نهاية الوجود اليهودي في فلسطين

2007-08-26

 

ونعود مرة أخرى لنرى أحوال بني إسرائيل في فلسطين بعد صعود المسيح، فقد كان الرومان قد بدأوا حكماً مباشراً على القدس وباقي فلسطين منذ 6 م، بعد أن خلعوا أرخيليوس الذي خلف أباه هيرودس لسوء حكمه، وفي عهد واليهم بيلاطس البنطي 26ـ36 م حدثت وقائع السيد المسيح (ع). وقد ثار اليهود على حكم الرومان في نوفمبر 66م في عهد الامبراطور نيرون واستطاع القائد العسكري الروماني تيتوس إخماد هذه الثورة في سبتمبر 70م ـ بعد أن استمرت أربع سنوات ـ فدخل القدس بعد حصار شديد وأعمل القتل والنهب والحرق، ودمر الهيكل الذي بناه هيرودس حتى لم يبق حجر على حجر وأصبحت مدينة القدس قاعاً صفصفاً، وبيع كثير من الأسرى عبيداً في أسواق الامبراطورية الرومانية بأبخس الأثمان، وكانت أمنية اليهودي أن يشتريه من يرفق به فلا يرسله إلى حلبة المصارعة مع الوحوش التي اعتاد الرومان التلذذ بمنظرها وهي تلتهم الناس!! وبنى هذا القائد قوساً في روما بمناسبة نصره على اليهود وهو لايزال قائماً إلى الآن وعليه نقوش ذكرى ذلك الانتصار، ويُرى فيه الشمعدان ذو الرؤوس السبعة المشهور عند اليهود والذي أخذه من الهيكل.

ثار اليهود مرة أخرى على الرومان بقيادة باركوخبا واسمه الأصلي "سيمون" واستمرت ثورتهم ثلاث سنوات 132ـ135م، واجتمع تحت لوائه عدد كبير من اليهود واستطاع احتلال القدس، غير أن الامبراطور الروماني هدريان أرسل جيشاً كبيراً بقيادة جوليوس سيفروس الذي احتل القدس ثانية وهزم اليهود، الذين هربوا إلى بتّير حيث لاتزال خرائب القلعة التي تحصن فيها اليهود وهزموا وسماها العرب "خربة اليهود"، وقد نكل هدريان بالثائرين أشد تنكيل ودمر "أورشليم" وحرث موقعها الذي كانت قائمة عليه وقتل وسبى أعداداً كبيرة من اليهود، ثم منع اليهود من دخول القدس والسكن فيها بل والدنو منها، وسمح للمسيحيين بالإقامة فيها على ألا يكونوا من أصل يهودي. وأقام هدريان مدينة جديدة فوق خرائب "أورشليم" سماها إيليا كابيتولينا،حيث عرفت بعد ذلك بـ"إيلياء" وهو اسم هدريان الأول، وأقام هيكلاً وثنياً لجوبيتر على نفس مكان الهيكل القديم.

واستمر حظر دخول القدس على اليهود حوالي 200 سنة تالية، وندر دخولهم إليها وأقامتهم فيها طوال القرون التالية حتى القرن التاسع عشر، وتشرد بنو إسرائيل في الأرض ولم يعد لهم في فلسطين سوى الذكريات التي أكثرها كفر وفسق وبغي وقتل للأنبياء، فكان جزاؤهم غضب الله عليهم ولعنته وحرمانهم من الأرض المقدسة وتقطيعهم في الأرض.

وفي نهاية هذا الاستعراض نذكر الخلاصات التالية:

(1)   إن سكان فلسطين قد جاء معظمهم من جزيرة العرب وأنهم ظلوا سكان هذه البلاد حتى عصرنا هذا.

(2)   إن الله قد وعد بني إسرائيل الأرض المقدسة عندما كانوا مستقيمين على أمر الله وعندما كانت تسوسهم الأنبياء، فلما بدلوا وأعرضوا وكفروا ذهب هذا الحق من أيديهم.

(3)   إن المسلمين هم أولى من بني إسرائيل بأنبيائهم وهم الورثة الحقيقيون لتراثهم ودعوة الإسلام هي استمرار لدعوة هؤلاء الأنبياء، وإن الحق الذي سعوا لتكريسه هو الحق الذي يسعى المسلمون لتكريسه.

(4)   إن ملك بني إسرائيل لم يشمل في أي يوم من الأيام كل فلسطين المعروفة بحدودها الحالية، وإن المدة التي حكموا فيها بشكل مستقل تماماً هي مدة ضئيلة قياساً إلى تاريخ فلسطين وأنهم حتى عندما كانت لهم مملكتان كانوا في كثير من الأحيان خاضعين لنفوذ قوى أكبر منهم.

(5)   إن الحكم الذاتي الذي تمتع به اليهود بعد عودتهم من السبي البابلي كان ضعيفاً ومحدوداً بمنطقة القدس وضواحيها، ولم يتمتعوا بعد ذلك إلا باستقلال محدود في عهد المكابيين.

(6)   إن اليهود بعد ذلك تشردوا في الأرض ـ بسبب منكراتهم وأفعالهم ـ ولم تعد لهم صلة بفلسطين لفترة استمرت حوالي 1900 سنة متصلة.

وفي الختام نذكر قول هـ.ج.ولز في كتاب موجز التاريخ حول تجربة بني إسرائيل في فلسطين بعد السبي البابلي: "كانت حياة العبرانيين (في فلسطين) تشبه حياة رجل يصر على الإقامة وسط طريق مزدحم، فتدوسه الحافلات والشاحنات باستمرار.. ومن الأول إلى الآخر لم تكن (مملكتهم) سوى حادث طارئ في تاريخ مصر وسورية وآشور وفينيقية ذلك التاريخ الذي هو أكبر وأعظم من تاريخهم".

ويذكر المؤرخ المشهور غوستاف لوبون أن بني إسرائيل عندما استقروا في فلسطين "لم يقتبسوا من تلك الأمم العليا سوى أخس ما في حضارتها، أي لم يقتبسوا غير عيوبها وعاداتها الضارة ودعارتها وخرافاتها فقربوا لجميع آلهة قبيلتهم يهوه العبوس الحقود الذي لم يثقوا به إلا قليلاً"، ويقول "اليهود عاشوا عيش الفوضى الهائلة على الدوام تقريباً ولم يكن تاريخهم غير قصة لضروب المنكرات..".. "إن تاريخ اليهود في ضروب الحضارة صفر.. و(هم) لم يستحقوا أن يعدوا من الأمم المتمدنة بأي وجه"..

ويقول غوستاف لوبون أيضاً "وبقي بنو إسرائيل حتى في عهد ملوكهم بدواً أفّاقين مفاجئين مغيرين سفاكين.. مندفعين في الخصام الوحشي"، ويقول "إن مزاج اليهود النفسي ظل على الدوام قريباً جداً من حال أشد الشعوب ابتدائية فقد كان اليهود عنُدُاً مندفعين غفلاً سذجاً جفاة كالوحوش والأطفال".. "ولا تجد شعباً عطل من الذوق الفني كما عطل اليهود".