انحناء العالم أمام إصرار الشعب الإيراني

2009-02-05

طهران - وكالة الأنباء القرآنية العالمية(IQNA): ان العالم اجمع لينحني تقديراً أمام صبر وإصرار الشعب الإيراني في الحفاظ على استقلاله وشرعيته وتمسكه بهويته الإسلامية ورفضه التدخل الأجنبي لأي سبب كان في شؤونه.

تفتخر الأمم والشعوب على اختلافها بماضيها، تاريخها، عراقتها وحضارتها لأن هذه العوامل هي من أهم ركائز التقدم والازدهار لدى الشعوب، فهي تبني أمجادها على النهج الذي رسمه الأولون، وترتقي بدعائم الأسس التي وضعها الآباء والأجداد على مرّ التاريخ. لاشك ان الشعب الإيراني يعتز بماضيه وحضارته العريقة والتي امتدت عبر الآلاف السنين لتوصل بلاد فارس إلى ارقي مراتب العلو والسمو بين شعوب العالم. هذه الحضارة العريقة والتمدن الرفيع والثقافة الواسعة في شتى المجالات صنعت عبر الزمن شعباً أبياً ورجالاً خلّدهم التاريخ لما قاموا به من خدمة الإنسانية في مختلف الميادين العلمية والثقافية والأدبية.

فلا ينسى التاريخ ابن سينا وسيبويه وعمر الخيام والكثير من الإعلام الذين رسخوا في ذاكرة التاريخ لما قدموه من علوم وفنون وثقافة إلى البشرية جمعاء. ولا تزال هذه الحضارة تقدّم يوماً بعد يوم رجالاً تعتز بهم الإنسانية ويعتز بهم العالم نظراً لخدماتهم الجليلة. ولما كانت هذه الأرض منبعاً للعلوم والثقافة فقد ربّت شعباً واعياً يحس بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه في حفظ هذه الحضارة العريقة والاستمرار نحو التقدم، رافضاً التواكل والتخاذل مدافعاً عن حقوقه المشروعة.

لذا فأن هذه البلاد كانت محط أنظار العالم على مرّ العصور، وطعمةً لقوى العالم للنيل منها والسيطرة عليها ونهب ثرواتها، فلا تكاد تمر حقبة من الزمن إلا وترى هجمة هنا أو هناك تسعى إلى تجريد هذا الوطن من هويته وتغيير مساره، إلى ان استقرت السلطة بيد سلسلة من الملوك الذين لم يألوا جهداً في تقسيم تراب هذا الوطن وتسليمه بيد الأجانب والسماح لقوى الاستعمار في تحقيق مطامعهم للاستحواذ على ثروات هذه الأرض. ولكن ذلك لم يكن ليتحقق لهم بوجود هذا الشعب الأبي والمجاهد، فقد انبرى أبناء هذا الوطن للدفاع والذود عنه وفي فترات متعددة ، فلا يزال الظلم قائماً حتى تقوم ثورةٌ هنا وثورةٌ هناك.

إلى ان كان آخرها على يد (الإمام الخميني) الراحل (رحمه الله) الذي قام وبالاتكال على وحدة الشعب في قلب الحكم الفاسد وإعلان الثورة عليه، ليعلن بذلك مرحلة جديدة في تاريخ إيران، ولينهي سلطة استعمارية سلّطها أعداء الشعب الإيراني عبر الآلاف السنين على رقاب أبناء هذا الوطن. ان الثورة الإسلامية في إيران جاءت لتعلن للعالم كله ان الظلم لا يمكن أن يستمر ابد الدهر، وان الشعوب الواعية هي الشعوب التي تأخذ بزمام المبادرة وتعلن حقها في تعيين المصير. لقد كان يوم الثاني والعشرين من بهمن سنة 1357 شمسية (11فبراير 1979) نقطة تحوّل في مسار الشعب الإيراني، لا بل نقطة تحول في تاريخ إيران المعاصرة.

لقد أخذ الإمام الخميني على عاتقه هذه المسؤولية في التصدي للدفاع عن حقوق أبناء وطنه، وتحرير بلاده من يد المستعمر، لذا نسمعه في خطاباته يقول: «إنني وبمساعدة أبناء هذا الوطن وبالتوكل على الله سانتزع السلطة من يد هذه الجماعة الفاسدة وأودعها بيد أصحابها الحقيقيين من أبناء الشعب الذين ينتخبهم الشعب نفسه لا الذي يعينه المستعمر...» وقد تحقق له هذا الهدف المنشود بعون الله وبفضل دماء الشهداء الذين سقطوا أبان الثورة دفاعاً عن عقيدتهم ووطنهم. ان العقل ليقف متحيراً حينما يراجع تاريخ الثورة الإسلامية في إيران. فكيف يستطيع شيخ طاعن في السن ان يتحدى سلطة استمرت سطوتها عشرات لا بل مئات السنين ؟! وكيف استطاع شعب اعزل ان يواجه قوة جيش كانت تعدّ من أقوى جيوش المنطقة وتنتصر عليه؟!.

أن الثورة الإسلامية في إيران غيّرت مفاهيم كثيرة كانت تعدّ من البديهيات على مرّ التاريخ فلم يعدّ لمفهوم الديكتاتورية والحكومات البوليسية أي معنى في قاموس الشعب الإيراني.

ولم يقتصر تأثير الثورة على الشعب الإيراني فحسب بل تعدّاه إلى التأثير في كل شعوب العالم، فقد قدمت الثورة الإسلامية نموذجاً يحتذى به لكل الشعوب الطالبة للتحرر وطرد المستعمر والاستقلال الحقيقي.

وقد صحّت كلمة الإمام الخميني الراحل في وصف هذه الثورة عندما قال: «لقد كانت ثورتنا انفجاراً من نور». ذلك النور الذي امتد شعاعه ليعمّ كل العالم يقتبس منه كل مظلوم طريقاً للخلاص من العبودية.

لقد حققت إيران الإسلامية وفي مدة قصيرة بفضل الثورة الإسلامية ما لم تحققه على مرّ مئات السنين ،فقد كانت هذه الثورة الشرارة التي تفجرت منها طاقات الشباب الإيراني حين وجدت السبيل لتحقيق ونيل أهدافها العلمية والعملية، وكانت بداية الانطلاقة نحو تحقيق أعلى المراتب العلمية والتقدم في شتى المجالات، فلا تجد قطاعاً إلا وشهد تطوراً ملموساً وسريعاً أذا ما قورن بسنوات ما قبل الثورة ففي مجال الزراعة نجد دعم الدولة للمزارع والطبقة الكادحة.

وفي مجال الصناعة نشاهد التطور التكنولوجي وبخطى سريعة تنافس المنتجات الإيرانية الدول المتقدمة في جودتها حتى حازت على أعجاب الغربيين أنفسهم ودعاهم إلى الاستثمار في إيران.

أما في المجال العلمي فحدث ولا حرج، فشباب إيران الإسلامية يتقدمون عاماً تلو الآخر في فك رموز مختلف العلوم حتى كان آخرها الحصول على التقنية النووية، لا باستجداء الغرب في التفضل عليهم للوصول إلى هذه التقنية المتطورة، بل بعلو الهمة والعمل الدؤوب في فتح اغني حصون العلم والمعرفة وبلوغ أعلى قمم النور .ليقدموا للأجيال القادمة دروساً في كيفية الاستقلال والاعتماد على النفس. ولولا حرب السنوات الثماني التي فرضها النظام الصدامي على إيران لما كانت هذه الوقفة في مسير تقدم الشعب الإيراني إلا أن العدو أحسَّ بالخطر الذي ينتظره إذا ترك المجال لهؤلاء الشباب في بناء وطنهم بأيديهم دون طلب المساعدة من القوى الأجنبية، فقام بالإيعاز لذلك الظالم المقبور ان يمد يد التعدي إلى هذه الأرض الطيبة ،و ما زال يسانده في تلك الحرب حتى انبرى أبناء إيران المخلصين للذود عن وطنهم .فلم يكن ليتحقق للعدو مراده بوجود هذا الشباب المؤمن فأندحر العدو مرةً أخرى أمام عزم وإرادة الشعب الإيراني ليعلن بنفسه انكساره وهزيمته.

واليوم نشاهد جلياً ثمرة دماء الشهداء الطاهرة الذين سقطوا دفاعاً عن وطنهم وشرفهم ومعتقداتهم، فها هي إيران الإسلامية تحتل مكانة مرموقة بين دول العالم. وها هو الشعب الإيراني محط أنظار مختلف شعوب العالم، ينظرون إليهم نظرة احترام وإجلال لما قدمه ويقدمه هذا الشعب المناضل في سبيل تحقيق معتقداته وأهدافه.

أن التمعن في أهداف الثورة الإسلامية الإيرانية يكشّف للمحقق حقائق كثيرة يمكنه من خلالها فهم أيدلوجية هذه الثورة الفريدة، التي منحت لشعب استقلاله بعد سنوات طويلة من الاستعمار. وبذلك نستطيع ان نفهم مدى إصرار الشعب الإيراني في المحافظة على هذا الانجاز الذي تحقق له بعد تلك السنوات العجاف الطويلة.

بقلم: (محمد علي كياني) الخبير الثقافية لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى دولة الكويت.