فهرست العناوين:

1- فتاوى القائد (دام ظله).

2- من معين الولاية. 3- مع الامام القائد: الأبعاد المعنوية في شخصية الإمام الحسين (ع). 4- دروس من نهضة الإمام الحسين (ع). 5- سينما هوليود تعجز عن تمثيل دور الإمام علي (عليه السلام). 6- بلسم الجرح الكربلائي. 7- مراسم عاشوراء بين التقليد والتجديد. 8- عادات عاشوراء شعائر ...؟! لبس السواد. 9- عادات عاشوراء شعائر ...؟! الإطعام.

10- عادات عاشوراء شعائر ...؟!( المواكب الحسينية ).

11- عادات عاشوراء شعائر ...؟! ( اللطم ). 12- عادات عاشوراء شعائر ...؟! ( التطبير ). 13- صلاة ظهر يوم العاشر من محرم. 14- التربة الحسينية ... هدية السماء وآية الشفاء. 15- عوامل التحريف في واقعة عاشوراء عند الشهيد المطهري(قده). 16- الشيخ زين العابدين قرباني: المآتم الحسينية الأصيلة والمنزهة عن الخرافات منشأ للخير والبركة . 17- الشيخ حلوائي: عاشوراء تجسيد لعرفان الإمام الحسين (عليه السلام) العملي.

**************

فتاوى القائد (دام ظله)

2007-08-18

مراسم عاشوراء

س: هل يجوز للمرأة أن تقرأ مجالس العزاء مع علمها بأن الأجانب يسمعون صوتها؟

ج: لا مانع من ذلك في نفسه ما لم تكن القراءة بكيفية لهوية ولم يكن هناك خوف افتتان الرجال بصوتها.

س: تقام في عاشوراء بعض المراسم مثل الضرب على الرأس بالسيف (التطبير) والمشي حافياً على النار والجمر مما يسبب أضراراً نفسية وجسدية مضافاً إلى ما يترتب على مثل هذه الأعمال من تشويه للتشيع في أنظار علماء وأبناء المذاهب الإسلامية والعالم، وقد تترتب على ذلك إهانة المذهب، فما هو رأيكم الشريف بذلك؟

ج: ما يوجب ضرراً على الإنسان من الأمور المذكورة أو يوجب وهن الدين والمذهب فهو حرام يجب على المؤمنين الاجتناب عنه، ولا يخفى ما في كثير من تلك المذكورات من سوء السمعة والتوهين عند الناس لمذهب أهل البيت عليهم السلام، وهذا من أكبر الضرر وأعظم الخسارة.

س: تقام في الحسينيات والمساجد خصوصاً في القرى مراسم تمثيل حصول واقعة الطف وأحياناً يكون لها أثر ايجابي في نفوس الناس، فما هو حكم هذه المراسم؟

ج: إن لم تتضمن الأكاذيب والأباطيل ولم تستلزم المفسدة ولم توجب بملاحظة مقتضيات العصر وهنَ المذهب الحق فلا بأس فيها، ومع ذلك فالأفضل إقامة مجالس الوعظ والارشاد والمآتم الحسينية والمراثي بدلاً عنها.

س: هل يجوز للنساء مع محافظتهن على حجابهن وارتدائهن لباساً خاصاً يستر بدنهن أن يشاركن في مواكب اللطم وضرب السلاسل؟

ج: لا مانع من مشاركة النساء في مجالس العزاء وفي مواكب التعزية، ولكن لا ينبغي لهن الضرب بالسلاسل واللطم على الصدور أمام الرجال الأجانب.

س: ما هو حكم ضرب الجسد بالسلاسل كما يفعله بعض المسلمين؟

ج: إذا كان على النحو المتعارف وبشكل يعدّ عرفاً من مظاهر الحزن والأسى في العزاء ولم يوجب وهن المذهب الحق فلا بأس به، وإلا فلا يجوز.

س: ما هو حكم ضرب الطبل والصنج ونفخ البوق وضرب السلاسل التي يكون في رأس كل سلسلة منها موسى حاد في مجالس ومواكب العزاء؟

ج: إن كان استخدام السلاسل الكذائي موجباً لوهن المذهب في نظر الناس أو كان مؤدياً لضرر بدني معتنى به فلا يجوز، وأما استعمال البوق والطبل والصنج بالنحو المتعارف فلا بأس فيه.

**************

من معين الولاية

2007-08-18

كربلاء ثورة متصلة بنهضة الإمام المهدي (عج)

بقلم: الشيخ محمد توفيق المقداد

كان شعار الثورة التي قادها الإمام الحسين عليه السلام في مواجهة الحاكم الظالم والمنحرف "يزيد بن معاوية" هو (الإصلاح)، كما قال عليه السلام: "... وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد عليّ‏َ أصبر حتى يحكم الله...".

والإمام المهدي عليه السلام هو الذي ستتحقق على يديه دولة الحق والعدل الإلهيين، ويحقق شعار "الإصلاح" الذي حمله جده الإمام الحسين عليه السلام.

وما بين الثورتين في المرحلة الفاصلة هي ساحة الجهاد والصراع ضد كل قوى الفساد والظلم والجور من أجل أن يتمكن الإنسان المجاهد من الانتصار في مكان أو الاستشهاد في مكان آخر، ليبقى صوت الحق مرتفعاً وعالياً حتى لا يسيطر الانحراف على كل الحياة الإنسانية من كل جوانبها.

ويمكننا بالرجوع إلى المرحلة الفاصلة أن نلاحظ ثلاثة أقسام مر بها العاملون في سبيل الحق وفي طريق إعلاء كلمة الله عزّ وجلّ، وهذه الأقسام هي التالية:

القسم الأول: "زمن الأئمة من بعد الحسين عليه السلام إلى زمن الغيبة الصغرى"، وفي هذه المرحلة نلاحظ أن الأئمة تعرضوا فيها لمضايقات عديدة من العهدين الأموي والعباسي لإدراكهم القيمة الإيمانية والمعنوية العالية لأشخاص الأئمة عليهم السلام في نفوس وقلوب أبناء الأمة الإسلامية، وأبرز المضايقات كانت في الحجر على أولئك الأئمة العظام من الاتصال والتواصل مع الناس والجماهير إلا في فترات قصيرة نسبياً خصوصاً في زمن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، حيث كان الصراع بين الأمويين والعباسيين على أشده للاستيلاء على السلطة من جانب العباسيين والإمساك بها من جانب الأمويين، وكانت تلك الفترة الفرصة الذهبية لنشر أحكام الإسلام المحمدي الأصيل خصوصاً في زمن الإمام الصادق عليه السلام الذي استغل تلك الفرصة ونشر الأحكام بشكل مباشر، ومن خلال الذين تتلمذوا على يديه وانطلقوا في أرجاء العالم الإسلامي ينشرون فقه آل محمد "فقه الإسلام الأصيل" وينشرون مفاهيمه السليمة عن التزييف والتحريف، لكن للأسف فإن تلك الفترة انتهت عندما سيطر العباسيون على الحكم من خلال انتصارهم على الأمويين وتشريدهم في البلاد الإسلامية، وعند ذلك اشتدت المضايقات أكثر على الأئمة عليهم السلام لأن العباسيين انتصروا على الأمويين بشعار "يا لثارات الحسين عليه السلام"، ذلك الشعار الذي جعل الكثير من المسلمين المضطهدين من السلطة الأموية يسيرون تحت اللواء العباسي للتخلص من تلك السلطة الدموية التي سفكت دماء أتباع الأئمة ومحبيهم حتى على مستوى الشخصيات الكبيرة كحجر بن عدي وميثم التمار وعمار بن ياسر وغيرهم كثير ممن صحبوا رسول الله‏ صلى الله عليه وآله.

وفي هذه المرحلة انصرف الأئمة ومن خلال بعض الأصحاب القليلين الذين كانوا يخاطرون بالاتصال بهم ليكونوا الواسطة بين الأئمة وبين أبناء الأمة الإسلامية، كما كان الأئمة في هذا المجال يمدون يد العون بطرق سرية لكل الثورات التي قامت في مواجهة السلطتين الظالمتين، لأن انكشاف مساعدتهم كان يمكن أن يعرضهم للقتل مباشرة أو للسجن كما حدث مع الإمام موسى الكاظم عليه السلام الذي أمضى ثمانية عشر عاماً من عمره الشريف متنقلاً قهراً عن إرادته في سجون العباسيين خوفاً منه ومن أتباعه المنتشرين في كل أرجاء العالم الإسلامي.

وقد تميزت هذه المرحلة من حياة الأئمة بالتدوين للسيرة النبوية وحديث الأئمة عليهم السلام، كما عمل الأئمة خصوصاً بعد عصر الرضا عليه السلام إلى إيجاد نظام الوكلاء الذين كانوا ينوبون عنهم في التواصل مع الناس على مستوى تبليغ الأحكام واستلام الحقوق الشرعية وغير ذلك مما له ارتباط بحياة الناس اليومية وبقضاياهم العامة وخصوصاً المصيرية منها.

وباختصار يمكن القول إن حياة الأئمة بعد الحسين عليهم السلام وحتى بداية الغيبة الصغرى كانت محاولة تثبيت العقيدة السليمة في النفوس في مواجهة أساليب التحريف والتزييف التي كان يسلكها الحكام الظالمون بالتعاون مع بعض بائعي آيات الله وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله بثمن بخس لتحسين صورة أولئك المغتصبين للسلطة والقابضين على الأمور بغير وجه حق.

القسم الثاني: "زمن الغيبة الصغرى" وهي الفترة التي استمرت من عام 260 هجرية عام وفاة الإمام العسكري وانتهت في عام 328 أو 329 هجرية وتناوب عليها أربعة سفراء للإمام عليه السلام ليكونوا الواسطة بينه وبين الناس من خلال اتصالهم بالإمام الحجة عليه السلام، ونقلهم الأحكام والتكاليف إلى الناس، وسبب هذه الغيبة الصغرى هي تعويد أتباع الأئمة على غيابهم عن الساحة بشكل مباشر، ولا شك أن هذه العادة وهي "الفراغ من وجود شخص المعصوم عليه السلام والرجوع إلى النائب عنه" كانت محتاجة إلى فترة ليست بالقليلة حتى تعتاد الناس على ذلك، وعندما تحققت الغاية من الغيبة الصغرى كان الناس قد اعتادوا على غياب الإمام المعصوم عليه السلام والرجوع إلى العلماء، ولهذا عندما مات السفير الرابع ولم يعيِّن الإمام سفيراً غيره، عرف الأتباع لخط الأئمة عليهم السلام أن الغيبة الكبرى قد بدأت إلى اليوم المعلوم عند الله عزّ وجلّ والمجهول عندنا كلياً حتى يأذن الله لوليه بالخروج ليقوم بوظيفته التي ادّخره من أجلها.

القسم الثالث: "زمن الغيبة الكبرى"، وهي التي بدأت منذ موت السفير الرابع وما زالت مستمرة حتى عصرنا هذا وستستمر حتى خروج الإمام المنتظر عليه السلام، وهذه الفترة قد مضى عليها حتى الآن ما يقرب من ألف ومائة عام، وقد عانى خلالها أتباع الأئمة عليه السلام الكثير من المضايقات والأذى حتى السجن والقتل والتهجير وغير ذلك، لكن كل ذلك لم يمنعهم من أن يبقوا مستمرين في خط الولاية والطاعة للأئمة عليه السلام الذين ضحوا بكل شي‏ء وكانوا النموذج والقدوة والمثال لأتباعهم وأنصارهم.

وفي هذا القسم الطويل كان الفقهاء والمراجع هم الملاذ والملجأ الذي يرجع إليه الشيعة لأخذ معالم دينهم وأحكامهم المرتبطة بحياتهم اليومية وشؤونهم العامة، وفي هذا القسم الطويل حرَّم الأئمة على أتباعهم الدخول في طاعة الخلفاء المغتصبين للخلافة لأنهم لن يسيروا بطاعة الله عزّ وجلّ، والرجوع إلى التاريخ الإسلامي منذ بداية الغيبة الكبرى حتى الآن يؤكد هذه الحقيقة بشكل واضح وجلي، وكانت التقية هي السلاح الفعال الذي استند إليه أتباع الأئمة عليه السلام للبقاء على قيد الحياة من جهة، وللبقاء على الالتزام بخط ونهج أئمة أهل البيت عليه السلام، وكان المراجع هم العين الساهرة والمصوِّب لمسيرة خط التشيع في زمن الغيبة الكبرى كما هو الحال في زماننا حيث تأخذ المرجعية هذا الدور وتمارسه بكل جدارة واقتدار خصوصاً بعد زوال ما كان يسمى بـ "الخلافة الإسلامية" ونشوء صيغة الدول بمعناها المتعارف في هذا الزمن، حيث لم يعد الحاكم يحكم باسم خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله بل يحكم بصيغ مختلفة من بلد إلى آخر وفق القانون الذي يستند إليه كل شعب مسلم على امتداد عالمنا الإسلامي الكبير.

لقد أتاح هذا العصر للشيعة بالخروج من حالة العزلة والخوف على الدين وعلى النفس، وبدأ الفكر الشيعي بالرواج والظهور شيئاً فشيئاً على يد العلماء الأعلام والمراجع العظام والمفكرين من أتباع مذهب أهل البيت‏ عليهم السلام، حتى كانت الخطوة الأبرز في مسار خط التشيع وهي "انتصار الثورة الإسلامية في إيران" بقيادة الإمام الخميني ‏رحمهم الله وإقامة الدولة الإسلامية بعد طول غياب استمر لقرون طويلة، وبرز الشيعة بعد ذلك كعنصر فاعل في حياة الأمة الإسلامية، وتحققت القفزة الأصعب لإعادة المسلمين إلى الإسلام للتمسك به كبديل عن كل العقائد الفلسفية الوضعية التي صاغتها قوى الاستكبار في الشرق والغرب ليتخلى المسلمون عن إسلامهم لأنه صار جزءاً من التراث الإنساني الذي لم يعد له عمل أو تأثير في مسيرة الحياة الإنسانية في عصر العلم والنور كما يقولون والتقدم العلمي والتكنولوجي والتقني والقفزات النوعية في عالم الاتصال والمواصلات.

وكل ما قام به الشيعة في زمن الغيبة الكبرى هو من باب التمهيد لخروج الإمام الحجة المهدي القائم عليه السلام، وهذا هو التطبيق العملي للحديث الوارد عن المعصومين عليهم السلام بأن "أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج".

والانتظار لا يراد منه المعنى السلبي وهو القعود والتقاعس ومجرد الدعاء والجلوس في المساجد وترك الأمور تجري على طريقة الانحراف من دون مواجهة أو تصدٍّ من الملتزمين نهج المهدي عليه السلام والعاملين والمنتظرين لظهوره المبارك الذي سيكمل جهود كل الذين بذلوا المهج والأرواح وسهروا وتعبوا من أجل أن يبق للحق صوت يدافع عنه وأن تبقى للحق راية مرفوعة تشكل النور ومشعل الهداية لكل الضالين والمنحرفين من أبناء هذه الأمة.

وهذا ما تمكن أتباع الأئمة عليهم السلام تحقيقه من خلال الانجازات الكبيرة التي حصلت في الفترة القريبة كانتصار الثورة الإسلامية في إيران، والمقاومة الإسلامية في لبنان التي أجبرت العدو على الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، وبروز الحركات الإسلامية المجاهدة ضد العدو الصهيوني كحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين ضد العدو الصهيوني الغاصب الذي ما زال يحتل فلسطين ومن ضمنها القدس الشريف قبلة المسلمين الأولى وثالث الحرمين الشريفين ونقطة الانطلاق لمعراج نبينا محمد صلى الله عليه وآله إلى السموات العلى، ونهاية رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المبارك.

ولن يتوقف الجهاد والسعي مع ما تحقق من إنجازات كبيرة في هذا الزمن بل سيبقى أتباع خط أئمة أهل البيت عليهم السلام في مواقع الجهاد والدفاع والتمهيد لخروج القائم ‏عليه السلام ذلك الإمام العظيم الذي يحمل تراث الأنبياء والأئمة عليهم السلام والمؤتمن على التراث الإلهي، لينشره بعد ظهوره في كل أرجاء المعمورة، وليملأ الدنيا عدلاً وقسطاً بعد أن يكون قد ملأها الكفار والمنافقون فسقاً وفجوراً، وعندئذ ستكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وسيتحقق في زمن ظهوره المجتمع الإنساني الإلهي العابد، ولتنتهي الدنيا والحياة الإنسانية على الصورة المثالية التي أرادها الله للحياة البشرية أن تتحقق في كل زمن وكل مكان منذ أن خلق الله الإنسان ليكون خليفته في الأرض ويقوم بالوظيفة التي ائتمنه الله عليها، لكنه لم يستطع في أغلب مراحل التاريخ من الحفاظ عليها وتخلى عنها لأسباب عديدة يجمعها حديث رسول الله‏ صلى الله عليه وآله: "حب الدنيا رأس كل خطيئة".

ومن هنا نعتبر أن إقامة مجالس أبي عبد الله الحسين عليه السلام في موسم عاشوراء، كما في العديد من مناسباتنا الدينية أو الاجتماعية هي نوع من أنواع التمهيد للتذكير دائماً بمظلومية الحسين عليه السلام، وللتذكير الدائم بأن هناك إماماً منتظراً الإشارة للخروج للأخذ بثأر الحسين عليه السلام من كل الظالمين في عصره لأنهم الاستمرار المتولد من خط الانحراف والفساد الذي سوف يمحقه الإمام المهدي عليه السلام بعد خروجه، ولينتقم لدماء كل الشهداء الأبرار الذين استشهدوا في سبيل إحقاق الحق وإزهاق الباطل.

ولهذا فإن الاستمرار في إقامة مجالس العزاء هو التعبير العملي عن أن الهدف الذي حمله الحسين عليه السلام وهو "الإصلاح" مازال غير متحقق في كل أرجاء المعمورة، وأن على المؤمنين والتابعين لخط الحسين والمهدي‏ عليه السلام أن يعملوا بكل طاقتهم وقوتهم من أجل تقريب الخروج من خلال الانجازات الإيجابية كالتي تحققت في الفترة الأخيرة، لأنها تعطي الأمل الكبير بتحقيق الشعار الحسيني الخالد وهو "الإصلاح"، الذي وإن لم نحققه كاملاً بجهودنا فهو سوف يتحقق بالكامل في زمن المهدي عليه السلام بعد خروجه وظهوره المبارك.

ومن هنا يقول السيد القائد في هذا المجال: "إن انطلاق مواكب العزاء على سيد الشهداء عليه السلام وأصحابه والمشاركة في أمثال هذه المراسم الدينية أمر حسن جداً ومطلوب، بل هو من أعظم القربات إلى الله عزّ وجلّ...".

ويقول في مقطع من نص آخر وارد عنه: "... ينبغي أن تكون إقامة مراسم العزاء بنفس الكيفية المتعارفة والتي كانت متداولة منذ الزمن القديم".

وكذلك يؤكد على مشاركة المرأة ويقول: "لا مانع من مشاركة النساء في مجالس العزاء وفي مواكب التعزية...".

ومن كلماته الرائعة في هذا المجال في ذكرى رحيل الإمام الخميني المقدس يقول: "... وعلى إخوتنا وأخواتنا في أنحاء العالم أن يستفيدوا من هذه المراسم السنوية، وأن يستغلوا هذه الفرصة لكي يراجعوا تعاليم الإمام الخميني ويتذكروها ويحفظوها، وأن يجعلوها منهجاً لعملهم، وإذا ما تحقق ذلك فإن القلب المقدس لولي العصر (أرواحنا فداه) سوف يكون راضياً بإذن الله، وسوف تنزل البركات الإلهية عليكم...".

ويقول السيد القائد الإمام الخامنئي (دام ظله): "إن من الواجب أن نبين وندرك نهضة الإمام الخميني انطلاقاً من الشعور بأنها امتداد لنهضة عاشوراء لكي لا ينخفض الإقبال على طريق الثورة ولا تضيع في غمرة الأحداث والتحولات المختلفة طيلة التاريخ".

ويقول كذلك: "وقد استفاد الإمام الخميني رحمه الله من مراسم عاشوراء الحد الأقصى من الاستفادة من أجل دفع حركة الثورة في مراحلها المختلفة إلى الأمام، وتحركات وخطب إمامنا العظيم تشير بوضوح إلى أن طبيعة حركته هي نفس طبيعة الحركة الحسينية، ومن هنا علينا أن ننظر إلى نهضة الإمام الخميني".

وكما يؤكد الإمام القائد الخامنئي (دام ظله) على الجوانب الإيجابية لمجالس العزاء الحسيني يؤكد في الوقت نفسه على الابتعاد عن الجوانب السلبية المعيقة لحركة التقدم من خلال ما قد تفرزه من نفور واشمئزاز في نفوس الكثير من المستضعفين المظلومين، ولهذا يقول عن التطبير: "التطبير مضافاً إلى أنه لا يعد عرفاً من مظاهر الحزن والأسى وليس له سابقة في عصر الأئمة عليهم السلام وما والاه ولم يرد فيه تأييد من المعصوم عليه السلام بشكل عام أو خاص، يُعدُّ في الوقت الراهن وَهْناً وشيناً على المذهب فلا يجوز بحال".

ويقول في كلام آخر: "لا وجاهة شرعاً لمثل بعض الأعمال التي توجب وهن المذهب في نظر الناس مثل إيجاد ثقب في لحم البدن أو تعليق معايير الأوزان للتعبير عن الحزن والعزاء على الإمام الحسين عليه السلام".

ويجيب عن سؤال حول التطبير والمشي حفياً على النار أو الجمر مما يسبب أضراراً جسدية ونفسية ويقول: "ما يوجب ضرراً على الإنسان من الأمور المذكورة أو يوجب وَهْن المذهب والدين فهو حرام يجب على المؤمنين الاجتناب عنه، ولا يخفى ما في كثير من تلك المذكورات من سوء السمعة والتوهين عند الناس لمذهب أهل البيت عليهم السلام وهذا من أكبر الضرر وأعظم الخسارة".

من هنا نفهم أن إقامة مجالس العزاء هي القاسم المشترك بين الأقسام الثلاثة للمرحلة الفاصلة بين الثورة الحسينية وبين نهضة المهدي عليه السلام التي ستتحقق قطعاً ويقيناً، وعلينا أن نعمل على توسيع رقعة الأعمال الإيجابية والابتعاد عن الأعمال السلبية، وبهذا نكون من العاملين بصدق وإخلاص في مرحلة الانتظار للخروج المبارك، وهذا ما يؤكد عليه السيد القائد الإمام الخامنئي (دام ظله) كما كان يؤكد الإمام الخميني رحمه الله بأن "كل ما لدينا هو من عاشوراء ومن ثورة الإمام الحسين عليه السلام" التي تدفعنا للعمل بكل قوة وثقة وتوكل على الله عزّ وجلّ لتعجيل الظهور وإنقاذ الإنسانية المعذبة من كل آلامها وأحزانها.

**************

مع الامام القائد: الأبعاد المعنوية في شخصية الإمام الحسين (ع)

2007-08-18

"إن من جملة عشرات بل مئات الخصائص التي تنفرد بها الأمة الإسلامية بفضل القرآن والإسلام وأهل البيت، هي أن لهذه الأمة قدوات كبيرة ومشرقة نصب عينيها. وللقدوات أهميتها في حياة الشعوب: فإذا ما وجد لدى أمة شخصية فيها نفحة عظمة، فإن تلك الأمة لا تنفك عن تمجيد تلك الشخصية والتغني بها وتخليد اسمها، من أجل توجيه المسار العام لحركة تلك الأمة في الاتجاه المتوخى لها. وقد لا يكون هناك في الواقع أي وجود حقيقي لمثل هذه الشخصية، وإنما تُستقى من شخصية خيالية مطروحة في القصص والأشعار والأساطير الشعبية: وهذا كله نابع من حاجة الأمة لرؤية قدوات كبار أمام عينيها من أبنائها. وهذه الظاهرة موجودة في الإسلام على نحو وافر ومنقطع النظير. ومن جملة أكابر تلك القدوات هي شخصية أبي عبد الله عليه السلام إمام المسلمين وسبط الرسول، والشهيد الكبير في تاريخ الإنسانية".

إن لشخصية أبي عبد الله عليه السلام أبعاداً شتَّى يستلزم كل واحد منها بياناً وتوضيحاً شاملاً.

أشير هاهنا إلى أن من جملتها "الإخلاص". والإخلاص معناه الالتزام بالواجب الإلهي وعدم إدخال المصالح الذاتية والفئوية والدوافع المادية فيه.

والبعد الآخر هو الثقة بالله، إذ أن ظواهر الأمور كانت تقضي بأن تلك الشعلة ستخفت في صحراء كربلاء. ولكن كيف يرى ذلك الفرزدق الشاعر، في حين لم يكن يراه الحسين عليه السلام؟! وكيف يراه الناصحون القادمون من الكوفة، ولا يراه الحسين بن علي الذي كان عين الله؟! لقد كانت ظواهر الأمور توحي بهذا المال. إلاَّ أن الثقة بالله كانت توجب عليه اليقين رغم كل هذه الظواهر بأن الغلبة ستكون لكلامه الصدق ولموقفه الحق. وجوهر القضية هو أن تتحقق نيَّة المرء وغايته. والإنسان المخلص لا تهمه ذاته فيما إذا تحققت الغاية التي يرمي إليها.

رأيت ذات مرة أحد أكابر أهل السلوك والمعرفة كتب في رسالة: إننا إذا افترضنا على سبيل المحال أن كل الأعمال التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يطمح إلى تحقيقها قد تحققت، ولكن باسم شخص آخر، فهل كان ذلك يغيظ رسول الله صلى الله عليه وآله؟ وهل كان قد يقف منها موقفاً سلبياً ما دامت باسم شخص آخر، أو أنه يقف منها موقفاً إيجابياً بدون الالتفات إلى الاسم الذي تتحقق على يده؟ إذاً، فالغاية هي المهمة، والإنسان المخلص لا يأبه كثيراً بالشخص وبالذات وبالأنا. باعتباره إنساناً مخلصاً وله ثقة بالله، وموقناً بأن الباري تعالى سيحقق هذا الهدف؛ لأنه تعالى قال: {إن جندنا لهم الغالبون}، فالكثير من الجنود الغالبين يخرُّون صرعى في ميادين الجهاد، إلاَّ أنه تعالى قال في الوقت ذاته: {إن جندنا لهم الغالبون}.

أما البعد الثالث فهو إدراك الموقف، وعدم الوقوع في الخطأ في اتخاذه. فقد كان الإمام الحسين عليه السلام متصدياً لزمام المسؤولية والإمامة مدة عشر سنوات. مارس خلالها نشاطات أخرى ليست من طراز الفعل الاستشهادي في كربلاء. ولكن بمجرد أن سنحت له الفرصة للإتيان بعمل كبير استغلّ‏َ تلك الفرصة ووثب وتمسَّك بها، ولم يدعها تفلت من بين يديه".

 

الشهادة والعرفان‏

لشخصية الإمام الحسين عليه السلام الألمعية والباهرة، بعدان آخران: بُعد الجهاد والشهادة والإعصار الذي أحدثه على مدى التاريخ، وسيبقى هذا الإعصار على ما يتَّسم به من بركات مدوياً على مدى الدهر، وأنتم مطَّلعون على هذا البعد الأول. أما البعد الآخر فهو بعد معنوي وعرفاني، ويتجلَّى هذا البعد في دعاء بشكل واضح وعجيب. وقلَّما يوجد لدينا دعاء يحمل هذه اللوعة والحرقة والانسياق المنتظم في التوسُّل إلى الله والابتهال إليه بالفناء فيه، إنه حقاً دعاء عظيم".

"ثمَّة دعاء آخر ليوم عرفة ورد في الصحيفة السجادية عن نجل هذا الإمام العظيم، كنت في وقت أقارن بين هذين الدعاءين. فكنت أقرأ أولاً دعاء الإمام الحسين، وأقرأ من بعده الدعاء الوارد في الصحيفة السجادية، وقد تبادر إلى ذهني مرات عديدة أن دعاء الإمام السجاد عليه السلام يبدو وكأنه شرح لدعاء يوم عرفة. فالأول أي دعاء الحسين عليه السلام في يوم عرفة هو المتن والثاني شرح له، وذاك أصل وهذا فرع، دعاء عرفة دعاء مذهل حقاً. وفي خطابه عليه السلام الذي ألقاه على مسامع كبار شخصيات عصره وأكابر المسلمين التابعين في منى تجدون نفس تلك النغمة والنفس الحسيني المشهود في دعاء عرفة. ويبدو أن خطابه ذلك كان في تلك السنة الأخيرة، أو ربما في سنة أخرى غيرها. لا استحضر ذلك حالياً في ذهني لكنه مسطور في كتب التاريخ والحديث".

إن نظرنا إلى واقعة عاشوراء وأحداث كربلاء، فمع أنها ساحة قتال وسيف وقتل، لكنكم ترون الحسين عليه السلام يتكلم ويتعامل بلسان الحب والرضا والعرفان مع الله تعالى، آخر المعركة حيث وضع خده المبارك على تراب كربلاء اللاهبة، تراه يقول: "إلهي رضاً بقضائك وتسليماً لأمرك"، وكذا حين خروجه من مكة يقول: "من كان باذلاً فينا مهجته وموطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا". كل قضية كربلاء ترون فيها وجه العرفان والتضرُّع والابتهال. اقترن خروجه ذاك بالتوسل والمناجاة وأمنية لقاء الله، وبدأ بذلك الاندفاع المعنوي المشهور في دعاء عرفة، إلى أن انتهى به المطاف في اللحظة الأخيرة، إلى حفرة المنحر حيث قال: "ورضا بقضائك".

معنى هذا أن واقعة عاشوراء تعدّ بحد ذاتها واقعة عرفانية. ومع أنها امتزجت بالقتال والقتل والشهادة والملحمة، وملحمة عاشوراء صفحة رائعة بشكل يفوق التصور، ولكن إن نظرتم إلى عمق نسيج هذه الواقعة الملحميَّة لرأيتم معالم العرفان، والمعنوية، والتضرع، وجوهرية دعاء عرفة. إذاً فهذا هو البعد الآخر في شخصية الإمام الحسين عليه السلام، وهو ما ينبغي أن يكون موضع اهتمام إلى جانب البعد الأول المتمثل بالجهاد والشهادة".

"القضية التي أروم الإشارة إليها هي أنه يمكن القول قطعاً إن هذا الاندفاع المعنوي، والعرفان، والابتهال إلى الله والفناء فيه، وعدم رؤية الذات أمام إرادته المقدَّسة هو الذي أضفى على واقعة كربلاء هذا الجلال والعظمة والخلود؛ أو بعبارة أخرى إن البعد الأول أي بعد الجهاد والشهادة جاء كحصيلة ونتاج للبعد الثاني، أي نفس تلك الروح العرفانية والمعنوية التي يفتقد إليها الكثير من المؤمنين ممن يجاهدون وينالون الشهادة بكل ما لها من كرامة. نفس تلك الروح العرفانية والمعنوية تجدها في شهادة أخرى نابعة من روح الإيمان، ومنبثقة من قلب يتحرق شوقاً، وصادرة عن روح متلهفة للقاء الله، ومستغرقة في ذات الله. هذا اللون الآخر من المجاهدة له طعم ونكهة أخرى، ويضفي أثراً آخر على التكوين.

نحن شهدنا في فترة الحرب نفحات من تلك النسمة المقدسة، ولم يكن ما سمعتموه من تأكيدات سماحة الإمام الخميني قدس سره على قراءة وصايا الشهداء وصايا صرفة لا يبغي شيئاً وراءها حسب ظني فهو نفسه كان قد قرأ تلك الوصايا، وأثَّرت في قلبه المبارك تلك الجمرات المتلظية. فرغب في أن لا يحرم الآخرين من هذه الفائدة، كما إنني والحمد لله كنت طوال فترة الحرب وما بعدها وحتى يومنا هذا أستأنس بقراءة هذه الوصايا؛ ولاحظت كيف أن بعضها نابعٌ من أعماق روح العرفان.

فالمرحلة التي يبلغها العارف والسالك على مدى ثلاثين أو أربعين سنة يتعبد ويرتاض، ويواصل الدراسة على يد الأساتذة، ويكثر من البكاء والتضرع ويكابد المشاق لأجلها، يستطيع أن ينالها شاب في مدة عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً أو عشرين يوماً في الجبهة. أي منذ اللحظة التي يتوجه فيها ذلك الشاب إلى الجبهة بأي دافع كان مع وجود الدافع الديني الممتزج بحماس الشباب، ثم يتحول ذلك الاندفاع لديه بالتدريج إلى عزم على التضحية والجود بكل وجوده، ويسطر ذكرياته أو وصيته، وهو من تلك اللحظات وحتى لحظة استشهاده يزداد تحمساً وشوقاً، ويصبح سيره أسرع وقربه أدنى، إلى أن تأتي الأيام الأخيرة وتحلّ الساعات واللحظات الأخيرة، فإن يكن قد بقي منه شي‏ء حينذاك فهو كجمرة تتلظى، تلهب قلوب من يقرؤون تلك الوصايا".

**************

دروس من نهضة الإمام الحسين (ع)

2007-08-18

في أقوال الإمام الخميني (قده)

"لقد ضحى شعبنا بأرواح أبنائه من الأطفال الخُدج وحتى الشيوخ في سبيل الله تبارك وتعالى، اقتداءً بسيد الشهداء (سلام الله عليه)".

"لقد علّم سيد الشهداء عليه السلام الجميع ماذا ينبغي عليهم فعله في مقابل الظلم والحكومات الجائرة. فرغم أنه كان يعلم منذ البداية أن عليه أن يضحي في طريقه الذي سلكه بجميع أنصاره وأهل بيته من أجل الإسلام، إلاّ أنه كان يعرف عاقبة هذا الطريق أيضاً".

"ولولا نهضة الحسين عليه السلام تلك لتمكن يزيد وأتباعه من عرض الإسلام مقلوباً للناس، فهم لم يكونوا يؤمنون بالإسلام منذ البداية، وكانوا يكنون الحسد والحقد لأولياء الإسلام".

"لقد تمكن سيد الشهداء عليه السلام من خلال تضحيته تلك وعلاوة على الحاق الهزيمة بهم، وبعد زعزعة أركان حكومتهم أن أدرك الناس بعد برهة حقيقة المصيبة العظمى التي حلت بهم ارشاد الجميع على مرّ التأريخ إلى الطريق الصائب الذي ينبغي أن يسلكوه".

"لقد علم عليه السلام الناس أن لا يخشوا قلة العدد، فالعدد ليس هو الأساس، بل الأصل والمهم هو النوعية، والمهم هو كيفية التصدي للأعداء والنضال ضدهم والمقاومة بوجههم، فهذا هو الموصل إلى الهدف. من الممكن أن يكون عدد الأفراد كبيراً إلاّ أنّ نوعياتهم ليست بالمستوى المطلوب، ومن الممكن أن يكون عددهم قليلاً لكنهم أقوياء أشداء وشامخو الرؤوس".

"فنفس القيمة التي تمتلكها تضحية الحسين عليه السلام عند الله تبارك وتعالى، ونفس الدور الذي لعبته في تأجيج نهضته تملكها أو تقاربها خطب السجاد عليه السلام وزينب أيضاً... فتأثيرها يعادل أو يقرب من تأثير تضحية الحسين عليه السلام بدمه".

"لقد أفهمنا سيد الشهداء عليه السلام وأهل بيته وأصحابه، أنّ على النساء والرجال ألا يخافوا في مواجهة حكومة الجور. فقد وقفت زينب في مقابل يزيد وفي مجلسه وصرخت بوجهه وأهانته وأشبعته تحقيراً لم يتعرض له جميع بني أُمية طُراً في حياتهم. كما أنها عليها السلام والسجاد عليه السلام تحدثا وخطبا في الناس أثناء الطريق وفي الكوفة والشام، فقد ارتقى الإمام السجاد سلام الله عليه المنبر وأوضح حقيقة القضية وأكد أن الأمر ليس قياماً لاتباع الباطل بوجه أتباع الحق، وأشار إلى أن الأعداء قد شوهوا سمعتهم وحاولوا أن يتهموا الحسين عليه السلام بالخروج على الحكومة القائمة وعلى خليفة رسول الله!! لقد أعلن الإمام السجاد عليه السلام الحقيقة بصراحة على رؤوس الأشهاد، وهكذا فعلت زينب أيضاً".

"وهكذا هو الأمر اليوم في بلدنا، فسيد الشهداء عليه السلام قد حدد تكليفنا، فلا تخشوا من قلة العدد ولا من الاستشهاد في ميدان الحرب، فكلما عظم هدف الإنسان وسمت غايته كان عليه أن يتحمل المشاق أكثر بنفس النسبة، فنحن لم ندرك بعدُ جيداً حجم الانتصار الذي حققناه، وسيدرك العالم فيما بعد عظمة النصر الذي حققه الشعب الإيراني".

"وبنفس العظمة التي يتميز بها هذا النصر والجهاد يكون حجم المصائب والتحديات. وينبغي أن لا نتوقع أن لا تمسنا القوى الكبرى التي قطعنا أيديها عن بلدنا وسنقطعها إن شاء الله عن باقي دول المنطقة بأي سوء أو أذى، وعلينا أن لا نتوقع بعد تحقيقنا لهذه الانتصارات أن نبقى نرفل بالسلامة كما كنا في السابق".

"لقد هيأ سيد المظلومين عليه السلام للجماهير وسيلة مكنتها من عقد اجتماعاتها بسهولة ودون الحاجة إلى بذل جهود كبرى. والإسلام جعل من المساجد خنادق ووسائل، لأن هذه المساجد والتجمعات وصلوات الجمعة والجماعة هيأت جميع ما يراد لتحقيق ما فيه مصلحة الإسلام وتقدم النهضة إلى الأمام، وخصوصاً مما تعلمناه من سيد الشهداءعليه السلام مما ينبغي عمله في ساحة الحرب وخارجها، وماذا يجب أن يعمله أولئك الذين يخوضون غمار الكفاح المسلح، وما هي واجبات المبلغين خلف جبهات القتال وكيف يقومون بذلك".

"لقد تعلمنا من الحسين عليه السلام كيفية النضال والجهاد وكيفية المواجهة بين قلة من الناس وكثرة كاثرة، وكيفية الوقوف بوجه حكومة تعسفية جائرة تسيطر على كل مكان، كيف نقوم بذلك بعدد قليل... هذه أمور علمها سيد الشهداء عليه السلام لأبناء شعبنا. كما أن نجله الإمام السجاد عليه السلام وسائر أهل بيته عليهم السلام علمونا ماذا ينبغي عمله بعد وقوع المصيبة، هل ينبغي الاستسلام؟ هل يجب التخفيف والتقليل من النضال والجهاد؟ أم علينا أن نقتدي بزينب التي حلّ بها مصاب تصغر عنده المصائب؛ فوقفت بوجه الكفر والزندقة وتكلمت وخطبت كلما تطلّب الموقف وأوضحت الحقائق، تماماً كما مارس الإمام علي بن الحسين عليه السلام دوره التبليغي رغم الذي كان يعاني منه".

"إنكم مكلفون بحفظ هذه النعمة الإلهية وهذه المنحة الربانية، مطالبون بشكر الله عليها، والشكر إنما يتحقق بممارسة التبليغ. بينوا للناس وأفهموهم ما فعله سيد الشهداء عليه السلام وما كان يريد تحقيقه والطريق الذي سلكه والنصر الذي تحقق له وللإسلام بعد شهادته، وضّحوا لهم أن ما فعله سيد الشهداء عليه السلام هو الجهاد من أجل الإسلام، وأنه كان يعلم أنه لن يتمكن بما تهيأ له من عدد قليل يقل عن المئة شخص من التغلب على ذلك النظام الظالم الذي يملك كل شي‏ء".

"إن عليكم أن تدركوا مثلما نهض الحسين عليه السلام وثار بوجه كل تلك الأعداد المدججة بالسلاح حتى استشهد، فعلينا نحن أيضاً أن نثور وأن نوطن أنفسنا للشهادة ونحن مستعدون لذلك".

**************

سينما هوليود تعجز عن تمثيل دور الإمام علي (عليه السلام)

2007-08-18

منتديات البحرين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة والسلام على أشرف الخلقِ وخاتم الأنبياءِ والمرسلين، سيدنا وحبيب قلوبنا أبو القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

ما إن تطرح سينما هوليود أفلامها الإستعراضية في صالات العرض، حتى تكتظ طوابير المشاهدين عند شبابيك التذاكر، وذلك لهفةً منهم لمشاهد فلم الإثارة الخيالي. فلعل أكثرنا قد تعلق قلبه بشخصيات تمثيلية لعبت دور البطولة في أفلامها، ولكن هل عشقنا نحن الممثلين أنفسهم ؟، فشخصية رامبوا مثلاً لاقت صدىً كبيراً في أوساط المراهقين، فقد عُجبنا بعضلاته المفتولة التي تمكن بها من أن يصرع الظلم، ولكننا كمسلمين لا نود سلفستر ستالون صاحب الدور نفسه، لأنه رجل فاسق ليس من ملتنا وهو مكبوب على وجهه في النار، قال تعالى: {ومَن يَبْتَغ غَيرَ الإسلام دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وهُوَ فى الاَخِرَةِ مِنَ الْخَسِرِينَ }، (85) من سورة آل عمران.

فمثلما يتتبع المشاهدون الفلم السينمائي المملوء بالإثارة في صالات العرض أمام شاشة السينما، حيث يُعرض فيه البطل الهمام وهو يتمكن من مواجهة المواقف الحرجة والصعبة بشجاعة عالية، كان حيينها الأدباء والكتاب والشعراء الغير مسلمين، الذين كتبوا في حق أمير المؤمنين موادهم الأدبية من دراسات وبحوث ومقالات وشعر وغبرها، يتفرجوا على فلم تاريخي عبر شاشة صفحات التاريخ لحياة مملوءة بالعناء قهرها البطل علي ابن أبي طالب، فجذبت أقلامهم أسطورة شجاعة ذلك الفتى الذي لم يتجاوز سن المراهقة وقد صرع فارس الجزيرة العربية عمرو بن عبد وِد العامري، وكيف بهذا القائد الذي فتك باليهود في حصنهم المنيع خيبر فقلع بابه الذي عجز الأربع والأربعين رجلاً من أن يزحزحوه، كما أعجبوا بقدرة ذلك العربي إبن أبي طالب الذي فاق أدبه الراقي وبلاغته المتناهية فصاحة أبلغ العرب عبر نتاجه الأدبي الثري الذي تركه. لقد سؤل الكاتب اللبناني المسيحي جورج جرداق صاحب سلسلة مجلدات تهتم بدراسة شخصية الإمام علي عليه السلام، في مقابلة أجريت معه في مارس 1998م في القسم العربي من الإذاعة البريطانية، عن عدم إعتناقه للإسلام بعد، مادام مقتنع من لشخصية الإمام علي ويكن له كل هذا الإحترام والتقدير ؟، فأجاب قائلاً : " لم أكتب عن علي من وازع ديني، فالكاتب المسلم حينما يكتب في علي سوف تعتريه العاطفة حتماً، لكني كوني مسيحياً كتبت عنه عن حقيقة لمستها عندما كنت أسلط الضوء على حياة العرب في عصر الدولة الإسلامية، فما إن بحثت عن أشجعهم وجدت مواقف علي الأقوى والأكثر وعندما تطرقت للأدب العربي في تلك الحقبة أي ما بعد العصر الجاهلي بدت بلاغة الإمام في خطبه المجمعة في كتاب نهج البلاغة تفوق فصاحة العرب في كل عصورهم، ثم تتبعت حكمه النزيه الراشد في حل القضايا المعقدة وقد برز الإمام راعٍ لحقوق الإنسان في عصره كحاكم..". كان الإعجاب حافزاً ليكتبوا في حقه الإمام لا أكثر، فبرغم من مجلدات الكاتب جورج جرداق التي تناولت دراسة حياة مفصلة عن الإمام علي (عليه السلام)، إلا أنه لم يتطرق للكتابة حول ورع الإمام وعلاقته بالله عزّ وجلّ، لقد أحب الكاتب المسيحي شخصية علي ابن أبي طالب المقاتل الجسور والأديب البليغ والحاكم النزيه دون أن يحب علي إبن أبي طالب الإمام الذي خصه البارئ عزّ وجلّ بمنزلة قدسية عالية فجعله خليفته في الأرض من بعد خاتم أنبيائه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

إن شيعة علي الذين يختلفون عن هؤلاء الكتاب الغير المسلمين في معرفته للإمام المعرفة الصحيحة، فهم جعلوا من الإعجاب بالشخصية إيماناً بها، فإن شجاعة الإمام ما كانت إلا جهاد في سبيل الله عزّ وجلّ، فهو الذي تريث في نحر عمرو بن عبد ود العامري في معركة الخندق عندما بصق في وجهه وشتمه، فصار الإمام يدور حوله مراراً وذلك لكي ينفذ الغضب الشخصي الذي تسبب فيه خصمه لشتمه إياه، وذلك حتى لا يقتله من دافع سب علي بل ليكون من دافع رفع راية الإسلام، فقتله لله عزّ وجلّ.

ما إن يلمع إسم أحد الممثلين أو الرياضيين أو الإعلاميين حتى تتهافت عليهم عروض الدعايات لتسويق البضائع والمستلزمات التجارية، وذلك لإدارك المسوقين التام في أن الجمهور يحب أن يقلد من يحب من المشاهير في كل شئ، حيث أنهم يتخذونهم أمثلة عليا لهم، مع أن هؤلاء ما هم إلا شخصيات إستهلاكية توجههم نحو المصلحة الخاصة بهم، حيث أن هدف المسوق تسويق البضاعة لكي تجني عليه بعائد بريع كبير. فلماذا لا يكون أمير المؤمنين (عليه السلام) هو القدوة الحسنة والمثل الأعلى الفعلي لنا كمسلمين، فالإمام سوق لنا الإسلام عبر سيرته الذاتية، وكانت مصلحته هداية البشرية بالمنهج الإسلامي القويم. فعلي أكبر شئناً من أن يكون لوحة مبروزة معلقة على جدران المساجد والمأتم الحسينية، وهو أيضاً أمراً يفوق أن يكون هتافاً تبح به حناجر المعزين في مواكب العزاء، إن إستيعاب مفهوم الإمام علي (عليه السلام) يتطلب منا مجهوداً عملياً وفكرياً نتوجه به نحو طاعة الله عزّ وجلّ والتشبع بتقواه، وهنالك إلتفاته جديرة بالذكر في هذا الصدد قرأتها في كتاب ( الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) قدوة وأسوة) للكاتب سماحة المرجع آية الله السيد محمد تقي المدرسي حفظه الله، [إذ تتجسد هذه الصلة في إنسان كامل لا يختلف في بشريته عن غيره، إلاّ انه حجة اللـه، الذي تجلت فيه رسالات الله، وصاغته بشراً كاملاً، ليكون قدوةً وإماماً.ولأن اخترعت البشرية التائهة أبطالاً باسم الجندي المجهول وفي صورة (سوبرمان) وأبطال وهميين، فان يد العناية الإلهية صاغت إنساناً من لحم ودم ولكنه كان رمز كل فضيلة، ودليل كل سمو، وليكون حجة الله على الإنسان لكي لا يبرر تقاعسه عن بلوغ المقام المحمود بضعفه البشري].

لو أن سينما هوليود الأمريكية إجتهدت في صناعة فلم يدور حول قصة حياة الإمام علي عليه السلام، فكم يا ترى سوف يستغرق مدة تصويره ؟، وكم سوف سيكون عائد ريع الفلم ؟، بالتأكيد تجنباً لعدم إمتعاض المشاهد وسرعة ممله سوف لن يطول مدة الفلم عن الساعتين، ولكن من خلال هذتين الساعتين سوف يجني المنتج أرباحاً عالية، حيث أن أمير المؤمنين جسد الإسلام الحق وكان القرآن الناطق والصراط المستقيم طيلة أكثر من ستين سنة فارقها وهو فقير شهيد مع أنه حاكم على بلاد المسلمين التي تقسمت اليوم إلى أكثر من خمسين دولة.

**************

بلسم الجرح الكربلائي

2007-08-18

بقلم: الشيخ أحمد إسماعيل

أنت الشعور كله مولاي يا أبا صالح، أنت إحساسنا وضميرنا، أنت أمل آلامنا وبلسم جراحاتنا أنت منطق السماء وغضبها، ولغة جرح الأرض ونبضه.

مولاي يا صاحب الزمان، يا رمز البشرية، يا عصارة النبوة، يا خلاصة الأولياء.. يا أيها التاريخ كله والنبوة والإمامة، يا أيها العمر كله بعمرك الذي واكب الأحداث والأعاصير والفجائع حتى صرت لغة ثأرها وحكاية قصصها تسردها على أهل السماء وتحكيها بمنطقهم بعد أن رأيتها بأم عين قلبك الحنون قبل رؤى العين، وإن فاجعة الفجائع ورزية الرزايا على احساسات فؤادك المرهفة، هي تلك المصيبة التي جرت على سيد الشهداء الإمام الحسين‏ عليه السلام وأهل بيته وأصحابه وذاك الألم للمصاب الأكبر والتحسر لعدم الاستطاعة والقدرة على النصرة، وإن كلماتك الدامعة وعيونك المملوءة بدم الحسرة قبل الدموع لهي التلهف بحد ذاته على القدر المكتوب الذي عاقك عنه الدهر والدهور حتى استأنست بالموت وتلهفت له من كثرة لوعة المصاب وأنت الزائر لسيد الشهداء يا سيد الرَّجاء في زيارة الناحية المروية عنك مولاي والتي نقرأ بعضاً منها، فنقرأ فيها ألمك وجرحك وتحسرك على الدهر الذي أعاقك عن القيام بدور الجندي في كربلاء والمدافع عن الطّهر كله الذي حملته تلك البقعة الجغرافية على كف السماء لترفع أهله إلى علياء المعشوق عند مليك مقتدر، ذاك الطهر الذي اجتمع عليه الرجس كله، حتى ظن باطل أهل الأرض بأنهم يريدون تطهير الأرض من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فقلت سيدي في زيارتك لغريب كربلاء "فلئن أخرتني عنك الدهور وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً ولمن نصب عليك العداوة مناصباً، فلأندبنك صباحاً ومساءً، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً حسرةً عليك وتأسفاً على ما دهاك وتلهفاً حتى أموت بلوعة المصاب"..

فمع كل جرحك وصبرك يا مولاي نشكو لك همّنا ومصابنا، ومع كل وجعك وجَلَدِك سيدي نقدِّم لك تقريرنا ونبث لك شكوانا، فلقد زاد الهمّ وانتشر الظلم وعمّ الفساد، ومع ذلك كله فأنصارك لا زالوا على الوعد والعهد، وهم معك يذرفون الدموع ويلطمون على الصدور ويوطّنون النفس على القتل والقتال والاستشهاد في سبيل الله، فلقد تنكّرت الدنيا وأهلها لمحبيك ومريديك الذين قطّعت نياط قلوبهم نداءات الحسين في كربلاء، وهي لا تزال ترن في مسامعهم فتسمعها اذان القلوب فتُحدث فيها زلزالاً تعبويا،ً فتفجّر فيها شلالات من دمائهم الطاهرة تحاول بذلك تقديم طلب انتساب لمعهد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء عبر امتزاجها بدم الكربلائيين واستعدادها لأن تُراق بين يدي مولانا ومرتجانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).. فهؤلاء سيدي سيكبر فيهم الأمل كل يوم وإن طال زمان الغيبة، ويعظم فيهم الشوق إلى الاستشهاد كلما ضاقت الأرض بهم، أولست سيدي أمل الاملين وثأر المجروحين ودموع العاشقين لعدالة السماء.

**************

مراسم عاشوراء بين التقليد والتجديد

2007-08-18

بقلم: الشيخ حسن حمادي

عندما نتعرض في البحث عن قضية التقليد أو التجديد في مراسم عاشوراء، فإننا نعبر خضم قضية حساسة وجدية، لا على المستوى الفكري أو النظري فقط، بل على مستوى النتائج والآثار البالغة الأهمية والخطورة والناجمة عن التطبيق العملي لهذا الفكر هنا أو ذاك الفهم هناك. ومنشأ الحساسية هنا أمران: الأول: طبيعة البحث حول مسائل من قبيل الحداثة، التجديد، التقليد والسنن وما يحيط بهذا البحث من تباينات واختلافات في وجهات النظر وفي المفهوم وتطبيقاته ما أدى إلى الخلط الذي أوقع الكثيرين من المثقفين الإسلاميين وغيرهم في متاهات عديدة مسبباً العديد من الانحرافات الفكرية والعملية، وكاشفاً ثغرات حادة في جدار ثقافة الأمة نفذ الاستعمار من خلالها ما شكل مزيداً من الضياع المفاهيمي وكماً من الأبحاث التي لا تستند إلى منطق صحيح.

والثاني هو تعلق بحث التقليد والتجديد بموضوع حساس وهام أي موضوع المراسم العاشورائية وما تختزنه من قيمة وأهمية قصوى على مستوى حفظ الإسلام وصيانة المفاهيم الدينية الرسالية عند المسلمين الشيعة.

لذلك سأبدأ الحديث حول مفهومي التقليد والتجديد والنظرة إليهما بالإطار العام، ثم أعرض بشي‏ء من الايجاز انطباقهما على مراسم عاشوراء وذلك من وجهة النظر التي نعتقد أنها تعبر عن الإسلام المحمدي الأصيل.

التقليد يعني الحفاظ على تقاليد وعادات أو عقائد وأفكار الأقوام السالفين والاعتقاد أو العمل بمقتضاها بالنسبة للأجيال الحاضرة.

التجديد يعني إدخال التعديلات على تلك العادات أو الأفكار والعقائد أو حتى استبدالها بعادات وعقائد جديدة ومختلفة بالكامل.

إن من الخطأ الفادح ما ذهب إليه بعض الناس من التقليديين والتجديديين لجهة سلوكهم منهجاً تقليدياً أو تجديدياً على طول الخط وفي جميع المسائل والمواضيع والقضايا الفكرية، من غير النظر إلى كل فكرة أو قضية على حدة وما يلائمها من منهج تقليدي أو تجديدي أو الجمع بينهما. فلا التقليد في كل المسائل والأمور صحيح، ولا التجديد هو كذلك أيضاً، إذ يمكن في مورد معين أن يكون التقليد واتباع سنن الأولين صحيحاً وموافقاً للمصلحة والهدف، ويمكن أن لا يكون كذلك في مورد آخر، وكذلك التجديد.

ومن المتفق عليه بين العقلاء أن التقليد في العقيدة والفكر ليس أمراً صحيحاً على الاطلاق بينما هو في الأخلاق واكتساب العادات الحسنة أمر مستحسن ومطلوب، وقد يكون التقليد في الأساليب والوسائل ضرورياً في زمن ما ومستهجناً وقبيحاً في زمن آخر. فقبل ابتكار وسائل مريحة في الصناعة أو الزراعة يعدُّ تقليد القدماء في أساليبهم ضرورياً، أما مع وجود وسائل الانتاج المتطورة يعدُّ تقليد السلف أمراً قبيحاً وتخلفاً وبعداً عن المنطق الإنساني. فالمدار إذاً بين التقليد أو التجديد يجب أن يدور مدار المصالح والأهداف والمنطق السليم ومطابقة الأساليب أو الأفكار التقليدية أو الجديدة لتلك المصالح والأهداف وذلك المنطق أو عدم مطابقتها ليس إلا.

ومن هنا ندخل للبحث باختصار شديد عن التقليد والتجديد في مراسم عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام، من أجل تحديد المطلوب في هذا العصر، أهو اتباع المراسم العاشورائية التقليدية أم استبدالها بأخرى جديدة؟!.

كمقدمة يجب أولاً تحديد الهدف الأساس من إقامة مراسم عاشوراء، لأن تحديد الهدف يعدُّ هنا ضرورة لابد منها لاستبيان النتيجة التي نرمي إليها. ويمكن القول بايجاز شديد إن الهدف من إقامة مراسم عاشوراء هو ربط المسلمين على المستويين العاطفي والعقلي (الاعتقادي) بشخصية الإمام الحسين عليه السلام لكي يتحول هؤلاء الاتباع المخلصين إلى نماذج سائرة على خطى متبوعهم فيما سار عليه من رفض للظلم وسعي لإقرار العدل الإلهي في هذا العالم.

وهنا أؤكد على عبارة الربط على المستويين العاطفي والعقلي معاً، إذ إن الارتباط بالهدف على المستوى العقلي فقط ومن غير تفاعل عاطفي متناسب لا يمكن أن يولد إيماناً يحرك الإنسان تجاه القيام بالواجبات وبالأخص تلك المكلفة منها والتي تستلزم بذل الجهد وتقديم التضحيات. فالمطلوب إذاً إقامة المراسم التي تحقق الغرضين معاً المحبة في القلب والقناعة في العقل. ونحن إذا ما أجلنا النظر سريعاً في تفاصيل المراسم العاشورائية التقليدية والمتبعة حالياً، نجد أن بعضها يغذي الجانب العاطفي والآخر يغذي الجانب العقلي (الاعتقادي). طبعاً إلى جنب ذلك يوجد أيضاً بعض الشوائب التي لا تؤدي إلى أيّ‏ٍ من هذين الغرضين بل تضعفهما معاً كالتطبير أو سرد بعض القضايا غير الواقعية أو غير المنطقية، فإن أمثال هذه التصرفات والشوائب يجب تجنبها وتخليص المراسم التقليدية المباركة منها.

أما فيما يغذي الجانب العاطفي فنجد أن البكاء والتباكي على سيد الشهداء عليه السلام يعدُّ العنصر الأبرز والعامل الأساس في تثوير العواطف الصادقة ودفع الشخص المتأثر إلى حد البكاء للتفاعل مع شخصيات أبطال كربلاء وروحياتهم وعقائدهم إلى درجة يصل معها إلى حالة الاستعداد التام للتضحية في سبيل الحق كما ضحى هؤلاء الأبطال، ومن الصعب جداً أن يصل إنسان ما إلى هذه الحالة من الاتباع الصادق والاستعداد الدائم للتضحية في سبيل الله من غير هكذا تأثر وتفاعل عاطفي يكون البكاء تعبيراً صادقاً عنه. وهنا ينبغي الإشارة إلى أن تأكيدات الأئمة الأطهار عليهم السلام حول البكاء على الحسين عليه السلام وما وعد الله تعالى من الأجر على ذلك، ليس بهدف حصول الأجر والثواب للباكين رغم حصوله قهراً، بل هو بقصد تحصيل حالة الاتباع الصادق للإسلام ورواده والتوحد خلف الحق والدفاع عنه بالغالي والنفيس، وفي هذا المجال يقول الإمام الخميني المقدس: "القضية ليست قضية بكاء فحسب، إنما هي قضية سياسية، فأئمتنا عليهم السلام يريدون وعبر عمق رؤيتهم الإلهية أن يوحدوا صفوف الشعب ويعبئوه بالطرق المختلفة كي يصان من الأذى"(1) ويقول أيضاً: "وأساساً ما حاجة سيد الشهداء عليه السلام إلى البكاء؟! إن تأكيد الأئمة عليهم السلام على أن تقام التجمعات والبكاء إنما يستند إلى ما لذلك من شأن في حفظ كيان الدين وصيانة المذهب"(2).

فالبكاء إذاً ليس وسيلة لاكتساب الأجر والثواب رغم حصولهما بذلك بل من أجل حفظ الإسلام عبر بناء نماذج مسلمة ومؤمنة تقدم أنفسها على نفس الطريق الذي سلكه سيد الشهداء حفظاً للإسلام وصوناً للدين.

وهكذا فإلى جنب البكاء نجد العديد من الأنشطة في ضمن المراسم العاشورائية تغذي الجانب العاطفي كالمراثي والأشعار واللطميات الحسينية.

أما فيما يغذي الجانب العقلي والاعتقادي فهو سيل المواعظ والخطب التي تبين سيرة كربلاء العظيمة ومواقف أبي عبد الله الحسين عليه السلام وتحكي ما جرى من مأساة وملحمة بشكل منطقي ومتناسب مع واقع الحال، وكذلك المواقف التي تتناول مشاكل العصر وحجم التحديات وتطرح الحلول من وحي ثورة كربلاء وأبطالها العظام، وطبيعي أن خلو هذه الكلمات والخطب من الحشو والمطالب الضعيفة يعد ضرورة في تحقيق المطلوب.

وعلى ضوء ما تقدم وبالعودة إلى مراسم عاشوراء التقليدية لا سيما تلك السائدة في إيران والعراق ولبنان وأنحاء أخرى من العالم الشيعي نجد أنها في الغالب تحتوي على أنشطة وبرامج ومضامين وأساليب غنية ومتنوعة ورائعة تشبع جانبي العاطفة والعقل الإنسانيين بشكل مذهل، وقد ساهمت في الماضي في تربية نماذج فردية واجتماعية فذة دافعت عن الإسلام والحق بكل إباء، وهي إلى اليوم تربي هكذا نماذج محققة الأغراض المقدسة للإسلام والتي لا يُظن أنها يمكن أن تحقق فيما لو أقلع عن هذه المراسم التقليدية واستعيض عنها بأنشطة وأساليب حديثة تنسجم مع العصر الحديث كنمط المهرجانات السياسية والمسيرات الحاشدة والمظاهرات الشعبية والمؤتمرات الفكرية وما شاكل، فضلاً عن التفكير الخاطى‏ء بأن البكاء لم يعد له جدوى في هذا العصر، إنه يكفي التفاعل الثقافي والفكري مع أحداث كربلاء وتحليلها لاكتساب التجربة؟! ونحن نجد اليوم أن دولاً غنية جداً وتملك كل الوسائل الحديثة تنفق المبالغ الضخمة لأجل التأثير بالرأي العام لخدمة أهدافها لا تستطيع أن تؤثر بعشر معشار ما تفعله المراسم الحسينية التقليدية في الاتباع والمتعاطفين، فأي إنسان عاقل يجرؤ على أن يتخلى عن المراسم التقليدية الناجحة والمؤثرة جداً والتي تخدم الغرض والهدف بقوة، ليستبدلها بأساليب جديدة هي أقل تأثيراً وأكثر كلفة.

وفي الختام لابد من القول بأن المحافظة والثبات على المراسم العاشورائية التقليدية مع تخليصها من الشوائب لا يعني عدم الاستفادة من الوسائل الحديثة والمتطورة وتقنيات الاتصال والاعلام وما شاكل ذلك فهذا غير التجديد المحظور في هذا البحث، بل على العكس فإن استخدام الوسائل الحديثة المتطورة لنشر ثقافة عاشوراء ونقل أحداث هذه الملحمة للأمم كافة يعد عملاً لازماً وواجباً ولا يتعارض مع الحفاظ على المراسم التقليدية لعاشوراء بل يتكامل معها في طريق تغذية جانبي الروح والعقل ولا يخدش بهما.

______________________________

(1) نهضة عاشوراء ص 82.

(2) نهضة عاشوراء ص 83.

**************

عادات عاشوراء شعائر ...؟!( لبس السواد )

2007-08-18

بقلم: الشيخ محمود كرنيب

يلفت النظر في مواسم عاشوراء الانتشار الواسع للسواد وتغليبه، ليس فقط على صعيد الرايات وفي أماكن إقامة الماتم الحسينية بل في اللباس حتى أصبح لدى كثير من التجار موسماً لبيع وترويج الأسود من الأزياء والملابس.

وهذا بحد ذاته يعد أمراً إيجابياً من حيث كونه يكشف عن انتشار حالة المواساة لأهل البيت عليهم السلام والحزن على مصاب سيد الشهداء.

والسؤال هل إن لبس السواد في عاشوراء وأيام محرم أمر مشروع أم لا؟

 

مشروعية لبس السواد:

بالنظر إلى المأثور من سنّة الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام، نرى في غالبها نهياً عن لبس السواد مطلقاً، كما في قول أمير المؤمنين عليه السلام(1): "لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون".

وربما استدل البعض بأمثال هذه الرواية على كراهة لبس السواد مطلقاً وفي جميع الأحوال، ولم يستثنِ إلا ما كان للتقية بل حمل بعض الروايات المجوزة للبس السواد على التقية، باعتبارها لباس فرعون تارة ولباس أهل النار أخرى.

والناظر في التاريخ يرى أن بني أمية مثلاً كانوا يكرهون لبس السواد فيما كان بنو العباس يحبونه وقد جعلوه شعاراً لهم.

ففي مستدرك الوسائل للميرزا النوري قال: "فأمر أبو مسلم غلامه أرقم أن يتحول بكل لون من الثياب، فلما لبس السواد قال: معه هيبة، فاختاره خلافاً لبني أمية وهيبة للناظر، وكانوا يقولون: هذا السواد حداد على آل محمد عليهم السلام، وشهداء كربلاء وزيد ويحيى"(2).

هل لبس السواد مكروه مطلقاً أم ماذا؟

لقد أورد الفقهاء كراهة لبس السواد في موارد منها: في لباس المصلي وثوبي المحرم، بل بعضهم كرهه مطلقاً لعموم الروايات، وأخرج بعضهم بعض المصاديق من تحت عنوان الكراهة، بل ربما ذهب بعضهم إلى حرمته في بعض الموارد كمثل ثوبي الإحرام. إلا أن الأغلب حمله على الكراهة بتفصيل بين الإطلاق وبعض الموارد، وربما ذهب بعضهم إلى حرمته في بعض، لكن بعض الفقهاء ـ وهم كثرة ـ حملوا كراهة لبس السواد فيما لو كانت شعاراً للظالمين. ولذا فالرواية الآنفة الذكر عن أمير المؤمنين علّلت النهي عن لبس السواد بكونه لباس فرعون.

كما أن النهي عن لبس السواد هو مصداق من مصاديق النهي عن عموم التشبه بالظالمين، ففي وسائل الشيعة للحر العاملي وبإسناده عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال: "إنه أوحى الله إلى نبي من أنبيائه قل للمؤمنين: لا تلبسوا لباس أعدائي، ولا تطعموا مطاعم أعدائي، ولا تسلكوا مسالك أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي"(3).

بل إن بني العباس الذين هم أشد من ظلم آل البيت‏عليهم السلام جعلوا السواد شعاراً لهم لأحد أمرين أو لكليهما: الأول للإيحاء بأنهم هم المقصودون بالروايات التي تتحدث عن رايات المشرق وخراسان السوداء من جهة، ومن جهة أخرى لتثبيت كونهم إنما ثاروا ثأراً لدماء الحسين‏ عليه السلام وأضافوا إلى السواد شعار يا لثارات الحسين فيما هو مروي عنهم.

وقد أكدت الروايات أن السواد كان شعار بني العباس، ففي مصباح الفقيه روى أن جبرئيل عليه السلام هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله في خباء أسود من منطقة فيها خنجر، فقال: "يا جبرئيل ما هذا؟ فقال: زي ولد عمك العباس يا محمد، ويل لولدك من ولد عمك العباس"(4).

ولذا فقد "قيدها بعضهم إذا اتخذ السواد شعاراً كبني العباس لا فيما إذا لبس السواد صدفة أو حزناً على ميت أو لجمال فيه وهيبة أحياناً وليس بعيداً..."(5). وبالتالي فقد حمله البعض على الكراهة بقيد كونه شعاراً للظالمين..

جواز لبس السواد مطلقاً:

ولذا فقد أوردوا روايات تدل على أنه حتى في زمن بني العباس كان أئمة أهل البيت يلبسون السواد، ففي علل الشرائع للشيخ الصدوق: كانت الشيعة تسأل أبا عبد الله عليه السلام عن لبس السواد، قال: فوجدناه قاعداً عليه جبة سوداء وقلنسوة سوداء وخف أسود مبطن بسواد ثم فتق ناحية منه، وقال: أما إن قطنه أسود وأخرج منه قطناً أسوداً، ثم قال: بيض قلبك والبس ما شئت(6).

وربما حمل البعض هذه الرواية على الكراهة بعد عطفها على أخرى: عن حذيفة بن منصور أنه قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام بالحيرة، فأتاه رسول أبي العباس يدعوه، فدعا بممطر أحد وجهيه أسود والآخر أبيض، فلبسه، ثم قال عليه السلام: "أما أني ألبسه وأنا أعلم أنه من لباس أهل النار"(7) بل في نفس المصدر نقل عن ابن بابويه حملها على التقية.

وكيف كان فإن الرواية الأولى أدل على الجواز الذي لا ينافي الحمل على الكراهة، ذلك أن الإمام وإن اضطر إلى التقية في ظاهر الثوب فإنه غير مضطر للمبالغة إلى درجة جعل باطن ما يلبس أسوداً، خصوصاً فيما لو عطفنا على الرواية الأولى هذه الرواية التي تكشف أنه اتّقى في ظاهر الثوب وأما الباطن فبقي أبيضاً.

وفي الروايات ما يدل على الجواز مطلقاً خصوصاً إذا كانت التقية تقتضي عكس ذلك، كما في زمان بني أمية، فقد روى بعض أهل زمان الإمام السجاد علي بن الحسين (ع) قال: رأيت علي بن الحسين (ع) وعليه دراعة سوداء وطيلسان أزرق"(8).

هل السواد لباس حزن:

وربما يستدل لاستحباب لبس السواد بأنه لباس الحزن ومن الثابت استحباب اظهار الحزن في عاشوراء ومحرم، وما يدل على كون الأسود لباس حزن ما ذكرناه عن أبي مسلم حيث قال: "هذا السواد حداد على ىل محمد عليهم السلام وشهداء كربلاء وزيد ويحيى" الذي يثبت أن السواد ثابت حتى في ذلك الزمن لوناً ولباساً للحداد.

وما روي من أنه: "قيل لراهب رُئي عليه مدرعة شعر سوداء: ما الذي حملك على لبس السواد، فقال: هو لباس المحزونين وأنا أكبرهم. فقيل له: ومن أي شي‏ء أنت محزون؟ قال: لأني أصبت في نفسي، وذلك أني قتلتها في معركة الذنوب، فأنا حزين عليها...". أضف إلى أن السيرة القائمة في هذا العصر ليس فقط عند المسلمين بل عند أغلب شعوب الأرض في لبس السواد حداداً وحزناً. مع ما روي ينكشف أنها متصلة بزمن المعصومين عليهم السلام كشعار ولم ينهوا عنه بل سيأتيك ما يدل على أنهم أقروه.

لبس السواد حزناً على الحسين‏عليه السلام روائياً وفتوائياً:

فقد ورد في استحباب الحزن على الحسين عن أهل البيت عليهم السلام ما نصه: "إن ملكاً من ملائكة الفردوس الأعلى نزل على البحر ونشر أجنحته عليها، ثم صاح صيحة وقال: يا أهل البحار ألبسوا أثواب الحزن فإن فرخ الرسول مذبوح"(9). وفهم الميرزا النوري منها عدم كراهة لبس السواد.

ونقل المحقق البحراني في الحدائق الناضرة مؤيداً استثناء لبس السواد في مأتم الحسين عليه السلام "ما رواه شيخنا المجلسي رحمه الله عن البرقي في كتاب المحاسن أنه روي عن عمر بن زين العابدين‏عليه السلام أنه قال: "لما قتل جدي الحسين المظلوم الشهيد لبس نساء بني هاشم في مأتمه ثياب السواد ولم يغيرنها في حر أو برد، وكان الإمام زين العابدين ‏عليه السلام يصنع لهن الطعام في المأتم". والحديث منقول من كتاب جلاء العيون بالفارسية، ولكن هذا حاصل ترجمته(10).

وهذه الرواية إضافة إلى دلالتها على مشروعية لبس السواد بل استحبابه في عاشوراء، تدل على أمور أخرى منها استحباب إقامة المأتم والإطعام والقيام بخدمة مقيمي مأتم عزاء أبي عبد الله الحسين عليه السلام، حيث كان الإمام السجاد عليه السلام شخصياً يقوم بهذه الخدمة، وكفى بذلك مقاماً لمقيمي المآتم.

وفي الفتاوى نرى ما يلي إضافة إلى الروايات الآنفة الذكر، أن من الثابت استحباب مؤاساة أهل البيت مطلقاً بحزنهم وفرحهم لعموم ما دل على ذلك ولاستحباب التأسي بهم، فقد جاء في الروايات ما دل بالخصوص على ذلك في محرم؛ فقد ورد أن بعض الأئمة عليهم السلام كانت أيام محرم أيام حزنه وعزائه ومصابه، ونحن مأمورون باتخاذهم أسوة مطلقاً.

ولذا فإن الفقهاء وإن ناقشوا في أصل مشروعية لبس السواد، إلا أن هناك ما يشبه الاتفاق على جوازه بل استحبابه من ذلك في محرم وعاشوراء حزناً على مصاب سيد الشهداء، وإليك ما أورده بعضهم:

عن شرائع الإسلام للمحقق الحلي: (واستثنى) بعضهم ما لبسه للحسين عليه الصلاة والسلام فإنه لا يكره، بل يرجح لغلبة جانب تعظيم شعائر الله على ذلك، مضافاً إلى روايات متضافرة في موارد مختلفة يستفاد منها ذلك"(11) وأيده بقوله: "وهو في محله"(12).

وفي الحدائق الناضرة للمحقق البحراني: "أقول: لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين عليه السلام من هذه الأخبار لما استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان"(13).

مما تقدم يظهر أن موضوع لبس السواد مواساة لأهل البيت عليهم السلام وحزناً على مصاب سيد الشهداء بما له من هذا الانتشار ليس عادة عفوية بل هو استنان بسنّة أهل البيت ويستقي منهم مشروعيته، وهو صدى واستجابة لنداءاتهم عليهم السلام في إقامة عزاء الإمام الحسين ‏عليه السلام وإظهار الحزن على ما اقترف بحق أهل البيت في العاشر من المحرم سنة 61 للهجرة، ولقد أصبح من الشهرة حكم لبس السواد بحيث لا يناقش فيه أحد.

___________________________

(1) جواهر الكلام، ج‏81، ص‏424.

(2) مستدرك، الوسائل ج‏3، ص‏328.

(3) وسائل الشيعة، ج4، ص‏385.

(4) مصباح الفقيه، ج‏2، ق1، ص‏424.

(5) شرائع الإسلام المحقق الحلي، ج‏1، ص‏56.

(6) علل الشرائع، ج2، ص‏347.

(7) منتهى المطلب ط ق العلامة الحلي، ج1، ص‏232.

(8) الكافي الكليني، ج‏6، ص‏449.

(9) مستدرك الوسائل، ج3، ص‏327.

(10) الحدائق الناضرة البحراني، ج7، ص‏118.

(11) و(12) شرائع الإسلام الحلي، ج‏1، ص‏56.

(13) الحدائق الناضرة، ج‏7، ص‏118.

**************

عادات عاشوراء شعائر ...؟!( الإطعام )

2007-08-18

( الإطعام )

بقلم: الشيخ فيصل شكر

قال تعالى ذكره: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً}.

عندما يقف المرء أمام أية ظاهرة اجتماعية أو أخلاقية أو تربوية أو غير ذلك من الظواهر التي تصبح من المسلّمات في المجتمع وتعتبر أمراً طبيعياً في حياتهم وعاداتهم، فإن لهذه الظواهر أو العادات أسباباً حقيقية مهدت لانطلاقها واستمراريتها.

والمتأمل في ظاهرة إقامة الولائم والموائد وإطعام الطعام في العاشر من المحرم الحرام ذكرى شهادة سيد الشهداء وأصحابه عليهم السلام يدرك جيداً أن هناك الكثير من الحيثيات والأسباب جعلت مسألة الإطعام في هكذا ظرف أمراً طبيعياً، وسوف نعرض بعضها في هذا المقام:

أولاً: محبوبية الإطعام: فالإطعام من الأمور التي حث عليها الشرع المقدس واعتبرها من أفضل المظاهر الاجتماعية والأخلاقية والقيمية، وقد سنّها لنا رسول الله صلى الله عليه وآله. ونقل لنا المحدثون الروايات المتواترة عن أئمة الهدى عليهم السلام في الحث على الإطعام خاصة للمحتاجين والمؤمنين، فقد روي عن الإمام السجاد عليه السلام أنه قال: "من أطعم مؤمناً أطعمه الله من ثمار الجنة". ويكفينا ما نقله الله تعالى في سورة الدهر عن السيرة العملية لآل محمد صلى الله عليه وآله {ويطعمون الطعام على حبه...} الخ.

ثانياً: محبوبية مطلق الانفاق حباً بآل رسول الله صلى الله عليه وآله، سواء أكان هذا الانفاق متقوماً ببذل المال أم ببذل الطعام أو المهج فهو أمرٌ محببٌ، بل أكثر من ذلك فإن شيعة أهل البيت عليه السلام يعتبرونه واجباً إلهياً وذلك من جهة حسن المودة والصلة وأقلّ مظاهر الوفاء لهم صلوات الله عليهم. فقد روى ابن سنان، قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: جعلت فداك، إن أباك كان يقول في الحج يحسب له بكل درهم أنفقه ألف درهم. فما لمن ينفق في المسير إلى أبيك الحسين عليه السلام؟ فقال: "يا ابن سنان، يحسب له بالدرهم ألف وألف حتى عدّ عشرة ويرفع له من الدرجات..." الخ، فهذا الحديث بعمومه يؤكد لنا أن الإنفاق في سبيل الحسين عليه السلام من أعظم القربات إلى الله تعالى. ومما لا شك فيه أن الإطعام حباً بأبي عبد الله عليه السلام لون من ألوان الإنفاق ومظهرٌ من مظاهره.

ثالثاً: لقد قامت السيرة العملية منذ زمن أئمتنا عليهم السلام على مرغوبية الإطعام في العاشر لكن بمظاهر مختلفة، فقد روى البرقي عن الإمام السجاد عليه السلام: أنه "لما قتل الحسين بن علي (ع) لبس نساء بني هاشم السواد والمسوح وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد وكان علي بن الحسين عليه السلام يعمل لهن الطعام للمأتم".

فالرواية المذكورة تصرح بأن الإمام السجاد عليه السلام مع ما نزل به من المصائب كان يعمل الطعام في تلك المرحلة ليطعم نساء وأطفال بني هاشم عليهم السلام.

وعلى ذلك جرت سيرة شيعة أهل البيت‏ عليهم السلام في كل البقاع التي سكنوها من دون فرق بين مكان وآخر، فقد قال المقريزي في خططه: "كان الفاطميون في يوم عاشوراء ينحرون الإبل والبقر ويكثرون النوح والبكاء وما زالوا على ذلك حتى انقرضت دولتهم، وفي مقام آخر ينقل المقريزي حال الخليفة الفاطمي يوم العاشر من المحرم فيقول: "إذا كان يوم العاشر احتجب الخليفة عن الناس، فإذا ارتفع النهار ركب قاضي القضاة والشهود وقد غيروا زيّهم ثم صاروا إلى مشهد الحسين عليه السلام، فإذا جلسوا جعلوا ينشدون الشعر في رثاء أهل البيت ‏عليه السلام"، إلى أن يقول: "ثم يستدعيهم الخليفة إلى القصر [يعني عامة الناس]، فيقرأ القرآن ثم ينشد المنشدون، ويتقدمون بعد ذلك للمائدة المؤلفة من الأجبان والألبان والعسل وغير ذلك، وبعد الفراغ من الأكل انصرف النُوَّاح وطافوا بالقاهرة... الخ". وفي مقام ثالث يقول المقريزي: "وفي عهد بني بويه كان الشيعة والحكام يمثلون دور الفاطميين في مصر... الخ".

من كل ما مضى يتبين لنا أن مسألة الإطعام وإقامة الموائد حباً بسيد الشهداء عليه السلام وإكراماً لآل رسول الله صلى الله عليهم أجمعين هي سيرة قائمة منذ زمن أئمتنا عليهم السلام إلى يومنا هذا.

السنّة في موائد يوم العاشر من المحرم:

مما لا شك فيه يوم العاشر من المحرم هو يوم حزن ومصاب وبلاء على أهل البيت عليهم السلام وهو يوم عظيم على شيعتهم، لذلك ينبغي الابتعاد عن كل ما يتنافى مع مظاهر الحزن والأسى.

لذلك أطبق علماء الشيعة وفقهاؤهم تبعاً لأئمة الهدى عليهم السلام على ضرورة الإمساك عن الطعام والشراب في العاشر من المحرم حتى وقت العصر، فقد قال الشيخ عباس القمي رحمه الله في كتابه مفاتيح الجنان: "وينبغي أيضاً للشيعة الإمساك عن الطعام والشراب من دون نية الصوم وأن يفطروا في آخر النهار بعد العصر بما يقتات به أهل المصائب كاللبن الخاثر والحليب ونظائرها، لا بالأغذية اللذيذة... الخ". ونظير ذلك روى العلامة المجلسي رحمه الله.

**************

 

عادات عاشوراء شعائر ...؟!( المواكب الحسينية )

2007-08-18

( المواكب الحسينية )

بقلم: الشيخ حسن البدوي

منذ استشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، أصيب الشيعة بجرح عاصف لم يندمل، فحق لهم التعبير عن تألمهم، ولو أنهم وجدوا الحرية الكاملة في عهود الأئمة المعصومين عليهم السلام، لأقاموا هذه الشعائر القائمة اليوم أكثر، ولكن أنّى لهم ذلك وسيوف حكام الجور مشرعة في وجوههم، وبالرغم من هذا كله تمردوا على المحن وأبوا إلا انتزاع حرياتهم رغماً عن الزمن، بالقوة تارة، وبالتضحيات أخرى. والمواكب الحسينية واحدة من مفردات هذه الشعائر الحسينية التي تأخر خروجها عن مقتل الإمام الحسين ‏عليه السلام، حتى سجل التاريخ صفحات ناجعة لأمراء البويهيين حيث أنهم احتضنوا هذه الشعائر فأخرجوا المآتم من الدور والبيوت إلى الأسواق والشوارع حتى حوّلوها مواكب مشهودة ومهرجانات مفجعة في مهدها الأول العراق وإيران حيث مركز حكومتهم وسلطانهم الذي ابتدأ سنة 334هـ وانتهى 467 في أواسط الحكم العباسي بالرغم من معارضات ومخالفات معظم الخلفاء العباسيين لهم على هذه المواكب، ولم يأبه البويهيون لهذه المعارضات لأن الحكم الحقيقي والسلطة الفعلية سقطت من أيدي الخلفاء العباسيين ولم يبق لهم غير الاسم المجرد، إذ صارت بأيدي البويهيين. وقد نص أكثر من مؤرخ، أنه في سنة 352هـ أمر معز الدولة أحمد بن بويه في العشر الأُوَل من المحرم ببغداد بإغلاق جميع أسواق بغداد، وإبطال البيع والشراء وأن يلبس الناس السواد، وأن يقيموا مراسم العزاء وأن يظهروا النياحة وأن يخرج الرجال والنساء لاطمين الصدور والوجوه(1). وكان معز الدولة البويهي يرتدي رداء الحِداد والحزن ويتقدم عسكره المشترِِِك في هذه المواكبِ(2)، وقد جعل يوم عاشوراء عطلة رسمية في الدوائر الحكومية(3)، إلى أن تطورت تلك المواكب والمآتم بتطور ساسة الحكومات التي كانت تتولى السلطة إن في إيران أو العراق.

ففي إيران استولى على الحكم الملوك الصفويون الذين استطاعوا أن يُنشئوا فيها حكومة مركزية لسلطتهم، وقد اهتم ملوك هذه الدولة الشيعية اهتماماً بالغاً بالعزاء الحسيني خصوصاً المواكب العزائية في الساحات العامة، كما أن الحكومات التي خلفت الدولة الصفوية في إيران كالأفشارية والزندية التي سارت على نفس نهج تلكم الدولة في المحافظة على هذه المواكب وخاصة على عهد الملوك القاجاريين، وهكذا استمرت إلى يومنا هذا بأبهى حلّة. أما في العراق فإن المواكب فيها استمرت من عهد البويهيين وكانت تخبو شعلتها تارة وتتقد أخرى بحسب الحكومات المتعاقبة في العراق إلا أن أكثر ما يطبع هذه المواكب أنها ما توقفت قط، خصوصاً في أيام عاشوراء، والأربعين الحسيني من كل عام، ففي كربلاء التي تزورها المواكب، في هذه المناسبة من المدن العراقية من الشمال إلى الجنوب والتي تكون قبلتهم، يجتمع فيها خلق كثير حتى لكأنه يوم المحشر. فتسير المواكب لها جليلة مهابة يتراوح عدد من يسيرون في كل موكب ما بين 500 إلى 1000 نسمة حاسري الرؤوس، وحافيي الأقدام، متجلببين بالسواد، يبكون ويلطمون الصدور، والرايات خفاقة أمام كل موكب.

ومن أهم المواكب العزائية ومنذ أكثر من ثلاثة قرون مواكب سكان قرية طويريج الواقعة على بعد عشرة أميال شرقي مدينة كربلاء على شاطى‏ء نهر الفرات والتي تعرف بالهندية؛ هذه المواكب التي تؤم كربلاء في اليوم الثاني عشر من المحرم كل عام، إذ منذ الصباح الباكر يحتشد الناس في موكب سيار عملاق وتنضم بقية العشائر وسكان الدساكر على جوانب الطريق حتى يصبح عددها مئة ألف نسمة رجالاً نساءً شيوخاً وشباناً وأطفالاً، وهم ما بين مُعْوِل وصارخ ولاطم، وكان بعض أكابر الطائفة الإمامية يشارك في هذه المواكب كأمثال العلامة السيد محمد مهدي بحر العلوم المتوفي سنة 1212هـ، فقد كان يتقدم أمام هذه المواكب، ولما سئل عن سبب اشتراكه في هذا العزاء، أجاب أنه رأى في المنام الإمام الثاني عشر صاحب الزمان ‏عجل الله تعالى فرجه مشتركاً في هذا العزاء، ناهيك عن كبار الشعراء الذين كانوا يشتركون به أمثال الكعبي وعظماء المجتهدين والفقهاء الشيعة كالشيخ زين العابدين المازندراني(4) وغيره.

أما لبنان اليوم ففي حدود علمنا وإن لم يكن مسبوقاً بظاهرة المواكب تاريخياً كما في العراق وإيران إلا أن المواكب العزائية التي تخرج اليوم في لبنان من جميع المناطق الشيعية فيه كالنبطية وبعلبك وبيروت وغيرها لهي تلبية صادقة لنداءات الحسين‏عليه السلام: "هل من ناصر ينصرني".

أما الضاحية الجنوبية فحدث ولا حرج، فيوم العاشر من المحرم فيها له لون آخر، حيث يسير في شوارعها موكب مهيب تعداده أكثر من مئتين وخمسين ألف نسمة يلطمون الصدور تارة ويلطمون الخدود أخرى ويضربون الرؤوس ثالثة وبشكل متناسق ويصرخون بشعارات أبيّ‏ِ الضيم‏ عليه السلام "هيهات منا الذلة" و"يا حسين" تلك الصرخة التي أشاد بها إمامنا الصادق ‏عليه السلام بقوله "اللهم ارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي حزنت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا...". ولا يخفى ما لهذه المواكب من تأثير سحري في تقوية عقيدة الناس، إذ إن الأهازيج الحزينة المترافقة مع لدمات الصدور المشوبة بالأسى لا شك أنها تكهرب الشعور الإنساني بشحنات عاصفة من الولاء مما يحول الجو إلى انفجار عاطفي مشحون بالبكاء، والذكريات والخواطر.

______________________________

(1) ابن كثير: من البداية والنهاية.

(2) قهرمانان اسلام، ص‏198، ج‏3، المؤلف علي أكبر تشيد باللغة الفارسية.

(3) دول الشيعة في التاريخ، ص‏28، الشيخ محمد جواد مغنية.

(4) تاريخ النياحة، ج‏2، ص‏73، السيد صالح الشهرستاني.

**************

 

عادات عاشوراء شعائر ...؟!( اللطم )

2007-08-18 ( اللطم ) بقلم: الشيخ علي سليم

اللطمية: هي شعيرة عظيمة من جملة الشعائر الحسينية المعظمة، تمثل طريقة مؤثرة من طرق إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام ومراسم عاشوراء لدى كل الموالين لآل محمد صلى الله عليه وآله على اختلاف ألوانهم وألسنتهم، يعبرون من خلالها عن حزنهم وتألمهم لمصائب العترة الطاهرة لا سيما سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين ‏عليه السلام.

فما هو النّدب واللطم، وما هي الأدلة على مشروعيتهما وأقوال العلماء فيهما:

 

معنى الندب واللطم:

ربما يتبادر إلى أذهاننا أن الندب واللطم لفظان لمعنى واحد كما هو الشائع حالياً، لكننا لو رجعنا إلى معاجم اللغة ودققنا لوجدنا أن معنى الندب مختلف عن معنى اللطم في أصل اللغة. فالندب هو أن تدعو النادبة الميت بحسن الثناء في قولها "وا فلاناه وا هناه"، واسم ذلك الفعل "النُّدبة"، وهو من أبواب النحو كل شي‏ء في ندائه "وا" فهو من باب النُّدبة. وندب الميت أي بكى عليه وعدد محاسنه(1).

أما اللطم فهو ضربك الخد وصفحة الجسم ببسط اليد أو الضرب على الوجه بباطن الراحة(2).

فالندب فعل اللسان والحنجرة (بالصوت) واللطم فعل اليد (بالضرب) ولكنهما يجتمعان في المجالس والمواكب الحسينية فيقوم النادب (الرادود) بالندب ويشاركه الحاضرون به في اللازمة وهم يلطمون صدورهم ورؤوسهم.

 

مشروعية الندب واللطم:

أما من الناحية الشرعية فكل من الندب واللطم جائز عند مشهور فقهائنا أعلا الله مقامهم، وقد أقرهما الإمام الرضا عليه السلام لورودهما في قصيدة دعبل الخزاعي التائية المشهورة، حيث قال:

أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً   وقد مات عطشاناً بشط فرات‏

إذاً للطمت الخد فاطم عنده‏   وأجريت دمع العين في الوجنات‏

أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي‏  نجوم سماوات بأرض فلاة(3)

فقد نسب دعبل اللطم إلى الصديقة الزهراء عليه السلام ودعاها إلى الندب على ولدها الحسين عليه السلام لو كانت حاضرة في كربلاء، فأقره الإمام الرضا عليه السلام على ذلك ولم يستنكره منه بل أثنى عليه وكافأه بأن أهداه عباءته كما يروى، وقال له عند ذكره لخروج الإمام المهدي عليه السلام في آخر قصيدته: "يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين"(4)، ولا تزال هذه السيرة على إقامة مجالس البكاء والندب واللطم على الحسين ‏عليه السلام والتي أقرها أئمتنا عليه السلام قائمة إلى يومنا هذا.

أدلة جواز الندب:

إضافة إلى جريان سيرة المتشرعة، استدل فقهاؤنا بجملة من الأخبار، أهمها:

1ـ ندب سيدة نساء العالمين فاطمة عليه السلام على أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله كما ورد في السيرة النبوية: لما دفن صلى الله عليه وآله قالت فاطمة: أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وآله التراب، وأخذت من تراب القبر الشريف ووضعته على عينيها وأنشأت تقول:

ماذا على من شمّ تربة أحمد    أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا

صُبَّت عليّ مصائب لو أنّها  صُبَّت على الأيّام عدن لياليا(5)

2ـ وقوع الندب على الحسين عليه السلام في كربلاء من قبل النساء:

ورد في مقتل الخوارزمي:

فلما نظرت أخوات الحسين عليه السلام وبناته وأهله إلى الفرس ليس عليه أحد رفعن أصواتهن بالصراخ والعويل ووضعت أم كلثوم يدها على أم رأسها ونادت: "وا محمداه، وا جداه، وا نبياه، وا أبا القاسماه، وا علياه، وا جعفراه، وا حمزتاه، وا حسناه، هذا حسين بالعراء صريع بكربلاء محزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة والرداء..."(6).

 

أدلة جواز اللطم:

يعتبر اللطم في المصاب من أفراد ومصاديق الجزع وهو: "نقيض الصبر"(7) أو "إظهار الحزن والكدر"(8). وقد ورد ذكر اللطم باعتباره من أشد الجزع في خبر جابر عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: قلت له ما الجزع؟

قال عليه السلام: "أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر وجز الشعر من النواصي..." (الخبر)(9).

وقد حكم فقهاؤنا بكراهة الجزع إلا في مصيبة الإمام الحسين عليه السلام لأدلة عديدة، منها:

1ـ خبر علي بن حمزة عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: "إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي عليه السلام فإنه فيه مأجور"(10). وهذا الخبر لا يدل على جواز البكاء والجزع واللطم وهو من أشده فحسب بل يدل على استحبابه أيضاً واستيجابه الأجر والثواب إن كان على الحسين بن علي عليه السلام.

2ـ وقوع اللّطم من عيال الحسين عليه السلام (نسائه وأخواته وبناته) بحضور الإمام زين العابدين عليه السلام وإقراره لهن على ذلك، كما ذكر الخوارزمي في مقتله:

ثم أذّن عمر بن سعد بالناس في الرحيل إلى الكوفة وحمل بنات الحسين عليه السلام وأخواته وعلي بن الحسين عليه السلام وذراريهم، فلما مرّوا بجثة الحسين عليه السلام وجثة أصحابه صاحت النساء ولطمن وجوههن...(11).

رأي الإمام الخميني رحمه الله والقائد الخامنئي دام ظله:

1ـ من أقوال الإمام رحمه الله: "هذا البكاء هو الذي حافظ على المذهب حتى وصل إلينا ومسيرات اللطم هذه هي التي أحيتنا وتقدمت بهذه الثورة".

2ـ من أقوال القائد (دام ظله): "مجالس العزاء التقليدية هذه تقرب الناس من الدين، وهذا ما أوصى به الإمام الراحل رحمهم الله. إن الجلوس في المجالس والاستماع إلى العزاء والبكاء واللطم على الرؤوس والصدور والخروج في مواكب العزاء كل ذلك يثير عواطف الناس تجاه أهل بيت النبوة عليهم السلام، وهذا أمر عظيم"(12).

 روحية الندب واللطم:

ورد في جواب العلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء على سؤال يتعلق بجواز واستحباب اللطم قوله: ... إن من قطعيات المذهب الإمامي، ومن مسلمات هذه الفرقة الحقة الاثني عشرية أن فاجعة الطف والواقعة الحسينية الكبرى واقعة عظيمة ونهضة دينية عجيبة، والحسين‏ عليه السلام رحمة الله الواسعة وباب نجاة الأمة ووسيلة الوسائل والشفيع الذي لا يردّ وباب الرحمة الذي لا يسدّ.

إن حق الأمر وحقيقة هذه المسألة إنما عند الله جل وعلا، ولكن هذه الأعمال والأفعال إن صدرت من المكلف بطريق العشق الحسيني والمحبة والوله لأبي عبد الله على نحو الحقيقة والطريقة المستقيمة، وانبعثت من احتراق الفؤاد واشتعال نيران الأحزان في الأكباد بمصاب هذا المظلوم ريحانة الرسول صلى الله عليه وآله المصاب بتلك الرزية، بحيث تكون خالية ومبرأة من جميع الشوائب والتظاهرات والأغراض النفسية، فلا يبعد أن يكون جائزاً، بل يكون حينئذٍ من القربات وأجلّ العبادات(13).

-----------------------------

هوامش‏

(1) لسان العرب، ج‏1، ص‏754.

(2) لسان العرب، ج‏12، ص‏542.

(3) مقتل الخوارزمي، ج‏2، ص130ـ131.

(4) مقتل الحسين عليه السلام (للسيد محمد تقي آل بحر العلوم)، ص‏68.

(5) السيرة النبوية لدحلان، ج‏3، ص‏365 ـ 364 (بهامش السيرة الحلبية).

(6) مقتل الخوارزمي، ج‏2، ص‏37.

(7) لسان اللسان، ج‏1، ص‏184.

(8) منجد اللغة، ص‏89.

(9) الكافي، ج‏3، ص‏222.

(10) كامل الزيارات، ص‏201، ج‏2، باب 32.

(11) مقتل الخوارزمي، ج‏2، ص‏39.

(12) روح عاشوراء، ص59 ـ60.

(13) الفردوس الأعلى، ص‏20.

**************

عادات عاشوراء شعائر ...؟!( التطبير )

2007-08-18

( التطبير )

بقلم: الشيخ نجيب صالح

التطبير وهو ضرب الرؤوس بالسيوف وإدماؤها(1).

هذه الظاهرة الموجودة في بعض الأماكن بدعوى الحزن على أبي عبد الله الحسين عليه السلام، عند البحث عنها تاريخياً نجزم بأن ليس لها أي أثر في زمن من أئمة الهدى عليهم السلام بل ما بعدهم كما يقول الإمام الخامنئي (دام ظله)(2): "ليس له (التطبير) أي سابقة في عصر الأئمة عليه السلام وما والاه ولم يرد فيه تأييد من المعصوم عليه السلام بشكل خاص أو بشكل عام وليس من مظاهر الأسى والحزن في عُرفنِا، ولا يعد من شعائر الإسلام" (كما ادعاه البعض).

فيقول السيد الخوئي (ره): "لم يرد نص في شعاريته حتى يحكم باستحبابه"(3) وسيأتي رأي هذين العلمين عند الحديث عن حكم هذه المسألة.

إذاً فهو عادة طارئة على المسلمين الشيعة وكما يقول بعض الباحثين: لا يتعدى عمرها مئتي عام، والأغرب أن هذه الكلمة بهذا الاشتقاق والمعنى لا وجود لها في كتب اللغة العربية والظاهر أصلها فارسي، بمعنى (طَبَرْزَدْ: أي ضرب الفأس)، ويمكن استكشاف أن مصدر هذه العادة جاءنا من إيران الذي ورد إليها ظاهراً من بعض عادة الهنود كما يشاهد منهم مثل هذه الأمور إلى يومنا هذا؛ والذي يؤيد أنها عادة مستحدثة طارئة حتى عن زمان كبار مشايخ وعلماء المذهب الجعفري كالطوسي والمفيد والمرتضى والعلامة الحلي وغيرهم رحمهم الله من العظماء أنه لا يوجد لهذه المسألة أي أثر في كتبهم ومسائلهم ولا في طروحاتهم سواء الفقهية أم الكلامية وغيرهما وإلا لو كانت لسُئِلوا عنها وعن حكمها كما يفعل المؤمنون اليوم بالسؤال من المراجع عنها في زماننا وقبله من بعد حدوثها وسيما وأن الأمر مورد سؤال واستفسار لا أقل في مجال الضرر الشخصي بغض النظر عن الحديث عن الضرر المعنوي وتوهين المذهب والذي أخذ منه بعض الفقهاء كالإمام الخامنئي موقفاً واضحاً وصريحاً في تحريم التطبير وسيأتي كلامه.

وبعد إثبات أنه عادة طارئة وليس من شعائرنا ومعتقداتنا في شي‏ء، يقع الكلام في مسألتين:

الأولى: حكم المسألة والفتوى فيها سواء من ناحية الضرر الشخصي المباشر والمسمى بالعنوان الأولي، أو بالضرر المعنوي والإساءة والتوهين لمذهب أئمة أهل البيت عليه السلام والمسمى بالعنوان الثانوي.

الثانية: اقتراح ونصيحة.

أما في الأولى: ننقل بعض آراء المراجع في الموضوع.

يقول السيد الخامنئي (دام ظله) في أجوبة الاستفتاءات(4) بعد السؤال عن حكم التطبير:

السؤال: تقام في عاشوراء بعض المراسم مثل الضرب على الرأس بالسيف (ما يسمى بالتطبير) والمشي حافياً على النار والجمر مما يسبب أضراراً نفسية وجسدية إلى آخر المسألة.

الجواب: ما يوجب ضرراً على الإنسان من الأمور المذكورة أو يوجب وهن الدين والمذهب فهو حرام يجب على المؤمنين الاجتناب عنه. ولا يخفى ما في كثير (وله رأي واضح بضرر التطبير وحرمته في مسائل أخرى) من تلك المذكورات من سوء السمعة والتوهين عند الناس لمذهب أهل البيت عليه السلام، وهذا من أكبر الضرر وأعظم الخسارة، وهو واضح بحرمة هذا العمل بالعنوانين الأولي والثانوي.

يقول السيد الخوئي (قدس سره) في صراط النجاة(5) عندما سُئِلَ عن ضرب السلاسل والتطبير والتي هي من العلامات التي نراها في شهر (محرم الحرام): فإذا كان هذا العمل مُضِراً بالنفس ومثيراً لانتقاد الآخرين، فما هو الحكم حينئذٍ؟

قال (قدس سره): "لا يجوز فيما إذا أوجب ضرراً معتداً به، أو استلزم الهتك والتوهين والله العالم".

وعند سؤاله عن المراد بالضرر وبالتوهين أجاب: "الضرر المعتد به هو الذي لا يتسامح بالوقوع فيه كهلاك النفس أو المرض المشابه لمثله" (وهذا تمثيل للضرر والتوهين وإلا يمكن شموله عرفاً للأعم من ذلك). والتوهين ما يوجب الذل والهوان للمذهب في نظر العرف السائد أي عندما ينظر غيرنا إلى هذا العمل وينعتوننا بسببه بأننا إرهابيون وسفاكو دماء، لذا ترى وسائل الاعلام كلها تنتظر هؤلاء ليصوروا هذه المشاهد وينقلوها للعالم بكل أسف، والعرف يقول بالضرر والتوهين. وعليه نجزم بأن رأيه التحريم لا أقل بالعنوان الثانوي.

وفي المسألة الثانية: الاقتراح إذا كان لابُدّ من إخراج الدماء على الحسين عليه السلام فهناك بنوك للدم ومستشفيات بل يمكن إحضار سيارات إسعاف وغيرها التي تعنى بالتبرع وجمع الدم للمحتاجين إليه إلى المكان الذي يرغب فيه هؤلاء وليتبرعوا بدمائهم بطريقة حضارية مشرفة لا توهين فيها إلى المستشفيات وغيرها ولهم الأجر على العمل هذا.

وفي الختام إنّ‏َ مسؤولية العلماء في التصدي لمثل هذه الأمور واضحة من خلال فتاوى المراجع الاعلام الموجودة بين أيدينا.

---------------------------------

الهوامش

(1) معجم ألفاظ الفقه الجعفري للدكتور أحمد فتح الله، ص‏114.

(2) أجوبة الاستفتاءات، ج‏2، ص‏129، م‏385.

(3) كتاب صراط النجاة.

(4) أجوبة الاستفتاءات، ج‏2، مسألة 384، ص‏129.

(5) صراط النجاة، ج‏2، ص‏445، سؤال 1404 و1405.

**************

صلاة ظهر يوم العاشر من محرم

2007-08-18

صلاة الجهاد والشهادة

بقلم: الشيخ علي جابر

تمثّل صلاة الظهر التي أقامها الإمام الحسين (ع) في يوم عاشوراء معلماً هاماً من معالم النهضة الحسينية في دلالاتها ومعانيها. ونكاد لا نجد أحداً من أصحاب المقاتل ومن أرَّخ لواقعة الطف إلا أتى على ذكرها، وكيف حصلت.

فبالعودة إلى النصوص التأريخية لنقف على أبرز ما سجله المؤرخون، نجد ما يلي:

1ـ كتب الطبري في تاريخه والخوارزمي في المقتل، وورد في (الكامل في التاريخ) والعوالم وأعيان الشيعة:

"فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين عليه السلام يُقتل، فإذا قُتل منهم الرجل والرجلان تبيَّن فيهم، وأولئك كثير لا يتبيَّن ما يُقتل منهم. فلما رأى ذلك أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي، قال للحسين عليه السلام: يا أبا عبد الله نفسي لك الفدا، إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا والله لا تُقتل حتى أُقتل دونك إن شاء الله، وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها. فرفع الحسين عليه السلام رأسه ثم قال: ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلين الذاكرين! نعم هذا أول وقتها. ثم قال: سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي. فقال لهم الحصين بن تميم: إنها لا تقبل. فقال له حبيب بن مظاهر: زعمت أن الصلاة من آل رسول الله صلى الله عليه وآله لا تقبل وتقبل منك يا حمار؟!".

2ـ جاء في رواية أبي محنف:

"فأذن الحسين عليه السلام بنفسه، فلما فرغ من الأذان نادى: يا ويلك يا عمر بن سعد أنسيت شرايع الإسلام، ألا تقف عن الحرب حتى نصلي وتصلون ونعود إلى الحرب؟ فلم يجبه، فنادى الحسين عليه السلام: استحوذ عليه الشيطان".

3ـ ذكر صاحب الدمعة الساكبة والخوارزمي في مقتله:

"قال الحسين عليه السلام لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله: تقدما أمامي حتى أصلي الظهر. فتقدما أمامه في نحوٍ من نصف أصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف".

4ـ ذكر ابن نما في (مثير الأحزان): (وقيل: صلى الحسين عليه السلام وأصحابه فرادى بالإيماء).

5ـ جاء في (اللهوف في قتلى الطفوف) للسيد ابن طاووس:

"ولما أثخن سعيد بالجراح سقط إلى الأرض وهو يقول اللهم العنهم لعن عاد وثمود وأبلغ نبيك مني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فإني أردت بذلك ثوابك في نصرة ذرية نبيك صلى الله عليه وآله وسلم، والتفت إلى الحسين قائلاً: أوفيت يا ابن رسول الله؟ قال: نعم، أنت أمامي في الجنة. وقضى نحبه فوُجد فيه ثلاثة عشر سهماً غير الضرب والطعن".

لا شك أن هذا الموقف يذكر بموقف مشابه لأمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في حرب صفين، حينما أقام الصلاة وسط المعركة بين الجيشين وهو يقول لمن سأله مستغرباً عما يفعل:

علام نقاتلهم إذن؟!"، رغم الخصائص التي تطبع الموقف العاشورائي الدامي.

وهذا ما يطرح قضية عاشوراء من منظور ديني بحت يمثل فيه الدين الهدف والغاية الأولى والأخيرة، وعنوانها العريض: إقامة الصلاة بكل أبعادها ومعانيها لله تعالى وحده. وليس بغريب في حق الإمام المعصوم‏ عليه السلام أن يذكر الصلاة ويقيمها في أشد الأوقات والأوضاع صعوبة وعنفاً، فهو الذاكر الذي لا ينسى ولا يغفل ولا يسهو، بل يصلي لربه ولو بأشلاء أصحابه وأهل بيته ونحره الدامي.

ولكن الملفت أمران:

الأول: التذكر الدائم في معسكر الإمام الحسين عليه السلام وعدم الغفلة عن العبودية لله تعالى والسعي إلى تمثلها في أول وقتها وسط المعركة بلا استغراب كما حصل مع بعض أصحاب الإمام علي ‏عليه السلام في صفين.

والثاني: ردة فعل معسكر عمر بن سعد وأصحابه البعيدة كل البعد عن الإسلام، وهو أمر متوقع من جماعة يصرون على سفك دماء ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنصارهم المؤمنين. وهذا يوضح طبيعة كل من المعسكرين. فمعسكر الإمام الحسين ‏عليه السلام يقاتل لأجل الدين، والآخر يقاتل الدين المتمثل في تلك الصفوة من الأمة ويحارب شعيرة الإسلام الأولى.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن القوم حاولوا قتل الإمام عليه السلام وهو في الصلاة، الكل كفر وعناد، واستشهد سعيد بن عبد الله الحنفي وهو يقي الإمام عليه السلام، لقد فضحهم الإمام الحسين‏ عليه السلام في هذا الموقف بصورة أشد وأوضح وكشف عن هويتهم اللادينية، فليست القضية فقط عدم الرضوخ لطاعة (الخليفة).

لقاء الله‏

ويمكننا تخيل الحالة التي كان عليها معسكر الإمام عليه السلام من قلة العدد والناصر، وكثرة العدو وشدة العطش واليأس من الحياة الدنيا وترك العيال والأطفال للقتل والسبي.

 لكن ذلك كله لم يَحُل دون الوقوف بلا مبالاة بسهام المنية لإقامة الصلاة ولقاء الله تعالى بكل شوق. وهو يدل على الروح الاستشهادية العالية، ليس فقط عند من صلى مع الإمام عليه السلام، بل وعند من وقف يدرأ عنه السهام ويقيه الطعن والنبال. والواقع أن ذلك لم يكن فقط لحماية شخص الإمام عليه السلام، بل أيضاً لأجل حماية الشريعة المقدسة التي كان ينتهكها شيعة آل أبي سفيان، كما وصفهم الإمام عليه السلام فيما جردهم من كل صفة دينية ونسبهم إلى ما دون الجاهلية.

وكأن الإمام الحسين عليه السلام أراد أن يفهم الأجيال القادمة أن الدين أثمن وأغلى من أية تضحية يمكن بذلها في ميدان المواجهة، وأن التفريط بشعيرة الصلاة هو تفريط بالدين كله. أفليست "الصلاة عمود الدين"؟!.

صلاة العاشر

لقد جاءت دعوة الإمام القائد حفيد سيد الشهداء عليه السلام السيد الخامنئي (دام ظله) لإحياء مراسم صلاة الظهر من يوم العاشر، في سياق الموقف الحسيني العاشورائي الراجي إحياء الدين، ليدرك الجميع أن هدف النهضة الحسينية قد تحقق وانهزمت الجاهلية المتلبسة بلبوس الدين، ولندرك أيضاً أن هذه الصلاة قد صانتها وحفظتها على حقيقتها دماء خير الشهداء في كربلاء، لنحملها أمانة نؤديها إلى الله سبحانه وتعالى بكل وعي وشوق ووفاء.

إن لهذه المراسم دلالات وانعكاسات هامة تجاه قضايا الأمة الإسلامية المعاصرة، وفي طليعتها قضية الصراع مع الكيان الصهيوني الغاصب والاستكبار العالمي الداعم له. فواهمون أولئك المستكبرون الذين يظنون أن بإمكانهم إخضاع هذه الأمة وتصفية مقدساتها.

فبالروحية الجهادية والاستشهادية ذاتها التي أقام بها الإمام الحسين السبط عليه السلام عمود الدين، ستقف عصائب المجاهدين الحسينيين لصون أولى القبلتين (المسجد الأقصى) ورفع الأذان من فوق قبابه ومآذنه.

إن كل المسلمين في العالم مدعوون في الوقت الراهن على وجه الخصوص إلى استلهام موقف ظهيرة يوم عاشوراء وتمثله، للدفاع عن حياض الدين الحنيف، وهو يتعرض للتشويه والإساءة من الشيطان وأعوانه وإلصاق تهم التخلف والإرهاب به، وعن دماء وأعراض المسلمين التي تستباح في فلسطين العزيزة وغيرها...، وعن كرامة الأمة التي أرادها الله تعالى خير الأمم {كنتم خير أمة أخرجت للناس}، فنكبت بزعمائها وبعض علمائها، فضاعت القدس الشريف وانتهكت الحرمات.

فهل سننهض لنصلي صلاة الجهاد والشهادة في كربلائنا الحقيقية، لا في صحارى الآخرين؟!.

**************

التربة الحسينية ... هدية السماء وآية الشفاء

2007-08-18

بقلم: الشيخ إبراهيم بلوط

لقد أعطيت كربلاء، حسب النصوص الواردة، بأكثر مما أعطي لأي أرض أو بقعة أخرى من المزية والشرف في الإسلام، فكانت أرض الله المختارة والمقدسة المباركة والخاضعة المتواضعة وحرماً أمناً مباركاً وقبّة الإسلام التي نجّى الله عليها المؤمنين الذين آمنوا مع نوح في الطوفان، ومن المواضع التي يحب الله أن يعبد ويدعى فيها، وأرض الله التي في تربتها الشفاء(1).

وهذه الأرض المباركة لم تنل هذا الشرف العظيم في الإسلام إلاّ بالحسين ‏عليه السلام كما نص عليه الحديث: "وزادها في تواضعها وشكرها لله بالحسين عليه السلام وأصحابه".

وأحاديث فضل التربة مشهورة في كتب المسلمين، وقد سمّاه أبو ريحان البيروني في كتابه "الآثار الباقية" بالتربة المسعودة في كربلاء.

وقد قدّست التربة في الصدر الأول فكانت تربة الشهداء وتربة قبر النبي ‏صلى الله عليه وآله وتربة بعض الصحابة أيضاً والاستشفاء بها عادة مألوفة عند المسلمين.

فبعد وقعة أحد بقليل والتي استشهد فيها حمزة سيد الشهداء فصاروا يأخذون من تربته للاستشفاء ولمعالجة الصداع، وكذلك كانوا يتبركون ويتداوون بتراب حرم الرسول صلى الله عليه وآله كما يستفاد ذلك مما أورده السيد البرزنجي في كتابه "نزهة الناظرين في تاريخ مسجد سيد الأولين والآخرين"، وننقله حرفياً:

"ويجب على من أخرج شيئاً من ذلك (أي من المدينة) ردّه إلى محله ولا يزول عصيانه إلا بذلك ما دام قادراً عليه. نعم استثنوا من ذلك ما دعت الحاجة إليه للسفر به كانية من تراب الحرم وما يتداوى به منه كتراب مصرع حمزة رضي الله عنه للصداع...،  إلى أن يقول: لإطباق السلف والخلف على نقل ذلك(2).

وكذلك لمّا توفي النبي صلى الله عليه وآله صاروا يأخذون من تربته الشريفة كما يستفاد ذلك مما نقله السيد نور الدين الشافعي السمهودي في كتابه "وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى" بما نصّه: "وعن المطلب قال: كانوا يأخذون من تراب القبر (يعني قبر النبي)، فأمرت عائشة بجدار فضرب عليهم، وكانت في الجدار كوّة فكانوا يأخذون منها فأمرت بالكوّة فسدّت".

وبعد هذه المقدمة، نقول وبه المستعان:

في معنى التربة

إن التربة لغة بمعنى مطلق التراب كما هو مقتضى كلام صاحب "القاموس" حيث عدّ "التّرب" "التراب" و"التربة" وغيرها، معروفة.

ولكن صارت حقيقة عرفيّة في بعض أقسام التراب وهي "التربة الحسينية" من التراب المأخوذ من القبر أو الموضوع على الصندوق أو الموضوع في الحائر بناءً على القول بأن التربة هي التي على الصندوق أو الموضوع في الحائر.

في حرمة الطين‏

إنه قد تكاثرت الأخبار في حرمة الطين كما عن الصدوق في "العيون" بسنده عن الكاظم عليه السلام "لا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به فإن كل "تربة" لنا محرّمة إلا تربة جدّي الحسين بن علي عليهما السلام فإن الله عزّ وجلّ جعلها شفاءً لشيعتنا وأوليائنا".

وعنه بسنده عن الرضا عليه السلام: "أكل الطين حرام مثل الميتة ولحم الخنزير".

وللمراجعة: علل الشرائع، ص‏179، بحار الأنوار، 129، 101، باب تربته صلوات الله عليه، ج43، فروع الكافي، 1562، تهذيب، 3602، المحاسن، ص‏565، كامل الزيارات، ص‏285، مصباح المتهجد، ص‏510، أمالي الطوسي، 3261، دعوات الراوندي، ص‏187.

 

في بيان معنى الحمّص‏

وأنه يسمى في لسان الأئمة روحي وأرواح العالمين لهم الفداء "بالعدس" إن "الحمّص" حب معروف، كما في القاموس وانظر في المصباح والمجمع.

وقد روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد الله‏ عليه السلام، إن الناس يروون أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن العدس بارك عليه سبعون نبياً؟ فقال عليه السلام: "هو الذي يسمّونه عندكم الحمص ونحن نسميه العدس"(3).

 باب "في الحائر"

الحائر لغة "مجمع الماء"، ويراد به حائر الحسين عليه السلام وهو ما حواه سور المشهد الحسيني على مشرّفه السلام.

وعن بعضٍ كما ذكر صاحب البحار أن الحائر ما أحاط به جدران الصحنن وعن بعض آخر أنه القبّة الشريفة.

وأما بالنسبة إلى قدره خلاف، فبعض يعتقد: أنه خمسة عشر ذراعاً من كل جانب، وقيل خمسة وعشرون ذراعاً، وقيل خمسة فراسخ من أربع جوانبه.

فقد روى الشيخ في التهذيب بسنده عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إن لموضع قبر الحسين‏عليه السلام حرمة معروفة من عرفها واستجار بها أجير، قلت: فصف لي موضعها جعلت فداك. قال: امسح من موضع قبره اليوم خمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رأسه وموضع قبره من يوم دُفِن روضة من رياض الجنة ومنه معراج يعرج فيه بأعمال زوّاره إلى السماء فليس ملكٌ في السماء ولا في الأرض إلا وهم يسألون الله في زيارة قبر الحسين عليه السلام ففوج ينزل وفوج يعرج"(4).

(وقد عبر في بعض أخبار القصر والإتمام بحرم الحسين عليه السلام، وعبر في بعضها بحائر الحسين، وفي بعضها سئل عن حكم الحائر وأجاب المعصوم، والظاهر اتحاد الحرم والحريم كما هو المتصرّح من "الذخيرة" لكن في أخبار التربة بل في أخبار القصر والإتمام).

إذا عرفت، ما تقدم فنقول! إنه روى الشيخ في المصباح: أن رجلاً سأل الصادق عليه السلام فقال: "إني سمعتك تقول: إن تربة الحسين ‏عليه السلام من الأدوية المفردة وأنها لا تمر بداء إلا هضمته، قال: قد كان ذلك، أو قد قلت ذلك، فما بالك؟ قال: إني تناولتها فما انتفعت بها. قال: إن لها دعاء، فمن تناولها ولم يدع به لم يكد ينتفع به، فقال له: ما يقول إذا تناولها؟

قال: تُقبلها قبل كل شي‏ء وتضعها على عينيك ولا تناول أكثر من حمّصة، فإن من تناول منها أكثر من ذلك فكأنما أكل لحومنا أو دماءنا، وإذا تناولتها فقل: اللهم إني أسألك بحق الملِكِ الذي قبضها وأسألك بحق النبي الذي خزنها وأسألك بحق الوصي الذي حلّ فيها أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعله شفاء من كل داء وأماناً من كل خوف وحفظاً من كل سوء، فإذا قلت ذلك فاشددها في شي‏ء واقرأ عليها "إنا أنزلناه في ليلة القدر" فإن الدعاء الذي يقدَّم لأخذها هو الاستئذان عليها وقراءة "القدر" ختمها"(5).

وعلى هذا فقد تبين مما مضى أصل مشروعية أخذ التربة ثم أخذ تربة وطين الحسين عليه السلام بشرط الاستشفاء ومقداره حمّصة ولا يجوز تجاوز المقدار، ولها كيفية خاصة قد ذكرنا بعضها على مستوى الدعاء، لكن لا يخفى عليك أن لهذه التربة خصائص أخرى غير الشفاء والاستشفاء.

فهي للأمن من المكاره، وللرزق، وحملها يوجب البركة والأمن من المكاره، وضع لبنة من التربة مقابل وجه الميت في القبر، كتابة الكفن بالتربة(6) التسبيح بالتربة عقيب الصلاة حيث ورد عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: "لا يخلو المؤمن عن خمسة، سواك ومشط وسجادة وسبحة فيها أربع وثلاثون حبة وخاتم عقيق"، ويبين الإمام الصادق عليه السلام على ما في بعض الروايات عدول الأئمة عليهم السلام بعد مقتل الحسين عليه السلام حيث استعملوا تربته لما فيه من الفضل والمزية.

 

--------------------------------

الهوامش‏

(1) كامل الزيارة، ص267ـ 273.

(2) نزهة الناظرين للبرزنجي،  ص‏116، طبع مصر 1332هـ.

(3) فروع الكافي، 3436، باب الحمص.

(4) تهذيب، 2520، كامل الزيارات، ص‏272، وسائل الشيعة، 40010، باب 67، بحار، 110 101، باب لحائر وفضله.

(5) مصباح المتهجد، ص‏677 ـ 678، باب خواص طين قبر الحسين.

(6) أمالي الطوسي، 3251، بحار الأنوار، 118 101، تحفة الزائر، ص‏215، كامل الزيارات، ص‏278.

**************

عوامل التحريف في واقعة عاشوراء عند الشهيد المطهري(قده)

2007-08-18

انّ مهمة التصدّي للتحريفات الدخيلة على حادثة عاشوراء مهمة صعبة لم يقم بها إلاّ الندرة من العلماء والمصلحين المجدّدين، لماذا؟ لأنّه قد يكلّف العالم المصلح ثمناً باهضاً أكبره القتل والاتهام بالمروق عن الدين وأقلّه اتّهامه بالجهل في التاريخ الإسلامي.

لكن مع هذا، فقد تطرّق عدد من المحققين المتقدّمين لحوادث هذه الواقعة وتحليل التحريفات الرائجة فيها، وقد سعى المتأخّرون في تنقية هذه الفاجعة العظيمة من بعض التحريفات كالمرحوم النوري في كتابه اللؤلؤ والمرجان.

ورغم كلّ ما بذل في هذا الباب إلاّ أنّه يمكن أن يقال انّ الشهيد المطهري(قده) هو الفاتح لهذا الباب.

فقد تطرّق الشهيد المطهري(ره) بشيء من التفصيل لهذه القضية؛ كَتَب المقالات، ألقى المحاضرات، عقد جلسات مناقشة لتحليل عوامل التحريف في قضية عاشوراء.

وقد طُبعت خلاصة نظرياته حول ماهية نهضة الحسين(ع) وعوامل التحريف في واقعة عاشوراء في كتابه (الملحمة الحسينية) في ثلاثة أجزاء.

يشير الشهيد المطهري(قده) في كتابه (الملحمة الحسينية) ـ بعد بيان معنى التحريف وأنواعه ـ يشير إلى عوامل التحريف في حادثة عاشوراء، فيرى انّ ثلاثة عوامل دخيلة في تحريف واقعة عاشوراء وهي:

أ ـ الأعداء للوصول إلى مراميهم.

ب ـ المحبّين وميلهم لخلق الأساطير.

ج ـ تعليمات أئمة الدين في باب إحياء هذه الحادثة والتي اُسيئ فهمها وإدراك معانيها.

أوّلاً ـ الأعداء للوصول إلى مراميهم:

وهذا متداول ومتعارف عليه لتحريف كلّ حادثة، فالأعداء عادة ما تكون أهدافهم سبباً لتحريف الحقائق وتفسيرها بما يتلاءم وميولهم وأغراضهم، وهذا اسلوب صادق على النهضة الحسينية أيضاً، فقد بذلت الحكومة الأموية كلّ جهدها لاتّهام نهضة الحسين(ع) بأنّها كانت من أجل السلطة والفساد وتضليل الناس.

ثانياً ـ المحبّين وميلهم لخلق الأساطير:

فالبشر عامّة يمتلكون حسّ عبادة الأبطال وتقديسهم الأمر الذي يدفعهم إلى خلق الاسطورة من أبطالهم القوميين أو الدينيين، لذا يشاهد خلق أساطير كثيرة مضمونها جميعاً هو جعل هؤلاء الأبطال شخصيات فوق سائر البشر، وما أكثر الأساطير التي اختلقناها عن حروب أميرالمؤمنين(ع) ومنازلته الأبطال أمثال مرحب وغيره.

ثالثاً ـ تعليمات أئمة الدين في باب إحياء حادثة عاشوراء والتي اُسيئ فهمها:

وهذا هو العامل الخاص بحادثة عاشوراء، على خلاف العاملين السابقين الذين يتكرران في كلّ تواريخ العالم.

فتعليمات أئمة الدين(ع) جميعاً تؤكّد علينا ضرورة إحياء اسم الحسين بن علي(ع) والبكاء عليه وإقامة مجالس التعزية وقراءة الزيارات الواردة؛ وذلك لمعرفة ماهية وفلسفة نهضة الحسين(ع)، فالحسين(ع) أسّس مدرسة عملية في الإسلام ونموذج عمليّ للثورات الإسلامية، والتعليمات الواردة إلينا بهذا الشأن تهدف إلى المحافظة على هذه المدرسة الحيّة.

فقد وردت روايات عديدة في باب فضيلة زيارة الحسين(ع) والبكاء على مظلوميته والهدف منها كلّها هو الحفاظ على هذه الثورة وماهيتها حيّة.

لكن وللأسف الشديد، فإنّ البعض لم يدرك هذا المعنى وفلسفة صدور هذه الأوامر، وتصوّر بأنّ إقامة المجالس الحسينية والبكاء على الحسين(ع) بحدّ ذاته دون التوجّه إلى الهدف هو المطلوب لدى الأئمة(ع)، ممّا حـدا بـه إلى اختلاق طريقة جديدة لإبكاء الناس وخلق أساطير جديدة.

فبالنظر إلى الأمور المذكورة يمكن تشخيص المعيار في باب العزاء وحفظ الشعائر الدينية وهو:

انّ كلّ حركة لا تسيئ إلى ماهية نهضة الحسين(ع) ولا تنسي ذكرها صحيح ولازم، وإنّ كلّ حركة تسيئ إلى هذه النهضة بأيّ شكل من الأشكال وتدخل السرور في قلوب الأعداء وتشوّه سمعة المذهب الشيعي، فهو خطأ ومرفوض.

**************

الشيخ زين العابدين قرباني: المآتم الحسينية الأصيلة والمنزهة عن الخرافات منشأ للخير والبركة

2011-11-28

قال إمام جمعة رشت: يجب على علماء الدين الوقوف بوجه البدع والأوهام في مراسم العزاء والحدّ من إشاعة السلوك غير الديني.

وأكد الشيخ زين العابدين قرباني، ممثل الولي الفقيه في جيلان، في جمع من أئمة الجماعة ورؤساء المواكب الدينية في المدينة على لزوم تجنب الخرافات في مآتم العزاء المقامة في شهر محرم، وقال: عزاء الإمام الحسين (عليه السلام) ثروة عظيمة لا بد من الحفاظ عليها إلى الأبد.

وشدد سماحته على أن إقامة الصلاة والحفاظ على الشعائر الدينية عن طريق الصلاة من أهم أهداف قيام عاشوراء، مضيفاً: لقد ثار الإمام أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) من أجل إزالة غبار الغفلة عن الشعائر الدينية، لاسيما الصلاة، وضحى بنفسه الزكية في سبيل ذلك.

وأشار سماحته إلى مآتم العزاء الأصيلة والمنـزهة عن الخرافات ستكون منشأ للخير الوفير والبركة العميمة، مبيناً: يجب على علماء الدين الوقوف بوجه البدع والأوهام في مراسم العزاء والحدّ من إشاعة السلوك غير الديني بمعونة الجماهير المتدينة.

ولفت سماحته إلى أنه لا ينبغي للعزاء في محرم أن يبعدنا عن أساس الدين وهو الصلاة، وقال: عزاء الحسين بن علي (عليه السلام) عبادة وتعظيم للشعائر وإبداء الولاء للإسلام والقرآن وسيد الشهداء؛ ولذا لا بد أن تكون البرامج فيه بقصد القربة.

وأوصى سماحته الخطباء بالابتعاد عن الخرافات وما لا أصل له في الدين، داعياً إياهم إلى نقل صورة عاشوراء الناصعة إلى الناس، متابعاً: الصحوة الإسلامية المتنامية التي نشهدها اليوم في عدد من البلدان ما هي إلا نتيجة لثقافة عاشوراء الأصيلة.

ومضى سماحته في القول: إذا حلت الأديان الزائفة محل الدين الحنيف، وإذا تلبست العلمانية بلباس الدين، وإذا ظهر الدين بصورة الصمت إزاء الظلم والطغيان، لا بد حينئذ من التأسي بالحسين الشهيد (عليه السلام) واختيار الشهادة على الحياة والقتل على العيش بذل.

إلى ذلك، انتقد سماحته الحكام المنفذين للسياسة الأمريكية في المنطقة، وقال: لقد تحول بعض رؤساء الدول في منطقة الشرق الأوسط إلى أدوات طيعة تحركها أيادي الاستكبار العالمي، بغية تحقيق أهدافه ومآربه في المنطقة.

 **************

الشيخ حلوائي: عاشوراء تجسيد لعرفان الإمام الحسين (عليه السلام) العملي

2011-12-03

قال الشيخ حلوائي: دعاء عرفة مثال على العرفان النظري وعاشوراء تجسيد للعرفان العملي للإمام الحسين (عليه السلام).

قال الشيخ حلوائي، الأستاذ في حوزة قم العلمية، في مهرجان (مرآة الشمس): إن ملحمة كربلاء لن تتكرر أبداً...وأشار سماحته إلى حديث قائد الثورة الإسلامية في إيران «في كربلاء الحسين (عليه السلام) أسرار لا تنكشف إلا بنظرة العشق والمحبة» قائلاً: يجب أن ننظر بعشق إلى كربلاء من وجهة نظر السيدة زينب (سلام الله عليها) لكي لا نرى إلا جميلاً.

وشدد على أن من يخلو قلبه من عشق أهل البيت (عليهم السلام) فهو ميت في حقيقة الأمر، مردفاً: الخطوة الأولى في مسير الله هي اليقظة، فالإمام الحسين (عليه السلام) يريد في ملحمته الخالدة إيقاظنا، وفقاً لقوله تعالى: ﴿يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكمْ لِمَا يحْييكمْ﴾ (الأنفال: 24). فالموت غير مقتصر على الجسد، بل قد تموت الروح ويبقى الجسد خاوياً.

وأشار سماحته إلى أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وقال: كربلاء مجلى للتوحيد، والإيمان بالتوحيد موجب للفلاح والصلاح. والتوحيد قد تجلى بأبهى صوره في سيرة الإمام الحسين (عليه السلام).

وأكد على أن الباري جل وعلا سيتيبنا بمقدار عرفاننا بكربلاء، متابعاً: دعاء عرفة مثال على العرفان النظري وعاشوراء تجسيد للعرفان العملي للإمام الحسين (عليه السلام). فالإمام بثورته يذكرنا بلزوم الوفاء بالعهد السماوي ودوام الذكر الإلهي والاعتقاد بكونه ناظراً علينا.

وأشار سماحته إلى حديث «إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة»، وقال: لقد فتح الإمام أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) طريقاً هادياً إلى الله تبارك وتعالى، فلا بد من تعلم طريق الهداية من الحسين وأهل البيت الأطهار (عليهم السلام).

وفي الختام، بين سماحته أن كربلاء كشفت النقاب عن الأنا والتكبر والغرور، مضيفاً: لم ينل أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) هذا المقام السامي لولا التضحية بأنفسهم الزكية، ونحن كذلك بوسعنا السير في سبيل الله وإعداد أنفسنا لإمام العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف) إذا ما أدركنا نور الهداية.