الثورة الاسلامية والحملة المسعورة

2007-08-20

هل هي المصادفة التي تجعل الحملة ضد ايران تستعر في الأيام العشرة المشهودة لانتصار الثورة التي يُطلق عليها عشرة الفجر؟

ذلك ان خيوط الحملة ومفاتيحها قد نُسجت وصُقلت في الكيان الصهيوني وفي الدوائر الاميركية الشديدة التأييد له، وارتفعت أصداؤها بقوة في الاسبوع الاول من شهر شباط في ما يشبه الأوركسترا المصممة على إيقاع واحد: "ايران خطر استراتيجي على أمن الكيان الصهيوني".. وهو الملف الاساسي الذي سيحمله معه رئيس حكومة العدو آرييل شارون الى واشنطن في زيارته القريبة.

وإذا كانت دوائر البيت الأبيض قد صنفت ايران بأنها أحد الاضلاع الثلاثة للمثلث الذي يُطلق عليه الرئيس جورج بوش اسم "محور الشر"، فإن الاستهدافات الاسرائيلية تبدو أكثر وضوحاً في هذه الحملة.

الرؤية الاسرائيلية تنطلق من رسم عمق استراتيجي للكيان الصهيوني يمتد شرقاً حتى باكستان وشمالاً الى تركيا وجنوباً الى القرن الأفريقي وغرباً الى المحيط الأطلسي، وضمن هذا العمق فإن أي دولة تمثل قوة استراتيجية متكاملة تعززها استقلالية سياسية ما، هي خطر على هذا الكيان.

بهذا المعنى تمثل ايران الخطر الاستراتيجي المستقبلي، فكيف الحال وهي الداعم لأبرز قوى الانتفاضة والمقاومة ضد الاحتلال.

دول أخرى في المنطقة محورية أيضاً، تكبلها معاهدات وعلاقات سياسية واقتصادية مع الولايات المتحدة، تجعلها من جهة مسلوبة القرار السياسي الفعلي، ومن جهة ثانية رهينة الرقابة الدولية على مقدراتها الاستراتيجية. أما تركيا، فالعسكر العلماني والاستيعاب الصهيوني - الاميركي يجعلان أي صعود إسلامي يقودها الى الجبهة المعادية للإسرائيليين بعيد المنال حالياً.

وفق هذه الرؤية يفترض بالمنطقة المرسومة كدائرة تحيط بالكيان الصهيوني ويعتبرها داخلة في أمنه الاستراتيجي، يُفترض بها ان تخضع لمقتضيات هذا الأمن في نوعية التسليح والقرارات الحيوية، وكذلك في الرؤية السياسية والثقافية التي تحكم دولها، وهذا هو الجانب الجديد الملتقي مع رؤية واشنطن في مرحلة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001.

ما يثير الاستغراب ليس اكتشاف هذه الرؤية التي باتت "علنية"، بل طريقة تعامل دول المنطقة معها. ولنأخذ مثالاً واحداً..

أحد زعماء دولة مجاورة لفلسطين وقف الى جانب جورج بوش قبل أيام ليعلن انضمامه الى محور أميركا و"إسرائيل" ضد ما يسمى بمحور الشر، (ايران مصنفة فيه)، في الوقت الذي لا يخفي مساعدو شارون وحلفاؤه ان تهجير الفلسطينيين بمن فيهم فلسطينيو الـ"48" سيكون الى دولة هذا الزعيم التي يراد لها ان تكون كياناً بديلاً لفلسطين.

ماذا نسمي ذلك، عماءً استراتيجياً مقابل الوضوح والعلنية في الرؤية الاسرائيلية، أم انتحار استراتيجي لكياناتنا الصغيرة على أعتاب المشاريع الاميركية - الاسرائيلية.

بلد قوي كإيران هو حليف واقعي، اضافة الى كونه عمقاً استراتيجياً لكل الدول المهددة من الكيان الصهيوني، خصوصاً بعد زوال الكتلة الاشتراكية وبقاء العرب من دون حلفاء فعليين، في ظل تحويل الكيان الصهيوني من قزم ديمغرافي الى ديناصور عسكري يملك السلاح النووي والصواريخ بعيدة المدى والطائرات العسكرية التي تستطيع ان تطال دائرة واسعة تمثل باكستان أحد أطرافها.إذاً المنطقة الاسلامية برمّتها في مرمى التهديد الصهيوني وليس العكس، كما انه ليس من المستبعد ان تدخل أندونيسيا وماليزيا لاحقاً في دائرة الأمن الصهيوني اذا ما تحوّلت إحداهما الى قوة فعلية سياسية واقتصادية وعسكرية متكاملة.

في هذه اللحظة بالذات يكتشف الكثيرون ذلك البعد الاستشرافي للإمام الخميني (قده)، عندما قال ان "اسرائيل غدّة سرطانية"، منبهاً المسلمين جميعاً الى خطرها الوجودي عليهم.

الثورة الاسلامية مثلت زلزلاً ـ كما قال الصهاينة ـ ضرب أحد أضلاع مثلث تطويق العالم العربي، وهي أيضاً تغيير استراتيجي في المدى الحيوي للقضية الفلسطينية، وفي تواصل العالم الاسلامي شرقاً بالقضية المركزية جغرافياً وبشرياً وسياسياً وثقافياً.

الآن يظن الصهاينة ان الوقت حان للاقتصاص من هذه الثورة، ودفع أميركا الى تطويقها وتطويعها في ذروة ثمالتها بحربها العالمية، لكنهم نسوا ان الجمهورية الاسلامية مرّت بمراحل أصعب وتجاوزتها، وأنها الآن أكثر قوة وقدرة وصلابة.