المسجد ـ مفهومه وبعض أحكامه في القرآن والحديث
2007-08-23
عباس علي فراهتي
المترجم : عباس الاسدي
المقدمة :
المسجد في اللغة : هو اسم المكان من الفعل « سجد يسجد » بمعنى مكان السجود ومحل العبادة ، وهو مستثنىً من القاعدة المعروفة في اسم الزمان والمكان في الفعل الثلاثي المجرد مضموم العين . وبالطبع فان بعض كبار اللغويين امثال الفرّاء اجازوا فتح العين في المسجد ، بالرغم ان الكلمة لم تستعمل بهذه الصورة حتى الان([1]) . ويقول سيبويه : ان هذه المفردة تُقرأ مفتوحة بالقياس متى ما اُريد الفعل والعمل([2]) .
ولقد وردت في المعاجم وقواميس اللغة تعابير عديدة للمسجد ، تعود جميعها إلى معنى واحد .
يقول الزجاج في تعريف المسجد :« كل موضع يُتعبّد فيه فهو مسجد »([3]) ، ويعرف ابن الاعرابي الكلمة كالتالي : « المسجد بفتح الجيم ، محراب البيوت ومصلى الجماعات »([4]) ، وجاء في مفردات الراغب الاصفهاني : « المسجد موضع الصلاة اعتباراً بالسجود »([5]) .
اذن ، فالمسجد هو اسم مكان مشتق من فعل مصدر ثلاثي مجرد هو
« سجد » ، وقد اطلق على محل العبادة ومكان الصلاة ، ذلك ان السجود هو أهم اركان الصلاة واشرفها ، يقرب المرء إلى ربه اكثر من أفعال الصلاة الاخرى ، ولهذا اتُّخذ اسم المكان من الفعل واطلق على محل العبادة والصلاة([6]) .
وفي الاصطلاح العرفي يعتبر المسجد مكان العبادة الخاص بالمسلمين ، غير ان القرآن الكريم اطلق الكلمة على معابد أهل الكتاب أيضاً :
(قال الّذين غَلَبوا على امرهم لنتّخِذَنَّ عليهم مسجداً)([7]) .
(سبحان الذي اسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا ...)([8]) .
وفي الاصطلاح الشرعي اُطلق المسجد على المكان المحدد الموقوف للصلاة ، إذ جاء في النصوص الفقهية بهذا الشأن :
« المراد بالمسجد المكان الموقوف على كافة المسلمين للصلاة »([9]) .
ومضافاً إلى كلمة المسجد يطلق على هذا المكان احياناً «الجامع» ، وهو في الحقيقة صفة للمسجد الكبير الذي تقام فيه صلاة الجمعة . ويقال ان الخليفة الثاني هو أول من استخدم هذه الكلمة حينما اصدر تعليماته إلى الولاة في الحواضر الاسلامية لبناء المساجد الجامعة التي تقام فيها صلوات الجمعة . وتذكر الروايات التاريخية ان عمر بن الخطاب طلب من عماله على الاراضي المفتوحة والمدن الجديدة بناء مساجد خاصة بصلاة الجمعة ، ومساجد اخرى بين القبائل لاقامة الصلوات اليومية([10]) .
لكن بعض المؤرخين يقولون ان الناس هي التي استخدمت هذا المصطلح بادئ الامر ، واطلقت على المساجد التي تقام فيها صلوات الجمعة اسم المسجد الجامع أو الجامع . ولما توسع نطاق الحكم الاسلامي وازداد عدد المسلمين ، ازداد ايضاً عدد المساجد في البلاد الاسلامية ، كما كثر عدد الالفاظ التي تطلق على اماكن العبادة ، بحيث بات يطلق بمضي الزمان على كلّ مسجد يصلّى فيه المسجد الجامع أو الجامع([11]) .
وقد وردت كلمة المسجد في القرآن الكريم (28) مرة ; (22) منها بصورة مفردة([12]) ، و(6) على صورة الجمع([13]) وتشير هذه الايات إلى أهمية المسجد ومكانته الرفيعة في الاسلام، وبعض احكامه ، والاحكام الخاصة أيضاً بالمسجد الحرام ، كما تشير إلى المسجد الاقصى ومسجد أصحاب الكهف .
وثمة آيات اخرى في كتاب اللّه المجيد تحوم حول المسجد وأهميته ، رغم انها لم تستخدم هذا اللفظ صريحاً ، ولكن مفهومها واجماع المفسرين يؤكد ذلك . واننا في هذا المقال إذ لا يسعنا ان نأتي على جميع هذه الايات تفسيراً وتحليلاً وتبييناً ، نكتفي بذكر الايات التي تبرز اهمية المسجد بمختلف ابعاده في المجتمع الاسلامي ، ونتطرق باختصار إلى تفسيرها وتوضيحها .
المسجد أول بيت للتوحيد :
(إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين)([14]) .
(وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى وعهدنا إلى ابراهيم واسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود)([15]) .
يبدو من الايتين اعلاه ان الكعبة في مكة المكرمة هي أول بيت للتوحيد ، وأول مكان مركزي اقيم لعبادة اللّه الواحد الاحد .
وقد اختلف المفسرون في زمان بناء هذا البيت ، فمنهم من قال ان ابراهيم(عليه السلام)هو مؤسس البيت ولم يكن له أي وجود زمن آدم(عليه السلام)([16]) . واعتقد آخرون ان آدم(عليه السلام)هو أول من بنى البيت ، ثم جدد بناءه ابراهيم(عليه السلام)([17]) ، بيد ان القرائن المستلّة من الايات القرآنية والروايات النبوية تؤيد الرأي الثاني ، إذ جاء في القرآن الكريم على لسان ابراهيم(عليه السلام) : (ربّنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتكَ المحرّم ...)([18]) ، حيث يُفهم من الاية الشريفة ان ابراهيم(عليه السلام) لما جاء مع ولده اسماعيل(عليه السلام) وزوجه هاجر إلى مكة كان فيها اثر من الكعبة . وجاء في آية اخرى : (وإذ يرفع ابراهيم القواعد واسماعيل ...)([19]) ; ففي الاية اشارة إلى وجود اسس الكعبة قبل ابراهيم ، وانه وولده(عليهما السلام) رفعا هذه القواعد والاسس .
يقول الامام علي(عليه السلام) بهذا الشأن : « ألا ترون ان اللّه سبحانه اختبر الاولين من لدن آدم الى الاخرين من هذا العالم بأحجار ... فجعلها بيته الحرام ، ثم امر آدم(عليه السلام) وولده أن يُثَنّوا اعطافهم نحوه ...»([20]) .
اذن ، فالكعبة بنيت أول ما بنيت بواسطة آدم(عليه السلام) ثم تصدعت واندرست بمرور الزمان ليجدد بناءَها من بعد ابراهيم(عليه السلام) . ومهما يكن من أمر ، فان هاتين الايتين وغيرهما تؤيد كما تؤيد الروايات ان المسجد هو أول مكان ومركز وضع على الارض لعبادة اللّه الواحد ، ولم يكن قبله أي معبد آخر مخصص للدعاء والعبادة عند الموحدين .
وروى ابو ذر عن الرسول(صلى الله عليه وآله) : « ان بناء المسجد الحرام سبق بناء المسجد الاقصى »([21]) ، وروي عن أميرالمؤمنين(عليه السلام) في ذيل الاية الاولى حينما سأله رجل : أهو أول بيت ؟ ، فقال : لا قد كان قبله بيوت ، ولكنه أول بيت وضع للناس مباركاً ، فيه الهدى والرحمة والبركة([22]) .
العبادة ، الهدف الرئيسي لبناء المساجد:
(وان المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحداً)([23]) .
المراد بالدعاء في هذه الاية الكريمة العبادة ، فقد ورد الدعاء بمعنى العبادة أيضاً في الاية : (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)([24]) .
اما المراد بالمساجد في الاية ، فهناك اختلاف بين المفسرين ; فقال بعض ان المساجد في الاية جميع الاماكن التي يسجد فيها لِلّه ، ومن مصاديقه المسجد الحرام وسائر المساجد([25]) . وقال بعض آخر ان المساجد هي أماكن السجود السبعة ، مستندين على رواية من الامام النقي(عليه السلام) في ان المقصود بالمساجد الاعضاء السبعة للجسم التي توضع على الارض عند السجود([26]) . وقال الميبدي : ان المراد بالمساجد الاماكن التي بنيت للصلاة والذكر . وروي عن قتادة في تفسير هذه الاية ان اليهود والنصارى كانوا يشركون باللّه عند دخولهم معابدهم ، ولهذا قال تعالى للمؤمنين : (وان المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحداً)([27]) .
يستفاد من مجموع آراء المفسرين في هذا المجال ان المراد من المساجد هو الامكنة التي تبنى لعبادة اللّه ، ومن مصاديقها المسجد الحرام وغيره من المساجد ، اما التفسير الذي يشير إلى أنها المواضع السبعة في الانسان التي توضع على الارض عند السجود ، فربما اريد منه التوسعة في مفهوم الاية.
ولاهمية المساجد وفضلها على بقية الاماكن ، فقد نسبها اللّه تبارك وتعالى إليه ، ليميزها عن الامكان الاخرى ، ذلك ان اختصاص المساجد باللّه المنزه عن الصفات الحسية ينطوي على بعد رمزي ، واشارة إلى انها موضع اهتمام خاص من لدنه تعالى . وعليه فان الاعمال التي تُمارس فيها يجب ان تكون مرتبطة باللّه تعالى ، وان لا يطرح فيها أي أمر سوى ما يتعلق بمصالح المسلمين، كما ان النية في تأسيسها ينبغي ان لا تخرج عن هذا الاطار ، اي في سبيل اللّه ، وفي سبيل إعلاء كلمة التوحيد لا غير .
التوحيد والتقوى أساسان لقيام المساجد :
(والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وارصاداً لمن حارب اللّه ورسوله من قبلُ وليحلِفُنَّ إن اردنا الاّ الحسنى واللّه يشهد إنهم لكاذبون * لا تقم فيه أبداً لمسجد أُسس على التقوى من أول يوم أحقُّ أن تقوم فيه فيه رجال يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المُطَّهرين)([28]).
نزلت هاتان الايتان في رهط من المنافقين اقدموا على بناء مسجد في المدينة عرف فيما بعد بمسجد ضرار بتحريك من أبي عامر النصراني لتحقيق اهداف مشؤومة ومخططات شيطانية ، حيث آلمه ظهور الاسلام في المدينة بهذه القوة والقدرة وتأسيس الدولة الاسلامية فيها ، فاتصل بمنافقي الاوس والخزرج من أجل توجيه الضربة للاسلام ، فلما عرف رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بنواياه لاحقه ، إلاّ أنه فرّ من المدينة إلى مكة فالطائف ومن ثمَّ إلى الشام ، ليقود من هناك المنافقين في المدينة ، فكتب اليهم : ان استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح وابنوا لي مسجداً فاني ذاهب إلى قيصر فآتي بجند الروم فأُخرج محمداً وأصحابه . فبنوا مسجداً إلى جنب مسجد قباء ، فلما فرغوا منه أتوا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وهو يتجهز إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول اللّه ! إنّا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية ، وإنّا نحب ان تأتينا ، فتصلي لنا فيه ، فقال(صلى الله عليه وآله) : « انّي على جناح سفر ، وحال شغل ، » وقال ايضاً « ولو قد قدمنا ان شاء اللّه لاتيناكم ، فصلينا لكم فيه ».
فلما عاد من تبوك ، أتوه ، ودعوه للصلاة فيه ، فدعا بقميصه ليلبسه فيأتيهم ، فنزل عليه القرآن واخبره خبر مسجد ضرار ، وما همّوا به ، فدعا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ، جماعة من أصحابه وأمرهم بهدم المسجد وحرقه ، وان يتخذ كناسة تلقى فيها الجيف والنتن والقمامة([29]) .
يفهم من هذه الايات ان مؤسسي هذا المسجد كانوا يتوخون تحقيق اهداف مشؤومة تحت واجهة هذا الاسم المقدس ، لكن اللّه سبحانه وتعالى امر رسوله(صلى الله عليه وآله) بعدم القيام في هذا المسجد الذي يراد منه تفريق المسلمين ونشر الكفر والالحاد ، وطلب منه القيام في المسجد الذي يؤسسس على التقوى والهدف الالهي . ويعتقد المفسرون ان المقصود هو مسجد قبا الذي ورد لمقارنته بمسجد ضرار([30]) ، وثمة احتمال آخر مبني على بعض الروايات الواردة عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)([31]) ان المقصود هو مسجد النبي(صلى الله عليه وآله) ، ولكن بلحاظ التعبير الوارد في الاية : «اول يوم » فان الاحتمال الاول هو الانسب باعتبار ان مسجد قبا هو أول مسجد اُسس بعد الهجرة النبوية المباركة .
ثم ان القرآن الكريم يشير إلى خصيصة اخرى لهذا المسجد : (فيه رجال يحبّون أن يتطهروا ...) ، حيث اختلف المفسرون بالمراد من الطهارة في الاية ; فمنهم من قال بانها الطهارة الظاهرية ، ومنهم من اشار إلى أنها الطهارة المعنوية([32]) . فهناك بعض الروايات التي تؤيد المفهوم الاول، أي الطهارة الظاهرية([33]) ، وبالطبع فان هذه الروايات لا تدل على انحصار مفهوم الاية في هذا المصداق ، بل يمكن ان يكون المعنى الطهارة من كل دنس ظاهراً كان أو باطناً .
ومهما يكن من أمر ، فاننا نستنتج من البحث ان المسجد يجب ان يؤسس على التقوى والطهارة باعتباره مركزاً لتبلور العبودية والدعاء والخضوع للّه تعالى ومحيطاً للطهارة والقداسة ، ومحطة اشعاع للايمان والتقوى ، وأي بناء يقام تحت اسم المسجد لتحقيق اغراض دنيئة ، فيجب السعي لهدمه ، كما أمر رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بهدم مسجد ضرار واحراقه .
منع المشركين من بناء المساجد :
(ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه شاهدين على أنفسهم بالكفر اولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون * انما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه واليوم الاخر واقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلاّ اللّه فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين)([34]) .
قال بعض المفسرين في سبب نزول الاية ، ان الاية الاولى نزلت في شأن سدنة الكعبة بني عبد الدار الذين حاولوا البقاء في منصبهم بالرغم من أنهم لم يؤمنوا بالدين الحق([35]) .
وقال آخرون : إنها نزلت في العباس بن عبد المطلب قبل اسلامه حينما كان يعدد مفاخره في عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج يوم بدر بعد ان عاتبه المسلمون على كفره([36]) .
على أية حال ، فان الاية تبين حكماً كلياً ، مفاده أنه لا يمكن للمشركين المعارضين للاسلام المبادرة باعمار مساجد اللّه ، وانما هي مسؤولية المؤمنين باللّه ورسوله .
بالنسبة للاية الثانية ، يعتقد بعض المفسرين ان المراد بالاعمار ليس التعمير الحسي والظاهري فحسب ، بل تدل ايضاً على الاعمار المعنوي بالحضور في المساجد والصلاة فيها وممارسة الاعمال النافعة الاخرى داخلها ، كما قال الميبدي : عمارة المسجد دخوله والقعود فيه ، وقيل : عمارته رفع بنائه واصلاح ما استلزم منه ، وقيل : عمارته التعبد فيه والصلاة والطواف([37]) .
وقال الزمخشري في تفسير هذه الكلمة : والعمارة تتناول رَمّ ما استرم منها وقمّها وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح وتعظيمها واعتيادها للعبادة والذكر ، ومن الذكر درس العلم بل هو اجلّه واعظمه ، وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا([38]) .
ثم أورد الزمخشري رواية عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) فيها دلالة على الاعمار المعنوي ، جاء في جانب منها : « ان بيوتي في الارض المساجد ، وان زواري فيها عمارها ...»([39]) . وفي رواية اخرى عن النبي(صلى الله عليه وآله) وردت في ذيل هذه الاية فسرت العمارة بالحضور المتتابع في المساجد : « إذا رأيتم الرجل يعتاد على المسجد أو يتعاهد المسجد فاشهدوا عليه بالايمان »([40]) .
إذن ، فالعمارة هنا هي بشقيها الظاهري والباطني ، وعليه فان من يسعى إلى تأسيس المساجد وعمارتها هم المؤمنون باللّه واليوم الاخر والمقيمو الصلاة والمؤتو الزكاة الذين لا يخشون إلاّ اللّه .
المسجد مركز الايمان والهداية :
(في بيوت أذن اللّه أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه يُسبَّح له فيها بالغدو والاصال ...)([41]).
قال الزمخشري في ذيل الاية الكريمة : « في بيوت » يتعلق بما قبله ، أي : كمشكاة في بعض بيوت اللّه وهي المساجد([42]) .
وقال العلامة الطباطبائي([43]) : « في بيوت » متعلق بقوله في الاية السابقة : «كمشكاة» أو قوله : «يهدي اللّه» الخ ، والمآل واحد ، ومن المتيقن من هذه البيوت المساجد فانها معدة لذكر اسمه فيها ممحضة لذلك ، وقد قال تعالى : (ومساجد يذكر فيها اسم اللّه كثيراً)([44]) .
وورد في كشف الاسرار في ذيل هذه الاية ، ان ابن عباس قال : المساجد بيوت اللّه في الارض وهي تضيء لاهل السماء كما تضيء النجوم لاهل الارض([45]) .
ثم يقول الميبدي في تفسير معنى «الرفع» في الاية : المراد من «تُرفَع» رفع الاقدار وليس رفع الابنية ، لان من الكراهية في الشرع رفع جدران المساجد ، وقد جاء في الخبر : « واُمرنا أن نبني المساجد جماً » . ورفع الاقدار هو تعظيمها ، وعدم التحدث فيها بما لا يليق ، وذكر اسم اللّه دون غيره ، كما قال تعالى : (ويذكر فيها اسمه ...)([46]) . اذن ، فالمساجد هي من المصاديق البارزة للبيوت .
المسجد قاعدة ضد الظلم والاستغلال :
(ومن اظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يُذكر فيها اسمه وسعى في خرابها ...)([47]) .
اعتبر بعض المفسرين نزول هذه الاية مرتبطاً بحادث الحديبية ، حينما رفض المشركون دخول النبي(صلى الله عليه وآله) وأصحابه إلى مكة([48]) . وقال آخرون : ان الاية تشير إلى خراب بيت المقدس (70 سنة بعد السيد المسيح) حين دخول تيطس الروماني بيت المقدس حتى صارت المدينة تلاً من التراب ، وهدمه هيكل سليمان(عليه السلام) ، واحراقه ما كان عند اليهود من نسخ التوراة([49]) .
وايّاً كان ، فان ظاهر الاية لا يدل على حادثة محددة ، ولا توجد أية قرائن لمثل هذه الاراء ، فالاية تبين حقيقة كلية تشمل الاحداث الماضية كخراب بيت المقدس ، والحاضرة (زمان نزول الاية) كحدث الحديبية ، والتالية ، كتخريب المساجد على يد الصليبيين القرامطة ، وعليه يفهم من الاية ان أهل الشرك والنفاق عدّوا هذه المراكز خطراً حقيقياً لانها كانت على مر التاريخ قواعد للوحدة والعبودية وحصوناً للجهاد ضد الفساد والطاغوت ، ولهذا سعى اعداء اللّه دائماً وبشهادة التاريخ إلى التقليل من شأن المساجد وتحجيم اهميتها بمختلف المخططات والدسائس . وعلى هذا الاساس اعتبر القرآن الكريم الدفاع عن حرمة المساجد وقداستها احد أهم دلائل تشريع الجهاد : (ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم اللّه كثيراً ولينصرن اللّه من ينصره إن اللّه لقوي عزيز)([50]) .
المسجد في الحديث :
ثمة روايات كثيرة وردت عن النبي(صلى الله عليه وآله) والائمة(عليهم السلام) في أهمية المساجد ومكانتها الرفيعة ، ولزوم احترامها ، واعمارها بالحضور المستمر فيها لاداء الصلاة وطلب العلم وغير ذلك من الامور المفيدة . نشير فيما يلي إلى بعضها :
المساجد بيوت اللّه على الارض :
روي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ان اللّه سبحانه قال : « الا ان بيوتي في الارض المساجد تضيء لاهل السماء كما تضيء النجوم لاهل الارض »([51]) .
المساجد مجالس الانبياء وبيوت المتقين :
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : « المساجد مجالس الانبياء »([52]) ، وقال(صلى الله عليه وآله) : « المساجد بيوت المتقين ، ومن كانت المساجد بيته ضمن اللّه له بالروح والراحة والجواز على الصراط »([53]) ، وقال(صلى الله عليه وآله) أيضاً : « خير البقاع المساجد ([54]) .
احترام المسجد :
قال الامام الصادق(عليه السلام) ليونس بن يعقوب : « ملعون ملعون من لم يوقر المسجد ، أتدري يا يونس لِمَ عظّم اللّه تعالى حق المساجد وانزل هذه الاية : (وإن المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدا) ؟ . كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم اشركوا باللّه تعالى ، فأمر اللّه سبحانه نبيه أن يوحد اللّه تعالى فيها ويعبده »([55]) . وجاء في حديث آخر للامام الصادق(عليه السلام) : « انما أُمرنا بتعظيم المساجد لانها بيوت اللّه في الارض »([56]) .
فضيلة بناء المسجد :
قال النبي(صلى الله عليه وآله) : « من بنى مسجداً ولو مَفْحَص قطاة بنى اللّه له بيتاً في الجنة »([57]).
وقال(صلى الله عليه وآله) : « من بنى مسجداً في الدنيا اعطاه اللّه بكلّ شبر منه (أو قال بكلّ ذراع منه ) مسيرة اربعين ألف عام مدينة من ذهب وفضة ودر وياقوت وزمرد وزبرجد ولؤلؤ »([58]) .
تلاوة القرآن وطلب العلم في المسجد :
ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله) انه قال : « ما جلس قوم في مسجد من مساجد اللّه تعالى يتلون كتاب اللّه يتدارسونه بينهم إلاّ تنزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم اللّه فيمن عنده »([59]) .
وقال(صلى الله عليه وآله) : « انما نصبت المساجد للقرآن »([60]) .
وورد في كتب حديث أهل السنة ان رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قال : « من غدا او راح الى المسجد لا يريد غيره ليعلم خيراً أو يعلمه ثم رجع الى بيته الذي خرج منه كان كالمجاهد في سبيل اللّه رجع غانماً »([61]) .
وروي عن أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) انهم قالوا : « كنا في مسجد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)حلقاً نتحدث إذ خرج علينا رسول اللّه من بعض حجره فنظر إلى الحلق ثم جلس إلى أصحاب القرآن فقال : بهذا المجلس أُمرت »([62]) .
وقيل ان النبي(صلى الله عليه وآله) خرج من منزله يوماً ، فرأى في المسجد مجلسين ، أحدهما يتداول أمور الدين ، والاخر منهمك في الدعاء ، فقال : « كلا المجلسين الى خير ; اما هؤلاء فيدعون اللّه ، واما هؤلاء فيتعلمون ويفقهون الجاهل ، هؤلاء أفضل . بالتعليم اُرسلت »([63]) .
فضل زيارة المساجد :
روي عن الرسول(صلى الله عليه وآله) أنه قال : « من مشى الى مسجد من مساجد اللّه تعالى فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع الى منزله عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات »([64]) .
وقال(صلى الله عليه وآله) : « بشر المشّائين الى المساجد في ظُلَم الليل بنور ساطع يوم القيامة »([65]) .
وقال الامام الصادق(عليه السلام) : « من مشى الى المسجد لم يضع رجلاً على رطب ولا يابس إلاّ سبحت له الارض الى الارضين السابعة »([66])
الحضور المستمر في المسجد :
عن الامام علي(عليه السلام) قال : « من اختلف الى المساجد أصاب احدى الثمان : أخاً مستفاداً في اللّه ، أو علماً مستطرفاً ، أو آية محكمة ، أو يسمع كلمة تدل على هدى ، أو رحمة منتظرة ، أو كلمة تردّه عن ردى ، أو يترك ذنباً خشية أو حياء »([67]) .
فضل الجلوس في المسجد :
قال اميرالمؤمنين(عليه السلام) : « الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنة ، لان الجنة فيها رضا نفسي والجامع فيه رضا ربي »([68]) .
وعن عثمان بن مظعون أنه قال لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : اني اردت ان أترهب .
قال : « لا تفعل يا عثمان فان ترهب امتي القعود في المساجد انتظار الصلاة بعد الصلاة »([69]) .
النهي عن ترك المساجد :
قال الامام علي(عليه السلام) : « لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد إلاّ أن يكون له عذر أو به علّة . فقيل : مَنْ جار المسجد يا اميرالمؤمنين ؟ فقال : من سمع النداء »([70]) .
وروي أنه رفع إلى أميرالمؤمنين(عليه السلام) بالكوفة ان قوماً من جيران المسجد لا يشهدون الصلاة جماعة في المسجد ، فقال(عليه السلام) : « ليحضرن معنا صلاتنا جماعة ، أو ليتحولن عنا ولا يجاورونا ولا نجاورهم »([71]) .
وقال الامام الصادق(عليه السلام) : « شكت المساجد الى اللّه تعالى الذين لا يشهدونها من جيرانها ، فأوحى اللّه اليها : وعزتي وجلالي لا قبلت لهم صلاة واحدة ، ولا
أظهرت لهم في الناس عدالة ولا نالتهم رحمتي ولا جاوروني في جنتي »([72]) .
عمارة المساجد ونظافتها :
من وصية رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) لابي ذر : « ... يا أبا ذر من أجاب داعي اللّه وأحسن عمارة مساجد اللّه كان ثوابه من اللّه الجنة . فقلت : كيف يعمر مساجد اللّه ؟ قال : لا ترفع الاصوات فيها ، ولا يخاض فيها بالباطل ، ولا يشترى فيها ولا يباع ، واترك اللغو مادمت فيها »([73]) .
وروي عن النبي(صلى الله عليه وآله) في نظافة المساجد : « من قمَّ مسجداً كتب اللّه له عتق رقبة ومن أخرج منه ما يُقذى عيناً كتب اللّه عزّوجل له كفلين من رحمته »([74]) .
اضاءة المساجد :
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : « من اسرج في مسجد من مساجد اللّه سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له مادام في ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج »([75]) .
وقال(صلى الله عليه وآله) : « من أحب أن لا يظلم لحدُهُ فلينور المساجد »([76]) .
تعطير المساجد :
روى الامام علي(عليه السلام) عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أنه قال : « جنبوا مساجدكم مجانينكم... الى أن قال : وجمّروها في كلّ سبعة أيام »([77]) . وورد في رواية اخرى أنه(صلى الله عليه وآله) قال : « وجمّروها في الجمع »([78]) .
بعض الاحكام الفقهية للمسجد :
وضع الفقه الاسلامي احكاماً للمساجد حفظاً لقداستها وحماية لحرمتها ، وقد اُدرجت هذه الاحكام في النصوص الفقهية تحت عنوان احكام المساجد على ثلاثة محاور : المكروهات والمستحبات والمحرمات ، حيث تناولها الفقهاء بالشرح والتفصيل والاستدلال ; منها ما يتعلق بكيفية بناء المساجد ، ومنها بآداب الدخول اليها ، وبعضها الاخر حول ما ينبغي اجتنابه فيها .
وإذ يتطلب ذكر جميع الاحكام المتعلقة بالمساجد بحثاً مطولاً وشرحاً مسهباً ودراسة فقهية مستفيضة ، فاننا نقتصر في بحثنا هذا على بعض الجوانب ، وتناول الموضوع باختصار .
آداب الدخول الى المسجد :
يلزم المرء حينما ينوي الذهاب إلى المسجد والحضور في بيت اللّه ان يسعى ما أمكنه إلى ان يعرف آداب الحضور ، لان العمل بالقيم والاداب مع المعرفة تقرب العبد إلى اللّه تعالى اكثر مما لو كان عملاً دون معرفة .
فقد روي عن الامام الصادق(عليه السلام) أنه قال : « إذا بلغت باب المسجد فاعلم انك قصدت باب بيت ملك عظيم لا يطأ بساطه إلاّ المطهرون ، ولا يؤذن بمجالسة مجلسه إلاّ الصديقون ، وهب القدوم الى بساط خدمة الملك فانك على خطر عظيم ان غفلت هيبة الملك ، واعلم أنه قادر على ما يشاء من العدل والفضل معك وبك ، فان عطف عليك برحمته وفضله قبل منك يسير الطاعة ، وآجرك عليها ثوباً كثيراً ، وان طالبك باستحقاقه الصدق والاخلاص عدلاً بك ، حجبك ورد طاعتك وان كثرت ، وهو فعال لما يريد .
واعترف بعجزك وتقصيرك وفقرك بين يديه ، فانك قد توجهت للعبادة له ، والمؤانسة ، واعرض اسرارك عليه ، ولتعلم أنه لا تخفى عليه اسرار الخلائق اجمعين وعلانيتهم ، وكن كأفقر عباده بين يديه ، وأخلِ قلبك عن كلّ شاغل يحجبك عن ربك فانه لا يقبل إلاّ الاطهر والاخلص .
وانظر من أي ديوان يخرج اسمك ، فان ذقت من حلاوة مناجاته ولذيذ مخاطباته وشربت بكأس رحمته وكراماته من حسن اقباله عليك واجابته ، فقد صلحت لخدمته ، فادخل ، فلك الامن والامان ...»([79]) .
اذن ، يفترض بالانسان ان يسعى إلى تحصيل الاداب الباطنية ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، ليتوفر على استعداد الحضور في هذا المكان المقدس . فضلاً عن ذلك يتعين على المرء ان يجد ويجتهد في مراعاة الاداب الظاهرية للمسجد ومنها :
1 ـ الوضوء :
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قال اللّه تعالى : « ألا ان بيوتي في الارض المساجد ... الا طوبى لعبد توضأ في بيته ثم زارني في بيتي ، ألا ان على المزور كرامة الزائر »([80]) .
وورد في الحديث : « لا تدخل المساجد إلاّ بالطهارة »([81]) .
2 ـ اللباس :
روي عن الامام الصادق(عليه السلام) في تفسير الاية الكريمة : (خذوا زينتكم عند كلّ مسجد) أنه قال : : « اي خذوا ثيابكم التي تزّينون بها للصلاة في الجمعات والاعياد »([82]) .
وروي ان علي بن الحسين(عليه السلام) استقبله مولى له في ليلة باردة وعليه جبّة خز ومطرف خز وعمامة خز وهو متغلف بالغالية ، فقال له : جعلت فداك في مثل هذه الساعة على هذه الهيئة . إلى اين ؟
فقال : « الى مسجد جدي رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) »([83]) .
3 ـ الدخول :
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : « تعاهدوا نعالكم عند ابواب مسجدكم »([84]) .
وقال الامام الصادق(عليه السلام) : « اذا دخلت المسجد فادخل رجلك اليمنى وصلّ على النبي وآله »([85]) .
4 ـ الدعاء:
روي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أنه طلب قراءة الدعاء التالي عند دخول المسجد : « بسم اللّه وعلى اللّه توكلت ولا حول ولا قوة إلاّ باللّه »([86]) .
وقالت فاطمة الزهراء(عليها السلام) ان رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) كان يقرأ الدعاء التالي عند دخول المسجد : « اللّهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي ابواب رحمتك »([87]) .
5 ـ صلاة التحية :
من آداب المسجد الاخرى اقامة صلاة التحية ، فقد روي عن أبي ذر ، عن النبي(صلى الله عليه وآله)أنه قال : « يا أبا ذر ! ان للمسجد تحية ... ركعتان تركعهما »([88]) .
محظورات المسجد :
ثمة امور ينبغي اجتنابها في المسجد باعتباره بيت اللّه ، وهي اما ان تحمل حكم الحرمة أو الكراهة ، وفيما يلي نتطرق إلى أهم الاحكام الواردة في هذا الباب بمحوريه المحرم والمكروه :
1 ـ ادخال النجاسة الى المسجد :
اجمع الفقهاء على حرمة ادخال الاشياء النجسة إلى المسجد لو ادى الامر إلى هتك حرمته ، كما استُدل على ذلك بالاية الكريمة : (انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام)([89]) ، حيث يفهم من الاية أنه من غير الجائز السماح للكفار والمشركين بدخول المساجد . كما ان من المحرم تنجيس أرض المسجد وسقفه وجدرانه وأثاثه ، وفي حال تنجسها ينبغي تطهيرها فوراً([90]) ، استدلالاً بالاية الكريمة([91]) : « وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود »([92]) .
ويحرم أيضاً لبث الجنب والحائض في المسجد ، استناداً إلى الاية التالية والرواية التي وردت في ذيلها : (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلاّ عابري سبيل حتى تغتسلوا ...)([93]) يقول جميل : سألت أبا عبداللّه(عليه السلام) عن الجنب يجلس في المسجد ، فقال : « لا ، ولكن يمر فيها كلها إلاّ المسجد الحرام ومسجد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) »([94]) .
2 ـ تزيين المساجد بالذهب ونقشها بالصور :
قال العلامة الحلي في سبب حرمة تذهيب المساجد : لانّ ذلك لم يفعل في زمن النبي(صلى الله عليه وآله) ولا في زمن الصحابة فيكون إحداثه بدعة([95]) .
كما وردت روايات بطرق العامة بهذا الشأن ، استدل بها بعض الفقهاء على الحرمة([96]) . وقد حرّم معظم الفقهاء الصور في المساجد ، فقال المحقق الحلي : ويحرم زخرفتها ونقشها بالصور([97]) . وقال الشهيد الثاني : ولا ريب في تحريم تصوير ذي الروح في غير المساجد ففيها أولى([98]) .
وقد احتاط بعض الفقهاء في نقش المساجد بصور الاحياء ، حيث جاء في العروة الوثقى : بل الاحوط ترك نقشه بالصور([99]) .
وهناك أحكام اخرى وردت في النصوص الفقهية تحت عنوان محرمات المساجد ، نُعرض عن ذكرها تجنباً للاطالة .
3 ـ البيع والشراء :
من الامور التي ينبغي اجتناب ممارستها في المساجد البيع والشراء ، فقد روى الامام علي(عليه السلام) عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : « جنّبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم » إلى ان قال : « وبيعكم وشراءكم ... »([100]) .
وقال الامام الصادق(عليه السلام) : « جنّبوا مساجدكم الشراء والبيع ... »([101])
كما نصّت كتب الفقه على كراهة هذا الامر ، فقد قال العلامة الحلي : « فمحل البيع والشراء وسائر المعاملات الاسواق لا المساجد لانها بنيت للعبادة لا غير »([102]) .
4 ـ انشاد الشعر :
من مكروهات المسجد أيضاً ، انشاد الشعر فيه ، فقد قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : « من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا فضّ اللّه فاك . انما نُصبت المساجد للقرآن »([103]) .
وبطبيعة الحال ، فان الكراهة لا تشمل انشاد الاشعار المفيدة في باب الموعظة والحكمة والنصيحة وامثال ذلك ، فقد نقل الشهيد الثاني عن الشهيد الاول قوله : وليس ببعيد حمل اباحة انشاد الشعر على ما يَقلّ منهُ وتكثر منفعته ; كبيت حكمة أو شاهد على لغة في كتاب اللّه تعالى وسنة نبيه(صلى الله عليه وآله)وشبهة ، لانه من المعلوم ان النبي(صلى الله عليه وآله) كان يُنشد بين يديه البيت والابيات من الشعر في المسجد ولم ينكر ذلك([104]) .
5 ـ حديث الدنيا :
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : « يأتي في آخر الزمان قوم يأتون المساجد فيقعدون حلقاً ذكرهم للدنيا وحبّ الدنيا لا تُجالسوهم فليس للّه فيهم حاجة »([105]) .
وجاء في رواية اخرى : « الحديث للبغي في المسجد يأكل الحسنات كما يأكل البهيمة الحشيش »([106]) .
وذكرت النصوص الفقهية كراهة مثل هذا العمل ، فقد ذكر صاحب العروة : ويكره التكلم بأمور الدنيا([107]) .
6 ـ رفع الصوت :
اجمع الفقهاء على كراهة رفع الصوت في المساجد ، قال صاحب العروة في ذلك : ويكره رفع الصوت إلاّ في الاذان ونحوه([108]) .
وقد استدل على هذا الامر ببعض الروايات ، منها ماورد عن أبي ذر أنه سأل رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) عن كيفية اعمار المساجد ، فقال(صلى الله عليه وآله) : « لا ترفع فيها الاصوات ولا يُخاض فيها بالباطل ...»([109]) .
7 ـ تلويث المسجد بالبصاق والنخامة :
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : « من وقر المسجد من نُخامة لقي اللّه تعالى يوم القيامة ضاحكاً قد اُعطي كتابه بيمينه »([110]) .
8 ـ النوم في المسجد :
قال معظم الفقهاء بكراهة النوم في المسجد ، لانه يتنافى مع وجوب تعظيم المساجد الامر الذي اشارت اليه الروايات ، ويؤدي إلى هتك حرمة المسجد . قال النبي(صلى الله عليه وآله) : « من نام في المسجد بغير عذر ابتلاه اللّه بلاءً لا زوال له »([111]) .
وروي عن الامام الصادق(عليه السلام) في تفسير الاية : (لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى ...) ، ان المراد من السكر النوم([112]) .
وبما ان المراد بالصلاة في هذه الاية المسجد([113]) حسب مفاد الروايات وقول اكثر المفسرين ، فيُستنبط من الاية أنه نُهي عن النوم في المسجد .
------------------------------
([1]) فخر الدين الطريحي ، مجمع البحرين 3 : 65 ، تحقيق السيد أحمد الحسيني ، المكتبة الرضوية ، طهران ، 1386 هـ.ق.
([2]) سعيد الخوزي الشرتوني، اقرب الموارد في فصح العربية والشوارد:495. المكتبة الحجازية ،بيروت.
([3]) محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس (من جواهر القاموس) 2 : 371، منشورات دار مكتبة الحياة ، لبنان .
([4]) المصدر نفسه .
([5]) الراغب الاصفهاني ،
مفردات الفاظ القرآن :271،
تحقيق نديم مرعشلي،
دار الكتب العلمية .
([6]) محمد بن عبدالله الزركشي، اعلام الساجد باحكام المساجد:28 ، تحقيق ابو الوفاء مصطفى المراغي ، دار الكتب المصرية ، القاهرة ، 1403 هـ . ق .
([7]) الكهف : 21 .
([8]) الاسراء : 1 .
([9]) محمد حسن النجفي،
جواهر الكلام 14:61.
دار الكتب الاسلامية
طهران ،1392هـ.ق.
([10]) عبدالرحمن السيوطي ، حسن المحاضرة في اخبار مصر والقاهرة 2 : 149 ، مطبعة الموسوعات ، مصر.
([11]) حسن عبدالوهاب، تاريخ
المساجد الاثرية : 8، دار
الكتب المصرية،القاهرة.
([12]) البقرة : 145 ، 150 ، 151 ، 191 ، 196 ، 217 ; المائدة :2; الاعراف :29 ـ 31 ; الانفال : 34 ; التوبة : 7 ; الاسراء : 1 ; الكهف : 21 ; الحج : 25 ; العنكبوت : 7 ; الفتح : 25 ، 27 .
([13]) البقرة: 114 ، 187 ;
التوبة : 17 ـ 18 ;
الحج :40 ; الجن :18.
([14]) آل عمران : 96 .
([15]) البقرة : 120.
([16])تفسير الرازي1:311،
تصحيح وحواشى مهدي الهي قمشه اى،انتشارات
علمي، طهران ، 1325
([17]) المصدر نفسه .
([18]) ابراهيم : 37 .
([19]) البقرة : 127 .
([20]) نهج البلاغة 794 .
الخطبة القاصعة.
([21]) الطبرسي، مجمع البيان
في تفسير القرآن:204،
انتشارات اسلامية، طهران،
1390 هـ.ق.
([22]) السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في
تفسير القرآن3:582،طهران.
([23]) الجن : 18 .
([24]) المؤمن : 60.
([25]) الميزان 20 : 206 .
([26]) المصدر نفسه .
([27]) رشيد الدين الميبدي، كشف الاسرار وعدة الابرار 10 : 256، باهتمام علي اصغر حكمت ، طهران ، 1339.
([28]) التوبة : 107 ـ 108 .
([29]) علي الواحدي النيشابوري، اسباب النزول : 175 ـ 176، انتشارات بنياد علوم اسلامي، طهران; ابن هشام، السيرة النبوية 1 : 530، مصر ، 1355 هـ.ق . الواقدي المغازي 3 : 790 ـ 797، انتشارات دانشگاهها ، طهران ، 1366 هـ.ش.
([30]) الميزان 9 : 622 .
([31]) تفسيرالرازي 5:253.
([32]) مجمع البيان : 5 : 73 .
([33]) الميزان 9 : 622 .
([34]) التوبة : 17 ـ 18.
([35]) كشف الاسرار 4 : 102 .
([36]) تفسيرالرازي 5:140.
([37]) كشف الاسرار 4 : 103 .
([38])الزمخشري،الكشاف6:
179،دار المعرفة بيروت.
([39]) الكشاف 2 : 179 .
([40]) محمد رشيد رضا،المنار
1:214، دار المعرفة بيروت.
([41]) النور : 36 .
([42]) الكشاف 3 : 68 .
([43]) الميزان 15 : 178 .
([44]) الحج : 41 .
([45]) كشف الاسرار 6 : 536 .
([46]) المصدر نفسه 6 : 537 .
([47]) البقرة : 114 .
([48]) المنار 1 : 431 .
([49]) المصدر نفسه .
([50]) الحج : 40 .
([51]) الميرزا حسين النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل 3 : 313، تحقيق مؤسسة آل البيت لاحياء التراث ، مطبعة سعيد ، مشهد ، 1407 هـ.ق.
([52]) المصدر نفسه : 359 .
([53]) المصدر نفسه 359.
([54]) المصدر نفسه : 554 .
([55]) اسماعيل المعزّيّ، جامع
الاحاديث 4 : 452،مطبعة
مهر ، قم .
([56]) الحر العاملي، وسائل الشيعة3:556،
دار احياء التراث
العربي، بيروت.
([57]) مستدرك الوسائل 3:366.
([58]) جواهر الكلام 14 : 73 .
([59]) مستدرك الوسائل 3:363.
([60]) جواهر الكلام 14 : 112.
([61]) مالك بن انس ، الموطأ:56 ، تعليق وتحقيق عبداللطيف ، لجنة احياء التراث الاسلامي ، مصر ، 1387 هـ.ق.
([62]) الكاندهلوي ، حياة
الصحابة 3 : 106، دار القلم،
بيروت 1968.
([63]) زين الدين العاملي، منية المريد :26، اعداد السيد أحمد الحسيني ، مجمع الذخائر الاسلامية ، مطبعة الخيام ، رقم ، 1402 هـ.ق.
([64]) يوسف البحراني، الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة 7 : 264، دار الكتب الاسلامية ، النجف ، 1379 هـ.ق.
([65]) مستدرك الوسائل 3:364.
([66]) وسائل الشيعة 3 : 480 .
([67]) المصدر نفسه:480.
([68]) المصدر نفسه : 482.
([69]) المصدر نفسه : 85 .
([70]) مستدرك الوسائل 3:356.
([71]) وسائل الشيعة 3 : 479 .
([72]) جواهر الكلام 14 : 138 .
([73]) وسائل الشيعة 3 : 507 .
([74]) المصدر نفسه 3 : 115 .
([75]) جواهر الكلام 14 : 88 .
([76]) مستدرك الوسائل 3:386.
([77]) المصدر نفسه .
([78]) السيد محمد مهدي الكاظمي، تحفة الساجد في أحكام المساجد :50، بغداد ،
1376 هـ . ق .
([79]) المجلسي ،بحار الانوار
82 : 374، مؤسسة الوفاء
بيروت 1403 هـ.ق .
([80]) مستدرك الوسائل
3 : 352 .
([81]) المصدر نفسه : 380.
([82]) وسائل الشيعة 3 : 333 .
([83]) المصدر نفسه :503.
([84]) المصدر نفسه : 505.
([85]) مستدرك الوسائل 3:392.
([86]) المصدر نفسه : 393.
([87]) وسائل الشيعة 3 : 518 .
([88]) المصدرنفسه .
([89]) تحفة الساجد في احكام
المساجد : 68 .
([90]) السيد محمد كاظم الطباطبائي، العروة الوثقى : 212 ، تعليق الامام
الخميني(قدس سره) ، مكتبة الوجداني،
قم، 1400 هـ.ق.
([91]) تحفة الساجد في أحكام
المساجد : 68 .
([92]) البقرة : 125 .
([93]) محمود شهابي، ادوار فقه (ادوار الفقه) 1 : 61، وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي ، طهران ، 1368 هـ.ش.
([94]) وسائل الشيعة 1 :الباب 1 ، ح 2 .
([95]) تحفة الساجد في
أحكام المساجد: 87 .
([96]) جواهر الكلام 14 : 89 .
([97]) المحقق الحلي، شرائع الاسلام 1 : 117، تحقيق عبدالحسين محمد علي بقال ، انتشارات اسماعيليان ، قم 1409 هـ.ق.
([98]) زين الدين العاملي ،
الروضة البهية في شرح
اللمعة الدمشقية 1 : 554،
جامعة النجف الدينية،
1398 هـ.ق.
([99]) العروة الوثقى : 212 .
([100]) مستدرك الوسائل
3 : 381 .
([101]) وسائل الشيعة 3 : 507 .
([102]) تحفة الساجد في احكام المساجد : 117، نقلاً عن
المنتهى : 388 .
([103]) المصدرنفسه : 141 .
([104]) الروضة البهية 1 : 548 .
([105]) مستدرك الوسائل 3:371.
([106]) تحفة الساجد في احكام
المساجد : 177 .
([107]) العروة الوثقى : 213 .
([108]) المصدرنفسه .
([109]) بحار الانوار 3 : 37 .
([110]) مستدرك الوسائل 3:375.
([111]) المصدر نفسه 3:372.
([112]) مستدرك الوسائل:158.
([113]) المصدر نفسه : 159 .
تعليقات الزوار