بنو إسرائيل بعد موسى (ع)

2007-08-26

 

لقد كان بنو إسرائيل في تلك الفترة هم أهل الحق وحملة راية التوحيد، وكان فرعون مصر في ذلك الزمان متكبراً متعجرفاً يدعي الألوهية، وكان مفسداً يضطهد بني إسرائيل فيذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين}، وقد ولد موسى (ع) في هذا الجو وتربى في بيت فرعون في تدبير رباني محكم، وقصة موسى ونشأته ودعوته لفرعون وخروجه ببني إسرائيل وهلاك فرعون أشهر من أن تروى.

وأرسل موسى (ع) إلى فرعون بهذا الأمر، يعاونه في ذلك أخوه هارون الذي بعث رسولاً أيضاً {وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين، حقيق علي ألا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل}، غير أن فرعون يأبى ويتكبر ولا يؤمن بالآيات والمعجزات التي جاء بها موسى، ويؤمن السحرة الذين حشدهم فرعون بدعوة موسى، ويسقط في يد فرعون، ويبدو أن الذين أظهروا إيمانهم وانضموا إلى بني إسرائيل كانوا عدداً محدوداً من أولاد وفتيان بني إسرائيل وكان إيمانهم مقروناً بخوف من أن يفتنهم فرعون {فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين}. ثم إن موسى (ع) قاد من آمن من قومه شرقاً فأتبعهم فرعون وجنوده، وحدثت قصة انشقاق البحر وإنقاذ الله سبحانه لبني إسرائيل وهلاك فرعون وجنوده {فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم * وأزلفنا ثم الآخرين * وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين}.

ونقف هنا عند بعض الآراء والروايات التاريخية التي يظهر منها أن عدد من خرج مع موسى من مصر كان حوالي ست آلاف فقط أو خمسة عشر آلفاً على بعض الروايات. أما تلك الفترة من الناحية التاريخية فكانت على ما يبدو خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وكان خروج بني إسرائيل من مصر تحديداً في حوالي الثلث الأخير من ذلك القرن. وهي فترة توافق حكم "رعمسيس الثاني" المشهور في هذا العصر بـ"رمسيس الثاني"، ومن تقدير الله أن جثة هذا الفرعون معروضة في أحد المتاحف المصرية الآن، وهذا يذكرنا بقوله سبحانه {فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية، وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون}.

وبعد إنقاذ الله سبحانه لبني إسرائيل تبرز فصول معاناة موسى وهارون معهم، ويظهر من صفات هؤلاء ضعف الإيمان والجهل والجبن، فما كادوا يخرجون من البحر حتى أتوا على قوم يعبدون أصناماً، {قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة}، ثم عندما يذهب موسى لميقات ربه يعبد قومه العجل رغم وجود هارون بينهم !! {واتخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلاً جسداً له خوار}، {فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي}، وكادوا يقتلون هارون عندما نهاهم عن كفرهم وهو الذي قال لأخيه موسى {إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني} وغيرها من المواقف.

ثم يقود موسى بني إسرائيل باتجاه الأرض المقدسة ويقول لهم {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين}، ولكنهم يختارون الارتداد على أدبارهم، {قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون}، ولا ينفع فيهم النصح فيكررون، {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون}.

ويتألم موسى (ع) ويلجأ إلى ربه {رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي، فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين}، ويستجيب الله لنبيه {قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض}، وهكذا يحكم عليهم بالتيه بعد أن كانوا على أبواب الأرض المقدسة، ويظهر أن الله سبحانه قد حرمها على هذا الجيل من بني إسرائيل حتى ينشأ جيل غيره يصلب عوده في جو من خشونة الصحراء، فهذا الجيل "أفسده الذل والاستعباد والطغيان في مصر فلم يعد يصلح لهذا الأمر الجليل".

وتوفي موسى (ع) قبل أن يستطيع دخول الأرض المقدسة.