هل يمكن اثبات رؤية الهلال بالعين المسلحة أم لا؟

2009-09-30

بنظري «الرؤية» بالعين المسلحة كافية أيضاً، لكن مع الملاحظة التالية: ليس مطلقاً. فلا يمكن إطلاق «الرؤية» على كل مشاهدة بالعين المسلحة. لقد جُعلَت «الرؤية» في الروايات هي الميزان، وعلة ذلك معلومة وهي أنها مسألة عملية بالنسبة لعامّة الناس ومورد ابتلائهم ولا تخص أفراداً بذاتهم. يجب أن يكون للجميع طريق واحد لكشف موضوع هذا الحكم الشرعي.

لا تكتفوا بالظنّ والحساب. ليس قصدي بالظنّ والحساب هنا ملاحظاتكم وحساباتكم العلمية التي تقومون بها [أنتم أهل الفن]. بعبارة أخرى: في قديم الزمان لم تكن مثل تلك الوسائل الدقيقة التي تفيد اليقين موجودة فكانوا يعتمدون الظنّ. أما اليوم، ففي المواضع المفيدة لليقين والتي لا يكون للظن إليها سبيلاً، فبنظرنا لا مجال فيها للشك والترديد. في الواقع لو شخّص ذوو الخبرة موضوعاً [في الخارجٍ] فبإمكاننا قبوله. بالطبع على أهل الخبرة أن يعلموا أي شيءٍ هو هذا «الموضوع» وهذه المسألة هي من مسؤولية الفقهاء.

من المُسلّم أن «الرؤية» ليست موضوعاً بل طريقاً. لكنها طريق إلى ماذا؟ أهي الطريق لـ [كشف] خروج القمر من المحاق؟ أم إنها الطريق لـ [كشف] خروج القمر من المحاق بمقدار يكون فيه قابلاً للرؤية؟ هذا الأمر لم يُحدَّد وعلينا الأخذ بالحدّ الأدنى، أي خروج القمر من المحاق بمقدار يكون فيه قابلاً للرؤية. هذا ما يجب على الفقهاء تحديده وهو أن موضوع الصوم في أول شهر رمضان وموضوع الفطر في أول شوال وموضوع الحجّ في ذي الحجة ما هو؟ إذن؛ على هذا الأساس،‌ يكون تحديد الموضوع الشرعي بعهدة الفقهاء وتشخيص أن هذا الموضوع هل تحقق في الخارج أم لا هو من مسؤولية أهل الفنّ [خبراء الفلك].

فإن كان لدى أهل الفنّ طريق للتشخيص القطعيّ ومما يوجب الجزم، فمن الطبيعي أن يكون مورد قبول ولا يبدو هناك سبيل للريب فيه.

هنا نعود إلى مسألة الآلة ونقول: الرؤية تصدق بالآلة. فلو كان في يدك منظاراً و رأيته، فلا إشكال في ذلك ولا مانع منه إذ لم يُذكر أن لابدّ أن تكون الرؤية بالعين. كونهم ـ سابقاً ـ كانوا يشاهدونه بالعين لا يعدّ دليلاً. نعم، لو كان في ذلك الزمان نظّارات أو منظار وقيل ـ مع ذلك ـ لابدّ من المشاهدة بالعين، لأصبح معلوماً حينها [أن الرؤية بالعين فحسب]، ولكن في ذلك الوقت لم تكن هناك وسيلة غير العين. الرؤية كانت ملاكهم.

على ذلك، لو حصل الشك لدينا ـ بحسب الموازين الفقهيّة ـ أن: هل إنّ «الرؤية بإطلاقها» هي موضوع الحكم أم «الرؤية بقيد»؟ لقلنا ـ بحسب مقتضى فنّ الفقه ـ أن: كلاّ، إنّ «الرؤية بإطلاقها» هي موضوع الحكم. كل ما في الأمر، في روايات «باب الرؤية» تُلاحظ مسألةٌ وهي أنّهم (عليهم السلام) أرادوا القول: أن بعض ادّعاءات الرؤية لا يؤخذ بها. افترضوا ـ على سبيل المثال ـ أن السماء كانت صافية ووقف خمسمائة شخص للاستهلال وقال اثنان منهم أننا شاهدناه، فلا تُقبل مشاهدتهما ولا يُعتنى بهما وإن كانا عدلين. هنا يقولون: لو رآه اثنان لشاهده خمسون ولو رآه خمسون لشاهده ألف. هذا الأمر مُصرَّح به في الروايات. إذن، من الواضح أنّ الرؤية هنا هي الرؤية الممكنة المنال لعامّة الناس. فلا يمكن القول: لو رآه أحدٌ بالتلسكوب لاستطاع مائةٌ آخرون أن يروه، لأن التلسكوب ليس بالشيء الذي هو بمتناول الجميع. فلا يمكن اعتبار الآلات الشديدة الدقّة أمثال التلسكوبات الدقيقة ملاكاً. قولنا: «لا يمكن» هو من باب شكّنا في اعتبارها، ولو حصل الشكّ في اعتبارها حكمنا بعدم اعتبارها. أمّا الوسائل المتداولة، مثل النظّارات التي توضع على العين والمنظار المقرِّب، فيبدو أن لا مجال للشبهة فيها. لذا فعندما تعيّنون [أنتم أهل الفنّ] حدّاً وتقولون: إن الهلال في هذا الشريط [المنحني أو المنطقة] ممكن الرؤية بالآلة وفي ذلك الشريط بالعين المجرّدة، فإذا كانت الرؤية بالآلة لا تشمل الآلات الشديدة الدقّة، فالظاهر أنها بحكم الرؤية. على هذا فإن كنّا من سكنة تلك المنطقة فيمكن حينئذٍ الإعلان عن ثبوت أول الشهر.

ــــــــــــــــــ

مقتطفات من حديث قائد الثورة الإسلامية في لقائه أعضاء مجلس التقاويم وهيئة الاستهلال في 18 تشرين أول 2003م