تضاد الثورة الإسلامية مع النظام السلطوي العالمي

يتضارب كيان المعنوية الإلهية المتمركز في إيران مع جميع ضروب الظلم والعدوان والفساد في العالم، لذلك ترى القوى العالمية مصممة على إلغاء هذا الكيان وإجتثاثه عملياً، وإن لم تستطع ذلك تعمد إلى تغيير محتواه.

يكمن خلافنا مع العالم أنّنا نريد شعباً يتمتع بالاستقلال الذاتي، لا أن يكون ذيلاً تابعاً للقوى المتجبرة في العالم المعاصر. إنَّ الأمر يشبه سلوك الشقاوات قديماً إذ لا يتحرك أحد في المنطقة إلاّ بإذنهم، وإذا قرّر الإنسان أن يتجنبهم فهم لا يتركونه إلاّ أن يدفع الإتاوة. إما إذا كان مع الإنسان شيئاً ذا قيمة فالويل له من هؤلاء فهُم لا يتركونه حتى يسلبوه ما عنده.

إنّ الوضع العالمي اليوم يشبه هذه الحالة، ولا يقتصر الأمر على الوضع الراهن، بل كان ذلك منذ انبثاق عصر الاستعمار.

الويل للبلد الذي يملك نفطاً.. يملك يورانيوم.. الويل للبلد الذي يملك معدناً مميزاً في الصناعة العالمية.. فمثل هذا البلد ينبغي أن يصير تحت هيمنة هؤلاء!

والعلاقة لا تتحرك في إطار التعامل العادل، حتى نقول نحن بلد يملك النفط، وأنتم بحاجة إلى النفط؛ فتعالوا ـ إذن ـ وتعاملوا كمشتري يدفع الثمن إزاء البضاعة التي يحصل عليها.

لو كان الأمر كذلك لما كان هناك صراع، فجميع البلدان النفطية تفرح ببيع نفطها؛ هذا لو كانت المعادلة تتحرك في إطار البيع والشراء. ولكن المسألة تتحرك في أفق آخر، فالاستبداد العالمي المهيمن على أُمور العالم لا يرضى بذلك، وإنما يعد كل شيء ثمين تمتلكونه عائداً إليه؛ ينبغي أن يستفيد منه. لذلك تراه يسعى للنفوذ ولتوسيع تغلغله، ويُعدّ كل ما يحول دون تغلغل هذا النفوذ ويمنعه شيئاً. والإسلام يمنع ذلك ولا يرضى به. وهذا موقف الإسلام ليس اليوم، وإنما أدرك الاستعمار ذلك منذ اليوم الأول لمجيئه، وعرف أن الإسلام سدّ كبير يحول دون مآربه. لذلك تحامل عليه؛ بالعداوة الشديدة والبغضاء. هذه هي المسألة.

ولما كان هؤلاء ـ الأعداء ـ متقدمين على الصعيد العلمي والتكنولوجي، ويستفيدون من وسائل اتصال حديثة، لذلك ترى صوتهم (رؤيتهم) تملأ أركان الدنيا وتصل لجميع الآذان، أما الكلام الذي يتضاد ـ ورؤيتهم ـ فيتلاشى ويضيع هباءً في الهواء([1]).

تعارض الجمهورية الإسلامية نظام الهيمنة الراهن في العالم، طبيعي نحن لا نعارض الترتيبات العرفية السائدة، فلكل ممارسة عرفها، ونحن نقبل الأعراف السائدة بين مختلف الشعوب. أما أن تكون الهيمنة في عالم السياسة، والحياة بيد عدد من البلدان الكبيرة والغنية بحيث تتلاعب بمصائر البلدان الأخرى، فهذا الذي نرفضه.

ونرفض أيضاً ما يراد من انحدار الثقافات المنحرفة الفاسدة التي تصدر من المجتمعات الأوروبية والأمريكية نحو المجتمعات الأخرى التي تحظى بثقافاتها الخاصة، بحيث ينبغي لما تراه أوروبا جيداً أن يكون جيداً بمعايير جميع الشعوب، ولو تعارض مع ثقافتها! كما نرفض الحالة التي تسعى أن تُعمّم المعيار الأوروبي بالاتجاه الآخر، إذ يكون كل ما تراه أوروبيا سيئاً ينبغي أن يكون شيئاً لدى بقية الشعوب ولو كان ذلك خلافاً لمعيار ثقافتها، كما هو حاصل الآن في العالم. هذا هو ما نرفضه.

إنَّ الثقافة المهيمنة بنظر الأوروبيين هي ثقافتهم وحسب، حيث ينبغي لهذه الثقافة أن تسود وأن يذعن لها الجميع. فكل ما يراه الأوروبيون حسناً ينبغي للبشرية أن تراه حسناً!

إننا واجهنا هذا "المنطق" ونواجهه.. والإسلام يواجه سلطة الهيمنة هذه في كل مكان يتواجد فيه، ولذلك يعارضون الإسلام.

تقضي الطبيعة السلطوية لنظام الاستكبار العالمي أن يواجَه أي شعب أو نظام لا يذعن لسلطته ولا يقدم له الإتاوة والرشوة. والقضية شبه سلوك اللصوص والشقاوات فإذا ما أعطيتهم الإتاوة والرشوة فتحوا لك الطريق، وإذا امتنعت ضايقوك.

وبذلك يتضح أن عداء الاستكبار العالمي لنظامنا هو أمر حتمي لا مفر منه. لقد أعلنا ذلك مراراً ـ وهذا جزء مما نعتقد به ـ إنهم لن يتخلوا عن إدامة عنادهم وعدائهم حتى ييأسوا. فما دام هناك أمل، ولهم فينا مطمع، فهناك معارضة.

أمّا إذا يأسوا من ضرب النظام والإضرار به وأحسّوا أنَّ النظام يتسم بالثبات بحيث لا فائدة من عمل شيء، ويأسوا من الحصول على شيء من النظام، فعندئذٍ يرتفع الخطر أو يقل([2]).

كانت إيران العزيزة وأرضها الواسعة المليئة بالخيرات، عرضة للقوى الظالمة المرتبطة بأمريكا والغرب قبل انتصار الثورة. فعلى مدى سنوات متمادية نهبوا الأموال.. ظلموا الشعب.. مزقوا نسيج العشائر.. خربوا المدن، وفعلوا كل ما يستطيعونه بالثروات الطبيعية لهذا البلد، الفرق بين عصر عائلة بهلوي أو عصور ملوك القاجار الملعونين. فتارة تسلط الروس على إيران.. وتارة الإنكليز.. وتارة الأمريكان، بحيث كان البلد مستباحاً للأجانب.

كانت الشركات الأجنبية تستأثر بأموال البلد وثرواته، ففي مرحلة برز دور الشركات الإنكليزية، وفي مرحلة أخرى جاء دور الشركات الأمريكية، وقبل ذلك كان دور الروس.. كانوا يستغلون البلد وينتهبون ثرواته كما يريدون.

أما عندما وصل الإسلام إلى الحكم فقد قطع نفوذ الأجانب وحال دون المعتدين الناهبين... لا تستطيع القوى الأجنبية أن تستغل هذا الشعب وتنهب ثرواته.. لقد فقدت القوى السياسية الخارجية سلطتها في هذا البدل وأضحى مصير شعبه بيده يفعل ما يريده.

إن القرار اليوم بيد الشعب وممثلي الشعب؛ يعني مجلس الشورى الإسلامي، وهذه الحكومة الخدومة، ورئيس الجمهورية ذي المواصفات الاستثنائية وبقية المسؤولين.. هؤلاء هم الذين يقرّرون ما يريدون بمنتهى القوة، وهم الذين يعملون على رغم إرادة العدو. وهذا كله ببركة الإسلام. ففي كل مكان يدخل فيه الإسلام تُقطع أيادي الأعداء والمستغلين. ولهذا السبب يعادون الإسلام([3]).

 

إشاعة الثقافة الخاطئة والفساد والفحشاء بين الشباب

ما دام العدو قد فهم أنَّ هذا الشعب اتحد ببركة الإيمان، وأنه عثر على قائد لا يهاب القوى الكبرى أبداً ببركة الإيمان، لذلك صار في حال عداء مع إيماننا وإسلامنا من خلال توظيف الوسائل الدعائية والسياسية، ووصمنا بأوصاف يحسب أنها تسيء إلينا، في حين نعدّها مجداً لنا، كقولهم عنّا إنا أُصولييون. نحنُ نفخر بعودتنا إلى أُصولنا الإسلامية، وههنا يكمن سرّ قوتنا.

لقد تمركزت دعايات الاستكبار العالمي في السنوات الأخيرة للنيل من إيماننا الإسلامي. ولكن شعبنا لن يغضي عن الذين تعرضوا للإسلام والإيمان بأي من ضروب الإهانة؛ لأنَّ الإسلام هو كل شيء بالنسبة للشعب.

إنَّ الإسلام والإيمان الإسلامي هُما رصيد عزنا ونصرنا؛ والإيمان هو الذي يصلح دنيانا وآخرتنا([4]).

يسعى العدو للسيطرة على شبابنا وأن نفقد هذه الشريحة من خلال إشاعة الثقافة الخاطئة والفساد والفحشاء، والذي يفعله العدو ثقافياً على هذا الصعيد ليس غزواً ثقافياً وحسب، بل ينبغي القول أنه هجوم ثقافي مكثف.. إنه غارة ثقافية.. إنه مجزرة ثقافية.

هذا هو ما يفعله العدو معنا اليوم([5]).

صحيح أن الضعف الداخلي لمجتمع من المجتمعات هو الأرضية التي يتحرك عليها هجوم الأعداء بيد أن الصحيح أيضاً أن العدو هو الذي فرض هذا الضعف على المجتمع السليم، بأدواته وإمكاناته، وكذلك ينبغي أن لا نقع في الخطأ ـ في تقويم المسألة ـ([6]).

أعداء الشعب الإيراني في سعي دائب لتحريف الرأي العام وسلب شبابنا إيمانهم الإسلامي، بواسطة العناصر العملية الخائنة([7]).

ثَمَّ مؤامرات ضخمة تستهدف الأُمة الإسلامية اليوم.. وَثمَّ مؤامرة تستهدف شعبنا أيضاً.إن فرض الحصار الاقتصادي علينا هو ضرب من المؤامرة.. وبث الفساد ونشر الفحشاء في مجتمعنا لتوريط شبابنا هو أيضاً نمط من المؤامرة.. وكذلك الأكاذيب التي تبث ضدنا.

إنهم يتآمرون لكي يضربوا وجودنا وكياننا من الأساس حتى تنهار القواعد([8]).

تتمثل إحدى وسائل الغزو الثقافي بفك عرى ارتباط الشباب المؤمن بدعائم الإيمان؛ الإيمان الذي يعد عنصر حفظ الحضارة. تماماً كالذي فعلوه بالأندلس قبل قرون. حين دفعوا الشباب إلى مستنقع الفساد والشهوة والسكر. هكذا ما يحصل الآن.

لقد ذكرتُ مراراً إن البعض يعتصره الألم وهو يرى عدداً من النساء في الشارع لا يتمسكن بالحجاب المناسب، من الطبيعي أنَّ هذا الأمر سيء، ولكنه ليس المنكر الأساسي.. المنكر الأساسي (جذور الفساد والسوء) هو الذي لا ترونه في الشارع (كناية عن الدهاء في الحركة والعمل).

سُئل أحدهم: ماذا تفعل؟ أجاب: أقرع الطبل! سُئل: ولكن لماذا لا يُسمع صوت الطبل؟ أجاب: غداً سيُسمع الصوت! إذ لم يكن الشعب والعناصر الثقافية يقظين ـ لا قدّر الله ـ فإنَّ أصوات انهيار القيم المعنوية الناتجة عن الهجوم المعادي الخفي والذكي ستُسمع متأخرة عندما لا يكون الأمر قابلاً للعلاج!.

ماذا علينا أن نفعل إذا أحكموا حلقة الحصار حول شاب من أهل الجبهة والحرب من شبابنا، إذ يوفروا له جهاز فيديو في الوهلة الأولى، ثم يثيرون شهواته من خلال مشاهدة الأفلام الجنسية الخليعة، ثم يجروه إلى مجالس الفحشاء والفساد؟ ليس هناك صعوبة تُذكر في جرّ الشاب إلى الفساد وهو في عنفوان شبابه، بالأخص إذا كان المفسدون يستندون إلى أُطر تنظيمية في ممارسة مهمتهم.

وهذا ما يفعله العدو الآن. لدي معلومات من مختلف مدن البلاد، إذ تصلني مثل هذه المعلومات، بحيث لا يكاد يمرّ يوم إلاّ وأسمع مثل هذه الوقائع.

مَنْ الذي يفعل ذلك غير العدو؟ عندما تهيمن الشهوة على الشاب يفقد إيمانه.. يبكي في بادئ الأمر.. ولكنهم يدفعوه نحو هذا المنحدر تدريجياً. إن الأعداء يمارسون اليوم عملية أفساد أولادنا في المدارس بهذا الشكل، في المدارس الإعدادية، بل حتى في المتوسطة.

يضعون أيديهم على إنسان يقوم بتوزيع المخدرات والصور الخليعة بين التلاميذ داخل المدرسة([9]).

تُبذل جهود حثيثة وواسعة في الوقت الحاضر لسوق الجيل الشبابي في المجتمع صوب الرذيلة والفساد الأخلاقي، وهذه الممارسة هي جزء أساسي من أقسام الهجوم الثقافية([10]).

أنا لا أعرف ما هذه الثقافة؟! ما هي هذه المصيبة التي عمت العالم من طرف الغربيين؟! الغربيون أن يُعَمِّموا هذه الثقافة، وهذا النمط من إدراك المصالح والمفاسد البشرية والأخلاق الاجتماعية على العالم أجمع، وعلى الجميع أن يذعنوا للثقافة الغربية هذه ويقبلوها!

إن واحدة من أكبر الجرائم التي تحصل اليوم، هي عملية التصدير والتعميم هذه([11]).

ثَمَّ حالة من الحساسية (الحصانة والترقب) إزاء أُمور تجري في هذا العالم، ولكن ليس هناك مثل هذه الحساسية إزاء تعرض المرأة للضرب من قبل زوجها. هناك الكثير من الزوجات اللائي يتعرضن للضرب بسهولة من قبل أزواجهن في أوروبا وأمريكا، ومع ذلك ليس هناك حساسية كبيرة حيال الظلم الذي يصيب المرأة من الرجل داخل محيط الأُسرة.

تُشير الإحصائيات إلى أن الزوجات والأبناء يتعرضون بسهولة لظلم أزواجهم وآبائهم داخل الأسر الأمريكية والأوروبية، وليس ثَمَّ ضجة كبيرة تُثار حيال هذا الأمر. أما عن حجاب المرأة فهناك حساسية!

فإذا ما خالفت شخصية أو فيلسوف أو نظام أو اتجاه سياسي معين عُريَ المرأة فتثار ضجة من حولهم.. ليس هناك حساسية حيال الكثير من ضروب الفساد والعادات السيئة، ولكن إذا ما اعتمد بل معين سياسة مضادة لتناول المشروبات الكحولية، فستثار من حوله ضجة في العالم، ويُهزأ به ويوصم بالرجعية!

على من يعود هذا النمط من الثقافة؟ وما هي البيئة التي تتعاطى عرى المرأة وتناول المعسكرات كأعراف سائدة؟ يعود هذا النمط إلى أوروبا، وهو ناشئ من الثقافة الأوروبية القديمة، وقد رسخت هذه التقاليد في مناطق أخرى من العالم، حتى إذا نهض احد لمعارضتها يكون ـ وكأنه ـ اجترح ذنباً كبيراً([12])!.

____________________________

 ([1]) حديث قائد الثورة في لقاء طياري (نهاجا) في قاعدة الشهيد بابايي الجوية في أصفان، 22/2/1369.

 ([2]) حديث قائد الثورة في مراسم بيعة العاملين في وزارة الأمن. 30/3/1368.

 ([3]) حديث قائد الثورة في تجمع أهالي جهار محال وبختايري في ملعب شهر كرد. 15/7/1371.

 ([4]) حديث قائد الثورة في مراسم بيعة أهالي مجموعة من المدن الإيرانية المختلفة مع سماحته، 14/4/1368.

 ([5]) حديث قائد الثورة إلى قادة كتائب قوات التعبئة الشعبية، 22/4/1371.

 ([6]) حديث قائد الثورة إلى العلماء وطلبة الحوزات وأئمة الجماعة. 7/5/1371.

 ([7]) حديث قائد الثورة في لقاء مع أبناء الشعب، 29/7/1371.

 ([8]) حديث قائد الثورة في ملعب تختي في خرم آباد. 30/5/1370.

 ([9]) حديث قائد الثورة إلى العاملين في وسائل الاتصال الجمعي ومسؤولي دوائر التربية والتعليم، 21/5/1371.

 ([10]) حديث قائد الثورة إلى أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية. 19/9/1371.

 ([11]) حديث قائد الثورة إلى ممثلي طلبة وفضلاء الحوزة العلمية بمدينة قم، 4/11/1371.

 ([12]) حديث قائد الثورة إلى أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافة 19/9/1371.

 

من كتاب: الثورة الإسلامية والغزو الثقافي