الإمام الخميني (قده) ودعم القضية الفلسطينية

2007-08-26

 

 

المناسبة: مولد النبي الأكرم (ص) وحفيده الإمام الصادق (ع)

الزمان والمكان: 17 ربيع الأول 1423هـ ـ طهران

الحضور: مسؤولو النظام الإسلامي وسفراء الدول الإسلامية المعتمدين لدى طهران وضيوف المؤتمر الإسلامي وحشد من الجماهير .

أجواء الكلمة

تعتبر ذكرى ولادة النبي الأكرم محمد (ص) وحفيده الإمام الصادق (ع) خير مناسبة ليقدم سماحة ولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي (دام ظله) أهم القضايا المصيرية بالنسبة للعالم الإسلامي؛ وعلى غرار الأعوام الماضية استقبل سماحته في هذه الذكرى السعيدة كوادر النظام الإسلامي وسفراء الدول الإسلامية وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية وجمع من الجماهير، حيث اعتبر سماحته ولادة النبي الأكرم (ص) منطلقاً لمقطع بشري حساس، والآيات التي ظهرت دليل على المشيئة والسنّة الإلهية في حتمية اقتلاع بساط الذل عن البشرية، وهو مرهون بإدارة الإنسان نفسه.

ثم تحدث سماحته عن القضية الفلسطينية التي تمثل جرحاً أليماً في جسد الأمة وأنها تؤذي قلب رسول الله (ص)، وأكد أن قضية فلسطين هي أبعد من كونها واجباً شرعياً لما لها من مساس مباشر بمصير البلدان الإسلامية؛ فالواجب يحتم على العالم الإسلامي بلداناً وشعوباً دعم الشعب الفلسطيني بوضوح واستمرار.

العناوين الرئيسية في كلمة سماحته:

ـ آيات ولادة النبي (ص) دلالة على المشيئة والسنة الإلهية.

ـ تعلّق السنة الإلهية بإرادة الإنسان.

ـ فلسطين قضية أبعد من كونها واجباً شرعاً.

ـ واجب العالم الإسلامي تجاه قضية فلسطين.

بسم الله الرحمن الرحيم

أبارك للأمة الإسلامية الكبرى ولجميع الأحرار في العالم والشعب الإيراني المؤمن الشريف ولكم أيّها الحضور الكرام والأعزاء في هذا المجلس ولاسيما الضيوف القادمين من البلدان الأخرى، ذكرى المولد السعيد للنبي الأكرم محمد بن عبد الله (ص).

آيات ولادة النبي (ص) دليل على المشيئة والسنة الإلهية

إن هذا اليوم العظيم الذي يصادف ولادة النبي الأكرم (ص) والإمام جعفر الصادق D جاء بواحدٍ من المقاطع العظمى في التاريخ البشري؛ ففي مثل هذا اليوم وهب الباري تعالى لعالم الوجود أعظم ذخيرة إلهية وهي الوجود المقدس للنبي   الأكرم (ص)؛ فكان منطلَقاً لمقطعٍ حساس في مصير البشر، ولقد جاء بشأن آيات ولادة النبي أنه (ص) لمّا ولد تهدمت شرفات إيوان كسرى وخمدت نيران آذرگشسب التي كانت مندلعة قروناً؛ وجفّت بحيرة ساوه المقدسة من قبل جماعة من أهل ذلك الزمان، وتساقطت الأوثان التي كانت معلّقة على الكعبة.

وتلك الآيات التي كانت رمزية وظاهرية دليل على المشيئة والسنّة الإلهية في إسباغ خلعة الوجود على هذا الكيان العظيم وهذه الشخصية السامية الفريدة، وإن المغزى من هذه الأحداث هو حتمية اقتلاع بساط الذل عن البشرية، سواء كان بسبب تسلط الجبابرة والمستبدين من الحكام من قبيل ما كان قائماً يومذاك في إيران والروم، أو وليد عبادة غير الله، وذلك ببركة هذه الولادة؛ ولابد أن ينعتق البشر على يدي هذا الوليد المبارك سواء من قيود الظلم الذي فرضه حكام الجور على المظلومين من البشر على مر التاريخ أو قيود الخرافات والعقائد الخاطئة المهينة التي تجعل من الإنسان خاضعاً ذليلاً أمام مخلوقات هي أدنى منه أو أمام غيره من البشر. لذا تقول الآية بشأن بعثة النبي الأكرم {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً}، ولا وجود لتحديد زماني، وهذا يشير إلى أن وجوب تحرك البشرية عبر هذه الواقعة صوب الحرية المعنوية والاجتماعية والحقيقة والعقلائية، وهذا ما كان قد انطلق وهو بأيدينا نحن البشر؛ وهذه سنّة أخرى في عالم الخلقة.

لو ضاعف البشر من سعيهم وجهودهم وهمتهم فسرعان ما يبلغون الأهداف الإلهية المحددة في الرسالة الإلهية؛ أما إذا تقاعسوا وبدا عليهم الضعف فإنهم سيراوحون في هذا المسير سنوات طوال، كما في التيه الذي أصاب بني إسرائيل {أربعين سنة يتيهون في الأرض}، إذ إن بني إسرائيل إنّما أصابهم التّيه والضياع في الصحراء بما كسبت أيديهم، ولقد كان بمقدورهم الحيلولة دون وقوع تلك الشدة والمرارة، أو تقليص مدّتها، وكذلك كان بوسعهم إطالة مدتها بضعفهم، وهكذا هو مآلنا؛ ولقد بيّن وحدّد الباري عز وجل للمسلمين العلّة من خلق البشر والفلسفة من إرسال الرسل وإنزال الكتب، والبشر هم الذين بإمكانهم إطالة هذا الطريق أو اختصاره، بالإسراع أو الإبطاء في بلوغ الهدف.

تعلّق السنة الإلهية بإرادة الإنسان

على صعيد السنّة الإلهية فإن إرادة الإنسان هي الحاسمة، وإن دعوة الإسلام الناسَ إلى الجهاد {وجاهدوا في الله حق جهاده}، أو {وجاهدوا في سبيله} إنما تعني: وظّفوا كافة قابلياتكم في سبيل الجهاد. لذا فإننا إذا ما عملنا بهذا الأمر الإلهي سنبلغ الهدف الإلهي بسرعة.

إن الهدف الإلهي ثابت وقطعي ولا مناص منه، فإن لم نعمل جاء آخرون وعملوا به {من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يُحبهم ويحبونه}، ولقد جعل الله سبحانه وتعالى هذا السبيل وهذا الهدف وهذا المصير حتمياً، وما هو ليس بحتمي عبارة عن الزمان والبشر الذين عليهم أن يقطفوا السعادة في التنافس في هذا الميدان، وهذا ما يتوقف على إرادتنا أنا وأنتم.

 لقد شحذ الشعب الإيراني همته بقيادة الإمام العظيم واستطاع المضي خطوة إلى الأمام ورفع راية الإسلام عالياً هنا؛ فاليوم ترفرف راية الشريعة المحمدية في هذا البلد، وربما كان ممكناً أن لا يقع هذا حتى عشرة أعوام أو مئة عام أخرى، لكن ما حققه هو إرادة هذا الشعب وتصميمه على التضحية والإقدام على الجهاد، وهذا ما يسري ويعم في كل مكان.

 

فلسطين قضية أبعد من كونها واجباً شرعياً

إن القضية الفلسطينية تمثل اليوم جرحاً أليماً وغائراً في جسد الأمة الإسلامية، والآية التي تُليت بشأن نبي الإسلام الأكرم تقول {عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}، فإن آلام العالم الإسلامي ـ وأبرز مفاصلها قضية فلسطين ـ تؤذي القلب المقدس لرسول الله؛ {عزيز عليه ما عنتمّ}، فروح النبي الطاهرة وهي بالعوالم العليا من عالم الملكوت تطفح حزناً للوضع الذي تمرّ به فلسطين حالياً؛ ولكن ما هو سبيل العلاج؟ إنه سبيل الجدّ والجهاد.

إن قضية فلسطين تمثل اليوم قضية العالم الإسلامي، وسواء علمنا ـ نحن المسلمين في البلدان الإسلامية ـ أم لم نعلم، فهمنا أو جهلنا، فإن مصير فلسطين مصيرنا جميعاً، وإذا ما ظفر الشعب الفلسطيني في ميدان المواجهة البطولي هذا الذي صنعه لنفسه ففي ذلك ظفر للعالم الإسلامي بأسره؛ ولكن كلّما استمرت محنة هذا الشعب ففي ذلك مدعاة للمزيد من إذلال المسلمين.

على العالم الإسلامي أن يعتبر هذه القضية قضيته بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ فصحيح أننا نتحمل واجباً شرعياً وقد فرض علينا الإسلام تقديم العون للشعب الفلسطيني، غير أن كلامي اليوم أبعد من الواجب الشرعي، فإنني أقول إن كل حدث تشهده فلسطين وأينما انتهت هذه القضية فذلك مما يمسّ بشكل مباشر مصير البلدان الإسلامية القريب منها والبعيد ويترك تأثيره عليها، وأيّما فعل تقدم عليه الشعوب الإسلامية الآن من أجل فلسطين إنما تكون قد عملت لنفسها ولصالحها؛ فعندما اقتطعت هذه البقعة الدامية من الجسد الإسلامي بمؤامرة من الاستعمار البريطاني لم يكن هدفهم يومذاك الاستحواذ على هذه البقعة، بل كان هدف المستعمرين يومها التسلط على المنطقة برمّتها، حيث كانت تمثل قلب العالم الإسلامي؛ وعليه فإن المسؤولية اليوم مسؤوليتنا جميعاً.

لقد أدّى الشعب الفلسطيني ما هو خليق وجدير بأي شعب شجاع وغيور على صعيد أدائه لواجبه وكان صامداً؛ وليعلم الجميع أن الحكومة الصهيونية الغاصبة الحالية قد هُزمت لحد الآن في عملياتها ولم تحقق أي نجاح، بل غدت مقهورة بإرادة الفلسطينيين؛ فلقد كان الهدف من هذه العمليات إخماد انتفاضة الأقصى، وأن يرفع الفلسطينيون أيديهم مستسلمين، وقتل دافع التحرر والغيرة لدى الشعب الفلسطيني.. لكنّ ما حصل يعاكس هذا الأمر تماماً.

إن عزيمة وتصميم الشعب الفلسطيني وفهمه لقضيته يفوق الآن ما كان عليه حين لم تكن الانتفاضة قد اندلعت بعد، فاليوم قد اتضح للشعب الفلسطيني مدى عداء وخبث وهمجية هذا الكيان الغاصب وشريكته أمريكا.

إذا ما وصل الحال بشعبٍ يرى فيه أن لا مناص من استقبال الموت البطولي فمن غير الممكن لأي شيء الوقوف بوجهه؛ فلا قوة الصهاينة ـ بما فيها من دبابات ومدفعية وماكنة حربية ظاهرية ـ ولا القوة السياسية والمالية التي تدعمهم ـ وهي أمريكا ـ لها القدرة على التأثير؛ لقد انتهى زمان تطميع الشعب الفلسطيني للجلوس على طاولة المفاوضات والحصول على ما يسمى بالحقوق، إذ اتضح عدم جدوى الجلوس حول طاولة المفاوضات والحوار مع العدو.

 

واجب العالم الإسلامي تجاه قضية فلسطين

لقد استوعب الشعب الفلسطيني الأمر ـ اليوم ـ وها هو يمارس مهمته، وها هي الأمهات والشباب ونساء فلسطين ورجالها قد نزلوا إلى الساحة.. والمهم أن يقوم العالم الإسلامي بواجبه؛ والعالم الإسلامي إنما يعني الشعوب والحكومات، وربما تفترض الحكومات وجود محاذير بالنسبة لها، بيد أن الشعوب لا تطالها هذه المحاذير التي لا وجود لها بالنسبة للعلماء والمثقفين والسياسيين وذوي التأثير على أذهان الجماهير؛ فعليهم المبادرة، وهذا مما يقدّم العون للحكومات أيضاً.

لو عبّرت الشعوب الإسلامية ولاسيما الشعوب العربية داخل بلدانها عن عزيمتها وإرادتها في دعم الشعب الفلسطيني بوضوح واستمرار لكان ذلك في صالح حكوماتهم أيضاً، لأن الحكومات ستستثمر هذه الأداة لممارسة الضغوط على العدو سياسياً.

لقد أحسن إمامنا العظيم إدراك الحقيقة ورؤيتها؛ فمنذ انطلاق هذه النهضة عام 1341هـ.ش [1(ص)62م] ـ أي قبل أربعين سنة ـ حيث لم تكن القضية الفلسطينية قد انتشرت حتى بين أوساط الخواص في إيران، يومها كان منطق الإمام وجوب أن يشعر الجميع بالخطر إزاء الهيمنة الإسرائيلية، وعلى الجميع الوقوف والتصدي لها، ومن ثم واصل ذات الدرب، وكان هذا أحد الشعارات الكبرى التي رفعها ذلك الرجل الإلهي الملكوتي.

نسأل الله تعالى أن يمنّ باليقظة على الشعوب الإسلامية كافة، وأن يعرّفنا واجباتنا ويعيننا على سلوك طريق أدائها، ويمنّ على الأمة الإسلامية بمزيد التقارب فيما بينها وإزاحة عناصر الفرقة من أوساطها، ويعزز عناصر الوحدة والتآلف بينها.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كلمة ولي أمر المسلمين سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله)

إلى المؤتمر الدولي للإمام الخميني (قده) ودعم القضية الفلسطينية

وجّه ولي أمر المسلمين وقائد الثورة الإسلامية سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله) اليوم كلمة إلى المؤتمر الدولي للإمام الخميني (قدس سره)‎ ودعم القضية الفلسطينية، تلاها مستشار سماحته للشؤون الدولية الدكتور علي أكبر ولايتي، فيما يلي نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

إن إقامة مؤتمر دولي عن الإمام الخميني (قدس سره) ودعم القضية الفلسطينية في ذكرى رحيل ذلك الإمام القائد العظيم عمل قيّم ذو دلالات كبرى؛ إذ إن نهضة الإمام الخميني قد بعثت روحاً جديدة في جسد القضية الفلسطينية وأعادت إليها رصيد الإيمان الإسلامي الذي اقترن دائماً بالجهاد والتضحية.

إن السياسات الأميركية الشرق الأوسطية بعد اتفاقية كامب ديفيد كانت قد رسمت مصيراً خاسراً للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني، وهي نفس السياسة التي أدت في النهاية إلى اتفاقية أوسلو وتبعاتها المؤلمة. لقد تضمنت تلك السياسات القضاء على معنويات الجهاد والمقاومة وإلغاء الشعب الفلسطيني تدريجياً من جميع معادلات المنطقة وشدّه بآمال واهية بدل اعتماده على ارادته وقواه الذاتية.

إن عناصر الروح الإيمانية الإسلامية ودافع الجهاد في سبيل الله حين دخلت لتمتزج مرة أخرى بنضال الشعب الفلسطيني قد خلقت أكبر عائق أمام تحقيق المخططات الاستكبارية والأهداف الخيانية.

الشعب الفلسطيني اليوم ببركة هذه المعنويات والدوافع متواجد في الساحة بكل وجوده، وهو بإرادته وعزمه وتضحياته يصنع المستقبل الذي لم يكن يخطر في بال الأعداء بل حتى في بال أصدقاء القضية الفلسطينية. إن الساحة الفلسطينية اليوم تبشر بمستقبل حتمي وعد الله سبحانه به المجاهدين الصادقين الصابرين ولن يخلف الله وعده.

عصابة الكيان الصهيوني الدموي الظالم ومن ورائه من الساسة الأمريكان والصهيونية العالمية والصليبية الرجعية يخالون أنهم بممارساتهم الاجرامية المفجعة سوف يحققون نصراً على الشعب الفلسطيني ويجبرونه على الاستسلام، وهو خطأ فظيع سوف يلقى مرتكبوه في المستقبل سوء العاقبة والجزاء. إن قتلة تل أبيب لم يستطيعوا إلا أن يقتلوا أبرياء ويهدموا مدناً، لكنهم خابوا أن يخلقوا أي صدع في عزم المجاهدين الفلسطينيين وصمودهم.

إن انتفاضة المسجد الأقصى من آيات الله، والمجرمون الخاسئون سيلقون أشد العقاب.

أغلب الظن أن طغمة الكيان الصهيوني وشريكته في الاجرام أمريكا، سوف يعمدون بسبب ما منوا به من فشل في عمليات الأشهر الأخيرة إلى التفكير في حيلة ماكرة جديدة للتخلص من هذا المستنقع وإخماد شعلة الانتفاضة. لا يجوز الاستسلام أمام هذه الحيلة الماكرة. لقد أثبت الكيان المحتل أنه لا عهد له ولا ذمة ولا يقتنع بأي منطق ينشد الحق ولا يؤمن بشيء سوى ممارسة البطش وانتهاج التوسع. ولا شك أن المناضلين المؤمنين والصادقين والحكومات المؤمنة بالقضية الفلسطينية سوف لا تنطلي عليه هذه الحيلة.

إن الحكومات والشعوب المسلمة وخاصة العربية تتحمل اليوم مسؤولية كبرى. واجب الحكومات طبعاً ثقيل وخطير للغاية، لكن ثقل واجب الشعوب خاصة علماء الدين والشخصيات السياسية والنخب الجامعية والمثقفة وسائر العناصر الفاعلة ليس بأقل من ثقل واجب الحكومات. وهذه المسؤولية تتلخص في إيصال المساعدات ورفع المعنويات ودفع عجلة هذا الجهاد المقدس.

أسأل الله سبحانه أن يوفقنا جميعاً لأداء هذه المسؤولية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سيد علي الحسيني الخامنئي

                                                                                                           12 خرداد 1381هـ ش

 [20 ربيع الأول 1423هـ]