الثورة الإسلامية بداية عصر الدين والمعنى، وعصر الإمام الخميني
وقعت نهضة العلماء، ونهضة الدين في إيران سنة 1341هـ (1963) ولم يهتم العالم لانطلاقه هذه النهضة بادئ الحال، إلى أن راحت تنمو في حجمها ومعناها وتزداد في سعتها وتأثيرها وقوتها، يوماً بعد آخر ـ خلافاً لما كان يتوقعه المحللون والمراقبون ـ حتى انتهت فجأة إلى انفجار وقع في بقعة من بقاع العالم (إيران). وعندما شعر الماسكون بمقاليد القوة العالمية إنهم أخطأوا في تقويم هذه الظاهرة، فحاولوا أن يتداركوا ما فاتهم، بيد أن الوقت كان قد فات.
عندما حدثت الواقعة لم يهتم بها أحد في العالم، بل لم تجد واقعة 15خرداد برغم ما رافقها من قتل ومداخلات، الصدى الكافي الذي ينبغي أن يكون لها في أرجاء العالم.
بدا وكأنها لم تبعث أملاً عريضاً في أحد؛ كما لم تبعث الخوف الكبير.
كانت في الظاهر وكأنها شعلة توهجت ثم انطفأت، تماماً كما يحثل في نار تلتهب بمجموعة أوراق تم تنطفأ بعد لحظات. وهذا خيّل للجميع أنَّ كل شيء قد انتهى، غافلين عن أن النار تتلظى تحت هذه الشعلة حيث أخذ أوراها يتقد بوقود لا ينتهي، من دون أن ينتبه لذلك أحد.
لقد استمرت شعلة النار وهي تلهب تحت الرماد إلى أن حدثت واقعة 22ـ بهمن (انتصار شباط 1979) حيث انبثقت فجأة حكومة الجمهورية الإسلامية التي شيدت على قواعد الدين المعنى، بحيث أنهم كلما ضربوا النهضة وظلموها، زاد ذلك من نفوذها المعنوي في العالم، وفي انجذاب قلوب المسلمين إليها أكثر.
أخذت النيران تتوهّج في أرجاء الدنيا، وربما لم يدر بعضهم من أين مُنبثق هذه الشعلة المتوهجة.
انظروا إلى عواطف المسلمين وحماسهم اللاهب الذي عمَّ دنياهم ـ كما سمعتم في الأخبار ـ بدءاً من أفريقيا، ومنطقة الشمال الأفريقي التي تتحدث باللغة الفرنسية ـ الذي يؤسف له أنَّ الأوروبيين وظفوا نفوذهم كثيراً في هذه المنطقة على المستوى الثقافي وفرضوا ثقافتهم عليها ـ انتهاءً إلى شرق العالم في الهند وكشمير وتركستان الشرقية.
ومعنى ذلك أنَّ المسار الذي كان يريد أن يبلغ الذروة قد انقطع، وأصبحنا راهناً ـ وأنا وأنتم ـ في لحظة هذا القطع. {ثم جعلناكم خلائف في الأرض} يونس / 14.
أنا وأنتم نستطيع من خلال العمل والإرادة والحزم، أن نترسم معالم هذا الطريق ـ إذا تحركنا بشكل صحيح ـ لنؤمن للمسار بقاءه ونضمن له سلامته ودوامه. وعندئذٍ سيتبدل وجه العالم، بحيث يستطيع البعد المعنوي أن يستوفي حقه المرتهن بيد القوى العالمية، ويستعيده([1]).
لقد انبثق عصر جديد في هذا العالم يفترق عن الذي كان سائداً، على أثر انتصار الثورة الإسلامية وتأسيس نظام الجمهورية الإسلامية، وكحصيلة للجهاد الطويل الذي خاضه شعبنا خلف راية قائده العظيم، من أجل الحفاظ على الثورة والإسلام.
العصرُ الجديد هذا ينطوي على خصائص تفترق عن ملامح العصر السابق.
لقد أطل هذا العصر على العالم بخصوصياته المتميِّزة، وبدءَ مشواره وما يزال يتقدم، سواء رضيت القوى المادية العالمية بذلك أم لم ترض، وسواء أرادت أمريكا ذلك أم لا. وقد بلغ من قوة انطلاقة هذا العصر، أن تأثيراته بدت واضحة على الشعوب والدول الضعيفة؛ وكذلك على الدول والكيانات القوية.
وفي اللحظة التي يبدأ فيها عصر جديد في تاريخ البشر، فلا أحد يستطيع أن يصون نفسه من تأثيراته ويبقى بمنأىً عنها.
جرت أشواط التأريخ البشرية في الماضي على هذا المنوال؛ إذ لم يكن بمقدور أحد أن يبقى بعيداً عن تأثيرات عهد أطلّ على العالم بإشراقات إلهية وإنسانية ثابتة.
وما نريد أن نعلنه، إنَّ العالم وإن وقع الكثيرُ من شعوبه ودوله تجت تأثير هذا العصر الجديد، بحيث تغيّرت حتى الخريطة السياسية للعالم، إلاّ أننا لا نتوقع من المحللين المرتبطين بقوى السياسة العالمية، أن يعترفوا ببدايته. هم لا يعترفون ببداية هذا العصر، وأن أحسّوا به ووقعوا تحت تأثيراته.
ينبغي أن نطلق على هذا العصر، عصر الإمام الخميني.
لهذا العصر عدد من الخصائص التي لا تنفك عنه، أحدها نمو المعتقدات الدينية واتساعها. فبعد أن كانت سياسة الهيمنة ونظام التسلّط العالمي يهدف إقصاء الدين وعالم المعنى من حياة الناس كلياً، بحيث تتربى المجتمعات بعيداً عن الدين والإيمان والاعتقاد بالقيم الإلهية، جاء هذا العصر ليتحرك بنهج معاكس لذلك تماماً.
ومسألة العودة إلى المعتقد الديني لم تقتصر على إيران أو البلدان الإسلامية، بل عمّت العالم أجمع، وأخذ الجانب المعنوي ينمو وسط مجتمعات عاشت عشرات السنين في إطار منهج حياتي معاد للدين.
وهذه الحركة ستمضي في المستقبل على نسق بحيث تكون قوة جذبها للشعوب أكثر في كل مكان يكون فيه الإحياء المعنوي أعمق وأكثر سلامة وخلوصاً وتطابقاً مع الفطرة.
لقد ولّى ذلك العهد الذي يعتبر فيه الدين والجانب المعنوي مُضاداً للقيم، وموضع هزء الآخرين وسخريتهم.
إنّ ما يعدّ اليوم مناقضاً للقيم، هو اللا دينية وعدم الإيمان، الالتزام بالمعتقد الديني. وقد ساد هذا المعنى بقاعاً واسعة من العالم، وستحل في الكثير من المناطق الأخرى.
هذا واحدة من خصوصيات العصر الجديد، الذي بسط رايته في أرجاء الدنيا ذلك الرجل الكبير ـ من دون أن يصدّق أحد ـ ودعا إليه، فانجذبت إليه القلوب.
الخصوصية الأُخرى للعصر الجديد هو منح معنى للقيمة الإنسانية، ولحضور القاعدة المليونية من الناس مؤثر. هذا المعنى لحضور الملايين العريضة بدأ مع إمامنا (الخميني) ولم يقتصر على إيران وحدها. لقد تحولت جماهير الناس إلى قوة لها وزنها في مجريات الأُمور ولها دورها في القرار، وإليها يعود تحديد اتجاه الأحداث.
هناك ثورات كثيرة تقدمت في الماضي من خلال عواطف الناس وحماس الجمهور، بيد أنَّ الأمر يختلف اليوم. ففي عالم عاش عقوداً يخضع لهيمنة القوى العالمية بعد الحرب العالمية الثانية، اعتادت الناس أن تخضع لإرادة تلك القوى من دون اعتراض؛ بل ومع سحق إرادتها الخاصة، وإذا بهذا العالم يشهد فجأة في بلدان أوروبا الشرقية، الملايين الشعبية وهي تتحرك بالطريقة نفسها التي واجه بها شعبنا المسلم نظام الشاه الظالم.
وإذا شئنا أن نعبّر عن هذه الصفة التي يتسم بها العصر الجديد. بكلام آخر، فيمكن القول إنها تتمثل بانتصار الدم على السيف.
فما حصل هناك يشبه ما حصل في إيران، حيث خرجت الجماهير من دون سلاح، ونزلت إلى الميدان بأجسادها وهي تحمل الأرواح على الأكف، فضيّقت ـ من خلال هذا الحضور ـ حلقة الحصار على النظام الظالم.
لقد أصبح هذا الأُسلوب معروفاً في عالم اليوم. وأصبح واضحاً لحضور الجماهير من قوة وهي تنزل الميدان، ولو بدون سلاح. وعلى القوى الكبرى أن تعي بعد ذلك بأنَّ شعبنا جسّد خلال مقاومته شاهد صدق على صحة هذا الادّعاء.
إنَّ ثورتنا العظيمة تنطوي على خصوصيات ترتبط بها ـ وقد تكرّر القول عن هذه الخصوصيات في أشكال التحليل (السياسي والفكري والحضاري) المنبثقة من داخل مجتمعنا ومن العارفين بالثورة ـ فللمرة الأولى تبرز ثورة تقوم على أساس الإسلام، وتهدف إيجاد حكومة إسلامية، وإعادة النظر في المفاهيم السياسية للعالم من قبيل الحرية، الاستقلال، العدالة الاجتماعية، والمفاهيم الأُخرى، بحيث تسوق حركتها نحو عالم ومجتمع يقومان على أساس القيم الإسلامية.
ومؤدى هذه الخصوصية إنه لا يمكن للنظام أن يستمر بحكمه على رغم إرادة الملايين العريضة. وكلما امتدَّ هذا الموجه وانبسط في العالم كلما يكون استمرار السلطات الظالمة غير القانونية، والكيانات المعادية للبشرية أصعب.
هذه هي النهضة التي انطلقت في بلدنا إيران على يد الإمام العظيم، وببركة وعي الشعب وإيمانه، وأضحت مثالاً يحتذي للعالم.
لقد خطى شبنا بسيره وراء قائده الاستثنائي، الخطوة الأولى في طريق العصر الجديد، بحيث أضحت قواعد هذا العهد ثابتة تتسم بالاستحكام([2]).
الحضارة البشرية شاهدة اليوم على (تجربة) بلد يقوم على أساس ولاية الفقيه، أي يخضع لحاكمية الدين والتقوى ويدار بواسطتهما. وهذا اختيار مهم ومصيري للبشرية التي جرَّبت أنواع النظم، ولم تجد غايتها في علاج معضلاتها الأساسية، في أي منها.
علينا جميعاً أن نعرف بأنَّ هذا النظام المقدّس إذا استطاع أن يوفر الاستقرار الجسمي والروحي للإنسانية، ويجتث الفقر والجهل والتمييز، ويستأصل حالة غياب الإيمان والعدالة ثم ينهض في الساحة العالمية لمواجهة معضلات البشرية المزمنة، يكون قد قدّم للتاريخ الإنساني أعظم خدمة، وفتح أمام البشرية سبيلاً جديداً.
والنهوض بمثل هذه المهمة يتطلب أن يتوانى أحد من المسؤولين لحظة عن جهاده وثباته، بدءاً من القائد وكبار المسؤولين وانتهاءً بالبقية، كلٌّ بحسب موقعه ومسؤوليته، كما عليهم أن لا يستسلموا للشك، ولا يهنوا أمام أي تهديد ـ مهما كان ـ بحيث يعدوه عقبةً أمامهم([3]).
هذا العصر هو عصر القرآن. فبعد التجارب الفاشية التي مرّت بها البشرية خلال قرون النهضة؛ أي بعد أن عجز البشر عن صياغة نظام للحياة الإنسانية يتناسب مع الثورة العلمية المدهشة، بدأت السُبل تتفتح تدريجياً على نهج التوحيد وسبيل الدين.
لقد أضحى الإنسان اليوم أقرب إلى النضج، وما تخلى عنه وتناساه في غمرة الغرور والجهل اللذين ترافقا مع عصر التقدم العلمي،عاد ليبحث عنه اليوم.
وبحث الإنسان عن ضالته التي تناساها وأدار لها ظهره في السابق، يتم في العصر ذاته الذي حقق فيه الدين حاكميته في بقعة نم بقاع العالم ـ إيران ـ واستطاع أن يمسك من خلال ثورة استثنائية إذن تلك التي حل في هذا العصر، يستطيع من خلالها القرن أن يظهر إمكاناته في هداية الفكر والسلوك الإنسانيين، ويبرز قدراته في القيمومة ـ على الحياة ـ([4]).
تبدو العقول العليلة للمحللين الماديين، عاجزة حتى الآن، عن فهم وتحليل الحوادث الإسلامية التي احتضنها العقد الأخير ـ أجل، هذه العقول لا تستطيع أن تدرك ما حصل فعلاً. فقد مضت مائتا سنة على جهود الاستعمار في العالم الإسلامي، استخدم فيها ألوف الوسائل من أجل حذف الإسلام ودفعه خارج ميدان الحياة، بل ودفعه بعيداً حتى عن صفحة أذهان الناس وقلوبهم ـ والأهم من ذلك إنه بعد قرون مما نال الدين من توجيه سيء وتلقين سلبي، على يد القوى المستبدة، وما طاله من انحرافات لا تحصى على يد وعاظ السلاطين والعلماء المرتبطين بالبلاط، حتى أثّر ذلك على صفائه ووضوحه، وتحوّل إلى دواء لا أثر له،وجسم لا روح فيه، بعد هذا كلّه وإذا بالإسلام يعود اليوم يبسط جناحيه في قلب العالم الإسلامي، ويبسط بظلال رحمته في جميع أرجاء دنيا الإسلام، وكأنه شمس وضّاءة أشرقت على قلوب المسلمين، فمنحتهم الروح والنشاط والأمل.
الذي يوقع أولئك المحللين في حيرة، هو كيف استطاع هذا الإسلام، الذي بدأ يختفي تدريجياً ليلفه عالم النسيان من دون أن تكون له القوة على بعث الأمة في القلوب الملتاعة، أن يتحوّل إلى مُلهم، بل إلى أمل وحيد للشعوب الإسلامية، وبالذات للشباب، ولذوي المعاناة واللوعة؟
إنّ فهم وتحليل هذا المسار المذهل، وإن كان غير ممكن لتلك العقول الأجنبية، الغريبة عن حقيقة الإسلام الجاهلة بماضيه الواقعي، إلاّ أنه يتمثل لأصحاب البصيرة بكلمة واحدة: إنها معجزة الثورة.
لقد تجلت النهضة الإسلامية في إيران بقيادة منقذ العصر الزعيم الكير الإمام الخميني ـ رضوان الله عليه ـ في إطار ثورة عظيمة، اتّبع فيها الإمام نهج النبي الأعظم والرسول الخاتم سنام الوجود وذروة ولد آدم محمد المصطفى (ص).
وهذه هي طبيعة الثورة، إذا قامت على بُنى سليمة ومنطقية، تأتي بركاناً مدوياً يزلزل الأركان، وتؤثر في كل ما حولها.
لقد نهض مصلحون إسلاميون وظهر مفكرون خلال المائة وخمسين سنة الماضية، رفعوا راية الدعوة الإسلامية ومارسوا أحياء الفكر الإسلامي، وذلك من قبيل السيد جمال الدين ومحمد إقبال وغيرهما ورغم ما قدمه هؤلاء من مكاسب جليلة، إلاّ أن مسارهم ـ بأجمعهم ـ اكتنفه نقص كبير تمثل باكتفائهم بممارسة الدعوة الإسلامية وإصلاح المجتمعات المسلمة، ليس بقوة الثورة وحركيتها بل بالجهد الثقافي فقط، وبأدوات الكتابة والبيان، وذلك بدلاً من أن يتجهوا بجهودهم نحو تفجير ثورة إسلامية.
النهج الذي سار عليه أولئك المصلحون والمفكرون، هو نهج ممدوح وهم مأجورون عليه،ولكن لا ينتظر منه أبداً، نتائج كتلك التي أمرها نهج أولي العزم من الأنبياء، وهم صنّاع المقاطع الأصلية في التأريخ واللحظات الحاسمة فيه.
إنّ عمل المصلحين والمفكرين ـ في اقتصارهم على الدعوة دون الثورة ـ لا يوفر في حال خلوه من العيوب السياسية والنفسية، سوى أرضية لانطلاق حركة ثورية، ليس أكثر.
على ضوء ذلك يُلحظ أن السعي الحثيث المثابر لأولئك المصحلين والمفكرين، لم يستطيع في جهود المخلصين من هذه الجماعة، أن يوقف أبداً الحركة العكسية التي كانت تسير بالمسلمين نحو الانحطاط، كما لم تفلح في إعادة مجد المسلمين الغابر، وعظمتهم الآفلة التي كانت يتحدث عنها أولئك، ويتجرعون في سبيل استعادتها الغصص والآلام، ويذرفون من أجلها الدموع.
الأكثر من ذلك إن جهود أولئك المصلين والمفكرين، لم تنهض حتى بتقوية المعتقد الإسلامي على نحو واسع بين الجماهير المسلمة، بحيث تستنفذ طاقاته في خدمة المسار كما لم يستطع أولئك أن يمتدوا بجغرافية الإسلام ويوسعوها.
هذا ما يتفاصل بشكل كامل مع نهج نبي الإسلام (ص)، كما لا يخفى على أي إنسان له أدنى إطلاع على تأريخ بعثة النبي الأعظم (ص) وهجرته([5]).
يُعد القرن الحاضر، قرن ظهور المصلحين الكبار. فكم ظهر من كبار المصحلين، والثوريين، والسياسيين منذ أواسط القرن الماضي حتى اللحظة، وكم هي الحركات الكبيرة التي فجّرها أولئك ودفعوها في العالم، أو في جزء منه! نحنُ نعرف تلك الحركات، بيد أن أياً منها لا يقاس بهذه النهضة العظيمة، وهذه الثورة المعنوية العالمية.
لقد جرى اسم الله، ونطقوا بـ "بسم الله" في برلمانات بلدان كان الدين فيها يعد جريمة رسمية، وهو ينظر إليه كشأن قديم لفّه غبار النسيان، وتقليد مضر ولّي زمانه، وأُلقي به بعيداً بحيث لا ينظر إليه أحد!
وليس هيناً ولا أنّه شيء عادي صغير أن ترتفع راية المعنى والإسلام في العالم المادي([6]).
أضحت جميع آمال الأنبياء والأولياء قابلة للتحقق على أيديكم ـ أنتم الشعب الإيراني ـ فكل ما كان للأنبياء من آمال كبيرة على صعيد استقرار العدل الإلهي، وإنقاذ المستضعفين، وإزالة الظلم على المستوى العالمي، هذه جميعاً أصبحت قابلة للتحقق.
بديهي أن الوعد الإلهي القاضي باستقرار العدل العالمي الكامل في عهد ظهور بقية الله فقط ـ الإمام المهدي أرواحنا له الفداء ـ هو حق لا ريب فيه. بيد أن بمقدور شعب مؤمن مجاهد، أن يمهّد الأرضية لهذه الحكومة، كما استطاع الشعب الإيراني أن يفعل ذلك حتى الآن ويسيطر على الكثير من المشكلات([7]).
إنّ عصرنا هو عصر الحوادث الكبيرة. فقد وقعت على المستوى العالمي، وعلى مستوى بلدنا خاصة الكثير من الوقائع العظيمة. كانت أولى الحوادث هي واقعة الثورة هذه، الظاهرة الاستثنائية الكبيرة. ثم جاءت الثانية متمثلة بتأسيس الجمهورية الإسلامية. والجمهورية الإسلامية هي نظام قائم على أساس القيم الأخلاقية والمُثل المعنوية والدينية، وذلك في وقت كانت الأجهزة الاستكبار تسعى فيه لعزل القيم المعنوية والأخلاقية وازوائها جانباً حتى تكون عرضة للنسيان التام. وفي مثل هذه الأجواء كان تأسيس نظام على أساس القيم المعنوية، هو عمل عظيم، أشبه ما يكون بالمعجزة. بل يحكي تبديل هذا الشعب من الضعف والاستسلام والخنوع، إلى شعب مقاوم شجاع مواجه؛ يحكي بحدِّ ذاته حصول تحوّل عظيم.
وأمامنا الكثير من الأعمال العظيمة التي وقعت على هذه الشاكلة في عصرنا وفي بلدنا([8]).
شكّل انطلاق هذه الثورة طموحاً للشعوب الإسلامية جميعاً. ولا نبالغ إذا قلنا إن جميع المصلحين والمفكرين والأحرار كانوا يطمحون طوال التأريخ. بأيام مثل هذه للإسلام والمسلمين.
كم بُذِل طوال عشرات السنين من الثروات والفكر؟ وكم ارتكبت من الجرائم والأكاذيب والدعاية المضادَّة من أجل إقصاء الإسلام كلياً عن حق حياة البشر؟ ثم جاءت ثورتنا في مسار معاكس تماماً لما كان يريده الشياطين وأعداء الإسلام.
أضحى الإسلام عزيزاً، واستيقظت الشعوب الإسلامية، ووصلت النهضة الإسلامية في الكثير من البلدان الإسلامية إلى الذروة.
لقد أضحى الإسلام اليوم ومعه الثورة الإسلامية والنهضات الإسلامية يمثل قيمة وطنية واجتماعية وسياسية كبيرة، حتى بلغ الأمر إلى أن يتحدّث عن الإسلام ويضرب على وتره، مَن لم تكن له أية علقة به، لمصالح زمنية.
أصبح الإسلام اليوم عزيزاً([9]).
يزخر واقع العالم اليوم بالكذب والأحابيل والشهوة، وهو يميل لترجيح القيم المادية على القيم المعنوية، هذه هي الدنيا، وهذه الخصائص لا تقتصر على هذا الزمان، بل منذ قرون والجانب المعنوي في الدنيا ينحدر نحو الضعف والأفول.
لقد سعى أصحاب القوى إلى إقصاء المعنويات، وسعى أرباب السلطة وعبدة الثروة والمال إلى بسط نظام مادي في العالم، تتربع على قمته سلطة مثل أمريكا، هي الأكثر من غيرها كذباً وخديعة وإهمالاً للفضائل الإنسانية، وأشدّها قسوةً على بني البشر.
قوة مثل هذه تتبوأ رأس النظام، يليها حلفاؤها كلّ حسب مرتبته. هذا هو وضع العالم اليوم.
والثورة الإسلامية في مؤدّاها هي إحياء ثانٍ للإسلام، إحياء لقيمة {إن أكرمكم عند الله اتقاكم} (الحجرات ـ 13). وقد جاءت هذه الثورة وأمامها مهمة ضرب مرتكزات ذلك النظام الخاطئ، لكي تصوغ بديلاً عنه نظاماً جديداً([10]).
الأثر المباشر الذي ظهر على المستوى العالمي، لثورة دينية وإسلامية، هو تأسيس نظام سياسي واجتماعي يقوم على مباني الدين.
كانت واقعة عظيمة جذبت العالم إلى الدين ـ سواء كان الإسلام أم غيره ـ وجدّدت النظرة إلى مسائل الدين.
والذي حصل بعد ذلك بفعل الآثار غير المباشرة لثورتنا، هو اضمحلال قواعد التفكير المادي، الذي كان هذا التفكير والنظام المنبثق منه يسوّق على نطاق عالمي ويدفع بادّعاءات كبيرة، على أساس أنه يستطيع أن يدير الحياة البشرية!.
لقد وقف هذا الفكر وهذا الاتجاه حائلاً عشرات السنين دون الظاهرة المعنوية، سواء تمثلت بالفكر أو العلم أو الأخلاق. أو أي شيء مفيد.
لقد انهار هذا الفكر مرّة واحدة وكأنه عمارة من ثلج، وقد ذاب كالملح في الماء، تماماً كما حدث لبني أمية والمنصور العباسي عندما انهار البناء الذي أشادوه، لأن ظاهره وإن كان يشبه الصخر إلاّ أن حقيقته كالملح، فسرعان ما تهاوى وذاب.
بعد الانهيار المدوّي لذلك الفكر ـ وأنظمته ـ أخذ عالم المعنى يعبّر عن نفسه. وقد اتضح أن النمو المعنوي، وازدهار الفكر الديني، وبالأخص ازدهار الفكر الإسلامي، لم يكن قد توقف في أتون ضجيج ذلك الفكر وأنظمته. ففيما كان أولئك يجهدون أن لا يبقوا له عيناً ولا أثراً، كان هو يواصل نموه.
ولكن غاية ما هناك أن الرياح العاطفة والضجيج والصخب والغبار كانت تمنع تبلور هذه الحقيقة الواقعية وتجليها، والآن بعد أن هدأ ذلك الصخب المجنون، عادت الحقائق لتعبِّر عن نفسها بجلاء([11]).
الجمهورية الإسلامية هي أم القرى ومركز الحركة العالمية للإسلام
واحدة من أهم مسائل العالم الإسلامي اليوم هي البغض والعداء الجنوني الذي تكنه الجبهة الشيطانية وبخاصة الشيطان الأكبر (أمريكا) للإسلام وللمفاهيم والعقائد الإسلامية. والعداء المخطط والشامل ضدَّ الإسلام وإن كان يعود إلى المرحلة التي ترافقت مع ظهور الاستعمار وما قام به المستعمرون في القرون المتأخرة عندما توجهوا للممارسة النهب والقتل في العالم الإسلامي، وتعاملوا مع الإسلام على أنه العقبة الكؤود والسد المحكم الذي واجه فتنهم، مما جعله عُرضة لهجوماتهم الشديدة سياسياً وثقافياً، ودفع بهم إلى غرس مخطط فصل المسلمين عن القرآن والإسلام بضروب المكر الشيطاني مثل إشاعة الفساد والانحلال والفحشاء، ولكن الأمر اختلف عندما انطلق بركان الثورة الإسلامية وراح يحرق آمالهم العراض ويذرها هباءً مع الريح، ويعيد إشاعة الأمل في قلوب المسلمين، وينعش الحياة في الإسلام ثانيةً على الصعيد العالمي.. فعندئذٍ اندفعت القوى الاستبكارية تهاجم الإسلام كالذئب الجريح وتندفع في معاداته بشكل شامل وجنوني. وهذا النمط من العداوة والهجوم لم يكن مستبعداً في غضون التحوّل الذي حصل.
ستتحقق حتماً السنن الإلهية القاضية بفضيحة أولئك وهزيمتهم إن شاء الله، تماماً كما نصَّ على ذلك القرآن {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة} الرعد /31. ولكن بشرط أن يلتزم المؤمنون بالإسلام وبوظائفهم إزاء هذه المؤامرات ويتوانوا فيها.
بديهي أن المركز الذي استهدفته الأمواج الأساسية لجميع المؤامرات التي ابتغت الغيلة للإسلام خلال العقد الماضي هو الجمهورية الإسلامية التي تعدّ أم القرى للعالم الإسلامي التي تعدّ أم القرى للعالم الإسلامي وطليعة حركته العالمية. لقد تلقى الشعب الإيراني خلال عقد من العداء الذي استهدف الإسلام والقوى الثورية العظيمة، أنواع الضربات. فهناك الحرب المفروضة التي دامت ثماني سنوات، الحصار الاقتصادي، وعدد لا يحصى من الهجومات السياسية والدعائية والاقتصادية ضدَّ الجمهورية الإسلامية، والتي انطلقت في حقيقتها بدافع الضغط على الإسلام، وعلى خلفية العداء له.
نحن نفخر بأننا أصبحنا على مدار سنوات هدفاً للقوى العالمية في غضبها الجنوني وحملاتها الانتقامية الشرسة ضدّنا. بسبب الجوهر الفريد الذي نحمله، متمثلاً بالإيمان بالله والعمل بالإسلام.
أجل: {وما نقموا منهم إلاّ أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} البروج / 8.
إن السر وراء الاعتلاء الإسلامي المعاصر واليقظة العامة للمسلمين، يكمن في انبثاق وليد مبارك في مركز دائرة هذه الحركة ـ إيران الإسلامية ـ متمثلاً بالثورة. لقد أينعت شجرة الإسلام الطيبة مرة أُخرى، وأثمرت الولادة، انبثاق الجمهورية الإسلامية بما تحظى به من بنية ثابتة استمدتها من الإيمان الإسلامي ومن القدرة الإيمانية للقائد والشعب.
لقد حافظ هذا الكيان على ثباته واستقامته، لم تنل منه دسائس الشياطين وسورات غضبهم وأحابيلهم، بل ظلّ عزيزاً مقتدراً رغم ظُلامته، ومضى وضاءً أمام العالم، ثابتاً على الدعوة إلى الإسلام باستقامة وصلابة .
إن للإسلام الأصيل طبيعة جذّابة يستقطب إليه القلوب السوية الخالية من الضغينة والبغض. وهذا الإسلام هو الذي طرحته ثورتنا وإمامنا أمام العالم للمرة الثانية، وعرضاه للقلوب المتطلعة.
لا مكان في مدرسة الثورة ـ التي أرسى إمامنا (الخميني) دعائمها. للإسلام السفياني والمرواني.. الإسلام الشكلي الذي يقتصر على الظواهر.. الإسلام الذي يكون في خدمة المال والقوة؛ وبكلمة: الإسلام الذي يكون آلة بيد السلطات وحرباً على الشعوب. لقد قضت مدرسة الثورة على ذلك النوع من "الإسلام" ليحل محلها الإسلام القرآني المحمدي (ص) إسلام العقيدة والجهاد.. الإسلام الذي يخاصم الظالم ويكون للمظلوم عوناً.. الإسلام الذي يكون حرباً ضدَّ الفراعنة والطواغيت؛ وبكلمة: الإسلام الذي يصعق الطغاة والجبارين ويشيد أركان حكومة المستضعفين.
حلَّ إسلام الكتاب والسنة في الثورة الإسلامية بدلاً من إسلام الخرافة والبدعة.. وصار إسلام الجهاد والشهادة بديلاً لإسلام القعود والاستكانة والذل.. وأخذ إسلام التعقل والتعبّد محله بدلاً من إسلام الجهل والتلفيق الالتقاطي... وأضحى إسلام الدنيا والآخرة بديلاً لإسلام عبادة الدنيا واسم الرهبانية والاعتزال.. وأمسى إسلام العلم والمعرفة بمكان إسلام التحجر والغفلة.. وإسلام الدين والسياسة بديلاً لإسلام التحلل واللامبالاة.. واستبدل إسلام المقاومة والعمل بإسلام الجمود واليأس.. وأخذ إسلام الفرد والمجتمع مكانه بدلاً من الإسلام الشكلي الذي لا روح فيه.. وصار الإسلام الذي ينقذ المحرومين بديلاً للإسلام الذي كان آلة بيد القوى الكبرى.. وبكلمة: أصبح الإسلام المحمدي الأصيل ـ في الثورة الإسلامية ـ بديلاً للإسلام الأمريكي.
إن استعادة الإسلام بهذه التركيبة وبهذا التكوين، وبمثل هذه الجدية كان سبباً لحالة الغضب الجنوني الشامل لأولئك الذين كانوا يتمنون زوال الإسلام ليس في إيران وحدها بل في جميع البلدان الإسلامية.. أو لأُولئك الذين لا يريدون للإسلام إلاّ أن يكون اسماً وحسب من دون محتوى، ووسيلة لاستحماق الناس واستغفالهم.
لذلك كله لم يتوان أولئك عن تضييع أي فرصة للهجوم على الجمهورية الإسلامية ومركز حركة العالم الإسلامي ـ إيران ـ وإلحاق الضرر بها والتآمر ضدّها منذ أول يوم انتصرت فيه الثورة الإسلامية حتى الآن([12]).
الدين عميق وراسخ في النفوس، إذ تكفي (في استعادة وره وتنشيطه) حركة تشير للاتجاه الصحيح، يُنفَض عنه الغبار المتراكم، ويُشار إلى إشكال التعاطي الخاطيء في فهمه. وهذا ما يخشاه الأعداء.. فهم يدركون أن هذه العملية (استعادة دور الدين وتنشيطه) ستلحق أضراراً فادحة بنمط الحياة الفاسدة والهيمنة الطاغوتية التي تتصف بهما أمريكا اليوم، وأذنابها وأياديها. لذلك تراهم يخشون هذه العملية (الصحوة الدينية والانبعاث الإسلامي) وقد أدركوا أن مركز هذه الحالة هي إيران المسلمة.
إعلموا أنهم يوظفون اليوم جميع قوتهم لإلحاق الهزيمة بالجمهورية الإسلامية، وهم لا يوفرون أية وسيلة يمكن أن تثمر بهذا الاتجاه ولا يتوانون عن ارتكاب أي عمل. والمحور في هذه الحركة المعادية هي أمريكا. وهذا ما يتضح من الإطلالة على المشهد. إن الإنسان ليذهل من مثابرة أمريكا وجديتها وهي تبحث عن سُبل إلحاق الأذى بإيران.. ويشعر أحياناً بالفرح وهو يتأمل المشهد، ويرى عجز أمريكا في تحقيق مبتغاها([13]).
لا تكمن المشكلة بالنسبة للإستكبار العالمي؛ وأسوء أشكاله المتمثلة بالحكم الأمريكي الظالم، في أنه فقد سوقه في إيران أو مصادر الثورة في هذا البلد وحسب. طبيعي لهذا العامل دوره لأنَّ المال والربح المادي هل هو كل شيء بالنسبة لأجهزة التراكم الرأسمالي. بيد أن هذا العامل لا يملأ الصورة برمتها، بل يمثل جزءاً من المسألة.
يدرك الجهاز الاستبكاري بما يتحلى به من رؤية مُستقبلية أن الحركة الإسلامية إذا شقت طريقها هذا الشكل وهي تتحلى بالثبات والإيمان والاعتماد على إيمان الجماهير وعواطفها، فسيصعب استمرار السلطة الاستكبارية لأمريكا وأياديها؛ بل سيغدو ذلك مستحيلاً. هم يعون هذا المعنى، والحق معهم، ونحن لا نتخفى على ذلك.
بديهي ليس لنا أي دور مباشر أو غير مباشر قد خططنا له في انطلاق الحركة الإسلامية في العالم، ولم يكن لنا مثل هذا الدور من أول الأمر أيضاً؛ وإنما هو دور الإسلام ذاته. إن عملية ثبات الشعب الإيراني وتمسكه براية الإسلام المناضل.. إسلام الحياة.. الإسلام المحمدي الأصيل كما كان يعبِّر إمامنا العزيز (وليس إسلام الإذعان أمام أعداء الله ولا إسلام الطاغوت أو الإسلام الأمريكي) وعدم ضعفه في ذلك، أدّت تلقائياً إلى انبعاث الأمل في دنيا المسلمين.
انطلاقاً من هذه النقطة وقعت على عاتقنا مسؤولية مهمة؛ فما أشرت إليه هو وصف للوضع العالمي والحالة الحساسة التي يتسم بها العصر، وبمعرفة حساسية المرحلة تتضاعف مسؤولياتنا جميعاً، وبالأخص مسؤوليتكم أنتم الشباب([14]).
لا يقتصر ما حدث على أن شعباً نهض ثائراً في بلدٍ من البلدان وأطاح بنظام تابع فاسد وأسس محله النظام الذي يريده وحسب، بل تجاوز المسألة هذه الحدود كثيراً. لا أُريد أن أزعم أن الشعب الإيراني كان يفكر بشكل واعٍ ودقيق بهذا الهدف الأسمى وبهذه المسؤولية المهمة الملقاة على عاتقه اليوم، منذ أول أيام المواجهة، بيد أن لاشيء الثابت أن هذا الشعب تحرك في الساحة ولم يرض باستمرار النظام البهلوي الفاسد والتابع وما يفضي إليه بقاؤه من مشكلات تحل بالبلد.
وهذا هو الإسلام الذي جذبه إلى الساحة، وحُبُّ الدعوة الإسلامية الذي دفعه إلى الميدان لمواجهة نظام فاسد مضاد للإسلام، والقضاء عليه وعلى أتباعه في البلد وتشييد نظام إسلامي بدلاً منه كما فعل ذلك إمام هذا الشعب وقائده العظيم.
وعندما أدرك الشعب هذا المعنى بذلك الدم والأرواح ونهض للمواجهة. هذا هو القدر الثابت ـ في قضية هذا الشعب مع النهضة ـ.
ولكن القضية اكتسبت بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية أبعاداً أوسع بكثير على المستوى العالمي. فقد أحسنت شعوب العالم فجأة والشعوب الإسلامية خاصة، إنها تشترك مع الشعب الإيراني ومع مليار من المسلمين في همٍ مشترك، يتمثل بابتعادها عن اصالتها وسقوطها ألعوبة بيد أوثان القوى الاستكبارية التي راحت تترك بصماتها على جميع شؤون حياة هذه الأمة وتعرض حياتها للدمار.
لقد توفرت الأمة الإسلامية العظيمة على هذا الوعي بشكل واسع بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران. وكان بروز هذا الوعي باعثاً في أن يكون العداء للإسلام وللجمهورية الإسلامية خاصة، جزءاً من البرنامج الأساسي للاستكبار العالمي آنئذٍ. أعني المعسكرين الشرقي والغربي ـ الذي قرّر الحؤول دون إمتداد آثار هذا النظام الإسلامي ونفوذه إلى الشعوب، لأن مثل هذا التأثير يخلق لهم المشكلات، وبذلك انطلق العداء لهذا الكيان([15]).
لا يمكن لكم أن تعثروا على امتداد التأريخ على صاحب دعوة حق لم يدخل في مواجهة مع الشياطين والطواغيت؛ وإن الطواغيت والشياطين والمعاندين لم يدخلوا في عملية صراع مشوبة بالعداوة والبغضاء والحقد ضدّه. إن الاستكبار العالمي يسعى راهناً إلى أن يخنق أي صوت ينطلق ضدَّ نظام ـ الهيمنة ـ الحاكم على العالم ويقضي عليه في مهده.
لقد أضحى صوت الإسلام أقوى صيحة وأبلغها، ضدّ نظام وحاكمي الاستكبار العالمي للقضاء على الظالم منذ أن انتصرت الثورة الإسلامية. كذلك صار القضاء على صوت الإسلام هو في طليعة وأهم أولويات الأعداء والطغاة. إن ما بذل طوال عقد أو إحدى عشرة سنة من انتصار الثورة من فعاليات معادية فادتها أجهزة الاستكبار العالمي على المستوى الدعائي والثقافي والسياسي والعسكري والاقتصادي ضدَّ الدعوة الإسلامية، ولا سيّما مركز الإسلام الثوري ـ إيران المسلمة ـ لم يضاهيه أي نشاط آخر بذله الاستكبار العالمي والقائمون على النظام الدولي تلقاء أية ظاهرة من الظواهر الأُخر([16]).
لاحظوا ما يفعله الآن أعداء الإنسانية؛ أي الجهاز الاستكباري وعلى رأسه القوى الشيطانية أمريكا وجميع القوى الشيطانية الأخرى التي تتابعها، ضدَّ القيم الإنسانية.. لاحظوا كيف يجرّوا البشرية إلى الابتذال والسقوط، وكيف يسخروا بجميع التجلّيات المعنوية!
لقد أضحت الجمهورية الإسلامية اليوم مرمى لسهام العداوة والبغضاء لأنّها رفعت راية المعنوية وراحت تسير في طريق الإسلام وتسعى من أجل الإسلام والقيم الإسلامية. إنَّ الإنسان ليدهش أحياناً لكل هذا العداء للإسلام وللمعنوية، فلماذا كل هذا العداء؟
لقد أنفقوا أموالاً طائلة لكي يشوهوا الجمهورية الإسلامية في عيون الناس وأمام العالم بما يبثوه حيالها من أكاذيب وتهم وسموم دعائية.
لماذا يحتاجون للعمل ضدَّ الجمهورية الإسلامية بهذا القدر؟ لأنَّ نظام الجمهورية الإسلامية ينطوي على جاذبية عظمى للشعوب لو تُرك وحالة دون دعاية مضادّة.
لقد استبد الغضب بالجهاز الاستكباري وبالأخص أمريكا، لأنهم يرون الصحوة الإسلامية تعم العالم الإسلامي وتتسع يوماً بعد آخر.
كانت الأُمنية التي تخالجهم هو أن تخبو شعارات الجمهورية الإسلامية في العالم بمرور الوقت وتصير قديمة، بيد أن شيئاً من ذلك لم يحصل.
ما دامت هذه الثورة قرينة باسم الله، فهي في مواجهة الشياطين أبداً.. وما دامت تأخذ بجانب المستضعفين المظلومين فستبقى في صراع مع الطغاة والمستكبرين والجبارين على الدوام.. وما دمتم تسعون من أجل القيم الإنسانية فلن يرضى عنكم ذلك الإنسان الذي يعادي هذه القيم.. لذلك عليكم أن تتهيئوا وتستعدوا نفسياً لكل ذلك.
إنّ بيد هذا الشعب اليوم راية عظيمة.. راية أيقظت الدنيا عندما اهتزت بأيديكم.. أنظروا إلى مآل الأوضاع الآن في فلسطين وشمال أفريقيا، وكيف يستعيد الإسلام حقه (المضيّع) في المجتمعات الإسلامية، وكل ذلك ثمرة لنهضتكم وما فعلتموه؛على حين كان الإسلام في حال هزيمة وفرار إزاء ثقافة الكفر والاستكبار.. بديهي الإسلام لا يفر أبداً، وإنما وهنَ المسلمون فأحسّوا بالضعف. في المواطن التي أضحى فيها لملايين المسلمين قسطاً من المشاركة في الحكم، لم يكن أحد يجرؤ على ذكر الإسلام قبل الثورة الإسلامية. وفي البلاد الإسلامية التي راح فيها أئمة الجمعة والجماعات يبادرون لتأسيس الصيغ التنظيمية، حيث راحت تزدهر المساجد وهي تتحوّل إلى مركز للحركة، لم تكن المساجد فيما سبق أكثر من أماكن لتجمع الشيبة وكبار السن والضعفاء. أما الآن فقد صارت موطناً للشباب ومصدراً للحركة والفاعلية، وكل ذلك ثمرة لنهضتكم ولقائدكم العظيم ذلك الرجل الإلهي (الإمام الخميني). ولذلك ترون أعداء الإسلام غاضبين عليكم.
يقول (سبحانه): {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} البقرة /120. فما دمتم متمسكين بالإسلام غير متخلين عنه، سيبقى أعداء الإسلام على معارضتهم لكم. والنقطة التي يثيرها العدو في هذا السياق تتلخص بما مفاده: ما دمت أعارض ذلك الشخص (الشعب أو البلد أو الأمة) فينبغي أن يزول من الوجود. لقد استطاعوا أن يغرسوا هذه القناعة في الشعوب الضعيفة والذي يثبت الآن هو عكس القضية تماماً؛ أي أن كل من يعارض الإسلام ينبغي أن يزول، وقد شقَّ الإسلام طريقه في العالم، وسيفعل ذلك مجدداً([17]).
____________________________
([1]) حديث قائد الثورة إلى جماعة من العلماء. 22/2/1369.
([2]) حديث قائد الثورة في مراسم الذكرى السنوية الأولى لوفاة الإمام الخميني، 14/3/1369.
([3]) كلمة قائد الثورة بمناسبة بداية الدور الثانية لأعمال مجلس الخبراء. 1/12/1369.
([4]) كلمة قائد الثورة إلى تجمع مدرسي مادة القرآن للصفوف الثانية الأولى. 20/7/1368.
([5]) كلمة قائد الثورة في الذكرى السنوية الأولى لوفاة الإمام الخميني، 10/3/1369.
([6]) حديث قائد الثورة في مراسم بيعة أعضاء مجلس الخبراء. 21/3/1376.
([7]) حديث قائد الثورة في مراسم بيعة حرفيي مدينة مشهد،ومؤسسة الخامس عشر من خرداد ومركز محو الأمية. 8/4/1368.
([8]) حديث قائد الثورة في مراسم بيعة أعضاء الحكومة، 16/3/1368.
([9]) حديث قائد الثورة إلى جماعة من الأحرار (الأسرى العائدين إلى أرض الوطن). 29/5/1369.
([10]) حديث قائد الثورة إلى قائد كتائب قوات التعبئة الشعبية. 22/4/1371.
([11]) حديث قائد الثورة في مراسم تجديد بيعة أعضاء مؤسسة باقر العلوم الثقافية. 1/11/1368.
([12]) كلمة قائد الثورة بمناسبة الذكرى الأولى لوفاة الإمام الخميني، 10/3/1369.
([13]) حديث قائد الثورة في لقاء مجموعة من الطلبة الجامعيين، وأعضاء اللجنة السباعية، وعوائل الشهداء. 2/3/1369.
([14]) حديث قائد الثورة في لقاء مجموعة من الطلبة الجامعيين، وأعضاء اللجنة السباعية، وعوائل الشهداء، 2/3/1369.
([15]) حديث قائد الثورة إلى أعضاء القوة الجوية بمناسبة يوم القوة الجوية. 19/11/1370.
([16]) حديث قائد الثورة إلى ضيوف مؤتمر الفكر الإسلامي، 12/11/1368.
([17]) حديث قائد الثورة في لقائه مقاتلي شهداء السابع من تير وأهالي الأسرى والمفقودين والمعلولين. 6/4/1369.
تعليقات الزوار