في يوم عاشوراء وقف سيّد الشهداء الامام الحسین(ع) کالطود الشامخ، مخاطبا جيش عبيدالله بن زياد، الذي حاصره واهل بيته من كل جانب حتى مُنع عنه الماء، لحمله على الاستسلام ومبايعة الطاغية يزيد: ”أَلاَ وَإنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيِّ قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ: بَيْنَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ؛ وَهَيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ، يَأْبَي‌ اللَهُ ذَلِكَ لَنَا وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَحُجُورٌ طَابَتْ وَطَهُرَتْ، وَأُنُوفٌ حَمِيَّةٌ، وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ، مِنْ أَن ْنُؤْثِرَ طَاعَةَ اللِئَـامِ عَلَى‌ مَصَـارِعِ الْكِرَامِ“، فكانت هذه المقولة السحرية درسا حسينيا خالدا لكل أحرار العالم. آخر من تتلمذ على هذا الدرس الحسيني الأبدي، كان أهالي بلدتي نبل والزهراء السوريتين، الذين رفضوا الذلة كإمامهم الحسين(ع) ، رغم حصار قاس ودام، استمر أكثر من ثلاثة أعوام ونصف العام، فرضه عليهم من كل جانب أحفاد جيش يزيد شذاذ الآفاق من السفاحين والساديين، فنجحوا وبامتياز بهذا الدرس، الذي حولهم إلى أسطورة في الصمود والمقاومة والعزة، تستحق أن نطأطئ رؤوسنا أمامها لعظمتها.

أكثر من ثلاثة أعوام ونصف العام وسفاحو القاعدة وأحرار الشام وكل شذاذ الآفاق من المجرمين الساديين الذي جمعتهم تركيا والسعودية وقطر، وأرسلتهم إلى سوريا، يحاصرون بلدتي نبل والزهراء، وحرموهم من كل شيء، حتى هدد سفاحهم الأكبر التكفيري المجرم الوهابي السعودي عبدالله المحسيني جهارا نهار، انه سيذبح رجال وأطفال بلدتي نبل والزهراء ويسبي نساءها، في حال تمكنوا من الدخول إليهما.

لم يتجاوز عدد أهالي نبل والزهراء 40 ألف شخص، إلا أنهم قرروا أن يستلهموا العزيمة من إمامهم الحسين (ع) ، فالاستسلام للتكفيريين يعني الذلة والهوان والسبي، فاسترشدوا بشعار “هيهات منا الذلة” ، فأمدهم ذلك بكل أسباب الصمود، وتكسرت كل هجمات التكفيريين على مدى السنوات الماضية على صخرة هذا الصمود، فالكثير من السيارات المفخخة التي كانوا يقودها الانتحاريون انفجرت على أبواب نبل والزهراء إلا أنهم عجزوا أن يوجدوا لهم ثغرة في جدار هذا الصمود، فارتدوا خائبين، فاخذوا يمطرون البلدتين بالقذائف، فاستشهد نحو 1200 من أهالي البلدتين.

النموذج الملحمي في الصمود والمقاومة والانتصار، الذي قدمه أهالي نبل والزهراء لباقي القرى والبلدات والمدن السورية، ولكل الشعوب التي ابتليت بالعصابات التكفيرية، يكمن في أن المقاومة التي وقفت في وجه وحوش القاعدة وباقي العصابات التكفيرية كل هذه الفترة الطويلة، وصدت جميع هجماتهم، هي مقاومة نابعة من إرادة أهالي البلدتين، وهي مقاومة غير منفصلة أو معزولة عن الأهالي، لذا كانت تستمد عزمها وقوتها واستمرارها وديمومتها من إرادة الأهالي، وهو ذات النموذج الذي قدمه قبل ذلك أهالي جنوب لبنان ابان الاحتلال الصهيوني، حيث المقاومة كانت من صلب الأهالي، وبدون الاهالي ما كانت تصنع كل هذه الانتصارات التي أذلت بها “الجيش الإسرائيلي الذي كان قبل ذلك لا يقهر” ، فاغلب أبطال حزب الله هم من أبناء العوائل الجنوبية، وهذه العلاقة بين المقاومة وحاضنتها، هي التي صنعت المعجزات.

إن انتصار أهالي نبل والزهراء، سيعجل بانهيار الجماعات التكفيرية بمختلف عناوينها وتصانيفها، لاسيما بعد أن تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من قطع الحبل السري التركي الذي كان يغذيها بالسلام والمال والرجال، وهذا الأمر بذاته يؤكد الفضيحة الكبرى المدوية التي كشفت مدى التورط التركي في الحرب المفروضة على الشعب السوري منذ خمس سنوات، كما أن انتصار نبل والزهراء، هو الذي يفسر السعار التركي السعودي القطري، وتهديدهم بغزو سوريا عسكريا، متناسين أن الأرض، التي تحتضن أهالي كأهالي بلدتي نبل والزهراء المتسلحين بدروس الإباء الحسيني، إلى جانب الحلفاء الأوفياء، ستدوس على الجنود الأتراك والسعوديين كما داست من قبل على مرتزقتهم.

بقلم: سامي رمزي/ شفقنا