جلسة أنس مع لوحة فسيفساء جميلة ! / الأنهار الكبيرة والصّغيرة الّتي يجب أن تصبّ في محيط الثّورة/ على الثّورة إثبات قدرتها في حلّ المعضلات الاقتصادية.

قريباً سيتمّ إجراء عمليّة لعينيه كما كان مقرّراً؛ تلك العينين اللّتين قدّمهما فداءً، للدّفاع عن حريم الإسلام وأهل البيت(ع) في عمليّات تحرير نبّل والزّهراء، ليكون مرفوع الرّأس في يوم تنكّس فيها الأنظار، أمّا الآن فها هو بما تبقّى فيهما من رمق قد جاء ليراه، ليرى سماحة السّيد القائد، ويقول له لقد كنتم ترغبون بشدّة أن يتمّ تحرير نبّل والزّهراء، فيبتسم سماحته مؤيّداً، ثمّ يدعو للسّيّد حسن المُصاب باستعادة نظره مرّة أخرى.

قام مدير العلاقات العامّة في مكتب مرشد الثّورة، بنشر محطّات على هامش اللّقاء الموافق لـ24ـ1ـ1395، بين سماحة الإمام الخامنئي وجمع من المدراء في النّظام، على صفحته الشّخصيّة في التّلغرام والاينستغرام:

     اجتمع عدد من المسؤولين من مختلف المقاطع والمستويات في الدّولة، السّابقين منهم والفعليّين ممّن مازالوا يزاولون مهامهم، مع سماحة المرشد الأعلى للثّورة الإسلاميّة، وذلك يوم الثّلاثاء الفائت 24ـ1ـ95، في أجواء ألفة ومحبّة، تطرّأ خلالها سماحة السّيّد إلى مواضيع هامّة، حيث لم يقتصر مُخاطَبوه على الحاضرين في الجلسة فحسب، من هنا وبسبب عدم انتشار تفاصيل هذا اللّقاء على العموم، إضافة إلى النّقص الّذي اعترى ما نقلته إحدى الصّحف حوله، فقد ارتأيت الاستفادة من حضوري خلال اللّقاء في نقل بعض من هوامشه، بما يعود بالنّفع على العموم:

الخاتم الّذي أُهدي قبل الحفل

قريباً سيتمّ إجراء عمليّة لعينيه كما كان مقرّراً؛ تلك العينين اللّتين قدّمهما فداءً، للدّفاع عن حريم الإسلام وأهل البيت(ع) في عمليّات تحرير نبّل والزّهراء، ليكون مرفوع الرّأس في يوم تنكّس فيها الأنظار، أمّا الآن فها هو بما تبقّى فيهما من رمق قد جاء ليراه، ليرى سماحة السّيد القائد، ويقول له لقد كنتم ترغبون بشدّة أن يتمّ تحرير نبّل والزّهراء، فيبتسم سماحته مؤيّداً، ثمّ يدعو للسّيّد حسن المُصاب باستعادة نظره مرّة أخرى. فيما يطلب السّيد حسن من سماحته أنّ يقدّم له خاتمه كهديّة من أجل التّبرّك بها بعد انتهاء الحفل. ورغم كلّ الطّلبات الموجّهة إلى سماحته من قبل الجرحى المدافعين عن الحرم، ها هو يستجيب له ولا يطيل انتظاره قائلاً:"ولماذا بعد الحفل؟ بل الآن". يقوم سماحته بتقديم الخاتم للسّيّد قارئاً له الذّكر المحفور عليه: «وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا».

  اصطفّ الضّيوف استعداداً لأداء الصّلاة وراء سماحته. إنّه المحفل الثّالث بعد بداية العام الجديد والعيد، حيث يجتمع عدد من المسؤولين السّابقين والحاليّين للقاء السّيد القائد. الّذي كان مايزال مشغولاً بتلاوة التّعقيبات بعد انتهاء الصّلاة. بينما الضّيوف يبحثون عن أماكن للجلوس؛ لأنّ القائد كعادته يجلس بعد التّعقيبات على كرسيّه، ثمّ ينظر في وجوه الحاضرين مسلّماً عليهم؛ مثل هكذا سلام وتحيّة، هي سيرة سماحته الدّائمة خلال لقاءاته مع الجموع القليلة نسبيّاً، فهاهو يقول بعد أن يرسل الحضور صلواتهم :"بسم الله الرّحمن الرّحيم، عيدكم مبارك!"، بما يرسم الإبتسامة على الوجوه، فيردّون بالتّبريك لسماحته أيضاً، وبذا يسترسل في حديثه منطلقاً من التّبريك بالعيد الجديد:"عيد نوروز، و ولادة الصّديقة الكبرى سلام الله عليها، وكذا بدء شهر رجب، هي في واقع الأمر أعياد الأتقياء والعباد الصّالحين وأولياء الله. أرجو أن تشملكم هذه الأسماء إن شاء الله، وأن تستفيدوا من هذا الشّهر إلى أقصى حدّ ممكن، ولتدعو لهذا الحقير، ونحن كذلك سندعو لكم جميعاً إن شاء الله".

التّأكيد على "حصن نحن نستطيع"؛ الحمد لله لسنا في شحّ النُّخب

تزداد الجلسة ألفةً، ويصفها القائد قائلاً إنّها جلسة أنس، فهي إحدى الجلسات المعدودة الّتي يعرف فيها سماحته كلّ الحاضرين تقريباً، وأمضى مع بعضهم سنين طويلة من التّعاون والتّشاور.

    لكنّ كلّ ذلك لم يكن فحسب ما جعل هذه الجلسة تنال اهتمام القائد؛ فهو يقول في وصف الضّيوف:

" أنتم جزء من الصّفوة في مجتمعنا، مدراء من ذوي النخب و الكفاءة، ومحترفون في مختلف أجهزة البلد، الإقتصاديّة، الثّقافيّة، الفنّيّة، الخدميّة، الفكريّة. فالأحبّة هنا عموماً هم من النّخب، ونحن نشكر الله على أنّنا لا نعاني قحطّاً في هذا الجانب. لقد قلت للمسؤولين في السّلطة التّنفيذيّة والتّشريعيّة والقضائيّة، عندما جاؤوا إلى هنا للتّبريك بالعيد، بأنّنا لا نفتقر والحمدلله إلى مدراء من ذوي الكفاءة. فلدينا الكثير. لعلّي لا أعرف أحدهم. لكنّ ذلك لا يمنع من أنّ لدينا مدراء جيّدون، لدينا في البلد الكثير من المدراء. ولسنا بحاجة قطّ إلى أن يتمنّى أحدٌ مثلاً حدوث الشّيء الفلانيّ لنصبح قادرين على إدارة مؤسّساتنا".

     الثّقة بالنّفس؛ هي الحصن المنيع الّذي تحدّث عنه السّيّد القائد بمناسبة حلول العام الجديد في الحرم المطهّر للإمام الرّضا عليه السّلام ؛ ففي زمن الكيان الطّاغوتيّ كان هنالك حاجز يدعى "نحن لا نستطيع"،بُني لحماية السّلطة والإستعمار؛ ثمّ جاءت الثّورة فهدمت هذا الحاجز ليُقام بدلاً عنه حصن "ممكن ونستطيع". إنّ الثّورة ومرشدها قد صمدا خلال هذه السّنين لمنع حاجز "انعدام الثّقة بالنّفس" السلطوي من العودة .

   ولتمكين البحث أكثر قام سماحته بإستذكار واقعة حدثت منذ 15 أو 16 سنة؛ يوم كان أحد المسؤولين لأحد الأقسام في البلاد يعاني من نقص في الإدارة العامّة، حيث قال: "لقد كانت تصلني تقارير، عن قلّة في المدراء.بعد ذلك الكلام وعقب سنين، وفي نفس ذلك القسم الّذي لا أريد ذكر خصائصه هنا، جاء مدراء مقتدرون وناشطون والحمد لله، فأنجزوا أعمالاً جيّدة، أعمالاً عظيمة جليّة أمام أعين النّاس،إنّها ظاهرة في كافّة البلاد بشكل لا يمكن معه التّشكيك بها".

     يقول سماحته: "نعم، إنّ بعض البلدان تمتلك المال، لكن ليس لديها القوّة البشريّة؛ أمّا نحن فنمتلك القوّة البشريّة وليس لدينا المال" فتعود الإبتسامات إلى الوجوه من جديد، ثمّ يستطرد: "هذه هي الحقيقة، فنحن نعاني قليلاً من النّاحية الماليّة، لكن بالنّسبة للنّاس فهم كُثر والحمد لله. وأقول أنّه في نفس ذلك القسم الّذي جاءني منه ذلك الرّجل اليائس يشكو قلّة المدراء، أنجزت فيما بعد أعمال بارزة، إن قمت الآن بذكرها لصدّقتم كلامي، فهي ليست أشياء قابلة للشّكّ بها. وكلّكم ستشهدون بأنّه تمّت في هذا القسم أعمال عظيمة. وعلى أيّ حالٍ فهذه أيضاً والحمد لله إحدى مزايا هذه الجلسة ، حيث أنّي أراكم أنتم، جزءاً من المدراء وأصحاب الفكر والمنهج والرابط بين العلم والفنّ والعمل، فشكراً لله. وعليه فإنّ هذه الجلسة هي جلسة مميّزة بالنّسبة لي".

       إنّ لفظ "الرّجل اليائس" هو في حدّ ذاته أمر ظريف؛ فـ "الأمل" هو رمز السّعي، وليس هنالك من أحد قدّم للشّعب والشّبان خلال هذه السّنوات "الأمل" كما فعل سماحة مرشد الثّورة، "الأمل الموضوعيّ والعمل نحوالإبداع".

جلسة أنس مع لوحة فسيفساء جميلة

    لم يغلق السّيد القائد بعد ملفّ مزايا هذه الجلسة: " أحدى الخصائص الأخرى لهذه الجلسة هي أنّها تشتمل على حضور اصحاب أفكاراً ونظريّات وأساليب سياسيّة مختلفة. أنواع وأقسام لدى هنا أمام عيني..."لم تكن جملة سماحته الّتي خالطتها ابتسامته قد انتهت، حتّى علا صوت ضحك الجميع. حين أردف في وصف الحضور: "لوحةفسيفساء جميلة فيها من كلّ شيء والحمد لله". فيرتفع الضحك أكثر،فيما يقول أحد الجالسين في المؤخرة، فليحفظك الله من بينهم، ليجيب سماحته بإبتسامة: "أطال الله عمركم".

      كان عارف وشمران يجلسان على الجانب الأيمن من السّيّد القائد، وعلى شماله سيف وبهمني، وفي الجناح الأيمن من المجلس، كان مير سليم وسيد كاظم اكرمي وقاسمي ومتكي من القدامى في سلك الدّولة، ابراهيمي ومصباحي مقدم من شريحة علماء الدين، كذا السادة اعرافي واختري وجواد اجه اي في حوالي وأطراف المجلس، كما وجلس في قبالة سماحته رؤساء الجامعة المفتوحة لثلاث دورات وهم جاسبي، دانشجو وميرزاده، وأبعد قليلاً شريعتمداري لصحيفة كيهان ودعائي لصحيفة اطّلاعات، ونيكزاد، تقي بور، فريدون عباسي، وأبو القاسم طالبي، صفدر حسيني، صادق خرازي، تابش وافشين علاء، آقاتهراني،زاكاني، وفدائي، وعدد من السّيّدات أيضاً.

     حقا إنها فسيفساء متنوعة، وهو تنوّع ضروريّ في رأي السّيّد: " اعلموا أن هذا رأيي الحقيقيّ، والأعزاء ممن عملوا معي عن قرب لسنين يعلمونه، فالتّنوّع أمر ضروريّ، وليس مكروهاً".

     لكن سماحته وكعادته في دقته، لا يدع موضوعاً بشكل مطلق، فهو يوضّح شرط هذه الضّرورة: " طبعا شرط أن لا نرافقها بالبساطة والسّذاجة، وأن لا نتعامل كالأطفال، كمثل دول أخرى نراها اليوم، تنشب فيها خلافات حادّة وأحياناً جذريّة، بسبب اختلاف في الأذواق حول أشياء صغيرة. فيصطكّون فيما بينهم، وهذا الاصطكاك يبدأ بمناوشات لسانيّة، لكنّ ذلك لا ينتهي عند هذا الحدّ بل يصل في أحيان كثيرة إلى اشهار الأسلحة".

      ويستشهد السّيّد على ذلك بمثال من ليبيا، وذلك نقلاً عن رئيس قازاخستان، الّذي زاره الاثنين الماضي،وقال:" نعم صحيح أن القذافي كان رجلاً سيئاً، لكنّ وضع ليبيا في زمانه كان أفضل من الآن. ماهذا الوضع الحاصل، والتّدخّلات، بما أثارالنّاس ضدّ بعضهم،ليس هنالك أي شعور بالأمن لأيّ كان خارج منزله.

     "العقل والحلم" هو أوّل شرط على التّنوّع الفكري المفيد في نظر السّيّد القائد: " إذا كان العقل والحلم حاكمين على هكذا شكل من التنوع الفكري، فسينتج بالطبع عنه أمر مفيد جدا، لذا نرى في الأدعية "اللهم ارْزُقني العلم و الحلم" فالحلم تعني القدرة، أي أن يكون لدى الإنسان القدرة على رؤية وسماع ما يخالف عقيدته".

الأنهار الصّغيرة والكبيرة الّتي يجب أن تصبّ في محيط الثّورة.

الخاطرة الثّانية الّتي رواها سماحته بدأت هكذا: "ذات مرّة وقبل سنين عدّة جاء إلى هنا، عدد من العاملين في صحف مختلفة، من كلّ التيارات كانوا قد حضروا، بينهم أفراد من شتّى الإتّجاهات، في ذلك الوقت كان اصطلاح "الرأي الآخر"قد ىرج حديثاً، وكنت قد قلت بأنّني مخالف لهذا اللّفظ، فالتّفكير بشكل آخر ليس جريمة، إنّه تفكير، أنت تفكّر بشكل ما، ورفيقك بشكل مختلف في الأمور المختلفة، لابأس في ذلك. إلّا أنّ هنالك شرطاً، فإضافة إلى ما قلناه سابقاً من عدم إيذاء بعضنا، هنالك شرط آخر وهو أن يأخذ الجميع الثّورة بالحسبان، هذا أمر غاية في الأهميّة. أن تصبّ هذه الأنهار الصّغيرة والكبيرة ومن أطراف مختلفة، في محيط الثّورة، وتنتهي لصالحها. فهذا أمر محمود".

      كلمة "الثّورة" هي كلمة مفتاح، كثيرة التّكرار في خطابات السّيّد القائد، فقائد الثّورة يهتمّ وقبل أيّ شيء بصلاح الثّورة؛ إلى درجة تجعله يبحث عمّا يفيدها حتّى في " التّنوع والآراء الأخرى". فقبل الإنتخابات بيومين في(7اسفند 94) حين كان أغلب السّياسيّين يهتمّون بما فيه منفعة أجنحتهم وتيّاراتهم السّياسيّة. كان سماحته يؤكّد على القطبين الأساسيّين، قطبي "الثّورة-الإستكبار"؛ والآن هاهو يتمّ ذاك المسير، فأنت مهماكانت ذائقتك الفكريّة، إذا كانت تُنتج مافيه منفعة الثّورة وتصبّ في محيطها، فهذا يعني أنّك إنسان ثوريّ.

    كما أنّ السّيّد القائد يفسّر "المسير المنحرف" فيقول: "إذا انحرف تّيّار أو جّهة عن الثّورة، وإذا انفصل عنها، فهذا سيكون خطراً، ويؤدّي إلى إنتاج الإشكاليّات. وطبعاً ففي هذه الحالة أيضاً يمكن تجنّب الوقوع في مناوشات، أي أنّه لا بأس أبداً في ذلك. فنحن ومنذ بداية الثّورة وحتّى الآن كان لدينا أشخاص يقفون ضدّ الثّورة. ونحن لم يكن لدينا أيّ مشكلة مع هؤلاء. ولا أحد يؤاخذهم. أنتم شاهدون على ذلك أيضاً، هل هنالك منذ أوائل الثّورة من تُعرّض له بذنب مخالفته لفكر الإمام أو لفكر النّظام أو الثّورة؟ ليس هنالك شيء من هذا القبيل. لكن، نعم، إن كانت مثل هكذا نظريّات لا تتّجه نحو محيط عظيم هو الثّورة وعقائد الإمام وهويّته وشخصيّته رضوان الله عليه، إن لم يكن ذلك، فلا فائدة منها، وسيبهت لونها. لتغدو في بعض الأحيان ذات أثر معاكس حتّى. لذا يجب التّوجه إلى هذا الأمر. وإلى هذا الشرط الأساسيّ والمهمّ، لكي يكون بمقدور الإنسان عندها الاستفادة من هذا التّنوع".

كلّ هذا له علاجه والثّورة يجب أن تثبت قدرتها على حلّ المعضلات الاقتصادية

     انتهى توضيح مزايا الجلسة؛ وسماحته قد تكلّم عمّا كان لديه من حديث هامّ بمناسبة هذا التّركيب المتنوّع في الجلسة، لكن وكأنّه لم يفصح بعد عن أصل ما يجول في خلده؛ الكلام عن الموضوع الأهمّ "الإقتصاد"، الّذي يجب جعله ذو سمة مقاومة، لصيانة البلد من رمح الحصار الموجّه نحوه، ومن حقد العدوّ على الشّعب، ولتذهب مساعيه هباء منثوراً، فلا تسعى أعيننا نحو فلان على أمل ما سيقوم به لرفع الحصار؟

    بدأ السّيّد كلامه هكذا : "لديّ أيضاً رجاء من الجميع"، ثمّ يكمل: " عندما سمينا هذا العام (الإقدام والعمل في مجال الاقتصاد المقاوم)، فهذا لا يعني أنّه لم يتّم أيّ إقدام سابق، نعم، فالسّادة يعملون، وهم مشغولون، وينجزون. لكنّ ذلك لا يكفي. الأمر أكبر من ذلك. فما هو أهمّ من كلّ هذا الكلام. هو الاقتصاد المقاوم باعتباره كلّاً شاملاً، ابتداءً بالمجال العلميّ ومجال الأنشطة الفنّيّة، ومجال الخدمات، وصولاً إلى مجال التّسويق والصّادرات والواردات، وحتّى مجال التّعليم في الجامعات والثّانويّات".

     لقد أكّد سماحته على موضوع الاقتصاد والمعيشة ومختلف شؤون النّاس إلى درجة بدا وكأنّه لا يضيّع فرصة لاستغلالها فی المطالبة بذلك وغرس الدّافع نحوها وتحريك المسؤولين والنّاس إليها، فخلال هذه الفرص من التّوضيح والمطالبة، يقدّم سبلاً للحلّ ويُنبّه من المسارات المنحرفة: " افترضوا مثلاً أنّ تقريراً ما يُنشر، معلناً بأنّ الآلة الفلانيّة أو الأداة الفلانيّة أو القطعة الفلانيّة والّتي تعتبر ذات أهميّة كبيرة،عمليّة ومفيدة، ثمّ افترضوا أنّ هذه الآلة يتمّ تصنيع مثيلها وبأفضل شكل ممكن لدينا، كمثال على ذلك شركة"مبنا"، وهاهو السيد علي آبادي جالس هنا، ثم نذهب ونستورد ذات هذه الآلة.هذا مضر جداً، وهو مضادّ لاتجاه الاقتصاد المقاوم. فالاقتصاد المقاوم يرفض مثل هكذا أمور. وفيه اثبات ونفي. الاثبات فيه هو أن نتعلّم كيف نولّي وجوهنا نحو الإنتاج الدّاخلي. فالإنتاج هو الأساس، الإنتاج الدّاخلي كلمة، لكن وراءها حديث طويل.كيف يزدهر الانتاج الدّاخلي؟ وماذا نفعل لعلاج ضعف سمعة إنتاجنا؟ كل ذلك له علاج.لقد قلت للمسؤولين المحترمين عدّة مرّات. أنّ أحد الأعمال الّتي يجب أن تقوموا أنتم بها، هي أن تجمعوا كلّ تلك الإنتقادات الّتي تُنشر في الصّحف عن المنتقدين في المجال الإقتصاديّ، ومن الأجنحة المختلفة، الموافق منها والمخالف للدّولة، ثمّ العمل على دراستها من قبل المفكّرين. فهي قابلة للدّراسة. تلك هي الواجبات في الإقتصاد المقاوم. والأهمّ كشف المحذورات الّتي لايجب القيام بها، ذلك هو الأهمّ. المحذورات في الإقتصاد المقاوم مهمّة جدّاً.فهنالك أمور يجب الإمتناع عنها. وتحديد هذه الأمور بالغ الأهميّة. ومن ثمّ فإنّ جرأة الإقدام على هذه المحذورات مهمّ جدّاً. وهنالك أمثلة مهمّة في مجال التّسويق، وكذا في المجال الصّناعيّ والفنّيّ أيضاً، وفي مجال التّعليم الجامعي كذلك."

     هنا يرغب سماحته في توضيح العلاقة بين الثّورة الإسلاميّة والإقتصاد المقاوم، ليصبح معلوماً ما الّذي يربط بين هذين الأمرين الهامّين: " الإقتصاد المقاوم يعني أنّ تُظهر الثّورة الهوّية الدّاخليّة لهذا البلد وهذا الشّعب المتمثّلة في قدرته على إدارة نفسه والنّموّ والإرتقاء. وهذا هو معنى الإقتصاد المقاوم. فنحن تطوّرنا بشكل كبير في بعض الأجزاء. لكن لم نتطوّر بنفس المستوى في الإقتصاد. وهذه مشكلات، هنالك مشكلات اقتصاديّة بالفعل".

    لعلّ أكثر جزء مثير ومشوّق في خطاب السّيد القائد هو حينما قال:"يجب أن تكون الثّورة قادرة على إثبات قدرتها على حلّ المشكلات الإقتصاديّة، ذلك هو النّضج الإقتصاديّ الضّروريّ، لكنّ هذا النّضوج ليس كافياً. بل هو التّوسّع بمعناه الواسع، أي التّقدّم، والتّقدّم كما نترجمه نحن، يجب أن يكون على مختلف الأصعدة الإقتصاديّة.

التّأكيد على وصيّة: مساعدة الجميع للحكومة في الإقتصاد المقاوم

     يجب أن تمتلك الثّورة الإسلاميّة القدرة، وبفضل من الله سوف تكون كذلك، لكنّ هذه الثّورة ملتزمة بأمور في الإقتصاد المقاوم، تكلّم عنها سماحته خلال هذه السنين الماضية ضمن عدد من النّقاط؛ أحدها هو التأكيد منذ أوّل هذا العام وبشكل خاصّ على مساعدة الحكومة، باعتبارها اليد التّنفيذيّة للثّورة الأسلاميّة، لاثبات إكتفاء الثّورة الذّاتيّ في ناحية  حلّ المشكلات الإقتصاديّة لدى النّاس؛ولذا فعلى الجميع تقديم يد العون للحكومة؛ وكذلك من بين هذه النّقاط دعم القائد الأعلى لكافّة الحكومات المتتالية أيضاً؛ الدّعم والإرشاد في سبيل حلّ مشكلات النّاس وتقدّم البلاد. فقبل 10 أيّام أكّد سماحته أيضاً على ضرورة القيام بكلّ مايلزم وماهو مفيد من أجل المنافع الوطنيّة وحلّ المشكلات الإقتصاديّة والمعيشيّة ومختلف أمور النّاس وفي هذا اللّقاء أيضاً يتطرّق من جديد إلى هذا الموضوع :" على الجميع تقديم المساعدة للحكومة من أجل هذا العمل، وأنا قد أكّدت على هذه الوصيّة، سواء في الجلسات الخاصّة أو العامّة الّتي اجتمع فيها الأحبّة هنا، بأن يسعوا في هذا الأمر. أنتم قادرون على ذلك، فالتقوموا به معاً. حقّاً ليقم به كلّ منكم بحسب نطاقه الّذي هو فيه، ضمن مجموعاتكم الّتي تعملون تحت أمرها، وأيضاً في المجالات الّتي هي تحت سيطرتكم. مثل أحد المنتخبين في المجلس، أو أحد المسؤولين في قطّاع ما، والمسؤولةن في شتّى الأقسام، التعليميّة والعلميّة وغيرها".

مقاومة الإستكبار والإقتصاد المقاوم، وجهان لعملة واحدة / ولا يمكن تحقيق شيء دون ذلك.

       والآن ومن أجل توضيح التّبعات الحاصلة في البلاد إثر عدم متابعة السّير في هذا الصّراط،يحذّر سماحته قائلاً: "هذا هو أساس العمل. فإن لم يكن كذلك. أي إن لم نتّكئ على قدراتنا الدّاخليّة ولم نستخرج ذلك الكنز، ذلك المعدن النّفيس، أو إن قمنا بتجاهل ونبذ ما تمّ استخراجه منه لينتهي إلى الزّوال والإنهيار، فسنحتاج إلى الخارج. وهذا الإحتياج هو أمر خطير جدّاً. فمجرد إحساسهم بهذه الحاجة، الّتي هي حاجة شعب كامل، سيبدؤون بالضّغط، وبمضاعفة الضّغط، فيوجّهون الضّربات والإهانات. وليس أن تقولوا لدولة من الدّول المستكبرة مثلاً: نحن لا شأن لنا بك، وأنت أيضاً اتركينا لأمرنا،لا تجري الأمورهكذا. فهذا الكلام ليس له من معنى قطّ، ضمن المسائل العالميّةوعمليّة الوقوف في وجه القوى وفنون القتال. بل الصّحيح أن نحدّها ونقف في وجهها فنعرقلها، وإلّا فسوف تتقدّم أكثر. هذا هو المقصود. هذا ما أعنيه. أنّنا وعلى الدّوام نقول كلاماً عامّاً فيما يخصّ المواضيع الخارجيّة والسّياسات الخارجيّة والإستكبار و...غيره، وليس أنّنا مخالفون لأصل العلاقات مع البلد الفلاني - سواء كان أوروبيّاً،آسيويّا،إفريقيّاً...-، طبعاً لا، والجميع ممّن عمل معي يعلم عنّي ذلك، ليس لديّ أدنى مخالفة مع ذلك، بل بالعكس فقد شجّعت على مثل هكذا علاقات، ومازلت، والآن أيضاً أشجّع المسؤولين في سلك الحكومة على توسيع هذه العلاقات. غير أنّه يجب تحديد مع من تكون العلاقات؟ مع من نقيم الإرتباط؟ ما هي دوافع ذلك الطّرف الّذي نبتغي إقامة العلاقات معه؟ وما هي قدراتنا في مواجهة دوافعه؟ كلّ ذلك هو ممّا يجب أخذه بالإعتبار، فلا يمكن العمل دون حساب. هذا هو المقصود. وهذا هو المقصود بالإقتصاد المقاوم. فمسألة الإستكبار في ماهيّتها وهويّتها في مجالها الإقتصاديّ ليست سوى اقتصاداً مقاوماً. الإستقلال الثّقافيّ الّذي استندت إليه دائماً منذ سنين عديدة هو أيضاً جزء من ذلك. أمّا الآن فموضوعنا هو الإقتصاد. وهو يأتي بالمرتبة الأولى بالنّسبة لنا خلال هذه السّنوات. حيث أنّ مقاومة المستكبرين ومواجهة كلّ من يسلك سبيلهم، وكذا نهرُ أمريكا والآخرين، هو في حقيقة الأمر الوجه الآخر للإقتصاد المقاوم. فإن أردتم حقّاً تحقيق الإقتصاد المقاوم. وجب عليكم سلك هذا السبيل، وإلّا فلن يتحقّق بدون ذلك شيءٌ، لن يتحقّق بدون ذلك شيءٌ".

     لقد أعاد السّيّد القائد هذه الجملة: "لن يتحقّق بدون ذلك شيءٌ" مرّتين، وهذا يشير إلى أنّ مقاومة الإستكبار ليست كلاماً فحسب، بل هي إقدام وعمل؛ وهذا الإقدام والعمل يتّجلى في نطاق الإقتصاد بالإقتصاد المقاوم.

لا نستخفّ بعدوّنا، ولا بأنفسنا:

 شارفت الجلسة على الإنتهاء؛ لكنّ من أَلِفَ خطابات سماحته، يعلم بأنّ ختام هذا النّوع من الخطابات عادة ما يكون تأكيداً على الأمل وشعار" نحن نستطيع"؛ وذلك من وجهة نظر موضوعيّة. فالجريح المدافع عن الحرم الحاضر في هذه الجلسة، لَهُوَ بشارة لهذه القدرة وذلك الأمل.

وأخيراً يختم سماحته كلامه بهذه الكلمات: " نحن لا نستخفّ مطلقاً بقدرة العدوّ، فهو يمتلك أدوات القّوّة، ولديه طاقات كثيرة، نحن نعلم من هو العدوّ وماهو العدوّ وإلى أيّ درجة تبلغ استطاعته، أمّا بما يخصّ قدراتنا نحن، فلا يمكن إغفال ما لدينا، نحن أيضاً لدينا قدرات كثيرة. قد تكون من نوع آخر لكنّها قوّة في نهاية الأمر. دليل هذه القدرة هو رغم تعطّش هؤلاء ومنذ اليوم الأوّل إلى دم الإمام العظيم وإلى دماء الثّورة. ومع ذلك ها هو العام37 بعد الثّورة ينقضي، وها هي تزداد نضوجاً يوماً بعد آخر، إذن فنحن نستطيع ولذا فنحن ننمو. ولولا الإستطاعة لما كان هنالك نموّ. اذا فالقدرة موجودة ووجود الشيئ افضل دليل على امكانه، وعلى احتمال وقوع الشّيء.نحن الآن في العام 37 للثّورة ومازلنا نتحرّك نحو الأمام، نعمل، ونصمد. وأعني من ذلك أن كمأأخبنأكملوا هذا المسير، وتابعوا هذين الوجهين في العملة، سواء في المجلس، أو في الحكومة، أو في مختلف الجهات الأخرى، فأنتم تتمتّعون بعلاقات تربطكم بذوي الشأن، وأنتم على علم بكيفيّة الأمور، وتعرفون المسؤولين، قضيتم سنيناً على رأس هذه المسؤوليّات، فتابعوا ذلك خصوصاً في الجامعات، والحقول الثّقافيّة. هذا ما نريده بكلامنا، وإن تحقّق ذلك فسوف يصير العيد مباركاً إن شاء الله بمعناه الحقيقيّ. فما قلناه سالفا من تبريك، هو في الواقع مجموع كلّ حديثنا في كلمة"مبارك"، أشكركم جميعاً والسّلام عليكم ورحمة الله".

     قال سماحته بأنّ "النوروز يعني اليوم الجديد، والعمل الجديد، والإبداع الجديد"؛ فالعمل والإبداع في هذا العام يتوجّب أن يكون اقتصاداً مقاوماً كما ينتظر المرشد الأعلى والنّاس؛ ويمكن تلخيص كلّ ذلك في جملة ذهبيّة هي:"يجب أن تُثبت الثّورة قدرتها على حلّ المشكلات الإقتصاديّة وحلّها، والتّطوّر في مختلف الميادين الإقتصاديّة بشكل جليّ للعيان".