نظرة الإمام (قدس سره)، إلى الأصول التي قامت من اجلها الثورة الإسلامية، نظرةُ مُبْصِر بما يريده الشعب الذي قامت على أكتافه الثورة.

فيما يلى مقتطفات من كلام الإمام (قدس سره)، يشرح فيه ذلك:

 

ولاية الفقيه والحكومة الإسلامية:

تحدَّث الإمام الخميني (قدس‏ سره) في محاضراته عن الحكومة الإسلامية في النجف الأشرف عن ضرورة تعيين النبي (ص) لخليفةٍ من بعده، يكون له نفسُ ما للنبي من دورٍ في القيادة، فقال:« نحن نعتقد بالولاية، ونعتقد ضرورة أن يعيِّن النبي خليفةَ من بعده، وقد فعل. ماذا يعني تعيين الخليفة؟ هل يعني مجرد بيان الأحكام؟ بيانُ الأحكام وحده لا يحتاج إلى خليفة، كان يكفيه أن يبثَّها في الناس، ثم يُودِعُها في كتابٍ يتركه في الناس، ليرجعوا إليه من بعده. فالحاجة إلى الخليفة إنما هي من أجل تنفيذ القوانين، لأنَّه لا احترام لقانونٍ من غير منفِّذ[1].

 

طرح الجمهورية الإسلامية:

كانت حركة الإمام الخميني (قدس ‏سره) لإسقاط نظام الشاه واضحة بالنسبة إليه في كل مراحلها، فقد طرح  الجمهورية الإسلامية كبديل، وهذا هو موقفه قبل نفيه من إيران ، وفي العراق، وفرنسا، وعندما وطأت قدماه أرض مطار مهراباد في طهران معلناً انتصار الثورة الإسلامية المباركة[2].

لا خوف من طبيعة النظام الإسلامي، فهو نظام الحريات الكاملة التي تنسجم مع مصالح المجتمع، ولا يمكن القبول بأي شيء يضر بمصالحه تحت شعار الحرية، وعلى هذا الأساس فالحرية مقيَّدة بما يناسب كرامة الإنسان وحقوقه في داخل الجمهورية الإسلامية.

سئل الإمام الخميني (قدس‏ سره): «ولكن النظام الذي تنشدونه، هل سيكون ديمقراطياَ؟ هل ستقبلون مثلاً بحرية الصحافة والتعددية الحزبية وحرية التنظيمات والاتحادات المهنية؟.

فأجاب: نحن نقبل نظام الحريات الكاملة. ينبغي لأطر النظام القادم في إيران أن تأخذ بنظر الاعتبار المصالح العامة للمجتمع، كما هو مطروح بالنسبة لكافة الحكومات المتعددة على الشعب. غير أنَّه في الوقت نفسه يجب أن تكون مقيَّدة وملتزمة بشؤون المجتمع الإيراني، لأنَّ وجودَ مجتمعٍ مطلق العنان، سيسيء إلى كرامة أبنائه من الرجال والنساء»[3].

 

إقامة الجمهورية الإسلامية في طليعة الأولويات‏

... قضية إقامة الجمهورية الإسلامية ووضع دستور جديد وتشكيل مجلس الشورى، تعد من أهم الأولويات، وهذه الحكومة جاءت من أجل تحقيق هذه الأمور.

ومن الطبيعي أن تأتي حكومة مستقرة ويتغير الوضع إن شاء الله، وأن تكون هذه الحكومة، حكومة إسلامية، تحول دون وقوع تلك الخيانات المتزايدة وذلك التبديد والهدر لأموال البلاد.

إننا نأمل أن تتحقق تلك الأمور الأساسية بعد تثبيت حكومة العدل الإسلامي، ولا شك ان الأمر يحتاج إلى وقت فالأوضاع مضطربة بحيث لا يمكن توقع الكثير من الحكومة، لا سيما أن أعمال الشغب انتشرت في مختلف أنحاء البلاد والاقتصاد متدهور كما هو حال المجالات الأخرى، فلا يمكن توقع تجاوز المشاكل الموجودة حتى في قم على سبيل المثال.

 

دور الشعب:

عندما طرح الإمام الخميني (قدس‏ سره) الجمهورية الإسلامية، اعترض البعض على عنوان« الإسلامية»، وهم بذلك لا يتوقفون عند مجرَّد التسمية والمصطلح، وإنما يعارضون مشروع الجمهورية الإسلامية، ويريدون النمط الغربي للحكم، الذي انطبع بالعنوان الديمقراطي[4].

يرى الإمام الخميني (قدس‏ سره) أنَّ الحكومة الإسلامية يجب أن تكون خيار الشعب، قال الإمام (قدس‏ سره):« نريد حكومة إسلامية وجمهورية إسلامية، ونرجع إلى رأي أبناء الشعب لهذا، ونبيِّن الشروط التي وضعها الإسلام للحاكم الإسلامي، وهم ينتخبون أحد الذين تتوفر فيه الشروط»[5].

حثَّ الإمام (قدس ‏سره) في وصيته الناس علي المشاركة في الانتخابات بفعَّالية: «أوصي الشعب المجيد بأن يسجل حضوراً فاعلاً في جميع الانتخابات، سواء انتخابات رئاسة الجمهورية أو مجلس الشورى الإسلامي أو انتخابات الخبراء، لتعيين شورى القيادة أو القائد، وعليهم أن يحرصوا على إتمام عملية الاقتراح وفق الضوابط المعتبرة»[6].

 

وجوب المحافظة على الجمهورية الإسلامية

اعتبر الإمام الخميني (قدس سره) أنَّ حفظ الجمهورية الإسلامية في هذا العصر من أهم الواجبات العقلية والشرعية، فهي مستهدفة من أعدائها، ويتوجب على المؤمنين بها بذل الغالي و النفيس لحفظها: « إنَّ مسألة حفظ النظام الجمهوري الإسلامي في هذا العصر، وبهذا الوضع الذي يُشاهد في الدنيا، وبهذه الإستهدافات التي تُوجَّهُ من اليمين واليسار والقريب والبعيد نحو هذا المولود الشريف، هي أهمُّ الواجبات العقلية والشرعية التي لا يوازيها شيء»[7].

بعد انتصار الثورة، بادر الشباب المؤمن المتحمس للتصدي من أجل حماية الثورة، فاقترحوا تشكيل«حرس الثورة الإسلامية»، فأمضى الإمام الخميني (قدس ‏سره) مبادرتهم، لأنَّ الروحية التي يحملونها قادرة على أن تشكِّل السياج الحامي للجمهورية الإسلامية على قلة العدد والعدَّة، وقد عبَّر الإمام (قدس‏ سره) عن ارتياحه لهذه المبادرة والتشكيل: «أنا أشكركم أنَّكم بادرتم من أنفسكم، من دون أن يدفعكم أحدٌ سوى الله، وهذا هو ما ينبثق من المبدأ الإلهي».[8]

عبَّر الإمام الخميني (قدس‏ سره) بالرضا عن الحرس الثوري وأدائه فلولاهم لم تبقَ الجمهورية الإسلامية صامدة ومستمرة:«إني راضٍ عن عمل حرس الثورة، ولن أغيِّر رأيي فيكم أبداً، فلو لم يكن حرس الثورة، لما كانت البلاد.. إني أحترم حرس الثورة وأعتزُّ بهم كثيراً .. إني أعقد آمالاً كبيرة عليكم.. إنَّ ماضيكم حافلً بالإسلام .. أبلغوا سلامي إلى الجميع، وإني أشكركم جميعاً، وأبتهل إلى الله بالدعاء لكم».[9]

 

حقوق الأقليات:

ولعلَّ البعض يتساءل عن موقف الإمام من اليهود، خاصة وأنَّ موقفه من إسرائيل واضحٌ جداً، فهو يدعو إلى إزالتها من الوجود، لكنَّه يميِّز بين اليهود والصهيونية، ويعتبر يهود إيران مواطنين إيرانيين لهم الحق أن يعيشوا في بلدهم ولهم حقوقهم. قال الإمام (قدس‏ سره):« لقد أشاعوا أنه إذا قامت الحكومة الإسلامية فستقتل الأقليات الدينية، اليهود والنصارى والزرادشتيين! وهذا الكلام لا أساس له من الصحة، فإذا قامت دولة عادلة إن شاء الله، سندعو اليهود الإيرانيين الذي خُدعوا ورحلوا إلى إسرائيل ليعودوا إلى وطنهم، وستعاملهم الدولة الإسلامية بأحسن ما يكون، ما جاء الإسلام ليضيِّق على البشر. إنَّ القوانين الإسلامية تحترم جميع الفئات وكافة الناس، إنَّ هذه الدعايات تهدف الى حماية الشاه والإخلال بالثورة».[10]

 

مصادرة الملكية والأراضي:

رسَمَ الإمام الخميني (قدس ‏سره) القواعد والضوابط الشرعية لمصادرة الأملاك والأموال التي حصل عليها الشاه وزبانيته، في إطار المتابعة الدقيقة بحسب القوانين المقرَّرة، والتي حددَّت المسموح والممنوع ، فهذا الأمر من صلاحيات الولي الفقيه، الذي له أن يحدِّد الملكية المحترمة التي لا يجوز مسُّها، والملكية المحرَّمة وغير المشروعية التي يجب استردادها، إمَّا لمصلحة الدولة، أو لردِّها إلى أصحابها الذين سُلبت منهم.[11]

وقد أظهَرَ الإمام الخميني (قدس‏ سره) أسفه وانزعاجه، عندما ورده بأنَّ الفلاحين في بعض البلدات اعتدوا على أصحاب الأملاك الصغيرة، معتقدين أنَّ كل من يملك معادي وسارق، في الوقت الذي يعتبر الإسلام الملكية محترمة إذا كانت عن طريق الحلال، فضلاً عن عدم جواز تصرفهم بما يخالف الشرع والقانون، فليس من صلاحياتهم تحديد ما إذا كانت الملكية مشروعة أو غير مشروعة، أو مصادرتها.

«من القرار المذكور إثر تحريض أفراد مناهضين للثورة، اعتدى فلّاحون في القرى على أراضٍ تدار آلياً ومنافع صغيرة للمالكين الصغار.

إنني إذ أعلن أسفي على هذا العمل، أرى من الواجب أن يطيع الفلّاحون المادّة (في الدستور)، ورأي اللجنة الخماسية، ويمتنعوا فوراً عن المزاحمات والتصّرفات والتعديات المخالفة للشرع المقدّس التي ارتُكِبت، ويتخلَّوا عمَّا جرى، وفي غير هذه الحال ستعمل الجمهورية الإسلامية بواجبها».[12]

 

المصلحة والقرار598:

قدَّرَ الإمام الخميني (قدس‏ سره) أن مصلحة إيران تقتضي الموافقة على القرار 598، وهذا هو التكليف في هذه المرحلة، على الرغم من الرغبة باستمرار الحرب لإسقاط صدام ونظامه، وهنا لم تكن المصلحة مبنية على الدَّعة والهروب من التضحيات، وإنما بتوفر معطيات لدى الولي الفقيه أدَّت إلى الموافقة على القرار 598، وبهذا يتحدَّد التكليف الشرعي في هذه المرحلة.[13]

وفي قول آخر له (قدس‏ سره): «إنني أقول مرة أخرى، إن قبول هذا القرار، هو لي أكثر قتلاً من اسم، ولكنني راضٍ برضاء الله، ومن أجل رضاءه شربت هذه الجرعة. أمَّا الأمر الذي يجدر ذكره بشأن الموافقة على القرار الدولي فهو أن مسؤولي الوطن، هم الذين اتخذوا قرار الموافقة بأنفسهم، ولم يكن لأحد أو لدولة دور في هذا الأمر».[14]

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الشيخ نعيم قاسم، "الإمام الخميني قدس سره الأصالة والتجديد"، ص 96.

[2] نفس المصدر، ص 108.

[3] نفس المصدر، ص 112و113.

[4] نفس المصدر، ص 123 و 124.

[5] نفس المصدر، ص 131.

[6]نفس المصدر، ص 138 و 139.

[7]  نفس المصدر، ص 204 و205.

[8]  نفس المصدر، ص 225.

[9]  نفس المصدر، ص 230.

[10]  نفس المصدر، ص 239.

[11]  نفس المصدر، ص 260.

[12]  نفس المصدر، ص 263 و 264.

[13]  نفس المصدر، ص 296.

[14]  نفس المصدر، ص 298.