أوجه الاختلاف بين انتفاضة 15 خرداد 1342 وثورة بهمن 1357

2007-08-19

الشيخ الهاشمي الرفسنجاني

كانت انتفاضة 15 خرداد تمهيداً لثورة عامي 1356 و1357، ولا يمكن مقارنة هاتين الحركتين مع بعضهما لأسباب عدّة، هي:

أولاً: أكتسب الشعب خلال الفترة الممتدة بين عالم 1342 وحتى عام 1356 تجربة ووعياً سياسياً واستيعاباً لأساليب المجابهة ومعرفة بطبيعة النظام؛ فقد كان لتحليل نقاط الضعف والأخطاء السابقة وإدراك الأضرار التي لحقت بنا جرّاء عدم مواصلة المجابهة العامّة أثناء الفترة المنصرمة، سهم وفير في مواصلة المجابهة الشعبية عام 1357.

ثانياً: كان الإسناد السياسي لانتفاضة 15 خرداد ضئيلاً، فلم تكن هناك تنظيمات باستثناء الهيئات المؤتلفة التي كان دورها محدوداً. فحينما اعتقل الإمام، واعتقل بالتزامن مع اعتقاله علماء وشخصيات أخرى كان لها حينذاك دور إلى حد ما؛ انقطع الاتصال بالقيادة، ولم يجد العلماء المهاجرون في طهران أية بواعث تدعوهم إلى مواصلة المجابهة وأكثر ما كان يرتجى منهم هو الدفاع عن الإمام ودرء الخطر عنه، والأبعد من ذلك هو العمل على الإفراج عنه وعن سائر السجناء.

أما في ثورة عامي 1356 و1357 فقد كان القائد مستقراً في مأمنه وعلى اتصال دائم بالشعب. وكانت كل حادثة تتخذ ـ بفضل توجيهات الإمام ـ طابعاً إيجابياً. فعلى سبيل المثال نأخذ واقعة 17 شهريور ومذبحة ساحة ژاله (والتي تسمى حالياً بساحة الشهداء) فلولا دور الإمام وحسن استغلاله لها لربما قد انهارت معنويات الشعب، إلا أن توجيهات الإمام ساهمت في عدم تدني المعنويات بل وقادت أيضاً إلى تأجيج لهيب الثورة. كما أن المساجد كانت معدة لخدمة الثورة؛ كل مسجد كان مركزاً للمقاومة وسنداً لها.

ثالثاً: لم تكن الثورة محصورة على نطاق قم وطهران ومدن محددة، وإنما كانت إيران كلها في حالة غليان وثورة.

رابعاً: كان العلماء قد اكتسبوا مزيداً من النضج عبر فترات السجن والنفي والجهاد، وكان كل واحد منهم على استعداد ليكون حلقة وصل ضمن دائرة معينة بين الشعب والإمام، وأصبح كل واحد منهم مستعداً ومؤهلاً لقيادة الناس. في حين كان لعدد قليل منهم في ما مضى قدرة على التحليل السياسي وأما البقية الباقية فما هم إلا سواد الجيش. واتخذت شريحة العلماء على العموم طابعاً تنظيمياً كان مركزه الأصلي في طهران وقم، وكانت سائر المدن على اتصال بهم عبر شبكة تنظيمية.

وفضلاً عن كل هذا، كانت لبعض المجموعات السياسية مشاركة في الساحة، ومن جملتها المجموعات اليسارية والوطنية. أما الأسباب الداعية لظهور مثل هذا الاتحاد فينبغي دراستها في موضعها المناسب.

وعلى كل الأحوال فقد نضج وعي الشعب والعلماء في كافة المجالات ما بين الفترة 15 خرداد عام 1342 إلى عامي 1356 و1357، وبلغوا مرحلة من التكامل السياسي جديرة بالثناء. كما ان التلاحم الذي انتهى إلى الإطاحة بالنظام البائد كان ناجماً عن هذا البلوغ السياسي إلى حد ما. ولاشك في ان دراسة تفاصيل هذا النضج وإلى جانبه العوامل الأخرى المؤثرة في حصول ذلك الانتصار، يعد بحد ذاته موضوعاً متشعباً.

ولو أردنا المقارنة بين انتفاضة 15 خرداد 1342 وثورة بهمن عام 1357، لعثرنا طبعاً على بعض نقاط الضعف في الانتفاضة، ولكن من الأفضل إلقاء نظرة من زاوية أخرى لنتعرف أيضاً على المعطيات الإيجابية التي أفرزتها انتفاضة 15 خرداد، والتي يعتبر كل واحد منها عاملاً مهما من عوالم انتصار الثورة:

1ـ أود الإشارة أولاً وقبل كل شيء إلى أن الاهتمام بقضية التنظيم جاءت كنتيجة للانتكاسة التي لحقنا في الخامس عشر من خرداد، حيث أدرك الجميع أن الضربة التي أصابتنا تعزى إلى حد بعيد إلى انعدام التشكيلات، وبما أن النظام كان يمانع وجود التكتلات العلنية المنظمة، وجدنا أنفسنا منساقين اضطراراً نحو التشكيلات السرية.

في أعقاب 15 خرداد، وهن عزم الأشخاص الذين كانت تحدوهم حوافز باهتة للجهاد؛ فتخلوا عن المجابهة. أما الذين كنت تحدوهم دوافع قوية، فخطوا نحو تأسيس التشكيلات، وقد اكتشف النظام بعض هذه التشكيلات، وأخذوا الاتجاه نحو النشاط السري طابعاً شمولياً، وانتهى ببعض التجمعات السرية المنظمة إلى المجابهة المسلحة مع النظام.

2ـ كان الاتجاه نحو المجابهة المسلحة أثراً آخر من معطيات 15 خرداد. فأحد الدروس التي استخلصها دعاة المجابهة الجادة من انتفاضة 15 خرداد هو عدم إمكانية الاكتفاء وحتى النهاية، بالكلام وإصدار البيانات، فالنظام طور أجهزته الأمنية والتجسسية وأخذ يجتث المجاهدين من جذورهم. ولهذا كان عليه أن يفهم أنه إذا وجه ضربة، ستوجه إليه في مقابلها ضربة. وهذا هو السبب الذي مهد الأجواء بعد 15 خرداد لانتهاج أسلوب المجابهة المسلحة. وكانت أول مجموعة بادرت إلى العمل المسلح هي الجناح العسكري لهيئة المؤتلفة التي ينتمي إليها بخارائي وأماني وهرندي ونيك نجاد ومن يحمل رؤيتهم، فتميزوا عن الآخرين وقرروا السير على طريق العمل العسكري.

وبعد مدة كان حزب "ملل إسلامي" الذي كانت نفس تلك الأسباب قد مهدت لنشوئه. أخذ الشبان المسلمون يتكتلون تدريجياً ويتنامى نشاطهم وضموا فيما بينهم عشرات العناصر النشطة، بيد أن تنظيمهم كشف لاحقاً واعتقل معظمهم وسجنوا.

وكانت نفس هذه الأرضية مهدت لنشوء منظمة مجاهدي خلق، حيث توصل بعض المخلصين إلى نتيجة مفادها أن انتهاج الأسلوب الذي تسير عليه "نهضت آزادي" (أي حركة الحرية) لن يؤدي إلى بلوغ أية نتيجة؛ فلم يرتضوا لأنفسهم السير على هذا النهج. فتوجهوا نحو أسلوب المجابهة المسلحة التي خططوا لها تخطيطاً لعله يفوق أي تخطيط آخر.

المجموعات اليسارية أيضاً رأت في الطريق الذي سار عليه حزب "توده" طريقاً خاطئاً، وأخذت تميل إلى تشكيل تنظيمات مسلحة. في عام 1345 حينما كنا في السجن كانت ثمة مجموعة بخارائي والعراقي وحزب ملل إسلامي ومجموعة شمس آبادي وهم الذي فكروا في اغتيال الشاه. ولكن بعدما نقلت من المعتقل إلى سجن "قزل قلعة" في عام 1350 اكتشفت ست عشرة خلية مستقلة ناشطة في مجال العمل المسلح، وألقي أكثر أعضاؤها في السجن.

3ـ هجرة العلماء إلى طهران، وبالإضافة إلى دور هذه الهجرة في ترسيخ مكانة الإمام، كانت لها أيضاً نتائج إيجابية لصالح المجابهة. وحتى إن كان لدى النظام تقييم آخر لها أو انه جنى منها نتائج إيجابية حسب تصوره، إلا أن معطياتها كانت لصالح الثورة. فالتصور القائل: لو أنهم مكثوا في مدنهم لكان بإمكان كل واحد منهم أن يكون محوراً في الجهاد واستنهاض الشعب، هو تصور غير واقعي، لأن أكثرهم كانوا سيلتزمون الصمت لعدم وجود أي اتصال لهم بالإمام، وحتى وإن نشط البعض منهم فلم يكن من الصعب على النظام التصدي له.

في حين أن الهجرة إلى طهران كانت تنطوي على مخاطر، وكان خلو مكان كل واحد من العلماء في مدنهم مدعاة لتكاتف الناس واتحادهم، وكانت أخبار ما يجري طهران تصل إلى جميع أرجاء البلد، وأخبار كل مدينة تصل إلى طهران. وإضافة إلى كل هذا، كان حضور كل واحد من العلماء في ذلك الحشد يحفز فيه وفي أتباعه رغبة أعمق في الجهاد والمجابهة، مما جعل في عودتهم بعد ذلك سبباً في إحداث موج ثوري.

إن المقارنة بين هذه الهجرة وبين الهجرة التي كان يعارضها الإمام ـ أي هجرة المراجع من إيران إلى العراق ـ مقارنة غير صائبة. نعم، ربما كان وجود شخصين أو ثلاثة من المهاجرين إلى طهران للتجمع فيه مسرة للنظام، إلا أنه لا ينبغي اتخاذ هذه النقطة ذريعة لرسم صورة سلبية عن تلك الهجرة عامة.

4ـ أدى عنف النظام وشدة قمعه للثورة إلى صقل قوى الثورة عموماً والعلماء خصوصاً. فالذين لم تكن لديهم دوافع أصيلة للجهاد وكانوا يتصورون أنه سيعود عليهم بالفائدة والجاه والشهرة وستحسن على أثره مكانتهم الاجتماعية، نفضوا أيديهم وحادوا عن هذا الطريق بعدما أدركوا أن القضية جادة وأن هذا الطريق محفوف بالسجن والنفي والتعذيب. أما القوى المخلصة والجادة والصلبة التي يصطلح عليها بـ "زبر الحديد" فقد صبرت وواصلت طريق الجهاد بمزيد من العزم والجهد.

ويتبين في ضوء هذه الرؤية أن واقعة 15 خرداد كانت بمثابة غربلة وتصفية للصفوف. كانت بطبيعة الحال قبل هذه الواقعة أحداث أخرى أدت نفس هذا الدور؛ من قبيل قمع الشعب في أوائل بهمن عام 1341 وما تلاه، وحادثة الفيضية. ولكن بعد الفيضية لم يبق موضع للشك في أن النظام حازم وجاد في قمع الثورة، ولابد لكل من يريد الثبات على هذا الطريق أن يوطن ذاته على ما يتخلله من مصاعب.

ولا مناص من الإذعان هنا بوجود أشخاص في الحد الوسط بين هؤلاء وأولئك، ولو كانت هناك خطة سليمة لتيسر الإبقاء عليهم ضمن صفوف الثورة، بيد أنهم انسحبوا منها بسبب غياب البرمجة الدقيقة.

5ـ يمكن العثور أيضاً على معطيات أخرى للخامس عشر من خرداد، نظير تغيير شرعية النظام، واقتراب العلماء من الجامعة و.. ما شابه ذلك. إلا أن أهم ما يلفت النظر في تلك المعطيات هو ما سلفت الإشارة إليه.

نقلاً عن كتاب (هاشمي رفسنجاني.. مرحلة المواجهة)