كتبت الخبيرة في شؤون السياسة الدولية الدكتورة سهام محمد مقالا لوكالة مهر للأنباء تطرقت فيه إلى كلمة قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي التي وجهها إلى حجاج بيت الله الحرام والدروس الواجب فهمها من هذه الفريضة الإسلامية.

استذكر الإمام القائد دام ظله الشريف في كلمته الموجّهة لحجّاج بيت الله الحرام قيمة الحجّ الإبراهيمي ودوره وأهميته في المحافظة على روحيّة الإسلام المحمدي الأصيل، مستعرضا ما يمثله الحجّ كعبادة تزخر كما قال " بالأسرار والرموز" مضيفا أهمية زيارة  البيت الشريف الطافح بالبركات الإلهية.

لكن ليكون الحجّ مكتملا لشروط العقيدة والقبول والعطاء الإلهي الذي لا ينتهي وجب على كل مسلم ومؤمن القيام بعدة واجبات تعتبر من أهم دروس الحجّ وآدابه، إن نجح في فهمها والعمل بها نجحت الأمة  الإسلامية كلها في الخروج من أتون الحروب والفتن و الدمار العقائدي  والفكري والثقافي والاجتماعي والسياسي. وسيصبح باستطاعتها حين ذلك تحقيق السلام والأمن للأرواح والنفوس ليكون الحجّ مصداقا ركنا من  الأركان التي لن يتوانى أي مسلم مؤمن قادر، على أداءها.

 

الغفلة وشراسة الأعداء هما سببا أزمات العالم الإسلامي

واستعرض الإمام القائد دام ظله واقع الأمة فوضع الإصبع على الجرح والنقاط على الحروف مؤكدا أسباب هذه الأزمات والآلام التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم مشيرا إلى أنها تتلخص في سببين أولهما " الغفلة" ويعني بها غفلة الأمة بنخبها وسياسييها وأصحاب القرار فيها وشعوبها أيضا عن واجباتها تجاه العقيدة والمقدّسات والأخلاق والقيم والمبادئ الإسلامية الحقيقية لبناء مجتمعات إسلامية صالحة محصّنة من كل شوائب الضرر الخارجي، للأسف باتت هذه المجتمعات في العالم الإسلامي غافلة مستهترة أحيانا ولا مبالية أحيانا أخرى لخطورة الاستسلام والضعف أمام خطر التمدّد لثقافات ومعتقدات اقل ما يقال عنها أنها مدمّرة وغير مناسبة لقيم الإسلام المحمدي الأصيل. أما السبب الثاني لعجز الأمة الإسلامية اليوم أمام هذه الأزمات فهو" شراسة الأعداء" كما وصفها الإمام القائد التي باتت اليوم قادرة على استغلال نقاط الضعف الكثيرة في قلب هذه الأمة الإسلامية التي باتت عاجزة أيضا عن مواجهة هذا العدو بسبب استهانتها وانكشاف نقاط الضعف فيها أمام عدّو استطاع أن ينفذ إلى مجتمعاتنا وعقول شبابنا وفكرنا وثقافتنا وحتى بيوتنا وأسرنا.

إن أزمة الأمة الإسلامية اليوم ليست أزمة عابرة ولا طارئة ولا هي من وحي التدخل الخارجي لقوى الاستكبار العالمي فقط، بل إننا من حيث نشعر أو لا نشعر ساعدنا بوهننا وضعفنا وانكشاف عيوبنا أمام العدّو على تمكينه من أن يفتك بنا وبقيمنا وأصولنا وعقيدتنا.

 

العدو الاستبكابري يستغل غفلة المسلمين ليدخل أفكار مسمومة

استغّل العدّو ألاستكباري ولا يزال  هذه الغفلة ليدخل أفكارا مسمومة لكل نقاط الضعف فينا فيسلب العقول والنفوس ويغري الضعفاء بألوان الحريات المزعومة والديمقراطيات المدمرة وهي في الحقيقة مجرد أوهام هدفها الأول والأخير أحكام سيطرة هذا العدو الاستكباري على كل مدّخرات هذه الأمة وقيمها وتراثها العقائدي والإنساني ليصبح رهينة الموقف الذي يملأ عليه  ويبتعد شيئا فشيئا عن قيم الإسلام المحمدي الأصيل، الإسلام الذي يبني ولا يهدم، الإسلام الواعي، الحر، التقدمي، المعطاء، الإنساني بكل معاني الكلمة. يؤكد الإمام القائد أننا "لم نعمل بواجبنا الديني والعقلي مقابل هجوم العدو اللئيم" "لقد نسينا كلمة الله "أشداء على الكفار...رحماء بينهم". يشير الإمام هنا لخطورة الغفلة التي تعيشها الأمة اليوم فالنسيان أو التناسي كلاهما نتيجته واحدة وهو تمكين العدو المتربّص بالأمة من السيطرة عليها وتغيير هويتها وحتى عقيدتها ...بل لعلنا كما قال الإمام القائد تخليّنا عن واجباتنا الحقيقية تجاه الدين والقيم ليستغّل عدونا هذا التخلي وينفذ إلى مكامن الضعف والهوان فينا فيثير الفتن والخراب والأزمات الطائفية في قلب "جغرافيا العالم الإسلامي"، بل وأيضا ليشوّه صورة الإسلام الحقيقية ويضع مكانها  هويات مشوّهة لا صلة لدين الله بها هدفها التخريب والتدمير والتكفير وتشريد الشعوب وتهجيرها وحرمانها من مقدّراتها وثرواتها وإضعافها لتبقي شعوبا ودولا وقوميات ذليلة خاضعة مستسلمة لسلطة العدو وإجرامه.

لكن الغفلة الأكبر التي أصابت الأمة الإسلامية والتي يراها الإمام القائد أساس المشكل هي قضية فلسطين المحقّة التي  على هذه الأمة أن تحتضنها ولا تفرط فيها لأنها القضية الجامعة لكل الأمة الإسلامية  بكل اختلافاتها أو يجب أن تكون كذلك.

ولأنها قضية موحدة للمسلمين ، فقد عمل العدوّ على الإلقاء بضلال الفتن  في كل أطراف الأمة الإسلامية وبزرع الشقاق والحروب والأزمات الطائفية لينسى العالم الإسلامي هذه القضية وتختفي البوصلة الجامعة لكل أطياف هذه الأمة. لقد دمر العدوّ الاستكباري دولا واسقط أنظمة وخرّب دول وشتّت شعوب وقطع أوصال الطوائف لتبقي إسرائيل هذه الغدّة السرطانية البغيضة زرعا مشؤوما في قلب الأمة الإسلامية. لذلك لم يتوقف الإمام القائد عن الوصف والتحذير لضرورة مواجهة هذا العدو الشرس وكسره واقتلاعه من قلب الأمة.

 

مسؤولية حفظ الأمة الإسلامية تقع على عاتق الحكام والأنظمة والعلماء والمفكرين

لقد حمّل الإمام القائد في كلمته المسؤولية للنخب السياسية والحكّام والأنظمة والعلماء والمفكرين لان عليهم الواجب الأكبر والأعظم في حفظ هذه الأمة وفي تصحيح مسار المعركة الحقيقي تجاه العدو الحقيقي. يرى الإمام دام ظله أن على هؤلاء باختلاف تياراتهم ومسالكهم الفكرية  العديد من الواجبات تجاه هذه الأمة الإسلامية أن فهموا واستوعبوا معناها وقدروا قيمتها وأحقيتها، نجحت الأمة في تخطي كل العقبات وفي بناء رادع حقيقي ضدّ هذا العدو الذي لا يهدأ.

حسن الأداء والقيام بالواجبات المفروضة هو خارطة الطريق الحقيقية لحفظ الأمة الإسلامية من براثين العدو ومخططاته.

لخّص الإمام القائد جملة من الواجبات التي على صناع القرار في هذه الأمة تبنيها والعمل بها وفهمها واستيعابها جيدا وهي جديرة بالنظر والمتابعة وتتلخص في العمل على وحدة الصف بين المسلمين وعلى نشر سبل الوعي في المجتمعات الإسلامية والتعبئة والعمل على حل الأزمات الراهنة والدفاع عن الأقليات الإسلامية المضطهدة والاهم من كل ذلك الدفاع عن فلسطين البوصلة الحقيقية الجامعة لكل أطياف هذه الأمة.

المختصر المفيد انه على الأنظمة والنخب والتيارات في هذه الأمة أن تعمل على تحقيق وحدة الصف ومعالجة نقاط الضعف وتجاوز الخلافات أينما وجدت من خلال تحصين المجتمعات الإسلامية من أتون الفتن والنعرات والأزمات.

وعلى هذه الأنظمة بكل سلوكياتها المختلفة أيضا ومؤسساتها المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية أن تعمل على إرساء سبل الوعي الكامل لدى شعوبها يعني الوعي بخطورة هذا العدو وإمكانياته المتاحة وأساليبه وخططه ومكائد الاستكبار والصهيونية. هذا الوعي يتطلب جرأة كبيرة في اتخاذ القرارات والسياسات القادرة على التصدي لمتاريس العدو المتربصة بشعوب هذه الأمة بعقولها وخياراتها وفكرها وعقيدتها وهويتها وثقافتها. ولابد أن تكون قادرة أيضا على تحصين هذه المجتمعات الإسلامية وحمايتها.

لكن الوعي يتطلب أيضا التعبئة أي التعبئة الشعبية والرسمية على كل المستويات لمواجهة هذا العدو الشرس في كل ساحات الحروب الفكرية والثقافية والإعلامية... (الحرب الناعمة) وأيضا في ساحات القتال العسكري.

لكن هناك واجب أيضا من الضروري بما كان أن تتوقف عنده شعوب وأنظمة هذه الأمة وهو واجب حل الأزمات الراهنة والصراعات التي تثبت كل يوم أنها اكبر عامل لاستنزاف هذه الأمة وإضعافها فاليوم يستوجب علينا جميعا تحمل المسؤولية لوقف العدوان الشرس واللاانساني على شعوب المنطقة المستضعفة كشعب اليمن المظلوم.

إضافة إلى واجب الدفاع عن الأقليات الإسلامية المضطهدة وهذا واجب لا يقل أهمية عن باقي الواجبات والمتطلبات للحفاظ على مقدرات هذه الأمة ووجودها. دون إغفال الواجب الأكبر وهو الدفاع عن قضية فلسطين وأهلها واعتبار واجب الدفاع هنا ضروري وأساس لوحدة الأمّة.

لعل الإمام دام ظله الشريف في كلمته أراد بل أصر على ضرورة استعراض هذه الواجبات التي اعتبرها من دروس الحجّ الحقيقي الذي على كل المسلمين في العالم الإسلامي العمل بها وفهمها واستيعابها. وحذّر من خطر الغفلة عن القيام بها لأنها إن طبقت صنعت مجدا للأمة الإسلامية جمعاء بل أكثر من ذلك تصبح " تجسيد قاطع لنصرة الله التي تقترن مع النصرة الإلهية وطبقا للوعد الإلهي بلا شك".

هذه الواجبات التي استعرضها الإمام القائد في كلمته هي الدروس الحقيقية التي على كل مؤمن أن يفهمها ويعمل على تطبيقها لأنها إن فهمت وطبقت ستعيد لهذه الأمة الإسلامية المجروحة اليوم قدراتها على المواجهة والتصدي للعدوّ ودحره وقطع كل السبل عليه للنفاذ لقلب هذه الأمة.

 

د.سهام محمد

خبيرة في شؤون السياسة الدولية