يوم القدس ووحدة الشعوب الإسلامية

2011-08-24

المواقف الاستسلامية الذليلة للرجعية العربية وبالخصوص في العقد الأخير، والصمت والانحياز التدريجي للمحافل الدولية والقوى العالمية، ولّدت لدى جميع المسلمين ومستضعفي العالم حالة من اليأس وخيبة الأمل، وفي النهاية توصّلوا إلى حقيقة، وهي: أنه لابدّ (لتحرير فلسطين والقدس العزيزة ومحاربة الصهيونية، من العمل في إطار خارج إطار الدول العربية وقادة الدول الإسلامية والمنظمات والمحافل الدولية والقوى الإستكبارية)، وفي خطاب الإمام هذا المقدام العظيم, توجّه إلى الشعوب الإسلامية بقوله:

(إذا تصورت الشعوب بأن الحكومات هي التي ستقضي على إسرائيل، وتقف في وجه القوى الأخرى التي تريد إذلال هذه الشعوب وامتصاص خيراتها وذخائرها، فإن هذا تصور واه.. على المسلمين أن لا يجلسوا وينتظروا من حكوماتهم العمل لإنقاذ الإسلام من أيدي الصهيونية, ولا ينتظروا من المنظمات الدولية أن تعمل شيئاً لهم. على الشعوب ذاتها أن تنهض وتجبر الحكومات كي تقف في وجه إسرائيل، وأن لا تكتفي بالإدانة، فرفاق إسرائيل يدينون إسرائيل أيضاً، ومهما بلغت الإدانة من حدّة في الظاهر فإنها لا تخرج في الواقع عن حدّ المزاح، إذا تصوّر المسلمون أن تقوم أمريكا أو عملاء أمريكا بعمل ما لهم فإن ذلك ضرب من المستحيل، وستبقى هذه القافلة معاقة إلى الأبد)[1].

ووفقاً للنهج الواعي أعلاه، عيّن الإمام الراحل(رضوان الله عليه)، بعد عدة أشهر من انتصار الثورة الإسلامية في إيران، آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك يوماً باسم(القدس). وفي خطاب بياني مهم لمسلمي العالم، تفضّل مُذكّراً إيّاهم بالخطر الإسرائيلي، ومعلناً استياءه الشديد من الحملات الوحشية للصهاينة المحتلين على الأراضي الإسلامية، والمذابح الجماعية المرتكبة بحق الفلسطينيين واللبنانيين بقصد إبادة المقاتلين الموجودين في الخطوط الأمامية للحرب ضد الصهيونية:

(إنني أدعو مسلمي العالم والدول الإسلامية كافة، إلى التلاحم واعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، والمعتبر يوماً من أيام القدر، والذي بإمكانه أن يكون محدداً لمصير فلسطين، يوماً للقدس وإقامة مراسم تبلور تلاحم الشعوب الإسلامية من أجل قطع أيدي هؤلاء الغاصبين ولحماية الحقوق القانونية للشعوب الإسلامية)[2].

وبعد بضعة أيام من انتخاب يوم القدس وإعلانه، أشار سماحته إلى أهداف هذا اليوم ومقاصده والدواعي التي من أجلها تمّ ذلك، وذلك عبر بيان مفصّل جاء فيه:

( في يوم القدس، على الشعوب أن تحذّر الحكومات الخائنة، يوم القدس يوم نريد من خلاله أن نعرف من هم الأشخاص وما هي الأنظمة التي تتفق والمتآمرين الدوليين ومن هم المعارضون للإسلام، فالذين لم يشاركوا في هذا اليوم معارضون للإسلام ويتفقون مع إسرائيل، أما المشاركون فهم أناس ملتزمون ويتفقون مع الإسلام ويعارضون أعداءه، وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل.

يوم القدس يوم يجب أن نسعى فيه جميعاً لإنقاذ القدس والأخوة اللبنانيين من طائلة الضغوط، يوم يجب علينا أن نسعى فيه لإنقاذ المستضعفين من مخالب المستكبرين، يوم يجب فيه أن يتجسّد المجتمع الإسلامي وتنذر القوى العظمى وحثالاتها المتبقية.. يوم القدس يوم الإسلام، يوم القدس يوم لابدّ فيه من إحياء الإسلام وتطبيق الشريعة الإسلامية وإحيائها في البلاد الإسلامية، يوم القدس يوم إحياء الإسلام، ويجب أن يعي المسلمون ويفهموا بأن لهم الطاقات والقدرات المادية منها والمعنوية. المسلمون يبلغ عددهم مليار نسمة، ويتمتعون بالحماية الإلهية، والإسلام يدعمهم، والإيمان كذلك، فمم يخافون إذن؟)[3].

وفي خطاب آخر لقائد مسلمي العالم، والذي ألقي على المشاركين في مؤتمر القدس، بيّن أنّ العقدة الأصلية لقضية فلسطين وباقي البلاد الإسلامية هي الحكومات الرجعية، فقال:

(مشكلة المسلمين حكوماتهم، فالحكومات وعبر ارتباطاتها بالقوى الخارجية وطاعتها لقوى الشرق والغرب أوجدت هذه المشكلات للمسلمين)[4].

ثم إنّ سماحته بيّن أنّ الصحوة الإسلامية في صفوف المسلمين والبلاد الإسلامية هي الوسيلة الأساس لفكّ حلقات هذه المعضلة:

(إذا أردتم وأرادوا وأراد العلماء في البلاد الإسلامية والجامعات الموجودة في الدول الإسلامية كافة حل مشكلة الإسلام والبلدان الإسلامية، فلابدّ من الصحوة الجماهيرية أولاً.. وإزالة قول(لا يمكن) من أدمغة الشعوب واستبدالها(بالممكن)[5].

إنّ ما يمكن استخلاصه من إرشادات سماحة الإمام(رضوان الله عليه) من خلال المواضيع السابقة، هو أنّ الإمام(قدس سره الشريف) في الحقيقة لم يعتبر يوم القدس يوماً رمزياً أو حركة سياسية إعلامية، بل إنه جعل اليوم مقدّمة لانتفاضة المسلمين وجهادهم وبداية لتحرير أرض فلسطين أولى قبلتي مسلمي العالم من مخالب الصهيونية العالمية، حيث أشار سماحته متفضّلاً:

(يوم القدس، يوم يجب فيه على جميع الشعوب الإسلامية أن تهتمّ به معاً، وعليهم إحياء هذا اليوم. فإذا ارتفعت أصوات كل المسلمين في آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك والذي هو يوم القدس، وجب أن تنتفض الشعوب كافة. إنّ القيام بالتظاهرات والمسيرات في الوقت الحاضر ستتحوّل إلى مقدمة؛ كي تقف ـ إن شاء الله ـ في وجه هؤلاء المفسدين واقتلاعهم من بلاد الإسلام)[6].

ومن وجهة نظر سماحة الإمام المباركة(رضوان الله عليه)، وبعد مرحلة صحوة الجماهير الإسلامية، فإن أهم الوسائل التي تتضمن تحرير فلسطين من مخالب المحتلّين هي مسألة وحدة المسلمين، وبعبارة أخرى اتفاق الشعوب المسلمة ووحدتها جميعاً:

(إنّ عدد مسلمي العالم يناهز المليار، فلماذا يستولي الصهاينة على القدس، بينما عددنا يبلغ المليار، ويفرضون سيطرتهم على الحكومات الأخرى أيضاً. في حين أنه لو توحّد المسلمون لشكّلوا حكومة كبرى تحت لواء الإسلام العظيم، دون المساس بالحكومات المحلية)[7].

فالأسلوب والمراحل المتكاملة التي اتّبعها الإمام(رضوان الله عليه) لتشكيل خلايا مقاومة حزب الله في البلاد الإسلامية والعالم، أسلوب ذا مسحة نبوية، يمكنه تحديد مصير المسلمين وبالخصوص فلسطين وبدء العد التنازلي لزوال النظام الغاصب للقدس:

(إنّ مسؤولي دولة إيران المحترمين والشعوب الإسلامية، لا يمكنهم الكفّ عن محاربة هذه الشجرة الخبيثة لاقتلاعها بالإتكال على الله والسائرين على النهج الإسلامي, وبالقدرة المعنوية لأمة محمد(ص) وبالإستفادة من الإمكانيات الموجودة في بلاد المسلمين، وتشكيل خلايا مقاومة حزب الله في أرجاء العالم، سنجعل إسرائيل تندم على ما اقترفته من جرائم فيما مضى، وسنحرر الأراضي المغتصبة من مخالبها)[8].

 

ـــــــــــــــ

 

[1] من محاضرة لسماحته أمام خريجي كلية العلوم العسكرية أعضاء لجنة توحيد المدرسة الفيضية والجامعات العلمية (28/9/1360هـ.ش).

 

[2] ضمن رسالة لسماحته لمسلمي العالم بمناسبة انتخاب يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك يوماً باسم يوم القدس.

 

[3] في بيان لسماحته بمناسبة يوم القدس ـ صحيفة (نور) ج8 ـ (25/5/1358هـ.ش).

 

[4] (18/5/1359هـ.ش).

 

[5] (18/5/1359هـ.ش).

 

[6] صحيفة (نور) ج12 ـ (16/5/1359هـ.ش).

 

[7] في خطبة له أثناء لقائه مع الهيئة المكلفة بمتابعة شؤون الحرب المفروضة ـ صحيفة (نور) ج 14 ـ (14/12/1359هـ.ش).

 

[8] صحيفة (رسالت) 10/5/1366هـ.ش.