استعرضت الباحثة التونسية الدكتورة سهام بنت محمد بنت عزوز جانبا وجدانيا خاصا من حياة الإمام الخميني (ره) في ذكرى رحيله، معتبرةً أن العالم فقد قائداً دینیاً وثوریاً عظیماً ذا نظرة واسعة.
وأكدت الباحثة التونسية سهام بنت عزوز في مقاله إلى أن الإمام الخمیني (ره) كان رجلاً مؤمنا، ومجتهداً وصانعاً للتاریخ خلال العقد الأخیر، و كان رجلا مجاهدا لا مثیل له في المائة سنة الماضیة، حيث خلّف مخزوناً كبیراً سیظل على ألسنة الجمیع خلال مئات السنین.
واعتبرت بنت عزوز أنّ أهم الآثار لنهضة الإمام الخمینی(ره) هي أنها حوّلت الحكومة في بلد مسلم كبير من ماهیته الملكية إلى الماهیة الإسلامیة والدینیة. وبهذا فإن الجمهوریة الإسلامیة الإيرانية أصبحت أنموذجاً للحركات الإسلامیة في العالم. و "إننا نرى أن الإمام من ناحیة القدرة الفكریة لم یكن شخصاً أو ظاهرة فردیة بل كان من صنّاع التاریخ".
وأضافت الأكاديمية التونسية أن شخصية الإمام الراحل (ره) شخصية ربانية استثنائية بكل معنى الكلمة، ويعد من الشخصيات العلمية والفكرية و السياسية، التي تركت بصمات واضحة وتأثيرات عميقة في واقع مجتمعاتها وأممها. وذلك لأن خلق التأثير العميق على هذا الصعيد، بحاجة إلى إنجازات نوعية وشاملة وعميقة، حتى يتحقَّق مفهوم التأثير العميق والدائم. ومن هذه الشخصيات التي تركت ولا زالت تأثيرات عميقة في مسيرة الأمة الإسلامية بشكل عام والشعب الإيراني المسلم بشكل خاص هو الإمام الراحل السيد روح الله الموسوي الخميني الذي تمكَّن في بعدين أساسيين من ترك بصمات واضحة وتأثيرات صريحة في مسيرة الأمة.
وبحثت بنت عزوز شخصية الإمام الخميني (ره) في بعدين، أي البعد العلمي - الفقهي، حيث إن الإمام الخميني كان من مراجع الدين وفقهاء الأمة وعلماء العصر، الذي ترك تأثيراً علميًّا في مسيرة الحوزات والمعاهد العلمية والبحثية، ولا زالت نظرياته وتصوراته الفقهية والعلمية محلَّ دراسة وعناية من قبل العديد من المهتمين والمختصين. كما أن نظريته في الفقه السياسي، لا زالت تسير بخطى حثيثة في نظام الجمهورية الإسلامية في إيران والتي التزمت منذ انتصار الثورة في عام 1979م بنظريته السياسية في إدارة البلاد والعباد، والبعد السياسي، معتبرة إن الإمام الخميني رضوان الله عليه، لم ينعزل عن قضايا الأمة وإنما تفاعل معها، وتحمّل وجاهد في محاربة الاستبداد السياسي وتمكَّن بفضل حنكته وصبره وشجاعته وصمود وتضحيات الشعب الإيراني المسلم من صنع ثورة شعبية في إيران، أسقطت الإمبراطورية الشاهنشاهية، وخلَّصت الشعب الإيراني من ظلم واستبداد الشاه ونظامه. لم تتوقَّف جهود الإمام الخميني بإسقاط الشاه وقيادة ثورة شعبية. وإنما عمل بعد ذلك على إرساء دعائم نظام جمهوري يستمد شرعيته من الشريعة والشعب.
ونوهت الأكاديمية التونسية إلى إن أهم الميزات التي تُميّز هذه الشخصية الربّانية الرائعة، هو حضورها الدائم في الساحة والتصدي النوعي لكل شؤون الناس، فاهتمامه العرفاني والفلسفي لم يمنعه من التعاطي مع الشأن السياسي من موقع المبادرة ومكافحة الظلم والاستبداد بكل أشكاله ومستوياته. كما أن مرجعيته الدينية وفقاهته لم تمنعانه من الإنصات إلى قضايا الناس وحاجاتهم الملحة.
وتعتقد بنت عزوز إن شخصية الإمام الخميني (ره) هي من الشخصيات المتكاملة التي جمعت بين العلم والعمل، بين الفقاهة والسياسة، بين العرفان وقضايا الناس. لذلك أضحى بحق نموذجاً فريداً على أكثر من صعيد. ولم تستطع كل الضغوطات أن تحول بينه وبين العمل للوصول إلى أهدافه وغاياته، فقاوم النظام الشاهنشاهي من موقع المسؤولية الشرعية، وتحمَّل في سبيل ذلك ألواناً هائلة من الضغوطات والصعوبات، ولكن جميعها لم تثنهِ عن مواصلة الدرب وتحقيق المنجز الإسلامي المعاصر.
وتابعت الباحثة الأكاديمية إن الإمام الراحل (ره) قاد باقتدار وحكمة الشعب الإيراني بعد الانتصار العظيم في بناء دولة جديدة لا زالت هي التي تقود الشعب الإيراني وتحافظ على أمنه ومصالحه الاستراتيجية. ولقد تميَّز الإمام الخميني في مختلف أطوار حياته بصفات نفسية وسلوكية متميزة واستثنائية، فهو فقيه الفلاسفة وفيلسوف الفقهاء، كما هو القائد السياسي الفذ الذي قاد ركب الثورة الإسلامية في إيران، وأخرجها بحنكته وحكمته من الكثير من المحن والابتلاءات. وسيَّج هذه الملاكات والقدرات بالتواضع الجمّ وحبّ الناس والزهد في الدنيا والتعفّف عن مباهج الحياة وزخرفها. فبفضل الأبعاد الفقيه والعلمية والسياسية والإدارية والميدانية، التي تجسدت في شخصيته قدس سره الشريف ترك بصمات واضحة في مسيرة الشعب الإيراني والأمة الإسلامية. وبفضل الجهاد العلمي والسياسي والتصدّي المباشر الذي باشره خلال سنين طويلة من حياته، فقد تبوَّأ موقعاً مركزيًّا أساسيًّا في المشروع الإسلامي المعاصر.. فهو بحق أحد رواد هذا المشروع وأبرز صنّاع العصر الإسلامي الراهن.
ونوهت بنت عزوز إلى أن الدول الاستكبارية رأت في الثورة الإسلامية نموذجاً خطراً يهدّد كل مصالحها في العالم، ويشكّل دافعاً لكلّ الشعوب المستضعَفة للانتفاض على حكّامها وقطع يد التدخّل الغربية في شؤونها الداخلية، لذلك فقد سعت بمختلف الوسائل إلى تشويه صورة هذه الثورة وهذا القائد العظيم، وذلك عبر الترويج للأكاذيب المضلّلة التي لا تمّت للحقيقة بصلة. معتبرةً موقف الإمام ورؤاه الاستشرافية من القضية الفلسطينية من ضمن أمثلة كثيرة تهم قضايا الأمة الإسلامية والتي كانت من أولويات الاهتمام لديه.
وذكرت الأكاديمية التونسية وجهاً للمعالم السياسة التي انتهجها الإمام الخميني (قدس سره) وتأثيرها على انتفاضة الشعب الفلسطيني، مقسمةً إياها على عدة محاور أولها التعبئة الثورية العامة لأبناء الشعب وعلماء الدين، حيث شكلت التعبئة التقليدية وغير الرسمية للتحركات المدنية الموسعة عن طريق المساجد في مختلف أنحاء إيران، قوة كامنة لإحداث تحولات اجتماعية كبرى. إذ أن الإمام الخميني ومن خلال اعتماده على هذه القوة، لم يلجأ إلى أساليب النضال السياسي المتداولة في العالم، من قبيل تأسيس الأحزاب والتنظيمات السياسية والعسكرية والميليشيات المسلحة.
وأشارت أن الإمام حاول توعية الجماهير بدوافع نضاله وأهدافه مستعيناً بالأواصر التقليدية والبسيطة للغاية الماثلة في صلب المجتمع.. في الحقيقة أن ارتباط الجماهير بقيادة الثورة في إيران، لم يكن عن طريق التنظيمات المناضلة والتشكيلات المعقدة، بل بوحي من صراحة الإمام وشجاعته ولهجته الخطابية الخاصة به وحده التي كانت قابلة للفهم من قبل كافة فئات المجتمع بما فيها الأميين.
وأوضحت أن الانتفاضة الفلسطينية كانت قد تبلورت في مرحلة من التاريخ النضالي للفلسطينيين،و كان النضال الحزبي والدبلوماسي على مدى عدة قد وصل إلى طريق مسدود، وكانت الإيديولوجيات غير الدينية والمستوردة قد عجزت عن تعبئة الطاقات والإمكانات الفلسطينية بما يخدم تطلعات الشعب الفلسطيني و بالتالي منيت كل هذه المحاولات بالفشل.
كما وفي هذه الأثناء كانت الثورة الإسلامية في إيران قد برهنت على مدى الهوة والتعارض بين القوى المتغطرسة وبين الحركات الشعبية الحقيقية، وقد تجلى ذلك بوضوح في الدعم الأميركي لشاه إيران والتصدي لأكثر ثورات القرن العشرين استقلالية وشعبية.
وأكملت بنت عزوز مقارنتها من حيث أسلوب النضال، فلقد شكلت مرحلة الصحوة الخطوة الأولى في الانتفاضة الفلسطينية مثلما هو الحال في الثورة الإسلامية. ورغم تباين بعض الدوافع بالنسبة للانتفاضة الفلسطينية والثورة الإسلامية، إلا أن الجيل الفلسطيني الصاعد الذي خطى في ساحة النشاط السياسي والاجتماعي، كان يرى أمامه حياة تعيسة وظلم الصهيونية القاهر بدلاً من الهزيمة والخنوع. وللخروج من هذا الطريق المسدود، لم يكن يرى في أساليب النضال السابقة جدوى، بل ربما أن الأساليب والتصورات السابقة كانت سبباً رئيسياً في إيصال النضال الفلسطيني إلى طريق مسدود.
وجاء في المقال أن الكيان الصهيوني حاول من خلال استخدام القوة العسكرية والحملات الدعائية، إيهام الرأي العام الفلسطيني باستحالة تغيير الأمر الواقع.. إلا أنه وفي ذات الوقت الذي كان يسعى هذا الكيان إلى ترسيخ وجوده وتعزيز موقعيته على الصعيد الداخلي والإقليمي؛ استطاع المناضلون المسلمون في إيران إسقاط شاه إيران الخائن للأهداف الفلسطينية.
ورأت أن هذا الحدث الهام بث نور الأمل إزاء مستقبل المسيرة النضالية في فلسطين.. صحيح أن الجيل الصاعد لم يرث غير المعاناة والنكبات، إلا أنه كان يحظى بامتيازات خاصة زرعت في نفسه الأمل ورسمت أمامه آفاقاً ساطعة إزاء مستقبله، ولعل في مقدمة ذلك: حساسية المسلمين حيال مستقبل القدس، وصحوة شعوب المنطقة، ودعم ومساندة الإمام و الثورة الإسلامية للقضية الفلسطينية. والاهم من كل ذلك، الاقتداء بالنضال الشعبي الذي شهدته الجمهورية الإسلامية في إيران.
واعتبرت الأكاديمية التونسية الإعلان عن يوم القدس العالمي من قبل الإمام الخميني (ره) في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، بشّارة حركة مختلفة لتصحيح مسار نضال الشعب الفلسطيني، موضحةً أن النضال ضد الصهيونية لاسيما إسرائيل، شكّل أحد الأركان الرئيسية لفكر الإمام الخميني السياسي. وان ما يكتسب أهميته في هذا المجال هو اهتمام الإمام الخاص بالجانب المشترك في رؤية المفكرين الأحرار بالعالم ومن مختلف الأطياف.
وارتأت أن مثل هذا الجانب، الذي يتخطى الرؤية الدينية – القومية، يمهد الأرضية اللازمة لمزيد من التأمل في أبعاد القضية الفلسطينية والخوض في أعماقها، وبالتالي المزيد من الانسجام ووحدة الكلمة داخل المجتمع الإسلامي، فضلاً عن تصالح المجتمع الدولي مع القضية الفلسطينية. إذ يقول سماحة الإمام: (يوم القدس يوم عالمي، يوم لا يختص بالقدس فقط).
وأكدت الباحثة التونسية أن الشكل الجديد للحروب التي شنها محور الهيمنة على المنطقة وما الإرهاب التكفيري اليوم سوى آخر الأوراق اللاأخلاقية في ترسانة مشروع الهيمنة الصهيون-أمريكي على امتنا. فإننا بلا شك في اشد الحاجة اليوم إلى دراسة تجارب العلماء والعظماء أمثال الإمام روح الله الموسوي الخميني (ره) والتعرف على انجازاته و استلهام العبر والخبرات العلمية والسياسية من موروثه الهام الذي تركه سندا لهذه الأمة وعونا لها على تخطي المحن و الصعوبات.
تعليقات الزوار