ولا بد لنا في هذه العجالة، أن نشير إلى مقارنة سياسية بين خط الإمام والخطوط الأخرى، التي كانت تنافس خط الإمام على قيادة الساحة واستيعابها، ـ إن صحت تسميتها بالخطوط ـ ولا نريد بهذه المقارنة الناحية الفكرية، والمحتوى الفكري، وإنما نريد بالمقارنة الموقف السياسي المبدئي فقط، بغض النظر عن محتوى هذه المواقف والمبادئ.

فنقول من الصعب أن نُصحح تسمية الخطوط السياسية ـ اليمينية واليسارية ـ المنافسة لخط الإمام، بخطوط سياسية تملك مواقف مبدئية محددة.

فقد كانت هذه الخطوط، في الغالب، تشكل اتجاهاً انتهازياً مقنّعاً بقناع سياسي ومبدئي، ومتبنى من قبل أفراد وجهات تملكهم مطامع سياسية أكثر من أي شيء آخر.

ولربما نستطيع أن نقول: أن أوضح وأقوى هذه الخطوط الحزب الشيوعي الإيراني (تودة)، الذي كان يملك تاريخاً طويلاً في العمل السياسي، وحاول الحزب الشيوعي أن يكيف نفسه مع خط الإمام، في شطر من عمر الثورة، ولا شك أن الحزب الشيوعي وجد حرجاً كبيراً في هذه المحاولة، فقد كان حزب ينادي قبل ذلك بأن الدين أفيون الشعوب، ويرفع هذا الشعار بوجه الدين، ومن الصعب مع ذلك أن يكيف نفسه اليوم مع خط سياسي إسلامي قائم على أساس الدين، ويعترف بالقيادة الدينية الإسلامية في الساحة السياسية، والحزب الشيوعي، من الناحية الأيديولوجية، يقوم على أساس إلحادي، رافض لفكرة الإيمان بالله، ومن الصعب، مع هذا التصور، أن ينسجم الحزب مع خط سياسي يعتمد الإيمان بالله تعالى مبدأ وأساساً لكل عمل وحركة، وكان بين الحزب الشيوعي والأوساط الإسلامية صراع وخلاف فكري قديم، وحواجز نفسية وفكرية واجتماعية، ومن الصعب مع ذلك اجتياز هذه الحواجز، وتناسي الخلافات والانسجام السياسي مع خط تتبناه القيادة الإسلامية.

ومع ذلك فقد وجد الحزب الشيوعي الإيراني نفسه بين خيارين: إما العزلة الكاملة عن الساحة السياسية وعن الأمة، وإما الانسجام مع خط الإمام، فآثر الحزب الخيار الثاني.

ولكن هل كان الحزب الشيوعي مبدئياً في هذا الموقف؟ بالتأكيد لا، كما لم يكن الحزب مبدئياً في مواقفه السياسية السابقة، فقد وقع كبار الشيوعيين الماركسيين في أحضان النظام الملكي، عندما طال بهم الأمد، كما حدث ذلك في العراق، وتناسى الحزب مواقفه المبدئية ضد النظام الملكي.

والذي حدث في الثورة الإسلامية أن الحزب الشيوعي تخلف عن الشعار والمواقف الذي التزم به الحزب تجاه خط الإمام. فكان الحزب يعلن الانسجام مع خط (لا شرقية ولا غربية)، وفي الخفاء يقيم أقوى العلاقات التجسسية وأحطها مع الإتحاد السوفيتي، ويتجسس على مرافق وأعمال الجمهورية الإسلامية لصالح الاتحاد السوفيتي، كما اعترف بذلك أقطاب الحزب الشيوعي، الذين "ألقي عليهم القبض بالجرم المشهود".

إذن لم يكن الحزب الشيوعي يملك مواقف مبدئية سياسية في دور النظام الملكي، وبعد ذلك في عهد الثورة والدولة الإسلامية، وإنما كان الحزب يتخذ من خط الإمام قناعاً سياسياً، يغطي به مآربه ومطامعه الحقيقية، للوصول إلى الحكم.

وما يقال عن الحزب الشيوعي، يقال عن كثير من الأحزاب والخطوط اليمينية، واليسارية، والقومية، والوطنية، والإسلامية-الماركسية الأخرى.

فقد كانت هذه الخطوط في الغالب تمثل نحواً من الوصولية والانتهازية السياسية، ولذلك سرعان ما كشف خط الإمام، والمبدئية السياسية الصارمة في خط الإمام الأوراق السياسية لهذه الخطوط غالباً وعزلها عن الساحة والجمهور.

ومن عجب أن خط الإمام لم يتزحزح عن مواقعه ومواضعه السياسية قبل الحكم وبعد الحكم، والذي يتتبع المواقف السياسية، لخط الإمام بعد الحكم، لا يجد تغييراً في مواقع ومواقف خط الإمام طوال هذه الفترة.

ومن الملحوظ أن الخطوط الثورية تتخلى عن كثير من مواقفها السياسية بعد الوصول إلى الحكم. فيتحوّل الثوري، بعد الوصول إلى الحكم إلى ثورة ودولة، ولكل منهما مصالحه وحدوده، فإذا كانت الثورة لها متطلبات سياسية مبدئية صارمة، فإن للدولة أيضاً حاجاتها ومتطلباتها أيضاً، وهي من نوع آخر تتطلب ليناً وتكليفاً وانسجاماً مع الواقع تتطلبها مصالح الدولة.

إن الذي حصل في الغالب، في الأنظمة الثورية الحاكمة، شيء يشبه هذا الأمر. ونحن لا نشك في أن للدولة مصالحها ومتطلباتها، التي قد تختلف نوعاً ما عن مصالح الثورة ومتطلباتها، ولكننا نعتقد أن هذه القاعدة اتخذت من قبل كثير من الأنظمة الثورية واليسارية جسراً للانتهازية السياسية، ومن حقنا أن نضع علامة الاستفهام، أمام كثير من التصرفات السياسية للأحزاب والفئات والدول الثورية واليسارية، كالاتحاد السوفيتي والصين، ولا نستثني بعض المنظمات الفلسطينية، التي انسجمت مع قرارات مؤتمر فاس وتخلت عن مواقعها السياسية.

إن الميزة البارزة لخط الإمام: الثبات السياسي، الصامد على مواقفه المبدئية، تجاه كل القضايا السياسية، فلم يحدث مثلاً تغيير في موقف الثورة بعد الحكم تجاه القضية الفلسطينية، أو تجاه رفض الانتماء إلى الشرق أو الغرب.

وهذه من خصائص خط الإمام البارزة، وإذا وضعنا هذه الخصيصة السياسية، بإزاء المواقف الانتهازية لكثير من الأحزاب والفئات والدول الثورية، نعرف عمق مبدئية خط الإمام، والسائرين على هديه.