قبسات من فكر الشهيد مطهري حول الثورة

2007-08-19

* إنّ كلّ ثورة معلولة لسلسلة من عوامل الشقاء والبؤس، أي انّ الناس عندما يكونون غير راضين ومشمئزين من النظام الحاكم، فإنّهم يتمنون النظام المظلوم (أي النظام الّذي يطالبون به ويبتغونه)، وإنّ آثار الثورة وعلائمها عند ذلك تظهر إلى الوجود.

هذا وإنّ مجرّد عدم الرضا لا يكفي، فمن المحتمل أن نجد شعباً ما، لا يرضى عن وضعه القائم، ويتمنّى وضعاً آخر، ولكن لم يقم بالثورة أيضاً، لماذا؟ ذلك، لأنّه ارتضى نفسيّة الخنوع وقبول الظلم. مثل هؤلاء الناس لا يرتاحون للنظام الحاكم، ولكنّهم يستسلمون للظلم.

ولا يمكن أن تقوم ثورة في مكان ما إلاّ إذا كان الشعب غير راض عن النظام، بل إضافة على ذلك، لابدّ أن تتوفّر فيه النفسيّة النضاليّة والنفسيّة الرافضة والمستنكرة، إنّه يمنح لأتباعه شعوراً نضاليّاً، لطرد وتغيير الوضع غير الصحيح ومحاربته.

ماذا يعني الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ يعني: أنّ الوضع الحاكم إذا كان وضعاً سيّئاً ونظاماً لا إنسانيّاً، فعليك أن لا تستسلم أمامه، وأن تجد وتجتهد قدر المستطاع لطرد وتغيير وضعه القائم، وتثبيت النظام المطلوب المختار.

إنّ المسيحيّة الّتي ترتكز على الاستسلام والخنوع، كانت تنتقد الإسلام طوال القرون الماضية، وتقول: كيف يستند هذا الدين على السيف والجهاد؟ يجب أن يدعو الدين إلى الصلح والسلام، فإذا صفعك أحد على خدّك الأيمن، فوجّه إليه الجانب الأيسر من وجهك ليصفعه مرّة أخرى، وأمّا الإسلام فإنّه بريء من هذا المنطق.

يقول الإسلام: «أفضل الجهاد كلمة حقّ عند إمام جائر»، وكم من حماسة خلقتها هذه الجملة القصيرة في عالم الإسلام.

إذا ما وجد عنصر الاستنكار والهجوم بالنسبة إلى الظلم والجور والاضطهاد في عقيدة ما، عندئذ تتمكن تلك العقيدة من زرع بذور الثورة بين أتباعها.

* لقد اضطر المستعمرون، أن يجدّوا ويكدحوا كثيراً بين أبناء البلاد الإسلاميّة، ليتمكّنوا من قطع العلاقة بين الدين والسياسة.

وقد عرضت هذه الأمور بكثرة في مجتمعنا، حتّى تقبّلها الناس تقريباً، ولكنّنا، رأينا عندما سمع أحد مراجع التقليد ـ هذا الإنسان الّذي يسعى الجمهور، ليطبقوا أعمالهم الدينية مع فتاويه وأوامره بكلّ دقّة ـ يصرّح بأنّ الدين لا ينفصل عن السياسة، وخاطب الناس قائلاً: إذا ابتعدتم عن سياسة البلاد فقد ابتعدتم ـ في الحقيقة ـ عن الدِّين، رأيناهم كيف تحرّكوا وأقدموا على التعبئة العامّة.

ولو دقّقنا أيضاً في موضوع المطالبة بالحرّية، عندما كانت معروضة ـ بكلّ شدّة ـ في المجتمع الإيراني لرأينا أنّها لم تلق استجابة واضحة من الجمهور.

وبعد أن عرض نفس الموضوع من قبل الإمام القائد أي الزعيم الديني، عرف الناس أنّ مسألة الحرّية لم تكن مسألة سياسيّة بحتة، بل أنّها مسألة إسلاميّة، واتّضحت هذه النقطة وهي أنّ كلّ مسلم يجب أن يعيش حرّاً ويطالب بالحرّية.

إذن ففي الوقت الّذي تطالب الثورة بالعدالة من ناحية، وبالحرّية والاستقلال من ناحية أخرى، فإنّها تريد العدالة والاستقلال والحرّية في ظلال الإسلام، وبعبارة أدق، فإنّها تطالب بكلّ شيء مع صبغتها الإسلاميّة، وهذا ما أراده الشعب وابتغاه.

* لقد أصبح الإمام الخميني قائداً للثورة بلا منازع ولا معارض؛ لأنّه بالإضافة إلى اجتماع جميع مزايا وشروط القيادة فيه، فإنّه كان آتياً على المسير الفكري والروحي وحاجات الشعب الإيراني، مع أنّ الآخرين ـ الّذين كانوا يجدّون للحصول على منصب القيادة ـ لم يكونوا في هذا المسير بمقدار ما كان الإمام الخميني عليه.

ومعنى ذلك: أنّ الإمام الخميني، مع كلّ المزايا والخصائص الشخصيّة، وإذا كانت المحركات الّتي استفاد منها لتحريك المجتمع، من نوع المحركات الّتي يستخدمها الآخرون، وإذا كان منطقه في إثارة الجماهير شبيهاً لمنطق الآخرين، فلا يمكنه أن يكسب فوزاً في تحريك المجتمع.

ولولا أنّ للإمام صفة الزعامة الدينيّة والإسلاميّة، ولولا أنّ الشعب الإيراني يحسّ في صميم روحـه بنـوع من القرابـة والألفـة والاستئناس مع الإسلام، ولولا الحب العميق لأهل بيت الرسول (ص)، ولولا شعور النّاس بأنّ هذا النداء الّذي يخرج من فم هذا الرجل، إنّما هو نداء الرسول (ص) أو نداء علي (ع) أو نداء الإمام الحسين (ع)، لما وجدت ثورة وحركة بهذا الشمول في إيران.

وإنّ سرّ نجاح الإمام القائد: أنّه تقدّم بالثورة في قالب المفاهيم الإسلاميّة. إنّه ناضل ضدّ الظلم، وكان نضاله هذا وفقاً للمعايير الإسلاميّة.

إنّه حارب الجور والطغيان والاستعمار والاستثمار، عن طريق إلقاء هذه الفكرة، وهي أنّ المسلم يجب أن لا يخضع للظلم، وأن لا يقبل الاضطهاد، ولا يسمح لنفسه أن يكون ذليلاً مهاناً أمام الكافر.

لقد ناضل الإمام تحت لواء الإسلام وبالمعايير والمقاييس الإسلامية.

والأعمال الأساسيّة لهذا القائد: انّه قاوم طويلاً وبكلّ جدّية مسألة الفصل بين الدّين والسياسة.

* علماء الدين يهيّؤون أرضية الثورة: قيل للناس: إنّ الإسلام دين العدالة والحرّية والمساواة، وإنّ الإسلام يستنكر التفرقة الطبقيّة.

وبهذا اللّحاظ وبالإضافة إلى النجاحات المعنويّة، أخذت المفاهيم الأخرى مثل المساواة والحرّية والعدالة و...، صبغة إسلاميّة واستقرّت في أذهان الناس.

وبسبب استقرار هذه المفاهيم في أذهان الشعب، أصبحت ثورتنا الأخيرة ثورة عارمة، ولا أظنّ أحداً يتردّد حول القول بشموليّة هذه الثورة.

إنّ هذه الحركة شملت المدن والأرياف، فالحضري والقروي، المتنعِّم والمحروم، العامل والفلاح، التاجر وغير التاجر، المثقّف والعامّي، الكل جميعهم ساهموا في هذه الثورة، وكلّ ذلك بسبب إسلاميّة الثورة الّتي استطاعت أن تجعل الطبقات المختلفة في صفٍّ واحد، وتُسيِّرهم في مسير واحد.

وأكبر من إيجاد الوحدة، استطاعت ثورتنا أن تكسب فوزاً عظيماً، في إزالة روح الخضوع والاستسلام أمام الغرب ـ بمعناه الأعم، أي القطاعين الغربي والشرقي ـ عن شعبنا، استطاعت ثورتنا أن تقنع الشعب: بأنّ له مبدأ ومدرسة وفكراً مستقلاً، ويستطيع أن يقف على قدميه ويتّكئ على نفسه.

* يا اخواني: إنّني أتساءل: ما هي القوّة الّتي تتمكّن من تحريك وإثارة 30 مليوناً على الأقل من شعب عدده (35) مليون نسمة؟ إنّ الّذين قرأوا تاريخ الثورات في العالم، يعرفون إنّه لم تصل أيّة ثورة إلى ما وصلت إليه ثورة إيران، من حيث السعة والشمول.

لاحظوا اخواننا الطيّارين على سبيل المثال، ربّما كان قليل هم الّذين يتصوّرون مدى قدرة، وقوّة الأحاسيس والعقائد الدينية، المتفشّية في صميم وأرواح هذه الطبقة.

إنّهم ـ وسط دهشة الجميع ـ يضربون عن العمل، بإيمان وإخلاص، ولم يخضعوا لأيّة قدرة ولا يرعبهم أيّ تهديد.

ولكن عندما يأتي الإعلان عن قدوم الإمام، يتطوّعون لقيادة طائرته.

تخالفهم السلطة وتهدّدهم ـ كما نقلوا لي بأنفسهم ـ وتحذّرهم من مغبّة إقدامهم على مثل هذا العمل، مع أنّهم لا يملكون وظيفة ولا منصب بعد أن أضربوا عن العمل، بل، وتهدّدهم بأنّهم إذا قادوا الطائرة، فإنّ الحكومة سوف تقصفهم بالصواريخ وتقضي عليهم.

غير أنّهم يجيبون ـ بالرغم من كلّ ذلك ـ : إنّنا عازمون على الحركة، واعملوا ما شئتم، عند ذاك، تضطرّ السلطة إلى التراجع، وتسمح بفتح خط واحد من بين جميع الخطوط الجويّة، فيسمّيه الطيّارون: خطّ الثورة، وياله من اسم بديع.

أين هم أولئك الّذين يقولون: إنّ الدّين يخصّ كبار السن، والعجائز وأهالي الجنوب؟ ألم يشارك بهذه الثورة، القروي والحضري، العامل والفلاح، الطالب والأستاذ، المحامي والموظّف؟ فما هي القوّة الّتي تستطيع أن تخلق ثورة كهذه، غير قوّة العقيدة، وبالأحرى عقيدة مثل الإسلام؟