جديد وهام

 

الإمام القائد حفظه الله تعالى يجيب بشكل واف على أسئلة حول فلسطين

 

9. مر على اغتصاب فلسطين واقتطاعها من جسدنا الاسلامي خمسون عاما مرت بين مد وجزر فتارة يعلوا صوت النضال والجهاد واخرى يكاد يخبو فهل ثمة اختلاف ما يجعلنا اليوم وفي ظل الجهاد الذي اشتعل في السنوات الاخيرة ننظر بعين الامل لاستعادة هذه الارض المقدسة ؟

فقضية فلسطين قضية كبرى، والعالم الإسلامي يواجهها منذ أكثر من نصف قرن، وعلى مدى هذه العقود مرّت فترات لو كان زعماء العالم الإسلامي ومَن كان بإمكانهم اتخاذ القرار قد أحسنوا اتخاذ القرار، لربما كانت هذه المشكلة قد حُلّت أو تيسّر حلها على أقل تقدير. ولقد ارتكبت الكثير من الأخطاء خلال السنوات المتمادية؛ واليوم يعد من الفترات المصيرية التي ربما يستطيع الشعب الفلسطيني شق طريقه نحو ما يتطلع إليه العالم الإسلامي، وذلك لولادة جيل جديد في فلسطين، فقد يتيسر قمع حزب ما أو اخراج فئة ما من الساحة، وقد تتراجع طائفة من الناس عن جهادها ومواقفها البطولية، بيد أنه من غير الممكن ثني جيل بأكمله عمّا يتطلع إليه وعن الطريق الذي عرفه مهما كان الثمن؛ فالجيل الذي تحمل أعباء القضية الفلسطينية اليوم هو جيل واعٍ وعارف بالحقيقة، وأي حقيقة؟ إنها حقيقة ما أراد السلطويون وأرباب السياسة وأرباب الثروة في العالم ـ وفي غفلة من الزمن ـ من محو شعب بأكمله من الأرض، وإزالة بلد من الخارطة الجغرافية. وقد توهّموا نجاحهم في إنجاز تلك المهمة؛ فقد قتلوا طائفة وطردوا ثانية وقمعوا أخرى، وتصوروا أن القضية قد انتهت.

إن شعباً كالشعب الفلسطيني بما لديه من تاريخ مشرق وثقافة إسلامية ثرّة ومتأصلة وكفاءات متألقة كامنة عند أبناء هذا الشعب، وهو شعب ممتاز يزخر بالقابليات والشخصيات البارزة؛ مثل هذا الشعب الذي يتميز بهذه الخصائص، حاولت القوى الكبرى في العالم مثل انجلترا وأمريكا والصهاينة وهذا الرأسمالي أو ذاك المحفل العالمي، إلغاءه من الوجود، وهذا مستحيل، وهو ما ليس بحاصل.

لقد أخطأوا حينما توهموا فناء الشعب الفلسطيني وزوال فلسطين؛ ففلسطين باقية والشعب الفلسطيني باقٍ، ومع وجود الشعب الفلسطيني هنالك عملية اغتصاب، إذ تجمعت شرذمة من البشر من أكناف الدنيا فأقاموا شعباً لقيطاً وزائفاً وجهّزوه بوسائل القوة، وها هو اليوم يثبت وجوده إلى جانب حقيقة قائمة اسمها الشعب الفلسطيني. وهذه الحقيقة أدركها الجيل الفلسطيني المعاصر بكل كيانه؛ فالخطوة الأولى هي المعرفة، وقد حصلوا عليها، حيث أدركوا أن هذا الكيان اللقيط الذي يحظى بالدعم العالمي ليس متعذراً إلحاق الهزيمة به. لقد أحسنوا الإدراك فنزلوا إلى الساحة، ويتعين على الحكومات الإسلامية والشعوب الإسلامية تقديم أقصى ما بوسعهم من دعم لهم.

إنني لا أزعم أن قضية فلسطين ستنتهي على المدى القريب، بيد أنني أجزم بأنها ستعود إلى أهلها بلا

 أدنى شك، ربما يمتد بنا الزمن أو يقصر، وقد تضاعف الخسائر وتزداد، غير أن هذا الأمر واقع لا محالة.

، كما وأخاطب الشعوب الأخرى أيضاً، وأقول بأن تلك الحادثة وتلك الواقعة، وتلك التجربة القرآنية العظيمة والمتكررة منذ صدر الاسلام في انتصار الامم ذات الهمم العالية  من الممكن أن تحدث مرة أخرى، أين؟ في فلسطين نفسها. إن المحللين السياسيين اليوم يعتبرون ذلك أمراً مستبعداً. ولو قال أحد بأنه من الممكن أن تتغلب قوة الإيمان والإرادة الشعبية هذه على الكيان الصهيوني الغاصب والمستكبر والجائر، لاعتبر البعض ذلك أمراً بعيداً جداً، بل لعدّه البعض أمراً مستحيلاً. غير أن ذلك ليس مستحيلاً أبداً، وهو أمر ممكن الوقوع؛ فهو تكرار لنفس تلك التجربة التي حدثت في صدر الإسلام عدة مرات، والتي حدثت في الثورة الإسلامية، وفي الحرب المفروضة، وفي الاستقرار السياسي والاقتصادي والإجتماعي الذي تميزت به حكومة الجمهورية الإسلامية على طول واحد وعشرين عاماً، وفي نفس التجربة التي حدثت أخيراً في لبنان؛ فكله تكرار لنفس تلك التجربة. إن تكرارها لا يحتاج إلا إلى عنصر واحد، ألا وهو اعتماد الشعب الفلسطيني على قوته الذاتية وعدم رضوخه للكلل، وألاّ يُسلب منه إيمانه وإرادته وأهدافه وآماله. وكما تحرر جنوب لبنان بعد اثنين وعشرين عاماً، فمن الممكن أن تحرر أجزاء من أراضي فلسطين ثم كافة فلسطين المحتلة بعد مرور عدة سنوات. إن البعض اليوم يعتبرون ذلك أمراً مستبعداً للغاية، وهو ما كان يعتقده البعض بالأمس بالنسبة لجنوب لبنان، وهو ما صار واقعاً ملموساً‍! وحتى هنا في إيران قبل ثلاثين عاماً، لو كان أحد قد قال بأنه من الممكن أن يُسقط هذا الشعب النظام البهلوي الطاغوتي ويزيله من الوجود، لما صغت إليه أذن. ولو قال شخص بأن حكومة إسلامية ستحل محل هذا النظام الطاغوتي البهلوي، لما صدقه أحد. ولكن هذا الأمر الذي لم يكن قابلاً للتصديق حسب الظاهر قد تحقق بالفعل، وبات واضحاً أن المظهر الحقيقي للقوى المؤثرة في التحول البشري سياسياً واجتماعياً ليس هو ذلك الشيء الذي خدع أبصار السطحيين والذي تسعى الدعايات الاستكبارية لإظهاره على تلك الصورة.

إن القوى المؤثرة هي الإرادة الإنسانية، والإيمان الإنساني، وقوة العزيمة، وتضحية الطليعيين والقادة وعدم استسلامهم للمتاعب. نعم، فلو أسلم الشعب الفلسطيني قياده لأولئك الذين أظهروا أنهم ليسوا أهلاً للساحة الفلسطينية، وأنهم أحقر من أن يحملوا على كاهلهم قضية بعظمة قضية فلسطين، وأنهم ليسوا سوى أدوات للاستسلام وعملاء مأجورين يقومون بدور مرسوم لصالح الكيان الصهيوني وأمريكا، فإنه لن يحقق نتيجة على الإطلاق. ولكن لو نزل إلى الساحة الفلسطينية أناس مؤمنون، وشباب مؤمنون، وقادة مؤمنون، وعناصر لا تعرف الكلل أو الملل، وأشخاص تضيء قلوبهم بنور الإيمان ـ الإيمان بالقرآن والإيمان بالإسلام ـ كما نشهده اليوم في الساحة، ولو التف حولهم جمع من الشباب مقتبسين من إيمانهم ـ على غرار ما يجري الآن ـ فإن هذه الحركة ستشقّ طريقها إلى الأمام.. واعلموا أن فلسطين ستعود يوماً ما إلى أصحابها الأصليين من مسلمين ومسيحيين ويهود.