تصدير الثورة

2007-08-20

إسلامية الشعب وحياته البسيطة

تغير الشعب

إن هذا التغيير الذي حصل لدى الشعب خلال مدة قصيرة إنه تغيير كل شكل معجزة فنراه في يوم كان يخشى الشرطي، وكانت أسواقنا الكبيرة تخشى الشرطي، وفي يوم آخر فإنه لم يخشَ من الرجل الأول في البلاد.

كان في يوم لا يتجرأ على ذكر اسم الملك بسوء في بيته، بينما خرج في يوم آخر الى الشارع ليقول الموت له. لقد تغيرشعبنا، فمن الذي قام بذلك؟ إنه الإسلام والإيمان، وإلا فإن الإنسان لا يستطيع أن يقوم بهذا العمل. إنه ليس عملي وعملك وعمل هؤلاء، بل إنه عمل الإسلام.

نهضة الشعب

إنني نصحت الدول العربية قبل 15 سنة بأن يتحدوا وينقذوا القدس، لكنه لم تؤثر فيهم لأنهم لا يهتمون بهذه الأمور أبداً. وإذا تحدثوا عن هذه المواضيع فإنهم يقولون نفس الكلام الذي كان الملك يقوله بشأن التقدم والتمدن العظيم. إن أياً منهم لا يفكر بالشعب، ويجب على الشعوب أن تفكر بنفسها.

لو كنّا نريد الجلوس لتعمل لنا الدول شيئاً، لكُنا نعيش الآن نفس ذلك التخلف الذي كنا عليه، وكان الملك يحكمنا أيضاً. إننا وبقوة الإيمان التي وجدت عند شعبنا عارضنا القوى الكبرى والحمد لله انتصرنا عليها وقطعنا أيديها.

فإذا كنتم تريدون التغلب على مشاكلكم، إذا كنتم تريدون إنقاذ القدس، وإنقاذ فلسطين، وتريدون إنقاذ مصر وسائر الدول العربية من هؤلاء العملاء ومن أيدي الأجانب، فإنه يجب على الشعوب أن تنتفض، وأن تقوم الشعوب بهذه الأعمال، لا أن تجلس لتتدخل الحكومات بهذه الأمور؛ إنها تعمل طبقاً لمصالحها.

يجب على الشعوب أن تنهض وأن تفهم السر، فسر الانتصار هو أن يتمنوا الشهادة ولا يعطوا قيمة للحياة المادية، والحياة الدنيوية الحيوانية، فهذا السر قادر على أن يدفع الشعوب نحو الأمام. وهذا سر قد جاء به القرآن ونصر الشعوب العربية رغم كمال ضعفها على الدول الكبرى. لقد صنع القرآن الإنسان، صنع إنساناً إلهياً انتصر بتلك القدرة الإلهية وتغلب على الامبراطوريات في أقل من نصف قرن، ويجب العثور على هذا السر، يجب اتباع القرآن، يجب ايجاد الإنسان القرآني، يجب على الشعوب أن تكون نسخة للقرآن حتى يمكنها الفوز. لو ارادت أن تفوز من خلال التكتلات السياسية، أو الاجتماعات العادية، أو التجمعات الصورية لما أمكنها ذلك حتى الأبد. يجب عليها أن تجتمع سوية وتصبح إنساناً إلهياً يجاهد لله. ولو حصل هذا فإنها ستنتصر.

إنني أوصي جميع الناس وجميع المسلمين وجميع العرب أنهم لو أرادوا التغلب على مشاكلهم فإنه يجب عليهم أن يتربوا تربية إسلامية. يجب التحرك وفق المنهج الإسلامي، وأن يكون القرآن موجههم، وهادياً لهم وإماماً لهم؛ ولو حصل هذا لأمكنهم التغلب على جميع المشاكل، وبخلاف ذلك لو أرادوا العمل بموجب الموازين العادية والموازين السياسية وأمثال ذلك فإن الغلبة ستكون للحكومات دوماً، ولا يقدرون على تحقيق الفوز.

 

طلب الشهادة رمز الانتصار

يجب أن نرى كيف تمكّن الإسلام في الصدر الأول ورغم العدد القليل والأيدي العزلاء التي لا تملك أية وسيلة حربية، من فتح "المعمورة" خلال نصف قرن. وماذا جرى للمسلمين فيما بعد ورغم عددهم الكبير ومعداتهم وأسلحتهم وامتلاكهم للذخائر الغنية لكنهم فقدوا كل شيء. ماذا حدث ليكونوا هم كذلك ونحن هكذا. السبب هو أن الذين كانوا مع الرسول الأكرم (ص) في صدر الإسلام وبايعوه، كانوا قليلين، بيد أنهم كانوا ملتزمين بمسلكهم ومعتقدين بالإسلام، ولم يكونوا يريدون الحياة مع منتهى الذل والشقاء، بل اعتبروا الشهادة سعادة لهم، وهذه المعنويات هي التي نصرتهم على الروم وإيران؛ تلكما الامبراطوريتان العظيمتان اللتان تعتبران أقوى من القوتين الحاليتين في يومنا هذا. وفقد المسلمون فيما بعد تدريجياً قوة الإيمان، واهتموا بشؤون الدنيا، وارتبطوا بهذه الماديات.

وإن الذين كانوا يجلسون ويتحدثون، ونحن الآن حيث نجتمع ونتحدث، إنها بحوث عددية وليست بحوثاً بناءة.

عندما ينظر الإنسان الى هذه الدول الإسلامية الواسعة والمقتدرة نوعاً ما يشاهد أن قضايا الشعر والخطابة والفلسفة والعرفان وأمثال هذه الأمور هي المطروحة، وإن ما كان رمز الانتصار في صدر الإسلام غير مطروح أصلاً.

لو أن عُشر ما كان موجوداً عند أصحاب رسول الله (ص) وجيش المسلمين في صدر الإسلام كان موجوداً في هذه الدول الإسلامية لأصبحت قوة تفوق جميع القوى العظمى، إلا أنها فقدت روحية الإيمان بشكل كامل، وأصبح المؤمن جداً هو الذي يذهب الى المسجد ويعود منه الى البيت ويدعو فقط!

وأما تلك الأمور التي كانت مطروحة في صدر الإسلام، فإنها غير مطروحة أصلاً في الدول، والآن أيضاً ليست مطروحة.

 

تغيير النفوس

{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم} فـ"ما" عبارة عن واقعية وقانون؛ واقعية بهذا المعنى أنه لو حدثت تغييرات في شعب أو قوم معينين، فإن ذلك سيكون سبباً لحدوث تغييرات تكوينية، وتغييرات عالمية، وتغييرات موسمية.

إنكم تلاحظون أن تقدم الشعب الايراني هذا رهين ذلك التغيير، إنه تحول حصل في النفوس؛ فنحن كنا قوماً وكان شعبنا بشكل قَبِلَ معه بالنظام السابق بسبب التغييرات السيئة التي حصلت على طول التاريخ، وبسبب سيطرة الأجانب وعملائهم علينا في جميع المجالات، أي إنه حصل تغيير في حالات شعبنا ـ بسبب الدعاية السيئة ـ بحيث توفرت بواسطة هذا التغيير أرضيه القبول بالظلم والنظام الظالم والطاغوت والمرتبطين بالطاغوت وأسياد الطاغوت. إنه تغيير جعل من الإنسان ذي الفطرة السليمة، انساناً مريضاً وشعباً مريضاً.

لقد كانت الأقلام ضد مصالح الشعب ولصالح الطاغوت، وكانت الخطب والأقلام والممارسات والأعمال بشكل يغير الفطرة، وعندما تغيرت الفطرة بسببها فإنه حصل تغيير عام أيضاً، وهو سلطة الأجانب.

في هذه النهضة ـ والحمد لله ـ حصل تغيير معاكس؛ أي إن ذلك الشعب الذي خضع للظلم على طول التأريخ وتعوّد عليه وقبل به وبهذا النهب، تمكن خلال مدة قصيرة أن يغير نفسه فأصبح شعباً لا يقبل بأي نوع من أنواع الظلم أبداً؛ أي إن هذا الشعب تمرد على جهاز الظلم سواء الطفل الصغير أو تلك الأخوات المحترمات والأخوة المحترمون والشباب والشيوخ وتركوا كل شيء وخرجوا الى الشوارع والأزقة وصرخوا إننا لا نريد هذا النظام، ونادوا: الله اكبر.

إذن، فقد حصل تحول في قومنا وتغيروا، وما لم يحصل هذا التغير وما لم يحصل هذا التغير النفساني، فإن تغييراً حقيقياً ـ والذي هو زوال النظام الطاغوتي ومجيء النظام الإسلامي ـ لم يكن ليحصل. فالله تبارك وتعالى لا يغير ما لم نغير أنفسنا؛ فلو غيرنا أنفسنا باتجاه قبول الظلم، فمن الطبيعي أن يحكمنا ظالم؛ أما إذا غيرنا أنفسنا باتجاه الدفاع عن بلادنا، وإيقاف النهب ومواجهة الظلم، فإن الله سيوفر الأسباب، مثلما لاحظتم كيف أن شعبنا كان خلال سنوات خاضعاً للظلم والعذاب وذلك بسبب خروجه عن تلك الفطرة التي هي فطرة الله وسلك فطرة أخرى، وربى نفسه تربية أخرى، فأصبح جاهزاً لقبول الضغوط، وكنا غير مبالين ولا نصرخ فيما لو تعرضنا للضغوط والظلم من أي شخص كان.

كنا نقبل بالمستشار القادم من أمريكا، ونقبل بكل شيء، كانت عندنا حالة القبول والتسليم، ونقدم رؤوسنا ووجوهنا للضرب لكل من يرفع يده؛ فهذه الحالة كانت بسبب خضوعنا للضغوط لفترة طويلة، وبسبب الدعاية التي كانت تبث من هنا وهناك، وهي أنه عليكم بأن ترموا بكل ما عندكم وكل شيء يجب أن يكون من أمريكا. فهذه الأمور كانت السبب لأن يغير الله ما يلائم التغيير الحاصل في فطرتكم.

عندما استيقظ شعبنا ببركة الإسلام وغير نفسه فإنه تحول، أي تمكن ذلك الشخص من الوقوف بوجه أمريكا بعد أن كان يخشى الشرطي؛ ذلك الكاسب الذي كان يخشى الشرطي فيستمع لأوامره ويغلق محله إذا أمره، ويضع العلم إذا قال له ضع علماً دون أن يعترض أو يقول لا؛ لم يكونوا يعطوا أنفسهم حق الاعتراض، لقد خرجوا جميعاً إلى الشارع قائلين: الموت للملك. كان هذا تغييراً روحياً، كان هذا تحول "ما بأنفسكم".

وقد رأيتم تغيير {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم}، أي حصل التأييد الإلهي عندما تبدلت حالة القبول إلى حالة معاكسة لها، أي رفض الخضوع للظلم.

أنتم طردتم الظالم، فحافظوا على هذه الحال. وانتبهوا حتى تحافظوا عليها؛ أي احتفظوا بهذه الحال وبهذا التغيير الحاصل بسبب التوفيق الإلهي، إذ تغيرت نفوسكم إلى نفوس تعتبر الشهادة فوزاً لها والتبعية والذل عاراً وشناراً.

فالله سيحافظ على ذلك ما دمتم تحافظون على هذه الحال. ولو أن ما بأنفسنا عاد إلى حالته الأولى ـ لا سمح الله ـ لعادت الأوضاع الأولى مرة أخرى.

إن الله تبارك وتعالى يعمل بموجب الأسباب والمسببات وهذه سنة إلهية؛ فعندما تكونوا مستعدين للرضوخ للظلم، فإن هذا سيكون سبباً لظهور الظالم؛ وكلما خضعنا له أكثر زاد من ظلمه. وعندما نستعد للوقوف بوجه الظالم فإنه يعود أدراجه. وكلما ازداد ضغطنا عليه كان رجوعه أكثر. إنه يتقدم إذا رجعتم خطوة إلى الوراء، ويرجع إذا تقدمتم خطوة إلى الأمام. فهذه سنة إلهية، وأثبتّم ذلك بالتجربة أنه عندما تقدمتم باتجاه القضاء على الطاغوت، فإنه ذهب وانتهى، وجرّ أذياله وولّى.

 

البساطة في العيش ونبذ حياة الأشراف

لو أردتم الوقوف بوجه الباطل دون خوف أو وجل والدفاع عن الحق وأن لا تؤثر فيكم القوى العظمى وأسلحتها المتطورة والشياطين ومؤامراتهم ولا تخرجكم من الميدان، فما عليكم إلاّ أن تعوّدوا أنفسكم على الحياة البسيطة، وتتجنبوا من ارتباط قلوبكم بالمال والجاه والمقام، إذ عاش اكثر العظماء الذين قدموا خدمات جليلة لشعوبهم حياة بسيطة ولم يهتموا بزخارف الدنيا. وإن المرتبطين بالأهواء النفسانية والحيوانية الحقيرة يستسلمون لأي ذل من أجل المحافظة عليها أو الوصول إليها، وهم ضعفاء أمام القوة والقوى الشيطانية، وأقوياء وظلمة أمام الجماهير المستضعفة. بيد أن الصالحين خلافاً لذلك، لأنه لا يمكن المحافظة على القيم الإنسانية والإسلامية من خلال حياة البذخ والاستهلاك. إن الشباب الإيراني والنساء والرجال الذين تربوا في عهد الطاغوت تربية طاغوتية لم يتمكنوا أبداً من مواجهة قوة الطاغوت. لكنهم عندما تغيروا بقدرة الحق جل وعلا إلى أناس ثوريين بعيدين عن العلائق الشيطانية، تمكنوا من القضاء على تلك القوة العظيمة.

وقد استهدفت تلك الأيدي الأثيمة التي جرت شباننا الأعزاء في النظام السابق إلى مراكز الفساد، وجعلت من الإنسان الحر دُمية استهلاكية، وأن يكونوا غير مباليين إزاء الخيانات التي تحدث في البلاد والمصائب التي تنزل على الشعب وعلى ذخائره الثمينة والسلاسل الاستعمارية التي تطوق أكثر فأكثر أيدي الناس وأرجلهم، أو من أن ينهضوا للدفاع عن نفس ذلك النهج. واليوم فإن الفئة العاملة والمندفعة سواء في الجبهات أم في غير الجبهات هي تلك الطبقات المحرومة التي تعيش حياة بسيطة، ولا نشاهد بينها أي أثر لأولئك المرتبطين والمتعلقين بالدنيا.