لا يتوقع أي إيراني بأن تغير الولايات المتحدة موقفها من النظام الإسلامي في إيران بين ليلة وضحاها، وأن تنسي الحقارة والخفة التي لقيتها من الشعب الإيراني بعد انتصار ثورته الإسلامية. فالموقف الأمريكي من إيران لا يزال على حاله منذ الإطاحة بشاه إيران عام 1979 وطرد الأمريكان من هذا البلد وقطع اليد الأمريكية من خيرات إيران لاسيما النفط والغاز وطرد عملاء الاف بي اي والسي اي ايه وجنرالات أمريكا والموساد بعد أن تدخلوا في شؤون إيران السياسية والاقتصادية والعسكرية وكانوا هم الذين يحكمون في إيران وليس عميلهم الشاه محمد رضا بهلوي.

لا يمكن لأحد أن يصدق بأن الولايات المتحدة التي طُردت من إيران سوف تنسي موقف الشعب الإيراني منها خاصة وان طلبة الجامعات الذين دخلوا السفارة الأمريكية في طهران واحتجزوا دبلوماسييها لمدة 444 يوما ونشروا ما كان الدبلوماسيون الأمريكان يقومون به من تجسس ليس فقط على الإيرانيين بل على جميع شعوب الشرق الأوسط اثبتوا للجميع بأن السفارة الأمريكية في طهران كانت وكرا للتجسس ولم تكن سفارة مهمتها تعزيز العلاقات الإيرانية الأمريكية.

استخدم الأمريكيون منذ سقوط  حليفهم الشاه في إيران كل ما كان لديهم من أدوات تخريب ضد الثورة الإسلامية الإيرانية، فهم دفعوا صدام حسين للهجوم على الأراضي الإيرانية لاحتلالها من أجل الإطاحة بالثورة، وعندما فشل صدام في مهمته أمروا حلفائهم من شيوخ وأمراء وملوك في دول الخليج الفارسي بتشكيل مجلس التعاون لمواجهة الثورة الإسلامية وعندما فشل هؤلاء في هذه المهمة، قام الأمريكيون  بعملية عسكرية في صحراء طبس (جنوب شرق إيران) لإنقاذ رهائنهم ولكن الله رد كيدهم في نحورهم وسقطت طائراتهم بفعل عاصفة هبت على الصحراء وفشلت خطتهم وعادوا إلى الولايات المتحدة خائبين مهزومين بعد أن لحقت بهم خسائر كبيرة  في الأرواح والمعدات والطائرات.

الأمريكان الذين فقدوا قواعدهم  العسكرية ومصالحهم في إيران، بعد الإطاحة بالشاه حاولوا بشتى السبل الانتقام من الثورة الإسلامية، لقد قطعوا العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وجمدوا أرصدة إيران في البنوك الأمريكية وصادروها لاحقا، وفرضوا خلال الثلاثين عاما الماضية عقوبات اقتصادية على الشعب الإيراني ولا زالوا يواصلون حربهم ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحت ذريعة حصول إيران على التقنية النووية ومحاولاتها صنع القنبلة الذرية، فهم يعلمون جيدا بأن إيران لا تريد صنع القنبلة الذرية بل تسعى إلى استخدام التقنية النووية لأغراض سلمية.

الواقع الذي يعرفه الجميع هو انه في ظل نظام الجمهورية الإسلامية، لا يمكن للولايات المتحدة أن تعود إلى إيران وتستعيد دورها السابق وتتدخل في شؤونها الداخلية وتنهب خيراتها كما تنهب الآن خيرات شعوب البلدان العربية في منطقة الخليج الفارسي عن طريق قواعدها العسكرية في دول الخليج الفارسي وتواجد عسكرييها وعملاء السي اي ايه وبيعها أسلحة ومعدات عسكرية بمليارات الدولارات، لذلك يقوم قادة الولايات المتحدة بالتحالف مع الغرب باستخدام شتى الوسائل للضغط على المسؤولين الإيرانيين والشعب الإيراني لتغيير موقفهم من الأمريكان والغرب، ولكن الضغوط التي مارسها الأمريكان طوال الفترة الماضية لم تغير من موقف قادة الجمهورية الإسلامية.

الولايات المتحدة وإسرائيل تضررتا كثيرا من سقوط الشاه محمد رضا بهلوي وفقدتا مصالحهما في إيران وها هو وزير الدفاع الأمريكي تشاك هايغل يزور إسرائيل ويتحدث إلى نظيره الإسرائيلي عن إيران ويعلن دعم بلاده لها و بمنحها أكثر الأسلحة تطوراً، المحادثات الأمريكية الإسرائيلية أخذت حيزا كبيرا للبحث حول البرنامج النووي الإيراني الذي تخافه إسرائيل لان هذا البرنامج يخيف إسرائيل ويحد من طموحاتها في المنطقة، وهي تحاول بشتى السبل الحد من قدرات إيران النووية لتكون هي القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط لتتمكن من ترويع العرب والضغط عليهم للنأي بأنفسهم عن القضية الفلسطينية، وقد نجحت إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة بتحييد العديد من الزعماء العرب وطرح الخطر النووي الإيراني على انه الخطر الذي يهدد إسرائيل والعرب ودعوة العرب إلى مواجهة إيران بدلا من مواجهة الكيان الصهيوني.

الولايات المتحدة لا تريد علاقات متكافئة مع إيران، بل تريد علاقات تقوم على التدخل في الشأن الإيراني وإحياء نفوذها في إيران، وان يكون بإمكانها ضمان مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية في هذا البلد، وهذا لا يمكن أن يتحقق، ولذلك نجد الأمريكان يستخدمون كل ما لديهم من إمكانات لتهديد إيران بالضربة العسكرية تارة وفرض عقوبات اقتصادية بصورة فاعلة، تارة أخرى، والهدف النهائي من وراء ذلك إثارة الشعب الإيراني ضد حكومته، وبالتالي رضوخ القادة الإيرانيين للمطالب الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية.

القادة الإيرانيون أعلنوا باستمرار أنهم لن يستسلموا للضغوط الأمريكية والأوروبية مهما بلغت آثار العقوبات الاقتصادية، وأنهم ماضون في طريقهم معتمدين على قدرات شعبهم، وهم يواجهون بكل قوة آثار العقوبات الاقتصادية كما واجهوها منذ أكثر من ثلاثين عاما، وعلى الأمريكان إن أرادوا أن يقيموا علاقات طبيعية ومتكافئة مع إيران، أن يعيدوا النظر في سياساتهم تجاهها وينسوا الماضي عندما ما كان حليفهم شاه إيران يتودد إليهم ويفتح أبواب إيران على مصراعيها ليسرحوا ويمرحوا وينهبوا خيرات الشعب الإيراني.

*شاكر كسرائي