربية لم تمنح المرأة شيئاً يذكر. وما حققته المرأة من تقدم علمي وسياسي وفكري فإنما بفضل جهودها وسعيها، وهذا يحدث في كل مكان، وقد حدث في إيران الإسلام وفي بلدان أخرى.

لقد كان ذلك بفضل المرأة. وإن ما أدى بالغربيين إلى حافة الهاوية وساق الحضارة الغربية إلى شفا الانهيار هو ما فشا في المحيط النسوي من انحراف وتحلل وابتذال. لقد جرّوا المرأة إلى الابتذال وأفسدوها حتى داخل الأسرة. وها هي الصحف الأمريكية والأوربية تطلع علينا دائماً بارتفاع نسبة تعذيب المرأة ومعاملتها بوحشية.

إن الثقافة الغربية فيما يتعلق بالمرأة وجرّ المرأة إلى الانحلال والابتذال في تلك البلدان أدت إلى ضعف الأسرة وزلزلت الكيان العائلي، ولم يعد يعطي الزوج أو الزوجة كبير أهمية للخيانة الزوجية، أفليس هذا إثماً؟ أليست هذه خيانة للمرأة؟ ومع مثل هذه الثقافة المنحرفة نجدهم يتبجّحون على كل العالم، مع أنهم مدينون! إن الثقافة الغربية النسوية ينبغي لها أن تقف موقف الدفاع، وعليها أن تدافع عن نفسها، ولابد لها من إعطاء الايضاحات، ولكن غلبة وسيطرة الرأسمالية والإعلام الغربي المستكبر والتجبر تقلب الأمور رأساً على عقب، فيتحول هؤلاء إلى أصحاب حقوق ومدافعين عن حقوق المرأة كما يقولون ويزعمون! والحال أن الأمر ليس كذلك. وبالتأكيد فإن بين الغربيين مفكرين وفلاسفة وأشخاصاً صادقين وصالحين يفكرون ويتحدثون بصدق، وإن ما أقوله هو أن الاتجاه الثقافي والحضاري العام في الغرب ليس في صالح المرأة بل ضدها. 

 

وظيفة المرأة المسلمة اليوم

إن على المرأة المسلمة الإيرانية في إيران الإسلام أن تسعى لإحياء القيمة السامية للمرأة المسلمة لتشد إليها أنظار العالم، وهذه هي مسؤولية المرأة المسلمة اليوم، ولاسيما الفتيات الشابات في المدارس والجامعات.

إن الهوية الإسلامية هي أن تحافظ المرأة على هويتها وخصوصيتها النسائية والتي تعد أمراً طبيعياً وفطرياً، حيث إن خصوصيات كل جنس تمثل قيمة له؛ أي أن عليها أن تحافظ على مشاعرها الرقيقة، وعواطفها الملتهبة، وعطفها ومحبتها، ورقتها، وصفائها وتألقها الأنثوي. وفي نفس الوقت، فإن عليها أن تتقدم وثّابة في مجالات القيم المعنوية، كالعلم والعبادة والتقرب إلى الله، وكالمعرفة الإلهية والسلوك في وديان العرفان. كما أن عليها أن ترقى في المجالات الاجتماعية والسياسية وفي ميادين الصمود والصبر والمقاومة والمشاركة السياسية والإرادة السياسية، ومعرفة مستقبلها، واستشراف الأهداف الوطنية والكبرى والأهداف الإسلامية التي تصبو إليها البلدان والشعوب الإسلامية، ومعرفة العدو ومؤامراته وأساليبه، والانطلاق إلى الأمام يوماً بعد آخر. ويجدر بها التقدم أيضاً على نطاق تحقيق العدل والانصاف وتوفير الأجواء الهادئة والأمن والسكون في الحياة العائلية. كما أنه إذا كانت ثمة حاجة إلى سن القوانين الضرورية وإحداث تصحيح وإصلاح على صعيد القضايا المؤدية إلى هذا الهدف، فإن على المرأة المثقفة والواعية والمتعلمة أن تتقدم في كافة هذه المجالات، وعليها أن تكون قدوة وأسوة، حتى يقولوا بأن المرأة المسلمة هي التي تراعي دينها وحجابها ونعومتها ورقتها ولطافتها، كما تدافع في نفس الوقت عن حقوقها، وتتقدم في ميادين المعنويات والعلم والبحث والتقرب إلى الله، وتكشف عن شخصيتها البارزة، وهي ـ مع كل هذا ـ حاضرة في الساحة السياسية، ومن هنا تكون أسوة للنساء.

اعلمن أن أنظار المرأة المسلمة في الكثير من بلدان العالم مشدودة إليكنّ اليوم، وأنها تتعلم منكن. وإن الذي نشاهده في بعض البلدان الغربية، وبعض البلدان الإسلامية التي تتحكم فيها أنظمة غير إسلامية من مهاجمة أعداء الدين للحجاب الإسلامي لدليل على تطلع وتمسك تلك المرأة بالحجاب. وفي البلدان الجارة، حيث لا أهمية تعطى للحجاب، وفي البلدان الإسلامية التي شاهدتها بنفسي عن قرب ولم يكن يُسمع فيها ذكر للحجاب، وبعد عشرين عاماً من عمر الثورة، نجد أن المرأة، ولاسيما المثقفة والجامعية، قد أقبلت على الحجاب وتعلقت به وتعودت عليه وغدت مراعية له، وثمة نماذج لذلك حتى في البلدان الغربية فضلاً عن الإسلامية، وأنتنّ الأسوة والقدوة.

اعلمن أنه لا يوجد في أي مكان من العالم اليوم نساء كأمهات شهدائنا، ومنهن من هي أم لشهيدين، وأم لثلاثة شهداء، وأم لأربعة شهداء.

إن في بلدنا الكثير من الأمهات المتميزات اللائي تفوقن على الآباء في القوة والوعي والمثابرة، وهذا بفضل التربية الإسلامية، ومن الآثار الطاهرة والمطهرة والنورانية لفاطمة الزهراء (سلام الله عليها).

إنكن بنات فاطمة الزهراء، وأتباع فاطمة الزهراء. وإنني لأدعو الله تعالى أن تشرق على قلوبكن أنوار الولاية والمعنوية والمعرفة المقدسة، وأن تخطو المرأة المسلمة خطوات كبيرة وحسنة كل يوم على طريق حفظ ورعاية الهوية الإسلامية، وأن تفيض الألطاف الإلهية على الروح المطهرة للإمام الراحل الذي فتح هذا الباب واسعاً أمام المرأة، وأن تشملكن جميعاً أيتها الأخوات العزيزات الأدعية الزاكية لولي العصر (أرواحنا فداه).

**************

مكانة المرأة في الاسلام

2007-09-05

4 جمادى الأولى 1417 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

أرجو من الفتيات المثقفات والسيدات الواعيات الفاهمات الالتفات بدقّة إلى أنّ المرأة يمكن النظر إليها من ثلاثة أبعاد؛ لأجل أن تتضح الرؤية الإسلامية لها:

البعد الأول: دور المرأة بصفتها إنساناً في طريق التكامل المعنوي والنفسي. وفي هذه البعد لا تفاوت بين الرجل والمرأة؛ إذ كانت هنالك نساء جليلات وبارزات مثلما كان هنالك رجال كبار وبارزون. وفي القرآن الكريم حينما يريد الله أن يضرب مثلاً للمؤمنين يضرب لهم مثلاً بالمرأة: {ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون} باعتبارها عنصراً مؤمناً وبارزاً لا نظير لها بين بني الإنسان، أو قلّ نظيرها بينهم آنذاك.

البعد الثاني: في مجال النشاطات الاجتماعية والسياسية والعلمية والاقتصادية، فباب هذه النشاطات مشرع أمام المرأة بالكامل. ولو شاء أحد حرمان المرأة من مزاولة النشاط العلمي والسعي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فإنما يتكلم خلافاً لحكم الله. فلا مانع من مزاولة هذه الأعمال بالقدر الذي تبيحه القدرة الجسدية، وتستدعيه الحاجات والضرورات. والشرع المقدّس لا يمانع في بذل الجهود الاقتصادية والاجتماعية والسياسية قدر المستطاع.

ولمّا كانت المرأة بطبيعة الحال أرقّ جسدياً من الرجل؛ لذلك فإنّ لهذه الحالة ضروراتها، وفرض العمل الثقيل على المرأة ظلم لها. إنّ الإسلام لا يوصي بهذا، ولكنه في الوقت نفسه لا يمنع ممارسة النشاط العلمي والجهد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

طبعاً هناك رواية منقولة عن نبي الإسلام الكريم (ص) قال فيها: «المرأة ريحانة وليست بقهرمانة» أي أنّ المرأة زهرة وليست قهرمانة، القهرمان يعني الكادح والخادم المجد. والخطاب في هذه الرواية موجّه للرجال؛ أي أنّ المرأة في داركم لطيفة كالزهرة ويجب معاملتها بمنتهى الرقّة، وهي ليست خادمة لكم فتتوهمون وجوب فرض الأعمال الثقيلة عليها، وهذا أمر مهم.

إذن في البعد الثاني ـ حيث مجال النشاط العلمي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي وما شابه ذلك ـ الإسلام لا يجيز فرض شيء على المرأة أو إرغامها عليه، ولكن في الوقت نفسه لا ينبغي إغلاق الطريق بوجهها.

إذا أرادت النساء الدخول في النشاطات الاجتماعية والسياسية، فلا مانع من ذلك، كما أنّ النشاط العلمي ـ بطبيعة الحال ـ محمود جداً وله الأرجحيّة. إنّني أوصي العوائل بالسماح لفتياتها بالدراسة. ولا يتوهمنَّ أب أو أم ـ من باب التعصب الديني ـ بوجوب منع الفتاة من مواصلة الدراسة العليا، كلا، فالدين لم يأمر بمثل هذا، وهو لا يفرّق في اكتساب العلم بين البنت والابن. فإذا كان ابنكم يدرس الدراسات العليا، دعوا ابنتكم أيضاً تواصل دراستها العليا. دعوا فتياتنا يدرسن ويكسبن العلم والوعي ليقفن على شأنهن ويعرفن قدر أنفسهن وليدركن مدى عقم وتفاهة وخواء دعايات الاستكبار العالمي حول المرأة. ومثل هذه الأمور يمكن إدراكها في ظل الثقافة.

فأكثر فتياتنا تديناً وثورية وعفّة وإيماناً اليوم، هنَّ من بين الشرائح المتعلمة. أمّا المتعلقات بشؤون الزينة والبذخ، ومن يبغين الانسياق الأعمى وراء النموذج الغربي في نمط الملابس وطراز الحياة فهنَّ على الغالب فارغات من الثقافة والمعرفة والمعلومات الكافية. ومن لديه معلومات كافية يمكنه التحكم بسلوكه، والانقياد لكل ما هو حق وحقيقة وجميل.

وعلى هذا ينبغي أن تكون جميع الطرق مفتوحة في المجال العلمي ليتاح التعلّم للفتيات حتّى في القرى. أوصي الآباء والأمهات بالسماح لبناتهم الصغيرات بالذهاب إلى المدرسة للتعلم، وإذا كان لديهن الاستعداد والرغبة فليكملن مراحل أعلى من الابتدائية حتى يبلغن مراحل الدراسة العليا والدراسة الجامعية ليصبحن من جملة الناس المتعلمين والمثّقفين في مجتمعنا الإسلامي.

البعد الثالث: ينظر إلى المرأة بصفتها عضواً في الأسرة، وهو الأهم من كل ذلك. أيّها الأعزّة، لم يعطِ الإسلام الرجل إذناً بالتسلط على المرأة وفرض شيء عليها. قد جُعلت للرجل حقوق محدودة في الأسرة من باب كمال الحكمة والمصلحة، وكل من يوضّح له ذلك يؤمن حتماً أن قد جُعل للمرأة في مقابل ذلك ومن باب المصلحة حقوق أيضاً.

لكل من المرأة والرجل خصائص وطباع وغرائز خاصّة به. ولو استثمرت تلك الطباع الخاصة بالرجل والمرأة بشكل سليم فإنّهما يشكّلان في الأسرة ثنائياً متكاملاً ومتجانساً ومنسجماً. ولكن التوازن يختلّ إذا تمادى الرجل، وكذا الحال إذا تمادت المرأة.

الإسلام جعل في الأسرة جزءين شبيهين بمصراعي الباب، أو كالعينين في وجه الإنسان، أو كرفيقي السلاح في خندق صراع الحياة، أو كشريكين في دكان واحد، لكل واحد منهما خصائصه، وطباعه، وخصاله، ولكل منهما جسمه، وروحه، وفكره، وغرائزه، وعواطفه الخاصّة به. للمرأة خصائصها، وللرجل خصائصه. ولو عاش هذان الجزءان بنفس تلك الحدود والموازين التي عيّنها الإسلام فسيشكّلان أسرة خالدة، وعطوفة، ومباركة ونافعة.

وفي العالم الغربي تتميّز الأسرة ـ اليوم ـ بأنَّ بناءها في غاية الوهن، وتعاني فيه الأسرة من التفكك، والمرأة بالذات من أعباء العمل. فإذا اضمحلّت العائلة لا سمح الله، فإنّ كلاً من الرجل والمرأة يقع في الضياع والحيرة والشقاء، إلاّ أنّ المرأة لأكثر شقاءاً. وفي العالم الغربي تواجه المرأة مثل هذا الشقاء. لأنّ نَظم الأسرة ينفرط بسهولة فتتلاشى وتزول. في بعض الأحيان تكون المبادرة من المرأة إلاّ أنّها هي التي تتحمل النتائج المريرة.

القضية المهمة ـ كما ذكرت ـ هي أن يعيش هذان العنصران وهذان الموجودان ـ مع ما لهما من خصائص ـ بانسجام وتعايش مشترك في نطاق الأسرة، إلاّ أنّ أحدهما أرق جسماً والآخر أقوى وأشد. فإذا لم يحمِ القانون المرأة فقد يحيف عليها الرجل. ولهذا فإنَّ على القانون واجبات ثقيلة جداً لحماية النساء اللاتي كوّنَّ أسراً، وفي إطار أجوائهن العائلية. وهذا ما يجب علينا متابعته بجد في بلدنا. وهذه أيضاً نقطة أخرى.

البعض ينظر إلى ظواهر الأمور، ينظر إلى البيئة الاجتماعية في الغرب، فيرى أنّ النساء يمشين بلا وجل، فيتصور أنهنَّ يتصرفن أيضاً في داخل الأسرة بلا وجل. إلاّ أنّ هذا التصور خاطئ، ففي محيط الأسرة تلقى المرأة الكثير من الظلم؛ والإسلام يحول دون هذا. وإذا كان في مجتمعنا نقص في هذا المجال فلابدّ من التصدي له، ولابدّ أن تتم الحماية القانونية للمرأة بكل قوّة. طبعاً توجد في البيئة الاجتماعية نشاطات تكون المرأة أكثر كفاءة فيها. ولابأس أن أشير إلى هذا الجانب بمناسبة يوم الممرضات؛ فإحدى تلك المسؤوليات هي مسؤولية التمريض، حيث كانت النساء منذ السابق أكثر نشاطاً من الرجال فيها. وهو عمل فائق الأهمية وله قيمة رفيعة.

أيتها السيدات الفاضلات وأيتها الأخوات الكريمات، المهم هو أنّ الإسلام اليوم متأهب بقوانينه ومعارفه لحماية جميع الشرائح الاجتماعية في بلدنا، من النساء والرجال، الريفي والحضري، وجميع الطبقات وخاصة الضعيفة منها.

وفي جانب آخر، وانطلاقاً من هذه الرؤية دأب الاستكبار اليوم على التآمر ضد الجمهورية الإسلامية. وقلّما يمضي شهر لا يكون فيه الاستكبار بكل أجهزته ومؤسساته وشركاته، وبكل الأدمغة المأجورة ودوائر التخطيط لديه ـ التي دأبها التخطيط للتآمر على الشعوب والحكومات الحرّة ـ بصدد التآمر وتوجيه ضربة لنظام الجمهورية الإسلامية، وهذا النهج متواصل أسبوعياً وأحياناً يومياً وبشكل مستمر.

وبفضل الله فقد حبطت واندحرت جميع مساعي الاستكبار المناوئة للجمهورية الإسلامية؛ بفعل هذه التجمعات، وهذا الانسجام والتلاحم، وبسبب ما يتحلّى به النساء والرجال ـ بحمد الله ـ من وعي في بلدنا، وقد تمرغ أنف الاستكبار بالتراب مرّات ومرات في ساحة المواجهة مع هذا الشعب العظيم.

وفي هذا المجال كان الدور الأوفر لوعي ومشاركة الشعب في الميادين المهمة اجتماعياً وسياسياً.

وكان لكُنَّ أنتن السيدات ـ ولا زال ـ تأثير فاعل في هذا الصدد. اليوم توجد وبحمد الله جامعات وحوزات علمية في جميع أرجاء البلد، والفتيات يدرسن في الحوزات العلمية وفي الجامعات ويكسبن العلوم والوعي في المجالات المختلفة. وما دامت هذه الروح الشابّة، المتحمّسة، الواعية، والتي تتميز بالإرادة والمحبّة موجودة ـ وهي بحمد الله كثيرة في مجتمعنا ـ فلن يقدر الاستكبار وأمريكا وأعداء هذا الشعب صغاراً وكباراً على ارتكاب أية حماقة.

أوصي أخواتي وبناتي العزيزات بالاستزادة من هذا الوعي. ويجب أن تعتبر النساء أنفسهنّ مكلّفات اليوم كالرجال بالاهتمام بالكتب، والمطالعة، والدقّة، والتحقيق، والدراسة، والخوض في القضايا موضع الابتلاء اليومي، والاهتمام بالشؤون الدينية التي هي من جملة الواجبات الحتمية والبديهية. أنتن اللاتي تربّين الأولاد الصالحين، وأنتن اللاتي تشجعن أزواجكنّ على دخول الميادين الصالحة، الكثير من النساء يجعلن من أزواجهن من أهل الجنّة ويستنقذنهم من مشاكل الدنيا والآخرة.

**************

حضور المرأة في الساحة

2007-09-05

2 ذو الحجة 1409هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

حضور المرأة في الساحة

أتقدم إلى جميع الأخوات العزيزات اللائي شرّفن من نقاط بعيدة في البلاد بأحرّ التعازي بمناسبة رحيل إمامنا الحبيب.

لقد كان حضور النسوة خلال مراحل الثورة حضوراً حيّاً وقويّاً، فنهضن بالعبء الثقيل، وتغلبن على الكثير من المصائب، وسيبقى موقفهن فريداً في تاريخ الإسلام قديماً وحديثاً، ولولا الدعم الكبير الذي قدمته السيدات خلال فترة الحرب وقبلها وخلال مراحل الثورة لما أحرزت بلادنا هذه الانتصارات.

فما أكثر أمّهات الشهداء وما أكثر أزواج الشهداء وأخواتهم، وسائر ذويهم. لقد أثبتت المرأة الإيرانية صلابةً واستقامة عجيبتين؛ ذلك إنّنا لا نجد لهذه المواقف نظيراً في التاريخ الإسلامي.

فحضور المرأة في التعبئة والمؤسسات الثورية الأخرى هو الآخر حضور قوي وإيجابي، وإنّنا لنعرف أخوات نهضن بمسؤوليات كبيرة وما زلن.

النساء ظهير الرجال

إنّ نسوة بلادنا وطوال فترة الثورة كنّ سنداً لتحرك الرجال، ولولا هذه العواطف والمشاعر والإيمان القوي للنساء لما صمد أغلب رجالنا في ميادين الصراع المختلفة. واليوم ما زالت نساؤنا ينهضن بذات المسؤولية.

إنّكم تعلمون ما يضمره أعداؤنا لثورتنا، كما أنكم تدركون كذلك ما لوحدة الكلمة في بلادنا من أثر كبير، وما لهذا الحضور الشعبي في سوح الثورة من أهمية بالغة، إنّ علينا أن نحافظ على هذا الحضور. إنّ على النسوة أمّهاتٍ وزوجاتٍ وأخواتٍ، أن يشجّعن أولادهن وأزواجهن وإخوانهن على الحضور في الساحة والحفاظ على وحدة الكلمة ودعم وتعزيز قيم الثورة وشعاراتها، وهذا ما ينتظره منّا إمامنا الكبير.

**************

الصديقة فاطمة الزهراء (ع)

2007-09-05

في رسالة للإمام الخميني (قده) إلى قرينة السيد أحمد الخميني (ره) فاطمة طباطبائي

بسم الله الرحمن الرحيم

{ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار}.

ابنتي العزيزة (فاطي).. ومن خصالك انك إذا أردت شيئاً فإنك تظلين تتابعينه بإصرار وبلا هوادة حتى تبلغي هدفك مهما كانت الأعذار، فجئتِ تريدين من عجوز بائس خالي الوفاض من المعارف والمعالم الإلهية ما لا يستطيع العرفاء الكبار والفلاسفة العظام الاقتراب منه. وماذا يستطيع المرء أن يقول أو يدرك حول شخصية تتمتع بآلاف الأبعاد الإلهية يعجز عن تبيان كل منها القلم واللسان. إنه ليس بوسع أحد أن يعرف شخصية الزهراء المرضيّة والصديقة الطاهرة (ع) سوى الذين ارتقوا مدارج الأبعاد الإلهية حتى ذروتها، وهو ما لم يبلغه سوى أولي العزم من الأنبياء والخلّص من الأولياء كالمعصومين (عليهم صلوات الله). إنها ظاهرة من مرتبة الغيب الأحدية، ومتجلية حتى آخر نقطة شهودية، ودائرة من أدنى مرتبة الشهود إلى مرتبة إعلاء الغيب المتيّم كحال الخلّص الأولياء (عليهم سلام الله)، ويخطئ من يدّعي معرفة مقامها المقدس من العرفاء أو الفلاسفة أو العلماء. وكيف يمكن إماطة اللثام عن منزلتها الرفيعة وقد كان رسول الإسلام يتعامل معها في حال حياته معاملة الكامل المطلق! وبعد رحلته بحسب روايات المعصومين، كما في الكافي عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه صلوات الله) أنه قال: عاشت فاطمة (ع) خمسة وسبعين يوماً بعد رسول الله (ص) وقد قرّحت الآلام المبرحة فؤادها المحزون لفراق أبيها؛ فكان جبرئيل ينزل عليها ويشاركها العزاء في أبيها العظيم، ويواسيها خير المواساة، ويطيّب نفسها المباركة بقوله (طيّب الله نفسك)، ويحدثها عن أبيها الكبير ودرجته العالية، ويخبرها عمّا سيجرى على ذريتها من بعدها؟ بينما كان عليّ (عليه السلام) يكتب ما كان ينزل به من وحي إلهي على ذكرى أعظم الأنبياء في تلك الأيام الخمسة والسبعين ملك الوحي الذي كان ينزل على الأنبياء العظام المكرمين.

لقد كان جبرائيل رسول الوحي، وكان الإمام أمير المؤمنين كاتبه، ولعل تلك الصحيفة الشريفة، التي ظل يتناقلها الأئمة الأطهار (عليهم السلام) حتى استقرّت لدى بقية الله الأعظم (أرواحنا فداه) لينهل من معينها الغيبي الثرّ، ما جرى ويجري على ذريتها المباركة طوال التاريخ وحتى يوم القيامة على يد الجائرين والجبارين وغاصبي حقوق الإنسان، ويقال بأن فيها علم ما سوف يقع كما جاء في الروايات.

ولا شك أن ما سيجرى على ذريتها قد ورد ذكر شيء منه في مصحف فاطمة، إذا كان المراد من ذريتها أولادها إلى يوم القيامة؛ وإذا كان المقصود به كافة شيعة علي بن أبي طالب والأئمة المعصومين، كما قد يستفاد من الروايات من أن ما جرى وسيجرى على الشيعة على أيدي الظالمين مذكور في تلك الصحيفة الشريفة الموجودة عند بقية الله روحي فداه بما في ذلك قضايا هذا العصر. والجميل في ذلك من شأن هذه الصحيفة أنها كانت بإملاء جبرائيل وكتابة ولي الله المطلق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وهو ما لم يحدث لأيّ من الكتب السماوية سوى القرآن الكريم من أن كاتب الوحي هو عليّ (عليه السلام). وهذا فخر عظيم لشيعته (ع) ولا سيما ذريته المباركة من أمثال (فاطي) العزيزة وعشيرتها. إنك تطلبين مني أن أتحدث وأكتب عن هذه السيدة العظيمة، فكيف لي ولقلمي ولغة البشر الحديثُ عن سيدة كانت تستنزل جبرائيل، كمثل أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم)، بقدرة ما فوق الملكوت، من غيب عالم الملكوت إلى عالم الملك، وتجعل ما في الغيب ظاهراً في الشهادة! فدعيني إذاً أجتاز هذا الوادي المريع، وأقول بأن فاطمة (عليها سلام الله)، والتي هي هكذا في المراحل الإلهية الغيبية، قد ظهرت في عالم الشهادة وتجسّدت كما أبيها وبعلها في صورة بشر ظاهر، لتؤدي دورها ورسالتها في كافة شؤون عالم الملك من تعليم وتعلّم، ونشر للثقافة الإسلامية، ومعارضة للطواغيت، وجد من أجل قيام حكومة العدل، وإحقاق حقوق البشرية، ودحض وتفنيد الدعاوى الشيطانية؛ فانبرت بعد رحيل أبيها للمنحرفين الطامعين في نسخ ومحو ما بذل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) غاية جهده في تبليغه وإرسائه، ووقفت في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تلقي خطبتها المجلجلة على الحاضرين لتوضح لهم الحقائق، واحتجّت على الخلفاء مدافعة عن حكومة الحق الإسلامية التي نص رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) والآيات الإلهية الكريمة على أنها كانت من مختصات علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، وبذلك أبطلت تلك المؤامرات الشيطانية. كما وأنها شاركت في بعض المعارك الحربية، كما جاء في التاريخ، فكانت بلسماً لجراح قلوب المجاهدين، حتى إنها كانت تمرّضهم أحياناً، ولم تكن بتلك التي تجلس حبيسة دارها لا يشغلها سوى الدعاء والصلاة غافلةً عن مصالح المسلمين. وكم من السيدات الملتزمات في صدر الإسلام اللائي كنّ يشاركن في الساحات ويقدمن خدماتهنّ، وذلك كما يحدث الآن في الجمهورية الإسلامية والحمد لله حيث هبّت السيدات لخدمة الإسلام والدفاع عنه وعن الوطن الإسلامي، حتى أن الكثيرات منهن يتلقين التدريبات العسكرية مع المحافظة على التعاليم الشرعية ورعايتها ويُعددن أنفسهنّ لأداء هذا الواجب الشرعي والعقلي. فدعي البذيئين والحاسدين، وذوي الصفات الشيطانية يقولون ما يرغبون، ودعيني أقول بأن الحكومة لو كانت حكومة غير إسلامية أو كانت مخالفة للإسلام كما كانت في عصر الظلم الملكي الجهنمي، فإننا نعتبر المشاركة في مثل تلك الحكومة أمراً محرماً، بل إننا نعتبر من المحرمات أيضاً تلك المساجد التي تعمل على محو الإسلام وتدبير المؤامرات ضد الإسلام؛ واليوم فإننا نعتبر تلك المصاحف التي يطبعها وينشرها النظام السعودي الفاسد بغية محو القرآن والإسلام من أعظم المحرمات. وندعو الله تعالى أن يحفظنا من شرور الشياطين والمتظاهرين بالقداسة الذين يوجهون الضربات باسم الإسلام علماً أو جهلاً إلى الجمهورية الإسلامية وفي الواقع إلى الإسلام.

والسلام عليك. وإليك شعراً. أو ما أشبه، من وحي البديهة:  

(فاطي) تريد حديثاً عن فاطمة

فاعجب لما تريد من شخص مثلي!

تلك التي كان جبريل رسولها

لا يستطيع الحديث عنها سوى العارف بمنزلتها

فمن ذا الذي من بين الرسل إلاّ أحمد

كان كاتب وحيه مختاراً من عند الواحد الأحد!

ألا يا ابنتي، دعيك عن قلبي

فعشقي ساقية تروي كياني..

**************

السيدة خديجة.. جهاد وتضحيات‏

2007-09-05

قد أعطى الإسلام الحنيف للأسرة غاية في الأهمية، لذا فقد جاءت أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) وآله الأطهار (عليهم السلام) بتفصيلات تجتمع جميعها لتولد لنا بتطبيقها سعادة أبدية لأسرة هنية.

من الواضح أن لكل أسرة مبادئ وقيماً؛ تقوم على أساس العدل وفهم كل واحد منهما الآخر، والرحمة والمودة والاحترام وطلب المزيد في التعمق في شخصية كل واحد للآخر.

ولا تتكامل الأسرة إلا بهذه المبادئ والأمور التي تمثل روح الأسرة، ويعتبر الهدوء والتفاهم وحب كل واحد منهما الآخر؛ هو أساس بناء هذا المجتمع المصغّر الذي قامت أواصره على أساس الرضا وكتمان السر في هذه المملكة الصغيرة والإخلاص والوفاء المتقابل.

هذه ليست محض نظريات ومثاليات بل هي أمثلة حية لعدد من الناس، وأصدق مثالٍ على ذلك نبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) والسيدة خديجة بنت خويلد (عليها السلام)؛ حيث كانت المرأة الصالحة والصديقة المخلصة النصوحة والداعمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولرسالته في حياتها، حتى أنها ضحت بكل ما عندها من أجل الدعوة الإسلامية. لذا حزن النبي 0(صلى الله عليه وآله) على وفاتها جداً وسمّى ذلك العام "عام الحزن" أعلنها مناسبة عامة لأنها أعطت ما عندها للإسلام وليس من أجل مصلحة خاصة، فسلام عليها يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث حية. 

السيدة خديجة (ع) في سطور

اسمها خديجة، اسم أبيها: خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي. اسم أمها: فاطمة بنت زائدة بن الأصم وهو جندب بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر.

كنيتها وألقابها: الطاهرة، سيدة قريش، القريشية الأسدية، أم المؤمنين، أم القاسم، ولقبها رسول الله (صلى الله عليه وآله): بسيدة نساء أهل زمانها. وقيل: كان لقبها في الجاهلية أم هند.

خصائصها: أول امرأة آمنت وصدقت برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأول من حملت لقب أم المؤمنين، وأول من آزرت النبي (صلى الله عليه وآله) في صدر الإسلام ودعوته، وأول من أعانت على تثبيت ركائز الدين ونشر الدعوة.

أولادها: القاسم، وعبد الله "الطيب، والطاهر" وفاطمة (عليها السلام). وقيل: زينب ورقية وأم كلثوم.

ولادتها وظروف نشأتها:

عند الحديث عن ولادتها يعجز الباحث عن وضع اليد على معلومة يقينية تثبت ذلك، حيث لم تترك يد السياسة والتزوير حادثة تاريخية سليمة إلا وتلاعبت بأطرافها؛ حتى باتت ولادة نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله) نحتفل بمناسبتها مرتين، لعدم علمنا وقطعنا باليوم المعين تحديداً فكيف بمن ليس بمنزلته (صلى الله عليه وآله).

وعليه لم نستطع الوصول إلى وقت محدد يعين ولادة السيدة خديجة (عليها السلام)، إنما ولدت في بيت مجد وسؤدد ورئاسة في قريش، حيث إن أباها كان زعيماً من زعماء قريش.

وأما أمها فلا تقل أهمية بالمنزلة والرفعة، لذا فلا يسع السيدة خديجة إلا أن تكتسب من ذي وذا عناصر الوراثة، حتى أصبحت السيدة الفاضلة التي يشار إليها بالبنان لفضلها وعلو شأنها من بين نساء قريش حيث لم يكن لها قرين.

وقد نشأت في بيت من بيوتات قريش الشريفة ونمت على الأخلاق الحميدة، واتصفت بالحزم والعقل حتى عُرفت في قومها بالطاهرة، وذلك لشدة حرصها على التخلق بالخُلق الكريم والأدب العظيم.

مات أبوها في حرب الفجار، فانتقلت ولايتها إلى عمها عمرو بن أسد، فأشرف على إدارة شؤونها وأمورها الأخرى.

وأما بالنسبة إلى عمرها المبارك فإن العام الذي ولدت فيه غير معلوم كما ذكرت، لكن يمكننا تناول أطراف الحديث عن عمرها وتحديد عمرها عند زواجها من رسول الله (صلى الله عليه وآله).

عزيزي القارئ طوائف الروايات بين يديك، لا ترجيح لأحدها على غيرها، إلا اللهم استحساناً أو استنساباً، وعليه فلا نسلم بما يقال أنها بلغت الأربعين عند زواجها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو الخامسة والأربعين، بل ولا نعطي أدنى اهتمام لما هو مشهور ومعروف إن كانت هذه أدلته، بل ويستحيل حملها على الأربعين أو الخامسة والأربعين، بالأخص إن رجّحنا ولادة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بعد البعثة بخمس سنين هذا أولاً.

وثانياً: من غير المعلوم أنها كانت تكبر النبي (صلى الله عليه وآله) بل كما هو الثابت أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يكبرها بخمس سنين على حدٍ أقل. وكان عمر النبي (صلى الله عليه وآله) كما جاءت به الأخبار: أنه (صلى الله عليه وآله) تزوج خديجة وهو ابن ثلاثين سنة، أي قبل البعثة بعشر سنوات. وهناك قول آخر ورد: أنه (صلى الله عليه وآله) تزوج خديجة، وهو ابن سبع وثلاثين سنة[1]، أي قبل البعثة بـ 3 سنين. 

رب صدفة خير من ميعاد

يروى أن السيدة خديجة كانت صاحبة مال وجاه، وكانت تتمتع بحدة الذكاء والسماحة والسخاء، وقد أحسنت إشرافها على أموالها فزادت بمرور الأيام، واتسعت تجارتها إلى الشام. وفي مكة كان قد شاع خبر الرجل الصادق الأمين صاحب الأخلاق والحسب والنسب، فبدأت الناس تتحدث عنه (صلى الله عليه وآله) وعن توفقه الدائم في التجارة؛ التي كانت آنذاك مهنة معظم شباب مكة المكرمة. فكانوا يتاجرون بأموالهم أو يضاربون بأموال الغير ولهم نسبة محددة من الأرباح.

كانت السيدة خديجة ممن سمع عن صدقه (صلى الله عليه وآله) وأمانته، وهي بالتالي كانت وما تزال تفتش عن رجل أمين يُحسن إدارة أموالها وتجارتها أو تنمية أموالها بالمضاربة بها.

رغبت (عليها السلام) بتوكيله لهذه المهمة، فأخبرته: أن الدافع من وراء اختياره وتفضيله على غيره من شباب مكة؛ ما بلغها من صدق حديثه و أمانته وكرم أخلاقه. لم تكتف بما سمعت عنه فأرسلت معه في تجارته إلى الشام غلامها ميسرة لتراقب حركاته وسكناته، وجميع تصرفاته عن كثب من خلال ما يراه ميسرة.

ولا يخفى هنا رجاحة عقلها في إرسال غلامها معه ليلاحظ تصرفاته ومعاملاته، حيث إن معاشرة المسافر تكشف عن خلقه الأصيل، وتكشف عما يخفيه الإنسان بل وتظهر شخصيته على حقيقتها؛ فهو يراه عند نومه وقيامه وبيعه وشرائه ومشيه ومعاملته وجميع تصرفاته مع الناس.

سافر النبي (صلى الله عليه وآله) في تجارته إلى الشام فكان موفقاً جداً. وفي أحد الأيام دخل ميسرة مسرعاً على سيدته ليزف البشرى بصدق ظنها، وقصّ عليها كل ما رآه من مميزات لشخصيته بدءً من صدقه وأمانته مروراً بأخلاقه مع الناس وما قالت الناس عنه، انتهاء بالغمامة التي كانت تظلله من الشمس ساعة الهاجرة. 

الأنوار تتحد وتتلاحم

بلغت خديجة مبلغ النساء، وبدأت تعرف بفطنتها ورجاحة عقلها وفضلها في المجتمع. وقد تقدم لخطبتها عظماء قريش، لشرفها وحسبها ونسبها وعظيم أدبها، حيث كانت من خيرة نساء قريش شرفاً، وأكثرهن مالاً، وأحسنهن جمالاً. وقد بذلوا لها الأموال. وممن خطبها عقبة بن أبي معيط، والصلت بن أبي يهاب، وأبو جهل، وأبو سفيان[2]. بل وكل قومها كان حريصاً على الاقتران بها لو يقدر عليه[3]

وتقدم النبي (صلى الله عليه وآله) فيمن تقدم لخطبتها يرافقه عمه أبو طالب ورجال من أهل بيته ونفر من قريش إلى وليها؛ وهو عمها عمرو بن أسد حيث كان قد قتل أبوها في حرب الفجار[4].

وكما يروى أن أبا طالب قال في خطبتها: الحمد لرب هذا البيت، الذي جعلنا من زرع إبراهيم، وذرية إسماعيل، وأنزلنا حرماً آمناً، وجعلنا الحكام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه، ثم أضاف: إن ابن أخي هذا ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به، ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه.. وله في خديجة رغبة، وقد جئناك لخطبتها إليه، برضاها وأمرها، والمهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله[5].

وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه قد أمهرها عشرين بكرة[6]. 

السيدة خديجة الزوجة المخلصة والمجاهدة

انصرفت السيدة خديجة لإدارة بيتها والقيام بأعباء المنزل؛ وهي سعيدة فرحة أنها في خدمة محمد (صلى الله عليه وآله)، مكللة بالحب والإخلاص. ابتداء من الإشراف على تربية الأولاد انتهاء إلى توفير كافة أمور الراحة للزوج المخلص، وجعل مستقره مكاناً آمناً هادئاً مناسباً للتفكر والتأمل؛ الذي كان يقوم به قبل البعثة.

وعندما بُعث النبي (صلى الله عليه وآله) بالرسالة والدعوة، كانت أول من آمنت به وصدقته؛ فباتت أول مسلمة دخلت في الإسلام. لذا في يوم من أيام زيارة السيدة خديجة لرسول الله في فترات اعتكافه في غار حراء نزل الأمين جبريل على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا خديجة، إن جبريل يقرأ عليك السلام من الله رب العالمين، فقالت خديجة: الله السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام، وعلى جبريل السلام.

منذ ذلك اليوم الذي بُعث به (صلى الله عليه وآله) والسيدة خديجة تقف إلى جواره تسانده وتؤازره وتعاونه وتخفف عنه ما يلاقيه من أذى قريش. 

مشاركتها في الدعوة

أخذت (عليها السلام) تدعو إلى الله بقولها وعملها، وتدفع الناس إلى الدخول في الإسلام، وكانت تلقى قبولاً مهماً لدى النساء. وتحملت مع النبي (صلى الله عليه وآله) في أوقات الشدة والمحنة، وفي الحصار الذي فرض على المسلمين في شعب أبي طالب، كانت المرأة الصابرة المحتسبة قوية العزيمة والشكيمة، كنت ترى ذلك من خلال مواقفها كلها المليئة بالحنان والرفق، والعزم والقوة.

لقد استحقت بجدارة لقبها من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنها سيدة نساء أهل زمانها. وكذلك إخبارها النبي (صلى الله عليه وآله) في حياتها: "أن الله يبشرك ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب".

لم تترك النبي (صلى الله عليه وآله) لحظة طيلة فترة حياتها، فكانت تقدر الأمور حق قدرها، وتبذل جهدها بما أوتيت من العطاء، وكانت تقف إلى جنب زوجها داعمة ومؤيدة بالمال والكلمة والنفس.

سنوات الجهاد والتضحيات.

عايشت (عليها السلام) الفترات العصيبة التي عاناها النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمون في صدر الإسلام، حيث كانت فترات مملوءة بالإيثار والتضحيات والكفاح حتى آخر رمق، فقد رأت أول شهيدة في الإسلام الشهيدة سمية زوجة الشهيد الأول ياسر أم عمار، وشاهدت المسلمين المجاهدين والمسلمات المجاهدات، وهم يهاجرون الهجرة الأولى إلى الحبشة.

تجدها في هذه المنعطفات وتلك المواقف متضرعة إلى الله عزَّ وجلّ‏َ أن يفرج الكرب عن المسلمين، ويثبت أقدامهم، وأن يؤيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقويه على مواصلة دعوته؛ دعوة الحق والصمود في مواجهة ومقاومة الكفار والطغاة.

كانت تستمد أعظم سلوى وأروع آيات التثبت الإيمانية من زوجها الحبيب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن آيات القرآن البينات التي كانت تتتابع في النزول؛ فيزداد المؤمنون إيماناً وهدى وتصديقاً.

لقد دعمت الإسلام وأعطت كل ما لديها بتفانٍ وإيثار، وضحت بكل ما عندها حتى استطاع الإسلام أن ينهض بمال خديجة وبحماية علي (عليه السلام)، حيث لا ينكر ذلك إلا متعصب معاند أعمى قلبه الحقد والضغينة.

فقد كان لمواقف السيدة خديجة (عليها السلام) في صدر الإسلام إلى يوم وفاتها؛ كل الدعم والتأييد للنبي (صلى الله عليه وآله) والإسلام ولنشر الدعوة بإخلاص تام.

لذا عندما توفيت أعلن النبي (صلى الله عليه وآله) الحداد العام، وسمّى ذلك العام وفاءً منه (صلى الله عليه وآله) لها، وتعظيماً وتخليداً لذكراها: "بعام الحزن".

أراد النبي (صلى الله عليه وآله) أن يقول: إن السيدة خديجة لم تعد تمثل زوج النبي (صلى الله عليه وآله) بل أصبحت رمزاً إسلامياً عالمياً مهماً.

أحست السيدة خديجة بمقدمات المرض تتجمع فلازمت الفراش، اجتمع النبي (صلى الله عليه وآله) وابنته السيدة فاطمة (ع) حولها، نظرت إلى زوجها وابنتها النظرة الأخيرة مليئة بالأسى على الفراق، لكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشرها باللقاء معها في الجنة، لحظات جد مؤثرة هطلت خلالها دموع الرحمة من النبي (صلى الله عليه وآله)، وفاض قلبه بالحزن، وبكت السيدة فاطمة (ع) وبكاها المسلمون حيث فقدت مكة سيدة نساء أهل زمانها، ورجعت النفس مطمئنة إلى ربها راضية مرضية، وقد توفيت قبل الهجرة إلى المدينة بثلاث سنوات. فسلام عليها يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث حية.

---------------------------

[1] مجمع الزوائد، ج‏9، ص‏219، وتاريخ اليعقوبي، ج‏2، ص‏20.

[2] بحار الأنوار، ج‏16، ص‏22.

[3] سيرة ابن هشام، ج‏1، ص‏201.

[4] كتاب الأوائل، ج‏1، ص‏160.

[5] فروع الكافي، ج‏5، ص‏374.

[6] سيرة ابن هشام، ج‏1، ص‏201.

**************

بطلة كربلاء السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب (ع)

2007-09-05

ورثت عن أبيها البطل الإمام علي(ع) الشجاعة والإقدام، والفصاحة والبلاغة، وورثت عن أمها فاطمة الزهراء(ع) العفاف والتقى، والطهارة والهدى، وورثت عن شقيقها الحسين(ع) حب التضحية، والفداء في سبيل العقيدة والمبدأ، والحرص على الجهاد، وعدم الخوف من الاستشهاد.

{ذرية بعضها من بعض} آل عمران/34. 

جهادها مع الحسين

ولما بدأ شقيقها الحسين(ع) جهاده ضد الغاصبين الظالمين، كانت هي الداعية القيادية المحركة للهمم، الباعثة للعزائم. وكان لها شأن كبير في ثورة الحسين(ع)، إذ شاركته في رحلته، وقاسمته جهاده، فكانت تستثير بلسانها البليغ حمية الأبطال، وتدبر بيمناها ضيافة الرجال، وتقضي بيسراها حوائج الأطفال، وتقوم على حراسة الرِّحال، وتسعف الجرحى، وتمرّض، وتطعم الجوعى، وتحرض المقاتلين، وتشجع المستضعفين، وتثبت فرائص المجاهدين وتقوّي عزائمهم، غير مبالية بالجوع والحصار، أو العطش ومرارة الانتظار، أو الوقوع في الإسار، واحتساب الموت الواعي في سبيل الله من أحسن الثمار في الحياة الدنيا.

قال الشاعر:

ولو كانت النساء كمثل هذي         لفضّلت النساء على الرجال

إنها امرأة حكيمة تضع كل شيء في موضعه، فتجدّ في موضع الجد، وتلين في موضع اللين، وتبذل الرفق والرحمة غاية ما تستطيع.

روي أن السيدة زينب(ع) أظهرت في معركة كربلاء شجاعة فائقة، وحماسة نادرة، وصبرت صبراً جميلاً، وجاهدت جهاداً كبيراً، وتحملت فوق قدرتها ورضيت بمسؤوليتها الكبيرة فوق جهودها، وعملت أعمالاً لا يعملها إلاّ أشداء الرجال؛ إنها واجهت المحنة العصيبة، وكانت أقوى منها، وتحمّلت البلاء الشديد، وكانت أشد منه، ومرّت عليها أقسى أنواع الفتن ما لم تحتمله الجبال الشامخات الراسيات ووقفت أمامها بكل صلابة وثقة ويقين أنها على الحق، والحق حيّ لا يموت، وإن سُبِيت وعانت من شماتة الأعداء الرهيبة.

وتذكر لها مواقف أبيّة صادقة مثيرة، تدل على مبلغ ما تؤديه المرأة المؤمنة الموقنة الواعية من جهاد وتضحية وفداء؛ فقد هجم على خبائها مجرم أثيم، من الذين أسرفوا في عداوتهم وانتقامهم من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً وحرصوا على دنياهم، ونسوا حظهم من الآخرة، وهو شمر بن ذي الجوشن، يريد قتل الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع)، بعد أن قُتل أبوه الحسين، فصرخت السيدة الشجاعة في وجهه صرخة الليث الهصور، وقالت: والله، والله لا تستطيع قتله حتى تقتلني قبله!

فألقي الرعب في قلب ذلك المجرم، وصرفه عن قتل الإمام زين العابدين.  

موقف السيدة زينب وموقف الإمام زين العابدين(ع) أمام الطاغية ابن زياد

أدخل نساء الحسين(ع) وصبيانه على ابن زياد، فلبست زينب(ع) أرذل ثيابها وتنكرت ومضت حتى جلست ناحية من القصر، وحفت بها إماؤها، فقال ابن زياد: من هذه؟ فلم تجبه، فأعاد الكلام ثانياً وثالثاً يسأل عنها، فلم تجبه! فقال له بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله(ص). فأقبل عليها الطاغية ابن زياد وخاطبها بما فيه الشماتة والجفاء، والغلظة والجرأة على الله ورسوله، كما يقضيه لؤم عنصره، وخبث طينته، وأراد تصديق كونه دعيّاً ابن دعي.

فقال لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم، فأجابته زينب(ع) بما أخرسه وأخزاه وفضحه، فقالت: "الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمد(ص)، وطهّرنا من الرجس تطهيراً، إنما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر، وهو غيرنا".

فقال: كيف رأيت فعل الله بأخيك وأهل بيتك؟

فقالت: ما رأيت إلاّ جميلاً؛ هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتتحاجون إليه، وتختصمون عنده، فانظر لمن الفلج الغلبة يومئذٍ، هبلتك أمك يا بن مرجانة!

فغضب ابن زياد، واستشاط حين أعياه الجواب، وكأنه همّ بها!

فقال له عمرو بن حريث: أيها الأمير، إنها امرأة، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها، ولا تذم على خطيئتها!

فلجأ ابن زياد حينئذٍ إلى البذاءة، وسوء القول، مما هو جدير به.

فقال لها: لقد شفى الله نفسي من طاغيتك الحسين، والعصاة المردة من أهل بيتك!

فرقّت زينب(ع) وبكت وقالت له: لعمري لقد قتلت كهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاءك فقد اشتفيت!

وعرض عليه زين العابدين، علي بن الحسين(ع) فقال: من أنت؟

قال: علي بن الحسين(ع).

فقال ابن زياد: أليس قد قتل الله علي بن الحسين؟!

فقال له علي (ع): قد كان لي أخ يسمى عليّاً، قتله الناس.

فقال: بل الله قتله.

فقال علي بن الحسين: {الله يتوفى الأنفس حين موتها}.

فغضب ابن زياد، وقال: وبك جرأة للرد عليّ! اذهبوا به فاضربوا عنقه! فتعلقت به عمّته زينب(ع) وقالت:

يا بن زياد، حسبك من دمائنا، واعتنقته وقالت: لا والله لا أفارقه، فإن كنت عازماً على قتله فاقتلني قبله!

فقال لها علي بن الحسين(ع): اسكتي يا عمة حتى أكلّمه، ثم أقبل عليه فقال:

أبالقتل تهددني يا بن زياد، أما علمت أن القتل لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة؟!

ثم أمر ابن زياد بعلي بن الحسين(ع) وأهل بيته، فحملوا إلى دار بجنب المسجد الأعظم، فقالت زينب بنت علي(ع): لا تدخلن علينا عربية إلاّ أم ولد أو مملوكة، فإنهن سبين كما سبينا!  

خطبة السيدة زينب(ع) في الشام

لما جيء برأس الحسين(ع) إلى يزيد بالشام، دعا بقضيب خيزران، وجعل ينكت به ثنايا الحسين(ع) ويقول:

ليت أشياخي ببدر شهدوا           جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً           ثم قالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم           وعدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا           خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم انتقم           من بني أحمد ما كان فعل

عندما لم ترَ عقيلة الهاشميين من رد على هذا الكلام المعلن للكفر والظلم وأخذ الثأر! فقامت زينب بنت علي(ع) فقالت:

"الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله حيث يقول: {ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون}.

أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض، وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الإماء أن بنا هواناً على الله، وبك كرامة، وأن ذلك لعظم خطرك عنده، فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، جذلان مسروراً، حيث رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا! فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعالى: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين}.

أمن العدل يا بن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله(ص) سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدنيء والشريف، ليس معهن من حماتهن حمي، ولا من رجالهن وليّ! وكيف ترتجى مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه بدماء الشهداء! وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت، من نظر إلينا بالشنف والشنآن، والإحن والأضغان، ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم:

لأهلّوا واستهلوا فرحاً           ثم قالوا يا يزيد لا تشل

منحنياً على ثنايا أبي عبد الله، سيد شباب أهل الجنة، تنكتها بمخصرتك! وكيف لا تقول ذلك، وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة، بإراقتك دماء ذرية محمد(ص)، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب، وتهتف بأشياخك، زعمت أنك تناديهم! فلتردن وشيكاً موردهم، ولتودن أنك شللت وبكمت، ولم تكن قلت ما قلت، وفعلت ما فعلت!

اللهم خذ لنا بحقنا، وانتقم ممن ظلمنا، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا. فوالله ما فريت إلاّ جلدك، ولا حززت إلاّ لحمك، لتردن على رسول الله(ص) بما تحملت من سفك دماء ذريته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون}.

وحسبك بالله حاكماً، وبمحمد(ص) خصيماً، وسيعلم من سوّل لك، ومكنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلاً، وأيكم شرّ مكاناً وأضعف جنداً، ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكبر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرّى! ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء؛ فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي، تنتابها العواسل، وتعقرها أمهات الفراعل!

ولئن اتخذتنا مغنماً، لتجدننا وشيكاً مغرماً، حين لا تجد إلاّ ما قدمت يداك، وما ربّك بظلام للعبيد.

فإلى الله المشتكى، وعليه المعوّل في الشدة والرخاء؛ فكد كيدك، واسعَ سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترخص عنك عارها. وهل رأيك إلاّ فند، وأيامك إلاّ عدد، وجمعك إلاّ بدد، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين.

فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل.  

موقف آخر لزينب بنت علي(ع) في مجلس يزيد بن معاوية

لما أدخل عيال الحسين(ع) وبناته على يزيد بالشام، نظر رجل من أهل الشام أحمر إلى فاطمة بنت الحسين(ع)، فقال يا أمير المؤمنين: هب لي هذه الجارية!

قالت فاطمة: فارتعدت وظننت أن ذلك جائز عندهم، فأخذت بثياب عمّتي زينب وقلت: يا عمتاه، أوتمت وأستخدم؟!

وكانت عمتي تعلم أن ذلك لا يكون، فقالت عمتي: لا حباً ولا كرامة لهذا الفاسق.

وقالت للشامي: كذبت والله ولؤمت، والله، ما ذاك لك ولا له!

فغضب يزيد وقال: كذبتِ، إن ذلك لي، ولو شئت أن أفعل لفعلت.

قالت زينب: كلا والله، ما جعل الله لك ذلك إلاّ أن تخرج من ملتنا، وتدين بغير ديننا.

فاستطار يزيد غضباً وقال: إيّاي تستقبلين بهذا، إنما خرج من الدين أبوك وأخوك!

قالت زينب: بدين الله، ودين أبي، ودين أخي اهتديت أنت وجدك وأبوك إن كنت مسلماً!

قال: كذبت، يا عدوة الله.

قالت له: أنت أمير، تشتم مظلومة، وتقهر بسلطانك.

فكأنه استحيا وسكت.

فعاد الشامي، فقال: هب لي هذه الجارية.

فقال له يزيد: اعزب، وهب الله لك حتفاً قاضياً.

{وفي رواية} فقال الشامي: من هذه الجارية؟

فقال: هذه فاطمة بنت الحسين، وتلك زينب بنت علي.

فقال الشامي: الحسين بن فاطمة، وعلي بن أبي طالب؟!

فقال: نعم.

فقال الشامي، لعنك الله يا يزيد، تقتل عترة نبيّك، وتسبي ذريته، والله ما توهمت إلاّ أنهم من سبي الروم!

فقال يريد: والله لألحقنك بهم! ثم أمر به فضربت عنقه!

**************

سمية بنت خياط (أم عمار)، وكيفية استشهادها

2007-09-05

وفي ليلة يحدّث ياسر زوجته بما يدور في أندية مكة، من أحاديث الدعوة المحمدية.

ـ وما في دعوة محمد يا ياسر؟ زدني، إني لفي لهفة لهذا النبأ.

ـ يا سمية: دعوة محمد إنسانية، تقول: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، ويقول(ص): "إنه لا فرق لأبيض على أسود إلاّ بالتقوى".

ـ شيء عظيم ورائع يا ياسر هذا الذي تذكره.. زدني.

وأخذ يزيدها من فكر الرسالة الغراء، حتى قالت: وهل آمنت به يا ياسر؟

ـ وماذا تقولين في ذلك؟

ـ لا تتأخر أبداً، وقالت: إن محمداً الصادق الأمين، وإن قلبي ليميل إليه.

ـ قرّي عيناً يا سمية، مرّ عليّ عهد وأنا مؤمن برسالته، أيسعدك هذا الأمر؟

قالت: كل السعادة، اذهب إليه، وأخبره أيقبل إسلام امرأة؟!

فأنا مؤمنة به، وبدعوته مسلمة.

ويصبح الصباح، ويستعد ياسر لمغادرة بيته، ويقبل عليه ولده "عمار" وكأنه يلقي عن نفسه عبئاً.

ـ يا أبتاه، أتأخذني معك إلى محمد، أسلم على يده، فأنا مؤمن برسالته، ومنذ زمان وأنا أتصيد أخبارها، ونفسي تطمح إليها، لا شيء أعظم منها.

ـ فقال له ياسر: وشبابك يا ولدي، ومخاطر الظروف الراهنة!

ـ فقال عمار: أبداً لا يهمني في سبيلها كل أمر يعرض!

أسلمت العائلة كلها، ويلتفت رسول الله(ص) إلى الأب المؤمن، ويقول:

ـ يا ياسر، قرّ عيناً بهذا الولد البار، وبزوجتك المؤمنة الطاهرة.

ـ وقال ياسر: أوعملت برغبة سمية يا رسول الله؟

فقال(ص): "نعم، إن إسلامها لعظيم، وستكون أول شهيدة في سبيل العقيدة، وإن لكم جميعاً المقام المحمود. وأنت تقتل شهيداً أيضاً، وولدك هذا تقتله الفئة الباغية، إنكم يا آل ياسر من السابقين للشهادة والمكرمة"!

وكاد يطير ياسر من الفرح. أهذا المجد كله له ولأهل بيته، أية مكرمة أعظم من هذه المكرمة!

ولم يبق مكتوماً إيمان هذه الأسرة الكريمة بدعوة الرسول الأعظم(ص)، فسمية تصبح سابعة سبعة في الإسلام!

لقد بلغ الأمر بهذه الدعوة الجديدة أن تختطف منا حلفاءنا وعبيدنا واحداً تلو الآخر، لم يكن الأمر هيّناً، إن محمداً يمنّي هؤلاء العبيد لأن يكونوا علينا في يوم ما أسياداً، ويملكون رقابنا، ونصبح أمامهم أذلاء!

فقال اليوم: هيهات، واللات والعزى، لابدّ أن نضع السيف في رقابهم، ونذيقهم الموت، حتى يرتدوا عما هوت إليه نفوسهم!

ويصرخ الرجل بجلاوزته: يا فتيان بني مخزوم، ائتوني بسمية.

ولم تمض برهة من الوقت، حتى كانت المرأة التي بلغت العقد الخامس من عمرها، والتي هدّتها الأيام وبدا عليها الضعف والهزل، أمام حلقة من زعماء قريش.

ورمقها أبو سفيان والغيظ يغيّر ملامحه، ويمزّق كبده، وصاح فيها بعنف وجبروت: وأنت يا أمة، غرّك لكع الرجال ياسر، فحسّن إليك دين محمد، وسحره وشعوذته، إنكم تحلمون بأن تصبحوا يوماً أسياداً، سوف نمحوكم قبل أن تروا هذا اليوم!

وتبسمت المرأة الطاهرة، وقالت له بكل جرأة وصلابة:

صه يا حقير، لا ترمِ رسول السماء وأمين الله بالشعوذة والسحر، إنه نبي الرحمة، الذي هدانا إلى طريق الحق، وحرّرنا من عبادة الأصنام، وأرشدنا إلى الله خالق كل شيء سبحانه وتعالى.

وقفز أبو جهل وهو يرتعد غضباً، واختطف سوطاً من يد أحدهم، وانهال على سمية ضرباً حتى كلت يداه، وأغمي عليها، وألقيت في الرمضاء تصهرها الشمس، حتى إذا مرت فترة من الزمن، أفاقت وفتحت عينيها!

وما أن عرف القوم بذلك، حتى جروها إلى وسط الحلقة من جديد، والتفت إليها أبو سفيان صارخاً:

والآن ماذا تقولين؟ أتتركين دين محمد وسحره، وتعودين لآلهتنا؟!

قالت: أبداً، لن أرتد عن دين محمد، الذي أنار قلبي، وأخرجني من الظلمة إلى عالم كله الرحمة والخير.

وينهرها أبو سفيان قائلاً: أوبكِ جرأة على هذا الحديث؟!

وهمّ أن يهجم عليها، ولكن أبا جهل منعه، وقال له: رويدك يا أبا سفيان، سأسحق قلبها!

يا فتيان: عليّ بعمار، وجاؤوا بعمار مكبلاً بالحديد، والدم يغطي وجهه، وطرح أمامها، وهو بحالة يرثى لها!

وألقت عليه نظرة ملؤها الحنان والاعتزاز، ولم تصرخ، ولم تنهر وتضعف، بل ضبطت أعصابها، وأظهرت الجلد أمام أعدائها، ورمقت السماء بطرفها وتمتمت بكلمات المناجاة إلى ربها.

وطاش صواب الطغمة حينما رأت هذه البطولة، وهذا الصبر من امرأة مستضعفة، ترى بعينها ولدها يرسف بالحديد، وتنهبه السياط من كل جانب، فلم يخفف هذا المنظر من صلابتها، ولم يهد من صمودها!

لقد هال أبا جهل صمود سمية، وانخذل أمام إرادتها!، وصمم على أمر لعله يحطم به صلابتها، فصاح بجلاوزته ائتوني بياسر، ولم تمض فترة حتى أطل رجل الإيمان، وهو يجر نفسه جراً، إن قواه لم تساعده على المشي، وإن ثقل الحديد أجهده، ووقف أمامهم وهو قوي الإرادة، يلهج بذكر الله.

وتقف الأسرة المؤمنة، وضحكات الطغاة تغطي أنينهم.

وقال أحد الزعماء لصاحبه، وهو يهمس في أذنه: ما لنا ولهؤلاء الضعفاء، إن من بين الذين صبوا لدين محمد وآمنوا به، من لا يستطيع أبو جهل ولا أبو سفيان ولا غيرهما من ردعه عن هذا الإيمان.

وهكذا كان نصيب هذا العائلة المؤمنة، كل صباح وكل مساء، ولم ترف عين لهم تأثراً، ولا خفق قلب عليهم حناناً، ولم يخفف من مصابهم، ويضمد جراحهم إلاّ عطف الرسول(ص)، وهو يتفقدهم فيمسح عن وجوههم الدماء وسط الظهيرة، ويواسيهم بأحزانه، ثم يودعهم بكلماته الرائعة، التي يجسد فيها معاني الحب والتعاطف، والصبر والإيمان. فقال: "اللهم اشدد على آل ياسر بالصبر، اللهم وخفف عنهم عذاب الطغمة"!

وطال صمود هذه العائلة المؤمنة الأسيرة، ولم تنهر وتضعف معنوياتهم أمام التعذيب والإرهاب، إن هذه الأساليب الوحشية، وإن كانت لا تطاق، تبعث الإنسان الصلب في معنوياته، وفي كثير من الأحيان، على التحمل والصبر.

وضاق أبو جهل ذرعاً بذلك، فلم يلبث أن هجم على سمية، وهو في حالة أشبه بالجنون، وهو يلهث من الإعياء، ويجرها من شعرها، ويركلها برجله، ويصرخ: أتصرّين على موقفك من آلهتنا؟!

ولم تجبه أبداً، وكأنها تأنف من جوابه، إنما تردد بكل إيمان: إن الله للظالمين بالمرصاد، وموعدنا معكم يوم الحساب.

ويهتز من هذه الكلمات، ويهجم عليها، ويطعنها بحربته في صدرها، ولم يرفعها عنها إلاّ وهي في آخر لحظاتها!

وتنساب الكلمات منها ضعيفة هادئة: يا رسول الله، إليك أشكو هذه الزمرة.. ثم تلفظ أنفاسها على مرأى من زوجها وولدها!

وتعلو ضحكة من الظالم أبي جهل يهتز لها جسده، وهو يشهد موت هذه المرأة، ويخطو نحوها، فيطأ رأسها بقدميه.. يهذر كأنه أصيب بمس من جنون: استرحنا منها يكررها عدة مرات.

ثم يلتفت إلى الأسيرين المقيّدين، ويقول: إن يومكما لقريب!

ويتهادى إلى أصحابه، وهم متحلقون في فناء البيت الحرام، ويقف على رؤوسهم يضحك ويضحك، بحيث لفت الأنظار، وهو يقول: إن سمية الضالة، قد أرحتكم منها، فقد طعنتها بالحربة حتى ماتت!

وخيم الوجوم على القوم، لم يكن معروفاً قبل اليوم مثل هذا القتل للنساء، ويتفرق الجالسون، وصورة سمية تلاحقهم مهما طال بهم الزمن، صورتها ترسف بالحديد، وتتلوى تحت سياط الجلاوزة، وأثناء حشرجات الموت، ومن فم أول شهيدة في سبيل الدعوة الإسلامية، وهي تقول: الله أكبر، والعزة لمحمد!