عيد الفطر في حديث القائد
2008-08-27
إنّه يوم عظيم، يوم النبي الأكرم خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)، يوم جميع الأمة الإسلامية على طول التأريخ، يوم يرفع فيه المسلمون بعد أدائهم اختباراً هامّاً وبنّاءً ومهذّباً في شهر رمضان المبارك، يرفعون إلى الباري تعالى أعمالهم في هذا الشهر الشريف، وقد أشير إلى هذا المعنى في أدعية ليلة عيد الفطر ونهاره «اللهمّ تقبّل منّا شهر رمضان»، فيعرضون هذا الشهر على الباري تعالى حتّى يتقبّله منهم.
وهناك أيضاً نكتة أخرى في عيد الفطر وهي عقد العزم في هذا اليوم على الاستعداد في طول السنة والتهيّؤ لاستقبال شهر رمضان القادم. فإذا أراد شخص أيّاً كان أن يدخل في ضيافة شهر رمضان وأن يدخل في حريم ليلة القدر فينبغي له أن يُعدَّ نفسه مسبقاً، وهذا الاستعداد استعداد في طول السنة، ولابدّ أن يعقد العزم من الآن، فقرّروا أن يكون سلوككم في الحياة في السنة المقبلة سلوكاً يؤهّلكم للدخول إلى شهر رمضان والتنعّم بهناء هذه الضيافة الربّانية، وهذه أكبر نعمة يمكن للفرد أن يحصل عليها، وهي وسيلة للنجاح في جميع الأمور المتعلّق بالدنيا والآخرة والمتعلّقة بالفرد والأقارب والمجتمع الإسلامي.
أهمية اجتماع المسلمين في عيد الفطر
للعيد الإسلامي معنيً خاص ، وله صبغة إسلامية . العيد يعني تلك الشعائر المزيجة بالبهجة التي تُقيمها اُمة أو فئة ، ويعود بفواصل زمنيّة معيّنة كأن يكون مرة في كل سنة أو ما شابه ذلك . ينبغي أن يكون للعيد معنيً وبعد خاص . وكذا الأعياد الوطنية، إن لكل واحد منها بعده الخاص. والعيد الإسلامي له بُعدان ، الأول: التوجّه إلى اللّه وإلى الآفاق المعنوية . والثاني: التفاف جميع المسلمين حول محور واحد. هذه هي محاور واتجاهات العيد الإسلامي.
ومن هذا تلاحظون في عيدي الفطر والأضحى أن الصلاة شرّعت فيهما جماعة ، وصلاة الجماعة مظهر لهذين البعدين؛ فهي تنطوي على التوجه إلى الآفاق المعنوية وإلى الباري تعالى ، وفيها ذكر وخشوع، وتتضمن أيضاً توفير مقوّمات الالتفاف حول محور مشترك . وكلا الموضوعين يمثّلان ـ كما يبدو لي ـ قضية العصر بالنسبة لشعبنا وللأمة الإسلامية. بالنسبة لشعبنا يمكن النظر إلى كل شيء ـ بطبيعة الحال ـ بمزيد من التفاؤل؛ لأنّ القرائن والشواهد والأحداث تنم بأجمعها عن الأمل والتفاؤل.
تزكية النفس في عيد الفطر
يُستشف من مجموع ما يتعلق بعيد الفطر وعيد الأضحى أن هذا اليوم الشريف يوم تزكية وطهارة؛ ففي إحدى هاتين السورتين اللتين تُقرآن في صلاة العيد يقول تعالى: {قد أفلح من تزكّى} . الفلاح يراد به الموفقية في مضمار الحياة وبلوغ هدف الخلقة . ويقول تعالى في السورة الثانية: {قد أفلح من زكّاها} وهي تشتمل على نفس المضمون ، أي ان من يزكّي نفسه يكون قد بلغ الفلاح والنجاة . وكلا السورتين تتحدثان عن التزكية والطهارة .
فضلاً عن كل ذلك يتضمن هذا اليوم أداء واجب مالي، إلاّ وهو زكاة الفطرة. والزكاة أيضاً حق مالي يوجب تطهير الإنسان: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}. ودفع هذه الصدقة المالية تطهر الروح من الرذائل واللؤم والحرص والبخل وسائر القاذورات.
يا أعزائي ، أيّها الإخوة والأخوات ، أيّها المصلون الكرام ، عيد الفطر إذن يوم طهارة وتزكية. قد تكون هذه التزكية إنطلاقاً من صيامكم لمدّة شهر وترويض أنفسكم وتنقيتها من الخبائث .
وقد يكون إضافة إلى ذلك بسبب حضوركم إلى ميدان العبادة هذا، والتوجه إلى اللّه بالعبادة الجماعية.
وعلى كل حال يتبيّن من هذا أن المسلم يدخل من بعد شهر رمضان في يوم عيد الفطر إلى مضمار الطهارة والتزكية.
أنتم طهّرتم أنفسكم وزكّيتموها . وإذا كنتم قد صمتم كما ينبغي ، وأديتم صلاة العيد بشكلها الصحيح ـ وهذا ما قد فعلتموه ـ عليكم أن تدركوا قدر تهذيب النفس وتطهير الروح، وان ما ينجي الإنسان هو هذه الطهارة ، وما يوقعه في المهالك هو الانغماس في المفاسد الأخلاقية والمفاسد الناتجة عن الشهوة والغضب والحرص والبخل وغيرها من الرذائل الأخلاقية . ولم يكدر صفو العالم إلاّ مجموعة من بني الإنسان تحمل هذه الصفات القذرة، ولوّثوا وجه المعمورة وكفروا بأنعم اللّه.
الغاية من عيد الفطر
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبةٍ خطبها في يوم عيد الفطر: «أيّها النّاس إنّ يومكم هذا يوم يُثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون وهو أشبه يوم بيوم قيامكم، فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلاّكم خروجكم من الأجداث إلى ربّكم، واذكروا بوقوفكم في مصلاّكم وقوفكم بين يدي ربّكم، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم رجوعكم إلى منازلكم في الجنة» ثمّ قال (عليه السلام): «عباد اللّه إنّ أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان ابشروا عباد اللّه فقد غُفر ما سلف من ذنوبكم» هذا هو جزاء شهر رمضان المبارك وهكذا يُعطى ـ في الساعات الأخيرة من شهر رمضان ـ ثواب الصيام الصحيح والعمل الهادف والعبادة الخالصة للّه سبحانه وتعالى.
فغفران ما سلف من الذنوب ليس بالشيء القليل.
ثمّ قال (عليه السلام): «فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون» فلا تفكِّروا بارتكاب الذنوب على أساس أنّها ستُغْفَر لكم في شهر رمضان المقبل، فلا أحد يعلم هل سيبقى حيّاً الى شهر رمضان القادم أم لا. فكثير ممّن حضروا صلاة العيد في العام الماضي وفي نفس هذا المصلّى هم الآن في عداد الأموات. فلا يُعلم من سيكون مِنّا حيّاً أو ميّتاً في العام القادم. بالإضافة الى ذلك فإن ارتكاب المعاصي عن تعمّد وتجرّي يؤدي الى اسوداد قلب الإنسان فلا يوفّق للإخلاص في العبادة حتّى يمكن القول بأنّ الإخلاص في العبادة يؤدّي الى غفران المعاصي والذنوب.
فلنسعى لاجتناب المعاصي، وأداء الأعمال الصالحة؛ وهو ما من شأنه أن يؤدّي بالإنسان الى السعادة في الدّنيا والآخرة.
إنّ عيد الفطر بالنسبة للإنسان المسلم الواعي عيد حقيقي، يوم يستأنف فيه الإنسان المسلم حياة معنويّة وروحيّة جديدة، كما الربيع بالنسبة للنباتات والأشجار.
فقد تتعرّض النفس البشريّة وعلى طول أيّام السنة إلى الكثير من مزالق الرذيلة، وقد تشوبها المعاصي والذنوب، فتبتعد عن الرحمة الإلهيّة بفعل الهوى والخصال الذميمة. ومن هنا جعل الله سبحانه وتعالى شهر رمضان المبارك فرصة ثمينة للتوبة والإنابة.
في شهر رمضان؛ تزداد القلوب رقّة وصفاءاً، والأرواح تلألؤاً وشفافيّة، ويكون الناس فيه مستعدون لتقبّل الرحمة الإلهيّة الخاصّة، كلّ يأخذ من هذه الضيافة الإلهيّة بقدر قابلياته وبقدر همّته وما يبذله من جهد وطاقة.
وبانتهاء شهر رمضان المبارك بدأنا سنة جديدة وحلّ علينا يوم عيد الفطر وهو أوّل يوم في هذه السنة، عيد الفطر هو اليوم الّذي يستطيع فيه الإنسان أن ينتهج صراط الله المستقيم ويعرض عن الطرق الأخرى الّتي تؤدّي إلى الضلال؛ وذلك بالاستعانة بما حقّقه من المكاسب في شهر رمضان.
خصائص عيد الفطر
لعيد الفطر ميزة رئيسة ناشئة من التصاقه بشهر رمضان المبارك، شهر الدعاء والتضرّع وتزكية النفس والتقرُّب إلى الله. فالعيد ـ في الأساس ـ هو يوم توجّه القلوب إلى نقطة مركزيّة، وهذه ميزة الأعياد، وهكذا تكون نظرة الشعوب إلى الأعياد، والأعياد الإسلاميّة كذلك حيث تتوجّه الشعوب الإسلاميّة والمسلمون فرداً فرداً وفي أيّة بقعة من العالم كانوا بالقلوب والأنفس والأفكار والعواطف والمشاعر إلى نقطة مركزيّة مشتركة وعامّة. وهذه ميزة رئيسيّة ومهمّة للعيد، كما أنّ ملازمة عيد الفطر ـ يوم الجزاء والمحاسبة ـ لشهر رمضان ميزة أخرى للعيد.
عندما ينظر الإنسان هذه الأيّام إلى أوضاع العالم الإسلامي، فما يراه في بادئ الأمر هو المشاكل والأحداث المريرة، لكن يبرز خلف هذه المشاكل والأحداث المريرة شعاع أمل ونور وروائع لا نظير لها تملأ القلب بفرحة العيد، وهذه من الألطاف والبركات الإلهيّة على اُمّتنا.
اختصاص عيد الفطر بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
يستظهر من النصوص والآثار المرتبطة بعيد الفطر أنّ هذا اليوم يختصّ بالنبي الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله. حيث نقرأ في أدعية ليلة عيد الفطر وفي أكثر من فقرة «يا مصطفي محمّد وناصره».
واليوم أيضاً ردّدنا في دعاء القنوت هذه الفقرة «الّذي جعلته للمسلمين عيداً ولمحمّد صلّى الله عليه وآله ذخراً وشرفاً وكرامةً ومزيداً»، ومن هنا أقول: لو أنّ اُمّة هذا الرجل العظيم تقوم بواجبها تجاه نبيّها وقائدها العظيم في كلّ عيد فطر، لأصبح هذا العيد بالمستوى الّذي يريده الله ولكان عيداً نبويّاً ومصطفويّاً.
إنّ أكرم هديّة ينبغي أن تقدّمها اُمّة المصطفى للرسول الخاتم صلى الله عليه وآله في مثل هذا العيد هي أن تحرص على العمل على التأليف بين قلوب أبنائها وأن تحافظ على كيانها وعلى كلّ ما توحيه كلمة «الأمة» من معان ودلالات.
إنّ الواجب الملقى على عاتق هذه الأمة العظيمة اليوم، تجاه رسولها ومنقذها وإمامها وأمانة الله المودعة فيها، وأحبّ إنسان لديها ـ أعني النبي الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله ـ هي أن تحفظ عزّتها وشوكتها من خلال الحفاظ على وحدة كلمتها. هذا هو الواجب الّذي يتحتّم على الأمة القيام به. فكما أنّ الأمة تنتظر من الرسول هديّة بمناسبة العيد، كذلك لابدّ للأمة من أن تقدّم هدية للرسول صلى الله عليه وآله في العيد، وهي أن تحفظ وحدتها وتصون عزّة وكرامة النبي صلى الله عليه وآله.
إنّ الهدف الأساس الّذي يسعى أعداء الإسلام والأمة الإسلاميّة لتحقيقه اليوم هو بثّ الفرقة والعداوة بين صفوف هذه الأمة. وبالطبع فإن هذه النوايا الخبيثة ليست وليدة الساعة ولا تنحصر بالوقت الراهن، بل أنّ هذه الأهداف والنوايا الخبيثة كانت موجودة سابقاً. وكلّ ما هنالك أنّ هذه الأهداف الرذيلة يخطّط لها اليوم بدقّة وتنظيم أكبر وعلى كافّة المستويات؛ والسبب في كلّ هذه الضراوة والشدّة الّتي ينتهجها الإستكبار في الكيد للإسلام والمسلمين يكمن في أنّ الإستكبار قد شعر بأنّ الروح الإسلامية قد انبعثت من جديد بين المسلمين، وبدأت تدبّ بقوّة في عروقهم.
لقد أحيى الإسلام القلوب، وسدّد صفعة قويّة للإستكبار من خلال ثورتنا الإسلاميّة العظيمة. إنّهم يسعون إلى إشعال الفتنة بين أبناء الأمة الإسلاميّة وإلقاء العداوة والبغضاء بينهم ليقاتل الأخ أخاه.
الغاية من عيد الفطر
يوم عيد الفطر يوم عظيم وله أهمية كبرى. أنقل لكم في الخطبة الأولى حديثاً عن أمير المؤمنين (عليه السلام) بشأن هذا اليوم، ليكون فيه إن شاء اللّه موعظة لي ولكم.
نقل الصدوق عليه الرحمة عن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام عن أبيه عن جدّه، قال: خطب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الناس يوم الفطر، فقال: «أيّها الناس أن يومكم هذا يوم يُثاب به المحسنون ويخسر فيه المسيئون...».
الذين اغتنموا شهر رمضان للعبادة والاستفادة المعنوية فهذا هو اليوم الذي يتلقون فيه ثوابهم من اللّه تعالى. فكل ما فعلتموه أنتم أيّها الشبان الأعزاء وأنتم أيّها المؤمنون العارفون بحقائق الإسلام، في شهر رمضان من صيام خالص للّه، ومن تلاوة القرآن، ومن القيام في منتصف الليل، ومن تضرع ودعاء وصدقة وإحسان، تثابون عليه اليوم معنوياً.
«وهو أشبه يوم بيوم قيامتكم» لأنه يوم يُثاب فيه المحسنون ويخسر المسيئون. وهو شبيه بيوم القيامة لأنه مثلما ينال فيه الذين أحسنوا في الدنيا ثوابهم هناك وتقر أعينهم بلقاء اللّه، كذلك يخسر فيه المبطلون الذين قضوا حياتهم بالغفلة والإساءة والظلم ومعصية اللّه والانغماس في الشهوات وحب الذات وحب الدنيا.
وبعدما يذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا التشبيه، يستخلص منه هذا المعنى الحسن، ويوصي: «فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلاكم خروجكم من الأجداث إلى ربكم، واذكروا بوقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربّكم» لتنالوا ثواب عملكم، «واذكروا برجوعكم إلى منازلكم رجوعكم إلى منازلكم في الجنّة أو النار».
اعرفوا قيمة كل لحظة من لحظات العمر، وانتهزوا ساعات عمركم لعمل الخير، وتقرّبوا فيها إلى اللّه، واصرفوا أوقاتكم بالكد والمجاهدة في سبيله. فسنوات الحياة وساعاتها تمر مرَّ السحاب وإنكم ستذكرون هذه اللحظات في مشهد القيامة. فهنيئاً للمحسنين وتعساً للمسيئين.
عيد الفطر مظهر الاتحاد والتآخي
يوم عيد الفطر هو اليوم: «الذي جعلته للمسلمين عيداً ولمحمد صلى اللّه عليه وآله ذخراً وشرفاً وكرامةً ومزيداً». ولكن لماذا هذه الميزة ليوم عيد الفطر؟ لأنه يوم مظهر إجتماع واتحاد وتآخي جميع المسلمين، وتوجههم نحو اللّه بقلب واحد. ولو تحقق هذا الهدف في العالم الإسلامي ـ أي الاتحاد والتوجّه إلى اللّه بقلب واحد في ظل أحكامه ـ لتحققت للجماهير عزّتها أيضاً.
أما أنتم يا أبناء الشعب الإيراني فقد تحقق لكم هذا، وعليكم أن تدركوا قدره.
وعلى الرغم من وجود أشخاص في البلد ـ وللأسف ـ يحاولون بسبب عدم شعورهم بالمسؤولية، أو لوجود نوايا سيّئة لديهم، إثارة الاستياء والفرقة بين أبناء الشعب وتعكير الأجواء، إلاّ أن قلوب أبناء الشعب وشرائح واسعة من جماهيره ومسؤوليه، نيّرة ونقيّة. والشعب تربطه بالحكومة علاقات طيّبة، وكذلك أبناء الشعب يرتبطون مع بعضهم بعلاقات وثيقة. فإذا رأيتم أحداً يكتب أو يتكلم بما يثير الاختلاف فاعلموا انه غير مدرك لمصالح الشعب، أو انه لا يشعر بالمسؤولية، أو انه لا يرغب في إستشعار المسؤولية.
تعليقات الزوار